فى ألتثليث وألتوحيد
 
عمر الإنسان على الأرض حوالى تسعة الاف سنة، وحتى اليوم يدرس ألإنسان فى ذاته وفى ذات الله. وبألرغم من كل هذه السنين، لا وصل الإنسان الى تمام معرفه ذاته ولا الى القدر الكامل من معرفة ذات الله. فى هذا يصدق ألقول:

ألعجز فى طلب ألإدراك إدراكُ وألبحث فى عين ذات الله إشراكُ
 
وقيل أيضاً أن ألبحث إنما فى صفات الله وليس فى ذات الله. قال هذا الكلام الرائع أبو بكر ألصدّيق.
أما فيلسوف الإسلام – كما كانوا يسمّونه – الا وهو على إبن أبى طالب - الذى كان يلقب أيضاً بفكر الإسلام، وألذى قال عنه محمد رسول الإسلام: أن كلام علىّ فوق ألمخلوق، ولكن كلام ألخالق فوق كلامه. قال علىّ:-

عرفت ربّى بربى ولولا ربّى لما عرفت ربّى
وأيضاً قال:-

إن الله بعيد فى قربه، قريب فى بعده، لا يُحلّ بألقياس، ولا يُدركُ
بألحواس، ولا يُشبّه بألناس. لا يُعرَّفُ بكم، ولا يُعرَّفُ بكيف.
 
مثل هذه الأقوال الحكيمة تدعونا أننا متى تحدثنا عن الإله ألذى خلقنا، فليس لنا سوى ألتمسك بألبديهيّات.
فى هذا ألمجال أحد الآباء ألقدّيسين ألمسيحيين قال:

نحن نستطيع أن نعرِّف الله بما هو ليس فى الله، وليس بما هو الله.
 
معنى هذا أننا نعرِّف الله بألسلبيّات. مثل انه ليس فى الله ظلمة، وليس فيه ظلم، وليس فيه موت. بإختصار، ليس فى ألرب أى شئ من ألسلبيّات ألموجودة فى ألطبيعة ألبشرية. هذا يفيدنا فى معرفة ما هو ليس فى الله وليس بما هو فيه. وبناء عليه عرفنا أن الله نور لأنه ليس فيه ظلمة ألبتّة. الله عادل لأنه ليس فيه ظلم ألبتّة. الله محبة لأنه ليس فيه كراهيّة ألبتّة. الله أبدى أزلى لأنه ليس فيه زمن ألبتّة. الله دائم لأنه ليس فيه موت ألبتّة. الله ثابت لأنه غير متغيّر وغير مستحيل (أى ليس فيه تحوّل) ألبتّة. بناء عليه، فمعرفتنا بالله هى بما أعطانا هو – له ألملك وألمجد الدائم – أن نعرفه به.
 
نعود إلى أن الإنسان ألذى بلغ أليوم من ألعمر حوالى تسعة الاف سنة، يعلم أن فيه روح ولكنه لم يرها قط. يعلم أن فيه عقل ولم يره قط. ولكن، ومع ذلك فإنه متشوّق إلى معرفة الله خالقه. لقد مرَّ الإنسان بثلاث مراحل فى تاريخه ألبشرى.
 
ألمرحلة الأولى هى أن عرف الإنسان أقصى ما كان الله يتوقعه منه من ألمعرفة، وهى انه يوجد إله. ألمعرفة بوجود إله هو كل ما كان يُطلب منه. ومع مرور ألزمن تطوّر ألعقل ألبشرى وزيادة حصوله على ألمعرفة، وهو ما نسمّيه بألمرحلة ألثانية. كان الله يريد من الإنسان أن يعلم انه لا يوجد أكثر من إله واحد ألذى هو الله خالق ألكون، ما يرى وما لا يرى، وبأنه ليس هناك غيره من إله تليق له ألعبادة سواه. ثم كانت ألمرحلة ألثالثة وفيها كشف الله للإنسان كيما يعرف ألمزيد عنه، فعرّف الإنسان بأنه مثلّث الأقانيم فى صورة الآب وألإبن وألروح ألقدس. وكيما نقرّب ألصورة إلى عقولنا وأفهامنا، أعطى ألمثال الآتى.
 
مرّ ثلاثة أشخاص بألطريق فوجدوا طفلاً حديث ألولادة ملقى فى ألشارع. قال الأول: أنا أعلم يقيناً أن لهذا ألطفل أم ربما هى ألتى ألقت به فى ألطريق. يقول ألثانى: أنا أعلم يقيناً أن لهذا ألطفل أب ربما لم يهتم بطفله ألمولود هذا. أما ألثالث فيقول: أنا أعلم يقيناً أن لهذا ألطفل أب وأم. ولكن يا ترى من هو أبوه ومن هى أمه؟ والإجابة على هذا ألسؤال تعلو عن مستوى ألمعرفة لديه ولدى صديقيه. وكيما يمكن الإجابة على سؤاله يحتاج الأمر إلى بحث وتنقيب وتحليل وإدراك وفهم. إنما ما سبقه من بديهيّات هى أن للطفل أب وأم لا يحتاج إلى كبير عناء لإدراكه، بل إنه من ألثوابت. فلا يمكن أن يكون لهذا ألطفل أكثر من أم وليس أكثر من أب.
 
لنأخذ مثالاً آخراً. فلو أثناء وجودك بألبيت سمعت طرقاً على باب ألبيت، فمن ألبديهى أن ألطرق يدل على طارق. ولكن لن تستطع معرفة من هو ألطارق ما لم تسأله عن تعريف نفسه فيعرّفك بذاته.
 
من ألبديهى فى الإيمان وجود الله. وأيضاً من ألبديهى انه لا يمكن أن يكون هناك أكثر من إله واحد. إذن من ألثابت أن الله موجود ومن ألثابت الإيمان بوحدانيّته. الإنسان لا يحتاج لا إلى رسل ولا إلى مبشّرين ولا إلى منذرين كيما يعلمونه بأنه يوجد إله واحد هو خالق كل شئ، وأن هذا ألإله ليس معه آلهة أخرى. هذا ينطبق أيضاً على ألكون. فوجود ألكون يدلّ على خالق وصانع ماهر له. ولكن فى دراستى عن هذا ألخالق، فأنا أترك له هو أن يعرّفنى بشخصه ولا يحقّ لى الإجتهاد فى معرفته معتمدا على قدراتى ألعقليّة وفهمى ألشخصى وحده. فى هذا قالت ألعرب قديماً:

الأثر يدلُّ على ألمسير وألبعر يدلُّ على ألبعير
فها سماء ذات أبراج وأرض ذات وطاد، ألا تدلاّن على ألسميع ألبصير؟!
 
قد تغنينا دراستنا فى ألكون عن كتب سماوية ورسل وأنبياء وغيرهم. نجد أن ألمخلوقات على سطح الأرض متنوّعة. منها ألثديّيات مما يلد ومنها ألطيور ألتى تبيض. منها ما يعيش على ألبَر ومنها ما يعيش فى ألماء ومنها ما يعيش فى باطن الأرض. منها ما يسير على قدمين ومنها ما يحتاج لأكثر ومنها ما ليس له أقدام كما فى بعض ألزواحف. منها ما هو له ريش ومنها ما هو له شعر ومنها ما خلاهما بألجلد. نجد أن ألنباتات تتنوّع أيضا. فمنها الأعشاب ومنها ألنباتات ومنها الأشجار. ومنها ما يعطى ثمراً يُؤكل ومنها ما يعطى جمالاً يُنظر ومنها ما يعطى رائحة تُعطّر. من الأثمار ما يؤكل كلّه كألجوافة وألكمثرى، ومنها ما يؤكل خارجه ويلقى داخله كألبلح وألخوخ ومنها ما يؤكل داخله ويلقى خارجه كألموز وألبرتقال. منها ألمستطيل ومنها ألمستدير. منها ما ينمو فى ألبلاد ألحارة وحدها كألنخيل ومنها ما ينمو فى ألبلاد ألباردة وحدها كالتفاح. منها ما يعطى ظل فقط ومنها ما يعطى أخشاب فقط. ألتعدد وارد فى كل الكائنات ألمخلوقة، فيما عدا الإنسان.
 
نجد أن كل إنسان ليس له أكثر من يدين ورجلين وعينين وأذنين وفم واحد وعشرة أصابع لليدين وعشرة أصابع للقدمين وجسد قائم. بألرغم من أن الإنسان ألذى يعيش فى ألقطب يكون قصير ألقامة ملئ الجسم، وألإنسان الأفريقى طويل ألقامة نحيل ألجسم. وألإنسان الأفريقى أسمر ألبشرة والأوربى أبيض ألبشرة، الإنسان الآسيوى ضيّق ألعينين وغيره دائريّة وواسعة، غير أنه لا يختلف أى إنسان عن الآخر فى تكوينه ألداخلى، بل حتى ان درجة حرارة ألقطبى ألذى يسكن فى درجات حرارة دون ألصفر بمراحل وذلك ألذى يسكن فى ألمناطق ألحارة ألتى تصل درجة حرارتها إلى ألخمسينات، كلّهم فى داخلهم درجة حرارة واحدة.
معنى هذا أن الله يريد أن يعلن لنا نحن ألبشر أننا خُلقنا على صورته كشبهه ومثاله من حيث ألوحدانيّة. ومع وحدانيّة الله ووحدانيّتنا فى ألصفات الأساسيّة، نجد أن الله ونحن نتفق أيضاً فى ألتثليث. فلكل ألبشر 1) جسد و2) نفس و3) روح. ولا يشارك ألإنسان أى من ألمخلوقات ألحيّة فى هذه ألصفات ألثلاثة مجتمعة. فألحيوانات لها ألجسد وألنفس فقط، وألملائكة هى أرواح فقط.
 
وألآن تعالوا لنتعرّف على ألثالوث فى أليهوديّة، وفى ألمسيحيّة، وفى الإسلام. ولنبدأ بأليهوديّة.
 
ألثالوث فى أليهوديّة:
 
فى أليهوديّة نجد أن هناك آية مشهورة جداً تقول: أنا ألرب إلهك ألذى أخرجك من أرض مصر من بيت ألعبوديّة، لا يكن لك آلهة أخرى أمامى. (خروج 2:20و3) ومثلها آية أخرى تقول: إسمع يا إسرائيل، ألرب إلهنا رب واحد. (مرقس 29:12) هذه الآية تُقرأ هكذا فى ألعبريّة: [يشمع يشراييل يهوة إيلوهيمو يهوة آحاد]. وكلمة يهوة تعنى ألرب. وإيلوهيمو تعنى آلهتك أو أربابك، مفردها [إيل] كما نطق بها ألرب يسوع ألمسيح وهو على ألصليب قائلاً: [إيلى إيلى لما شبقتنى] (متى 46:27) وألذى تفسيره (إلهى إلهى لماذا تركتنى). بناء عليه، ورد فى أليهوديّة ألكلمة إيل (بصيغة ألمفرد) وأيضاً إيلوهيم (بصيغة ألجمع) وكلتهاهما تشيران إلى الإله ألواحد. إذن ألتوحيد وألتعدديّة فى أليهوديّة موجود فى ذات الله.
 
هذه ليست هى ألمرة ألوحيدة ألتى يرد فيها ألتوحيد وألتعددية فى ألذات الإلهية فى أليهودية. ففى ألإصحاح الأول من ألسفر الأول فى ألتوراة، وهو سفر ألتكوين، وفى الآية 26 نقرأ [وقال الله نعمل(1) الإنسان على صورتنا(2) كشبهنا(4)]. صورتنا كشبهنا كلتاهما بألجمع، وأيضاً فى ألعدد ألتالى مباشرة نقرأ: [فخلق الله(3) الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم(5)]. لم يقل أعمل(1) بل نعمل، لم يقل على "صورته"(2) بل قال على "صورتنا"، ولم يقل "آلهة"(3) بل قال "الله"، ولم يقل "كشبهى"(4) بل قال "كشبهنا" ولم يقل"خلقوهم"(5) بل "خلقهم".
 
مما يجب ألتنويه إليه أن إستخدام صيغة ألجمع فى أللغة ألعربية لغرض ألتعظيم وألتفخيم ليست مستخدمة ولا واردة فى أللغة ألعبرية وهو غير معروف فى قواعدها أللُغَوية. مثال أن يقول الأمر ألصادر من ألملك: "نحن – فلان – ملك ..." غير وارد سوى فى ألعربية ولكنه غير وارد فى ألعبريّة. إذن، فألجمع هنا يعنى ألجمع بألحقيقة وفعلاً فى الله ألواحد.
 
وكمثال آخر، تقول ألتوراة فى أمر بلبلة ألرب ألسنة ألبابليين عند بنائهم برج بابل كيما يصعدوا إلى ألسماء لرؤية الله، يقول ألرب: "هلم ننزل ونُبلبل ألسنتهم، فنزل الله". وقوله "هوذا ألإنسان قد صار كواحد منا. وأيضا نلاحظ ان الله حينما يتكلّم، فإنه يتكلّم بصيغة ألجمع، ولكنه حينما يصنع، فهو يصنع بصيغة ألمفرد – أى بألتوحيديّة – لأن ألصانع هنا هو أقنوم الإبن ألذى هو أحد ألأقانيم ألثلاثة كما ورد فى ألمزمور [بكلة ألرب صُنعت ألسموات وبنسمة فيه كل جنودها] (مزمور 6:33). ولأن ألإنسان فى ألعهد ألقديم لم يكن قد نضج عقليّا ولا روحيّا لقبول فكرة ألتثليث حيث انه كان يميل للوثنيّة، لذلك نجد أن الله كان يبعده عن ألخوض عن مسألة ألتعدديّة، ألتى هى ألثالوث فى الإله ألواحد.
 
ومرّة أخرى نقرأ فى سفر أشعياء الأصحاح ألسادس الآية 8: [ثم سمعت صوت ألسيد قائلاً من أرسل ومن يذهب من أجلنا]. فألمُرسِل واحد و"لأجلنا" تعنى ألتعدديّة لذات الواحد.
 
وبألرغم من أن الإنسان فى ألعهد ألقديم لم يكن كفءاً ولا كان لديه ألنضج ألعقلى كيما يتقبل فكرة الإله ألمثلث الأقانيم، غير أن ألرب أرسى فى ذلك ألوقت ألمبدأ حتى متى جاء ألوقت يعيه ألإنسان ويستوعبه، فيجد انه قديم ألرسوخ وأن ألعلّة وألقصور فى فهمه كانا ألسبب وراء عدم إستيعابه فى حينه. نجد مثلاً فى ألمزمور السابق "بكلمة ألرب صُنعت ألسموات وبنسمة فيه كل جندها". [بكلمة (الأقنوم ألثانى: الإبن) ألرب (الأقنوم الأول: الآب) أُسست ألسموات، وبنسمة (الأقنوم ألثالث: ألروح ألقدس) فيه كل جندها].
وفى أشعياء 16:48 يقول: [منذ وجوده (أى منذ وجود ألآب ألذى هو الأقنوم الأول) أنا هناك (ألمتحدّث هو الأقنوم الثانى: ألإبن) وألآن (أى وقت تجسّده من ألعذراء) ألسيّد ألرب (ألذى مرّة أخرى وهو الآب) أرسلنى (ألراسل هو الآب والمُرسَل هو الأقنوم ألثانى: ألإبن، وألغرض من ألإرسال هو ألتجسد لأجل ألفداء وخلاص ألبشريّة) وروحه (أى الأقنوم ألثالث: ألروح ألقدس)]. فألراسل هو الله وألمُرسَل هو الله، أى أن الله أرسل نفسه (ألآب أرسل ألإبن). كما نلاحظ هنا إقراراً صريحاً وواضحاً وضوح ألشمس لا لبس فيه ألا وهو أن ألإبن أزلى بأزليّة الآب بحسب ألقول: [منذ وجوده]. أى أنه لم يكن هناك وقت كان فيه الآب بدون الإبن، وبألطبع ما ينطبق على الإبن ينطبق على ألروح القدس من باب أولى.
 
فى ألمزمور 6:45و7 وألذى يقول: [6كرسيك يا الله إلى دهر ألدهور. 7قضيب إستقامة قضيب ملكك. أحببتَ ألبرَّ وأبغضّتَ ألإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن ألإبتهاج أكثر من رفقائك]. ألحديث هنا موجّه إلى الله. أى أن الله هو ألمُخاطَبُ. ولكن نقرأ "لذلك مسحك الله". لم يقل لذلك "مَسحتُه" بإعتبار أن الله هو ألمُخاطَبُ! بل مسحك الله. أى أن الله ألمُخاطَبُ هو ألذى مَسحَ وهو ألذى مُسِحَ. هنا يبرز شخص آخر ممسوح من الله. فلو إستبدلنا الأسماء بضمائر فنقول عن الأول <أنت، وعن الآخر <هو. فهل يعنى ألحديث بوجود إلهين؟ ألإجابة تعطينا إياها ألآية: "إسمع يا إسرائيل، ألرب إلهنا رب واحد" (مرقس 29:12).
 
هكذا يتضح لنا وجود ألتوحيد وألتثليث فى ألتوراة أليهوديّة. أما فى ألمسيحيّة، فما هو ألحال؟
 
ألثالوث فى ألمسيحيّة:
 
ألتثليث فى ألمسيحية يدعو الله بألآب وهذا هو الأقنوم الأول؛ ويسوع ألمسيح بألإبن وهذا هو الأقنوم ألثانى؛ وألروح ألقدس وهذا هو الأقنوم ألثالث.
 
إن أول مرّة يُذْكرُ فيها ألتثليث فى ألمسيحية كان فى بشارة ألملاك جبرائيل للسيّدة ألعذراء حينما قال لها: "ألروح ألقدس يحلُّ عليك، وقوّة ألعلى تظلِّلُك، فلذلك أيضاً ألمولود منك يدعى إبن الله" (لوقا 35:1). هنا يتجلى ألثالوث بصورة جليّة فى ذكر: 1) ألروح ألقدس، و2) ألعلى [لا يلقب بها غير الله وحده] و3) إبن الله. فها هو ألثالوث ألقدّوس يُعلن حتى من قبل ولادة ألسيد ألمسيح.
 
وأيضا فى معموديّة ألسيد يسوع ألمسيح، يقول ألكتاب ألمقدس [ ... إعتمد يسوع أيضاً. وإذ كان يصلّى إنفتحت ألسماء، ونزل عليه ألروح ألقدس بهيئة جسميّة مثل حمامة، وكان صوت من ألسماء قائلاً: أنت إبنى ألحبيب، بك سررت]. (لوقا 21:3و22) نشاهد بمنتهى الوضوح ألثالوث يجتمع ويعلن عن ذاته فى وقت واحد. فألإبن فى ألماء يعتمد على يدى يوحنا ألمعمدان ويشهد ببنوّته الآب من ألسماء، وألروح ألقدس مجسّم فى هيئة حمامة، والآب ينطق من ألسماء معلناً أن يسوع هو إبنه ألحبيب. وتحتفل ألكنيسة بهذه ألمناسبة وتعيّد عيداً كبيراً يسمّى بألثيؤفانيا؛ أى عيد ألظهور ألإلهى وذلك لتجلى ألآب وألإبن وألروح ألقدس فى وقت واحد.
 
عندما تحدّث بولس ألرسول عن ألبركة ألرسوليّة، قال: [نعمة ربّنا يسوع ألمسيح، ومحبّةُ الله، وشركة ألروح ألقدس مع جميعكم آمين] (2كورنثوس 14:13). وهو يعطى بركة ونعمة ألثالوث ألقدّوس لأهل كورنثوس. ثم أيضاً يقول: [ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبَا الآب] (غلاطية 6:4). يتحدث عن الله [ألآب] وإرساله روح إبنه [ألروح ألقدس] وإبنه [ألإبن].
 
ألسيد ألمسيح قال مخاطباً تلاميذه ألقدّيسين ورسله ألمكرَّمين قائلاً: [وأما ألمعزِّى، ألروح ألقدس، ألذى سيرسله الآب بـإسمى، فهو يعلّمكم كل شئ] (يوحنا 26:14). الآب <الأقنوم الأول، ألروح ألقدس <ألأقنوم ألثالث، إسمى "أنا الإبن" <الأقنوم ألثانى.
 
متّى ألرسول يقول عن لسان ألسيد ألمسيح: [فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم بإسم الآب وألإبن وألروح ألقدس] (متى 19:28). وفى رسالة يوحنّا الأولى، يقول: [فإن ألذين يشهدون فى ألسماء هم ثلاثة: الآب، وألكلمة، وألروح ألقدس وهؤلاء ألثلاثة هم واحد] (1يوحنا 7:5). فأى وضوح أكثر من هذا؟
 
الله الآب:
 
حسب ألإيمان ألمسيحى عن الله الآب - ألذى هو الأقنوم الأول - يقول ألمسيحى فى قانون الإيمان: بألحقيقة نؤمن بإله واحد، الله ألآب، ضابط ألكل، خالق ألسماء والأرض، ما يرى وما لا يرى.
 
ويقول عن ألسيد ألمسيح – الأقنوم ألثانى لله: نؤمن برب واحد، يسوع ألمسيح، إبن الله ألوحيد، ألمولود من ألآب قبل كل ألدهور. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. مساوى للآب فى ألجوهر. ألذى به كان كل شئ. هذا ألذى من أجلنا نحن ألبشر ومن أجل خلاصنا، نزل من ألسماء وتجسّد من ألروح ألقدس ومن مريم ألعذراء. وتأنس. وصلب عنّا على عهد بيلاطس ألبنطى. تألّم وقبر. وقام من الأموات فى أليوم ألثالث كما فى ألكتب. وصعد إلى ألسموات وجلس عن يمين أبيه. وأيضاً يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات. ألذى ليس لملكه إنقضاء.
 
ويقول عن ألروح ألقدس – ألذى هو الأقنوم ألثالث: نعم نؤمن بألروح ألقدس، ألرب ألمحيى، ألمنبثق من ألآب، نسجد له ونمجّده مع ألآب وألإبن. ألناطق فى الأنبياء.
 
من هذا يتضح بأن ألله ألواحد له ثلاثة أقانيم (وكلمة أقنوم هى كلمة سريانية تعنى شخص). فألله الآب هو شخص، والله ألإبن هو شخص، والله ألروح ألقدس هو شخص. وإن كان لكل شخص شخصيته ألمنفردة، غير أنهم ألثلاثة غير مستقلّين، بمعنى انهم ثالوث فى واحد وواحد فى ثالوث. حينما نقول ان الله روح لا يستطيع إنسان أن يراه ويعيش، فألمعنِىُّ هنا هو أقنوم الآب، لأن ألإبن إتخذ جسداً وظهر لنا به على الأرض وعاش بين ألناس كإنسان كامل له ألجسد ألكامل بكل وظائف ألجسد ألطبيعية التى لكل إنسان، ومع ذلك كان هو الله فى لاهوته. بكلمات بسيطة، نقول ان ألمسيح هو الله ألمتأنس، أى صار إنساناً، وألمتجسد أى إتخذ جسداً كيما يستطيع أن يعيش بين بنى ألبشر كأى إنسان آخر حتى يتمكن فى ألوقت ألمناسب من أداء ألمهمّة التى أتى خصّيصاً من أجلها، ألا وهى تقديم نفسه ذبيحة على ألصليب من أجل خلاص كل جنس ألبشر، من أول آدم وحواء إلى آخر إنسان يُخلق على سطح الأرض حتى لحظة ألقيامة. وألروح ألقدس ألذى هو الأقنوم ألثالث لله، هو روح الله ذاته. فألله كائن بذاته (ألآب)، ناطق بكلمته (ألإبن)، حىّ بروحه (ألروح ألقدس). والله وذاته وكلمته وروحه واحد. ليس كل منهم إله مستقل، بل ألكل إله واحد ذو ثلاثة أقانيم.
 
الله الآب: هو الله ألذى لم يره أحد. هو الله الآب لنا نحن ألبشر وأيضاً للسيد ألمسيح نفسه. فقد دعاه ألسيد ألمسيح بالآب وطلب منا نحن ألبشر ان ندعوه كذلك فى قوله: متى صلّيتم فقولوا يا أبانا ألذى فى ألسموات.
 
الله ألإبن: هو الله الظاهر فى ألجسد. هو ألسيد ألمسيح، إبن الله ألحى. فقد ذكر ألعهد ألقديم (ألتوراة) ان ألسيد ألمسيح هو إبن الله فى أربع مرات.
 
أولاً: فى ألمزمور ألثانى: [قال لى أنت إبنى. أنا أليوم ولدتك] (مزمور 7:2).
 
ثانياً: فى أمثال سليمان ألحكيم: [مَنْ صعد إلى ألسموات ونزل. مَنْ جَمَعَ ألريح فى حفنتيه. مَنْ صرَّ ألمياه فى ثوب. مَنْ ثبَّت جميع أطراف الأرض. ما إسمه وما إسم إبنه إن عرفت] (أمثال 4:30). من يستطيع أن يفعل كل هذا غيره؟ أنه الله. وما إسم إبنه؟ إسمه "إبن الله".
 
ثالثاً: يقول ألمزمور: [قَبّلوا الإبن لئلا يغضب فتبيدوا من ألطريق] (مزمور 12:2).
 
رابعاً: فى سفر دانيال ألنبى يقول ألكتاب: [أجاب وقال ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشُّون فى وسط ألنار وما بهم ضرر ومنظر ألرابع شبيه بإبن ألآلهة] (دانيال 25:3).
 
بخلاف ذلك، فقد وردت كلمة "شيلون" فى سفر ألتكوين 10:49 [لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتى شيلون وله يكون خضوع شعوب] وهذه ألكلمة ترجمتها: 1) ألذى له ألكل، 2) إبن ألسلام، و3) إبن الله ألحى. وألمعنى الأرجح فى هذه ألجملة هو إبن الله ألحى وهو لقب من ألقاب ألسيد ألمسيح له كل ألمجد. وكان تعبير إبن الله ألحى مألوفاً لدى أليهود منذ ألقديم. فنجد أنه فى محاكمة ألسيد ألمسيح أمام قيافا رئيس ألكهنة، سأله قيافا: [أستحلفك بالله ألحى أن تقول لنا: هل أنت ألمسيح إبن الله؟] (متّى 63:26). وفى إنجيل مرقس يقول: [أأنت ألمسيح إبن ألمبارك؟] (مرقس 61:14). ويقول ألكتاب ألمقدس فى لوقا: [أفأنت إبن الله؟] (لوقا 70:22) وفى الآية ألسابقة لهذه مباشرة يقول ألسيد ألمسيح عن نفسه: [منذ الآن يكون إبن ألإنسان جالساً عن يمين قوَّة الله] (لوقا 69:22). كان أليهود يعلمون جيداً معنى "إبن الله" ويتضح هذا جليّاً حينما قال ألسيد ألمسيح فى إحدى مواعظه لليهود أنه إبن الله ولأنه جعل نفسه مساوياً للآب [أنا وألآب واحد] (يوحنا 30:10). حينئذ تناولوا حجارة ليرجموه، فقال لهم يسوع: [أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبى. بسبب أى عملٍ منها ترجموننى؟ أجابه أليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عملٍ حسنٍ بل لأجل تجديف. فإنك وأنت إنسانُ تجعل نفسك إلهاً] (يوحنا 32:10و33).
 
ونركّز على الأقنوم ألثانى ألذى هو ألسيد ألمسيح لأن ألخلاف حول معرفته ألحقيقيّة لدى ألمسلم يشكّل عائقاً كبيراً فى ألوصول إليه لنوال نعمة ألخلاص الأبدى ألتى صنعها وقدّمها للبشر مجّاناً، وإن كان انه دفع ثمنها غالياً بدمه ألمسفوك عنّا على ألصليب - وألتى إن نحن أهملناها نصير مجرمين فى حق ألرب ولن يكون لنا نصيب فى ألحياة الأبدية، كما يقول ألقديس بولس ألرسول: [فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره؟] (عبرانيين 3:2). حقاً ليس هناك نجاة من ألنار الأبدية لكل من يرفض هذه ألعطيّة ألمجّانيّة
وألغالية ألثمن ألتى دفع ثمنها ألرب الإله بدمه ألغالى على عود ألصليب وقدّمها لنا مجّاناً.
 
فألسيد ألمسيح يُدعى كلمة الله. كُلاّ من ألمسيحى وألمسلم يقولها ولكن الإيمان بها مُشوّه وغير مُدرك لدى الأخ ألمسلم، فهو مع قوله لها لا يدرك معناها فتصير كغيرها تلاوة بدون فهم.
 
ألمسيح كلمة الله:
 
ما معنى أن ألمسيح هو كلمة الله؟ (ولنترك بقيّتها ألتى تقول "وروح منه" - وبحسب بعض ألتفاسير "وروحه" - لاحقاً). ببساطة متناهية، تعنى أن ألسيد ألمسيح هو صوت الله ألمسموع لدى الأذن البشريّة. أى ان الله حينما يكلّم الناس، فإنه يكلّمهم بألمسيح. لماذا؟ لأن الله روح، وألروح ليس له صوت يمكن للأذن ألبشرية أن تسمعه.
 
يقول ألقدّيس بولس ألرسول: [الله، بعد ما كلَّم ألآباء بالأنبياء قديماً، بأنواعٍ وطرقٍ كثيرةٍ، كلَّمنا فى هذه الأيّام الأخيرة فى إبنه (عبرانيين 1:1و2). الله قديماً كان يكلِّمُ ألناس عن طريق ألرسل والأنبياء ألذين كانوا يحملون رسائله للبشر ويبلّغونها لهم بصوت مسموع ثم سجّلوها بكلمة مكتوبة. ولكن بعدما كلَّم الله ألناس قديماً بمثل هذا الأسلوب، عاد فى الأيّام الأخيرة (ألتى هى وقت مجئ ألسيد ألمسيح متجسداً من ألسيدة ألعذراء) وكلَّمنا بواسطة كلمته ألمنطوق ألمسموع ألذى هو ألسيد يسوع ألمسيح. معنى هذا أن ألسيد ألمسيح هو الله ألناطق – أو نطق الله - لأنه هو كلمة الله، والله وكلمته واحد لا إنفصال بينهما. فأنت يا أيها ألقارئ لهذا ألكلام، تعلم وتوقن بأنى أنا كاتب هذا ألكلام هو من يكلّمك، وأنى أوصِّلُ كلمتى إليك بهذا الأسلوب ألكتابى ألذى تستطيع أن تقرأه فتفهم إنى أنا أخاطبك به. وأن كل ما أقوله مكتوباً فى هذه الأسطر هو عبارة عنّى أنا شخصياً بصورة غير مسموعة، بل مقروءة. فإن عدت وألتقيت بك وجهاً لوجه وخاطبتك مباشرة، فأنت تسمع صوتى وكلمتى ألتى أنطق لك بها وهى ألتى تدخل إلى أذنيك فتعيها وتفهمها، غير إنى أنا شخصياً لم أدخل إلى أذنك. هذا هو الله ألظاهر فى ألجسد. هو ألسيد ألمسيح – كلمة الله - ألمسموع وألمنطوق به. فإن شاء الله أن يكلِّم ألبشر، خاطبهم بكلمته ألمسموع وألمنطوق به ألذى هو ألسيد ألرب يسوع ألمسيح.
 
الله أرسل للبشر كلمته ليتجسّد فى هيئة إنسان، فوُلِد كلمة الله من ألسيدة ألعذراء. صار كلمة الله متجسداً منظوراً ملموساً كيما نتلامس معه ونخاطبه كما يخاطب الأخ أخاه. يقول ألكتاب ألمقدّس - ويتفق معه الإسلام - ان موسى دُعى كلِّيم الله لأنه كان يتخاطب مع الله مباشرة – كما يخاطب الأخ أخاه، وكما ورد فى سورة ألقرآن [وكلّم الله موسى تكليماً] (ألنساء 164:4). معنى هذا أن موسى كان يسمع بأذنيه كلام الله وأنه كان يكلِّم الله بفمه بصوت مسموع. كان ألكلام متبادلاً بينهما بألصوت ألمسموع. فهل معنى هذا أن موسى كان يخاطب شخصاً متخفيَّاً؟ يقول ألكتاب ألمقدَّس انه كان يخاطب الله كما يخاطب الأخ أخاه، بل حتى وهو على ألجبل كان قد رأى الله بعينية ألمجردتين غير أنه لم ير مجد الله لأنه كما قال له ألرب: [لأن ألإنسان لا يرانى ويعيش]. (خروج 20:33) ولأن مجد الله أطهر وأنقى وأبرع وأقوى وأقدس من أن تحتمل رؤيته ألعين ألمجرَّدة، فلا يرى إنسان ألرب ويعيش. لأجل ذلك، كما يقول ألكتاب عن يسوع ألمسيح: [ألذى إذ كان فى صورة الله لم يَحسبْ خُلسَةً أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبدٍ، صائراً فى شبه ألناس. وإذ وُجد فى ألهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى ألموت، موت ألصليب.] (فيليبى 6:2-8). أى أن ألسيد ألمسيح هو الله بعد أن أخلى مجده الإلهى كيما يصير فى صورة ألبشر، فى هيئة إنسان وهو ليس بألإنسان بل هو الله ذاته، حتى يستطيع وهو فى ألهيئة ألبشرية أن يقدّم لنا ألفداء على خشبة ألصليب لأجل خلاص جنس ألبشر.
 
ألتثليث بحسب ألمفهوم الإسلامى:
 
عارض ألإسلام ألتثليث بشدّة من حيث ألقول بألآب وألإبن بإعتبار أنه أبوّة وبنوّة كما بألولادة ألجسدية، ناظر إليه نظرة ألتناسل ألبشرى تماماً كما يتم نتيجة ألمعاشرات ألزوجيّة. ولكنه لم يعارض ألتثليث من حيث وجود الأقنوم ألثالث ألذى هو ألروح ألقدس وإنبثاقه من الله الآب. ولكن قبل أن نخوض فى هذا ألموضوع دعونا نتساءل: هل أقرّ ألإسلام بأن ألمسيحيّين موحّدون أم إعتبرهم مشركون بالله؟
 
أقرّ ألقرآن فى حوالى عشرة مواضع بأن المسيحيين موحّدون بالله، نقتطف منها على سبيل ألمثال:
[ولا تجادلوا أهل ألكتاب إلا بألتى هى أحسن إلا ألذين ظلموا منهم، وقولوا آمنّا بألذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون]. (ألعنكبوت 46:29) نعتبر نحن ألمسيحيون أن قولاً كهذا لهو فى منتهى ألوضوح بأننا لسنا مشركين، بل نحن موحّدون، كما وأننا لا نعبد سوى إله واحد، بل هو ذات الإله(1) (ملحوظة: إذهب إلى ألتزييل ألتالى) ألذى يعبده ألمسلمون. ويأتى ألقرآن فى سورة ألبقرة فيقول: [ولا تنكحوا ألمشركات حتى يؤمنَّ ولآمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم] (ألبقرة 221:2) نقرنها بسورة ألمائدة 5:5 [أليوم أحل لكم ألطيبات وطعام ألذين أوتوا ألكتاب حِلّ لكم وطعامكم حلّ لهم وألمحصّنات من ألمؤمنات وألمحصّنات من ألذين أوتوا ألكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين]. لقد حلّل الإسلام ألزواج من أهل ألكتاب بإعتبار أنهن لسن مشركات بل مؤمنات كما وأن طعامهم حِلّ للمسلم وطعام ألمسلم حِلُّ لهم. فلو كان ألمسيحيون مشركين، لما سمح بألزواج من نسائهم ولا سمح بتبادل الأطعمة معهم حيث ان الإسلام قد حرّم طعام ألمشركين على ألمسلمين.
 
هذا يسير من كثير مما ورد فى ألقرآن يؤكد بأن ألمسيحيين ليسوا مشركين ولا هم كفّار. ولكن ماذا يقول ألإسلام عن ألتثليث؟
 
ورد ألقول بكفر ألتثليث فى ألإسلام مرّتين. الأولى فى قوله: [إنما ألمسيح عيسى إبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة إنتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد] (ألنساء 171:4). وألثانية فى قوله: [لقد كفر ألذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا واحد] (ألمائدة 73:5).
 
بألقول ان الله ثالث ثلاثة يعنى انه يوجد أول وثانى وثالث وفى هذا إشارة إلى: ا) الله، و2) ألمسيح، و3) مريم. وبناء عليه يكون الله ثالث ثلاثة.
 
معنى تعبير ثالث ثلاثة ورد على حادثتين أخرتين. الأولى عند خروج محمد وأبو بكر هاربين إلى ألمدينة، قال محمد لأبى بكر "ما حسبك فى إثنين ثالثهما الله"؟ وهذا يعنى ثلاثة أشخاص هم محمد وأبو بكر والله. ألثانية فى قول ألقرآن: [إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه ألذين كفروا ثانى أثنين إذ هما فى ألغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا] (ألتوبة 40:9).
 
[وإذ قال الله يا عيسى إبن مريم أنت قلت للناس إتخذونى وأمى إلهين من دون الله] (ألمائدة 116:5). هذا يعنى وجود ثلاثة آلهة: الله وعيسى ومريم. فهل أبداً فى ألمسيحية أى من ينادى أو يؤمن بما يدّعيه ألقرآن علينا؟ لا يوجد. ليس فى أى كنيسة فى جميع أنحاء ألعالم من يتعبد لمريم. ألمسيحيّة توقّرُ وتُجِلُّ ألعذراء مريم وتضعها فى مرتبة عالية وسامية جداً لأنها - دوناً عن سائر ألبشر - إختارها ألرب كإناء كيما يحل فيه ليأخذ جسداً ليتمّم ألفداء. ولكن هل يوجد على سطح الأرض كلّها من يقول أن مريم هى إله؟ لا، لم يقل أحد بذلك. فمن أين جاء إذن هذا الإدعاء فى الإسلام بأن "ألنصارى" يتّخذون من مريم إلهاً ويتعبّدون لها؟
 
هذا ألإدعاء له أثر تاريخى يرجع إلى عصر محمد ذاته. كان قد نشأ فى ألقرنين ألخامس وألسادس ألميلادى جماعة هرطوقيّة تسمّى بألمريميّين. كذلك فى خلال ألقرون ألمسيحيّة الأولى نشأت عدة مذاهب هرطوقيّة منها ألمانيّين وألنسطوريين وأليونيبيريدسيّين. كان ألمذهبين ألمريميّ وأليونيبيريدسيّ يتعبّد لمريم ألعذراء كإله. بنى إعتقادهما بإعتبار أنه لتواجد موسى مع الله على ألجبل مدة أربعين يوماً فقط صار وجهه مضيئاً ولامعاً لدرجة انه لم يستطع أى إنسان أن ينظر إليه من شدة ألنور ألمضئ فى وجهه مما إضطرّه أن "جعل على وجهه برقعاً" كيما يستطيع أن يخاطب بنى إسرائيل (خروج 29:34-35). فكان إعتقادهم بأنه كيف إذن ألحال مع مريم هذه ألتى حملت الله فى أحشائها مدة تسعة أشهر وكوّن لحماً من لحمها وعظاماً من عظامها وأخذ لنفسه دماً من دمها، ومن بعد ولادته أرضعته من ثدييها وحملته على ذراعيها وعلى حجرها لسنوات كثيرة!! فقادهم منطقهم ألخاطئ إلى ألإيمان بأنها حتماً قد إكتسبت شيئاً من أللاهوت وتستحق أن تُعبد مع الله. بناء عليه أطلقوا على أنفسهم أحبّاءُ مريم ولكن ألكنيسة دعتهم أعداءُ مريم.
 
كان هؤلاء يقيمون قدّاساً يسمّى بألكوليريدس ويقدّمون فيه أرغفة من ألشعير. ثم ما لبث أن إنقرضت وتلاشت كل تلك ألهرطقات مع إنتشار ألإستنارة ألمسيحيّة ألصحيحة ولم يتبقَّ لها أثراً فى عصر محمد سوى بعض ألبقايا هنا وهناك، خاصة فى ألجزيرة ألعربيّة.
 
يلاحظ أن ألمسيحى يمكنه الإشتراك مع ألمسلم فى ألبسملة بقوله ألنصف الأول منها، أى: لا إله الا الله(1). ألمسيحى لا يعترف بأن محمد رسول الله. وبألمقابل، فإن ألمسلم يشترك مع ألمسيحى فى ألنصف ألثانى من ألبسملة ألمسيحيّة بقوله: إله واحد آمين – ولا يُقرّ بألقول: بإسم ألآب وألإبن وألروح ألقدس. كلانا موحّدين، ولكن مع إختلاف شاسع وبيّن فى طبيعة ألتوحيد. فألمسيحى ليس توحيدىّ بدون تثليث، وإلا صرنا مسلمين. ولا نحن مثلثّين بدون توحيد وإلا صرنا وثنيّين. ألمسيحيّون موحّدون مثلّثون.
 
إذن على أى أساس ورد ألقول فى ألقرآن [ولا تقولوا ثلاثة]؟ ليس فى ألمسيحيّين من يقول بثلاثة آلهة. فعلى من إذن ينطبق هذا ألقول؟ نجد أنه لا ينطبق سوى على كفَّار ألعرب. هذا ما نستخلصه من سورة ألنجم فى ألقرآن حيث ورد [أفرأيتم اللات وألعزى ومناة ألثالثة الأخرى، تلك ألغرانيق ألعُلا، {إن شفاعتهن لترتجى(2)} ألكم ألذكر وله الأنثى، تلك إذاً قسمةُ ضيزى. (ألنجم 19:52-22). نلاحظ هنا أن ألحديث عن ثلاثة كائنات، هن: أللآت وألعزى ومناة.
 
(1) يجب ألتنويه هنا بأن إله ألمسيحييّن هو ألرب وأن من يقال عنه "الله" هو وثن (إله ألقمر) عبده ألعرب من قبل ألإسلام ثم جاء الإسلام وقنن عبادته مع أوثان أخرى منها "ألرحمن" وألذى كان يُعبد فى أليمن. ونرى ألهلال – رمز الله - الذى يعلّق على قمة ألجوامع كما وبظهوره يبدأ وينتهى صوم رمضان وأيضاً تبدأ وتنتهى ألشهور ألعربيّة.
 
(2) هذه قالها محمد عندما تقابل مع أهل قريش وسجد لأصنامهم ألثلاثة: أللات وألعزى ومناة، فسجد معه أتباعه. ولكنها حُزفت من ألقرآن عندما جاءه جبريل ليصحّح له سقطته ألشنيعة بسجوده للأصنام. وهذا هو سبب نزول ألقول ألقرآنى: [وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبىّ إلا إذا تمنّى ألقى ألشيطان فى أمنيته، فينسخ الله ما يلقى ألشيطان ثم يُحكّم الله آياته] (ألحج 52:22) - بإجماع كل ألمفسّرين.
 
لقد ورد ألتثليث ألمسيحى فى ألكتاب ألمقدَّس فى مواضع عديدة، ولكن أقتطف منها ما قيل فى رسالة يوحنا الأولى: [فألذين يشهدون فى ألسماء هم ثلاثة: ألآب، وألكلمة، وألروح ألقدس وهؤلاء ألثلاثة هم واحد] (1يوحنا 7:5). نشير هنا الى أن ألقرآن فى قوله: [لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد] (ألإخلاص 3:112ر4) فهو هنا يعنى الآب (لم يلد) وألإبن (لم يولد) ولم يكن له كفوا أحد، يتساوى مع ألقول ألمسيحى ألقائل: مساوى للآب فى ألجوهر - أى ألروح ألقدس.
 
وفى مكان آخر يقول ألقرآن: [قل أعوذ برب ألناس، ملك ألناس، إله ألناس] (ألناس 1:114-3) ألذى يتساوى مع ما يقوله ألمسيحيّون عن ألثالوث: "بألحقيقة نؤمن بإله واحد (إله)، نعم نؤمن برب واحد (رب)، أيّها ألملك ألسمائى ألمعزّى ألروح ألقدس (ملك). فألكلمات إله ورب وملك ليست سوى كلمات مرادفات لذات الأصل الذى هو ألإله.
 
إن ألقرآن يرفض بشدّة ان يُدعى الله بألآب، لا بألنسبة للمسيحييّن ولا حتى بألنسبة للسيد ألمسيح نفسه. فألقرآن - مثلاً – فى سورة ألصافات 151:37و152، يقول: [ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون]. وفى سورة ألإخلاص 3:112 يقول: [لم يلد ولم يولد]. وفى سورة ألمائدة 18:5 يقول ألقرآن: [وقالت أليهود وألنصارى نحن أبناء الله وأحبّاءه قل فلم يعذبكم بذنوبكم]. ومثل هذه ألتعبيرات ألتى تكشف عن عدم قبول فكرة ألتثليث فى ألإسلام.
 
ولكن هل يؤخذ الأمر بهذه ألبساطة؟ لا. فلسبب التخبّط ألقرآنى وألذى يدلُّ على أن كاتبه كان يعبّر عن فكره ألشخصى وليس عن فكر الله، فكان حتماً أن يقع فى مطبّات وأخطاء لم يكن من ألممكن عمل حساب لها ومن ألمستحيل أن يتلافاها بسبب ألقصور ألطبيعى للفكر ألبشرى.
 
مفهوم الله ألآب فى الإسلام:
 
لُغويّاً، نقول عن الآب والد، بينما ألرجل لا يلد بل ألمرأة. نُسبت ألولادة للرجل فى سورة ألبلد من ألقرآن: [لا أقسم بهذا ألبلد، وأنت حِلُّ بهذا ألبلد، ووالدِ وما ولد] (ألبلد 1:90-3) من ضمن أسماء الله ألتى وردت فى ألقرآن، أربعة أسماء مميّزة، هى: خالق، ومصوّر، وبديع، وفاطر. وبينما ألثلاثة الأسماء الأولى لا تحتاج إلى شرح، إلا أن ألرابعة تختلف عنهم. فما معنى كلمة فاطر؟ لقد وردت فى ألقرآن سورة تحت إسم "فاطر" - ألسورة رقم 35 وهى مكّية.
 
تبدأ ألسورة بألقول: [ألحمد لله فاطر ألسماوات والأرض، جاعل ألملائكة رسلاً، أُوْلِى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد فى ألخلق ما يشاء،ُ إن الله على كل شئ قدير] (فاطر 1:35). فاطر كلمة مستعربة من الأصل أليونانى (pater)التى هى أيضاً مصدر ألكلمة الإنجليزية (father) وألتى يأتى منها ألمصطلح ألعلمى (patrology) وعندما عُرّبت صارت فاطر.
 
فما معنى أن الله فاطر ألسماوات والأرض، جاعل ألملائكة رسلاً؟ فى تفسير إبن عبّاس، يقول "فاطر ألسموات" أى خالق ألسموات وبهذا يقول أيضاً كل من إبن كثير وألجلالين وألطبرى وألقرطبى. غير أن ألقرطبى يزيد عليها بأنها أيضاً تعنى تشقيق، أى جاعل فيها شق كأن يقال: ألناقة ألفاطر، أى التى شقت أنيابها علامة بدء ظهورها. غير أن كل ألمفسّرين ألتاليين لإبن عبّاس إستندوا فى تفسيرهم على تفسير إبن عبّاس وبألتالى يعتبر إبن عبّاس هو ألمفسّر ألوحيد لكلمة فاطر. ولكن الأدهى من كل ذلك، أن إبن عبّاس بإعترافه شخصياً قال: كنت لا أدرى ما فاطر ألسماوات حتى أتانى إعرابيّان يختصمان فى بئر فقال أحدهما لصاحبه أنا فطرتها – أى بدأتها. وأيضا قال: فاطر ألسماوات والأرض، أى بديع ألسموات والأرض. وبديع قد تعنى مبتدع، أى مُوجد أو خالق.
 
ولكن كيف تنطبق هذه ألكلمة على ألملائكة أيضا؟ حيث أن ألملائكة لم تأتى بألتناسل كبقيّة ألبشر، إذ ليس لها أمّهات، فكان الله وحده أباً لها. فجميع ألملائكة لها أب واحد هو الله. يؤكّد لنا هذا ألمفهوم سفر أيوب من ألكتاب ألمقدّس حين يقول: [عندما ترنَّمت كواكب ألصبح معاً وهتف جميع بنى الله] (أيوب 7:38) أى ألملائكة.
 
يمكن أن نخلص من هذا إلى أن ألمسيحية وأليهودية والإسلام يقولون عن الله انه الآب. وإن كان ألقرآن قد أكّد أن ألمسيح هو كلمة الله فى ثلاثة مواضع، إلا أنه عارض وصف ألمسيح بأنه إبن الله فى خمسة عشر موضع.
 
مفهوم ألمسيح أنه كلمة الله:
 
أما فيما يختص بقول ألقرآن أن المسيح هو كلمة الله، فقد ورد هذا فى قوله:
1- [إنما ألمسيح عيسى إبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه] (ألنساء 171:4).
2- [يا مريم إن الله يبشّرك بكلمة منه إسمه ألمسيح عيسى إبن مريم] (آل عمران 45:3).
3- [ذلك عيسى إبن مريم قول ألحق ألذى فيه يمترون] (مريم 34:19).
 
فى الأولى يقول ألقرآن أن عيسى إبن مريم هو كلمة الله ألقاها إلى مريم. معنى هذا أن الله حينما يتكلّم، فهو يتكلّم بألمسيح. ولولا أن ألمسيح هو كلمة الله، لصار الله صامتاً. فعوض أن نقول الله ألصمد، نقول الله ألصمت! فهل حقاً ان الله فى وقت من الأوقات كان بدون كلمة؟ أى صامت لم يكن له ألمقدرة على ألكلام إلا عندما وُلد ألسيد ألمسيح؟ لا أعتقد أن إنساناً عاقلاً يقول بذلك.
 
فى ألثانية نجد أن ألكلمة "كلمة" إسم مؤنث. وبحسب قواعد أللغة ألعربيّة، كان من ألواجب أن يقول ألقرآن: يا مريم إن الله يبشّرك بكلمة منه إسمها ألمسيح وليس "إسمه" ألمسيح. إنما إستخدام ألكلمة وهى مؤنث فى صيغة ألمذكّر يتمشى تماماً مع ما قيل فى ألكتاب ألمقدس: [فى ألبدء كان ألكلمة وكان ألكلمة عند الله وكان ألكلمة الله. هذا كان فى ألبدء عند الله. كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان. فيه كانت ألحياة، وألحياة كانت نور ألناس. وألنور يضئ فى ألظلمة، وألظلمة لم تدركه] (يوحنا 1:1-5).
 
فى ألثالثة نجد أن ألقرآن يستخدم عبارة "قول ألحق" وهذه ألعبارة لا تنطبق سوى على الله وحده دوناً عن سائر ألمخلوقات. وألإمام ألخازمى يؤكد هذا فى تفسيره.
 
ولكن عندما تسأل ألمسلم عن تفسيره لـ"كلمة الله" فإنه يسرع إلى ألقول بأن هذا يعنى انه كان بكلمة الله "كن فيكون". وبألرغم من أن كل ألمخلوقات ألعاقلة - بما فى ذلك محمد رسول الإسلام ذاته - وغير ألعاقلة، فى ألسموات وعلى الأرض، مما يرى وما لا يرى، كلها كائنة بكلمة "كن فيكون" غير انه لم يطلق ولا على أى منها عبارة "كلمة الله" سوى على ألسيد ألمسيح وحده. ألسيد ألمسيح وحده – له كل ألمجد – دوناً عن سائر ألمخلوقات، قيل عنه فى ألمسيحيّة وفى ألإسلام انه كلمة الله. ألا يدعو هذا إلى ألتأمّل فى معنى ‘كلمة الله‘ بأكثر عمق ولتُتْرك ألسطحيّة جانباً، ولو مؤقتاً؟!
 
لا تتعجب يا أيها ألقارئ ألعزيز إن قيل لك أنك أنت - كما وكل إنسان عاش أو سوف يعيش على هذه الأرض - خُلقنا بألكلمة ألمسيح، أى أن خالقنا هو ألسيد ألمسيح نفسه له كل ألمجد، هذا ألذى شاهده ألناس متجسّداً على الأرض، مضروبُ ومذلولُ ومجروحُ ومسحوقُ وتحت ألتأديب، [لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. محتقرُ ومخذولُ من ألناس، رجلُ أوجاع ومُخْتَبِرُ ألحَزَنِ وكمُستَّرِ عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به. لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحُبُرِه شُفينا. كلنا كغنم ضللنا مِلْنَا كل واحد إلى طريقه وألرب وضع عليه إثم جميعنا] (أشعياء 2:53-6). هذا ألذى يقول عنه ألجاهل: كيف تعبدون إلهاً ولد من فرج إمرأة، كان يأكل ويتغيّط، ثم يُضرب ويُلطم ويُهان ويُصلب على ألصليب حتى يموت، ثم يُدفن فى قبر تحت الأرض!! يقول ألكتاب ألمقدّس: [بكلمة ألرب أسست ألسموات وبنسمة فيه كل جنودها] (مزمور 6:33) والإنجيل يقول: [كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان] (يوحنا 3:1). وأيضاً [فإنه فيه خُلِقَ الكلُّ ما فى السموات وما على الأرض ما يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. ألكلُّ به وله قد خُلِقَ] (كولوسى 16:1). نقول له إبحث وفتّش ألكتب لأن فيها ألحياة ألأبدية لك من بعد ألموت، وهى ألتى تشهد عن ألوهية ألسيد ألمسيح (يوحنا 39:5). إن لم تجد ألحياة ألتى من بعد ألموت وأنت حىّ هنا على الأرض، فإنك ستشارك ألمصير الأبدى لذاك ألذى قيل له: [إنك ميّت وإنهم ميّتون] (ألزمر 30:39) وحقاً تكون ألنتيجة ألحتميّة هى ألموت الأبدى – لا سمح الله.
 
مفهوم ألروح ألقدس:
 
وردت كلمة روح ألقدس فى ألقرآن أربعة مرّات:
1 و 2) وآتينا عيسى إبن مريم ألبيّنات وأيّدناه بروح ألقدس (ألبقرة 57:2 و253)؛
3) إذ قال الله يا عيسى إبن مريم أذكر نعمتى عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح ألقدس (ألمائدة 110:5)؛
4) قل نزَّله روح ألقدس من ربِّك بألحق ليُثبِّتَ ألذين آمنوا وهُدى وبُشرى للمسلمينَ (ألنحل 102:16).
يفسّر ألبعض بأن روح ألقدس هو جبريل. ونتساءل منطقيّاً! أيهما أعظم؟ كلمة الله أم جبريل؟ هل كلمة الله ألذى هو الله ذاته يؤيَدُ بملاك من عند الله أم أنه بالأحرى ألعكس هو ألصحيح؟!
 
يقول ألقرآن: [وألتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا] (ألأنبياء 91:21) وأيضا [ومريم إبنت عمران ألتى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا] (ألتحريم 12:66). وفى كلتا ألحالتين لو كان ألمقصود بـ "روحنا" أنه هو ألملاك جبريل، لكان ألمسيح إذن هو إبن مريم وإبن جبريل. فهل يؤمن ألمسلم بهذا؟ وهل يؤمن ألمسلم بأنه أبدا وُجد على سطح الأرض كائن أتى نتيجة تناسل بين ألملائكة وألبشر؟ أنا أعلم أنه يوجد إيمان ومعتقد إسلامى بتناسل ألجن مع ألبشر. هذا ألمعتقد لم يأتى به الإسلام، بل هو قائم من قبل الإسلام بكثير حيث أنه من ألفولكلور ألعربى ومن "ألجاهليّة!" ألوثنيّة، وإن كان الإسلام قد أيّده وزاد عليه. ولكن لم أجد أبداً فى أى مصدر إسلامى تناسل تم بين ألملائكة وألبشر.
 
ألإسلام يقول عن ألروح ألقدس (روح الله) انه "ألروح الأعظم". وهذا كان يقيم به عيسى الموتى. ولا يمكن أن يقال عن أى ملاك أنه ألروح الأعظم ولا بأن ألموتى يقومون بأرواح ألملائكة. إذن ألتفسير ألوحيد ألمعقول لروح ألقدس هو أنه روح الله ذاته.
 
ذكر ألقرآن بأن لله روح، ويدعوه روح الله، وألدليل على ما نقول هو ألآيات ألقرآنية ألتالية:-
أولاً: [ولا تايئسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله الا ألقوم ألكافرون] (يوسف 87:12).
ثانياً: [إنى خالق بشراً من طين فإذا سويّته ونفختُ فيه من روحى، فقعوا له ساجدين] (ص 72:38).
ثالثاً: [وإذ قال ربُّك للملائكة إنى خالق بشراً من صلصال من حما مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين] (ألحج 28:15و29).
رابعاً: [ثم سوّاه {أى ألإنسان} ونفخ فيه من روحه] (ألسجدة 9:32).
 
تؤخذ كل هذه ألآيات وتوضع أمام ألآيتين ألتاليتين للمقارنة، نجد أنه لا مجال كيما نأخذ بألتفسير ألقائل بأن روح ألقدس هو ألملاك جبريل:
1 [وألتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وإبنها آية للعالمين] (الأنبياء 19:21)؛
2 [ومريم إبنت عمران ألتى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا] (ألتحريم 12:66).
 
إذاً فألذى حلَّ على مريم ألعذراء وبه حَبلت وولدت يسوع ألمسيح هو روح الله ألقدّوس وليس جبريل.
 
فإن كان ألمولود من مريم ألعذراء قد حُبل به من ألروح ألقدس ألذى هو روح الله، وقد لُقِّبَ بكلمة الله فى ألتوراة وألإنجيل وألقرآن، وفى بعض الأحاديث ألتى ليس عليها أى غبار مثل ألبخارى (رقمى 7410 و7440) لُقِّبَ بـ {روح الله} - فمن يا تُرى هو يسوع ألمسيح إبن مريم، ومن يكون؟!
 
وهنا يبقى ألسؤال ما زال مطروحاً عليك أيها ألمسلم وعليك وحدك أن تجيب عليه:
 
من صعد إلى ألسماء ونزل؟
من جمع ألريح فى حفنتيه؟
من صرَّ ألمياه فى ثوب؟
من ثبَّت جميع أطراف الأرض؟
ما إسمه؟ وما إسم إبنه؟
إن عرفت؟
http://islamisidolatryundisclosed.blogspot.com/

الفهرس