ماذا حمل المسيح علي التجسد ؟

إن تجسد ابن الله الأزلي حسب الكتاب المقدس ليس حادثة ضرورية أو اضطرارية في ذاتها وإنما هو إتضاع اختياري. فإن الله لأجل فداء البشر بذل ابنه الوحيد الذي أتي إلي العالم ليخلصنا من خطايانا واشترك في اللحم والدم لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية (عب 2 : 15) وهذا التجسد وإن لم يكن ضرورياً في ذاته كان ضرورياً لفداء البشر لأنه ليس من طريقة أخرى معلنة لنا يمكن خلاص الناس بها. وذلك يوافق تعليم الكتاب المقدس الواضح أن اسم المسيح هو الاسم الوحيد الذي يقدر البشر أن يخلصوا به (أع 4 : 12) وأنه لو أمكن نوال البر علي طريقة أخري لكان المسيح قد مات حسب قول الرسول بلا سبب (غل 2 : 21) وأيضاً أنه لو كان الناموس قادراً أن يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس (غل 3 : 21).

لماذا دعي المسيح وسيطاً ؟

بما أن القصد بتجسد المسيح وتتميمه عمل الفداء هو مصالحتنا مع الله سمي المسيح وسيطنا لأنه دخل بيننا وبين الله يكفر عن خطايانا ويشفع فينا. وبما أن المسيح قد كفر عن الخطية ولا يقدر غيره علي ذلك يكون هو الوسيط الوحيد بين الله والناس وصانع السلام (أف 3 : 16 و 1 تي 2 : 5).

ما هي الصفات اللازمة لإتمام وساطة المسيح ؟

أن الكتاب المقدس يعلمنا صريحاً الصفات اللازمة للوسيط بين الله والناس وهي ما يأتي :

1 – أن يكون إنساناً. إن الرسول نص علي أن سبب اتخاذ المسيح طبيعتنا لا طبيعة الملائكة هو أنه أتي ليفدينا فكان ضرورياً أن يولد تحت الناموس الذي خالفناه لكي يكمل كل بر وأن يتألم ويموت ذبيحة لكي يكفر عن خطايانا وأن يشترك في حياتنا البشرية لكي يشعر بضعفاتنا فلذلك كما تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما (عب 2 : 14).

2 – أن يكون بدون خطية. فإن الذبيحة التي كانت تقدم علي المذبح كان يجب حسب الناموس الموسوي أن تكون بلا عيب والذي يقدم نفسه إلي الله ذبيحة عن خطايا العالم يجب أن يكون هو نفسه بريئاً من الخطية. فمن المستحيل أن يكون المخلص من الخطية خاطئاً لأنه لا يقدر أن يصل إلي الله ولا أن يكون ذبيحة عن الخطايا ولا مصدر القداسة والحياة الأبدية لشعبه إن لم يكن هو باراً قدوساً ولذلك وجب أن يكون رئيس كهنتنا قدوساً بلا شر ولا دنس ومنفصلاً عن الخطية (عب 7 : 26) ولذلك كان هو بدون خطية (عب 4 : 15 و 1 بط 2 : 22).

3 – أن يكون إلهاً. لأنه لا يقدر أن ينزع الخطية إلا دم من هو أعظم من مجرد مخلوق والمسيح في حال كونه إلهاً بتقديم نفسه مرة واحدة ذبيحة أكمل إلي الأبد المؤمنين (عب 7 : 27 و 9 : 26) وكذلك لا يقدر إلا شخص إلهي أن يبيد سلطان الشيطان وينقذ الذين قد سباهم ولا يقدر علي تتميم عمل الفداء العظيم إلا من هو قادر علي كل شئ وله حكمة ومعرفة غير محدودتين ليكون رئيس كنيسته ودياناً للجميع ولا يقدر أن يكون مصدر الحياة الروحية لجميع المفديين إلا من حل فيه كل ملء اللاهوت.

فجميع هذه الصفات التي نص في الكتاب علي ضروريتها لتأهيل الوسيط للوساطة بين الله والناس قد اجتمعت في المسيح حسب مقتضى العمل الذي أتي لإتمامه. ونتج من ثبوت تلك الصفات لوسيطنا أن وساطة المسيح التي تشمل كل ما فعل وكل ما لا يزال يفعله لخلاص البشر هي عمل شخص إلهي فجميع أعمال المسيح وآلامه في إجراء وساطته كانت أعمال وآلام شخص إلهي فالذي صلب هو رب المجد والذي سكب نفسه للموت هو ابن الله وصدق هذا التعليم يتضح مما يأتي :

1 – كون الكتاب المقدس ينسب كفاية عمله وسلطانه وصدق كلامه وحكمته وقيمة آلامه إلي كونه الله الذي ظهر في الجسد.

2 – عدم كفاية وساطة من هو إنسان فقط لإتمام لوازم تلك الوظيفة لأنه لو كان وسيطنا إنساناً لعجز عن فداء البشر الساقطين فلا يبقي بعد للإنجيل مجد ولا قدرة ولا كفاية.

3 – لوازم العمل فإن فداء البشر الساقطين مما لا يقدر عليه إلا من هو إله وإنسان معاً فوظيفة المسيح النبوية تستلزم أن له جميع كنوز الحكمة والعلم ووظيفته الكهنوتية تستلزم شرف ابن الله ليجعل عمله نافعاً ولا يقدر سوي شخص إلهي أن يستعمل السلطان الذي دفع إلي المسيح باعتبار كونه وسيطاً.

والخلاصة : أنه لا يقدر إلا الابن الأزلي أن ينقذنا من عبودية الشيطان وموت الخطية أو يقيم الأموات أو يهب الحياة الأبدية أو يغلب جميع أعدائه وأعدائنا لأننا نحتاج إلي مخلص قدوس بلا شر ولا دنس منفصل عن الخطاة بل أرفع من السموات.

هل يصح اتخاذ غير المسيح وسيطاً بيننا وبين الله ؟

كلا لأن ذلك مخالف تمام المخالفة للكتاب المقدس. علي أن الكنيسة البابوية تعتقد أن الكهنة والقديسين والملائكة ولا سيما مريم العذراء وسطاء. أما الكهنة فيعتقدون أن بدون توسطهم لا يمكن المصالحة مع الله ويعلمون الشعب هكذا وذلك نشأ من مبدأين ضلاليين متضمنين في تعليم تلك الكنيسة :

1 – اعتقادها الوظيفة الكهنوتية فإنها تعلم أنه لا يحصل الإنسان علي فوائد الفداء إلا بواسطة الكهنة لأنها تجري بواسطة الأسرار والأسرار لا تجدي نفعاً إلا إذا مارسها المفرزون لذلك قانونياً وأن الكهنة يقدمون ذبائح ويمنحون الحل من الخطايا وأنهم وسطاء بالحقيقة وإن كانوا دون المسيح درجة وأنه لا يقدر إنسان أن يأتي إلي الله إلا بواسطتهم ولا يخفي أن هذا هو المراد بالوساطة في الكتاب المقدس. ويعتقدون أيضاً أن لكل مؤمن في كنيستهم شركة في عضوية الكنيسة البابوية رأساً وبواسطة تلك الشركة له نسبة إلي المسيح ولذلك كان للكهنة يد السلطة والقوة والوساطة في كل ما يختص بنسبة المؤمن إلي المسيح بواسطة الكنيسة وأسرارها.

أما الإنجيليون فيعتقدون أن للمؤمن اتحاداً شخصياً بالمسيح رأساً بواسطة الإيمان به والاتكال عليه وأن الكنيسة هي جماعة هؤلاء المؤمنين بالمسيح والمنسوبين إليه رأساً ولذلك ليس للكهنة ولا للموظفين فيها شئ من صفات الوسيط أو أعماله غير الشفاعة البسيطة في تضرع بعضهم وصلاتهم لأجل بعض.

2 – اعتقادها الاستحقاق البشري وهو أن ما يعمل من الأعمال الصالحة بعد التجديد له استحقاق حقيقي أمام الله وأن شعب الله يمكنهم أن يبلغوا من الاستحقاق درجة تزيد علي مطلوب الله لأجل أنفسهم وهذا يمكن أن ينفع غيرهم فيلتجئ الخطاة منهم إلي القديسين طالبين فائدة استحقاقاتهم أمام عرش الله العظيم. وذلك حسب الكتاب المقدس عمل المسيح الخاص به باعتبار كونه وسيطنا الوحيد.

ما هي الأدلة علي أن المسيح هو الوسيط الوحيد ؟

الأدلة علي ذلك هي :

1 – نص الكتاب الصريح بقوله لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح (1 تي 2 : 5).

2 – قيام المسيح بجميع ما تقتضيه الوساطة فيما يختص بالكفارة والشفاعة علي الأرض وفي السماء وكل ذلك معلن بأجلى بيان في الأسفار المقدسة (1 يو 2 : 1 وعب 7 : 25 و 9 : 12 و 24).

3 – قيام المسيح بما يختص بواسطته إلي درجة الكمال حتي لم يبق وجه لدخول غيره في ذلك وكمال عمل المسيح يلزم ضرورة من سمو شأنه وكمال صفاته (عب 10 : 14 وكو 2 : 10).

4 – كون الخلاص به تاماً لا ريب فيه لكل مؤمن حقيقي وليس بغيره خلاص ولا لأحد من البشر أن يأتي إلي الآب إلا به (يو 14 : 6 واع 4 : 12).

5 – أن لا محل لوسيط آخر بيننا وبين المسيح لأنه صار أخاً لنا ورئيس كهنة أميناً وقادراً أن يرثي لضعفاتنا ويدعو كل واحد للإتيان إليه رأساً (عب 2 : 17 و 4 : 15 ومت 11 : 28) ولأن التوسط بين المسيح والبشر من خواص الروح القدس الذي وحده يقبل بالناس إلي المسيح ويخبرهم روحياً بما للمسيح (يو 16 : 14) فلا ريب أن المسيح هو وسيطنا الوحيد لأنه وحده يقدر أن يتمم كل ما يلزم لمصالحتنا مع الله وله وحده الصفات التي تؤهله لذلك.

والكتاب المقدس يعلمنا أن للروح القدس شركة مهمة في إتمام وساطة المسيح فعلاً ولا يعلمنا أن ليد بشرية مدخلاً في ذلك إلا في التبشير بالمسيح وتعليم الحق في هذا الموضوع المهم. فالروح القدس يعمل في قلب الإنسان ويعلمه ويحثه ويقنعه ويجدده ويقوده إلي المسيح بنور المعلنات الإلهية (يو 15 : 26 و 16 : 13 و 14 واع 5 : 32 و 1كو 12 : 3) وهو معزينا الذي يمكث معنا ويعلمنا ما للمسيح ويبكت العالم علي خطية وعلي بر وعلي دينونة (يو 14 : 16 و 26 و 15 : 26 و 16 : 7 – 9). فالمسيح هو شفيعنا (1 يو 2 : 1) وهو حي في كل حين ليشفع فينا في السماء (عب 7 : 25 ورو 8 : 34) أما الروح القدس فيعين ضعفاتنا في الصلاة هنا علي الأرض ويعلمنا كيف نصلي ويشفع فينا علي هذا المنوال بأنات لا ينطق بها وبحسب مشيئة الله يشفع في القديسين (رو 8 : 26 و 27) والحاصل أن بالمسيح لنا قدوماً في روح واحد إلي الآب (أف 2 : 18). هذا هو تعليم الأسفار المقدسة في وساطة المسيح وعناية الروح القدس بنا لنوال فائدتها وليس في كل ذلك أدنى إشارة إلي وسيط غير المسيح أو إلي مدخل لأحد من بني جنسنا في تلك الوساطة.

ما هي وظائف المسيح الثلاث التي يمارسها في توسطه بين الله والناس ؟

هي وظائف النبي والكاهن والملك وقد جرب العادة منذ زمان طويل عند اللاهوتيين أن يبينوا وساطة المسيح بهذه الوظائف الثلاث. ومما يثبت لياقة ذلك وموافقته وأهميته كونه مبنياً علي نصوص الكتاب المقدس وأنه وقع موقع القبول عند المسيحيين زماناً طويلاً. وأول من جمع هذه الوظائف ونسبها إلي المسيح باعتبار كونه وسيطنا أوسابيوس المؤرخ مع أن نسبة كل من الوظائف بمفردها إلي المسيح واضح في الكتاب المقدس.

وما لنا من تعاليم الكتاب في هذا الموضوع ما يأتي :

1 – أن هذه الوظائف كانت في العهد القديم متميزة. فإن النبي باعتبار كونه نبياً لم يكن كاهناً وكذلك الملك أيضاً لم يكن كاهناً ولا نبياً. وكان أحياناً لشخص واحد من شعب الله وظيفتان من هذه الثلاث وذلك مثل موسى وداود فإن الأول كان كاهناً ونبياً والآخر نبياً وملكاً ومع ذلك كانت كل وظيفة ممتازة عن الأخرى.

2 – أنه قد تنبأ بأن المسيح يكون نبياً وكاهناً وملكاً ومن ذلك قول موسى " يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من اخوتك مثلي " تث 18 : 15). وكثيراً ما أتي في الكتاب أن المنقذ الآتي يمارس جميع واجبات النبي باعتبار كونه معلناً مشيئة الله وأن يكون معلم يمارس جميع واجبات النبي باعتبار كونه معلناً مشيئة الله وأن يكون معلم البر العظيم ونور إعلان للأمم ومجداً لشعبه إسرائيل. والنص علي أنه يكون كاهناً ليس أقل وضوحاً ولا أقل تكراراً من ذلك. قال المرنم أقسم الرب ولن يندم. أنت كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق (مز 110 : 4) وقال النبي زكريا أنه يكون كاهناً علي كرسيه (زك 6 : 13). وقال أشعياء أنه يحمل خطايا الشعب ويشفع في المذنبين. وأما وظيفته الملكية فقد تكرر ذكرها صريحاً في النبوات حتي ظن اليهود أنه يكون ملكاً فقط لأنه ورد فيها علي أنه يملك جميع الأمم وأن لا يكون لملكه نهاية وأنه يكون ملك الملوك ورب الأرباب.

3 – أن العهد الجديد يقدمه لنا نبياً وكاهناً وملكاً ويعلمنا أيضاً أن الذين يقبلونه كما يجب قبلوه بجميع تلك الوظائف. وأن المخلص نفسه خصص بنفسه جميع النبوات التي تشير إلي المسيح وأشار إلي أن موسى تنبأ بأنه يكون نبياً وإلي أن داود أنبأ بأنه يكون كاهناً وإلي أنباء دانيال بالملكوت الذي أتي ليقيمه.

4 – أن هذا الكلام ليس مجازياً كما يتضح من أن المسيح مارس وظائف النبي والكاهن والملك. فإنه لم يدع بهذه الألقاب فقط بل العمل الذي أكمله فعلاً تضمن تماماً كل ما عمله الأنبياء والكهنة والملوك القدماء مما كان ظلاً لعمل المسيح الأكمل.

5 – أننا باعتبار كوننا بشراً ساقطين وجهلاء مذنبين ومتدنسين وعاجزين نحتاج إلي مخلص يكون نبياً ليعلمنا وكاهناً ليكفر عن خطايانا ويشفع فينا وملكاً ليتسلط علينا ويحمينا. وأن الخلاص الذي نقبله منه يشمل كل ما يقدر أن يعمله النبي والكاهن والملك بموجب المعني الأسمى لهذه الكلمات. فإننا منارين بمعرفة الحق ومصالحون مع الله بموت ابنه ذبيحة عن خطايانا ومنقذون من سلطان الشيطان ومدخلون إلي ملكوت الله وكل ذلك يقتضي أن يكون فادينا نبياً وكاهناً وملكاً معاً. وبالنتيجة أن ذلك ليس فقط موافقاً لغاية رسالته وعمله بل يجب أن يحفظ في علم اللاهوت إذا شئنا أن نقبل الحق كما هو معلن في كلمة الله.

أن هذه الوظائف في العهد القديم لم تكن معاً لشخص واحد أي لم يكن أحد في مدة النظام الموسوي نبياً وكاهناً وملكاً في وقت واحد وكان متى اجتمع اثنتان منها في شخص واحد لابد من انفصال إحداهما عن الأخرى. أي أنه كان يمارس أحياناً الواحدة وأحياناً الأخرى. أما المسيح فقد اجتمعت كلها فيه وحدة متحدة اتحاداً كلياً لأنه كان يعلم وهو يمارس وظيفة الكاهن ويستعمل سلطانه علي النفس بتحريرها من العمي والضلال ومن قوة الخطية وسلطان إبليس. والآن هو يتسلط علي العالم بالحق والمحبة وصولجانه هو الإنجيل.

هل يناسب التعبير عن عمل المسيح علي هذه الصورة أي أنه نبي وكاهن وملك ؟ وما هي نسبة هذه الوظائف بعضها إلي بعض ؟

يجب الانتباه في هذا المقام إلي أن هذه الوظائف الثلاث لا يمتاز بعضها عن بعض امتيازاً واضحاً لما بينها من العلاقة الشديدة وهي بالحقيقة ثلاثة فروع لوظيفة واحدة غير منقسمة وهي الوساطة القائمة في المسيح بالتعليم والتكفير والتسلط وأهم هذه الأعمال الثلاثة هو التكفير وهو الغاية العظمي من تجسد المسيح بدليل قوله ولكنه الآن قد أظهر (أي المسيح) مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه (عب 9 : 26) ولا ريب أن غاية التكفير كانت مصحوبة بغايات أخرى كإظهار صفات الله للبشر بأجلى بيان ومعبود منظور يوافق احتياجاتنا وإقامة مثال كامل لنقتدي به وتعليمنا الحق بسلطان فائق وما أشبه ذلك من المقاصد غير أن تقديم الذبيحة الكافية عن الخطية هو الأمر الجوهري في تجسد المسيح.

وأما وصف عمل المسيح إجمالاً بأنه نبوي وكفاري وملكي معاً ففي غاية المناسبة لأنه يبين لنا فوائد وساطته علي نوع جامع مفهوم لأننا نراه معلماً عظيماً يعلمنا الحق السماوي ورئيس كهنة يكفر عن خطايانا بموته ذبيحة وملكاً يملك بسلطان إلهي. وهذه الفروع الثلاثة لعمل الوساطة اشتهرت في كل الأديان البشرية في كل عصر في تاريخ العالم وفي العهد القديم رسمت بأجلى بيان في الوظيفة النبوية والكهنوتية والملكية وفي العهد الجديد اجتمعت في شخص المسيح وعمله بوضوح تام. وكل من بحث في الصفات اللازمة للوسيط بين الله والناس تحقق لزوم اجتماع تلك الأعمال الثلاثة في الوساطة لأن الفداء من الخطية يستلزم التعليم والتكفير وانضمام الرعية الحاصلة علي الخلاص في ملكوت ثابت أبدي. ولا نقدر أن نتغافل عن أحد هذه الأعمال الثلاثة إلا بأن نسلب من المسيح جانباً من وظيفته وننظر إلي عمله نظراً جزئياً منحرفاً فلا يمكننا أن نعظم المسيح كما ينبغي إذا نظرنا إلي عمله النبوي مع قطع النظر عن كونه كاهناً وملكاً وهكذا من جهة كهنوته وملكه. ولا ننال فائدة تامة من وساطته إلا إذا كان لنا نبياً ليعلمنا وكاهناً ليكفر عنا وملكاً ليملك علينا ويحامي عنا.

ماذا يراد بالنبي حسب اصطلاح الكتاب المقدس ؟

هو ما يتكلم عن آخر كما جاء في سفر الخروج فقال الرب لموسى أنظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهارون أخوك يكون نبياً أي أن موسى يكون مصدر التبليغ وهارون آلته. وهذه هي نسبة النبي إلي الله لأن الله يعلن للنبي مشيئته وهو يبلغ ذلك الذين يرسل إليهم. وقيل في هارون من قبيل نسبته إلي موسى هو يكون لك فماً (خر 4 : 16) وقيل في النبي فمثل فمي تكون (أر 15 : 19) ومن جهة توظيفه أو إقامته كليماً لله وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنه أطالبه (تث 18 : 18 و 19). فيتضح مما تقدم أن النبي هو من يتكلم باسم الرب. ولكن يجب أن يقيد هذا الحد بكون النبي آلة بيد الله رأساً لأنه كل من يقرأ كلمة الله أو يبشر بها يتكلم باسمه تعالي لأن الحقائق التي يتكلم بها مبنية علي سلطان الله والكلام الذي ينادى به المبشر للشعب هو كلامه تعالي. ولكن القسوس ليسوا أنبياء لأن العهد القديم والجديد يميزان تمييزاً كافياً بين الأنبياء والمعلمين بأن الأنبياء كانوا ملهمين دون المعلمين. فكل من قبل إعلاناً من الله أو أوحي إليه بتبليغه سمي في الكتاب المقدس نبياً ولذلك سمي جميع الكتبة الأطهار أنبياء.

ثم أن اليهود قسموا أسفارهم إلي الناموس والأنبياء والمكتوبات المقدسة أما التوراة أي الأسفار الخمسة فكاتبها موسى الذي لا ينكر أحد أنه كان نبياً والقسم الثاني الذي يشمل جميع الأسفار التاريخية والنبوية قد كتبها أيضاً الأنبياء والملهمون وهكذا يقال في القسم الثالث. والنبوة بالمستقبل إنما كانت جزءاً من عمل النبي يمارسها عند الاقتضاء.

وعلي ذلك المراد بالقول أن المسيح يكون نبياً هو أنه يكون المتكلم عن الله لتبليغ أفكاره تعالي وإرادته للبشر وأن من جملة ما قصد بظهور مخلصنا علي الأرض أن يتكلم بكلام الله كما قال له المجد الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني (يو 14 : 24). وقيل أيضاً يسوع الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول (لو 24 : 19).

كيف يمارس المسيح وظيفة نبي ؟

يمارس المسيح وظيفته النبوية :

1 – في أنه كلمة الله الأزلي ومصدر كل معرفة للخلائق العاقلة ولا سيما بني البشر وفيه جميع كنوز الحكمة والعلم منه يصدر كل ما ينال البشر من النور.

2 – في مجيئه إلي هذه الأرض معلماً وممارسته وظيفته النبوية بتعاليمه للبشر بواسطة الأحاديث والأمثال وتفسير الناموس والأنبياء وإعلانه إرادة الله وماهية ملكوته وغاية عمله ونزيد علي ذلك إلهامه الأنبياء والرسل بواسطة الروح في العهد القديم والجديد.

3 – في أنه لم يزل منذ صعوده إلي الآن يمارس هذه الوظيفة عينها بإلهامه الرسل الأطهار ورسم خدمة التبشير بالديانة الحقيقية وبإرسال الروح القدس. وهكذا مارس المسيح قبل مجيئه في الجسد وبعده وظيفة نبي بإعلانه لنا مشيئة الله بواسطة كلمته وروحه.

ويتضح من الكتاب المقدس أن المسيح تمم وظيفته النبوية لغايتين الأولي إصلاح أحوال اليهود الروحية والثانية إعلان الحق للعالم أي للأمم أجمع فقيل من جهة الغاية الأولي لم أرسل إلا إلي خراف بيت إسرائيل الضالة (مت 15 : 24) وبهذا المعني كان نبياً بين أنبياء العهد القديم وخاتم السلسلة النبوية. وقال بولس أن يسوع المسيح قد صار خادم الختان من أجل صدق الله حتي يثبت مواعيد الآباء (رو 15 : 8) وهو كان ذلك النبي الذي قيل أنه مثل موسى وأن الله يقيمه من اليهود (أع 7 : 37) وكان مشترعاً مثل موسى ولكن أعظم منه وأثبت الشريعة القديمة بإكرامه إياها وإتمامه مطاليبها غير أنه بذلك أبطلها وأتي بشريعة جديدة تحيط بغايات الشريعة القديمة الروحية وهي الإنجيل المقدس وأبان مطاليب الإنجيل في وعظه علي الجبل كما كتب في (مت ص 5 – 7). وكان ينطق بنبوات شتى بمستقبل ملكوته غير أن اليهود رفضوا تعاليمه كما رفضوا شخصه ولم يؤمن برسوليته إلا قسم منهم. أما من جهة الغاية الثانية أي إعلان الحق للأمم فتمت بإظهاره أنه الطريق والحق والحياة للعالم أجمع وهو لا يزال مصدر كل نور للبشر يعلن مشيئة الله ويفسرها كما قال تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني (يو 17 : 16) وأيضاً أتكلم بهذا كما علمني أبي (يو 8 : 28). وأثبت تعاليمه بالعجائب وكان هو نفسه أعظم العجائب وكان دائماً يعلم بسلطان وتعليمه كما ورد في الإنجيل هو الإعلان الأخير للعالم فانتهت الوظيفة النبوية فيه وأما الرسل الذين جاءوا بعده فكانوا ملهمين لأجل إيضاح الإعلان الذي أتي هو به. وكان المسيح نبياً بتعليمه وبمثاله وبذلك علم البشر فعلاً كيف يعيشون وبأي روح ينبغي أن يخدموا الله ويعاملوا البشر فكان بذلك نوراً للعالم وأعظم الأنبياء وكان علينا أن نسمع أقواله ونطيع أوامره.

ما هو الكاهن ؟ وما هي وظيفته ؟

يتبين لنا ذلك من ثلاثة أمور :

1 – الاستعمال الشائع في اللغات الشرقية واصطلاحاتها في كلمة الكاهن.

2 – نصوص الكتاب المقدس.

3 – الأعمال الخاصة بهذه الوظيفة. ومن النظر إلي هذه الأمور نتوصل إلي الفوائد الآتية بخصوص ذلك.

الأولي : أن الكاهن معين للقيام بأعمال البشر أمام الله. فإن البشر خطاة لا يحق لهم القدوم إلي الله ولذلك وجب تعيين من إله ذلك الحق في نفسه أو علي سبيل الهبة فلهذا يكون الكاهن بمنزلة وسيط بين الله والناس.

الثانية : أنه معين لتقديم قرابين وذبائح عن الخطايا. ووظيفته من هذا القبيل أن يصالح البشر مع الله ويكفر عن خطاياهم ويقدم أشخاصهم واعترافاتهم وقرابينهم لله.

الثالثة : أنه يشفع في الشعب لا بمجرد الصلاة لأجله كما يصلي إنسان لأجل آخر بل بشفاعة خاصة بوظيفته.

وهذا التعريف ذو شأن عظيم ويجب إثبات صحته ولذلك وجب أن نلتفت الآن إلي ما يثبت كون الكاهن كما وصفناه.

ما هي الأدلة علي صحة هذا التعريف وعلي كون المسيح كاهناً بهذا المعني ؟

لنا لإيضاح صحة هذا التعريف وكون المسيح كاهناً بمعني هذه الكلمة الحقيقي الأدلة الآتية:

الأول : استعمال هذه الكلمة الشائع وحقيقة الكهنوت عند جميع الأمم وفي كل القرون. فإن البشر شعروا بالخطية في كل مكان وزمان وذلك الشعور يشمل الحس بالإثم والفساد وانتفاء الحق في الاقتراب إلي الله. وكانت ضمائرهم دائماً تعلمهم ضرورية التكفير عن الخطية بإيفاء العدل الإلهي حقه وعجزهم عن ذلك وعدم أهليتهم لتقديم كفارة كافية أو تحصيل رضي الله بواسطة اجتهادهم. ولذلك ابتغوا دائماً إنساناً أو رتبة من الناس يعملون بالنيابة عنهم ولأجلهم ما علموا أنه يجب أن يعملوه مع عجزهم أن يعملوه لأنفسهم. فأقاموا الكهنة ليستعطفوا الله بواسطة الذبائح الكفارية والتقدمات والصلوات. فيكون القول أن الكاهن إنما هو معلم ديني فقط مخالف لشهادة التاريخ.

الثاني : استعمال كلمة كاهن وحقيقة وظيفته في النظام الموسوي. لأن الكاهن في العهد القديم هو إنسان مختار من الشعب ومعين للوساطة بينهم وبين الله وللاقتراب إليه تعالي عنهم ولتقديم ذبائح كفارية وللشفاعة في المتعدين. فلم يؤذن للشعب أن يقتربوا من الله بل للكاهن فقط ولا سيما رئيس الكهنة الذي كان يدخل إلي داخل الحجاب بالدم الذي كان يقدمه لأجل نفسه ولأجل خطايا الشعب. وكل ذلك تمثيلي ورمزي لأن الكهنة اللاويين كانوا رموزاً والمسيح مرموزاً إليه وكل ما كان رمزاً في وظيفتهم وأعمالهم تم فيه. هم كانوا الظل وهو الحقيقة وهم علموا الشعب الطريق العتيدة أن تنزع بها الخطية وهو نزعها بالفعل. ولهذا إنكار كهنوت المسيح حسب معني هذه اللفظة في العهد القديم يبطل معني الكتاب المقدس ويؤدي إلي مبادئ التفسير تغير كل تعليمه.

الثالث : تعريف الكاهن وبيان حقيقة وظيفته في العهد الجديد. قال الرسول لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس (أي لأجل خيرهم وفي مكانهم) في ما لله لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا (عب 5 : 1) وجميع ما قررناه آنفاً هو في معني هذا النص أي أن الكاهن هو إنسان معين لأجل الآخرين ليقترب إلي الله ويقدم ذبائح.

الرابع : ما ورد في الرسالة إلي العبرانيين فإن الرسول سمي المسيح فيها كاهننا وبين فيها ما يأتي :

1 – أن له جميع الصفات التي تؤهله لتلك الوظيفة.

2 – أنه تعين من الله.

3 – أنه كاهن علي رتبة أعلي من رتبة هارون.

4 – أن كهنوته يبطل كل كهنوت آخر ويغني عنه.

5 – أنه قد عمل جميع أعمال تلك الوظيفة وهي الوساطة والذبيحة والشفاعة.

6 – أن فاعلية ذبيحته كلية دائمة فلا احتياج إلي تكرارها أي أنه بواسطة تقديم نفسه مرة واحدة

حصل لنا فداء أبدياً.

الخامس : فوائد ممارسة المسيح هذه الوظيفة لأجلنا وهي :

1 – التكفير عن خطايانا.

2 – استعطاف الله أي إرضاؤه.

3 – مصالحتنا معه تعالي الناتجة من التكفير والاستعطاف ومن كل ذلك تصدر جميع البركات الداخلية الروحية والحياة الأبدية. وجميع هذه الفوائد لا يمكن تحصيلها بواسطة التعليم والآداب والقدوة ولا بواسطة تغيير داخلي فينا. والحاصل مما تقدم أن المسيح هو كاهن بالحقيقة حسب معني هذه الكلمة في الكتاب المقدس تماماً.

ومن أخص تعاليم الكتاب المقدس في الوظيفة الكهنوتية :

1 – وجوب إقامة الكاهن من بين البشر لينوب عنهم (عب 5 : 1 و 2 وخر 28 : 9 و 12 و 21 و 29).

2 – وجوب اختياره من الله وفرزه لتلك الغاية (عب 5 : 4 و عد 16 : 5).

3 – وجوب كونه قدوساً طاهراً مكرساً لخدمة الرب (لا 21 : 6 و 8 ومز 106 : 16 وخر 39 : 30 و 31).

4 – أن يكون له حق الاقتراب إلي الله بتقديم الذبائح والشفاعة في الشعب (عد 16 : 5 وخر 19 : 22 ولا 16 : 3 و 7 و 12 و 15).

فالكاهن بموجب ما سبق وسيط من بين البشر ليقف أمام الله

أولاً : لأجل تقديم الذبائح (عب 5 : 1 و 2 و 3)

وثانياً : لأجل الشفاعة (خر 30 : 8 ولو 1 : 10 ورؤ 5 : 8 و 8 : 3 و 4) وقد دعي المسيح كاهناً في الكتاب المقدس (مز 110 : 4 وعب 5 : 6 و 6 : 20 وزك 6 : 13) ونسبت إليه الأعمال الكهنوتية (أش 53 : 10 و 12 ودا 9 : 24 و 25) وكان هو المرموز إليه في الكهنوت اللاوي ولا سيما في رئيس الكهنة العظيم وفي الذبائح وقد أبان ذلك كاتب الرسالة إلي العبرانيين بأجلى بيان. وكان المسيح إنساناً من بني جنسنا (عب 2 : 16 و 4 : 15) ومختاراً من الله (عب 5 : 5 و 6) قدوساً وطاهراً (لو 1 : 35 وعب 7 : 26) وله حق الاقتراب إلي الله والقبول لديه تعالي في النيابة عنا كرئيس كهنتنا العظيم (يو 16 : 28 و 11 : 42 وعب 1 : 3 و 9 : 11 – 14) فالقول أن المسيح كاهن لينوب عنا في ما يختص بالله بالذبائح والشفاعة من أوضح تعاليم الكتاب المقدس.

بين من الكتاب المقدس أن المسيح تمم وظيفة الكاهن فعلاً ؟

قلنا أن وظيفة الكاهن تحيط أولاً : بالكفارة وثانياً : بالشفاعة وورد أن المسيح توسط بين الله والناس (يو 14 : 6 و 1 تي 2 : 5 وعب 8 : 6 و 12 : 24) وأنه قدم ذبيحة كفارية (أف 5 : 2 وعب 9 : 26 و 10 : 12 و 1 يو 2 : 2) وأنه شفع في الشعب ولا يزال يشفع فيهم (رو 8 : 34 وعب 7 : 25 و 1 يو 2 : 1) ولا ريب أن المسيح أجرى هذه الأعمال الكهنوتية حقيقة لا مجازاً لأنه كان المرموز إليه برموز العهد القديم والرمز إشارة إلي ما هو حقيقي ولا يكون الرمز إشارة إلي رمز آخر (عب 9 : 10 – 12 و 10 : 1 وكو 2 : 17) وتمم المسيح هذه الوظيفة العظيمة جزئياً علي الأرض (عب 5 : 7 – 9 و 9 : 26 – 28 ورو 5 : 19) وكلياً في السماء حيث قدم ذبيحة في قدس الأقداس السماوية وهو حي إلي الأبد يشفع فينا (عب 7 : 24 و 25 و 9 : 12 و 24).

كيف يتكلم الكتاب المقدس علي كهنوت المسيح ؟

الكلام في الكتاب المقدس علي كهنوت المسيح مؤسس علي الاصطلاحات والفرائض المختصة بالذبائح والخدمة الكهنوتية في النظام الموسوي غير أنه ورد فيه أن المسيح كاهن وذبيحة معاً أي أنه قدم الذبيحة باعتبار كونه كاهناً وأن الذبيحة التي قدمها كانت نفسه وكان باعتبار كونه ذبيحة بلا عيب كافياً مقبولاً كاملاً لأنه حمل الله المذبوح لأجل خطية العالم وكان باعتبار كهنوته كاهناً تمت فيه جميع شروط تلك الوظيفة وما تقتضيه بل كان علي رتبة الكهنوت اللاوي وعلي رتبة ملكي صادق أيضاً.

وفي الكتاب المقدس استعارات أخري غير ما أخذ من الفرائض الموسوية لإيضاح ماهية عمل المسيح الكهنوتي ومنها ما أخذ من مصطلحات التجارة كتنزيل الخاطئ بمنزلة مديون للعدل الإلهي والمسيح موفي الدين. وكذلك ما أخذ من وقائع الحرب كتشخيص الخاطئ أسيراً والمسيح الفادي الذي دفع ثمن فدائه. ومثله ما أخذ من مصطلحات الشرع كاعتبار الخاطئ مذنباً والله المبرر بسبب بر المسيح وما أخذ من مصطلحات الأحكام المدنية كاعتبار الخاطئ عاصياً يحصل علي العفو بواسطة توسط المسيح وشفاعته. والأمر الجوهري في كل هذه الاستعارات هو أن المسيح وسيط لأجل رفع الخطية وإنقاذ المذنب من لعنة الشريعة بتقديم ذبيحة نيابية تعتبر وسيلة كافية إلي إنقاذ الخاطئ من الدينونة وفتح باب المصالحة بينه وبين الله فبهذا المعني كانت وساطة المسيح من أولها إلي آخرها ذبيحة نيابية لأجل خلاص البشر.

بماذا ارتفع شأن كهنوت المسيح علي الكهنوت اللاوي ؟

1 – بسمو شخصه فإن الكهنة اللاويين كانوا بشراً والمسيح كان ابن الله الأزلي وهم كانوا خطاة التزموا أن يقدموا ذبائح أولاً : عن خطاياهم وثانياً : عن خطايا الشعب والمسيح كان قدوساً بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلي من السموات (عب 7 : 26 و 27) وكان اقترابه إلي الله علي سبيل الاتحاد السري الذي لا يقدر عليه أحد من البشر سواه (يو 10 : 30).

2 – بقيمة ذبيحته الفائقة فإن ذبائح اللاويين عاجزة بذاتها عن التطهير من الخطية وكانت تتكرر علي الدوام وكانت ظل الذبيحة المنتظرة (عب 10 : 1 – 4) ولكن ذبيحته كانت فعالة ولم تتكرر (عب 10 : 10 – 14).

3 – في أنه كهنوته لا يزول خلافاً لكهنوت اللاويين الذي كان ينتقل من شخص إلي آخر علي توالي الأزمنة (عب 7 : 24) وأقيمت كهنتهم بلا قسم ولكن هو بقسم (عب 7 : 20 – 24).

4 – في كون كهنوت المسيح مختص بالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة وهو قدس الأقداس السماوي وهناك يظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا (عب 9 : 11 – 24) وشفاعة المسيح تقدم من العرش السماوي ولها فعل مطلق لا يرد (رو 8 : 34 وعب 8 : 1 و 2).

5 – في أن المسيح نبي وكاهن وملك معاً خلافاً لكهنة العهد القديم (زك 6 : 13).

بأي معني كان المسيح كاهناً علي رتبة ملكي صادق ؟

إن الكهنوت من نسل هارون كان رمزاً إلي كهنوت المسيح غير أن ذلك الرمز كان ناقصاً في بعض الأمور أي أنه لم يشر إلي حقائق ظهرت في المرموز إليه وذلك في كونه اختص بأشخاص مائتين ينتقل كهنوتهم علي توالي الأزمنة ولم يكن أحد منهم من الرتبة الملكية له شئ من السلطان الملكي في كهنوته ولكن ملكي صادق ظهر بغتة في تاريخ العهد القديم كاهناً وملكاً معاً وسمي ملك البر وملك السلام (تك 14 : 18) ولا نعرف من أمره سوي أنه كان ملكاً وكاهناً وأنه في وظيفته كان بلا سابق وبدون خلف أي لا أحد سبقه ولا أحد خلفه في وظيفته الخاصة ولذلك كما قال صاحب رسالة العبرانيين كان مشبهاً بابن الله (عب 7 : 1 – 3 ومز 110 : 4). وقيل أن المسيح كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق بمعنيين الأول : أنه يشير إلي كهنوت أبدي والثاني : أنه يشير إلي اجتماع الوظيفة الملكية والوظيفة الكهنوتية في شخص المسيح.

كيف يتبين أن المسيح كاهننا الوحيد ؟

ذلك يتبين من حقيقة هذه الوظيفة والقصد بها :

1 – أنه ليس لأحد من البشر غير الرب يسوع المسيح حتى القدوم إلي الله لأنهم خطاة ويحتاجون إلى من يقترب إلي الله عنهم.

2 – أنه لا تقدر ذبيحة غير ذبيحته أن تنزع الخطية.

3 – أن الله يرحم الخطاة بواسطته فقط.

4 – أن الفوائد التي تصدر من رضى الله إنما تجرى إلي شعبه تعالى بواسطة المسيح.

وقد تقدم أن كهنة العهد القديم كانوا أمثلة ورموزاً إلي المسيح الكاهن الحقيقي وأن ذبائحهم لا تقدر أن تطهر الضمير من الخطية بل تقتصر علي التطهير الظاهر الطقسي. فكانت تفيد المصالحة مع الله في كونها رموزاً إلي تلك الذبيحة الحقيقية أي ذبيحة المسيح الذي هو موضوع الإيمان وأساس الثقة. ومن ثم كما قال الرسول كانت تقدم علي الدوام لأنها لما كانت بلا فاعلية في نفسها كان الشعب محتاجاً إلي أن يفطن دائماً بإثمه واحتياجه إلي تلك الذبيحة الفعالة المنبأ بها في أسفارهم المقدسة.

بأي معني ينسب إلي جميع المؤمنين حقوق كهنوتية في الكتاب المقدس ؟

بما أن المسيحي المؤمن متحد بالمسيح اتحاداً روحياً فهو يشترك في فوائد موته وفي أمجاد نصرته وله حقوق خاصة من نعمة الله مبنية علي تلك الشركة ومنها حق القدوم رأساً إلي الله بالمسيح حتي حق الدخول إلي الأقداس بدم يسوع (عب 10 : 19 – 22) وإذا تقدم علي هذه الكيفية بقلب صادق وبنفس متجددة فله أن يقدم ذبائح روحية لا كفارية كالتسبيح والتضرع والتشكر باسم يسوع المسيح وأن يشفع في غيره من الأحياء (عب 13 : 15 و 1 تي 2 : 1 و 2 و 1 بط 2 : 5 و 9).

وبذات هذا المعني هم أنبياء وشركاء في سلطان المسيح الملكي (1 يو 2 : 20 ويو 16 : 13 ورؤ 1 : 6 و 5 : 10).

أول الصفحة

أرغب في توجيه سؤال لكم

صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع

هل حقاً أتى الله تعالى في جسم بشر؟

ماذا عن يسوع؟

الصليب وماذا تعرف عنه؟

هل علم الكتاب المقدس عن التثليث؟

ماذا عن يسوع؟

هل ينكر القرآن ألوهية المسيح؟

سيرة المسيح في القرآن

هل علم الكتاب المقدس عن التثليث؟

هل حقاً أتى الله تعالى في جسم بشر؟

الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة