»يا أبتاه اغفر لهم«
قرأت،
فأخذت بهذه الكلمات: »فَقَالَ يَسُوعُ: »يَا
أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ« (لوقا 23:34).
فوقفت وكأن طعنة نجلاء قد غارت إلى صدري. ترى
ما معنى هذا؟ أهو محبة قلب المسيح؟ أم
هو عطفه وإشفاقه؟ لست أدري. والذي أعلمه
يقيناً أني آمنت بقلب شاكر وأخذتني هذه
العبارة البسيطة إلى قلب المسيحية.
وهذا ما فكرت فيه: أعتقد أن أعدى
أعداء الإنسان هو الذي يطلب نفسه ليزهقها. ليس
عدو أعظم من هذا. وفي الوقت الذي كانت تنتزع
نفس يسوع منه، صلّى من أجل أعدائه لإله السماء:
»يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ،
لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا
يَفْعَلُونَ«. ومن يكون هذا غير ابن الله؟ إن
الإنسان العادي تمتلئ نفسه غضباً وكراهية
وحقداً لأتفه الأشياء. أما يسوع فقد صلّى من
أجل أعدائه في الوقت الذي كانت تؤخذ حياته منه-تلك
الحياة التي لم يكن لها مثيل. أكان هذا ممكناً
للإنسان العادي؟ لا أظن ذلك. إذاً لا مناص
من القول إنه هو الله.
ويقول رجال الدين والرعاة والذين
يشاهدون الناس يموتون، إن الكلمات الأخيرة
التي يتفوه بها الإنسان، تخرج من أعماق قلبه.
وهو لا يموت والأكاذيب على شفتيه. وقد كانت
كلمات يسوع الأخيرة »يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ
لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا
يَفْعَلُونَ«، ولذلك لا يسعني إلا أن أؤمن
بأنها تكشف سرّ قلبه.