الجهاد والنعمة

 البابا شنوده الثالث

+الجهاد والنعمة معا   

+هل تلغى النعمة الحرية الشخصية 

+ضرورة الجهاد 

+هل يقف الجهاد فى وقت ما ؟.

+الحروب الروحية .

+جهاد الرسل والرعاة .

 

+الإيمان والأعمال 

+التداريب الروحية 

+أسئلة والرد عليها 

             1-اللص اليمين .  

            2-التعليم بالاٍختبار .

           3-مفارقة النعمة 

 

هذه النبذة أخذت من كتاب (لك يا بنى ) الذى صدر من مجلس كهنة الأسكندرية سنة 1964

الجهاد والنعمة

إن الاعتدال فى الأمور الروحية ينقذ الإنسان من سقطات كثيرة . وعيب الإنسان أنه فى بعض الأوقات يتحمس لنقطة معينة ، ويركز فبها كل فكره ، وينسى باقى النقط التى تتعلق بالموضوع ، وبهذا يخطئ

الجهاد والنعمة معا

كيف يخلص الإنسان  –هل بالجهاد وحده أم بالنعمة وحدها ؟

لا يمكن للإنسان أن يخلص بالجهاد وحده فالسيد المسيح يقول : (بد ونى لا تقدرون أن تفعلون شيئا ) ( يو 15 : 5) فمهما جاهدت ومهما تعبت لا يمكن أن تصل إلى نتيجة بدون معونة من الله  وأيضا من جهة النعمة ( إن الله لا يريدنا أن نكون مستلقين على ظهورنا ويعطينا الملكوت) كما قال يوحنا ذهبى الفم ( لذلك فالنعمة لا تفعل شئ ) فهى ليست مجالا للكسل والتهاون والتراخى.فلا تترك نفسك دون أن تعمل شيئا .وتقول إن النعمة تعمل كل شئ . فهذا معناه أنك تنام ولا تبذل أى جهد وتتهاون فى أداء واجباتك ثم تقول إن النعمة هى التى تعمل كان يشوع بن نون يقود جيش شعب الله ويحارب ، وفى نفس الوقت كان موسى النبى  يقف على الجبل رافعا يديه بالصلاة حتى النصرة . فهل انتصر شعب الله عن طريق جيش يشوع أم عن طريق صلاة موسى ؟ يخطئ من يخص واحدة فقط من الاثنين  لان يشوع وحده مهما حارب بدون صلاة موسى أى بدون معونة الله لا يمكن أن ينتصر .وصلاة موسى وحدها ليس معناها تشجيع شعب الله أن يتراخى ويتكاسل ويهرب من أمام العدو ، ويقول تكفى صلاة موسى .  الجهاد والصلاة كانا سائرين سويا . هذا يجاهد فى الحرب ، وذاك يصلى . الجهاد والنعمة متلازمان.هناك عبارة جميلة لو فهمناها لفهمنا كثيرا عن النعمة والجهاد .  تقول البركة الرسولية : محبة الله الآب ونعمة ابنه الوحيد وشركة الروح القدس تكون معكم (  2 كو  13 : 14 ) فما معنى عبارة ( شركة الروح القدس ؟) إنها شركة بين اٍثنين يعملان سويا : الروح القدس والإنسان . فالروح القدس يقدر أن ينقذك وينجيك ، ولكنه لا يفعل هذا بمفرده ، وإنما يريدك أن تشترك معه فى تدبير حياتك . تقول كيف هذا ؟ إن الروح القدس وحده يكفى : إذن ما الفرق بين الذين خلصوا والذين لم يخلصوبين الأبرار والأشرار ؟ إذا كان الروح القدس يعمل وحده كل شئ : فلماذا يوجد إنسان خاطئ على الأرض ؟ لماذا لم يتب هذا الخاطئ ويخلص ؟ لماذا لم يتوبه الروح القدس إن كان الروح القدس يعمل وحده كل شئ ؟ !

إن كان كل شئ بواسطة النعمة وحدها ، فلماذا لا تعمل فى جميع الناس ؟ وبذلك لا يكون هناك خاطئ واحد فى العالم ، إن مجرد وجود إنسان خاطئ واحد فى العالم دليل قوى على أن النعمة لا تعمل وحدها كل شئ

هل عمل النعمة معناه إلغاء الحرية الشخصية ؟

إن الروح القدس يعمل فينا لأجل الخير .وبر الإنسان يأتى نتيجة اتحاد إرادته بعمل النعمة ، نتيجة شركة الروح القدس  فإرادتك تتحد مع الروح القدس فى خلاص نفسك ، وهذه هى شركة الروح القدس . والإنسان يستطيع بإرادته الحرة أن يوقف عمل الروح القدس فيه   فالكتاب يقول : ( لا تطفئوا الروح ) ( 1 تس 5 : 19 ) ويقول أيضا ( لا تحزنوا روح الله )

( أف 4 : 3. ) والنعمة واقفة على الباب تقرع ( ها أنذا واقف على الباب وأقرع ، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب أدخل إليه و أتعشى معه وهو معى ) ( رؤ 3 : 2. ) .

فالنعمة تعرض معونتها عليك ، وأنت حر تقبل أو لا تقبل تعمل أو لا تعمل اٍذا  أشتركت مع الروح القدس فى العمل ، تصل بنعمة الروح القدس إلى كمال القداسة .واٍذا رفضت الاٍشتراك ، فالنعمة وحدها لا يمكن أن ترغمك على الخير يتطرف كثير من الناس لدرجة أن كلمة الجهاد الشخصى تبدو كما لو كانت هرطقة ، كما لو كانت عملا ضد الإيمان ، وضد معونة الله .  وهذا خطا فالنعمة عبارة عن سلاح يمكنك به أن تحارب لو أردت ويمكنك أيضا أن لا تحارب . فعلى حسب إرادتك واشتغالك بهذا السلاح يكون خلاص نفسك . واحد مثلا فى الحرب أعطى دبابة وقنابل ومدافع وأسلحة وانتصر .فهل النصر راجع إلى الأسلحة وحدها ؟ وهل الحرب كلها كانت متوقفة على السلاح فقط ؟ كلا لأن السلاح وحده لا يعمل

إذا لم يكن هناك الشخص الذى يعمل بالسلاح .كذلك الأنتصارات فى الحرب الروحية ، هو اٍشتراك مع نعمة الروح القدس التى هى السلاح .

ضرورة الجهاد 

كثيرة هى الآيات التى تشرح ضرورة الجهاد وكمثال : يقول الكتاب : (لذلك نحن أيضا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا ، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولتحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا ) ( عب 12 : 1) يقول الرسول هذا ، ثم يوبخ العبرانيين قائلا : ( لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 ) فالمفروض أن يجاهد ، وليس جهادا عاديا ، إنما جهاد حتى الدم ضد الخطية .ثم إلى متى هذا الجهاد ؟ يقول الرب : ( من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص ) ( مت 1. : 22) .وهنا يعترض الذين يقولون بأهمية النعمة دون الجهاد بالآية القائلة : ( ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذى يرحم )

( رو 9 : 16 ) ما معنى هذا ؟ هل رحمة الله هى التى تعطينا الخلاص المجانى ، وتنقلنا إلى الملكوت ، بدون سعى وبدون مشيئة صالحة ؟ مستحيل !!هل معنى هذا أن كل إنسان ينام فى الخطية كما يريد ، ولا يسعى نحو الخير ، ولا يريده ، يرحمه الله ؟ كلا فان بولس نفسه الذى كتب هذه الكلمات يقول :( قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعى حفظت الإيمان وأخيرا قد وضع لى إكليل البر ) ( 2تى 4 : 7 ، 8 ) إن الذى قال ( ليس من يسعى ) قد أكمل السعى ، ونال أكليل البر نتيجة لهذا السعى وهذا الجهاد الحسن بل أن بولس نفسه يقول أكثر من هذا :

( ألستم تعلمون إن الذين يركضون فى الميدان جميعهم يركضون ولكن واحدا يأخذ الجعالة هكذا أركضوا لكى تنالوا ) ( 1كو 9 : 24 ) .فكيف نركض ؟ والأمر ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى !

( وما فائدة أن نركض ونجاهد ؟ كفانى أن اجلس كما أنا وتأتينى النعمة من عند الله وتنقلنى إلى الملكوت ، دون أن أشاء ودون أن أسعى !! ) وهذا لا يكون ، إذ أن بولس يكمل ويقول ( وكل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شئ أما أولئك فلكى يأخذوا إكليلا يفنى وأما نحن فإكليلا لا يفنى .اٍذن أنا أركض هكذا بل أقمع جسدى وأستعبده حتى بعدما كرزت لاخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضا ) ( 1كو 9 : 25 27 ) فبولس نفسه يركض ، بولس الذى كان ممتلئا من الروح القدس ، الذى كانت تعمل فيه النعمة أكثر من الجميع ، هل كان محتاجا أن يركض ؟ ..نعم كان محتاجا ، لكى ينال .بل يقمع جسده ويستعبده حتى لا يصير هو نفسه مرفوضا فاٍن كان بولس الرسول يجاهد ، ويخاف أن يرفض ، فماذا نفعل نحن ؟ !

هل يقف الجهاد فى وقت ما ؟

لا يظن أحد أنه يمكن أن يسلم الإنسان نفسه للنعمة ويؤمن ويخلص وكفى يقول البعض أنه خلص وأنتهى الأمر ، فما معنى كلمة ( خلص ؟ ) أتعنى أن النعمة قد عملت فيه وخلصته وكفى فهو لا يحتاج للجهاد لانه قد ضمن السماء فى قبضته ؟ ! إن هذا خطا بلا شك ، لأننا نحتاج إلى الجهاد حتى الدم كل أيام الحياة فليس معنى أنك ( تجددت وولدت ولادة جديدة ) أن ينتهى جهادك

فأنت محتاج أن تقاوم حتى الدم .لان أناسا كثيرين بداوا بداية حسنة ، وأنتهى بهم  الأمر إلا الهلاك.يحدثنا بولس الرسول عن أشخاص ( بداوا بالروح وأكملوا بالجسد ) ( غل 3 : 3 ) . فأين كانت النعمة عندما هلكوا ؟ لقد تركتهم لحرية أرادتهم . والرب لا يفرض الخلاص على أحد ، ولا يرغمك على الخلاص . إن النعمة لا تمسك حياتك وترسلها إلى ملكوت السموات بالإجبار ، لان الإنسان ليس مسيرا نحو الخير يتحدث بولس الرسول عن ديماس أنه تركه إذ أحب العالم الحاضر ( 2تى 4 : 1. ) فأين كانت النعمة عندما هلك ديماس ؟ كانت موجودة لكنه لم يعمل معها . ويقول بولس فى رسالته إلى أهل فيلبى : ( لان كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارا والآن أذكرهم أيضا باكيا وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك )

(فى 3 : 18 ، 11 ) هؤلاء أشخاص كانوا أعمدة فى الكنيسة ، وكانوا من  مساعدى  بولس الأقوياء وكانت تعمل فيهم النعمة بقوة ، لقد نال هؤلاء الخلاص ، ولكنهم فقدوه فى الطريق ، وفقدوه إلى الأبد ، إذ يقول بولس : ( إن نهايتهم الهلاك ) إذن ليس كافيا أن تكون نعمة الله موجودة معنا واٍنما لابد لنا أن نجاهد بكل قوتنا وصحيح ( ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذى يرحم ) لكن من هم الذين يرحمهم الله ؟ إن الله يرحم الذين يشاءون ويسعون . قوة الله هى التى تعطيهم النصرة والغلبة ولكنهم إذا لم يشاءوا ولم يسعوا يهلكون لما تكلم بولس فى مسالة المنحيزين إلى أبولس ، شرح أن المسالة ليست مسالة بولس ولا أبولس ( 1كو 1، 3 ) لان واحدا  غرس والآخر سقى لكن الله هو الذى ينمى : ( إذن ليس الغارس شيئا ولا الساقى بل الله الذى ينمى ) (1كو 3 : 7 ) فلابد من الغرس ومن الرى حتى ينمى الله .والله الذى ينمى هو الذى يرجع إليه الفضل . ولكن ليس معنى هذا أن نمتنع عن الغرس والسقى .

الحروب الروحية

 لنتأمل الكتاب المقدس عندما يصف لنا الحروب الروحية فى الإصحاح السادس من الرسالة إلى أهل أفسس الذى يقول : ( أخيرا يا اٍخوتى تقووا فى الرب وفى شدة قوته ، البسوا سلاح الله الكامل لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس فاٍن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية فى السماويات ، من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكى تقدورا أن تقاوموا فى اليوم الشرير ، وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ولابسين درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام ، حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذى تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشر الملتهبة ، وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذى هو كلمة الله مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت فى الروح وساهرين لهذا بعين بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين ولأجلى )

( أف 6 :1. 19 ) هنا مصارعة وهنا حرب روحية ، أى أن ها جهادا والسلاح هو سلاح الله ، هو الإيمان ، هو الاٍعتماد على الرب لكن ليس معنى ذلك أننا لا نجاهد ، فالنعمة هى السلاح ، والجهاد هو الحرب . جاهد إذن ، واعتمد على الله فى جهادك ، والله سوف ينصرك . ولا تصبح مثل شخص أخذ ترس الإيمان وخوذة الخلاص وسيف الروح ومنطقة الحق ودرع البر ووقف ساكتا لا يحارب . فكيف ينتصر اٍن لم يستعمل درع البر وسيف الروح الذى هو كلمة الله

إنها حرب وجهاد وقتال وصراع ، والأسلحة هى أسلحة الله ، ولكن لابد لك أن تستخدمها وتحارب بها ، وإلا فستهزم . إن الأشخاص الذين ذكرهم بولس باكيا كانت معهم الأسلحة الروحية ، ولكنهم لم يحاربوا ولم يجاهدوا ، ومالت نفوسهم نحو الخطية واستسلمت ، فهلكوا فى خطاياهم . عندما حارب داود جليات الجبار ، كيف انتصر ؟ بقوة الله . قال له :

( أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس وأنا آتى إليك باسم رب الجنود ) ( 1صم 17 : 45 ) فداود انتصر بسيف الله ، بقوة الله ومعونته ، ولكنه حارب ، وانتخب له خمسة حجارة ملساء من الوادى

وكان مقلاعه بيده ، وتقدم نحو الفلسطينى وأخذ حجرا من الخمسة ورماه بالمقلاع ، وضرب الفلسطينى فى جبهته فسقط على وجهه إلى الأرض ( 1صم 17 : 4. ) فداود حارب ، والله الذى نصره لأنه كان من الممكن أن الحصاة لا تأتى فى موضع قاتل بالنسبة لجليات فلا يقتل . لكن الله أعطى قوة وقتل الجبار . لذلك قال بولس : ( ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذى يرحم )

ويقول بولس الرسول أيضا : ( إن كان أحد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونيا ،

( 2 تى 2: 5 ) إذن لابد أن نجاهد وتجاهد جهادا قانونيا ، وبهذا تخلص . ويقول بطرس الرسول ( أصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو .  فقاوموه راسخين فى الإيمان ) ( 1بط 5 : 8 ) أى جاهدا ضده ، وليس بقوتكم بل راسخين فى الإيمان ، أى قاوموه بنعمة الله .جاهد ولا تعتمد على ذراعك البشرية جاهد بكل ما أعطيت من قوة ، معتمدا على نعمة الله ومعونته وفعل الروح القدس .

يقول البعض إن الجهاد هو ذراع بشرى (وملعون من يتكل على ذراع بشرى ) والحقيقة إن الجهاد يصبح ذراعا بشريا ، لو اعتمد الشخص على ذاته فقط .  لو كان يعتبر أنه بمجرد جهاده فقط يخلص . هنا تقف أمامه الآية القائلة : ( لأنكم بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا )

 (يو 15 : 5 ) إن الحرب بدون سلاح لا تصلح . وهذا ليس معناه أن الحرب لا قيمة لهل بل معناه أننا عندما نحارب بدون سلاح اى بدون نعمة الله ومعونته فإننا لا ننتصر

جهاد الرسل والرعاة

 وهل الرسل لم يجاهدوا ولم يتعبوا من أجل الإيمان ؟ إن بولس الرسول نفسه يقول (أنا تعبت أكثر منهم جميعهم ) ( 1كو 15 : 1. ) كلهم تعبوا ، وبولس تعب أكثر ، تعبا سجله فى رسالته إلى أهل كورنثوس ( 2كو 11 : 23 33 ) فإذا كانت المسألة مجرد نعمة ، لماذا يتعب بولس ؟ وما لزوم الكرازة والوعظ والنصح والتبشير والرعاية والتعب ، فالنعمة تعمل كل شئ ؟! ولماذا ترعى وتفتقد وتجاهد وتتعب ذاتك ؟ أليس الله قادرا أن يتكلم فى قلوب الناس ويخلصهم وحده وما لزوم الرسل والرعاة والوعاظ  ؟! وما لزوم كل جهاد ؟ هل هو اعتماد على ذراع بشرية ؟! لو كانت النعمة تعمل وحدها كل شئ ، فالكاهن ينام ويصلى ويقول ( أنت يارب ترعى شعبك لماذا أجاهد ؟ لأنه ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل أنت الذى ترعى الشعب ) !! والواعظ ، لماذا يعظ  يكفيه أن ينام فى البيت مستريحا ، ويقول ( نعمتك يارب تتكلم فى قلوب الناس وترشدهم وتخلصهم ، !! وأنت لماذا تتعب نفسك فى حياتك الخاصة فى الصلاة وفى الصوم وفى الجهاد ؟ كفاك أن تكون مع النعمة ؟ هل ترمى نفسك فى الأوساط الشريرة وتقول ( النعمة تخلصنى ) ؟! هل تجلس فى مجالس المستهزئين وتسير فى طرق الخطاة وتقول ( النعمة لا تجعلنى أتأثر بهم ،

ولماذا يقول الكتاب ( طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف وفى مجلس المستهزئين لم يجلس ) ؟! ( مز 1 ) أليس لأن هذه الأشياء كافية بأن تبعده عن النعمة ؟

  الإيمان والأعمال

  إن مسالة الجهاد والنعمة يدخل فيها مبدأ بروتستانتى خطير فمارتن لوثر يقول : (كن زانيا ،كن قاتلا ، كن فاجرا، كن فاسقا ، لكن آمن فقط بالذى يبرر الفاجر وأنت تخلص ، هذا الكلام صعب !

فالمسيح رفض الذين عن اليسار إذ قال لهم ( لأني جعت فلم تطعمونى . عطشت فلم تسقونى . كنت غريبا فلم تأوونى ، عريانا فلم تكسونى ، مريضا ومحبوسا فلم تزورونى )

( مت 25 : 42 ) إذن من لا يعمل لن يخلص . ويقول الرب أيضا : كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم يارب يارب أليس باٍسمك تنبأنا وباٍسمك أخرجنا شياطين وباٍسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم إنى لم أعرفكم قط اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم )

( مت 7 : 22 ،23 ) والعذراى الجاهلات قلن له : ( يا سيد يا سيد أفتح لنا )

(مت 25 : 11 ) إذ قد كن يؤمن به ، ولكنه لم يفتح لهن بل طردهن قائلا : ( الحق أقول لكن إنى لا أعرفكن ) (مت 25 : 12 )

فكيف هذا ؟ ألا يكفى الإيمان وحده ؟ - كلا ( فالإيمان بدون أعمال ميت ) (يع 2 : 26 ) والكتاب يقول أيضا : ( اصنعوا أثمارا تليق بالتوبة ) ( مت 3 :8 ) ما كان أسهل أن يقول ( فلتصنع النعمة فيكم ثمارا ) إن الثمار تتكون فعلا بتدخل عمل النعمة . ولكن الرب لكى يثبت عمل الإنسان معها ، قال ( اصنعوا أثمارا ) لذلك إن لم تعمل مع النعمة لا يمكن أن النعمة تخلصك .قال القديس أغسطينوس : إن الله الذى خلقك بدونك لا يمكن أن يخلصك بدونك ) فالله خلقك بدون عملك أنت لكن عندما يخلصك لابد من عملك أنت معه إذن آية ( ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذى يرحم ) تعنى ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بمفرده بدون عمل الله معه ، بدون معونة من الله بدون شركة الروح القدس إن الله يرحم الذين يشاءون ويسعون .  ولابد أن تقول مع بولس ( جاهدت الجهاد الحسن وأكملت السعى ) ولابد أن (تقاوم حتى الدم مجاهدا ضد الخطية )، ولكن راسخا فى الإيمان ومعك سلاح النعمة وبه تنتصر .

التداريب الروحية

   والذين يحاربون الجهاد ، يحاربون أيضا التداريب الروحية ولماذا يحاربونها ؟ كما لو كانت هى أيضا اعتمادا على ذراع بشرية ؟ طبعا لو سلك إنسان فى التدريب الروحى معتمدا على قوته الخاصة يخطئ .جيد أن يدرب نفسه ولكن معتمدا على قوة الله و بولس الرسول يتحدث هو أيضا عن تداريبه فيقول فى سفر الأعمال ( لذلك أنا أيضا أدرب نفسى ليكون لى دائما ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس ) ( أع 24 : 16 ) ويقول فى رسالته إلى أهل فيلبى

( وفى جميع الأشياء قد تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص )

( فى 4 : 12 ) تدرب فى كل شئ وأصبحت له الحواس المدربة !! فلا مانع من أن يسلك الإنسان فى التدرايب الروحية غير معتمد على ذاته وقوته الشخصية ، بل على نعمة الله التى تعطى له

X X X

وهنا بعد تمام الحديث نتطرق إلى بعض الأسئلة التى قد تدور فى فكر الفرد لنعرف ما هى

الإجابة عليها فيزيد ثباتا فى النعمة والجهاد : 

السؤال الأول:

إذا كان الإيمان وحده لا يكفى للخلاص فما الذى فعله اللص اليمين على الصليب حتى خلص ؟            

الجواب : لقد عمل اللص كثيرا : آمن بالرب فى ظروف قاسية جدا ، واعترف بهذا الإيمان علانية الأمر الذى لم يقدر عليه بطرس الرسول وباقى الرسل . واعترف أيضا بخطاياه لأنه قال ( نحن بعدل جوزينا ) ودافع عن الرب ، وبكت اللص الآخر . وأنا فى هذا المجال أسأل سؤالا هاما يسرنى أن أسمع الإجابة عليه وهو ( ماذا كان بإمكان هذا اللص أن يفعل أكثر من هذا ولم يفعله ؟ ) مجرد إيمان اللص  لم يكن أمرا سهلا .لو أنه آمن بالرب ، وهو يقيم الموتى ، ويشفى المرضى ، وينتهر الريح ، ويمشى على الماء ، ويعمل المعجزات الخارقة ، لقلنا إن تلك أمورا واضحة لا تقبل الشك ولكنه آمن بالمسيح وهو مصلوب ! آمن به وهو مهان ومحتقر من الناس ، وأمام الكل فى حالة ضعف يلطمونه ، ويبصقون على وجهه ، ويستهزئون به ، ويقولون له ( تنبا من لطمك ) ! كانت المقاومات كثيرة من ناحية أمام هذا الإيمان ولو أن هذا اللص لم يؤمن ، لالتمس له الناس الأعذار ، فكيف يمكن أن يؤمن برجل مصلوب أنه اٍله ؟ ! لابد أن اللص كان محتاجا إلى جهاد كبير ليصل إلى هذا الإيمان مقاتلا الشكوك الكثيرة التى تقف أمامه وتكاد تلغى إيمانه ..اٍنشق حجاب الهيكل ، وأظلمت الشمس فهل كان هذا كافيا للإيمان ؟ على الرغم من ذلك لم يؤمن رؤساء الكهنة والكهنة والشيوخ والكتبة والفريسيون ، ولم يؤمن اللص

الآخر يضاف إلى هذا أن المسيح المصلوب يقول ( إلهى إلهى لماذا تركتنى الأمر يدعو إلى الشك ، وخاصة بالنسبة إلى لص نشأ فى بيئة معينة

من أين أتاه إذن هذا الإيمان ؟ هل النعمة عملت فيه ؟ وإذا كانت النعمة قد عملت فيه ، فلماذا لم تعمل فى اللص الآخر ؟ على الرغم من انهما فى حالة واحدة وفى مركز واحد وستنتهى حياتهما بعد فترة وجيزة ؟ فلماذا لم تخلص النعمة اللص الآخر كما خلصت الأول ؟ قطعا كانت النعمة تعمل فى الاٍثنين ولكن الذى آمن أستسلم لعمل النعمة وقبله ، وقاوم الشكوك والشيطان ، وجاهد .بينما الآخر الذى لم يؤمن ، لم يجاهد ، وأستسلم للشكوك والعثرات ، ورفض .فلم يدخل اللص ملكوت الله لمجرد إيمانه فقط ، بل لجهاده أيضا ضد الشكوك التى كانت كافية لأن تعثره وتبعده عن الإيمان . إن الجهاد ليس قاصرا على التطاحن والتشاجر ، ولكن هناك جهاد داخلى كجهاد اللص ، الذى جاهد ضد الشكوك والأفكار والتجاديف كل من يقول إن اللص لم يجاهد ، يبدو أنه لم يتخيل ويتصور الموقف الذى أحاط باللص ، ذلك الموقف الذى أعثر فيه جميع الناس حتى التلاميذ الذين قال لهم الرب ( كلكم تشكون فى فى هذه الليلة ) ( مر 14 : 27 ) لقد ضرب الراعى فتبددت الرعية كلها !! ولم يستطع أن يقف إلى جوار الصليب إلا المريمات ويوحنا الحبيب فقط ! ينبغى إذن أن نعرف أن جهاد هذا اللص كان من أعظم أنواع الجهادات !

السؤال الثانى :

ما هو التعليم بالاختيار الذى فيه يتم عمل الخلاص بالنعمة ؟

الجواب

طبعا لا يمكن أن نتكلم عن الجهاد والنعمة بدون أن نتكلم عن الاختيار .فما هو الأختيار ؟ وما علاقته بالآية التى تقول (أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف ) ( رو 9 : 15 ) ؟ هل معناه أن الله اختار أشخاصا معينين للملكوت ؟ وما هو المقصود بقوله فى سفر الأعمال : ( وآمن جميع الذين كانوا معينين للحياة الأبدية ) ( أع 13 : 48 ) لكى نفهم ذلك يجب أن يكون لنا إيمان سليم مبنى على أسس ثابتة فلابد أن نؤمن أن الله عادل وليس عنده ظلم البتة ، واٍن كان غير عادل فلا نؤمن به . وما دام الله عادلا فهل من المعقول أن يختار أشخاصا معينين للخلاص ؟. فإذا كان الله يرحم من يرحم ويتراءف على من يتراءف ، ويترك الباقين للهلاك إذن فهو ظالم ! ولكن الكتاب المقدس يرد على مشكلة الاختيار بآية واضحة تقول : ( الله يريد أن الجميع يخلصون وٍالى معرفة الحق يقبلون ) ( 1تى 2 : 4 ) إذن فما معنى الاختيار ؟ إن الله يدعو جميع الناس لأنه يريد أن الجميع يخلصون . ٍانه لم يختر ولم يحب نوعا معينا من الناس أو مجموعة معينة أو ( المختارين ) فقط ولكنه أحب الجميع إذ يقول الكتاب : هكذا أحب الله العالم حتى بذل اٍبنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ) ( يو 3 : 16 ) وفى حادثة رؤيا كرنيليوس يقول الكتاب :

( ففتح بطرس فاه وقال : بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه بل فى كل أمة الذى يتقيه ويصنع البر المقبول عنده ) ( أع 1. : 34 ، 35 ) وكل من يدعو باسم الرب يخلص

( أع 2  : 4 ) فهو لم يختر جماعة معينة ، وإلا يكون ظالما ، بل يريد أن الجميع يخلصون لذلك قدم خلاصا مجانيا كاملا لجميع الناس وهذا الخلاص ليس لنا فضل فيه ، ولا دخل للجهاد فيه ، لأننا

( متبررون مجانا بنعمته ) (رو 3 : 24 ) ولكن هل خلص الجميع ، بهذا الخلاص المجانى المقدم للجميع ؟ يقول يوحنا الرسول : ( واٍن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا ) ( 1يو 2 : 1 ) فدم المسيح الذى سفك على الصليب كاف لغفران خطايا العالم كله ، فهل خلص العالم كله ؟ كلا . لم يخلص العالم كله لأنه يوجد أناس آمنوا بالخلاص وقبلوه ، وآخرون رفضوه ولم يؤمنوا به ، فأمر خلاصك يتوقف إذن على اتفاق إرادتك مع إرادة الله وقبولك للخلاص لذلك قال المسيح له المجد

( يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم من مرة أردت أن أجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها  ولم تريدوا هوذا بيتكم يترك لكم خرابا )

( مت 23 : 37 ) فالجميع مدعوون للخلاص ، ولكن الله لا يرغم أحدا على القبول لذلك عندما دعا للعرس دعا الجميع . حتى غير المستحقين دعاهم أيضا للعرس ودعاهم للخلاص

يقول الكتاب : ( ثم قال لعبيده أما العرس فمستعد وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين )

( مت 22 : 8 )

 يقول الكتاب عن عمل النعمة هذا المثل : ( خرج الزارع ليزرع وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق وآخر على الأماكن المحجرة وآخر على الشوك وآخر على الأرض الجيدة  )

 (مت 13 : 3 8 ) لم تأت كل البذار بثمر ، ليس لان البذار رديئة ، حاشا ، لأنها كلمة الله الصالحة ونعمة الله العاملة ولكن لان النعمة وحدها لا تكفى : فعندما أتت إلى القلب الحجرى لم تأت بثمر وعندما أتت حيث لم يكن له عمق أو أصل فنبت قليلا ثم جف النبات ، وفى موضع آخر طلع الشوك وخنقه ، هكذا ٍاهتمامات العالم وحاجياته خنقت الزرع المقدس فلابد أن تبعد عن الشوك لكى تخلص نفسك ، لا تجلس فى مجالس المستهزئين ولا تسر فى طريق الخطاة ، متكلا على عمل النعمة .لأن النعمة لا تخلصك ، ما لم تشترك معها فى تخليص نفسك ، وتجاهد كثيرا

مثلما فعلت المرأة نازفة الدم لكى تخلص : جاهدت وسط الجمع المزدحم حتى وصلت إلى المسيح ولمست هدب ثوبه فشفيت فى الحال ، وأيضا مثلما فعل زكا إذ تسلق الشجرة حتى رآه المسيح وخلصه ، ولم يمنعه من ذلك مركزه وكرامته فالمسيح مستعد أن يأتي إليك إذا طلبته ولم تقصر فى جهادك .ولو فرض انك قصرت فلماذا لم تخلصك النعمة من التقصير ؟ لنفرض إني خاطئ وأريد أن أتوب ، فهل تأتى التوبة بإرادتي أم بالنعمة ؟ إن كانت بالنعمة فلماذا لم تتوبنى ، والله يريد أن الجميع يخلصون ؟‍‍‍ ‍‍‍ربما لأني طلبت ولم أعمل ما يتفق وعمل النعمة فلابد أن نكافح ، محاربين بسلاح النعمة لذلك قال بولس الرسول : ( لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية ) ( عب 12 : 4 ) وقال أيضا : (اقمع جسدى واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضا ) (1كو 9 :27 ) فحتى بولس كان ممكنا أن يصير مرفوضا ، على أن المسيح ظهر له والنعمة عملت فيه بقوة لابد من أن يجاهد الإنسان ، فالجهاد هو استخدام لسلاح النعمة

السؤال الثالث :

هل يوجد فترات يمكن أن تفارق فيها النعمة الإنسان المجاهد ؟

الجواب :

النعمة لا تفارق الإنسان مفارقة كلية ولكنها جزئية إلى حين .فأحيانا إذا تكبر الإنسان تفارقه النعمة ، فيسقط ، ويشعر بضعفه ، فلا يعود للكبرياء ثانية ، وفى ذلك يكون هذا التخلى نوعا من أنواع العلاج .و أحيانا تفارقه قليلا كنوع من السياسة الإلهية : حتى يتشوق إلى النعمة ، ويطلبها ، وينمو فى الصلاة ، ويشكر الله على استجابة طلباته ولا يتهاون ، ويجاهد ، وغير ذلك .

ولربنا كل المجد وكرامة آمين

الصفحة الرئيسية