الحزب الهاشمي  

1- مقدمة لابد منها

2- نماذج من الكتابات التي تناولت هذا العمل حال ظهوره أول مرة

3- تأسيس

4- الكعبات

5- مكة حلم السيادة

6- قصي بن كلاب

7- الصراع على السلطة بعد قصي

8- بو هاشم من التكتيك إلى الأيديولوجيا

9- جذور الأيديولوجيا الحنيفية

10- ظهور النبي المنتظر

11 - العصبية والسياسة

12 - الدولة

13- مصادر البحث

حمل هذا الكتاب على جهازك

عودة الى الصفحة الرئيسية

الكعبات

 

هكذا تناثرت في الوسط الاجتماعي العربي جماعات البشر على هيئة قبائل متنافرة ؛ لا حكم فيها ولا سلطة إلا للعرف القبلي ، الذي يختلف بدوره باختلاف القبائل وظروفها . ومع تعدد القبائل تعددت المشيخات وكثر الشيوخ وأبطال الغزو ؛ أولئك الذين تحولوا بعد موتهم إلى أسلاف مقدسين ، وأقام لهم أخلافهم التماثيل والمحاريب ، ليلتمسوا عندهم العون كلما حزبهم أمر أو حل بهم جلل ، ومن أجل هؤلاء الصالحين السالفين ؛ أقيمت بيوت العبادة ، وشرعت طرق التقرب إلى الأرباب أو الأسلاف ( الرب لغة هو سيد الأسرة أو القبيلة وهو بعلها ) ؛ ومن ثم تعددت الأرباب بتعدد الأبطال والصالحين الراحلين ، وبتعدد الأرباب تعددت الكعبات ؛ حيث كانت الكعبة ( البناء المكعب ) هي الصيغة المعمارية المفضلة لبيوت أرباب الجاهلية ، وأحياناً أخرى كانت هذه الكعبات تقام تقديساً للأحجار الغريبة والنادرة ؛ مثل الأحجار البركانية أو النيزكية ، وكلاهما كان يغلب عليه اللون الأسود نتيجة عوامل الاحتراق ، ونظن هذا التقديس ناتجاً إضافة لغرابة شكل الحجر من كونه قادماً من عالم غيبي مجهول ؛ فالحجر البركاني مقذوف ناري من باطن الأرض وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات ، واحتسبته عالماً لأرواح السالفين المقدسين كذلك الحجر النيزكي ، وربما كان أكثر جلالاً ، لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور ؛ فهو يهبط بسرعة فائقة محتكا بغلاف الأرض الغازي ؛ فيشتعل مضيئا ومخلفاً وراءه ذيلاً هائلاً ، لذلك ؛ كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعاً لحسبانه ساقطاً من عرش الآلهة في السماء ؛ حاملاً معه ضياء هذا المكان النوراني : ثم كان طبيعياً أن يحاط بالتكريم والتبجيل .

ومع كثرة الأحجار القادمة من عند الأسلاف ، أو الهابطة من السماء ؛ كثرا أيضاً الكعبات . وعن الكعبات ومحجات العرب يقول الباحث ( محمود سليم الحوت ) : " يجب ألا يخطر على بال أحد أن مكة وإن ارتفعت مكانتها عن سواها من أماكن العبادة هي القبلة الوحيدة في الجزيرة ؛ فقد كان للعرب كعبات عديدة أخرى تحج إليها في مواسم معينة وغير معينة ، تعتر ( تذبح ) عندها ، وتقدم لها النذور والهدايا ، وتطوف بها ، ثم ترحل عنها بعد أن تكون قد قامت بجميع المناسك الدينية المطلوبة " (1) . وقد اشتهر من بيوت الآلهة أو الكعبات ما وجدنا ذكره عند الهمداني ( بيت اللات ، وكعبة نجران ، وكعبة شداد الأيادي ، وكعبة غطفان ) (2) ، وما ذكره الزبيدي ( بيت ذي الخلصة المعروف بالكعبة اليمانية ) (3) ، وما جاء عند ابن الكلبي ( بيت ثقيف ) (4) ، إضافة إلى ما أحصاه جواد علي ( كعبة ذي الشري . و كعبة ذي غابة الملقب بالقدس ) ومحجات أخرى لآلهة مثل ( اللات ، وديان ، وصالح ، ورضا ، ورحيم ، وكعبة مكة . وبيت العزي قرب عرفات ، وبيت مناة ) ( 5 ) ، هذا مع ما جاء في قول الأستاذ العقاد عن " ..

البيوت التي تعرف ببيوت الله أو البيوت الحرام ، ويقصدها الحجيج في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل .. وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة ، وهي بيت الأقيصر ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت رضاء ، وبيت نجران ، وبيت مكة .. وكان بيت الأقيصر في مشارف مقصد القبائل ؛ من قضاعة ولخم وجذام وعاملة . يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده .. فالأمر الذي لا يجوز الشك فيه أن البيوت الحرام وجدت في الجزيرة العربية ؛ لأنها كانت لازمة .. وقد اجتمع لبيت مكة من البيوت الحرام ما لم يجمع لبيت آخر في أنحاء الجزيرة ؛ لأن مكة كانت ملتقى القوافل ؛ بين الجنوب و الشمال ، و بين الشرق والغرب " ( 6 ) .

ويفهم من العقاد أن هذه البيوت كانت محرمة ولها أيامها الحرام ، لكن بيت مكة بالتحديد أخذ في التمايز ؛ لموقع مكة العظيم على طرق القوافل التجارية جميعاً ؛ حتى جاء وقت كما قلنا أصبحت فيه مكة ملتقى تجارة العالم ، وأصبح أهلها أهم تجار الدنيا . ويمكننا هنا التمييز بين مفهوم العربي الجاهلي لمعنى الألوهية ومعنى الربوبية ؛ فالألوهية تعني إلها غير منظور يسكن السماء ، ومن هناك يتساقط ملاط بيته الإلهي من أن لآخر ؛ على هيئة أحجار سوداء ، في حين أن الربوبية تشير إلى تقديس للأسلاف يتفق حجمه مع أهمية رابطة الدم عند العربي البدوي . وعلى هذا النحو ؛ عبد النبطيون حجراً أسود يرمز إلى الشمس كإله للسماء (7) ، وعبد الهذليون حجراً أسود يرمز لمناة ، وكان ذو الشري حجرا أسود ، وكذلك كانت الكعبة إطاراً لحجر أسود (8) ، كما كانت باقي الكعبات تتسم بذات السمة ؛ فهي أطر لأحجار سود .

 وسميت هذه الكعبات بيوت الله ؛ لأن كل بيت منها فيه حجر من بيت الإله الذي في السماء ؛ تمييزاً له عن الأرباب التي لم تكن سوى مجرد تماثيل أو أحجار بركانية توضع في أفنية الكعبات ؛ انتفاعاً ببركات الأسلاف الصالحين ، وتشفعاً بهم عند إله السماء .

وواضح لدى أي باحث أن هذا التفرق العقائدي ، وتعدد العبادات والأرباب ؛ قد ساعد بفعالية في زيادة الفرقة القبلية ، بحيث أصبح عائقاً دائماً ومستمراً في سبيل المحاولات التي قامت من أجل خلق كيانات سياسية في جزيرة العرب ؛ إضافة إلى الطبع القبلي الذي يأنف كبرياؤه وينفر من فكرة سيادة سياسية واحدة تلك المحاولات التي سبق أن أشرنا إليها مثل محاولات زهير الكلبي ، وعبد الله بن أبي ، وكندة ، والغساسنة ، والمنادرة ، وكان الدافع إليها جميعاً حلماً وأملاً أججه الشعور الآتي بإمساك عنان تجارة العالم ، ووجود هذا العالم مسترخياً ينزف في حروب طال مداها بين الإمبراطوريات الكبرى .

ولا تفوتنا الإشارة إلى أن مثل هذه المحاولات اتسمت بروح العصبية العربية الخالصة التي تجلت بدءاً في اعتناق المناطق العربية الواقعة تحت النفوذ الإمبراطوري ؛ أيديولوجيات أو مذهبيات دينية تخالف مذاهب الإمبراطوريات ؛ حتى بلغ الطموح مداه في هجمات عربية متفرقة لكنها شرسة كراً وفراً ؛ على حدود الدول العظمى ؛ إلى درجة أن الشعور العربي بلغ أوجه ؛ متمثلاً في فرح بالجزيرة كلها ، عندما انكسر الفرس بعظمتهم وجبروتهم أمام حلف عربي صغير لقبائل شيبان وعجل وبكر بن وائل ؛ في وقعة ذي قار (9) ؛ مما دفع بالحلم إلى الخروج من ساحة التمني إلى ساحة التوقع ؛ وربما التحقيق ‍ مرهوناً بشرط واحد هو تحالف وتوحد كتوحد العرب في ذي قار ؛ ذلك التحالف الذي بدأت تباشيره في شعور عام دفع الوفود القبلية من كل صوب وحدب ، إلى أن تحث خطاها بين الفيافي والقفار نحو اليمن ؛ لتهنئ معد بن يكرب أو سيف بن ذي يزن بطرده الأحباش ، وبعودة الحكم العربي إلى اليمن .

 

هوامش

_______

     

  1. محمود الحوت : في طريق الميثولوجيا عند العرب ، ص 133 .

     

     

  2. الهمداني : الإكليل ، بغداد ، ج8 ، ص 48 .

     

     

  3. الزبيدي : تاج العروس ، القاهرة ، 1306 هـــ ، ج2 ، 271 .

     

     

  4. الكلبي الأصنام ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ، ط2 ، 1924 ، ص 16 .

     

     

  5. د . جواد علي : للفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، للجمع العلمي العراقي ، بغداد ، د . ت ، ج5 ، متفرقات صفحات : 180 ، 152 ، 153 ، 217 ،224 .

     

     

  6. العقاد : طوالع البعثة المحمدية ، ص 130 و 131 .

     

     

  7. د . خليل أحمد خليل : مضمون الأسطورة في الفكر العربي ، الطليعة ، بيروت ، 1977 ، ص 43 .

     

     

  8. الحوت : في طريق الميثولوجيا عند العرب ، ص 59 : 62 .

     

     

  9. ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج1 ، ص 200