الفصل السابع

عملية اسمها الاجتهاد

 

قد يبدو من المثير للسخرية  ان شخصا ليس لاهوتيا أو سياسيا أو دبلوماسيا ( باي معنى للكلمة ) تكون لديه الجرأة للتعليق على ما يمكن عمله من اجل اصلاح الاسلام.  وكنتُ في بعض الأحيان أشعر بالصلف لمجرد التكفير في ذلك ـ ولكن فقط في بعض الأحيان. فأنا لا اكترث بـ"معرفة مكاني".  ولا بد ان يأتي التغيير من مكان ما ، فلِمَ لا يأتي من مسلمة شابة لا مصلحة لديها ، عاطفية أو خلافها ، في الدفاع عن الوضع القائم؟

 

اليكم ما حققتُه حتى الآن.  يُبدي المسلمون باستمرار قُدرَة على الحط من قَدْرِ المرأة والأقليات الدينية.  فهل تمكن معالجة هاتين العلتين في وقت واحد؟ لقد أمسكتُ بما يكفي من حبال النجاة التي يمدها القرآن والتاريخ للاعتقاد بإمكان الاصلاح.  وعلى سبيل المثال ، ان لدى المسلمين علاقة غرام تمتد قرونا مع التجارة ، الشيء الذي اثار اهتمامي لسببين. أولا ، ان التجارة أسهمت دائما في تزييت العجلات نحو اقامة علاقات طيبة بين المسلمين واليهود والمسيحيين.  ثانيا ، ليس ثمة في القرآن ما يحرِّم على المرأة دخول عالم المال والأعمال.  خلاصتي الأولية من ذلك ان الرأسمالية الواعية دينيا والمدفوعة نسويا قد تكون السبيل الى الشروع بإصلاح الاسلام اصلاحا ليبراليا.  ولكن هل خَطَر ببال احد سواي أن فكرة كهذه يمكن ان تتكلل بالنجاح؟

 

ذات عصر يوم في اكتوبر ( تشرين الأول ) 2002 شاهدتُ حلقة من برنامج اوبرا وينفرايShow   The Oprah Winfrey تناولت الوضع المزري للمرأة المسلمة في انحاء العالم.  وأعطت اوبرا فرصة الكلام على الهواء لإمرأة واجهت الموت رجما واخرى تَشوَّه وجهها برشقة حامض حارق ، وثالثة قالت انها في مجتمعها تساوي قيمة حذاء ـ لا أكثر ولا أقل. تساءلت اوبرا بصراحة امام الكاميرا ، "ماذا بإمكاننا ان نفعل؟"

 

انتقل المخرج الى زينب صلبي ، احدى ضيفات اوبرا في برنامجها.  قالت صلبي ، "أعرفُ امرأة افغانية قالت انها بمائة دولار تستطيع ان تفتح مشروعا يحقق عائدا...."  وتوجهت صلبي التي ترأس مجموعة عالمية للدفاع عن حقوق المرأة ، الى مشاهدي التلفزيون وهي تتحدث عن المرأة الافغانية صاحبة المبادرة التجارية مناشدة اياهم ان يساعدوها "على تعلم القراءة والكتابة لكي لا توقِّع اوراق [التنازل عن حضانة الاطفال ] ، ساعدوها على ان تعرف حقوقها لتتمكن من ان تقول لزوجها أو شيخ [ قبيلتها]:  "لا ، لا تستطيعون ان تفعلوا بي ذلك".  ساعدوها على خوض معركتها!" ( 1 )  واقترحت صلبي على النساء في الغرب ان يستثمرن في حصافة النساء التجارية في العالم الاسلامي.  واشارت الى انه عندما يكون لدى المرأة مال كسبته بعرق جبينها فالأرجح انها ستبدأ بانجاز المهمة الحاسمة متمثلة في مراجعة وضعها. 

 

عندي ، كانت هذه اللحظة التلفزيونية صرخة استغاثة ولكنها كانت ايضا تتعلق بالكرامة ـ وفي النهاية بالاصلاح الديني.  وإذ تبدأ المرأة المسلمة بالمراجعة فانها تتحول من كونها رمزا لـ"شرف" العائلة الى كائنا بشريا له كرامته. 

 

"الشرف" يقتضي التضحية بفرديتِكِ لصون سمعة زوجِكِ ووالدِكِ واخوتِكِ ومكانتهم ومستقبلهم.  ولكن أن تضعي هذا الوجود موضع تساؤل فان هذا يعني انكِ لستِ مُلكا مشاعا.  انكِ ملك نفسكِ تعملين بإسمِكِ وتعبرين عن افكارِكِ وتنقلينها بصوتِكِ.  فأنتِ عندك كرامتِكِ. وأجمل ما في الأمر ان النبي محمد أراد دائما للمسلمين ـ أن نتجاوز القبيلة بنوازعها الانعزالية العصابية على نحو وبائي ، النوازع ذاتها التي احالت الجزيرة العربية في القرن السابع ارضا يبابا من اللامساواة والعداوات والعنف.  وبإطلاق مواهب المرأة في العمل التجاري نستطيع نحن في القرن الحادي والعشرين أن نسهم في تحويل الشرف الى كرامة وبذلك اصلاح الطريقة التي يُمارَس بها الاسلام. 

 

ان دعم سيدات الأعمال سيكون الهدف الأول لعملية "الاجتهاد" التي ستكون حملة لاطلاق عملية التغيير في الاسلام.

 

لا أُرشح نفسي زعيمة لهذه الحملة التي لم تر النور حتى الآن.  وفي الحقيقة لا اعتقد بأن يكون هناك قائد واحد لها.  فان تحرير العالم الاسلامي من قيوده مجهود طموح يتطلب طائفة من الحلفاء بينهم غربيون ،  حتى وإن اقتصر الهدف على توجيه ضربة الى النزعة القَبَلية.  وتتطلب الآمال المعقودة رؤية عابرة للثقافات.  و11 سبتمبر ( ايلول ) تذكير ساطع بما يمكن ان يحدث عندما نبتعد عن مشاكل "الآخرين" ، حيث العبرة ان للمواطَنَة العالمية الصالحة منافعها الكبيرة للأمن الداخلي.  وشاء الغربيون أم أبوا فما عليهم إلا قبول هذه الحقيقة. 

 

ونحن علينا ان نقبلها الآن لأن المسلمين العرب يتوالدون بوتائر متسارعة.   فان حوالي 60 في المائة من سكان الدول العربية هم دون سن العشرين بالمقارنة مع 29 في المائة في اميركا ( 2 ).  وكثير من المسلمين العرب يحملون شهادات جامعية لكن غالبيتهم بلا أمل في ايجاد فرصة عمل.  وانتم تعرفون ان هذا ليس بالنبأ الطيب.  فالعاطلون غالبا ما ينساقون وراء منظمات راديكالية تعِد بطعام مجاني ونشاط ذي هدف ومتنفَّس للغضب.  جيل واحد آخر والمتوقع ان ان تزداد اعداد المسلمين العرب بنسبة 40 في المائة ـ من نحو 300 مليون اليوم الى 430 مليونا في عام 2020 (3).  وكل مَنْ يحرم هؤلاء الشباب من المشاركة في الحياة الاقتصادية والمدنية سيحرِّض على درجة من الفوضى قادرة على اجتياح مناطق شاسعة من الكوكب.  ان الانفجار السكاني العربي مشكلة الغرب بقدر ما هو مشكلة الشرق الاوسط. 

 

قال نصف الشبان العرب الذين استطلعت الامم المتحدة آراءهم في عام 2002 انهم يريدون الهجرة ، وانه يتطلعون بشوق الى الغرب ( 4 ) ، وبشوق كاف حتى ان استراليا قامت في عام 2000 بحملة تثبيط في الشرق الاوسط وآسيا الوسطى لتحذير مَنْ يعتزمون ان يصيروا مهاجرين غير شرعيين من خطر التماسيح والأفاعي والحشرات التي يمكن ان يلتقوا بها عند وصولهم ( 5 ).  ولكن الغرب ، للأسباب نفسها ، لا يستطيع التقدم من دون مهاجرين.  فان سكان الاتحاد الاوروبي واميركا واليابان وكندا واستراليا يشيخون بوتائر متسارعة ولا يتمتعون إلا بقدر ضئيل من الخصوبة.  وهذه المناطق تحتاج الى عمال جدد للحفاظ على مستوى النزعة الاستهلاكية عاليا وتدفق الضرائب متواصلا على خزينة الدولة وتمويل الخدمات الاجتماعية مكفولا ـ لا سيما للمسنين.  باختصار ، ان الغرب بحاجة الى المسلمين. 

 

ما لا يحتاجه الغرب هو المزيد من أضرَاب محمد عطا.  فان الطالب في هامبورغ والخاطف في 11 سبتمبر ( ايلول ) هضم القرآن الذي أُطعِم اياه بالملعقة كما كان يهضم درسا في البرمجة الالكترونية.  ورغم تربيته العلمانية باعتدال وشهادته الجامعية المصرية بالهندسة ومواصلة دراساته العليا في المانيا بدا محمد عطا عاجزا ( أو غير راغب ) عن وضع مفسِّري الاسلام الاوتوقراطيين موضع تساؤل. 

 

مع ذلك يحتاج الغرب الى مسلمين يطرحون الاسئلة الصعبة ، وخوض "عملية الاجتهاد" في الخارج سيكون ذا اهمية مركزية لهذا الهدف.  فلماذا الانتظار حتى يظهر ملايين آخرين من المسلمين على نقاط التفتيش الاسترالية والبريطانية والالمانية والشمال اميركية؟  أو ليست هي مسألة امنية ابتدائية أن المسلمين المتجهين الى هذه الاماكن يصلون اليها وهم اصلا يعرفون ان بالامكان ممارسة الاسلام بطرق تستكمل التعددية لا تخنقها؟  كيف ، إذاً ، نحقق الاصلاح في العالم الاسلامي ـ من دون ان نصبح مستعمرين ثقافيين؟

 

تبدأ "عملية الاجتهاد" بتمكين المزيد من النساء المسلمات من ولوج عالم المال والأعمال.  ومنذ الثمانيات يؤكد محمد يونس ان العالم الاسلامي قادر حقا على انجاب سيدات اعمال بوضع الحد الأدنى من تمويل المشاريع التجارية في متناولهن.  وكان يونس ، وهو اقتصادي من بنغلاديش ، أسس مصرف "غرامين".  و"غرامين" تعني "قرية" باللغة البنغالية ، ومصرفه يقوم بتسليف مبالغ بسيطة للاشخاص الذين يعدُّهم المقرضون مخاطر مالية يجب تفاديها في كل الاحوال ـ وخاصة الفلاحين المعدمين الذين غالبيتهم من النساء.  وبحسب المعطيات التي نشرتها المنظمة المعنية بقضايا التنمية

Nonsense Guide to International Development  فان "31 مليون شخص ، ثلاثة ارباعهم من النساء وثلثاهم يُصنَّفون في عداد "افقر الفقراء" ، تلقوا قروضا بسيطة في اكثر من 40 بلدا" منذ افتتاح مصرف "غرامين" ( 6 ).  وقام المصرف بتمويل مشاريع تصنع كل شيء ، من مستحضرات التجميل والشموع الى الخبز والمظلات والشبكات الواقية من البعوض ، وحتى الهواتف المحمولة.  وماذا عن نسبة سداد هذه القروض؟  98 في المائة يعود الفضل في جزء كبير منها الى ضغوط السكان الذين يمارسونها على اقرانهم وامثالهم من السكان في القرى للحفاظ على سمعة الجماعة ناصعة.  وهذه طريقة أسلم لتوظيف النوازع القَبَلية مما اعتادت عليه غالبية النساء المسلمات.  قارنوا هذه النسبة في سداد القروض بنسبة الـ 10 في المائة هي نسبة استرداد القروض التي يتباهى بها مصرف التنمية الصناعية البنغلاديشي ، وهو مصرف لا يتعامل إلا مع الأشخاص الذي لديهم ممتلكات ( 7 ).  لا مجال للمقارنة. 

 

وعليه ثمة فكرة يمكن ايرادُها هنا:  تصوروا لو ان الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وكندا واستراليا واليابان وغيرها من البلدان الغنية الحليفة شنت "عملية اجتهاد" بتحويل جزء من ميزانيات امنها القومي الى قروض لتمويل مشاريع صغيرة تُمنح الى نساء مبدعات في سائر انحاء العالم الاسلامي.

 

ان هذا لا يُعدُّ امبريالية ، والقروض لن تُفرَض على احد بل ستُمنح للنساء اللواتي يرين حاجة مطلوبة في مجتمعاتهن ويعتقدن انهن قادرات على تلبيتها بالشطارة.  وكمثال على ذلك خذوا القروية التي اوحت ليونس بتأسيس مصرف "غرامين".  فهي إذ كانت تعمل في حياكة اعواد الخيزران لصنع مقاعد منها ، أبلغت يونس انها لكي تبتاع موادها الأولية عليها ان تقترض المال من التاجر الذي يشتري منتوجها النهائي.  ولأنها تعتمد على قروضه كان بمقدوره ان يحدد السعر الذي يدفعه عن مقاعدها ليكون ما تحققه من دخل يومي قرشين فقط.  ما هو الامبريالي في تزويد النساء بموارد لانهاء عبوديتهن؟  تذكَّروا ايضا ان التقليد الاسلامي زاخر بالاصوات التجارية ( 8 ).  ويقول احد الامثال القديمة "حج مقبول وذنب مغفور وبيع موفور".  فالتجارة والدين متداخلان حتى ان هناك نظرية في القرآن تحدد متى يمكن للدائنين ان يطالبوا بما اقرضوه ـ فقط عندما يكون المستلف حقق ثروة جديدة ، وليس لحظة واحدة قبل ذلك. 

 

من حسن الحظ ان للقروض البسيطة تاريخا يؤكد سدادها عموما ، واميركا على الاقل ، تعرف ذلك.  ففي كل سنة على امتداد اعوام من رئاسة بيل كلنتون كانت الولايات المتحدة تقدم مليوني قرض من هذه القروض الى البلدان المحتاجة.  وكما كتب كلنتون في احد اعداد مجلة نيو بيرسبكتفز كورترلي New Perspectives Quarterly  عام 2000 فان "هذين المليوني قرض ينبغي ان تزداد الى خمسين مليونا" في سائر انحاء العالم ( 9 ).  وكلنتون يدعم قيمة هذه القروض الصغيرة لأنه رأى فاعليتها بين اصحاب محلات التجميل في ارياف ولاية اركنسو ومربي الماشية الافارقة على السواء.  وفي منتصف الثمانينات وظف كلنتون جهود يونس لاقامة مشروع على غرار مصرف "غرامين" سماه "صندوق النيات الحسنة"

Good Faith Fund هدفه مساعدة سكان منطقة باين بلافس في اركنسو.  وبعد سنوات قليلة وبالاستناد الى مئات من قصص النجاح الاخرى ، صدر كتاب بعنوان

Give Us Credit: How Muhammed Yunus’ Micro-Lending Revolution Empowered Women from Bangladesh to Chcago.

 

آها ، ولكن هل تريد البلدان الاسلامية ايا من ذلك ، أم ان كلنتون يشتط في ما يفترضه؟  يبدو انه تحادث مع ارناندو دي سوتو ، وهو اقتصادي رُشح لجائزة نوبل لفت انتباه اندونيسيا وباكستان والجزائر ومصر ( 10 ).  وأبدت حكوماتها اهتماما بإختصاص دي سوتو ، وهو احياء "رأس المال الميت" في الاقتصادات الراكدة.  ومن الامثلة على رأس المال الميت مثالان هما النشاطات التجارية التي تُمارَس في السوق السوداء بعيدا عن سلطة القانون وقوانين الضريبة ، والممتلكات المأهولة بأشخاص ليس لهم حق واضح في قطع الاراضي التي يعيشون عليها. وفي كلا الحالتين يتعلق الأمر بإصول وموجودات لا يستطيع الفقراء تسجيلها باسمهم قانونيا لأن مثل هذه العملية تتطلب الكثير من الاجراءات الرسمية البيروقراطية وتستهلك الكثير من الوقت والتكاليف.  وقد اظهر دي سوتو ان التخلص من الروتين الحكومي سيحرر طاقات الفئات الدنيا ويطلقها للقيام بشيء بناء حقا.  إذ يمكن لمَن يسكنون في هذه الأراضي بصورة غير قانونية ان يحصلوا على ضمانات يقدمونها مقابل منحهم قروضا عقارية لبناء حياة اكثر استقرارا.  ويمكن للنشاطات التجارية التي تتعامل بالنقد وحده ان تتوسع لتصبح شركات مشروعة تسهم بقيمة مضافة.  وبذلك تستطيع الحكومات ان تجد مداخيل خاضعة للضريبة.  ويربح الجميع ، لا سيما النساء والاطفال. فهم عادة الذين يبقون في البيت لحراسة الارض التي لا يملكون ما يثبت عائديتها لهم.  والرجال يجب ان يتوجهوا الى العمل.  ولكن عندما تكون الارض مسجَّلة تستطيع النساء بيع ما لديهن من بضاعة في السوق ، مثلا ، ويستطيع الاطفال ان يذهبوا الى المدارس.  وبعدما طبقت بيرو افكار دي سوتو ارتفع عدد تلاميذ المدارس بنسبة 26 في المائة ( 11 ).  ولا غرو ان عددا من الحكومات في البلدان الاسلامية اخذت الآن تدعو دي سوتو لاطلاعها على فكرة او فكرتين من افكاره ، وان ألف رجل حضروا للاستماع الى محاضرته في دبي.  ولكن رسالته تجد صداها الايجابي خارج حدود المؤسسة الرسمية.

 

في صيف 2002 نشرت الامم المتحدة أول تقرير لها عن التنمية البشرية في البلدان العربية Arab Human Development Report .  وحمَّل التقرير الذي تولى العرب انفسهم تنفيذ ابحاثه وصوغ نصه ، الحكومات العربية مسؤولية التفريط بطاقات نصف سكانها ، أي النساء.  وفي الحقيقة ان "تمكين المرأة"  كان واحدا من ثلاثة "نواقص" شخصها التقرير ، وكان النقصان الآخران في "المعرفة" و"الحرية".  ويمكن لمعالجة النقص الأول ان توسع نطاق المعرفة والحرية.  فان مساعدة المرأة على تحقيق استقلالها المالي جمعيا سيعزز محاولاتها التي كثيرا ما تكون سرية للتحرر من أُميتها.  ولن يتعين على المرأة تصديق ما ينقله الرجل من وصايا إذا كان بمقدورها ان تتوصل الى استنتاجاتها هي عن ما يتضمنه القرآن.  كيف أعرف ان لدى المرأة مصلحة في النهوض بعملية التفسير لنفسها؟  ان افغانيات مسنات ، بعضهن لاجئات ، يتعلمن الآن في مدارس تديرها نساء اصغر سنا وكنَّ يديرنها سرا في زمن حكم طالبان.  وقالت عجوز لزائرة اميركية موضحة لماذا تتعلم القراءة:  "أُريد ان اعرف إن كان صحيحا بحق ما يقول الملا انه موجود في القرآن" ( 12 ).

 

لنفترض ان هذه المرأة ، بوصفها سيدة اعمال ، تمتلك رصيدا احتياطيا.  سيكون لديها في هذه الحالة سبب اضافي لتعلم القراءة.  وفي آية نادرا ما يُشيعها الأئمة بين الطبقات المتوسطة والأدنى ،  يجيز القرآن للمرأة ان تتفاوض حول عقد الزواج بما يستجيب لشروطها الشخصية.  وتقول الآية ، "وإن امرأة خافت من بعْلِها نشوزا أو إعراضا فلا جُناح عليهما أن يُصلحا بينهما صُلحا والصلح خير وأُحضِرَت الأنفُسُ الشُح وأن تُحسِنوا وتتَّقوا فان الله كان بما تعملون خبيرا" ( 13 ).  واليوم يمكن لشروط المرأة الشخصية في الزواج ان تتضمن  الآتي:  "لا يجوز لزوجي ان يضع اصبعا عليَّ أو على اموالي ضد ارادتي.  وإذا فعل سأعدُ ذلك "نشوزا أو إعراضا" وسيكون من حقي تطليقه".  يا له من حافز لتحويل ذلك القرض من اجل تمويل مشروع بسيط الى نجاح حقيقي.  ومَنْ يحاول الاستحواذ عليه سيواجَه بنص قرآني لا يستطيع دحضه وباتفاقية عُقدت قبل الزواج لا يمكن للقضاة الالتفاف عليها بسهولة. 

 

سيجني الرجل فوائد مباشرة من "عملية الاجتهاد" لأن المبادرة الفردية على نطاق واسع في مجال المال والاعمال من شأنها ان تشجع الاستثمارات الاجنبية.  ومن المؤكد أن يؤدي رفد المشاريع المحلية برؤوس اموال من الخارج الى تقليل الاعتماد على ايجاد فرص عمل في الجيش أو قوى الأمن او الجهاز البيروقراطي الحكومي ـ الغيتوات الوظيفية الثلاثة التي يتكدس فيها كثير من الرجال المسلمين حاليا.  ويدرك ريتشارد هاس ، مدير تخطيط السياسة في وزارة الخارجية الاميركية ، مدى ارتباط كرامة الرجل بكرامة المرأة.  ففي ديسمبر ( كانون الأول ) 2002 قال هاس امام حشد في واشنطن ان المجتمعات البطرياركية ( الأبوية ) التي تكون المرأة فيها خاضعة للرجل هي ايضا مجتمعات يكون فيها الرجال خاضعين لرجال آخرين ( 14 ).  وما كان بمقدور غلوريا ستاينم ان تطلع بقول أحسن.  فالاستثمار في سيدات الاعمال قد يكون خير فرصة امام الجميع لكسر الاحتكارات المؤسساتية التي تُثري رجال الدين ومموليهم على حساب بسطاء الناس. 

 

ان "عملية الاجتهاد" تبدو عملية واعدة بوصفها مقاربة لتطبيق اسلام ليبرالي.  ولكن الوعد يمكن ان يتعثر وفي النهاية ان يتعطل ما دامت مواثيق "حقوق الانسان" الاسلامية تخص الرجل بامتياز الانفاق على الأسرة ومسؤولية رعايتها حارمة المرأة من حق الكسب بعملها هي.  ولكن يبقى عليّ الاعتقاد بأن الازدهار أو وعد الازدهار يمكن ان يهز الاجماع على ان الرجل يجب ان يكون هو المعيل.  اسمحوا لي ان اوضح كيف يمكن للحاجة الى كسب الرزق ان تحفز على نشوء نمط جديد من التفكير.

 

سأبدأ بموضوعة تثير الأسى.  في عام 1997 قتل اسلاميون 58 سائحا في الاقصر بصعيد مصر.  وحدثت هذه المجزرة بعد سنوات من اعمال القتل بحدود أضيق ـ استهداف سياح بريطانيين هنا وبضعة المان هناك ، والاعتداء على سائح أو اثنين من تايوان.  كانت مجزرة الأقصر القشة التي قصمت ظهر الجمل لأن قطاع السياحة المصري أُصيب بنزيف كلفه ملياري دولار نتيجة اعمال القتل هذه.  وهنا انقلب موقف الرأي العام المصري ليقف ضد الارهابيين مؤيدا قانون الطوارئ المفروض منذ 16 عاما للجم المتشددين الدينيين بلا رحمة.  ومما يؤسف له اعمق الأسف ان قانون الطوارئ علاه الصدأ حتى بات هراوة بيد الطامعين بالسلطة السياسية ولكن هذه ليست هي النقطة التي أُريد توصيلها ، بل الآتي:  ما أن صار الارهاب يهدد الاقتصاد حتى صار المصريون يهددون الارهابيين. 

 

عندما تتاح الفرص لتحسين نوعية الحياة للجميع من خلال اطلاق روح المبادرة التجارية عند النساء فان تغييرا يمكن ان يطرأ على اولويات البشر ـ من القَبَلية الى التجارة ، ومن شرف الزوج بوصفه المعيل الأوحد الى كرامة المعاملة المتساوية بين الرجل والمرأة.  لعلي أُغالي في التفاؤل ولكن قطاع السياحة يمكن ان يفسِّر السبب في ظهور بوادر تعامل متكافئ بين الاسرائيليين والمصريين في سيناء.  فان علاقات طيبة نسبيا تربط بين المسلمين واليهود هنا شاهدة على ان التجارة يمكن ، الى حد ما ، ان تصنع عقودا اجتماعية أكثر مرونة. 

 

مع ذلك فأنا لا استهين بقدرات اولئك الذين يعتنقون اسلام الصحراء على المناورة والاستغلال.  وهذا يعني ان مساعي الاصوليين لإيغار القلوب تتبدى بمعالمها الرئيسية في موقع على الانترنت عن وضع النساء في ظل القوانين الاسلامية

Women Living Under Muslim Laws وهو شبكة تجمع ناشطين من اجل حقوق الانسان.  يقول الموقع ان الاصوليين "استخدموا تكنولوجيا الاتصالات استخداما فاعلا للغاية....فان اشرطة كاسيت سمعية بسيطة زهيدة الكلفة تُسجَّل عليها مواعظ تتضمن شتائم ضد المرأة وضد قيم المساواة والاستقلال الذاتي التي يُفتَرَض انها قيم غربية ، وتحرِّض على العنف وفي الحالات المتطرفة حتى على قتل الخصوم ،  أغرقت الشوارع والاسواق في عدة مجتمعات مسلمة.  وتُذاع هذه الاشرطة على متن الحافلات العامة ومن مكبرات الصوت المبثوثة في الجوامع وعلى الراديو" (15 ). 

 

كما تُبَث على شاشة التلفزيون المتاح على نطاق واسع مثل قناة "المنار" اللبنانية المرتبطة بحزب الله والمرخص لها باجازة اصدرتها الحكومة اللبنانية منذ عام 1997.  والحقيقة ان مهمة قناة "المنار" ـ "تعزيز الدور الحضاري للأمة العربية والاسلامية" ـ  تمضي الى دعم مهاجمة اليهود بوصف ذلك من تكتيكاتها المفضلة.  ويحمل موقع القناة على الانترنت برنامجا عنوانه "انقلاب الصورة" يتناول التربية الاعلامية ، أو هكذا يبدو ، الى ان يخوض في تفاصيل الوصف المقدَّم عن البرنامج:  يراقب برنامج "انقلاب الصورة"  كل وسائل الاعلام السمعية ـ البصرية والصحافة الصهيونية الناطقة بالعبرية فاضحا بذلك حال الحرب العسكرية الصهيونية وحقائقها الخفية ( 16 ).  يُضاف الى ذلك ان البرنامج من انتاج وتقديم "معتقل سابق في سجون اسرائيل".  اسمعوا! على الاقل هناك حياة بعد التعذيب الصهيوني.  وآخر مرة اطَّلعتُ على الموقع وعد بإضافة قسم للتسوق.  من الواضح ان التجارة لا يمكن ان تكون الجبهة الوحيدة لمكافحة الاصوليين.

 

سيتعين ان يكون الاعلام خطا آخر من خطوط المجابهة في عملية "الاجتهاد".  ولكن بدلا من سرد "قصة اميركا" على نحو أفضل ، الأمر الذي اثبت كونه خليطا متفجرا من الغرور والشطط ، ما رأيكم لو اخذ الغرب على عاتقه تمويل منافذ اعلامية تبث للمسلمين قصص سيدات اعمال مسلمات من مجتمعاتهم؟  يرأس ديفيد هوفمان ادارة انترنيوز نتورك Internews Network وهي  منظمة غير ربحية تساعد وسائل الاعلام في انحاء العالم.  ويشيد هوفمان بدعم اميركا لوسائل الاعلام المحلية في الاتحاد السوفياتي السابق.  ولاحظ هوفمان في مجلة فورين افيرز Foreign Affairs  بعددها لشهر مارس ( آ ذار ) 2002 انه "عموما استفاد اكثر من 1600 مذيع و30 الف صحافي ومهني اعلامي من برامج التدريب والمعونة التقنية برعاية الولايات المتحدة.  واثمرت هذه الجهود انبثاق اكثر من 12 شبكة تلفزيونية وطنية تصل الى ما يربو على 200 مليون مشاهد.  ونتيجة لذلك فان لدى مواطني كل مدينة من مدن الاتحاد السوفياتي السابق قنوات متنوعة يمكن الاختيار من بينها" (17) . 

 

ماذا لم تضافرت جهود ائتلاف غربي من المسلمين وغير المسلمين لتمكين النساء في العالم الاسلامي من امتلاك محطات تلفزيونية محلية وادارتها؟  ماذا لو قادت اوبرا وينفراي هذا الائتلاف؟  اوبرا تعرف الاحساس بالاغتراب ولا تسمح لصورة الضحية بشلها وهي ، قبل كل شيء ، تتخذ موقفا متحمسا لصالح تعليم المرأة والطفل.  وحضور اوبرا ذاته سيكون صفعة قوية للرجال الذين يريدون الاستئثار بكل ما له قيمة في البلدان الاسلامية.  وكما قال رجل ذكي لاوبرا خلال برنامجها عن المرأة المسلمة ، "شئتِ ام أبيتِ فانكِ تكونين عاملا مساعدا".  اوبرا لم تمارِ في ذلك.  وعلى اية حال فان اطباق استلام البث التلفزيوني الفضائي تنتشر في عالم الاسلام.  وما فعلته المطبعة للاصلاح البروتستانتي ـ ارخاء الخناق على المعرفة ـ يمكن ان تفعله القنوات التلفزيونية غير التجارية للاسلام. 

 

يمكن ان نبدأ بداية متواضعة بالوسائل المجرَّبة والحقيقية للبرامج الاذاعية.  فأولا ، سيحمي الراديو هويات الأشخاص في السنوات الاولى الحرجة من عملية "الاجتهاد".  إذ ليس كل واحد يريد ان يكون معروفا ( ومستهدَفا ) في الشوارع بوصفه الشخص الذي قال ان النبي محمد اعلن ان النساء شريكات الرجال لا خاضعات لهم.  وبعض المسلمين لا يريدون ان يكونوا معروفين بتبادلهم الحكايات عن خديجة زوجة محمد الاولى المحببة لديه ـ كانت تاجرة عصامية ثرية تكبره 15 سنة وهي التي طلبت يده.  ويُقال ان محمدا ، حتى بعدما أسلم لمشيئة الله ، بنصيحة من خديجة أساسا ، استمر في اخذ مشورتها.  هذه القصص قد تكون هذرا ، نتاج اساطير أو تكهنات أكثر منها وقائع من التاريخ.  ولكني واثقة من اني لست وحدي بين المسلمين في التعطش الى سماع مفكرين احرار يناقشون بصراحة صدق هذه القصص ووجاهتها على الهواء.  وتقول الدكتورة عائشة إمام ، وهي داعية من اجل حقوق الانسان في نيجيريا ، ان من الضروري ضرورة حاسمة ترويج نقاشات كهذه "ليكون عند الأشخاص الذين شعروا بعدم ارتياح بالغ من الطبيعة المحافظة لقوانين الشريعة الجديدة ، اساس يستطيعون ممارسة النقد المشروع بالاستناد اليه عوضا عن الشعور بعدم امتلاكهم ما يكفي لتمكينهم من الكلام" (18).  بكلمات اخرى ، ان استقصاء الشكوك يمكن ان يعزز الثقة ، بما في ذلك ثقة سيدات الأعمال.  والتعبير عن الشك يؤكد امكانية الوقوف بوجه القبيلة.  وإذا تفادت أي مبادرة "اصلاحية"  زرع الشك فانها ستكون شهادة بأن الاسلام دين لا لقساة القلوب فحسب بل ولخائري النفوس ايضا ـ اولئك الذين ليس لديهم الجرأة على التساؤل ولا المنافذ لممارسة التساؤل. 

 

لماذا التوجه الى الاسلام اصلا؟  انه سؤال تطرحه تسليمة نسرين التي تؤمن ايمانا راسخا بأن الاصلاح لن ينطلق إلا عندما يتراجع الدين.  وبقدر تعلق الأمر بها فان على المسلمين ان يستعيضوا عن القوانين الدينية بقوانين مدنية تفصل الجامع عن الدولة فصلا تاما.  ولكن هل يتعين على البلدان المسلمة ان تحاكي البلدان اليهودية ـ المسيحية كيما تكون انسانية؟  اولئك الذين يجيبون بالايجاب لديهم تحدٍ ثانٍ عليهم مواجهته:  الحقيقة هي ان الاسلام يشكل أحد اركان الهوية لملايين النساء.  وفي الوقت الحاضر يمكن لإخراج الدين من المجال العام ان يشكل خطوة أكثر من بعيدة عن الواقعية بل خطوة قد تكون ذات مردود معاكس ايضا. 

 

لرفعت حسن ، برفيسورة الدراسات الدينية في جامعة لويسفيل ، خبرة مباشرة هنا.  وهي توضح انه "لو سألتَ امرأة افغانية "هل تؤمنين بحقوق انسان كونية؟" لنظرت اليك نظرة خالية من أي تعبير.  ولو سألتَها "هل تؤمنين بالله؟" لأجابت "نعم".  ولو سألتَها "هل تعتقدين ان الله هذا يريد لك ان تتعرضي الى الضرب والتنكيل؟" لفهمت ذلك فورا وقالت ، "كلا" (19).  فلنكن عمليين.  هل نريد من النساء المسلمات ان يدافعن عن بعض حقوقهم الانسانية على اقل تقدير ، أو ، بحكم العيش في ظل قوانين لا دينية ، هل نريدهن ان يشعرن بكونهن مغتربات ، منبوذات ومغدورات؟ 

 

حتى النساء المتعلمات لا يتفقن بالضرورة مع علمانية نسرين الدوغمائية.  وقد التقيتُ مؤخرا مسلمة شابة في مؤتمر دستوري في اوتاوا.  وكانت هذه المسلمة التي تعمل محامية في وزارة العدل ، هاجرت الى الغرب لممارسة ديانتها ممارسة ذات معنى اكبر.  وهذا يعني عندها ان يكون لديها خيار ارتداء الحجاب ـ خيار مكفول في اميركا الشمالية ولكنه مرفوض في وطنها تونس الذي منع التحجب في الاماكن العامة في اطار حملة من اجل "التحديث". 

 

لقائي مع هذه المحامية دفعني الى التفكير في التوازن الذي تنطوي عليه اشاعة الديمقراطية في العالم الاسلامي.  وهذا يكاد يكون مضادا لحدس العقل العلماني فتابعوا بانتباه ما اقول.  ان هذه المحامية التي اعربت عن موقفها برأسها وليس فقط بقدميها عندما نزحت من بلدها ، اثبتت انه حتى بين المسلمين الشباب المتعلمين تبقى حرية التعبير عن العقيدة من الآمال الكبيرة المعقودة على الديمقراطية.  وقمع الاسلام من اجل "التقدم" هو اشبه بالطغيان.  وعندما تفرض بلدان مثل تونس وتركيا اسوارا بين الحياة الروحية والعالم المادي ينتهي بها المطاف الى تشويه سمعة الديمقراطية العلمانية نفسها (20).  وحينذاك يستطيع الاصوليون ان يحتجوا قائلين ان الأجندة السياسية الحقيقية هي ليست الانفتاح بل "الغربنة".  وهنا تكمن المعضلة:  فالاصوليون يستغلون بمهارة احباطات الناس الذين ارتجَّت حياتهم بممارسات انظمة حكم ارادت تطبيق العلمانية.  وكثيرا ما يسفر اجراء انتخابات في مثل هذه الأجواء عن تمثيل اوسع لقوى اسلام الصحراء.  و"باي باي ايتها الديمقراطية". 

 

قبل ان تكون للديمقراطية قدمان تقف عليهما في البلدان العربية المسلمة يتعين تعريف هذه البلدان على تنافس الافكار.  وكما كنتُ أُجادل فان التفسيرات البديلة للاسلام يمكن ان تكون مقنعة حتى على المستوى الرمزي ذي الأهمية القصوى ، هذا إذا تمكنا من نشر التفسيرات البديلة ومناقشتها وابدائها واعادة ابدائها ـ واشاعتها. 

 

اني اقدِّر اصرار تسليمة نسرين على ان العلمانية هي الأمل الوحيد.  فهي لا تعتقد ان بالامكان اعادة توكيد قيمة الاسلام من دون تكريس مسحة التفوق الضارة فيه.  وأنا اسمع ما تقول نسرين.  ولهذا السبب استشرتُ علماء انثروبولوجيين وسوسيولوجيين ونفسيين ولاهوتيين وملحدين ـ أي نعم حتى هؤلاء ـ حول الطريقة التي يمكن للبشر ان يكبحوا بها نزوعنا الى الانتصار بدلا من التعايش.  وفي اوائل عام 2002 حاولتُ القيام بتجربة.  ففي مذكرة مزيفة الى ياسر عرفات نشرتها احدى الصحف القومية ، طرحتُ مقاربة لتقاسم الأرض تتيح للفلسطينيين المسلمين ان يحتفظوا بكرامتهم وهويتهم وعزتهم.  وقد أشرتُ الى ان "الهجرة" كناية بنزوح النبي محمد الشهير من مكة الى المدينة ، تُترجَم الى "إبتغاء الحماية بالاستقرار في موطن غير موطن المرء" (21).  وكانت القبائل اليهودية عاشت زمنا طويلا في المدينة ولكن غالبيتها تقاسمت مناطقها مع النبي محمد وانصاره.  وانا أُناشد ياسر ان يقرأ صفحة من التاريخ.  ألن يكون من باب المعاملة بالمثل تقاسم فلسطين مع اليهود الذين هاجروا ، مثلهم مثل المسلمين الأوائل ، بحثا عن الحماية من التحامل الدموي ضدهم؟  حسبتُ اني في بداية الطريق نحو تحقيق اختراق.

 

في اليوم التالي ظهرت رسالة في الصحيفة من مسلم مرموق في تورنتو.  كتب هذا المسلم ن "ان الهجرة تعني طلب الحماية بالاستيطان في مكان غير مكان المرء بدعوة من سكان المكان الجديد ، أي ليس بالقوة.  والآنسة منجي أغفلت هذا الاشتراط الأخير لطرح محاجَّتها" (22).  وكان يشير الى ان بعض قبائل المدينة دعت النبي للتحكيم في نزاعاتها جاعلة المدينة مكانا مناسبا يتوجه اليه لدى هروبه من بطش مكة.  وكان مقصده الأكثر مكرا ان العرب لم يدعوا اليهود الى العيش بينهم في فلسطين وبالتالي لا يمكن سحب مقارنة الهجرة على هذه الحالة. 

 

في اليوم التالي على نشر هذه الرسالة رد يهودي على المسلم قائلا ، "لإولئك المسلمين الذين يعلنون انهم كانوا في المنطقة قبل اليهود يجب تذكريهم بأن ابراهيم وسارة كانا يعيشان في الخليل عندما توفيت سارة قبل زمن طويل على مجئ النبي محمد" (23).  وبطريقة أو اخرى فنحن جميعا لنا الحق ، اليس كذلك؟  وأنا أحسبُ نفسي على هذه الجماعة. 

 

ولكن إذا كنتَ أنت على حق هل يتحتم ان أكون أنا على خطأ؟

 

طرحتُ هذا السؤال على ديفيد هارتمان ، وهو من اكبر حاخامات اسرائيل.  فأجاب بسؤال آخر.  "هل أن حيويتي ، هل ان حياتي تهديد لحياتك؟"  قبل ان استطيع الإجابة تبرع الحاخام هارتمان بها موضحا ، "يعني ، أنا أحبُ ان أسمع المسلمين يتلون الصلاة.  فهي توقظني في الساعة الرابعة فجرا ولكن في سبيل التعددية سأتنازل عن نومي.  وفي يوم الأحد تقرع أجراس الكنائس فأقول "حسنا ، واصل القرع يا هذا"" (24). 

 

وهنا فتحتُ عيني على شيء ـ ان الدين هو احد الاسباب وراء صمود اسرائيل بوصفها ديمقراطيةً متعددة الأديان وسط ديماغوغييها انفسهم وبحر من الانظمة الاستبدادية العربية.  واليهودية ، بخلاف الاسلام والمسيحية ، لا تسعى الى هداية الآخرين لاعتناقها.  وهي لا تدَّعي الكونية.  وبحكم قوانينها ذاتها لا تستطيع التبشير بتعاليمها.  والأرجح ان يميل المسلمون الى القول باستهجان ، "هذا لأن اليهود هم "الشعب المختار" والشعب المختار لا يحتاج الى ان يثبت جدارته.  ومهما حدث ، سواء أطبقت السماء على الأرض أو حدث الطوفان فان خلاصهم مضمون في الجيب".  أنا اعتبر ذلك سوء فهم مأساويا.  فاليهود يعتقدون انهم شعب مختار ولكن ليس من اجل التمتع بالزبيب في الجنة.  فهم مختارون ايضا لتحمل اعباء في هذه الدنيا ، ونيابة عن الانسانية جمعاء.  وما إذا أثبت اليهود قدرتهم على تحمل هذه الأعباء بمسؤولية فان هذا سيقرر إن كانوا يستحقون الخلاص.  وبدلا من ان يكون الخلاص مضمونا "في الجيب" فانه يكمن في التحلي بالمسؤولية.  ولكن ما معنى ذلك؟  لا يسعني إلا نقل الاجماع بين يهود التيار السائد:  ان تكون مسؤولا يعني ان تقاوم الغطرسة القَبَلية. 

 

واليهود بوصفهم بشرا يحوُّلون الغطرسة احيانا الى فن رفيع ـ أو على الأقل الى فن هابط.  فأنا اقرف من مجانين الضفة الغربية الذين يضيئون مستوطناتهم المبنية على قمم التلال بمصابيح  نيون على شكل نجمة داود.  وأنا اشعر بالاشمئزاز من رفض حكومة شارون المتعنت اعتقال المجرمين الذين يقيمون مستوطنات غير شرعية.  ولا ادَّعي الدفاع عن اولئك اليهود الذين يشعلون النار بأغصان قطعوها من اشجار زيتون سقاها الفلاحون العرب بعرقهم منذ عشرات السنين ، ويعتكفون في مدارس دينية حيث يُحظر عليهم دراسة مواضيع تمتد من علم الفلك الى الفلسفة التي ألهمت عبقرية ابن ميمون.  ولكن ضعوا نصب اعينكم ان هؤلاء الأشخاص لا وزن لهم يُذكر في الديانة اليهودية العصرية.  فهم يثيرون السخط ويتنامون عددا ولكنهم قطعا لا يشكلون التيار السائد. 

 

اليهود الذين ينتمون الى التيار السائد ، بمن فيهم يهود بارزون ، يمضون احيانا ابعد من نداء المسؤولية ـ دون اعتراف منا نحن المسلمين.  ففي اجتماع حاشد لتأييد اسرائيل في ابريل ( نيسان ) 2002 ، سلم بول وولفويتز ، نائب وزير الدفاع الاميركي ، غصن زيتون رمزيا الى الفلسطينيين.  وولفويتز ، المعروف بكونه من الصقور المحافظين ، أقر بأن "فلسطينيين ابرياء ايضا يعانون ويموتون بأعداد كبيرة".  سخر منه الحاضرون.  ولكن ما الذي فعله ادغار أم. برونفمان ، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي؟  كتب الى صحيفة نيويورك تايمز بتواضع جم.  وقال "ان اولئك الذين زعقوا بازدراء ينبغي ان يستحوا وأن تُفتح اعينهم على مقطع من الهغَّادة [من قصص عيد الفصح عند اليهود]....حيث يوبخ الله الملائكة لهتافهم فرحا بغرق المصريين خلال ملاحقتهم بني اسرائيل الذين عبروا البحر الاحمر.  وقال لهم الله ، "ان هؤلاء ايضا ابنائي" .  والفلسطينيون يموتون في هذه الحرب الدائرة في الشرق الاوسط.  فان عواطفي مع اسرائيل وشعبها بكل تأكيد ولكننا يجب ان ندرك جميعا ان الفلسطينيين ايضا شعب" (25). 

 

العهد نفسه للاعتراف بـ"الآخر" يمكِّن كبير الحاخامات الارثوذكسيين اليهود في بريطانيا ، جونثان ساكس ، من الكتابة عن "كرامة الاختلاف".  هل قلتُ الكتابة عنها؟  بل الأدق ان أقول تأليف كتاب عن الموضوع.  وباسلوب ساكس النثري فان "الله يخلق الاختلاف.  وبالتالي فاننا في "المختلِف" نلقى الله" (26).  وعند الحاخام ساكس فان "التحدي الديني الأسمى هو رؤية صورة الله في واحد ليس على صورتنا" (27).  اعترفُ بأن ساكس سحب البساط من تحت اقدام الحاخامات الارثوذكسيين المتطرفين وخاصة بقوله ان اليهودية لا تملك الكلمة الأخيرة بشأن الحقيقة.  وكان ساكس اعاد النظر في بعض مواقفه تحت الضغط الذي مورس عليه.  ولكن اعادة النظر لم تمتد الى كل مواقفه ، ليس الى المواقف القائلة بقدسية الاختلاف.  وفي الحقيقة ان الحاخام ساكس يعمل منذ سنوات على تشجيع المسؤولية اليهودية تجاه "الآخر" محتفظا طوال الوقت بمقعده رئيسا ليهود بريطانيا الارثوذكسيين.  

 

لماذا هذا الاستطراد عن الانسانية التي تتيحها الديانة اليهودية؟  لأنه في الوقت الذي اتوقع من عملية "الاجتهاد" ان تثير احاديث بين "اهل الكتاب" الثلاثة فان هذه الحوارات الثلاثية لن تسفر عن نتيجة إلا إذا كانت مدفوعة بالانفتاح التلمودي.  ولا أعني التلمود نفسه بل الموقف الذي عبر عنه بكل بلاغة الحاخام هارتمان بقوله ان رب ابراهيم هو نفسه "رب المفاجأة والتجديد" ، أي رب لا يمكن التكهن بمشيئته. 

 

أهذه فكرة ابشع من ان تُطاق عند غالبية المسلمين؟  انها فكرة اقترحها رئيس وزراء ماليزيا السابق.  ففي مؤتمر اسلامي عالمي عقد عام 2002 في كوالالبمور زلَّ لسان مهاتير محمد الى القول بأن قيادة الاسلام لا يمكن بعد الآن ان تأتي من العرب لأن العرب ، بالحصيلة النهائية ، لا يعرفون كيف يخاطبون غير المسلمين ، ولكن المسلمين الاسيويين يعرفون كيف يخاطبونهم ، كما ألمح (28).  المفارقة ان مهاتير كشف عن تعرضه هو للمؤثرات العربية بتحميل اليهود مسؤولية الازمة المالية في ماليزيا والوقوف موقف المتفرج من انتشار قوانين الشريعة في بلده. من حسن الحظ ان ماليزيا ليست مهاتير ولا اندونيسيا المجاورة ، اكبر البلدان الاسلامية سكانا في العالم ، حيث شجب ملايين عملية التفجير التي نفذها اسلاميون في منتجع بالي.  والحقيقة انه كان دائما على شعوب جنوب شرق اسيا ان تمارس الاسلام في اوطان متعددة الاعراق ( صينية وهندية وملاوية ) ومتعددة الاديان ( بوذية ومسيحية وهندوسية واسلامية ). 

 

الشيء نفسه يصح على شعوب آسيا الوسطى.  ففي كازخستان وهي بلد ذو غالبية مسلمة اقتُطِع من الاتحاد السوفياتي السابق ويحكمه نظام سلطوي ، تتعايش نحو 100 جماعة عرقية.  وهناك ما زالت العلمانية باقية والصوفية المتسامحة منتعشة.  وفيها توافد اليهود مؤخرا لحضور مؤتمر استضافته الحكومة ـ مؤتمر اختتم اعماله ببيان مشترك بين اليهود والمسلمين من اجل السلام.  وهناك هنأت الصحيفة الرسمية الناطقة بالانجليزية الأزواج بمناسبة يوم الحب (29).  فنحن لم نعد بين كثبان الرمل السعودية.  وإذا كان قلب الاسلام اقوى من نظام القيم السائد في صحراء الجزيرة العربية ، واقوى منه على نحو مستدام ، فان للمسلمين الآسيويين فرصة البرهنة على ذلك بمواصلة محادثتهم مع "رب المفاجأة والتجديد". 

 

لدي اشتراط آخر بشأن الحوار بين الأديان.  فايا يكن المشاركون ، يمكن لمثل هذه المناظرات ان تقع ضحية تزييف واحتيال.  خذوا قضية محمد سيد طنطاوي ، شيخ الأزهر ، وما ادراك ما الأزهر بسمعته التي لا تُضاهى.  فان فريد زكريا يصف الأزهر بأنه "اهم مركز لاسلام التيار السائد في العالم العربي" (30).   والى جانب كون طنطاوي المسؤول الاول في الاسلام السائد فهو ايضا راعي "منتدى الديانات الثلاث" الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له.  والمنتدى منظمة هدفها مساعدة المسيحيين واليهود والمسلمين على تحقيق التفاهم المتبادل بينهم.  يبدو الأمر لطيفا ولكن دعونا نجلوا الخطابية وننبش ما تحت السطح.  ففي موعظة في ابريل ( نيسان ) 2002 ترجمها معهد الابحاث الاعلامية في الشرق الاوسط وصف طنطاوي اليهود بأنهم "اعداء الله وابناء الخنازير والقرود" (31).  وفي مؤتمر عقد عام 1999 حول الطاقة النووية في مصر حض الشيخ المسلمين على "امتلاك اسلحة نووية  ردا على التهديد الاسرائيلي" وقطع عهدا بأنه "إذا كانت لدى اسرائيل اسلحة نووية ستكون اول المهزومين لأنها تعيش في عالم لا خوف فيه من الموت" (32).

 

هذه الاقوال ينبغي ان لا يُستهان بها كنباح بلا انياب من رجل اوصله المستنقع الفلسطيني الى الجنون.  فحتى عندما كانت عملية السلام لم تزل على قيد الحياة اطلق طنطاوي تعليقات مماثلة.  وفي يناير ( كانون الثاني ) 1998 اجرت قناة "الجزيرة" مقابلة مع الشيخ الذي كان قد اجتمع مؤخرا بكبير حاخامات اسرائيل في لقاء بالقاهرة اثار زوبعة في الصحافة المصرية.   وتساءل مقدم "الجزيرة" إن كانت هناك فائدة من مثل هذه اللقاءات. 

 

نعق طنطاوي مؤكدا فائدة مثل هذه اللقاءات واشار الى انه هاجم الحاخام واثبت له ان الاسلام هو دين الحق....وباعتقاده ان كل من يرفض اللقاء مع العدو ليصفعه في وجهه ، جبان طالما ان في مثل هذا اللقاء ما يخدم الاسلام (33).

 

أهذه هي نظرة شيخنا ذي الكف المتحرقة شوقا لتوجيه الصفعات ، الى رعايته لمنتدى الديانات الثلاث؟  باعتبارها فرصة لإنزال اللطمات بمزيد من اليهود؟  أم ان مثل هذا الموقف يُراد به اسماع الآذان العربية فقط؟  لستُ متأكدة.  فبعد الاجابة عن سؤال أول مني قطع "منتدى الديانات الثلاث" خط الاتصالات عندما سألتُ لماذا يُقبل طنطاوي صاحب اللسان المسموم راعيا للمنتدى (34).  واياً يكن من امر فان رب طنطاوي ليس رب التجديد بل رب الخداع.  وأنا من بين آخرين ، لستُ مسيحية بما فيه الكفاية كي "أُدير الخد الآخر".  وعلى مَنْ يُريدون اصلاح الاسلام ان يخوضوا كفاحا مع الخداع لتحقيق شيء ما في الواقع.  وهذا يتطلب المضي ابعد من الحوار بين الاديان. 

 

استطيع ان اتخيل عالما يسوده "العمل المباشر" بين الاديان.  وعلى رأس القائمة في هذا العمل هو ضرورة اجراء مناظرة لا مهادنة فيها حول العربية السعودية ، بؤرة الخداع.  وينبغي ان تجري هذه المناظرة في الجامعات حيث يصطف طلاب واساتذة في طوابير بانتظار دورهم لتشريح اسرائيل ـ ولكنهم يسمحون للسعوديين بالافلات من خلال كلامهم المعسول بلسان مزدوج.  فان "التجمع العالمي للشباب المسلم" ، وهو منظمة ذات تمويل سعودي ، يوزع كراسات في جامعات مختلفة في اميركا الشمالية.  ويتغنى واحد من هذه المنشورات عنوانه "حقوق الانسان في الاسلام" بكل ما تبيحه الدولة الاسلامية مشيرا الى انه لمجرد انك تستطيع "التمتع بحق الاحتجاج على الطغيان" فان من حقك ان تفعل ذلك.  ويشيد الكراس بالحريات الاربع عشرة المتاحة مثل "الحماية ضد الاعتقال الاعتباطي".  ولكن إذا كنتَ مستهدَفا عن سابق اصرار لأنك مسلم شيعي فأنت في هذه الحالة "لم تُعتقل بصورة اعتباطية" ، اليس كذلك؟  فان العربية السعودية ، كما سبق أن بينتُ ، تضطهد المسلمين الشيعة بلا وازع من ضمير. 

 

لنستطلع حرية اخرى من الحريات التي يحتفي بها الكراس ـ "المساواة امام القانون".  ولكن إذا كان القانون نفسه يبيح التمييز على اساس العقيدة أو التكوين البيولوجي فان هذا هو ما يُحدِّد "المساواة".  وهكذا هي الحال في العربية السعودية حيث يحظر القانون على المرأة ادارة أي مشروع تجاري تملكه وحيث المرأة شخص قاصر ـ ما يعني انه حتى إذا اعلنت الرياض ، بقدرة قادر ، منح حق التصويت لسائر البالغين السعوديين فان هذا الحق سيبقى حكرا على الرجل.  وأخيرا اقرأوا ما يقوله "التجمع العالمي للشباب المسلم" نفسه عن المرأة:  "لا يجوز اضطهاد المرأة ، و....يُحتَرَم شرف المرأة وعفتها في كل الاحوال". لحظة رجاء.  ان الهوس بالشرف هو اضطهاد بذاته ولذاته.  وما نقرأه في الحقيقة هو اعتداء على الكرامة يبرر نفسه بنفسه.  وهذه الأحابيل تُمارَس تحت عنوان "حرية الضمير والمعتقد" وكذلك "حماية المشاعر الدينية" ـ وهما حريتان أُخريان يشهرهما التجمع العالمي للشباب المسلم ويُشهِّر بهما اسلام الصحراء.  اما الطلاب والاساتذة الذين يعتبرون انفسهم مفكرين نقديين لأنهم يستطيعون مواجهة الصهاينة فان عندي لهم تحديا:  ان يواجهوا ممثلي السعودية الذين يُشهد لهم بإتقان المنطق المغلق بإحكام.

 

للنفوس الأشد صلابة بين المسيحيين واليهود والمسلمين من طلاب الجامعة ، يمكن ان يعني العمل المباشر بين الأديان "حَجَّا ابراهيميا" الى مكة.  فان ابراهيم لم يكن الجد الأعلى لكل هذه الاديان فحسب بل كان ، على نحو لائق ، النبي الذي قام ( مع ابنه اسماعيل ، على ما يُعتَقَد ) بتجديد الكعبة ـ ذلك المكعب الأسود الذي يدور حوله قسم كبير من مناسك الحج.  فهنا يُقال ان النبي محمد حطم اصنام مكة الوثنية ولكنه انقذ الصليب من الانقاض.  أتقولون ان المسلمين وحدهم الذين يجوز لهم الصلاة في الكعبة؟  فمَنْ هو المسلم؟  لقد استرقيتُ السمع على محادثة بين الاديان عبر شبكة الانترنت مؤخرا ، واكتشفتُ وجود انفتاح على هذا السؤال.  وقال مشارك في هذه الدردشة يُدعى عاصم لآخر يُعرَف باسم ماتكابي ، "رغم انك ، بوصفك يهوديا ، لستَ مسلما بمعنى ممارسة شعائر الاسلام كنمط حياة نظامي ، فاني اعتبرك مسلما بمعنى تسليم نفسك لله ورغبتك في طاعته.  لذا فان الفكرة القائلة اني اقرب الى اليهودية وانتَ اقرب الى الاسلام نظرا لايماننا بإلاله الواحد الذي أنزل وحيه على ابراهيم ، قد لا تكون فكرة بعيدة كل هذا البعد عن اصابة الهدف!" (35)  مثل هذه النقاشات التي سيوحي بها حج ابراهيمي الى مكة ، يمكن ان تضفي روحا كونية على مكة ـ عولمة تتبرك بها القدس وروما وجنيف ( الرحم الروحي للبروتستانتية ).  وإذا كانت لمكة خصوصية بحيث لا يُمكن ان تُطَعَّم بوجود غير مسلمين فليس لدي إلا سؤال واحد:  لماذا؟

 

ايا يكن رد فعل السعوديين على الحج الابراهيمي سيتعين عليهم في النهاية ان يكونوا صادقين.  فالموافقة على هذا الحج وفي الوقت نفسه الابقاء على اجراءات التأشيرة ـ وسيلة مفضَّلة تتيح للمملكة ان تُبقي الستار مُسدَلا على نفسها ـ لن يكون موقفا مقنعا.  وسيُطالَبون بالتخلي عن مخاتلتهم ، المرة تلو الاخرى.  وسيتولى المطالبة طلاب جامعيون شحذوا حاستهم في فرز الترهات من الكلام بالمناظرات التي خاضوها في الحرم الجامعي حول العربية السعودية. 

 

سأقول ما هو أعظم:  في تخطيط الحج الابراهيمي ينبغي ان يتواصل طلاب اميركا الشمالية مع الطلاب الايرانيين.  فان نسبة مدهشة من الشباب الايراني متمردون فكريون.  وبدلا من ان تكون لافتاتهم بحرا من الشعارات التي تهتف بسقوط اميركا فانها غالبا ما تهتف بسقوط "الاحتكار" ( الذي يعنون به احتكار رجال الدين للأخلاق ).  ويستمع الشباب الايرانيون الى الاذاعة الاسرائيلية توخيا للتوازن ، ويجعلهم توافر شبكة الانترنت في متناولهم بمعدلات عالية ، اكثر تواصلا مع العالم الخارجي من المسلمين الآخرين (36).  كما انهم ، كونهم شيعة ، لا يشعرون بالحاجة الى اسباغ الشرعية على الأسياد السنة الذين يحكمون العربية السعودية.  ولا يعني هذا ان آيات الله الايرانيين لا يتعاطون الارهاب من النمط السعودي.  فان كثيرين منهم يتعاطونه ، وحزب الله يشكرهم ، كما استطيع القول بثقة.  ولكنهم آيات الله الذين يعلن طلاب ايران عصيانا عارما غير عنيف في الغالب ضدهم. 

 

في الحقيقة ان صديقة في التاسعة والعشرين في ايران هي التي بعثت لي بالبريد الالكتروني رسالة مارتن لوثر كنغ من "سجن في برمنغهام"  ولم اكن قد قرأتُ الرسالة من قبل.  وقد كتبت صديقتي مقدمة لها بهذه المشاعر:  عندما يتردد اصحابك ذوو العقول المتفتحة في اميركا الشمالية في فضح العربية السعودية خشية الاساءة الى المسلمين ، ذكِّريهم بليبراليي برمنغهام الذين ارادوا من مارتن لوثر كنغ ان يكف عن اثارة توتر لا داعي له في مدينتهم.  فقال لهم كنغ ، "لا بد ان اعترف بأني لستُ خائفا من كلمة "توتر".  فقد عارضتُ بشدة التوتر العنيف  ولكن هناك نوعا من التوتر البنَّاء اللاعنفي ، اللازم للنمو.  ومثلما شعر سقراط بضرورة ايجاد توتر في العقل ليتمكن الأفراد من النهوض محطمين عبودية الخرافات وانصاف الحقائق ، الى العالم الحر للتحليل الخلاق والتقويم الموضوعي فاننا يجب ان نرى الحاجة الى مشاكسين لا عنفيين لخلق توتر في المجتمع من النوع الذي يساعد الرجال على النهوض من الأعماق السحيقة للتحامل والعنصرية الى الذرى السامية للتفاهم والأخوة" (37).  وأنا اتضرع ان يكون لعملية "الاجتهاد"  مثل هذا التأثير. 

 

انظرو ، إذاً ، الى البعض من قنابل عملية "الاجتهاد"  ـ اسلئة اساسية جريئة سيتعين طرحها علنا:

 

·        في المناظرات حول المرأة:  هل يمكن أن يُستخدَم إله عتادا ضد نصف عباده ، ان يكون محبوبا بحق؟  هل الحب مهم اصلا؟

·        في المناقشات حول الاعلام:  هل يمكن لتوفر الكتب ان يلجم الآلهة الخاوية ممثلة بالنزعة المادية والتلفزيون الهابط؟  لماذا لم يترجم العالم العربي بأسره خلال الألف عام الماضية ، إلا بقدر ما تترجمه اسبانيا كل عام؟  هل السبب انه كلما زاد اطلاع الناس على مفاهيم اجنبية زاد احتمال قيامهم بمراجعة مفاهيمهم ذاتها؟  ومن الجهة الاخرى لماذا لا تُغرق مصر الاسواق الغربية بالترجمات الانجليزية لعمل جابر عصفور "ضد التعصب" Against Fanaticism أو عمل علي سالم "رحلة الى اسرائيل" ، وكل منهما نموذج لامكانية التسامح بين المسلمين؟  هل رفض الناشرون الغربيون كلهم هذه المخطوطات؟

·        في المحادثات مع العربية السعودية حول "الحج الابراهيمي":  لماذا يمنع السعوديون ممارسة الشعائر المسيحية في اراضيهم في الوقت الذي يمولون مركزا للتفاهم بين المسلمين والمسيحيين في واشنطن؟  مَنْ على وجه التحديد بحاجة الى هذا "التفاهم"؟  ما هي الدروس التي طبقها السعوديون في بلدهم من هذا المركز؟

 

أنا لا أقول ان مثل هذه القنابل ستمحو الاوتوقراطيات بموجة كاسحة واحدة. ما اراهن عليه هو نتيجة تراكمية طويلة الأمد.  فعندما تتعرض تقصيرات الحكومة وتردي الخدمات العامة بسبب نقص التمويل الى انتقاد دافعات الضرائب اللواتي  يتوقعن محاسبة لقاء ما يدفعنه من جيوبهن ، وعندما يُفضَح التمييز المتعمد ضد المرأة والاقليات الدينية وتشكيلة متنوعة من "الآخرين" بالشجاعة المتزايدة على طرح الاسئلة بصوت عال ، فان من المحتم ان يكون المسلمون أفضل استعدادا للانتقال الى الديمقراطية. 

 

اني اتضرع من اجل النتيجة النهائية:  انه بمرور الزمن ستقوم عملية "الاجتهاد" بتشجيع المجتمع الدولي على تشخيص مصادر الابادة الجماعية ووقفها ـ مصادر قد تكون مرتبطة بالدين (38).  والى ان نجري تحقيقا شاملا لن نعرف الى أي مدى غرس المذهب الوهابي بذور العنف العرقي أو الطائفي في السودان المحتل عربيا حيث مكث اسامة بن لادن قبل ان ينتقل الى افغانستان.  ولكننها نعرف ما فيه الكفاية للتحري.  فان مليوني انسان قُتلوا في السودان ، كما يذكر تشارلس جايكوبس من المجموعة الاميركية المناهضة للعبودية

American Anti-Slavery Group .  "وشُرِّد عشرات الالوف ، وجرى تجويع 100الف....بالاكراه" (39).  لماذا تستمر هذه الفظائع؟

 

حتى الآن ما من وكالة دولية طُهِّرت من مواطن الخلل فيها ومُدَّت بضياء العدالة ليمكن تفادي اقتراف جرائم كراهية على نطاق هائل.  ونظرا الى ان الامم المتحدة تعمل بروتوكوليا أكثر من عملها مبدئيا ، مع معاملة الأنظمة القمعية بوصفها مكافئة اخلاقيا للأنظمة الديمقراطية ، هل تعمد الامم المتحدة الى احراج العربية السعودية باجراء تحقيق في الوهابية؟  أشك في ذلك.  اما المحكمة الجزائية الدولية التي شُكلت حديثا فالمقرر لها ان تكون انفعالية لا فاعلة.  وعلى اية حال فابتداء من ربيع 2003 واجهت المحكمة 200 شكوى رُفعت على جرائم ضد الانسانية.  لماذا يجب ان تُعيِّن المحكمة مدعيا عاما للتحقيق في الوهابية في وقت لم توقع الولايات المتحدة ولا العربية السعودية على الانضمام الى المحكمة؟ 

 

فرصتنا الأحسن للحؤول دون وقوع اعمال قتل مدفوعة ببواعث دينية قد تكون الآن بتطبيق النظام القضائي في بلداننا نحن.  وفي وقت كتابة هذه السطور قاضت المحاكم الجزائية البريطانية بنجاح رجل دين درس في السعودية واقام في لندن ، بتهمة التحريض على قتل اليهود والهندوس والاميركيين (40).  وهذه اول ادانة من نوعها في انجلترا وينبغي ان لا تكون الأخيرة. 

 

أعترف بأن اللجوء الى المحاكم يوحي بعض الاحيان بالنحيب نحيبا لا يقل فتكا عن قوة السلاح.  ففي فرنسا ، كما ذكرتُ في مطلع هذه الرسالة ، حاولت اربع مجموعات مسلمة مقاضاة الكاتب ميشال اولبيك لأنه صرح لمجلة ادبية ان الاسلام اكثر الأديان "غباء".  وقال اولبيك:  "عندما تقرأ القرآن تنفض يدك يأسا.  الكتاب المقدس ، على الأقل ، جميل لأن لدى اليهود موهبة ادبية سامية" (41).  وكان من دواعي ارتياح كل ذي رأي بأي شيء ان القاضي اسقط هذه الدعوى في النهاية.  الصحافية الايطالية اوريانا فالاتشي خاضت معركة مماثلة من اجل حرية التعبير بعد نشر مقالها اللاذع "الغضب والكبرياء"

The Rage and the Pirde .  وفيه تحمل بشدة على المهاجرين المسلمين ( "انهم يتناسلون بكثرة" ) وعلى مضيفيهم الاوروبيين ( "الايطاليون كفوا عن انجاب الاطفال ، يا لهم من بلهاء" ) (42).  ولم تسفر القضية المرفوعة ضدها عن نتيجة. 

 

أنا باقتراحي توجيه اتهامات جنائية ضد السعوديين لا أفعل سوى محاكاة اولئك الذين أرادوا تكميم اولبيك وفالاتشي ونسرين ورشدي ، اليس كذلك؟ اعوذ بالله.  فان تحدي السعوديين لا يمت بصلة الى إسكات الاسلام بل السماح لأكثر من لون بأن يزدهر في الصحراء.  وتحديهم يمكن ان يساعد على الحؤول دون وقوع جولة جديدة من اعمال الابادة الجماعية في معرض الدفاع عن امن كثير من الدول.  فكيف يجوز تفسير القرآن ـ وكيف لا يجوز تفسيره ـ اصبح شغل الجميع.

 

سيكون هناك فرع من عملية "الاجتهاد" لاميركا والدول الاوروبية الكبرى.  وفي مجرى تنفيذ العملية معا سيقطع الجانبان شوطا بعيدا نحو ردم الفجوة بينهما.  وقد اعلن رئيس الوزراء الفرنسي السابق ليونيل جوسبان في تصريح مدوٍ:  "نعم لاقتصاد السوق ، لا لمجتمع السوق" (43).  وستعمل عملية "الاجتهاد" من اجل تحقيق التوازن بين السوق والمجتمع.  ومن خلال تشريف المسلمات بوصفهن سيدات اعمال متواضعة ستؤيد حملة "الاجتهاد"  المبدأ الاخلاقي لمناهضي رأس المال الكبير متبديا في شعار "كل ما هو صغير جميل".  وستركز عملية "الاجتهاد" على بسطاء الناس المحليين لا على الشركات الصناعية العملاقة لتميز بذلك بين الحاجة والجشع.  وهي ستُعطي المسلمين مستقبلا يستحق العيش من اجله لا ماضيا يستحق الموت في سبيله.  ألن تكون هذه الدوافع والأهداف مبعث اطمئنان لليساريين الأشداء في الاتحاد الاوروبي؟  فالحقيقة الماثلة في ان العديد منهم يكرهون الرأسمالية ينبغي ان لا تكون ذات شأن.  ولماذا ندع الارستوقراطيين الايديولوجيين يسرقون الفرصة من المسلمين؟  أليست مثل هذه الأنانية بمثابة استعمار جديد يضع رغبات نخبة بعيدة فوق مصلحة الملايين؟  ان البنك الدولي صاحب البنية المترهلة ، يبدو متجاوبا مع اهداف عملية "الاجتهاد"  وقال نيكولاس ستيرن عندما كان كبير اقتصاديي البنك ، "ان المساواة المتزايدة بين الجنسين ذات اهمية مركزية لفكرة التنمية بوصفها حرية".  وحين تشارك المرأة "تبين الدلائل ان التعليم والصحة والانتاجية والقروض والحكومة تعمل كلها على نحو افضل" (44).  باختصار يكون هناك فساد أقل. 

 

النساء في العالم الاسلامي ، الحكومات الغربية ، المسلمون ذوو التفكير الحر ، اليهود والمسيحيون من ذوي الارادة الطيبة ، الطلاب ، الناشطون الاجتماعيون ، البنك الدولي ، اوبرا:  يمكن لعملية "الاجتهاد"  ان تكون متعددة الأوجه ، ولكنها كي تتواصل بلا هوادة ستحتاج الى موارد اميركا.  وهنا يأتي دور السياسة في عالم النفط. 

 

كثيرون منا يحلفون بأغلظ الأيمان ان واشنطن تميِّع مطالبتها بالديمقراطية في العالم العربي الاسلامي لا لشيء سوى ضمان تدفق امدادات النفط. وحتى إذا كان هذا صحيحا ، ليس من الضروري ان يحدّ النفط من دعم الولايات المتحدة لعملية "الاجتهاد" ، طالما تستمر اميركا في الحصول من خارج الشرق الاوسط على كميات من الطاقة اكبر بكثير مما تحصل عليه من الشرق الاوسط ، ومادامت هناك وفرة من مصادر الوقود البديلة.  السياسة الواقعية في عالم النفط تنطوي على اكثر من ذلك بطبيعة الحال.  فهناك المأزق المتمثل بسياسة التعامل مع الرياض. 

 

ما أعنيه ان واشنطن في ورطة مزدوجة.  فمن جهة سيلغي قطعُ عائدات النفط السعودية بصورة درامية سلطة الملك متجسدة في كونه ولي نعمة رجال الدين وصاحب الفضل في غيرها من الامتيازات الاخرى.  ولو انهار هذا الحلف بين ليلة وضحاها لأُعطي الملالي الراديكاليون الذين اصلا يزبدون ويرعدون ضد الغرب ، انتصارا خطيرا ـ وذريعة لأن يصيروا حتى اشد راديكالية.  ومن الجهة الثانية يتعين على واشنطن ان تسقي الصحراء بالافكار والنشاط الاقتصادي ، حتى إذا فعلت ذلك شيئا فشيئا.  والتقاعس عن العمل ليس من شأنه إلا ان يهدد الاميركيين وسواهم من غير المعروفين مستقبلا وذلك مع نضوب ما لدى العربية السعودية من احتياطات نفطية ، وهي احتياطات آخذة في النضوب قطعا.  فمنذ عقد الثمانينات هبط دخل الفرد في المملكة من 23 الف دولار الى سبعة آلاف دولار سنويا.  ولقاء تمتعهم بامتياز غسل الصحون في العربية السعودية يدفع المسلمون البنغلاديشيون الى الرياض الفي دولار ( اربعة اخماس رواتب السنة الاولى ) لرفد خزينة الحكومة المتناقصة (45).  ويرفض الكثير من الشباب السعوديين مزاولة الأعمال اليدوية ولكن مهاراتهم الفكرية لا تواكب مسيرة التقدم لأن مدارسهم ما زالت اسيرة الدراسات الدينية.  والمجتمع السعودي المعتمد اعتمادا مفتعلا على المحروقات المستخرَجَة من طبقات الأرض المتحجرة لم يعد بمقدوره ان يبقى متحجرا.  ولا اميركا قادرة على تحمل ذلك التحجر.  وعملية "الاجتهاد" ما ان تنطلق ستتمكن من تنويع الاقتصاد السعودي بما يحقق للجميع مكاسب في الكرامة والأمن والاستقلالية.  ويشمل هذا المرأة التي ستهز مبادرتها المطلوبة في عالم المال والاعمال ، اسلام الصحراء من جذوره.    

 

ليس من الضروري ان تكون العربية السعودية نقطة البداية لتنفيذ عملية "الاجتهاد"  بل عراق ما بعد الحرب يمكن ان يكون نقطة البداية بإسم التحرك تدريجيا.  فتاريخيا بلغ العراقيون اعلى المستويات من حيث معدلات التعليم في الشرق الاوسط.  وتاريخيا ايضا ، كانت هذه المنطقة تتقبل مشاركة المرأة في المجتمع.  ولكن إعداد دستور واجراء انتخابات لن يكونا كافيين لاستنهاض الكبرياء الثقافي والاقتصادي سلميا.  وخلق الثروة يتسم بأهمية حاسمة لاستدامة أي ديمقراطية جديدة لأن طبقة من المستثمرين في الاقتصاد تستطيع الدولة ان تجني ضرائب من عائد نشاطها ، وحدها التي ، بدورها ، ستفرض على الدولة ان تبني مؤسسات تستجيب لما يريده الشعب (46).

 

ليكن شيء آخر ماثلا في الاذهان:  ان الوباء النازي تفشى في البداية عن طريق الانتخابات الحرة.  واستغل ادولف هتلر شعور الالمان بالمهانة الذي تفاقم بالخراب الاقتصادي بعد الحرب.  ونحن لا نستطيع ان نسمح للعراق ببلوغ هذه الحال ، التي من السهولة ان يبلغها.  ليس المهم ان حزب البعث اتخذ من الحزب النازي نموذجا له.  فأنا اكثر انهجاسا بصورة فوتوغرافية نُشرت على الصحفة الاولى من جريدة "دون" DAWN الباكستانية خلال مرحلة التحضير لعملية "حرية العراق".  اظهرت الصورة مجموعة من الفلسطينيات المبتسمات وهنَّ يمزقن ارنبا ابيض اربا اربا في اطار تدريباتهن للدفاع عن العراق والاسلام ، والدم يقطر من اياديهن بالمعنى الحرفي للكلمة (47).  ما يمكن للمرأة ان تحققه سيكون بناء اكثر بما لا يُقاس لو قُدِّر لعملية "الاجتهاد" ان ترى النور.

 

في هذه الأثناء هناك فئة اخرى في موقع يتيح لها ان تؤكد الامكانات المتاحة لاصلاح الاسلام:  انها المسلمون في الغرب.  فنحن لدينا ترف التمتع بالحريات المدنية وخاصة حرية التعبير ، لتغيير الميول القَبَلية.  فهل نستخدم الرافعة التي تمثلها هذه الحرية؟  هل يتحدانا ما يكفي من غير المسلمين ان نفعل ذلك؟ 

 

هوامش الفصل السابع

    1 ـ Zainab Salbi, “Oprah,” October 7, 2002  ويمكن الاطلاع على المنظمة التي تنتمي اليها صلبي  Women for Women International  في الموقع www.womenforwomen.org  

2 ـ Eric Boehlert, “The Arab baby boom,” www.salon.com, October 18, 2001.

3 ـ United Nations Arab Human Development Report 2002 (New York: UNDP/RBAS, 2002), p. 37.

تقرير التنمية البشرية في العالم العربي الصادر عن الامم المتحدة عام 2002.

4 ـ المصدر السابق The Arab World: Let the Numbers Speak, p.3

5 ـ Peter Stalker, The Non-Nonsense Guide to International Migration (Toronto: Between the Lines, 2001), p. 3.

6 ـ Maggie Black, The Non-Nonsense Guide to International Development (Toronto: Between the Lines, 2002), p. 66.

7 ـ المصدر السابق Maggie Black, p. 65

8 ـ رغم ان طارق علي ماركسي فهو يقر في عمله "صدام الاصوليات"

The Clash of Fundamentalisms  بأن [الاسلام] "منذ البداية اعتبر التجارة المهنة الشريفة الوحيدة" ( ص 29 ).  والحق ان القرآن نفسه يقدس التجارة عمليا بالآية القائلة:  "يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا انفسكم إن الله كان بكم رحيما" ( 4: 28 ).

9 ـ Bill Clinton, “The Struggle for the Soul of the 21st Century,” New Perspectives Quarterly, Spring 2002.

www.digitalnpq.orgDownload at

 10 ـ للاطلاع على مزيد من المعلومات انظر

Herman de Soto, The Mystery of Capital: Why Capitalism Triumphs in the West and Fails Everywhere Else (New York: Basic Books, 2000)

11 ـ حديث مع بيتر شايفر Peter Schaefer المدير التنفيذي لمعهد الحرية والديمقراطية Institute for Liberty and Democracy (مكتب واشنطن) ، 12 فبراير (شباط) 2003. 

12 ـ Elaine Kamarck, “Freedom through Islam,” Toronto Star, February 15, 2002.           

 

   13 ـ سورة النساء الآية 128.

  14 ـ Richard Haass, “Towards Greater Democracy in the Muslim World” (Speech to the Council on Foreign Relations, Washington, D. C.), December 4, 2002, p. 6 of notes.

15 ـ www.wluml.org

found under “Part One: The Context of our Struggle”

 

16 ـ تلفزيون المنار www.manartv.com.  انقر على “Programs”   ثم على “Perspective”

17 ـ  David Hoffman, “Beyond Public Diplomacy,” Foreign Affairs, March-April 2002, Volume 81, Issue 2, p. 5 of online version.

18 ـ Dr. Ayesha Imam on “Metro Morning,” CBC Radio (Toronto), December 3, 2002.

19 ـ Riffat Hassan  رفعت حسن كما تنقل عنها الين كامارك

Elaine Kamarck, “Freedom through Islam,” Toronto Star, February 15, 2002/

20 ـ في تركيا شكت مسلمات لمنعهن من دخول قاعات الدرس في الجامعة وحتى من دخول البرلمان بسبب اختيارهن التحجب.  للاطلاع على مزيد من المعلومات انظر

Julie Salamon, “Seeking a Global Faith in the details,” New York Times, May 9, 2002.

21 ـ نقلتُ هذه الترجمة من عمل البير حوراني

Albert Hourani, A History of the Arab Peoples (New York: Warner Books, 1991), p. 17.

اقرأ مذكرتي المزيفة الى عرفات كاملة.

22 ـ محمد المصري ( رئيس المؤتمر الاسلامي الكندي)

“Another Leaf,” Globe and Mail letters, February 6, 2002.

23 ـ Sheila Dropkin, “Wake Up Arafat,” Globre and Mail letters, February 7, 2002.                                    

24 ـ مقابلة مع الحاخام ديفيد هارتمان ، القدس ، 9 يوليو/تموز 2002.

25 ـ Edgar M. Bronfman, “The Boos: A Mideast Moment,” New York Times letters, May 14, 2002.

26 ـ Rabbi Jonathan Sacks, The Dignity of Difference: How to Avoid the Clash of Civilzations (London, New York: Continuum, 2002), p. 59

 

قد يحتفي ساكس بالاختلاف أكثر من غالبية الزعماء اليهود الارثوذكسيين الآخرين ولكنه ليس وحده الذي يقبل بالاختلاف.  فان رئيس بلدية القدس اوري لوبوليانسكي ، وهو يهودي ارثوذكسي متطرف ، رفع شعار "عش ودع غيرك يعيش".  وقد فاز لوبوليانسكي.  وكان رئيس البلدية لوبوليانسكي عند كلمته عندما دافع عن مهرجان المثليين والسحاقيات الذي اقيم في القدس عام 2003.  وقام بتذكير المحتجين المحافظين ان "لكل مهرجانه" مضيفا ، "أنا نفسي سأخرج للمشاركة في مهرجان آخر".  وهذا من حقه تماما.  انظر تقرير صحيفة تورنتو ستار  في 21 يونيو/حزيران 2003:

Mitch Potter, “Cavalcade of rainbow flags raises tension in Jerusalem,”, Toronto Star, June 21, 2003.

27 ـ الحاخام جونثان ساكس Jonathan Sacks مصدر سابق ، ص 60.

28 ـ هذا ما نقله لي طارق فتاح ، الذي كان مندوبا عن مدينة تورنتو في مؤتمر كوالالمبور.

29 ـ Lily Galili, “Liberal Islam in Asiatic dress,” Ha’arzdaily.com February 23, 2003.

30 ـ Fareed Zakaria, The Future of Freedom: Illiberal Democracy at Home and Abroad (New York: w. w. Norton, 2003), p. 136.

31 ـ “MEMRI Special Report – Arab Antisemitism,” No. 9, November 1, 2002.

طلبتُ من خبير في اللغة العربية الفصحى ان يدقق مرتين في الترجمة التي نشرها هذا المطبوع MEMRI ومقارنتها بالأصل. 

كما لاحظ المطبوع اياه انه في "مارس/آذار 2003 اصدر معهد البحوث الاسلامية في جامعة الأزهر توصية بعدم وصف اليهود بـ"القرود والخنازير".  وكان الاجتماع الذي أُعدَّت التوصية فيه برئاسة اكبر مرجع ديني في الاسلام السني ، شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي".  ولكن لاحظوا ان هذه لم تكن إلا توصية ضد استخدام هذه النعوت ـ وليست قرارا ضدها.  أين الفتاوى عندما نحتاجها؟  للاطلاع على المزيد انظر:

Yigal Carmon, “Harbingers of Change in the Antisemitic Discourse in the Arab World,” MEMRI Inquiry and Analysis Series – No. 135. Download at www.memri.org

32 ـ MEMRI Special Dispatches Series No. 59, November 19, 1999.

طلبتُ من خبير بالعربية الفصحى تدقيق ترجمة MEMRI وقارنتها مع الأصل.

33 ـ MEMRI Special Report- No. 2, February 8, 1998

34 ـ بعثت بأول مراسلاتي بالبريد الالكتروني الى المنتدى في 22 فبراير/شباط 2003 وكانت مراسلتي الثانية ، التي ما زالت بلا رد ، في 24 فبراير/شباط.

في تلك المراسلة الالكترونية اليكم ما كتبته الى سدني شبتون Sidney Shipton

منسق منتدى الديانات الثلاث:  "لا بد أن اعترف بما اعتراني من إرباك لكون اسم الشيخ طنطاوي أحد الرعاة.  فاستنادا الى معهد الابحاث الاعلامية في الشرق الاوسط ، يطلق الشيخ تعليقات تحريضية جدا ضد اليهود (وليس فقط ضد اسرائيل) منذ عدة سنوات ـ خلال عملية السلام [عملية اوسلو] وبعدها.  وفي عهد قريب هو ابريل/نيسان الماضي [عام 2002] نُقل عنه ان اليهود "اعداء الله ، وابناء الخنازير والقرود".  ونظرا لطبيعة العمل الذي ينهض به منتدى الديانات الثلاث ، استاءل لماذا يقبل المنتدى ان يكون احد له مثل هذه الآراء من رعاته؟  إني اتساءل بروح الانفتاح واتطلع الى ردكم".  وهو رد لم يصلني حتى الآن. 

35 ـ موقع المنتدى الابراهيمي للشرق الاوسط ، 11 سبتمبر/ايلول 2002

Middle East Abrahamic Forum [ ندعوكم للاطلاع على الموقع ].

36 ـ في الحقيقة كثيرا ما أُشير الى الموجة العارمة من مستخدمي شبكة الانترنت لفتح مواقع يسجلون فيها افكارهم وآراءهم بوصفها سبب النفوذ المتزايد الذي تحققه الاحتجاجات الطلابية المطالبة بالديمقراطية.

37 ـ Martin Luther King Jr. “Letter from Birmingham Jail,” April 16, 1963.  Download at www.nobelprizes.com  

38 ـ للاطلاع على المزيد حول هذا الموضوع انظر

Anthony W. Marx, Faith in Nation: Exclusionary Origins of Nationalism (ondon and New York:  Oxford University Press, 2003).  A good primer is provided by Alexander Stille, “Historians Trace an Unholy Alliance:  Religion and Nationalism,” New York Times, May 31, 2003.

 

39 ـ Charles Jacobs, “Why Israel and not Sudan, is singled out,” Boston Globe, October 5, 2002.

 40 ـ  رجل الدين المقصود هو عبد الله الفيصل.

41 ـ Michel Houellebecq, Lire, September 2001, p. 4 of online transcript.  Download at www.lire.fr.

42 ـ Oriana Fallaci, The Rage and the Pride (New York:  Rizzoli, 2001), p. 137.

43 ـ ليونيل جوسبان ( كلمة القاها في مركز السياسة الخارجية ) ، لندن ، 23يوليو/تموز 1998.

44 ـ “Women Key to Effective Development,” World Bank issues press backgrounder, December 6, 2001.

انظر ايضا Engendering Development 2001, World Bank Research report.

45 ـPeter Stalker, The No-nonsense Guide to International Migration, p. 50.

46 ـ يتفق مؤلفو تقرير الامم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي مع هذا الرأي.  وفي الفصل المتعلق بالحاكمية العربية وتنظيم المواطنين قواهم للتفاوض يقول مؤلفو التقرير "ان حكومات عديدة كانت في السابق توفر فرص عمل مضمونة ودعومات وغيرها من الحوافز الاخرى.  اما اليوم فان الضغوط الاقتصادية حدَّت من قدرتها على تقديم مثل هذه الاعانات ، وان الحكومات تحتاج بصورة متزايدة الى الاعتماد على عائدات الضرائب للقيام بوظائفها ، وهذا يعطي للمواطنين قوة أكبر من اجل التفاوض ليكون لهم صوت اكبر في الحكم".

47 ـ DAWN, December 21, 2002 [View the photo]