عدم تحريف الكتاب المقدس

مقدمة

 التعريف بالكتاب المقدس

 محتويات الكتاب المقدس

 وحي الكتاب المقدس

 الاعتراضات والرد عليها

 إنجيل واحد أم أربعة؟

 أدلة عدم تحريف الكتاب المقدس

 أدلة عدم نسخ [أي تغييره] الكتاب المقدس

الخاتمة

 

عودة للرئيسية

الباب الثاني

عدم تحريف الكتاب المقدس

 

الآيات القرآنية التي توحي بالتحريف

  يقول البعض أن الكتاب المقدس الموجود بين أيادينا الآن هو كتاب محرف، استنادا إلى قول القرآن الكريم في:

+ سورة البقرة (75): "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون"

+ سورة النساء (46): "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه"

+ سورة المائدة (13): "يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظَّـا مما ذُكِّروا به"

+ سورة المائدة (41): " ومن الذين هادوا سماعون للكذب يحرفون الكلم عن بعد مواضعه"

   

    وللرد على ذلك نوضح ما يلي:

أولا: المقصود من هذه الآيات الكريمة.

ثانيا: شهادة الكتاب المقدس نفسه على عدم تحريفه.

ثالثا: شهادة القرآن الكريم على عدم تحريف الكتاب المقدس.

رابعا: شهادة المنطق على عدم تحريف الكتاب المقدس.

خامسا: شهادة علماء الإسلام الأفاضل على عدم تحريف الكتاب المقدس.

سادسا: شهادة علم الآثار والتاريخ عن عدم تحريف الكتاب المقدس.

 

الفصل الأول

مفهوم الآيات التي توحي بالتحريف

 

    والسؤال الخطير هو: هل فعلا معنى هذه الآيات هو تحريف الكتاب المقدس؟؟ أم أن لها قصداً آخر؟

    ونستطيع أن نضع صياغة أخرى للسؤال هكذا:

    هل هذه الآيات القرآنية الكريمة تعني يقينا تحريف نصوص الكتاب المقدس؟ أم أنها تعني التحريف بمعنى آخر؟؟

    لهذا يلزمنا أن نتفهم معنى كلمات هذه الآيات الكريمة، ثم نناقش المقصود من تهمة هذا التحريف.

 

أولا:

الآية الأولى التي تتحدث عن التحريف

 

+ سورة البقرة (75): "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون"

  1ـ  ما المقصود من هذه الآية الكريمة؟ 

 يقول الإمام البيضاوي: "أفتطمعون أن يصدقونكم (أي اليهود) وقد كانت طائفة من أسلافهم يسمعون كلام الله أي التوراة ثم يحرفونه أي يؤولونه ويفسرونه بما يشتهون من بعد ما عقلوه أي فهموه بعقولهم ولم يبق فيه ريبة". من كلام الإمام البيضاوي يتضح جليا أن تهمة التحريف ليست في نصوص الكتاب المقدس بل في تفسيره وتأويله.

2ـ وهناك ملاحظة أخرى هي:

أن هذه الآية توضح أن فريقا واحدا من اليهود هو الذي يقوم بتحريف التفسير، وليس كل اليهود، وهذا يثبت أن التحريف ليس في نص الآيات وإلا لكان اليهود جميعُهم وليس فريقا منهم هم الذين يرتكبون هذا الجرم.

3ـ وهناك ملاحظة ثالثة: وهي في قول الآية الكريمة:

 "يسمعون كلام الله ثم يحرفونه" معنى هذا أن كلام الله موجود غير محرف وهم لازالوا يسمعونه، بدليل قوله: أنهم بعد سماع كلمات الله يقول: ثم يحرفونه. (لاحظ حرف العطف "ثم"، واللغويون يعرفون جيدا أن معنى هذا الحرف "ثم" هو إفادة الترتيب في الأحداث، فيكون المعنى أنهم يسمعون كلام الله وبعد أن يسمعوه يحرفون معناه)

4ـ وملاحظة رابعة: في قول الآية الكريمة "من بعد ما عقلوه" يفيد أن هذا الفريق من اليهود يعقلون ويفهمون كلام الله نفسه ثم يقومون بتحريف معناه.

5ـ كما أن هناك ملاحظة أخيرة بخصوص قول الآية الكريمة "وهم يعلمون" ألا يفهم من هذه الكلمات أن هذا الفريق اليهودي يعلمون النص الصحيح لكلام الله ورغم ذلك يغيرون تفسيره؟؟

 

إذن فهذه الآية الكريمة لا تعني وقوع التحريف في نص كلمات الله، بل في تأويلها وتفسيرها بشهادة الإمام البيضاوي وغيره من المفسرين الأجلاء.

 

 

 

 

ثانيا:

الآية الثانية التي تتحدث عن التحريف

 

+ سورة النساء (46): "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا،واسمع غير مسمع، وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم، ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون  إلا قليلا"

لنا في هذه الآية الكريمة عدة ملاحظات:

(1) في القول: "من الذين هادوا" يلاحظ أنه لم يقل من النصارى. وبهذه المناسبة أقول: أنه لا توجد آية واحدة في القرآن الكريم تنسب إلى النصارى تهمة تحريف الكتاب المقدس سواء في نصوصه أو في معانيه.

(2) في هذا القول نفسه ينسب التحريف ليس لكل اليهود بل يقول "من الذين هادوا" إذن فبقية اليهود متمسكون بالكتاب ولا يحرفونه.

(3) في قول هذه الآية: "يحرفون الكلم عن مواضعه" لاحظ قوله عن مواضعه! فماذا يعني ذلك؟

1ـ يقول الإمام البيضاوي في تفسير هذه الآية الكريمة: "من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم عن موضعه أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بأن يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه"

2ـ وقد سمى القرآن الكريم ذلك "ليا بألسنتهم" أي يغيرون نطق الألفاظ بحسب لغتهم العبرية وأعطي القرآن الكريم لذلك مثلا في نفس هذه الآية إذ قال: "(وراعنا) ليا بألسنتهم " فيغيرون منطوق اللفظ راعنا (أي أصغ إلينا) فينطقونه "رعْنا" أي "يا أرعن" بالعبرية وهي شتيمة. [كتاب تفسير القرآن للإمام عبد الله يوسف علي ص 200]

3ـ فالتحريف المقصود في هذه الآية ليس المقصود منه التحريف في كلام التوراة بل التحريف في كلام اليهود مع النبي محمد، بدليل قول الآية "طعنا في الدين".

(4) يقول الإمام الرازي: "لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير الألفاظ" (كتاب ضحى الإسلام ص346و358 للأستاذ أحمد أمين) معنى هذا أن الإمام الرازي ينفي تهمة تحريف نصوص الكتاب المقدس.

(5) ويقول صحيح البخاري: "يحرفون الكلم عن موضعه أي يزيلونه وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله تعالى، ولكنهم يؤولونه على غير تأويله".

من هذا يتضح أن المقصود من آية سورة النساء ليس هو تحريف نصوص الكتاب المقدس بل تأويل المعنى عن طريق ليِّ اللسان ونطق كلمات الوحي بطريقة مغايرة بحسب ألفاظ لغتهم العبرية.

 

 

ثالثا:

الآية الثالثة التي تتحدث عن التحريف

 

+ سورة المائدة (13): " ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به"

    ولنا أيضا على هذه الآية بعض التعليقات:

(1) يقول الإمام الرازي: "إن المراد بالتحريف هو إلقاء الشبهة الباطلة، وتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى المعنى الباطل، بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعل أهل البدع في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذهبهم، وهذا هو الأصح"

من هذا يتضح أن التحريف ليس في كلام الله بل في تأويله وتفسيره.

(2) الدليل على صحة ما يقوله الرازي هو أن صحيح البخاري ذكر نفس الشيء، علاوة على أن الآية (15) التي جاءت في نفس سورة المائدة بعد هذا الكلام تقول: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب " فالقرآن الكريم  بهذا يفسر المقصود من التحريف وهو إخفاء أجزاء من الكتاب، وليس تغيير ألفاظ كلام الله.

(3) وقد جاء بكتاب الجلالين تفسيرا لهذه الآية وتوضيحا للموضوع الذي حدث فيه التحريف هكذا: "إن تحريف الكلم الذي في التوراة هو بخصوص محمد صلى الله عليه وسلم، وما يخفونه من الكتاب هو ما أمروا به في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم "

وهكذا نرى أن تفسير الجلالين لمعنى التحريف لا يخص تغيير الكتاب المقدس بل التهمة موجهة إلى إنكارهم لنبوة محمد واتباعه.

(4) وحقيقة الأمر أن الخلاف في موضوع التحريف بحسب هذه الآية هو قراءة نبوة موسى التي وردت في التوراة عن "النبي الآتي"،  على أنها "النبي الأمي" أي محمد، فأنكر اليهود هذا التأويل وهذا التفسير، فورد بالآية "يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به". هذا هو موضوع الخلاف وهو لا يمس تغيير نصوص الكتاب المقدس.

 

 

 

رابعا:

الآية الرابعة التي تتحدث عن التحريف

+ سورة المائدة (41): " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم لم يأتوك يحرفون الكلم عن بعد مواضعه يقولون: إن أوتيتم هذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا"

(1) يقول الإمام عبد الله يوسف علي في تفسيره ص 260: " يهود كثيرون كانوا شغوفين أن يمسكوا على النبي الكذب فكانت آذانهم مفتوحة للحكايات التي تقال عنه حتى من الناس الذين لم يأتوا إليه"

(2) ويفسر عبارة "يحرفون الكلم من بعد مواضعه قائلا: ""إن اليهود لم يكونوا أمناء مع كتابهم إذ كانوا يحرفون معانيه"

(3) يقول الإمام الزمخشري: "روي أن شريفا من خيبر زنى بشريفة، وهما محصنان، وحكمهما الرجم بحسب التوراة. فرفضوا رجمهما لشرفهما، فبعثوا رهطا منهم ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقالوا إن أمركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا. وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا. وأرسلوا الزانيين معهم. فأمرهم النبي بالرجم. فأبوا أن يأخذوا به، فجعل بينه وبينهم حكما هو الحبر اليهودي ابن صوريا فشهد بالرجم" وقالوا في ختام القصة أن النبي بعد شهادة الحبر اليهودي ابن صوريا أمر برجمهما. فرجموهما عند باب المسجد، لأقامة حد التوراة عليهما. وهكذا أجمع المفسرون أن أسباب نزول هذه الآية في سورة المائدة هو هذه القصة. فالتحريف المقصود هو في تفسير حكم الرجم بالجلد، وليس تغيير نصوص الكتاب المقدس.

(4) جاء في الجلالين "نزلت هذه الآية في اليهود إذ زنى منهم اثنان، فتحاكموا إلى النبي، فحكم عليهما بالرجم. فجيء بالتوراة، فوجد فيها الحكم بالرجم، فغضبوا"

(5) إن استشهاد النبي محمد بحكم التوراة هو دليل أكيد على اقتناعه بعدم تحريف الكتاب المقدس.

وهكذا أيها المستمعون الكرام نرى أن لفظ التحريف الذي ورد بالقرآن الكريم إنما يقصد به موقف فريق من اليهود من حادثتين شهيرتين هما:

1ـ تأويل اليهود لحكم الرجم بالجلد.

2ـ نفي قراءة "النبي الآتي" على أنها "النبي الأمي"

      وأريد أن أوجه النظر إلى الملاحظة التالية:

 

 

علم البيان في لغة القرآن:

 

   فمن أساليب البيان التي استخدمها القرآن الكريم: أسلوب التخصيص في مظهر التعميم، كقوله في سورة النساء (53) "أم يحسدون الناس على ما أتاهم من فضله" وقد فسر الإمامان الجلالان ذلك بالقول: يحسدون الناس صورة تعميمية يراد بها التخصيص وهو شخص النبي محمد إذ يحسدونه على النبوة وكثرة النساء"

هذا هو أسلوب التخصيص في مظهر التعميم الذي استخدمه القرآن الكريم في استخدام عبارة "يحرفون الكلم عن موضعه" فهذه صورة تعميمية يراد با التخصيص أي:

   1ـ تأويل اليهود لحكم الرجم بالجلد.

   2ـ نفي قراءة "النبي الآتي" على أنها "النبي الأمي".

   فماذا نقول للعامة الذين لا يلمون بأساليب التفسير القرآني بحسب علوم اللغة والبلاغة والبيان؟؟

 

الفصل الثاني

شهادة الكتاب المقدس لعدم تحريفه

 

    يقول البعض أن الكتاب المقدس الموجود بين أيادينا الآن هو كتاب محرف، وقد تناولنا في الفصل السابق مناقشة آيات القرآن الكريم التي توحي بالتحريف، وثبت لنا أن تلك الآيات الأربعة لا تتكلم عن وقوع ما يسمونه التحريف في ألفاظ الكتاب المقدس بل في تفسير معانيه بخصوص قضية الرجم والجلد، وموضوع النبي الآتي أم الأمي. ولادخل لذلك بجوهر الكتاب المقدس وألفاظه وكلماته كما ثبت لنا بالدليل القاطع من الآيات القرآنية الكريمة.

واليوم نواصل الموضوع بإيضاح:

 

أولا:

من أقوال السيد المسيح

 

يؤكد السيد المسيح استحالة تحريف الكتاب المقدس في أكثر من موضوع، فيقول في:

1ـ (بشارة متى24: 35):

       "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول"

2ـ (بشارة متى5: 18):

   " فإني أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل".

ثانيا: عقوبة التحريف

جاء في الكتاب المقدس ما يؤكد استحالة وقوع التحريف في الكتاب المقدس، بسبب توقيع الجزاء الصارم على من يحاول أن يزيد أو يحذف شيئاً منه فيقول في:

(سفر رؤيا 22: 18-19):

     "إن كان أحد يزيد على هذا، يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المكتوب في هذا الكتاب".

   فمن يجرؤ بعد هذه التحذيرات والإنذارات أن يمس الكتاب المقدس بالزيادة أو النقصان.

الفصل الثالث

شهادة القرآن الكريم

لعدم تحريف الكتاب المقدس

    إذا أردنا أن نرد على المعترضين بآيات من بالقرآن الكريم تثبت صحة الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وعدم تحريفه لزم أن نسألهم سؤالا هاما وهو:

    متى حدث التحريف بحسب رأيكم؟

    هل قبل زمن محمد؟

    أم بعد عصر محمد؟

    دعنا نناقش ذلك.

الادعاء الأول

هل حدث التحريف

قبل زمن النبي محمد؟

 

    يقول أصحاب هذا الرأي أن الكتاب المقدس قد حرف قبل زمن النبي محمد. ففي برنامج على فضائية [A.R.T.] أخذ أحد دعاة الإسلام يشكك في صحة الكتاب المقدس بناء على أن أقدم نسخة خطية للتوراة موجودة الآن تعود إلى القرن الأول ق.م وأن عصر موسى كان في القرن 13 ق.م. وادعائه هو: من يضمن أن التوراة لم تحرف في الفترة التي قبل القرن الأول ق.م.

    والحقيقة أن الرد على هذا الاعتراض في منتهى البساطة وهو موجود في القرآن نفسه. فالقرآن يشهد بصحة الكتاب المقدس وأنه هو كلام الله المنزل والموحى به، وأنه لم يتغير أو يتحرف كما يتضح مما يلي:

 

أولا: القرآن يشهد لصدق وصحة الكتاب المقدس

الذي كان موجودا في زمن النبي محمد:

 

1ـ سورة المائدة (47): "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه".

       ما معنى: مصدقا لما بين يديه؟ وما المقصود بالكتاب؟  وما معنى مهيمنا عليه؟

      وقد أجمع المفسرون أن الله قد أنزل القرآن بالحق "مصدقا لما بين يديه" أي يصدق على ما جاء بالكتاب الموجود في زمن محمد أي التوراة والإنجيل و[مهيمنا عليه] أي شاهدا له [تفسير الجلالين لهذه الآية من سورة المائدة].

2ـ سورة أل عمران (3):

     "نَزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس" .

3ـ يونس(37):

    "وما كان هذا القرآن أن يُفتري من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه" .

    وقد ورد بالقرآن 12 آية تشهد أن القرآن يصادق على الكتاب المقدس الذي مع أهل الكتاب في زمن محمد [وللمزيد عما ذكرنا من آيات، ارجع إلى سور: البقرة 41، 89، 91، 97، والنساء46، والأنعام92، ويوسف111، وفاطر31، والأحقاف22] فلو كان الكتاب المقدس محرفا لما قيل أن القرآن مصدقا له وشاهدا على صحته وإلا كان ذلك طعنا في القرآن واتهاما له بالتزوير، فهل يقبل أيُّ مسلم ذلك في حق القرآن الكريم؟

 

ثانيا: القرآن يوضح أن الله يأمر النبي محمد

والمسلمين بالرجوع إلى الكتاب المقدس:

 

(1) الله يحيل النب محمد إلى الكتاب المقدس ليزيل ما عنده من شك في القرآن نفسه:

    سورة يونس (94):

     "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين  يقرأون الكتاب من قبلك"    [تعاد للتأكيد]

         ما معنى هذا الكلام؟ معناه أنه إن كان محمد في شك من القرآن الذي أنزل إليه، فعليه أن يسأل اليهود والنصارى الذين عندهم الكتاب من قبله، وفي هذا شهادة لصحة الكتاب حتى زمنه وإلا ما قيل له أن يسألهم، لأنه منطقيا كيف يسأل أصحاب كتاب محرف؟

(2) ويأمر النبي محمد بالاقتداء بالكتاب المقدس والأنبياء الذين هداهم:

    سورة الأنعام (90) "وأولئك الذين آتيناهم الكتاب والحُكْم والنبوة أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقْتدِه"

ويوضح مجمع اللغة العربية في المعجم الوسيط معنى كلمة اقتده بالقول: [يفعل مثل فعله أي يقتدي به وفي التنزيل العزيز "فبهداهم اقتده"] (المعجم الوسيط الجزء الثاني ص 720)

     فلو كان الكتاب المقدس محرفا في زمن محمد فكيف يأمره أن يقتدي بهداه؟؟؟

(3) ويأمرهم بالرجوع إلى أهل الذكر أي أهل الكتاب ليتعلموا منهم إن كانوا لا يعلمون!

سورة النحل (43): "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر"

        فلو كان الكتاب محرفا في زمن النبي محمد هل كان يأمرهم بالرجوع إلى أهل الكتاب؟؟؟

  ثالثا:الآيات التي تثبت أن محمدا كان يستشهد

بالتوراة والإنجيل الذي كانا في عهده وهذا دليل على صحتهما:

1ـ سورة القصص (49): "قل: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما فأتَّبعُه

ما أقوى هذه الشهادة!! ففي هذه الآية القرآنية الكريمة: أن الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) هو من عند الله. وأنه صادق ليتبعه محمد.

2ـ سورة المائدة (70): "قل: يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم" فهو هنا يطلب من اليهود والنصارى أن يحكموا التوراة والإنجيل ويقول بما أنزل الله فيهّ!!!! أليس في هذا شهادة قوية على صحة الكتاب وعدم تحريفه في زمن النبي محمد؟؟؟

3ـ سورة المائدة (45):

  "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله".

     تشهد هذه الآية للتوراة التي كانت في زمن محمد بأن فيها حكم الله أي يشهد بصحتها، وإلا ما كان قد قال هذا الكلام.

4ـ المائدة (47):

     "وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه".

وهذه الآية أيضا تشهد بصحة الكتاب المقدس في زمن محمد لأنه يستشهد به ويطلب من النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه.

فإن كان الكتاب المقدس محرفا فكيف كان النبي محمد يستشهد به. هل يستشهد بكتاب محرف؟؟؟ أليس استشهاده بالكتاب المقدس دليل على أنه كان سليما غير محرف في زمانه؟؟؟

 

رابعا: القرآن يشهد بأن أهل الكتاب حافظوا عليه

وكانوا شهودا عليه حتى زمن محمد:

 

1ـ سورة المائدة (44): "وإنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا، والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء"

ما معنى هذه الآية وخاصة "النبيون الذين أسلموا" يقول المفسرون أنهم الأنبياء الذين سلموا حياتهم لإرادة الله (تفسير الإمام عبد الله يوسف على ص 261 ) [وطبعا لا يعني الأنبياء السلمين أولا لأنه لا يوجد سوى نبي واحد للإسلام وثانيا لأن الإسلام لم يكن قد ظهر بعد]. فهؤلاء الأنبياء يحكمون على اليهود أي يرشدونهم بما في التوراة من هدى ونور.

 

   وأهم ما في الآية هو أن الأنبياء والربانيين (أي المعلمون لأن ربوني بالعبرية معناها معلم بالعربية، وفي المعجم الوسيط ص 321 (الرباني هو: الذي يعبد الله، و الكامل العلم والعمل) والأحبار (هم العلماء) [المعجم الوسيط ص 151]

تقول الآية الكريمة أن هؤلاء جميعا قد استؤمنوا على حفظ كتاب الله والشهادة لصحته (تفسير القرآن الكريم للإمام عبد الله يوسف علي ص 261و262)

 

2ـ سورة البقرة (146) وسورة الأنعام (20): "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم"

 

3ـ  سورة البقرة (121) "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون"

 

   معنى يقرأونه حق تلاوته كما فسر الجلالان: "يقرؤونه كما أنزل" إذن فليس هو محرف لأنهم في زمن محمد كانوا يقرأونه كما أنزل.

 

   رأيت يا عزيزي المستمع أن الكتاب المقدس حتى زمن محمد لم يكن محرفا بشهادة هذه الآيات الواضحة والصريحة.

الادعاء الثاني

حدوث التحريف بعد زمن محمد

    يوجد فريق آخر من المشككين في صحة الكتاب المقدس، وقد ثبت لهم أن ما يقوله الفريق الأول من المدعين بوقوع التحريف قبل زمن النبي محمد هو ادعاء باطل بحسب ما أوضحنا من أدلة وبراهين من آيات القرآن الكريم نفسه، فقالوا لا بل حدث التحريف بعد زمن محمد!!!

    وللرد على هذا الادعاء نورد ما يشهد به القرآن الكريم عن بطلان هذا الادعاء أيضا:

 

 

أولا: القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس

هو ذكر من عند الله ولذلك فهو يحفظه من التحريف:

 

(1) القرآن يشهد أن الكتاب المقدس ذكر من عند الله:

1ـ سورة الأنبياء (7):

      "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون"

      ما معنى الذكر؟ يجيب الإمام عبد الله يوسف علي في (تفسيره ص648) [الذكر هو الرسالة التي من الله] وقد تكررت هذه الآية بنفس ألفاظها في:

2ـ سورة النحل (43): 

     "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون"

        بهذا يتأكد لك أن الكتاب المقدس هو ذكر من عند الله.

(2) والقرآن يشهد أن الله يحفظ الذكر من التحريف:

سورة الحِجْر (9): "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"

يجدر الإشارة هنا إلى اسم السورة فالبعض ينطقها خطأ بسورة الحَجَر، ولكن النطق السليم لها هو سورة الحِجْر (انظر آية 80 من نفس السورة)، نسبة إلى جبل الحِجْر على بعد 150 ميل شمال المدينة المنورة وهي ما كانت تعرف بمنطقة تمود (تفسير القرآن للإمام عبد الله يوسف علي ص 632) [ما علينا]

الواقع أن الذين يطعنون في صحة الكتاب المقدس المنزل من الله ذكرا ونورا وهدى،  إنما يطعنون في القرآن نفسه الذي يقول أن الله يحفظ الذكر، فلو كان الكتاب المقدس قد حرف يكون الله لم يستطع أن يحفظه. وينسب إلى القرآن عدم الصحة بل والتحريف! فهل يقبل أي مسلم ذلك؟؟؟

 

 

ثانيا: الآيات القرآنية تشهد أن القرآن نفسه

يحفظ الكتاب المقدس من التحريف:

 

1ـ سورة المائدة (48):

"وأنزلنا  إليك الكتاب (أي القرآن الكريم) بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب (أي الكتاب المقدس التوراة والإنجيل) ومهيمناً عليه.

ما معنى مهيمنا عليه؟ يقول المفسرون الأفاضل أن معنى مهيمنا عليه هو: حافظ له من التحريف. (انظر تفسير الإمام عبد الله يوسف علي ص 263)

فلو صح قول المعترضين بأن الكتاب المقدس محرف، فإنهم في الواقع يطعنون في القرآن الكريم نفسه بأنه لم يستطع أن يهيمن على الكتاب المقدس بحسب نص هذه الآية، وهذا طعن في صحتها‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! وحيث أنهم لا يقبلون الطعن في صحة آيات القرآن الكريم إذن فليس أمامهم إلا أن يتراجعوا عن ادعائهم الذي يدعونه بتحريف الكتاب المقدس.

 

ثالثا: القرآن يشهد أن الكتاب المقدس

هو كلام الله، ولذلك لا يمكن تحريفه أو تبديله:

 

(1) القرآن يشهد أن الكتاب المقدس هو كلام الله المنزل:

سورة العنكبوت (46): "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وانزل إليكم وألهنا وإلهكم واحد"

2ـ سورة النساء (135): "يا أيها الذين آمنوا ، آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل (أي التوراة والإنجيل)، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا"

   [وانظر أيضا سورة المائدة 44،46،47،68/ وسورة البقرة 87،146/ وسورة الإسراء2،55/ وسورة الأنعام 92،156/ وسورة المؤمنون 49/ وسورة النساء 163/ وسورة فاطر 25/ وسورة النحل 43/ والأنبياء 25/ والحديد 27/ والعنكبوت 46/ ويونس 94] وكلها تشهد أن الكتاب المقدس منزل من الله.

 وبما أن الكتاب المقدس منزل من عند الله إذن فهو كلامه. فكيف يقول المعترضون أن كلام الله قد حرف؟؟ ألا يطعنون أيضا بهذا الكلام في القرآن نفسه الذي يقول أنه لا تبديل لكلمات الله؟!

 

(2) القرآن يشهد أن كلام الله المنزل لا يمكن تبديله:

1ـ سورة يونس (64): "لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم"

2ـ سورة الأنعام (34): "ولقد كُذَّبَت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذُوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله"

وخطورة هذه الآية يكمن في أن القول "لا مبدل لكلمات الله لم تقل بخصوص القرآن الكريم في هذه الآيه بل بخصوص الأنبياء الذين قبل محمد إذن فهي تخص الكتاب المقدس" وهذه شهادة قوية على أن الكتاب المقدس لم يتبدل ولم يتغير ولم يحرف.

     [وانظر أيضا سورة الكهف (27)]

    هذه الآيات تقول بصريح العبارة أن كلام الله لا يمكن أن يتغير أو يتبدل.

 

ملخص

    نستطيع الآن أن نلخص ما قلناه:

أولا: أن ادعاء تحريف الكتاب المقدس ادعاء باطل:

1ـ لأن القرآن شهد بصحته وعدم تحريفه حتى زمن النبي محمد.

2ـ وأن القرآن يوضح أن الله أمر النبي محمد والمسلمين بالرجوع إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيديهم.

3ـ استشهاد النبي محمد بالتوراة والإنجيل الموجودان في عهده.

4ـ شهادة القرآن بأن أهل الكتاب اليهود والنصارى قد حافظوا عليه وكانوا شهودا له حتى زمن محمد.

 

ثانيا: أن ادعاء تحريف الكتاب المقدس بعد زمن النبي محمد باطل أيضا:

1ـ لأن القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس هو ذكر من عند الله ويشهد أن الله يحفظ الذكر من التحريف.

2ـ شهادة الآيات القرآنية بأن القرآن نفسه مهيمنا على الكتاب المقدس ويحفظه من التحريف.

3ـ القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس هو كلام الله وأن الله يحفظ كلامه من التحريف.

بناء عليه

لا يمكن أن الكتاب المقدس يتحرف أو يتبدل، وإلا وقع المعترض المسلم في المحظور وهو الطعن في كتابه بعدم صحة ما يقول.

فالأفضل للمعترض أن يتراجع عن اتهام الكتاب المقدس بالتبديل والتحريف، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

الفصل الرابع

شهادة المنطق

على عدم تحريف الكتاب المقدس

    بعد أن أوردنا الآيات القرآنية الكريمة التي تشهد بأن الكتاب المقدس لم يتغير أو يتحرف قبل زمن محمد، وكذلك لم يتحرف أو يتغير بعد زمن محمد، نريد أن نبحث هذا الأمر أيضا من وجهة النظر المنطقية. لهذا دعنا نناقش هذه الأسئلة:

 

v                    أين تم التحريف؟

v                    من الذي قام بالتحريف؟

v                    في أي لغة تم التحريف؟

أولاً: أين تم التحريف؟

   الجميع يعلمون أن المسيحية منذ عهد رسل المسيح (الحواريين) انتشرت في بقاع شتى من العالم، في آسيا وأفريقيا وأوربا، وانتشر الكتاب المقدس بالتبعية في تلك البقاع.

   وسؤالنا هو: في أي بلد من بلاد هذه القارات تم تحريف الكتاب المقدس: في أي بلد من بلاد آسيا؟ أو أفريقيا؟ أو أوربا؟ أم أن التحريف قد تم في جميعها؟ وكيف يتم ذلك؟

 

   هذه كلها أسئلة بلا ردود مما يثبت استحالة حدوث هذا التحريف في أي بلد من بلدان هذه القارات المختلفة.

 

ثانيا: من الذي قام بالتحريف؟

 

1ـ هل قام اليهود بتحريف التوراة وكتب الأنبياء؟

2ـ أم قام المسيحيون بتحريف كتب اليهود وحرفوا الإنجيل أيضا؟

3ـ أي مذهب في المسيحية قام بالتحريف؟

4ـ أم أن اليهود اتفقوا مع المسيحيين على تحريف الكتابين معا (التوراة والإنجيل)؟

          دعونا نناقش كل افتراض على حدة.

 

 

الافتراض الأول

اليهود قاموا بتحريف التوراة؟

 

    للرد على هذا الافتراض نقول: لو أن اليهود كانوا قد قاموا بتحريف كتابهم لأمكن كشف هذا التحريف ببساطة متناهية لأن المسيحيين كان، ولا يزال لديهم نسخٌ من كتاب اليهود نفسِه، وما كان للنصارى أن يسمحوا لليهود أن يقوموا بتحريف حرف واحد من كلمات الكتاب المقدس الذي يحفظونه ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم (سورة البقرة 146 الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم). بل انهم استحفظوا عليه (أي استؤمنوا عليه) وكانوا عليه شهداء (أي شهود على صحته) كما جاء بسورة المائدة (44).

 

الافتراض الثاني

المسيحيون هم الذين قاموا بتحريف الكتاب المقدس؟

 

وللرد على ذلك نكرر ما سبق أن قلناه في الرد على الافتراض الأول:

فما كان لليهود أن يسمحوا للنصارى أن يقوموا بتحريف حرف واحد من كلمات الكتاب المقدس الذي يحفظونه ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم (سورة البقرة 146 الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم). بل إنهم أيضا استحفظوا عليه (أي استؤمنوا عليه) وكانوا عليه شهداء (أي شهود على صحته) كما جاء بسورة المائدة (44).

الافتراض الثالث

اليهود اتفقوا مع المسيحيين على تحريف الكتابين معا (التوراة والإنجيل)؟

    وللرد على هذا الافتراض نقول:

إن كان قد حدث اتفاق بين المسيحيين واليهود على تحريف الكتاب المقدس لتحتم عليهم الاتفاق في قضية المسيح التي هي محور الكتابين التوراة والإنجيل. وحيث أنه لا يوجد اتفاق حول قضية المسيح، فمعنى ذلك أنه لم يتم اتفاق على تحريف الكتاب المقدس.

 

 

بالإضافة إلى ذلك:

نقول من يا ترى في مذاهب المسيحيين قام بالتحريف؟

    فالمسيحية منذ القرن الرابع الميلادي أي فبل ظهور الإسلام بثلاثة قرون قد انشقت إلى مذاهب (تماما مثل مذاهب الإسلام: المذهب السني والشيعي والمالكي والشافعي والحنبلي) فالشيع المسيحية في ذلك الحين كانت هي: الأرثوذكس، والكاثوليك، كما كانت هناك بدع من المسيحية كالأريوسيين والنسطوريين وغيرهم. فمن يا ترى قام بتحريف الكتاب المقدس؟ والواقع أن الكتاب المقدس واحد عند جميع هذه الفرق لا اختلاف بين النسخ الموجودة لديهم جميعا فهل اتفق الفرقاء على تحريف الكتاب المقدس دون أن يتفقوا على ما بينهم من اختلافات؟!!

 وفي هذا قال الأستاذ علي أمين: في كتابه (ضحى الإسلام الجزء الأول ص 358) "ذهبت طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام إلى أن التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل ومن حجة هؤلاء أن التوراة قد طبقت مشارق الشمس ومغاربها (قبل ظهور محمد والقرآن)"، ولا يعلم عدد نسخها إلا الله، ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في تجميع تلك النسخ، بحيث لا تبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة ومغيرة والتغيير على منهاج واحد. وهذا ما يحيله العقل، ويشهد ببطلانه".

    لعلك من هذا تدرك استحالة تحريف الكتاب المقدس.

كانت هذه ردودَنا عن السؤالين: أين تم التحريف؟ ومن قام بالتحريف؟ ونجيب على السؤال الثالث وهو:

 

ثالثا: في أي لغة تم التحريف؟

 

     من المعلوم جيدا أن الكتاب المقدس قد كتب بالعبرية والأرامية واليونانية وترجم إلى لغات عديدة منذ صدر المسيحية: إلى اللاتينية والسريانية والقبطية والعربية والأشورية والأثيوبية وغيرها. ففي أية لغة من هذه اللغات يوجد تحريف الكتاب المقدس؟

    والواقع أن الكتاب المقدس في كل هذه اللغات واحد ولا توجد اختلافات فيه بين كل هذه اللغات.

   ألا يشهد ذلك للكتاب المقدس بأنه لم يصبه تحريف لا من قريب ولا من بعيد

 

 

الفصل الخامس

شهادة علم الآثار عن عدم تحريف الكتاب المقدس

    من المؤكد أن الاكتشافات الأثرية قد أثبت عدم تحريف الكتاب المقدس. فبين أيادينا نسخا خطية أثرية قديمة للكتاب المقدس تتفق تماما مع ما بين أيدينا من نسخ الكتاب المقدس دون تغيير أو تبديل أو تحريف. من تلك النسخ الخطية القديمة ما يلي:

1ـ النسخة الفاتيكانية: أي الموجودة الآن في الفاتيكان، والتي يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام بحوالي 250 سنة.

2ـ النسخة السينائية: التي اكتشفت في دير سانت كاترين بسيناء وتعود إلى ما قبل الإسلام بما يزيد عن 200 سنة وهي موجودة الآن في المتحف البريطاني.

3ـ النسخة الإسكندرية: يعود تاريخ كتابتها إلى ما قبل الإسلام بحوالي 200 سنة أيضا. وهي موجودة كذلك بالمتحف البريطاني.

4ـ لفائف وادي القمران: كتب الأستاذ عباس محمود العقاد في الهلال عدد ديسمبر 1959 المقاتل الافتتاحي تحت عنوان "كنوز وادي القمران" قال فيه: "إن هذه اللفائف الأثرية اكتشفت في أحد كهوف وادي القمران بشرق الأردن لفائف من 2000 سنة (هذا الكلام كان سنة 1959) [أي قبل ظهور الإسلام بما يزيد عن ستة قرون] وتبين بعد تهيئة اللفائف المكشوفة للاطلاع أن أهم ما تحويه نسخة كاملة من كتاب أشعياء وعدة كتب مقدسة أخرى وأنه لا توجد بينها وبين الكتب الموجودة بين أيدينا الآن اختلاف ولا تبديل"

    هكذا رأيت يا أخي شهادة علم الآثار الذي لا يكذب لصحة الكتاب المقدس وعدم تعريفه.

نأتي الآن إلى الإثبات الأخير على صحة الكتاب المقدس وعدم تحريفه من:

 

الفصل الخامس

شهادة علماء الإسلام عن عدم تحريف الكتاب المقدس

 

    لقد افاض علماء الإسلام الأفاضل في الحديث عن صحة الكتاب المقدس وعدم تحريفه، نكتفي بأقوال بعضهم:

 

1ـ الإمام محمد ابن إسماعيل البخاري: قال في صحيحه على تفسير الآية الكريمة القائلة (يحرفون الكلم عن مواضعه): " أي يزيلون، والواقع أنه ليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يحرفونه أي يتأولونه على غير تأويله" [أي يفسرونه على غير التفسير الصحيح].

 

2ـ وقال هو نفسه في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): "قد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة، فأجاب في فتواه: من أقوال العلماء لا تبديل إلا في المعنى"

 

3ـ العلامة شاه ولي الله قال في كتابه (الفوز الكبير في أصول التفسير) "أن في ترجمة التوراة وتفسير النصوص قد حرَّف اليهود معنى بعض الآيات ولكنهم لم يحرفوا النص الأصلي، وقد اتفق على هذا القول ابن عباس أيضا".

4ـ الإمام فخر الدين الرازي: في التفسير الكبير في سورة البقرة (174) عن ابن عباس أنهم كانوا يحرفون ظاهر التوراة والإنجيل وهذا ممتنَع، لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما، بل كانوا يكتمون التأويل".

 

5ـ وقال أيضا في تفسير سورة آل عمران (78) "كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس"

6ـ وقال أيضا في تفسير سورة النساء (46) "إن المراد بالتحريف إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات الفاسدة وجر اللفظ من معناه الحق إلى الباطل بوجود الحيل اللفظية، كما يفعل أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذهبهم"

 

7ـ وقال أيضا في تفسير الدر المنثور في سورة البقرة "وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: "إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله لم يغير منهما حرف ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل بكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون هي من عند الله وما هي من عند الله، فأما كتب الله فإنها محفوظة لا تحول".

 

8ـ الجلالان: في تفسيرهما للآية الكريمة (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) قالا: "أي حفظه الله من التبديل والتحريف والزيادة والنقص"

 

9ـ كتب الأستاذ عباس محمود العقاد (كما سبق أن أوضحنا) في كتاب الهلال عدد ديسمبر 1959 المقال الافتتاحي تحت عنوان "كنوز وادي القمران" قال فيه: "إن هذه اللفائف الأثرية اكتشفت في أحد كهوف وادي القمران بشرق الأردن هي لفائف من 2000 سنة (هذا الكلام كان سنة 1959) [أي قبل ظهور الإسلام بما يزيد عن ستة قرون] وتبين بعد تهيئة اللفائف المكشوفة للاطلاع أن أهم ما تحويه، نسخة كاملة من كتاب أشعياء وعدة كتب مقدسة أخرى وأنه لا توجد بينها وبين الكتب الموجودة بين أيدينا الآن اختلاف ولا تبديل"

 

10ـ قال الأستاذ علي أمين: في كتابه (ضحى الإسلام الجزء الأول ص 358) "ذهبت طائفة من أئمة الحديث والفقه والكلام إلى أن التبديل وقع في التأويل لا في التنزيل ومن حجة هؤلاء أن التوراة قد طبقت مشارق الشمس ومغاربها (قبل ظهور محمد والقرآن)"، ولا يعلم عدد نسخها إلا الله، ومن الممتنع أن يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ، بحيث لا تبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة ومغيرة والتغيير على منهاج واحد. وهذا ما يحيله العقل، ويشهد ببطلانه.

 

ملخص

 

عزيزي المستمع بعد هذا العرض البسيط أريد أن أجمل ما قلناه عن صحة الكتاب المقدس وعدم تحريفه في النقاط التالية:

أولا: تكلمنا عن آيات القرآن الكريم التي توحي بالتحريف،

وثبت لنا أن تلك الآيات الأربعة لا تتكلم عن وقوع ما يسمونه بالتحريف في ألفاظ الكتاب المقدس، بل في تفسير معانيه بخصوص قضية رجم أو جلد الرجل الزاني وقضية النبي الآتي أم النبي الأمي. ولا دخل لذلك بجوهر الكتاب المقدس وألفاظه وكلماته.

ثانيا: وثبت لنا أيضا أن ادعاء تحريف الكتاب المقدس قبل زمن النبي محمد هو ادعاء باطل:

1ـ لأن القرآن شهد بصحته وعدم تحريفه حتى زمن النبي محمد ( سورة أل عمران 3): "نَزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس" .

2ـ وأن القرآن يوضح أن الله أمر النبي محمد والمسلمين بالرجوع إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيديهم. سورة يونس (94): "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين  يقرأون الكتاب من قبلك"

 

3ـ استشهاد النبي محمد بالتوراة والإنجيل الموجودين في عهده سورة القصص (49): "قل: فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما فأتَّبعُه "

4ـ شهادة القرآن بأن أهل الكتاب اليهود والنصارى قد حافظوا عليه وكانوا شهودا له حتى زمن محمد. سورة المائدة (44): "وإنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، يحكم بها النبيون والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء"

ثالثا: أن ادعاء تحريف الكتاب المقدس بعد زمن النبي محمد باطل أيضا:

1ـ لأن القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس هو ذكر من عند الله ويشهد أن الله يحفظ الذكر من التحريف. سورة الحِجْر (9): "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"

2ـ شهادة الآيات القرآنية بأن القرآن نفسه مهيمنا على الكتاب المقدس ويحفظه من التحريف. سورة المائدة (48): "وأنزلنا  إليك الكتاب (أي القرآن الكريم) بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب (أي الكتاب المقدس التوراة والإنجيل) ومهيمناً عليه.

3ـ القرآن الكريم يشهد أن الكتاب المقدس هو كلام الله وأن الله يحفظ كلامه من التحريف. سورة الأنعام (34): "ولقد كُذَّبَت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذُوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله"

رابعا: ثبت لنا أيضا عدم تحريف الكتاب المقدس بشهادة:

1ـ المنطق لاستحالة تحريف الكتاب المقدس في بقاع الأرض كلها مع تباين الأديان والمذاهب واللغات.

2ـ وعلم الآثار الذي كشف عن المخطوطات القديمة التي تعود لما قبل الإسلام بمئات السنين، وثبت أنها مطابقة للكتاب المقدس الموجود الآن بين أيدينا.

3ـ وأقوال علماء الإسلام الأفاضل بما قالوه من عبارات تقطع الشك في صحة الكتاب المقدس.

وبناء عليه

    أختم بما قلته في الفصل السابق السابق أنه لا يمكن أن الكتاب المقدس يتحرَّف أو يتبدل، وإلا وقع المعترض المسلم في المحظور وهو الطعن في كتابه بعدم صحة ما يقوله من آيات.

    والأفضل للمعترض أن يتراجع عن اتهام الكتاب المقدس بتهمة التحريف والتبديل، "ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون" (سورة التوبة 41).