مجتمع يثرب

مقدمة

مجتمع يثرب قبل الإسلام

مجتمع الصحابة

المرأة في مجتمع يثرب

مجتمع الذكور والإناث

الجنس في مجتمع يثرب

مشكلة " المغيبات "

حمل هذا الكتاب على جهازك

عودة الى الصفحة الرئيسية

2ـ مجتمع الصحابة.

 

إن سنن الاجتماع ترفض أن تتغير الأنساق الاجتماعية في مجتمع معين وخاصة تلك التي استمرت مئات السنين ؛ في بضعة أعوام ؛ قد تنجح دعوة في تهذيب عشرات من المحيطين بالداعية ولكن القاعدة الشعبية العريضة تظل محتفظة بأنساقها وعاداتها ؛ ولا تتغير عندها إلا إذا تغيرت ظروفها المادية مثل : طرق الإنتاج وأدواته ووسائله ؛ بل أن بعض الملتفين حول صاحب الدعوة تغلب عليهم أعرافهم وطبائعهم المركوزة في أعماق نفوسهم والتي شبوا وشابوا عليها قبل اتصالهم به أو اتصاله بهم خاصة تلك التي تتعلق بالنوازع الطبيعية وفي أحيان كثيرة يفزعون إلى الداعية معترفين بمقارفتهم لما نـُهى عنه ؛ وهو يتسم بالحلم وسعة الصدر وبُعد النظر والفكر السديد والرأي الصائب فيعرف أن الطبع غلاب وأن النوازع البشرية لها هيمنتها فيغفر ويسامح ويتجاوز وينصح في رفق لأنه يدرك أنه حتى اللزيقون به بشر وأنهم عاشوا غالبية عمرهم في مجتمع له موجبات معينة وأنه من ؟ أعسر العسر التخلص منها ما بين عشية وضحاها - ولا يساق دفعاً لذلك في حالتنا موضع البحث أن المجتمع اليثربي دخله عامل جديد وهو دراسة القرآن وأحاديث محمد ؛ والذي يتولى الرد على هذا الدفع : كتب السير والتواريخ التي أخبرتنا الاشتغال بهذه العلوم اقتصر على عدد محدود من صحابة محمد في مسلم والبخاري عن أنس بن مالك قال : جمع القرآن على عهد محمد -صلى الله عليه وسلم - أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ؛ قلت لأنس : من أبو زيد ؟ قال : أحد أبناء عمومتي ) وحتى إذا أضيف إليهم ( عثمان وعلى وتميم الداري وعبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن العاص ) وكان معني ذلك أن مجموع من جمع أي حفظ القرآن تسع أو عشر أنفس في حين أن عدد الصحابة كان مائة ألف وأربعة عشر ألفاً ( قال أبو زرعة :قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم -مائة ألف وأربعة عشر ألفاً ممن روى عنه وسمع عنه قيل : يا أبا زرعة هؤلاء أين كانوا وسمعوا منه ؟ قال : أهل المدينة وأهل مكة وما بينهما والأعراب ومن شهد حجة الوداع )

 

فإذا كان عدد الصحابة مائة ألف وأربعة عشر ألفاً ولم يجمع القرآن منهم في حياة محمد سوى عشرة فقط - ألا يؤيد ذلك وجهة نظرنا ؟ أما أحاديث محمد فمن المتفق عليه أن من كان يجمعها اثنان فقط هما : أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص والأخير كان يكتب.

 

وحتى تكون لدى القارئ صورة صادقة عن هذا الأمر نورد بعض الأخبار- الموثقة - في هذا السياق :

 

1ـ ( قال بعض الأئمة : مات عبد الله بن مسعود قبل أن يختم القرآن ) وعبد الله بن مسعود معدود بين علماء الصحابة وخاصة في مجال القرآن وعلومه ولذا كان مغضباً لاستبعاده من اللجنة التي كونها عثمان لنسخ " المصحف الإمام " والتي ضمت زيد وكان ابن مسعود يصيح متوجعاً أو يتوجع صائحاً ( يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر )

فإذا كان صحابي مثل ابن مسعود لم يختم القرآن فما بالك بغيره !!

 

أما عن أحاديث محمد :

2ـ ( قال أبو هريرة : إنكم لتقولون ما للمهاجرين لا يحدثون هذه الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها وإني كنت إمرءاً مسكيناً ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني وكنت أكثر مجالسو رسول الله - ص - أحضر إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا )

 

وفي رواية : كان المهاجرون يشغلهم الصفق في الأسواق ( أي التجارة ) والأنصار العمل في الحيطان ( أي زراعة كرومهم وبساتينهم ) وفي رأينا أنها أدق لأنها تناسب حال الفريقين فالمهاجرون أصحاب تجارات والأنصار أصحاب زراعات.

هذه شهادة واحد من أعلام الصحابة تقطع بأن المهاجرين كانوا في شغل بالمتاجرة والأنصار تستغرق أوقاتهم أمور الزراعة :

 

فإذا كان هذا حال أعيان الصحابة فما هو حال العامة ؟

ولعل مما يكمل شهادة أبي هريرة الخبر الذي يذكر أن عمر بن الخطاب كان له جار من الأنصار وكانا يتناوبان الاهتمام بأرضيهما فيتولاها أحدهما يوماً وينزل الأخر إلى محمد وفي اليوم التالي يحدث العكس حتى كان يوم سمع فيه الأنصاري أن محمد اعتزل نساءه التسع فسارع إلى إبلاغ عمر بذلك ففزع فزعاً شديداً لأن ابنته الكبرى حفصة كانت من بينهن ولم تكن ذات حظوة مثل التي نالتها ابنة أبي بكر

 

3ـ ( عن ابن عباس - رضى الله عنه - عن عمر قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي - ص - ينزل يوماً وأنزل يوماً فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل عمل مثل ذلك ؛ فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بأبي ضرباً شديداً فقال : أثم هو ؟ ففزعت فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم

فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي )

فهذا هو عمر بن الخطاب وهو من " مجلس العشرة المبشرين بالجنة " الذي يشكل " مجلس شورى محمد " والذي حل محل " ملأ قريش " الذي كان يحكم مدينة القداسة قبل الإسلام ؛ كان يقضي نصف وقته في أشغاله الخاصة ؛ فما بالك بمن هو دونه رتبة وأقل لزوقاً بمحمد وأبعد صلة منه ؟!!

وابنه عبد الله بن عمر له درجة رفيعة بين أصحاب محمد ؛ تحدثنا الأخبار أنه أستغرق أربعة أعوام كاملة ليحفظ سورة البقرة ؛ ولا شك أنه كان يتمتع بما يسمي علماء النفس " الذاكرة الحرفية " وهي التي تحفظ النص الذي تسمعه أو تقرؤه حرفياً مثله في ذلك مثل باقي أقرانه ؛ لأن المجتمعات الأمية تعتمد على التلقي والحفظ لأن وسيلة إيصال المعلومات أو العلوم هي المشافهة وهنا يبرز دور " الحافظة " أو " الذاكرة الحافظة " . حتى في أيامنا هذه نجد الأمي يعتمد على ذاكرته أكثر من القارئ الكاتب الذي يعتمد على التدوين ؛ وليس معنى ذلك أن عبد الله بن عمر كان أمياً ولكننا نتحدث عن المجتمع الذي نشأ فيه .

 

إذن فما الذي جعل ابن عمر يستغرق أربعة أعوام ليحفظ سورة واحدة هي سورة البقرة في حين أننا نرى ونسمع عن أطفال دون العاشرة يحفظون القرآن كله !!! العلة في ذلك بلا مراء هي انهماكه في العناية بأعماله شأنه في ذلك شأن سائر المهاجرين الذين تحدث عنهم أبو هريرة فيما سلف.

 

وهذا هو نص الحديث أو الخبر الذي نقل إلينا استغراق عبد الله ابن عمر- أربعة سنوات ليجمع (= ليحفظ ) سورة البقرة وحدها :

 

4ـ (عن ميمون أن ابن عمر- رضى الله عنه - تعلم سورة البقرة في أربعة سنين ) .

 

هذه بعض الأخبار وكلها موثقة قدمناها كأمثلة فحسب تقطع بأن ما جاء به محمد من علوم كان تلقيها ودرسها وجمعها أو حفظها مقتصراً على عدد محدود من صحبة ومنحصراً داخل مسجده ؛ فضلاً عن أن المدة التي قضاها في يثرب لا تزيد على عشرة أعوام إلا ببضعة شهور وهي مدة قصيرة للغاية لا تكفي لتغيير أعراف القاعدة الشعبية العريقة وعاداتها في يثرب . ولذلك لم يكن مفاجأة أن تحفل دواوين السنة وكتب السير والتواريخ وعلوم القرآن مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وتفسير القرآنالخ بكم هائل من أخبار عن علاقات غير مشروعة مثل : الاغتصاب والزنا والدخول على المغيبات ؛ وتجاوز الأوامر والنواهي الصريحة مثل الجماع في نهار رمضان وفي الإحرام في الحج وأثناء حيض الزوجة أو استحاضتها .

وتلك التي لا تصل إلى حد اللامشروعية ولكنها تتنافى مع الحد الأدنى من الشعور الإنساني السوي مثل مجامعة جارية أو زوجة في ليلة وفاة زوجة أخرى وفضح الزوجة لزوجها العنين على رؤوس الأشهاد حتى عرفت القرية ( يثرب ) كلها بالأمر وتصر على طلب الطلاق لأنها لا تطيق الصبر على المجامعة والمفاخذة ولا تضع في اعتبارها أن تظل معه ولو لمدة يسيرة عسى أن تكون عنته أمراً عارضا أو راجعة لعامل نفسي قد يزول بعد قليل !!!

واعتراف امرأة أو أكثر أنها رأت في الحلم زوجها ركبها وظل يدعكها حتى ارتوت وأنزلت فما الحكم : هل تعتبر تلك جنابة فتغتسل منها ؟!!

وأخرى تصيح بأعلى صوتها حتى يسمعها من يسير في الطريق متمنياً أن تغيب في أحضان فتى جميل وبينهما قنينة خمر معتقة لتتضاعف لذتها وتزداد متعتها !

وثالثة يروق لها أجير زوجها فترتمي بين ذراعيه ولا تتركه إلا بعد أن يقضي لها وطرها فيكتشف زوجها ذلك فيشكوهما !

ورجل تأتيه امرأة تبتاع ( تشتري ) منه تمرا فيحضنها ويقبلها!

وآخر وفي المشاعر المقدسة ينتهز فرصة نوم امرأة فيعتليها غير عابئ بحرمة الزمان أو المكان.

وثالث يأتمنه صاحبه على أهل بيته عند سفره ليراعيهم ويقضي حوائجهم فما أن يبعد حتى يهجم الصاحب على الزوجة منتوياً اغتصابها !!!

ورابع يقابل امرأة كانت بغياً فتابت وأقلعت فيراودها عن نفسها !

وفتى حسن الوجه جميل الطلعة فتن نساء يثرب فأمر به الحاكم فحلق شعر رأسه فازداد بهاء فتضاعف وله اليثربيات به فنفاه . وهكذا وهكذا .

 

عشرات الصور التي حملتها كتب تلقتها " أمة الإسلام " بالقبول والتجلة أي لا مطعن عليها -تقطع بأن " مجتمع يثرب " لم يتغير لا في قليل ولا كثير وأن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة ذكر وأنثى وأنها كانت المحور الذي يدور حوله ذلك المجتمع وأن محمداً بذل جهوداً تفوق طاقة البشر ليتسامى ذلك المجتمع بها ولكن لرسوخ ذلك النسق الاجتماعي وتجذره وضربه حتى الأعماق فيه هذا من جانب - ولقصر المدة التي قضاها محمد بين جنباته من جانب - ظل ذلك المجتمع على حاله ولم يتغير إلا بنسبة ضئيلة.