هل تقررت الحقائق الموردة آنفاً في شخص المسيح حالاً بعد تأسيس الكنيسة المسيحية ؟

إلي كم تقسم المذاهب المنحرفة في تجسد المسيح وحقيقة شخصيته ؟

ما هي المذاهب التي فيها ينكر لاهوت المسيح ؟

ما هي المذاهب التي فيها ينكر ناسوت المسيح ؟

  ما هي المذاهب التي فيها تنكر وحدانية شخص المسيح بطبيعتين ممتازتين غير ممتزجتين أو مختلطتين ؟

ما هو تعليم الكنيسة الإنجيلية في هذا الموضوع حسب ما ورد في إقرار الإيمان لمجمع وستمنستر ؟

 

هل تقررت الحقائق الموردة آنفاً في شخص المسيح حالاً بعد تأسيس الكنيسة المسيحية ؟

إن الحقائق الموردة آنفاً في شخص المسيح مع أن جميعها معلن في الكتاب المقدس إما تصريحاً أو تضميناً كما بينا جلياً لم تتقرر تماماً عند جميع الكنائس المسيحية إلا بعد مباحث طويلة استمرت إلي نهاية القرن السادس. لأنه قام في الكنيسة بعض من اللاهوتيين وذهبوا مذاهب ضلال متنوعة في شخص المسيح وتبعهم قوم علي اختلاف مذاهبهم وهكذا أظهرت طوائف مختلفة مجموعة من عدد قليل من البشر ولكل طائفة رأي خاص في هذه المسألة لكن جمهور شعب الله المؤمنين اعتقدوا اعتقاداً واحداً منذ البداءة وهو ما سبق الكلام عليه. غير أنه لما كان الشعب متمسكاً بتلك الحقائق الجوهرية أي أن اللاهوت والناسوت متحدان غير ممتزجين في شخصية واحدة كان اللاهوتيون مضطرين بالاعتراضات من خارج وبالميل إلي البحث من داخل أن يسألوا كيف يمكن أن تكون تلك الأمور أي أن يكون شخص واحد إلهاً وإنساناً معاً وأن يتحد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح. وكان في الأجوبة علي هذه المسائل صعوبات ووقع في شأنها مشاجرات كثيرة ولأجل التخلص من ذلك أنكر البعض لاهوته وغيرهم ناسوته أو كمال الناسوت وغيرهم أفسدوا حقيقة الاتحاد ونتائجه.

إلي كم تقسم المذاهب المنحرفة في تجسد المسيح وحقيقة شخصيته ؟

 تقسم إلي ثلاثة أقسام باعتبار وجه الفساد فيها وهي :

1 المذاهب التي فيها ينكر لاهوت المسيح.

2 المذاهب التي فيها ينكر ناسوته.

3 المذاهب التي فيها تنكر وحدة شخصه في طبيعتين ممتازتين غير ممتزجتين أو مختلطتين.

ما هي المذاهب التي فيها ينكر لاهوت المسيح ؟

من أهل هذه المذاهب الأبيونيون والناصريون وكل من الفريقين مال ميلاً شديداً إلي بعض العقائد اليهودية فقال الأبيونيون أن المسيح إنما كان إنساناً واعتقد الناصريون ذلك غير أنهم سلموا بأنه حبل به علي نوع عجيب وأنه كان له مواهب خارقة العادة. واشتهر هذا الضلال في فرقة السوسينيين في القرن السادس عشر وبين منكري التثليث الأقنومى في القرون المتأخرة. ومن الذين أنكروا لاهوت المسيح آريوس وفرقته والتأم المجمع النيقوي في سنة 325م لإبطال مذهب آريوس وأجمع الذين حضروا المجمع المذكور علي القانون النيقوي دفعاً لضلال آريوس وشرحاً لاعتقاد الكنيسة لاهوت المسيح قبل التجسد وبعده.

ما هي المذاهب التي فيها ينكر ناسوت المسيح ؟

إن الغنوسيين أنكروا بطرق متنوعة ناسوت المسيح كما أنكر الأبيونيون لاهوته وساقهم إلي ذلك آرائهم في أصل الشر. فقالوا إن الله هو مصدر الخير فقط وإن الشر موجود فلابد من أن يكون أًصله خارجاً بل مستقلاً عنه تعالي وأنه سبحانه مصدر جميع الكائنات الروحية لأن جميعها صدرت من جوهره وإن منها صدرت كائنات أخري ومن تلك صدر غيرها وهلم جرا وكل صادر كان دون ما صدر منه فكانت درجة انحطاط الكائنات بالنسبة إلي بعدها عن المصدر الأصلي. وقالوا أيضاً أن الشر يصدر من المادة وأن خالق العالم ليس الله بل روح دون الله يسمي الديميورغوس قال بعض طوائف الغنوسيين أنه إله اليهود. وإن الإنسان مكون من روح صادرة من الله متحدة بجسد مادي ونفس حيوانية وأن تلك الروح تدنست واستعبدت يسبب هذا الاتحاد. وأن فداءها يتم بتحريرها من الجسد لأنه يمكنها من الرجوع إلي دائرة الأرواح الطاهرة أو الغياب في الله ولأجل إتمام هذا الفداء أتي المسيح إلي هذا العالم وهو من أسمي الكائنات الصادرة من الله. وكان ينبغي له أن يظهر في هيئة إنسان ولكنه كان مستحيلاً أن يصير إنساناً بدون الخضوع للفساد والعبودية اللذين أتي لينقذ البشر منهما. ولإزالة هذه الصعوبة نشأت آراء متنوعة.

فذهب البعض وهم الدوسيتيون إلي أن المسيح لم يكن له جسد حقيقي ولا نفس بشرية. وإن ظهوره جسدياً علي صورة إنسان إنما كان خيالاً أو طيفاً بدون جوهر ولا حقيقة ولذلك سموا دوستيين (وهي كلمة يونانية مشتقة من فعل معناه يظهر أو يتراءى). فحياة المسيح علي الأرض حسب اعتقاد هذه الفرقة من الغنوسيين كانت وهماً وأنه لم يولد بالحقيقة ولا تألم ولا مات بل كان ذلك حسب الظاهر فقط. وذهب غيرهم إلي أنه كان ذا جسد حقيقي ولكن أنكروا ماديته أي كونه مادياً واعتقدوا أنه كان مصنوعاً من جوهر سماوي أتي به المسيح إلي العالم وأنه وإن ولد من مريم العذراء لم يكن من جوهرها بل كانت إناء وضع فيه ذلك الجوهر السماوي. وذهب غيرهم ومنهم الكورنثيون إلي أن يسوع المسيح شخصان ممتازان أما يسوع فهو ابن يوسف وهو إنسان كسائر الناس وأما المسيح فهو روح أو قوة حل علي يسوع عند معموديته وصار مرشداً وحارساً له ومكنه من صنع العجائب وفي وقت آلامه تركه يكابد الآلام وحده ورجع إلي السماء. وربما أن الكتاب المقدس يعلن لنا بكل بيان أن يسوع المسيح مخلص العالم هو إنسان بالحقيقة اعتبرت الكنيسة جميع تلك الآراء الغنوسية ضلالات ورفضتها.

ومن مذاهب الضلال من جهة ناسوت المسيح مذهب الأبوليناريين نسبة إلي أبوليناريوس كان أسقفاً شهيراً في لاودكية وحقيقة مذهبهم هو أن الإنسان علي رأي أفلاطون مؤلف من ثلاثة جواهر وهي الجسد والنفس الحيوانية والروح الناطقة وأن المسيح مؤلف من ثلاثة جواهر وهي الجسد والنفس الحيوانية واللاهوت وبذلك أنكروا أن للمسيح روحاً ناطقة كما لسائر البشر وزعموا أن اللاهوت أخذ في المسيح مكان الروح الناطقة في الإنسان. ومما قادهم إلي هذا القول صعوبة تصور اتحاد طبيعتين كاملتين في شخص واحد. فقالوا إذا كان المسيح الله أو الكلمة الإلهي لابد أن يكون ذا عقل غير محدود وإرادة قادرة علي كل شئ وإذا كان إنساناً كاملاً لابد أن يكون ذا عقل محدود وإرادة بشرية فكيف يمكن أن يكون شخصاً واحداً والحالة هذه. نعم إن ذلك مما لا يدركه العقل البشري ولكن لا مناقضة فيه ولذلك فند التعليم الأبوليناري في مجمع مسكوني عقد في القسطنطينية سنة 381م ورفض ثم تلاشي بعد قليل.

  ما هي المذاهب التي فيها تنكر وحدانية شخص المسيح بطبيعتين ممتازتين غير ممتزجتين أو مختلطتين ؟

 اشتهر من هذه المذاهب اثنان وهما مذهب النساطرة ومذهب الافتيخيين.

1 المذهب المعروف في تاريخ الكنيسة بالنسطوري وهو أن للمسيح أقنومين. فإنه لما ثبت كمال الطبيعتين في المسيح وقع اختلاف في النسبة بينهما فقال أصحاب هذا المذهب أن الكلمة الإلهي حل في الإنسان يسوع المسيح واتحد به اتحاداً مشابهاً لحلول الروح القدس في المؤمن ولذلك لم يمتز المسيح عن الذين حل فيهم روح الله إلا في كونه قد حصل علي كمال اللاهوت الذي حل فيه وشخصيته كانت بشرية محضة تحت تسلط اللاهوت الذي كان بمنزلة شخصية أخري مستقلة. وكان نسطور القائل بهذا المذهب أديباً مشهوراً ذا تقوي حقيقية وكان أولاً راهباً في أنطاكية ثم صار بطريركاً في القسطنطينية ونشأ الجدال علي هذا الموضوع من محاماته عن القول بأنه لا يحق لمريم العذراء أن تسمي أم الله كما سماها البعض. فقال إن العذراء تسمي أم المسيح ولا يجوز تسميتها بأم الله لأنه أنكر اتحاد اللاهوت والناسوت في شخص المسيح وقال إن اللاهوت إنما حل فقط في الناسوت. واعتقاد جمهور المسيحيين أن لاهوت المسيح غير مولود ولا مخلوق لكن في شخص المسيح طبيعتين إحداهما إلهية وعلي ذلك يجوز تسمية العذراء بأم الله متجسداً في شخص يسوع المسيح فهي من وجه واحد جائزة ومن وجه آخر تجديف. وأما ما عناه نسطور حسب تقريره فكان أن الله منزه عن أن يولد وعن أن يموت وذلك صحيح باعتبار جوهر اللاهوت المجرد عن الناسوت وأما في حال التجسد فيجوز أن نقول أن شخص المسيح مولود من مريم العذراء وبهذا المعني فقط يحتمل تسمية العذراء أم الله. ولكن نسطور لكونه أنكر بحسب زعم مقاوميه وحدة شخص المسيح حكم عليه في مجمع أفسس المسكوني الثالث سنة 431م وأخيراً عزل ونفي ومات سنة 440م ورحل تابعوه إلي الشرق إلي بلاد الفرس ونظموا أنفسهم جماعة مستقلة لا تزال إلي عصرنا الحاضر.

2 أما ضلال الأفتيخيين فعكس مذهب النساطرة. فإنهم أنكروا أن للمسيح طبيعتين وقالوا أن له طبيعة واحدة فقط ناتجة من اتحاد اللاهوت بالناسوت وحكم عليهم في مجمع خلكيدون سنة 451م.

وبعد ذلك بنحو 200 سنة اجتهد الإمبراطور هراكليوس (الذي مات سنة 641م) أن يرد الأفتيخيين إلي الكنيسة بوضعه قولاً متوسطاً بين الفريقين حاصله أن المسيح وإن كان ذا طبيعتين ممتازتين لم يكن له إلا مشيئة واحدة. ودفعا لهذا القول صرح المجمع المسكوني السادس الذي التأم في القسطنطينية سنة 681م أن التعليم الصحيح المقبول في الكنيسة بناء علي تعليم الكتاب هو أن المسيح شخص واحد ذو طبيعتين ممتازتين وهما اللاهوت والناسوت وبالنتيجة أن له مشيئة بشرية محدودة ومشيئة إلهية غير محدودة وغير متغيرة.

 ومنذ صدور هذا الحكم من ذلك المجمع توقف النزاع في هذه المسألة ولم يحدث فيها تغيير بعد ذلك وجميع الكنائس اليونانية واللاتينية والإنجيلية قبلت الحكم علي نسطور الذي أنكر وحدانية شخص المسيح والحكم علي أفتيخس الذي أنكر تمييز الطبيعتين والحكم بأن الحصول علي الطبيعة البشرية يقتضي الحصول علي المشيئة البشرية وجعلت كل ذلك من قواعد إيمانها.

ما هو تعليم الكنيسة الإنجيلية في هذا الموضوع حسب ما ورد في إقرار الإيمان لمجمع وستمنستر ؟

كان لبعض الباحثين في أثناء القرون المتوسطة آراء متنوعة في شخص المسيح لكن لم يقاوم أحد قانونياً أحكام مجمعي خلكيدون والقسطنطينية. وفي وقت الإصلاح عول المصلحون علي تعليم الكنيسة الأولي كما يتبين من قوانين الإيمان المتنوعة عندهم ورفضوا صريحاً جميع ما رفضته تلك الكنيسة من الضلالات في شخص المسيح كالأبيونية والغنوسية والأبولينارية والنسطورية والأفتيخية وغيرها وعلموا كل ما علمته المجامع الأولي الستة المسكونية وما قبلته الكنيسة كلها بدون زيادة ولا نقصان. ويؤيد ذلك ما جاء في قانون إيمان وستمنستر وهو         " أن ابن الله الأقنوم الثاني في الثالوث وهو الإله الحق الأزلي من جوهر الآب ومعادل له لما جاء ملء الزمان أخذ لنفسه طبيعة الإنسان مع خواصها الجوهرية وصفاتها العامة ولكن بلا خطية فحبل به بقوة الروح القدس في مستودع العذراء مريم ومن جسدها وبذلك اتحدت طبيعتان صحيحتان كاملتان متميزتان اتحاداً غير منفصل في شخص واحد بدون تحويل ولا تركيب ولا اختلاط وذلك الشخص إله حق وإنسان حق بل مسيح واحد والوسيط الوحيد بين الله والإنسان" (ف 8 ر 2).

 والخلاصة أن التعليم البسيط البليغ الخلاصى الذي يعلمنا إياه الكتاب المقدس والكنيسة بوجه العموم هو أن ابن الله الأزلي صار إنساناً باتخاذه لنفسه جسداً حقيقياً ونفساً ناطقة وهكذا كان ولا يزال إلي الأبد إلهاً وإنساناً ذا طبيعتين متميزتين وأقنوم واحد.

 


أول الصفحة

أرغب في توجيه سؤال لكم

صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع

ما هو تعليم الكتاب المقدس عن المسيح؟

سيرة المسيح في القرآن

هل علم الكتاب المقدس عن التثليث؟

هل حقاً أتى الله تعالى في جسم بشر؟

 الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة