الفصل الخامس

مَنْ يخون مَنْ

 

ثمة نكتة يتناقلها الفلسطينيون تذهب الى ان عرفات يموت شهيدا وينتقل الى الجنة.  وهناك يجد حشدا من الشهداء مثله يتجمعون على باب الجنة في لهفة للمطالبة بما وُعدوا به من عذراوات ونبيذ.  ولكن الملائكة منعتهم من الدخول. 

 

وعندما يرى الجمع الساخط عرفات يتنفسون الصعداء ويأخذون في طمأنة بعضهم بعضا قائلين ، "ها هو رئيسنا وسيتدخل لحل الإشكال".

 

عرفات يسأل مرتبكا ، "لماذا لستم في الداخل؟".  فيخبره فتيانه ، "ان اسماءنا ليست على القائمة.  وليس لديهم شيء اسمه فلسطينيون".   فيتوجه عرفات نحو الشباك ويقدم نفسه الى الملاك الذي يعمل كاتبا هناك على انه قائد الشعب الفلسطيني. 

 

يتساءل الملاك الاداري ، "مَنْ؟"

 

يزمجر عرفات ، "الشعب الفلسطيني!"

 

يُقلِّب الملاك الكاتب قائمة المؤهلين لدخول الجنة ثم يهز كتفه معبرا عن الأسف.  يطالب عرفات بمقابلة الله.  يعود الملاك الى الداخل لإبلاغ الله ان أحدا على الباب يصرخ انه وشعبه شهداء ويريدون حقهم بمكان في الجنة.  ويضيف الملاك ، لكنهم ليسوا على القائمة".

 

يسأل الله ، "أمتأكد أنت؟".

 

يُجيب الموظف البيروقراطي الملائكي ، "لا أعرف كم مرة دققتُ". 

 

يُفكر الله مليا ثم يتوصل الى قرار.  "لماذا لا تطلب من الملاك جبرائيل ان يُقيم لهم مخيما حتى نجد حلا مناسبا لهم" (1). 

 

وهنا تأتي الضربة التي يُفترَض أن تثير الضحك.  فالفلسطينيون لاجئون دائمون ، في السماء كما في الأرض.

 

هذه النكتة تعبر عن شعور الفلسطينيين المرير بأن لا أحد يريدهم ، ولا حتى "الأمة" العربية المجيدة.  بل يمكن القول ان الفلسطينيين هم يهود العالم العربي. 

 

نشأت الحركة التي عملت من اجل اقامة دولة اسرائيل ، الحركة الصهيوينة ، في اوروبا في اواخر القرن التاسع عشر.  فقد ادرك الصهاينة ان اللاسامية لن تختفي وانها قد تزداد تفاقما.  وحذروا من ان اليهود بحاجة الى وطن قومي ، وان اليهود يحتاجون الى هذا الوطن لا في القطب الجنوبي ولا في اوغندا ، وانما رقعة في الشرق الأدنى وعلى أرض يمكن ان ينسبوا اليها أول جذورهم وأعمقها وأكثرها رسوخا ـ الأرض التي سمَّاها العرب في وقت متأخر "فلسطين". 

 

ثمة جدل محتدم حول ما إذا كانت ثمة آصرة تاريخية تربط اليهود بفلسطين ، وبالتالي ما إذا كان يحق لهم أن يعتبروا أيا منها وطنا لهم.  أنا اعتقد أن من حقهم ذلك.  فأولا ، تفيد دراسة للحامض النووي اجراها فريق دولي من الباحثين ونُشرت في مجلة أكاديمية العلوم الوطنية

 Proceedings of the National Academy of Sciences أن اليهود والعرب يشتركون بجد واحد على الأقل ـ كونهم من "أصل شرق اوسطي واحد" ، على حد تعبير الدراسة (2). 

 

التقليد الإسلامي يتفق مع هذا الاستنتاج ، وهو يذهب الى ان اسماعيل ، أب الأمة العربية ، واسحاق ، أب الأمة اليهودية ، كانا أخوين غير شقيقين من أبناء ابراهيم.  ويُذكر ان محمدا ينحدر من سلالة اسماعيل في حين ان موسى وعيسى ينحدران من سلالة اسحاق في العائلة نفسها.  وكلهم ينتسبون بصلة قربى الى ابراهيم.  "وقلنا من بعده لبني اسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا" (3).  أكره أن اكون انتقائية ولكن إغفال ذكر هذه الآية سيكون انتقائيا هو الآخر. 

 

أخيرا ، لنعد الى الحركة الصهيونية.  فعندما وصل اليهود الأوروبيون الى فلسطين اكتشفوا ان عددا قليلا من أبناء ديانتهم يعيشون في ما هو اليوم "الضفة الغربية".  متى وصل اليهود الى هناك؟  أليس من الجائز أن اليهود كانوا دائما هناك؟  يجنح المستوطنون حديثو العهد في الضفة الغربية الى إثارة استنكار بالغ من موقفهم ، يستحقونه في غالب الأحيان بسبب مستوطناتهم غير المشروعة.  ولكن ثمة وطنا في مكان ما هنا ، والنواح الزاعق بأن اليهود مغتصبون غرباء لفلسطين ينطلق من جهل لا يقل جهلا عن الهذر الصاخب بأن لا مكان للعرب في اسرائيل.

 

إذاً ، كيف اصبح الفلسطينيون لاجئين منبوذين حتى داخل العالم العربي؟  من خلال ويلات الحرب ـ نزاع أشعلته البلدان العربية التي لم تتمكن من استساغة وجود اسرائيل بينها.  فبعد يوم واحد فقط على اعلان دولة اسرائيل في عام 1948 غزت خمسة جيوش عربية اسرائيل ، وصارت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين مشكلة خطيرة.  في بعض المدن عمد القادة العسكريون الاسرائيليون الى تشريد السكان العرب مدفوعين باستراتيجية مثيرة للجدل تحت اسم "خطة داليت" Dalet Plan .  ولم يعد بامكان اسرائيل أن تنكر ما أنزلته من مآس بحق الفلسطينيين.  ولكن في مدن اخرى وُجهت دعوات الى العرب للبقاء ـ وكثير منهم بقوا ليقبلوا بنيل الجنسية الاسرائيلية.  فلسطينيون أكثر بكثير اختاروا الرحيل ، متوقعين بكل ثقة أن يعودوا بعد رمي اليهود في البحر. 

 

هؤلاء اللاجئون نزحوا ليس بأمر من الاسرائيليين وإنما من العرب.  وهذا ما قاله خالد العظم ، رئيس الوزراء السوري خلال تلك الحرب.  ففي مذكراته التي نُشرت عام 1973 كتاب العظم حول دعوة الحكومات العربية لسكان فلسطين الجلاء عنها والرحيل الى البلدان العربية المجاورة بعد زرع الخوف في نفوسهم..."ومنذ عام 1948 نطالب بعودة اللاجئن الى ديارهم لكننها نحن الذين شجعناهم على النزوح" (4).  وما يثير أسى العظم ان "هذا النزوح الجماعي ساعد اليهود الذين تعزز موقعهم دون أن يبذلوا أي مجهود".  أين هذا من تحميل اسرائيل المسؤولية الكاملة عن أزمة اللاجئين الفلسطينيين. 

 

الأُمم المتحدة ايضا اسهمت في الأزمة.  فهي اليوم تعتبر 3.5 مليون فلسطيني لاجئين رغم انها تستخدم تعريفا لا يُطبَّق على أي شعب نازح آخر.  فإن التعريف لا يسري على اللاجئين الأصليين الذين كان عددهم نحو 700 الف لاجئ فحسب بل يشمل أطفالهم واحفادهم ايضا.  ويعيش ثلث اللاجئين في "مخيمات" مدينية تحيطها عمارات شاهقة جديدة وحقول رحبة وفيلات فلسطينية خاصة. 

 

وضع محزن ولا داعي له.  فان مئات الوف اليهود وجدوا أنفسهم مطرودين من البلاد العربية بحلول خمسينات القرن الماضي ولكنهم لم يرزحوا في بالوعات للاجئين بل استوعبتهم اسرائيل ودمجت غالبيتهم العظمى في محيطها.  وعلى هذا الصعيد منحت اسرائيل الجنسية لنحو 100 الف فلسطيني في اطار مجهود للم شمل العائلات.  فماذا فعلت الحكومات العربية عموما للفلسطينيين؟  انها خذلتهم أو فعلت ما هو أسوأ.

 

بعد حرب الخليج عام 1991 أبعدت الكويت ما لا يقل عن 300 الف فلسطيني من أراضيها ردا على دعم ياسر عرفات لغزو صدام حسين.  وغالبية المبعدين "لم يعرفوا قط فلسطين أو أي بلد آخر غير الكويت" ، كما يقول كنعان مكية ، مؤلف كتاب "القسوة والصمت" في العالم العربي.  وهو يقول ان "مجموعات شبه رسمية من المدنيين الذين أخذوا تطبيق القانون بيدهم" في الكويت ، قامت الى جانب طرد ابرياء ، بشن حملة "اعتقالات اعتباطية" ضد فلسطينيين آخرين.  وإن هؤلاء "إذا "لم يختفوا" فلأنهم حُصدوا بالرصاص علنا أو تعرضوا الى التعذيب والقتل" (5). 

 

هاكم مقياسا آخر لنفاق العرب.  فعلى امتداد سنوات كانت الكويت تتبرع لوكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن رعاية اللاجئين الفلسطينيين أقل مما تتبرع به اسرائيل.  والعربية السعودية ايضا كانت تنفق عليهم أقل مما تنفق اسرائيل حتى أخذت عائدات النفط بالتدفق.  واليوم؟  رغم خزائنها العامرة بالمال والمساحات الشاسعة من الأراضي الفائضة يرفض السعوديون منح الجنسية الى أي من الفلسطينيين.  ولكنهم يبثون برامج تلفزيونية ماراثونية لجمع التبرعات بالملايين من اجل تمويل عمليات التفجير التي ينفذها انتحاريون.  كما انهم يكافئون عائلة مَنْ ينجح في تنفيذ عملية تفجير برحلة الى مكة ،  يتحملون تكاليفها كاملة. 

 

وفي البلدان المجاورة مثل لبنان وسوريا والعراق تتصرف الحكومات وكأن توطين الفلسطينيين ليس من شأنه إلا الإخلال بالتعايش الهش بين المسلمين الشيعة والسنة.  وفي حالة العراق كان "التعايش" يعني حكم الأقلية السنية على الغالبية الشيعية.  فلماذا المغامرة بترويج هذه الحقيقة من خلال منح الجنسية لغرباء مهما بلغت عروبتهم؟  وعلى غرار اعدائه الألداء من آل سعود ابدى صدام حرصه من خلال التكفل بمعيشة عائلات منفذي التفجيرات.  ( العم الكبير ، كما يُحب أن يُدعى ، بادر الى التسريع بإيصال المبالغ المدفوعة في الاسبوع الذي سبق حرب ربيع 2003 في العراق ).  ولبنان حتى أقل اكتراثا ، فإن قوانينه في الحقيقة تمنع غالبية اللاجئين الفلسطينيين من العمل ساعات كاملة أو شراء ارض أو رفع مستوياتهم ليكونوا مهنيين.  ويدبر الفلسطينيون أمورهم بمزاولة اعمال طارئة أو مؤقتة (6).

 

والحق ان البلد العربي المسلم الوحيد الذي منح جنسيته لفلسطينيين هو الاردن ، وهذا لأن غالبية الاردنيين هم عرقيا فلسطينيون. 

 

نستطيع ان نكيل الشتائم على "الامبرياليين" بسبب محنة الفلسطينيين ولكن الحقيقة ان لدى المسلمين امبريالييهم الذين ينبغي ان توجه اليه اصابع الاتهام.  قد تقولون ليس بقدر مساوٍ ، وأنا أقول ربما بقدر أكبر.  وتحليل كيف بدأت دراما الشرق الأوسط اصلا انما هو درس في الطريق التي لجأ اليها المسلمون لطعن بعضهم بعضا على امتداد عقود من الزمان.  وما أنا بصدد طرحه ليس تاريخا شاملا بل فرز حقائق ضاعت في غمرة الاستقطاب الحالي. 

 

في اوائل القرن العشرين ، كما نعتقد بما يريحنا ، جاء الصهاينة وطردوا الفلسطينيين بقوة السلاح.  وكما قلتُ فان كثيرا من العرب تعرضوا حقا الى التشريد.  ولكن التوجيهات بالجلاء لم تكن دائما صادرة عن اليهود.  إذ كان العثمانيون ـ وهم مسلمون اتراك ـ حكام الامبراطورية التي كانت تسيطر على فلسطين وقتذاك.  وعلى الضد من مصالح الفلاحين العرب المستأجرين تبرع العثمانيون ببيع الأراضي الى الصهاينة الاوائل.  نعم ، ان مسلمين فعلوا ذلك ، وكانوا واعين بما يفعلون.  وفي عام 1911 بعثت 150 شخصية عربية بارزة ببرقية الى البرلمان التركي للاحتجاج على استمرار عمليات بيع الاراضي.  وقد تم تجاهل برقيتهم (7). 

 

خلال الحرب العالمية الاولى قدم العرب مساعدتهم لبريطانيا ضد العثمانيين بشرط ان تعود فلسطين كلها الى العرب بعد الحرب.  ويبدو ان السير هنري ماكوهان ، المندوب السامي البريطاني لدى مصر والسودان ، اعتبر ذلك صفقة في سلسلة من الرسائل الخاصة عام 1915.  ولكن في وعد بلفور عام 1917 فسخت بريطانيا حلفها المفتَرَض مع العرب واعلنت لندن تخصيص قسم من فلسطين لليهود الذين كانوا يواجهون اعتداءات لئيمة بصورة متزايدة في اوروبا.  وهكذا فان الأرض الموعودة غدت "الأرض الموعودة مرتين".  ومنذ ذلك الحين والمسلمون يلعنون المستعمرين الغربيين الذين غدروا بهم. 

 

ولكن مرة اخرى ، اقول اننا تخلفنا عن التكفير عن آثامنا نحن في عام 1915.  فقد شهد ذلك العام ذروة جريمة الابادة التي ارتكبها العثمانيون المسلمون ضد المسيحيين الأرمن (8).  وقام سفراء الله في الأرض بتغييب أكثر من مليون مسيحي عن طريق التهجير والتجويع وحمامات الدم.  لماذا لا أسمع كثيرين منا يدعون الأتراك الى تعويض الضحايا؟  ينبغي ان نغضب ، لا سيما وأن الأرمن لا يريدون استعادة أي شيء من ممتلكاتهم بل مجرد الاعتذار منهم.  هل المسلمون منهمكون في التشبث بسمو قضية المغدورين منهم بحيث لا نرى كيف اننا نغدر بالآخرين؟  

 

نحن المسلمين لسنا الوحيدين الذين تعيَّن عليهم القبول بالأقل من القوى الاستعمارية.   فاليهود ايضا كانوا ضحية خيانات.  كان ذلك في عام 1921.  ومن الأرض التي حددتها بريطانيا لتكون وطن اليهود القومي ذهب نحو اربعة اخماس للعرب من اجل اقامة ما سيغدو الاردن.  وبعد عامين فقط تنازلت بريطانيا عن مزيد من الاراضي المخصصة لليهود ، هذه المرة الى سوريا.  ولكن حينذاك ، كما الآن ، كانت التنازلات المفروضة على اليهود لا تعني شيئا للقادة المسلمين. 

 

هل تعرفون اسم الحاج امين الحسيني؟  ينبغي ان نعرفوه.  فقد اصبح مفتي القدس في عام 1921 ورئيس المجلس الاسلامي الأعلى في عام 1922.  ورغم انتخاب الحاج امين لرئاسة المجلس حسب الاصول فان انتخابات لم تُجر قط خلال رئاسته التي استمرت 15 عاما.  ومن خلال تصميمه الثابت على تخليص فلسطين من اليهود كشف المفتي ان لا كوابح اخلاقية لديه إزاء التخويل بقتل العرب.  فالذين يعترضون طريقه كانوا يعترضون طريق الله.  ومع تصاعد الخطر النازي في اوروبا تعاظمت هجرة اليهود ـ وتعاظم معها طغيان الحاج امين.  ولاحظ تقرير لجنة بيل the Peel Commission  التي شكلتها الحكومة البريطانية حول الاضطرابات المدنية في فلسطين عام 1937 ، "ان يُشتبه عربي في ضعف التزامه بالقضية القومية فان ذلك يعني زيارته من قبل مجموعة من المسلحين".  واضاف التقرير ان "عددا من العرب طلبوا حماية الحكومة [ البريطانية ]" (9).  وعليه فان تحميل اليهود مسؤولية "الارهاب الداخلي" الذي كان العرب يمارسونه سيكون اكذوبة اخرى.

 

ما حدث تاليا جزء من التاريخ نادرا ما نسمعه يُذكر هذه الأيام.  ففي عام 1939 إذ كانت بريطانيا منهكةً بالاضطرابات المتزايدة في الشرق الأوسط ومهتمةً بالتركيز على هزم هتلر ، قدَّمت الى الفلسطينيين خطة لاقامة دولة كاملة (10).  وكانت بنود الخطة:  أن يعيش العرب واليهود في كيان سياسي واحد يكون تحت السيطرة الفلسطينية في غضون عشر سنوات.  في هذه الأثناء ، يجري خفض حاد في شراء اليهود للاراضي وفي الهجرة اليهودية الى فلسطين.   وعند نيل الاستقلال يمكن للفلسطينيين ان يقرروا سياسة الهجرة التي يرتأونها. وهذا حكم ذاتي بكل المعايير.  قال ممثلو العرب ان ذلك ليس كافيا.  وإذ كان المفاوضون العرب خاضعين لتأثير مفتي القدس الذي رفضت بريطانيا التحادث معه مباشرة ، أرادوا التحرير في نصف الفترة الزمنية ، وإلا فان بامكان بريطانيا ان تشرب من ماء البحر. 

 

ولكن الناس البسطاء المساكين هم الذين دفعوا ثمن هذا التعنت.  ورجال المفتي في رفضهم المبادرة البريطانية لم يستشيروا قط مزارعي فلسطين وتجارها.  ويبدو ان عامة الشعب لم تكن موافقة على اجندة النخبة.  وبحسب تقرير صحيفة بريطانية في عام 1938 فان غالبية سكان القرى "لا يكنَّون تعاطفا كبيرا مع المتمردين العرب الذين يحاولون ان يوقفوا مد الهجرة اليهودية ويطالبون بحكومة عربية لفلسطين.  فهم لا يريدون سوى ان يُترَكوا لحالهم كي يزرعوا ويجنوا حصاد زرعم ، ويتزوجوا ويجدوا ما يسد أودهم في هذه الأوقات العصيبة لرعاية عائلاتهم" (11).   وبعدما أُفقِروا سياسيا على يد زعمائهم وجد الفلسطينيون انفسهم محرومين اقتصاديا كذلك.   ونشر ثمانية فدائيين فلسطينيين سابقين بيانا اتهموا فيه مفتي القدس باساءة استخدام "مبالغ لا تُقدر من المال الذي تم تسلمه من قوى خارجية.  وهذه تُعد بملايين الجنيهات ولكن هل يستطيع الحاج امين أن يشير الى جامع واحد أو مدرسة واحدة أو مستشفى واحد بناه خلال ولايته؟ هل بنى مأوى أو ملجأ أو مشروعا خيريا أو سبيلا يشرب منه المشردون المساكين" (12). 

 

لنكن صريحين عن غير ذلك مما حدث خلال سنوات النازية:  تواطؤ المسلمين مع الهولوكوست.  فان الحاج أمين ،  العالِم التقيّ نفسه الذي مارس مهاراته في الاغتيال على العرب ، ضغط على بريطانيا لإبعاد سفن محملة باللاجئين اليهود كانت متجهة الى فلسطين.  وقد غرق البعض في مياه البحر المتوسط وأُعيد البعض الآخر الى غرف الغاز والمحارق في اوروبا.  وظل المفتي سادرا فمنع اطفالا كرواتيين ـ الكثير منهم يتامى ـ من الوصول الى أرض القدس.  ولكن حساباته كانت مع ذلك تذهب الى ان الحد من نمو السكان اليهود لن يكون كافيا لضمان فلسطين عربية فور انتهاء الحرب.  ومن أجل ذلك كان المفتي يحتاج الى ان يكون معروفا وموثوقا وصاحب فضل عند معسكر المنتصر.  وإذ راهن وصلى من اجل انتصار هتلر قام الحاج امين بزيارة شخصية للفوهرر.  وأصبح شعر المفتي الأشقر وعيناه الزرقاوان مقياسا للمصداقية مطمئنا هتلر الى أن الحاج أمين ، بحسب كلمات هتلر نفسه ، "ربما كان يتحدر من أشرف نَسب روماني" (13) .  وانتهى المآل بالمفتي ضيفا خاصا على هتلر في برلين حيث برعايته أُزيح الستار عن المعهد المركزي الاسلامي في ديسمبير ( كانون الأول ) عام 1942. 

 

كما قام الحاج امين بجولات على البلقان لتجنيد متطوعين مسلمين في المجهود الحربي لدول المحور.  ولم يرفض بعض المسلمين البوسنيين مغازلاته لهم فحسب بل نشطوا في اخفاء يهود داخل بيوتهم.  ( عندما قامت اسرائيل بتكريم عائلة بوسنية من هؤلاء في ستينات القرن الماضي باحتفال في القدس قرر افراد العائلة البقاء واكتساب الجنسية الاسرائيلية ) (14).  وضحى مسلمون آخرون من الهند وآسيا الوسطى ، ومن فلسطين ، نعم فلسطين ، بحياتهم لخدمة قضية الحلفاء.  ولكن قبل أن نعلن بصوابية ان الهولوكوست حدثت في اوروبا المسيحية دعونا نمعن النظر في المرآة.  فان الكثير من المسلمين ربطوا مستقبلهم بهتلر.  وفي عام 1943 القى الحاج أمين كلمة في رجال الأس أس البوسنيين مؤكدا لهم ان الاسلام والنازية يشتركان في الالتزام بالنظام الاجتماعي ومؤسسة العائلة والعمل المثابر والكفاح الدائم ـ لا سيما ضد الأميركيين والانجليز واليهود.  ومن عاصمة الرايخ راح الحاج أمين يبث الدعاية النازية الى العالم العربي.  وفي 1 مارس ( آذار ) 1944 كان فحيحه يُسمع في المذياع من راديو برلين وهو ينادي:  "اقتلوا اليهود اينما وجدتوهم.  ففي ذلك مرضاة لله والتاريخ والدين ، وحماية لشرفكم.  والله معكم" (15).  وتشير الرسائل الموجهة من مستمعين عرب الى دبلوماسيين المان في بغداد وبيروت الى ان رسالة المفتي كان لها تأثيرها. 

 

ورغم ان المفتي خسر رهانه على هتلر فقد أفلت من وصمة نعتِه بمجرم حرب.  وعندما اعتُقل في فرنسا بعد الحرب أفلح في الفرار من قبضة الحلفاء وتوجه في نهاية المطاف الى مصر.  ورحبت الجامعة العربية حديثة التأسيس بعودة الحاج أمين.  هل من الجائز ان تكون هذه الحفاوة البالغة قد شرعنت موقف المفتي الاوتوقراطي من الفلسطينيين؟  سؤال يستحق التوقف عنه.  فان مهندسا يُدعى عرفات ( كنيته الحقيقية وهي الحسيني ، تجعله محسوبا على عائلة الحاج امين ) سيتعلم فنون "القيادة" في وقت مبكر بما فيه الكفاية.  يا تُرى أين تلقى تدريبه في رفض السلام مع اليهود وممارسة الارهاب ضد شعبه وهدر الأموال المخصصة لتنميته؟ 

 

اننا بحاجة الى مراجعة صادقة على جبهة اخرى في فترة ما بعد الهولوكسوت:  لماذا ولِدت اسرائيل في النهاية لكن فلسطين ولِدت ميتة.  في عام 1947 اقترحت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين مقتطعة 45 في المائة من ارضها لإقامة دولة عربية و55 في المائة لدولة يهودية  على ان تكون القدس مدينة مشتركة بإشراف دولي.   والمسلمون عموما لا يكِّفون عن الشكوى من أن اليهود كانوا سيحصلون على أميال مربعة أكثر من نصيب العرب.  وأنا اعتقد اننا ابتعدنا أميالا عن الصدق بهذه الشكوى الضحلة.  فنحن نادرا ما نعترف بأن الدولة اليهودية المقتَرَحة على صحراء النقب في الغالب ، كانت ستُقتَطع من أقل الاراضي الفلسطينية خصوبة.  يضاف الى ذلك ان الدولة الفلسطينية المقترَحة كانت ستتباهى بغالبية عربية ساحقة من السكان ، الشيء الذي ما كان متاحا للدولة اليهودية التي كانت ستضم غالبية ضئيلة فقط من اليهود (16).  وأيا تكن تظلماتهم فقد كان اليهود قادرين على العيش مع "الآخر" وقبلوا بمشروع الامم المتحدة ، وبعد ستة اشهر اعلنوا الاستقلال. 

 

العرب لم يقبلوا ، فشنوا حربا على اسرائيل وخسروا حتى مزيدا من الأرض.  ولعل ما هو اسوأ للفلسطينيين الاعتياديين ان الأنظمة العربية المختلفة التي استحوذت على اراضيهم بعد تلك الحرب ، لم تفعل سوى تكريس غياب الديمقراطية الذي كان الحالة السائدة قبل الحرب.  هاكم ما يقوله الباحث المرموق برنارد لويس.  فهو يلاحظ  انه "بين 1949 و 1967 ادَّعت الجامعة العربية ، وخاصة الدول العربية التي تحتل اجزاء من فلسطين ، انها تتحدث باسم الفلسطينيين وكانت تثبِّط ـ واحيانا حتى تمنع ـ أي مشاركة فلسطينية نشيطة في العملية السياسية" (17).  مرة اخرى مَنْ يخون مَنْ؟

 

كلا ، لم أنس الحرب الباردة.  فإبتداء من اواخر الأربعينات حتى ستينات القرن الماضي حوَّل استراتيجيو القوى العظمة منطقة الشرق الأوسط الى مسرح دمى.  وعندي أن من اشد الأمثلة على الاستغلال خسة لم يكن من الولايات المتحدة وانما من الاتحاد السوفياتي:  كان جوزيف ستالين صدَّر اسلحة من تشيكوسلوفاكيا الى اسرائيل وساعد اليهود على الصمود بوجه الهجوم الأول الذي شنه العرب.  ولكن بعد فترة قصيرة على انتصار اسرائيل في عام 1948 انقلب ستالين على اسرائيل المتجهة نحو التحالف مع اميركا ، وأخذ يسلح العرب.  وكان الزعيم المصري جمال عبد الناصر هو الزبون المفضَّل. 

 

وخلال العقدين التاليين ظن العرب انهم وجدوا حفيد صلاح الدين ، القائد العسكري الذي صد بذكاء جحافل المسيحية خلال الحرب الصليبية على أرض القدس.  وقد ألهب الضابط المصري الذي صار رئيس الجمهورية ، وعيا جمعيا بين العرب في كل مكان بتحدي سند اسرائيل الرئيسي ، الولايات المتحدة. 

 

ان معاداة اميركا لا تعدل مناهضة الاستعمار.  وهذا ما أثبته عبد الناصر.  ففي عهده غالت مصر في استنشاق المخدر الايديولوجي السوفياتي مراهنة على الاشتراكية لتحقيق نهضة اقتصادية وثقافية.  وعلى سبيل المثال أمم عبد الناصر كبرى جامعات القاهرة ، الأزهر ، مكافئ جامعة هارفارد في تدريس علوم الدين والشريعة عند الاسلام السني.  وكان لهذه المحاولة الرامية الى التسريع بإشاعة العولمة مردود عكسي.   ويكتب جايلز كيبل Gilles Kepel في عمله "الجهاد: مسيرة الاسلام السياسي" Jihad: The Trail of Political Islam  "ان نظام عبد الناصر بربطه مؤسسة الأزهر بعد إصلاحها ربطا مباشرا للغاية بالدولة جردها من مصداقيتها.  ونشأ فراغ يمكن أن يملأه كل مَنْ عنده استعداد للتشكيك في الدولة ونقد الحكومات بإسم الاسلام" (18). 

 

وكان الفراغ على وشك ان يُملأ.  وإذ كان العرب مدججين بما لديهم من سلاح ومشحونين بما عندهم من كبرياء ، أُخِذوا بحلم الثأر من الاحتلال الصهيوني.  وبدلا من ذلك فان هامة جيل جديد تماما تكللت بالعار عندما انتصرت اسرائيل على مصر وحلفائها الاقليميين في حرب 1967.  وتُرجمت تلك المهانة الى ضياع القدس الذي لم يكن من قبل في تصور أحد ، وانهيار هوية ، ونهاية الاشتراكية العلمانية بوصفها مذهبا تعبويا. 

 

وإذ كان الأصوليون الدينيون ينظمون قواهم منذ عشرينات القرن الماضي فقد تقدموا لملء الفراغ بتوكيدات دعائية تعلن ان "الاسلام هو الحل".  ولم يكن لديهم شح في المستعمين اليهم ، أو الدولارات في غضون سنوات قليلة من ذلك.  وأوجد تدفق الثروات النفطية على دول مثل العربية السعودية التي تتبنى شكلا صفائيا وعقابيا من الاسلام ، مصادر تمويل لأشد المسلمين راديكالية.  ويقول الكاتب الليبرالي المصري جابر عصفور متأسيا ، "كان أملهم الكبير معقودا على ان التحول الى الاسلام المتزمت سيمدهم بالقوة لتحقيق النصر النهائي على الصهيونية واسرائيل" (19). 

 

لقد كرَّت السبحة لنعود معها الى فلسطين. وإذ تعاظم زخم الاسلام المتشدد عمد ياسر عرفات الى توظيف مفردات الدين وصوره لغايات سياسية.  وفي منتصف السبعينات استحضر مفردة "الشهيد"  من دون أي دلالة قرآنية.  وبعد خمسة وعشرين عاما فان شبانا فلسطينيين لا يفجِّرون انفسهم ومعهم مدنيين بإسم الله فحسب بل ويمازحون بعضهم بعضا عن مصير الشهداء المشكوك فيه الآن عند دخولهم الجنة.  إذ يقول البروفيسور العربي الاسرائيلي محمد ابو سمرة:  يتضح في بعض النكات ان الحوريات بلا جنس ، أو ان النبيذ بلا كحول".  وهذه النكات "تعبر عن نوع من عدم الثقة في ما يعد به الدين الاسلامي في الآخرة".  فالاسلام بيد اولئك الذين استخدموا الروحانية سيفا بتارا ، لم يكن حلا بالمرة.  ذلك ان الكتب المدرسية والبرامج والاحتجاجات الفلسطينية مشبعة بالحماسة الاسلامية ولكن كما يقول ابو سمرة في تلخيصه لمزاج الشارع الفلسطيني فان "كل شيء يبدو محكوما عليه بالفشل والفساد" (20).  وفي هذا اوجه شبه بما قالته الأميركية المسلمة في قبة الصخرة خلال حديثي معها. 

 

بعد شهرين على ذلك الحديث قامر وزير سابق في حكومة عرفات بأمنه من اجل نزاهته.  إذ كتب نبيل عَمرو نداء دعا فيه الى المراجعة في احدى الصحف الرسمية للسلطة الفلسطينية ( شهادة على جرأة رئيس التحرير في نشره ).  وقال عمرو مخاطبا عرفات ، "اننا يا سيادة الرئيس نستريح الى اختلاق الأعذار".  وفي تذكير بالرسالة المفتوحة التي وجهها فدائيون سابقون الى مفتي القدس قبل اكثر من خمسين عاما ، اتهم عمرو الرئيس الفلسطيني بهدر المساعدات الدولية والتفريط بإرادة العالم الخيرة فضلا عن تفويت الفرصة التي يوفرها المقترح المشروع بالتعايش مع اسرائيل.  ومن منظور مسؤول من داخل البيت الفلسطيني نفسه فضح عمرو "العقلية القَبَلية" للسياسيين الفلسطينيين مشيرا الى انهم رجال يتلفعون برداء الطقوس الديمقراطية لكنهم انانيون عراة تحت ثوبها الخارجي.  وفي الختام كتب عمرو "اننا ارتكبنا اخطاء فادحة بحق شعبنا وسلطتنا وحلمنا بالدولة.  وللتكفير عن هذه الأخطاء يجب ان نعترف بفشلنا اولا ثم نشرع فورا بالعمل.  ان شعبنا نبيل ويستحق منا الالتزام بالتفكير معه ومن اجل مصلحته.  فنحن لا نستطيع ان نترك مصير شعبنا نهبا للمصادفة وهي مصادفة قد تستغرق في النظام العالمي الجديد دهرا آخر من النضال دون ان تفتح بابا للأمل" (21). 

 

نجا نبيل عمرو من الرصاصات التي اطلقها على منزله زعران فلسطينيون.  ومنذ بيانه هذا انبرى بعض الفلسطينيين الآخرين لترديد افكاره علنا ، واقروا بأن اسرائيل ليست المسؤول الأول والأخير عن اضطهاد شعبهم.  فلماذا نحن في الغرب ننظر الى اسرائيل بصورة متزايدة على انها هي "الأفعى" ذات السم الزعاف؟

 

الناشطون من اجل فلسطين يعمدون الى تسخين الحرارة العاطفية لطروحاتهم.  انظروا الى شعبية الطرح الذي يقارن اسرائيل بنظام الفصل العنصري السابق في جنوب افريقا. 

 

قبل زيارتي لمدينة رام الله كنتُ ابحث عن معلومات حول شريط "وعود" Promises  ، وهو فيلم وثائقي رُشح لجائزة الاوسكار عن اطفال عرب ويهود يعيشون في القدس.  وعلى الرغم من تضلُّع هؤلاء الأطفال في الخطابية التناحرية فان بعضهم يغيِّرون نبرتهم بعد اللقاء فيما بينهم.  أحد المناضلين الفلسطينيين لم يتحمل مثل هذه المحبة ـ أو حقيقة ان اثنين من السينمائيين الثلاثة كانوا من اليهود الأميركيين.  فأرغى على موقع arabia.com قائلا ان الفيلم الوثائقي "دعاية يمارسها صهاينة من الجيل الثاني.  ولو أُنتج فيلم وثائقي في جنوب افريقيا لقياس حدة العواطف بين السود والبيض خلال حكم الابارتهايد ( الفصل العنصري ) لوَصَف قلة من الناس كلمات السود الغاضبة ضد البيض بأنها عنصرية سوداء" (22).  وكما تعرفون ففي رام الله سمعتُ الحديث يتطرق مرة اخرى الى جنوب افريقيا. 

 

بعد العودة الى تورنتو علمتُ ان مجموعة للتضامن مع فلسطين تستضيف اكاديميا من جنوب افريقيا للترويج بان اسرائيل دولة عنصرية على نطاق واسع في الجامعات الأميركية الشمالية (23).  وعندما تحدث هذا الأكاديمي في جامعة تورنتو ـ في قاعة رايكمان فاميلي ـ عقد مقارنة مع نظام الابارتهايد السابق لتبيان اوجه الشبه ، مثل منع اسرائيل للزيجات "المختلطة".  فالازواج من ديانات مختلفة ، أكانوا متزوجين أو غير متزوجين ، يستطيعون العيش معا في اسرائيل ، وحفل الزفاف الذي يُقام في شكل مراسم دينية ،  هو الذي لا يُسمَح به داخل البلد.  واكتشفتُ لاحقا أن ما لم يذكره الأكاديمي هو ان برلمانيا يهوديا تقدم مؤخرا بمشروع قانون لإجازة الزيجات العلمانية ـ وان النواب المسلمين تحالفوا مع اليهود الأرثوذكسيين والأرثوذكسيين المتطرفين لإجهاض مشروع القانون (24).

 

هل يكون بوسع نواب مسلمين عرب استخدام حق النقض ( الفيتو ) ضد أي شيء في دولة عنصرية؟  وهل سيكون للعرب الذين يشكلون نسبة 20 في المائة من السكان ،  حق الانتخاب إذا كانت العنصرية تجثم على صدورهم؟  هل ستمنح الدولة العنصرية حق التصويت للنساء والفقراء في الانتخابات المحلية ، وهو ما فعلته اسرائيل لأول مرة في تاريخ العرب الفلسطينيين؟  هل ستتوجه الغالبية العظمى من المواطنين الاسرائيليين العرب الى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم في انتخابات وطنية ، كما يفعلون عادة؟  هل يمكن لعدة احزاب سياسية عربية ان تمارس النشاط في دولة عنصرية ، كما تمارسه في اسرائيل؟  هل سيكون القضاء بعيدا عن التدخل السياسي؟  ففي الانتخابات الاسرائيلية عام 2003 جُرِّد حزبان عربيان من حق المشاركة لدعمهما الارهاب ضد الدولة العبرية دعما صريحا.  وقد الغت المحكمة العليا الاسرائيلية القرارين الصادرين بحظر مشاركة الحزبين في حكم مارست من خلاله استقلالها. 

 

هل ستمنح دولة عنصرية أكبر جوائزها الأدبية الى عربي؟  فإن اسرائيل كرَّمت اميل حبيبي في عام 1986 قبل اندلاع أي انتفاضة ربما كانت ستجعل مثل هذا الاختيار تكتيكا سياسيا ذكيا.  هل تشجع الدولة العنصرية تلاميذها الناطقين بالعبرية على تعلم العربية؟ هل ستُكتب علامات الطرق في عموم البلاد باللغتين؟  ( حتى كندا التي تعتز بكونها ناطقة بلغتين لا ترتقي الى هذا المستوى ).  هل تكون الدولة العنصرية موطن جامعات يختلط فيها العرب واليهود كما يشاؤون ، ويكون لديها عمارات سكنية يعيشون فيها بجوار بعضهم بعضا؟  هل توفر الدولة العنصرية رعاية واعانات اجتماعية وحماية قانونية للفلسطينيين الذين يعيشون خارج اسرائيل لكنهم يعملون داخل حدودها؟  هل يمكن لمنظمات حقوق انسان ان تمارس نشاطها علنا في دولة عنصرية؟  هذا ما تفعله هذه المنظمات في اسرائيل.  ومن هذه الناحية حتى المسؤولون العسكريون يجاهرون بانتقاداتهم لسياسات الحكومة.  ففي اكتوبر ( تشرين الأول ) عام 2003 صرح رئيس اركان قوات الدفاع الاسرائيلية للصحافة ان غلق الطرق في الضفة الغربية وقطاع غزة يُذكي غضب الفلسطينيين.  وبعد اسبوعين حمل اربعة رؤساء سابقين لجهاز الأمن الاسرائيلي "شن بيت" على الاحتلال داعين ارييل شارون الى سحب قواته من جانب واحد.  هل تطيق الدولة العنصرية مثل هذه المعارضة من جانب المكلفين بالدفاع عن الدولة؟

 

وفي المقام الأول ، هل تناقش وسائل الاعلام اللبنات الاساسية في بناء الأمة؟  هل يمكن لصحيفة عبرية ان تنشر في دولة عنصرية مقالة بقلم مواطن من عرب اسرائيل موضوعها لماذا "كانت المغامرة الصهيونية فشلا ذريعا"؟ (25)  هل يمكن نشر مثل هذه المقالة في عيد استقلال اسرائيل؟  هل تضمن الدولة العنصرية توافر الظروف لأوسع حرية تتمتع بها صحافة عربية في الشرق الأوسط ، صحافة حرة بحيث تستطيع اساءة استخدام حرياتها على نحو ظاهر وتستمر في الصدور؟  ( حتى هذا اليوم لم تتراجع صحيفة "القدس" الصادرة في القدس الشرقية عن نشر رسالة معادية لاسرائيل بقلم نلسون مانديلا على ما يُفتَرَض ولكن ثبت أن كاتبها عربي يعيش في هولندا ) (26).

 

حتى الملك غير المتوَّج للروح الوطنية الفلسطينية ، الراحل ادوارد سعيد قال بصراحة "ان اسرائيل ليست جنوب افريقيا..." (27) وكيف يمكن لها ان تكون وقد ترجم ناشر اسرائيلي عمل سعيد الريادي ، "الاستشراق" ، الى العبرية؟  وسأختم هذه النقطة بسؤال طرحه سعيد نفسه على العرب:  "لماذا لا نناضل نضالا أشد من أجل حرية الرأي في مجتمعاتنا ، وهي حرية غني عن القول انها نادرا ما تكون موجودة؟" (28)

 

أنا اختلف معه.  إذ لا غنى عن القول للبعض ان "الحريات" العربية لا تُقارن مع الحريات في اسرائيل.  ومَنْ يحتاج الى التذكير بذلك هم اولئك الذين يدفعون المقارنة مع جنوب افريقيا خطوة أبعد ـ مساوين اسرائيل بالمانيا النازية.  فعندهم يرتكب الصهاينة جرائم كراهية في ظل كابوس توتاليتاري يسمونه "النازية الصهيونية" Zio-Nazism  على غرار النازية الجديدة neo-Nazim .

 

ظهر اعداء النازية الصهيونية الالداء على المسرح الدولي لأول مرة في اغسطس ( آب ) 2001.  ففي منتديات عقدت في اطار التحضير لمؤتمر الامم المتحدة حول العنصرية في دربان بجنوب فريقيا ،  وزع اتحاد المحامين العرب رسوما كاريكاتيرية تصور الجنود الاسرائيليين في هيئة مصاصي الدماء واعلام نازية ترفوف على خوذهم (29).  وكان احد هؤلاء الجنود يقف حارسا على باب مكتب فلسطيني مغلق بألواح خشبية دُقَّت لتكون على شكل الصليب المعقوف.  وكان منشور آخر مؤيد للفلسطينيين طبع الصليب المعقوف على نجمة داود.  وأخبث الملصقات التي وُزعت في دربان يصوُّر هتلر وهو يتساءل ، "ماذا لو انتصرتُ؟" وذلك تحت عنوان "أشياء جيدة" ، ويظهر الفوهرر في هذا الملصق وهو يجيب ، "لما كانت هناك اسرائيل ولما سُفك الدم الفلسطيني.  ولكم ان تحزروا الباقي". 

 

كيف يمكن لأحد أن يدَّعي مكافحة النازية وهو يناصر هتلر؟  لكم ان تحزروا ما هو الجواب. 

 

اني اشعر بالاشمئزاز من حجم الالهام الزائد الذي يستمده هؤلاء المتولعون بفن التكتيك من هتلر.  وليس من قبيل المصادفة ان الجنود الاسرائيليين في الرسوم الكاريكاتيرية التي وزِّعت في مؤتمر دربان كان عندهم انياب تقطر دما.  فان كثرة من المثقفين والصحافيين والسياسيين المسلمين العرب يقولون لجمهورهم ان اليهود نازيون لأنهم يمتصون دم الاطفال غير اليهود لاداء طقوسهم الدينية(30).  وكانت هذه الفرية ذاتها ، المعروف بأنها تشهير باستخدام الدم ، من التهويشات المفضلة ضد اليهود في المطبوع النازي دير شتورمر Sturmer Der.  وبهذه الطريقة ايضا يقفز بعض الحاقدين على اسرائيل للنوم في سرير واحد مع هتلر.  وهم يحاكون النازيين لمعارضة ما يسمونه نازية.  اني بكل بساطة عاجزة عن الفهم. 

 

ويجري التهادن مع منطقهم الأفلج على اعلى المستويات الدبلوماسية.  فان شخصيبة لا تقل عن وزير الدفاع السوري نفسه تنشر كتبا وتنتج فيلما لتصوير اليهود على انهم مصاصو دماء ، وبالمناسبه انهم مصاصو دماء ليس بالمعنى المجازي بل مصاصو دماء بالمعنى الحرفي (31).  ولكن سوريا بدلا من ان يتعيَّن عليها أن توضح موقفها في المؤتمر العالمي للامم المتحدة ضد العنصرية ، انضمت الى عضوية لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة من 2001 الى 2003.  وهذا بالاضافة الى انتخابها عضوا دوريا في مجلس الامن الدولي ذي السمعة العالية.  هل انتم مستعدون لرصاصة الرحمة الآن؟  كانت اسرائيل البلد الوحيد في العالم الذي تعرض الى انتقادات في وثائق قُدمت الى المؤتمر الرسمي للامم المتحدة ضد العنصرية.  فلماذا هذا الانفصام الأخلاقي الصارخ؟

 

افتوني مأجورين!

 

في التحليل النهائي اعتقد ان الأمر يتعلق بكيفية تعريف الصهيونية.  فالصهيونية عند دعاتها تمثل عودة شعب مضطَهد تاريخيا ومتناقص ديموغرافيا الى وطنه (32).  ولكن الصهيونية عند خصومها عنصرية ـ ايديولوجيا يحتضنها يهود اوروبيون اثرياء استثمروا الافتراض القائل ان "شعب الله المختار" يستطيع ان يسرق اراضي الغير ويستوطنها من خلال قانون تمييزي اسمه "قانون العودة" (33).  ويسري القانون على صفة واحدة خاصة واستبعادية هي النَسَب اليهودي.  ومثلما كان الرايخ الثالث يتغنى بالنقاء العرقي للآريين فان اسرائيل قائمة لتكريس امتياز اليهود البيولوجي. 

 

لنعطِ كل ذي حق حقه.  فان ديفيد ماتاس David Matas ، المحامي الدولي الشهير في مجال حقوق الانسان ، يذهب الى ان من الغريب وضع الصهيونية والعنصرية في خانة واحدة.  وهو يذكِّرنا "ان اليهود ينتمون الى كل الألوان.  فهناك يهود سود ـ الفلاشا ـ نُقلوا جوا من اثيوبيا الى اسرائيل بموجب "قانون العودة" (34).  وهذا يدفعني الى التفكير في انه إذا كان الناشطون المؤيدون للفلسطينيين حريصين على الحد الأدنى من الدقة بدلا من الحماسة فان رسومهم الكاريكاتيرية ستعمل على أبلسة جنود اسرائيليين ذوي بشرة سمراء، بل وجنود سود.  لماذا يكون الأشرار كلهم من البيض ، ودائما؟  سؤالي يقود الى السؤال الأكبر الذي يطرحه ماتاس وهو هل يمكن وصم قانون العودة الذي يشمل كل الأعراق بـ"العنصرية" على اسس مشروعة؟  سؤال وجيه.  لكني ادرك ايضا ان جنديا يهوديا اثيوبيا في الثامنة عشرة من العمر يستطيع في اسرائيل ان يطلب من عربي في الستين ان يريه بطاقة هويته.  فهذا العربي وعائلته الذين حرثوا الأرض القدس منذ أجيال عليهم الآن ان يخنعوا امام صبي له في اسرائيل ثمانية اشهر.  استطيع أن افهم لماذا يشعر العربي بالمهانة.  فهو ايضا لديه قضية وجيهة.  أين يتركنا ذلك؟ 

 

حين يتعلق الأمر بالجنسية فان اسرائيل حقا تمارس التمييز.  ومثلما تميِّز سياسة العمل الايجابي ، تمنح اسرائيل الأفضلية الى غالبية محدَّدة لَحَقَ بها ظلم تاريخي.  وبهذا المعنى فان الدولة العبرية كيان يعتمد العمل الايجابي.  وينبغي على الليبراليين ان يرقصوا لذلك. 

 

هل يُعد عمل اسرائيل الايجابي نازية؟  ارحموني يا جماعة.  فأنا كمسلمة استطيع ان اصبح مواطنة اسرائيلية من دون اعتناق الديانة اليهودية ، وسيتحقق ذلك في اطار عملية التأقلم وليس بموجب قانون العودة ، لكنه سيتحقق.  فقد كانت اسرائيل واحدة من البلدان القليلة في العالم التي قدمت مأوى ثم منحت الجنسية للهاربين بالقوارب من الفيتناميين الذين طلبوا اللجوء السياسي في اواخر السبعينات.  وليس علي ان اتساءل كيف سيبدو سجل سوريا في هذا المجال.  والآن الى الدليل النهائي على التهمة الواهية بأن اسرائيل بؤرة للكراهية الهتلرية:  انها البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يهاجر اليه مسيحيون عرب بإرادتهم.  وهم يزدهرون ايضا مسجلين نسبة حضور اعلى بكثير في الجامعات من مواطني اسرائيل المسلمين العرب ويتمتعون عموما بصحة أحسن من اليهود أنفسهم (35). 

 

ان الأرض الموعودة مرتين ارض مريرة ومعقدة.  فان لدى اليهود الاسرائيليين صراعاتهم مع بعضهم بعضا ، ناهيكم عن المواجهات اليومية مع العرب.  ولا جدوى تُذكر في تحديد مَنْ يجسِّد المنكر أو المعروف.  السؤال الأجدى ربما كان مَنْ عنده استعداد لسماع ما لا يريد سماعه؟  أجد ان اسرائيل تضفي قدرا من الرحمة على "الاستعمار" أكبر مما اسبغه خصومها ذات يوم على "التحرير".  والدولة العبرية تعالج التوترات بصورة مكشوفة وهذا من سمات الديمقراطية الحق.  فهل يمكن رؤية ديمقراطية ذات معنى في أي دولة اسلامية اليوم؟

 

إذا لم تكن الامبريالية الاسرائيلية سدادة القمقم الذي يحوي ماردنا الديمقراطي فمن الجائز ان تقولوا لي ان الولايات المتحدة هي هذه السدادة.  أنسوا الاسلاميين الذين التَبَسَت عليهم الرؤية.  فان مسلمين اصلاحيين لا حصر لهم يعتبرون ان اميركا هي "المشكلة" .  وهذا استنتاج مريح لا سيما وان قوة الولايات المتحدة مرمى سهام من كل الاتجاهات.  ولكن تحت كل مظاهر الاستجهان والشعارات يكمن اعجاب اسلامي بـ.....أميركا.

 

لنعد الى اسرائيل لحظة.  صادفني مشهد سوريالي وأنا اتجول في سوق الحي الذي يسكنه المسلمون من القدس.  فقد كانت تتدلى فوق رأسي بألوان سوداء وبرتقالية تُعيد الى الأذهان عشية عيد القديسين (الهالاوين) ،  يافطتان تعلنان عن "مقهى الصخرة المقدسة".  ولم يترك العنوان مجالا للشك في السمعة التي يُفترَض أن يستحضرها اسم "الصخرة المقدسة" the Holy Rock  ، مستوحيا "مقهى الصخرة الصلدة" the Hard Rock Café في اميركا نفسها (36).  ذلك ان هذا المطعم الذي لا يمتاز إلا بغياب الشروط الصحية والزينة ، ليس فرعا من الأصل الشهير أو مرخصا له باستعمال اسمه ولكنه مع ذلك كان يحاكي ما في أميركا.  لديّ حدس بأن وكالة المخابرات المركزية ( سي آي أيه ) لم تكن هي التي حملت المطعم على ذلك. 

 

توماس فريدمان Thomas Friedman  معلق الشؤون الدولية في صحيقة نيويورك تايمز ، كانت له تجربة مماثلة في الدوحة بقطر.  فهو إذ كان يتجول في ما كان يأمل بأنه منطقة قَطَرية أصيلة ، استدار عند ركن الشارع "وفجأة ظهرت امامي كأنها بقعة هائلة على الأفق يافطة تعلن تاكو بيل Taco Bell".   والأنكى من ذلك ، بحسب ما يؤكد ، ان المحل "كان مزدحما!"(37)

 

أو لا تلحظون ما أرمي اليه؟  عندما يشجب المسلمون امبريالية الولايات المتحدة ، الله يعلم اننا لا نقصد دائما الامبريالية الثقافية.  والحقيقة ان غالبية المسلمين لو خُيِّروا بين احتضان الثقافة الشعبية الغربية أو رفضها ، لاختاروا احتضانها بكل سرور.  فالموسورون منهم يسجلون اطفالهم في مدارس بأميركا الشمالية واوروبا.  وهذا ما تناوله بكل صراحة معلق في صحيفة "دون" DAWN الاسبوعية الباكستانية عندما كتب: "انصتوا الى مثقف أو ملا أو سياسي مسلم فتسمعوا سلسلة من الشكاوى والانتقادات ضد آثام الغرب بما ارتكبه من ظلم واجحاف....ثم إسألوه أي جامعة يريد ان يتعلم فيها اطفاله ، وسيعدد ، إذا كان صادقا ، اسماء أكبر الجامعات الأميركية.  وإذا كانت له مكانته في بلده فانه لن يترك حجرا إلا وقلبه محاولا اقناع البعثة الأميركية بالتدخل لمنح ابنه مقعدا في كلية أو تأشيرة دراسة ، بل انه سيكذب من اجل الحصول على مساعدة مالية لإبنه باعلان افلاسه" (38). فلتسقط أميركا ـ ولكن ليس قبل ان يَتخرَّج ابني.  

 

ثم هناك تجارب وخبرات تتعدى مجال التعليم.  فان عدد العائلات المسلمة التي تقضي اجازاتها في الغرب يفوق بكثير عدد العائلات التي تستجم في العالم الاسلامي.  وقناة "الجزيرة" الفضائية تبث اعلانات اميركية لترويج العطور وتبتاع برامج من الأرشيفات الاميركية.  وعلى "مركز تلفزيون الشرق الاوسط" (ام بي سي) المنافس لقناة "الجزيرة" حطم برنامج "مَنْ يريد ان يربح المليون" ارقاما قياسية في عدد المشاهدين.  وفي الأيام التي سبقت الانترنت كان الصحافيون في المنطقة يتلهفون على قراءة الصحف الغربية للاطلاع على معالجات اخبارية مستقلة.  وكانوا يطمعون بوظائف يستطيعون من خلالها بلوغ مستويات مهنية عالية في العمل.  والأعمق مغزى ان الطريق الى "غار حراء" الذي نزل فيه الوحي على النبي محمد ، كما هو شائع ، مفروش بعلب البيبسي كولا (39). 

 

صوَّرت نورا كيفوركيان Nora Kevorkian ،  وهي صديقة انتجت الفيلم الوثائقي "ما تحت الحجاب" Veils Uncovered  ، الواقعة الآتية على شريط فيديو:  في احدى اسواق دمشق تبتاع نساء ملفعات بالعباءات السود ، ملابس داخلية تقرب من الخلاعة الاميركية.  فان احد السراويل التحتية النسوية ، الكهربائية ، يحمل نموذجا مضيئا "يغرد" للعصفور تويتي Tweety Bird ، الذي يظهر في سلسلة من افلام الكارتون.  وسروال تحتي نسوي آخر يقدم الأرنب باغز باني Bugs Bunny وهو يشير الينا بغنج قائلا "بوسوني" Kiss me .  وسروال تحتي ثالث يعزف لحن اغنية تتمنى للمستمعين ان يقضوا وقتا سعيدا بمناسبة عيد ميلاد المسيح

We Wish You a Merry Christmas ولكن البطاريات غير محسوبة ضمن سعر السروال المطرِب (40).  ويقول البائع بحماسة عن هذه البضاعة ، "الكل تشتري".  مَنْ يريد ان يربح مليونا؟  البائع يريد. 

 

بلغ هيام المسلمين بالثقافة الغربية مبلغا استحدث اقاويل عن وجود مؤامرة يهودية.  وفي الآونة الأخيرة شجب ملالي في شتى بقاع الشرق الأوسط "بوكيمون" Pokemon ( لعبة فيديو للاطفال ) بوصفها كلمة يابانية ترجمتها "أنا يهودي(41).  وعزا عالم دين سعودي "جنون الـ"بوكيمون" الى "مؤامرة يهودية تهدف الى اكراه اطفالنا على التخلي عن دينهم وقيمهم وإلهائهم عن أمور أهم مثل طلب العلم" (42).  لقد حُظرت بفتوى ايقونات الفسوق الصغيرة ـ وأنا لا اقصد بها الملالي. 

 

حان الوقت لإبراز القضية الأعمق.  فحقيقة ان الكثير من المسلمين يتطلعون الى النفوذ الأميركي توفر المفتاح الى فهم سبب غضبهم الشديد على واشنطن.  والمسألة ليست مسألة حسد بقدر ما هي صداقة مطلوبة من جانب واحد فقط.  فمن كل البضائع والخدمات التي تصدرها اميركا الى المجتمعات المسلمة تبقى البضاعة الأكبر  ، بل الخدمة الأكبر ـ الحرية ـ أقلها رواجا.  وسيهرش بعض الاميركيين رؤوسهم في حيرة متساءلين لماذا لا يُعترف لهم بالفضل في تحرير الكويت وحماية العربية السعودية من مخالب صدام حسين الكيمياوية في عام 1991.  السبب ان غالبية العرب يعتقدون ان الولايات المتحدة انقذت العائلات المالكة ولم تنقذ الشعوب.  ويكتب فريد زكريا ، رئيس تحرير نيوزويك انترناشنال

Newsweek International  "ان هناك فارقا كبيرا" بين الاثنين.  "فحتى في دول الخليج الغنية يلمس المرء مشاعر الاحباط والغضب بين السكان الذين مُنحوا شيئا من الثروة ولكن لم يُمنحوا صوتا ـ فهم حبيسو قفص من ذهب" (43). 

 

والقفص احيانا لا يكون مصنوعا من الذهب.  إذ تتحسر ربة بيت اسيرة بيتها قائلة في شريط "ما تحت الحجاب" ، "يعز عليَّ ان ارى العالم يعيش بحرية ، الشيء الذي لا نملكه.  لماذا تختلف حياتنا كل هذا الاختلاف عن حياتهم؟"  ثم تخلع عباءتها بتوجس ولكن بتصميم امام الكاميرا.  وقالت ، "من المهم ان يرى العالم كيف نعيش حياتنا". 

 

بلدها سوريا يتعامل مع الولايات المتحدة ـ التعامل الفظيع نفسه الذي تمارسه دول مسلمة اخرى.  فان واشنطن تتعاقد معهم على تعذيب المعتقلين السياسيين الذين يُشتبه في أنهم ارهابيون.  وبهذه الطريقة يمكن ان تدَّعي اميركا لنفسها سجلا لا غبار عليه نسبيا في مجال حقوق الانسان.  المشكلة ان ناشطين من اجل حقوق الانسان يقعون بسهولة في الشبكة نفسها التي تصطاد مَنْ تقوم سوريا ومثيلاتها بتعذيبهم.  وليس في هذا ما يصدم.  ذلك ان دعاة حقوق الانسان هم "اعداء" عند الأنظمة السلطوية التي تتحالف معها الولايات المتحدة.  لماذا لا تنبري اميركا للدفاع عن اصحاب هذه الاصوات اليتيمة الذين يعرِّضون حياتهم الى الخطر من اجل مُثُل الديمقراطية التي تصر اميركا على ضرورتها؟  لا يملك المسلمون من محبي الاصلاح إلا ان يتساءلوا ، هل اميركا معنا ـ أم مع الاوتوقراطيين؟

 

الرئيس جورج دبليو بوش تطرق الى هذا السؤال في يونيو ( حزيران ) 2002.  وقال في كلمة القاها خلال حفل تخرج دفعة جديدة من اكاديمة ويست بوينت العسكرية ، "في مساعداتنا التنموية ، وفي جهودنا الدبلوماسية ، وفي ما نبثه من برامج موجهة الى الخارج ، وفي معوناتنا التربوية ، ستقوم الولايات المتحدة بتشجيع الاعتدال وحقوق الانسان" (44).  وفي الشهر التالي واجه صِدْقُه اختبارا مصدره دولة من اكبر الدول الحليفة للولايات المتحدة ، هي مصر. 

 

ففي يوليو ( تموز ) أُودِع سعد الدين ابراهيم السجن للمرة الثانية خلال عامين  وقال ناشر صحيفة "القاهرة تايمز" Cairo Times  ان الحكم عليه بالسجن سبع سنوات مع امكانية الأشغال الشاقة "يكاد يكون شهادة وفاة" تعلن موت الحقوق المدنية في مصر (45).  ما أوصل استاذ السوسيولوجيا البالغ من العمر 65 عاما الى السجن يبقى غامضا.  فهو صديق قديم للرئيس المصري حسني مبارك وهو الاستاذ الذي اشرف على رسالة السيدة سوزان مبارك لنيل شهادة الماجستير وكاتب خطابات لها.  وكان ابراهيم يستضيف برنامجا تلفزيونيا اسبوعيا عن التنمية الاجتماعية وله ابحاث رائدة في دوافع المتشددين الاسلاميين وقام بتمثيل مصر في مؤتمرات دولية حول حقوق الانسان.  ولكن هذا كله كان قبل 30 يونيو ( حزيران ) 2000 ـ ليلة القبض عليه.  وخلال الأشهر الاربعة والعشرين التالية من التوقيفات المديدة والمحاكمات الصورية وفترات الحبس بات واضحا له ان "الذين أغضبتُهم قرروا التحرك لإلغاء سعد الدين ابراهيم من الحياة العامة في مصر" (46).  

 

المرجَّح ان غضب خصومه الأسْوَد كان يغلي منذ منتصف التسعينات.  ذلك ان ابراهيم بوصفه رئيس مركز ابن خلدون للدراسات التنموية في القاهرة ، شعر ان من واجبه إشباع عمله بروح صاحب الإسم الذي اطلقه على مركزه.  فان ابن خلدون الذي كان من آخر عمالقة الفكر في عصر الاسلام الذهبي ، حوَّل التاريخ والسوسيولوجيا الى فرعين محترمين من فروع المعرفة.   وعلى اكتاف هذا المفكر الرائد سطع اسم ابراهيم ـ في العالم العربي المسلم على الأقل ـ في عام 1994.  فقد بادر الى تنظيم مؤتمر حول حقوق الأقليات ، وفي حينه كانت مصر تتمسك بقانون يفرض على المسيحيين الأقباط ان ينالوا موافقة الرئاسة قبل ان يتمكنوا من ترميم كنائسهم.  وإذ طعن ابراهيم في نهج مصر الرسمي القائل ان المسلمين يعيشون في وئام تام مع المسيحيين ، اعتبر الأقباط أقلية تعاني من اضطهاد النظام.  وهنا كانت الضربة الأولى.  فبعد عام راقب واخرون من انصار الديمقراطية ، الانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر وكشفوا عن ممارسة التزوير بحجم ما كان ليمكن التفكير فيه سابقا ازاء صورة البلد بوصفه واحة للتنوير العربي.  ثم كانت الضربة الثانية.  فان ما توصل اليه ابراهيم كان نذيرا بالاتجاه الذي لم تكن مصر تنزلق فيه فحسب بل وتحث الخطى صوبه:  استبداد فاسد بدلا من ديمقراطية هشة اصلا. 

 

لا أُريد ان اكون ساذجة بشأن الديمقراطية.  فأنا اعلم ان على مصر ان تكون حازمة بعدما اغتال متعصبون اسلاميون الرئيس انور السادات في عام 1981.  وفي ذلك الوقت اصدرت مصر قانون الطوارئ الذي سُجن بموجبه الوف الاسلاميين طيلة عقدين حتى الآن.  والكثير من هؤلاء يشكلون خطرا لا شك فيه:  في عصر يوم من أيام الجمعة عام 1994 اتخذ الأديب المصري الفائز بجائزة نوبل نجيب محفوظ مقعده داخل سيارة.   واغتنم شبان من العتاة الدينيين بقاء النافذة مفتوحة لطعن محفوظ بسكين في رقبته.  وكان الشيخ البالغ من العمر 82 عاما محظوظا بإصابة ذراعه فقط بالشلل ( اصابة واحدة "فقط" ).  وافادت تقارير لاحقا ان الذين حاولوا قتل محفوظ تربصوا له بسبب كتاب نشره قبل ثلاثين عاما ، وكانت رموزه تذكِّر بعض القراء بشخصيات تاريخية اسلامية.  فحوَّل المعتدون تلك الرمزية الى واقع وعاقبوا محفوظ وفق تأويلهم لعمله.  استميحكم المعذرة ، ولكن إذا كان هذا سببا للتنكيل ( وربما للقتل ) فهو سبب بالقدر نفسه لإنقضاض قوى الأمن على هؤلاء المجرمين.  فلنطبق قانون الطوارئ. 

 

ما سلَّط ابراهيم الضوء عليه هو الطريقة التي جرى بها استغلال قانون الطوارئ هذا لمآرب غير شريفة.  والحكومة المصرية تنساق وراء عنت رجال الدين لتهدئة المسلمين المحافظين.  ونتيجة لذلك فان السلطة تلاحق العناصر الدينية من دعاة الحداثة الى جانب ملاحقة المتشددين. 

 

وهناك القضية اللامعقولة للاستاذ في جامعة القاهرة نصر حامد ابو زيد الذي نشر كتابا يجادل فيه بأن معنى النص المقدس يمكن ان يصبح "اكثر انسانية" حتى ببقاء الآيات على حالها دون تغيير.  وقدم كتابه هذا الى لجنة اكاديمية كانت تنظر في طلب ترقيته.  وسرعان ما واجه الاستاذ الذي لم يكن يعرف ما يُبيَّت له ، تهمة "الردة".  وساقه محامون اسلاميون الى القضاء مطالبين بتطليق الكافر من زوجته.  وفي عام 1995 كسب الاسلاميون القضية.  ولدى وزير العدل المصري سلطة ان ينقض مثل هذا الحكم ولكنه حتى الآن لم يفعل ذلك.  ويعيش الزوجان المطاردان الآن في هولندا التي من ملاذها الآمن رفع ابو زيد قضية مضادة على وزير العدل المصري (47). 

 

على طول الخط كان سعد الدين ابراهيم يشدد على علاقة بالغة الأهمية:  "ان المجتمعات التي تضيِّق المجال المتاح لمشاركة المواطنين والتعبير عن اختلافهم سوف تستثير في النهاية رد فعل منحرفا ، غاضبا ومميتا" (48).  بكلمات اخرى ان الاسلاميين يكسبون مريدين متعطشين للدماء حين لا يعود ثمة وجود للتمثيل السياسي.  وهو غير موجود ، كما أشار ابراهيم.  وفي حين ان قمع المسلمين الليبراليين يمكن ان يوهم المحافظين بسراب الاستماع الى صوتهم فان ذلك يبقى سرابا لأن قنوات التمثيل المشروعة مثل المجالس التشريعية ، تتحول الى اقطاعيات لأصدقاء الحكومة.  وبعد خمس سنوات على ناقوس الخطر الذي قرعه ابراهيم عن انحسار الديمقراطية ، نشرت مجلة واشنطن كوارترلي

Washington Quarterly   الفصلية هذه الملاحظة عن مصر:  "في بلد يشترط ان يكون نصف اعضاء البرلمان بالكامل من الفلاحين أو العمال فان الاصطفاف الحالي يميل بقوة لصالح نخبة ضئيلة" (49).  كان ذلك في عام 2000. 

 

عام 2000 أثبت كونه عاما غريبا بحق ، لإبراهيم ولحال الديمقراطية المصرية على السواء.  إذ كان ابراهيم قد عاد توا الى بلده من واشنطن حيث احتفت منظمة لمراقبة حقوق الانسان بدفاعه عن الحرية ، عندما اندلعت اعمال عنف بين مسلمين ومسيحيين أقباط في صعيد مصر ، أوقعت نحو 24 قتيلا وعددا أكبر من الجرحى ، واسفرت عن نهب مئات المتاجر والبيوت.  ومن بين 55 اشتباكا مذهبيا سابقا وقعت على امتداد 30 عاما ، اعتبر ابراهيم ان هذا الأخير كان "الأبشع والأكبر".  فحشَّد 500 شخصية عامة للتوقيع على اعلان مرفق بمقترحات سياسية لإنهاء "نمط ناشئ من الصراع الطائفي".  وبحسب ما يقول ابراهيم فان حكومة مبارك نظرت الى هذه المبادرة على انها "تحدٍ سافر.  واعتبر الاعلان عن خطورة المشكلة الطائفية تلطيخا لوجه مصر الناصع والمتسامح ، بل جريمة يُعاقب عليها ـ كما علمنا بسرعة ـ بموجب قانون صادر في عشرينات القرن الماضي دون أن يُطبق ذات يوم لمقاضاة مواطن مصري من قبل" (50). 

 

ابراهيم ظل بمنأى عن الاعتقال طيلة اشهر.  وفي هذه الأثناء واصل مع زملائه في مركز ابن خلدون العمل على تدريب طلاب لتسجيل ما يُرتكب من انتهاكات ضد حقوق الانسان ومراقبة الانتخابات.  واستعدادا ليوم الاقتراع العام اتفق الاستاذ مع شخصية نارية اخرى هي الكاتب المسرحي علي سالم لانتاج شريط فيديو موضوعه ، لماذا يكلف المصريون انفسهم الإدلاء بأصواتهم.  ( إذا كان هناك من يستطيع ان يجعل التربية المدنية عملية مسلَّية فهو سالم الشعبوي على نحو رائع.  وكان احد كتبه ، "رحلة الى اسرائيل" A Drive to Israel التقط انسانية الدولة العبرية وتسبب في طرد سالم من اتحاد الادباء العرب.  بين المصريين كان كتاب "رحلة الى اسرائيل" من أكثر الكتب مبيعا ).  وذات يوم خلال هذه الفترة أُجريت مقابلة مع ابراهيم لمَّح فيها الى ان مصر ربما أخذت تنحدر الى نظام عائلي عربي آخر.  وهكذا توالت الضربات ، الثالثة ، الرابعة والخامسة. 

 

عشية 30 يونيو ( حزيران ) 2000 القى ضباط الأمن القبض على ابراهيم و27 شخصا من العاملين في مركز ابن خلدون ورابطة الناخبات المصريات.  وبعد 45 يوما رهن التوقيف جرت مرافعات استمرت سبعة اشهر امام محكمة امن الدولة ، وهي محكمة من النمط العسكري ليست مشمولة بإصول المحاكمات الجزائية.  وإنكب مدَّعو الحكومة على بناء قضية.  أولا ، اتهموا ابراهيم باساءة استخدام اموال تلقاها من الاتحاد الاوروبي لانتاج شريطه عن الانتخابات.  ولكن الاتحاد الاوروبي اعلن ان ابراهيم بريء براءة الذئب من دم يعقوب.  ثم ذهب المدَّعون الى انه ما كان ينبغي ان يقبل تمويلا اجنبيا ـ هزأ صحافي عربي قائلا ان هذه حجة "مضحكة" إذا ما علمنا ان الحكومة المصرية تعيش على المساعدات الأجنبية (51).  ومع ذلك دانت المحكمة جميع المتهمين الـ 28.  وحكم على ابراهيم بالسجن سبع سنوات. 

 

بعد عشرة شهور من الحبس أُصيب ابراهيم خلالها بسلسلة من الجلطات الطفيفة ، تناهى الى سمعه أن موافقة ستصدر على اعادة محاكمته.  هل من الجائز ان تنتصر العدالة بعد كل ما حدث؟  احكموا بأنفسكم.  حين بدأت المحاكمة الثانية في صيف 2002 مرر عضاء البرلمان المصري قانونا يفرض قيودا شديدة على عمل المنظمات غير الحكومية.  ولكن في قاعة المحكمة بدا ان ملف الاتهامات العشوائية الموجهة ضد ابراهيم وزملائه يدور حول قضية واحدة ـ ان المتهمين ، وخاصة ابراهيم بوصفه زعيم العصبة "اساءوا" الى سمعة مصر في الخارج.  انتهت المحاكمة في يوليو ( تموز ) 2002 بالسجن على خمسة من المتهمين الثمانية وعشرين.  ومرة اخرى حُكم على ابراهيم بالحبس سبع سنوات.  وكان السبب الرسمي تصريحاته على امتداد عقد من السنين بأن الحكومة تضطهد مسيحيي مصر. 

 

كان على الرئيس بوش ان يحتج علنا ويضغط على مبارك ، حتى ولو في مبادرة تقوم على اساس مذهبي.  فان اقليات مصر الدينية تحتاج الى مدافع لا يكلُّ مثل ابراهيم.  ولكن ما عدا ذلك ، قدَّم ابراهيم مناسبة حقيقية لاختبار اهداف سياسة بوش الخارجية المعلنة:  الاعتدال وحقوق الانسان.  فاولا ، ان صحة ابراهيم ـ المتردية اصلا بسبب متاعب في القلب ـ كان من المؤكد ان تتدهور في السجن.  يضاف الى ذلك ان زوجة ابراهيم سيدة اميركية وهو مواطن اميركي.  وحماية مواطنيهم من الأذى هو ما يفعله الرؤساء الاميركيون ، اليس كذلك ؟  وأخيرا ، ان مصر تتلقى نحو ملياري دولا سنويا من المساعدات الاميركية في اطار معاهدة السلام مع اسرائيل ، ويشكل هذا 10 في المائة من اجمالي الميزانية المخصصة للمساعدات الخارجية الاميركية.  وعلى هذا الأساس وحده قام سياسي من أشد السياسيين المحافظين في واشنطن بتشجيع بوش على استخدام ما لدى اميركا من "نفوذ واسع لدى مصر" لضمان الرأفة بابراهيم (52).  وكان بمقدوره ان يذهب ابعد بكثير مما ذهب اليه. 

 

اليكم مدى ما غامر بوش بالذهاب اليه:  في اغسطس ( آب ) 2002 جمَّد زيادة بحجم  130 مليون دولار كان من المقرر اضافتها الى المساعدات المقدَّمة لمصر.  ومع نص قراره بالتجميد ادرج بوش رسالة تنقل قلقه من ادانة ابراهيم.  وما هذا بالشيء القليل.  ففي مصر هب بيروقراطيون ومثقفون مهتاجين على تدخل بوش.  ولكن مائة عربي من انحاء العالم اقتدوا بمثال بوش وبعثوا برسالة خاصة منهم لدعم ابراهيم (53).  وبعد اشهر قليلة اعلنت الحكومة المصرية ان لإبراهيم الحق في محاكمة ثالثة وافرجت عنه الى حين اجرائها.  وفي مارس ( آ ذار ) 2003 انتهت المحاكمة ببراءة ابراهيم مرة والى الأبد.  لقد حقق بوش نتائج ، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة او ملتوية ، من خلال الضغط على مبارك ، ونحن ينبغي ان نسجل للرئيس الاميركي تطبيقه احدى مقولاته الماثورة:  حين يكون لديك رأس مال سياسي ، استخدمْه قبل ان تخسره. 

 

لماذا ، إذاً ، لم يطالب بوش صراحة بالعفو عن ابراهيم وبذلك إشعار حليفه ـ والعالم الاسلامي كله ـ ان الديمقراطية ليست جريمة؟  يمكن اختصار الجواب على هذا السؤال ، حسب منتقديه ،  بكلمة واحدة هي: العراق.  فان طبول الحرب كانت تقرع متصاعدة ضد العراق وعلى اميركا ان تستميل مصر للوقوف الى جانبها.  ويسخر مسلمون كثار ، ربما عن غير وجه حق ،  من ان بوش سيخوض مواجهة عسكرية من اجل الديمقراطية في العراق لكنه يرفض استخدام عضلاته الدبلوماسية بالكامل من اجل الديمقراطية في مصر.  خلاف ذلك ، سيد بوش ، استَمتعنا بخطابك امام خريجي عام 2002 من كلية ويست بوينت العسكرية. 

 

يعيدني هذا الى النقطة التي اريد توصيلها:  ان المسلمين لا يكرهون اميركا بقدر ما يحبونها ـ يحبونها الى حد الحاجة اليها.  وقد جاء دليل اضافي على ذلك في ربيع 2003. 

 

عندما تمرغ تمثال صدام في التراب عمَّت البهجة انحاء بغداد.  وفي الأيام التالية حضرتُ حفلا بمناسبة النصر في تورنتو اقامه مسلمون شباب غالبيتهم من العلمانيين.  واحاطني لفيف منهم ليقولوا انهم يجدون من الغريب أن لا يعترف مزيد من المسلمين بحكمة توجيه ضربة استباقية ضد صدام.  وقالوا ان ذلك غريب لأن التحرك الاستباقي هو على وجه التحديد الاستراتيجية التي استخدمها النبي محمد لإسقاط الذين كان يشتبه في تآمرهم على الاسلام.  وهز احد المحتفلين كتفه قائلا ، "إذا كانت الحرب الاستباقية خدمت المسلمين وقتذاك فلماذا لا تخدم الاميركيين الآن؟"

 

قلتُ متقمصة دور المعارض ، "لأن معايير السلوك تطورت منذ القرن السابع".

 

"قولي ذلك للبلدان المسلمة التي ما زالت تعامل المرأة وكأنها نجاسة".

 

فأضفتُ ، "وتحيل الحياة جحيما للأقليات الدينية".  أدلى آخرون بدلوهم.  وأعربنا عن قرفنا من بقاء الناشطين المسلمين المناهضين للحرب صامتين صمت الموتى على الحرب التي تُشن بإسم الله ضد أُناس من شتى الأصناف.  وفيما كنا نتبادل الآراء بات واضحا لنا ان لدى المسلمين خيارا ينبغي ان يحسموه:  الاعتراف بأن الهجمات الاستباقية التي شنها النبي محمد ضد اليهود كانت خاطئة أخلاقيا ، وفي هذه الحالة تكون للمسلمين مصداقية عندما يحملون على مبدأ بوش.  أو القبول بما فعله النبي على انه ضروري ورشيد بإرادة الهية ، وفي هذه الحالة يمكن أن يُقال الشيء نفسه عن بوش ، فهو مسيحي تائب لديه طريقته الخاصة في التواصل مع الله.  ولا يمكن للمسلمين ان يضعوا قدما هنا وقدما هناك.  فهذا يُسمى معايير مزدوجة.  أو ليس الأميركيون وحدهم الذين يطبقون هذه المعايير؟

 

سيكون هناك دائما رهط من المعادين لاميركا ومن الانعزاليين ، مسلمين وغير مسلمين ، الذين يريدون من واشنطن ان "ترفع يدها" وتكف عن التدخل.  ولكن كثيرا من المسلمين الشباب الذين تحادثتُ معهم حتى قبل هذا الحفل ، يريدون من واشنطن ان "تمد يدها" ـ وتتابع تدخلها ـ من اجل حقوق الانسان.  ولو كان بمقدورهم ان يقولوا ذلك من دون ان يتعرضوا الى الإدانة لحضوا اميركا على التلويح بسطوتها والمساعدة في تغيير الحقائق التالية:

 

·       في تونس والجزائر لا يمكن للمسلمات ان يتزوجن من غير مسلمين (54).  الرجال ، من الجهة الاخرى ، يجوز لهم ذلك.  وفي غالبية البلدان المسلمة لا يُعد اغتصاب الزوج لزوجته جريمة ، إن كان هناك اعتراف بوجود شيء كهذا اصلا. 

·       اعتقلت العربية السعودية مؤخرا شيخا في الرابعة والتسعين من العمر ليكون أكبر سجين سياسي معروف سنا في العالم وذلك رغم الافراج عنه بعد اسبوعين.  وكان الشيخ محمد علي العمري ، وهو عالم ديني شيعي كبير في المدينة المنورة ، اثار حفيظة السلطات السعودية باستقباله عدة زوار شيعة في مزرعته ، جاءوا للصلاة.  فالمسلمون الشيعة مضطهدون شرعا في العربية السعودية ، مثلهم مثل الأقباط في مصر. 

·       تتدفق غالبية اللاجئين في العالم من بلدان اسلامية.  وما هذا بالأمر المستغرَب إذا ما علمنا ان غالبية الحروب الأهلية التي يشهدها العالم تدور رحاها بين مسلمين.  ويقول الصحافي الايراني امير طاهري ، "ان الدول العربية خاضت ما لا يقل عن 15 حربا مكشوفة أو سرية ضد بعضها بعضا منذ ثلاثينات القرن العشرين...." (55) وفي السنوات العشر الماضية قتل الاسلاميون واعداؤهم الاشتراكيون 100 الف جزائري.  وفي فبراير ( شباط ) 1982 قصفت قوات البعث في سوريا حافظ الأسد مدينة كانت تؤوي متطرفين اسلاميين.  وأزهق جلاوزته ارواح 25 الف شخص.  وفي الفترة الممتدة من 1975 الى 1990 حصدت الحرب الأهلية اللبنانية ارواح 150 الف شخص غالبيتهم من الفلسطينيين.  ويزيد هذا اكثر من عشر مرات على عدد مَنْ قتلتهم اسرائيل خلال 50 عاما من النزاع العسكري.

 

إذا كان من المحرج الاعتراف بأي من هذا يا اخوتي واخواتي المسلمون فإرفعوا الحرج عنكم لأننا لا نستطيع ان نعلق أحط ما فينا من علل على شماعة اميركا.  فالسرطان يبدأ بنا.  وفي تعليق مؤثر على "بؤس" المسلمين نُشر بعد فترة قصيرة على احداث 11 سبتمبر ( ايلول ) في صحيفة ذي نايشن The Nation اليومية الباكستانية ، تحدث رجل الأعمال عزت مجيد عن وجود "وعي متزايد" بين المسلمين "بأننا فشلنا كمجتمع مدني بعدم مواجهة الشياطين التاريخية والاجتماعية والسياسية التي في نفوسنا...." (56) ومنها حقيقة انه في بلده ذي الـ 140 مليون نسمة لا يدفع الضريبة سنويا إلا مليون شخص.  أليس المتهربون من الضرائب ، بالتملص من مسؤوليتهم في اعادة بعض ما أخذوه من المجتمع ، يدفعون حكومة باكستان الى حافة الافلاس حارمين برامج عامة مثل التعليم من التمويل ، ومتسببين في زيادة الإقبال على ما أصبح دروسا خاصة في الارهاب يتعلمها الطلاب في كثير من المدارس الدينية؟

 

هل تدرك الغالبية منا ما كان يُراد لأمة المسلمين هذه متعددة الثقافات؟  أنا سأفيدكم.  كان ذلك في عام 1947.  وفي اول كلمة القاها محمد علي جناح بوصفه الحاكم العام لباكستان المستقلة ، كان جناح مفعما بالآمال لشعبه.  أعلن جناح ، "انكم أحرار ، احرار في ارتياد معابدكم ، احرار في الذهاب الى جوامعكم ، أو الى أي مكان آخر من اماكن العبادة في دولة باكستان.  لكم ان تنتموا الى أي ديانة أو طائفة أو مذهب ـ فهذا لا يمت بصلة الى عمل الدولة.  اننا بادئون بهذا المبدأ الأساسي القائل اننا جميعا مواطنو دولة واحدة...وستجدون في الوقت المناسب ان الهندوس سيكفون عن كونهم هندوسا والمسلمين سيكفون عن كونهم مسلمين ، لا بالمعنى الديني...وانما بالمعنى السياسي كمواطنين في الدولة" (57).  كان جناح متزوجا من غير مسلمة يحبها بكل جوارحه.  وكانت شقيقته فاطمة كثيرا ما ترافقه في الحملة من اجل بناء باكستان.  وجدد ظهورها العلني مخيلة المسلمين فاتحا هذه المخيلة على قدرات المرأة بوصفها شريكة لا خادمة.  اني لستُ من المتعاطفين مع حقيقة ان المسلمين طالبوا بدولة منفصلة عن الهند ولكن عندما نالوا دولتهم فانها جاءت على الأقل بدعوى الحريات الفردية ووعدها. 

 

يا للخسارة ، ان يجرف مد الاسلاموية المتصاعد باكستان الى التهلكة ، ألا تعتقدون ذلك؟  ففي عام 1977 جاء انقلاب عسكري مدعوم من الولايات المتحدة بالجنرال ضياء الحق الذي كان يحب الغولف والتنس والنظام المطلق.  ولإحكام قبضته الرخوة أحاط حاكم البلاد الجديد نفسه بملالي متزلفين خلعوا عليه لقب "امير المؤمنين" الذي كان يُطلق على الخلفاء الراشدين حصرا.  ولكسب رضا الزعامات الريفية جمع ضياء الحق بين القراءة العقابية للاسلام والأعراف القَبَلية.  وبهذا الطريقة ظهر الرجم بوصفه عقابا شرعيا للزنا ، وبات تقديم اربعة شهود من الرجال على جريمة الاغتصاب شرطا لتوجيه الاتهام الى الجاني.  ولكن لنفترض عدم توافر هذا العدد من العيون الذكرية شاهدة على جريمة اغتصاب.  لا بد والحال هذه ان تكون القضية جريمة زنا ارتكبتها المرأة فيكون مصيرها الحكم عليها بالرجم. 

 

في عام 1979 ، خلال الفترة نفسها تقريبا التي بدأ فيها سريان هذه القوانين الخانقة ، فاز الباكستاني عبد السلام بجائزة نوبل للفيزياء مشارَكَةً مع عالمين اميركيين آخرين.  وكان المرء يتوقع ان تحتفي بلاده بهذا الإبن البار.  ولكن بدلا من ذلك حاول متظاهرون منعه من العودة الى باكستان ، بل ان قانونا اصدره البرلمان ذهب الى حد اسقاط الجنسية عنه.  اما جريمة عبد السلام فهي انتماؤه الى طائفة الأحمدية التي تشكل احد المذاهب الأقلوية في الاسلام.  هذه كل جريمته.  وهذا ما جعل عالِما مسلما نال ثناء العالم وتقديره ، شخصا غير مرغوب فيه في وطنه.

 

جمعتُ تفاصيل اخرى عن عبد السلام من سائق سيارة اجرة في تورنتو يُدعى احمد.  وإذ ابدى احمد ثقته بيّ معتبرا اني تلك "المسلمة التي تظهر في التلفزيون" راح يندب "كيف ان جماعتنا يقتتلون فيما بينهم" مركزين على "القبيلة" أكثر من تركيزهم على "الحب" (58).  حب! لم اسمع ذات يوم رجلا مسلما يستخدم تلك الكلمة المؤلفة من حرفي الحاء والباء.  لا بد ان يكون هذا الانسان شخصا مختلفا فرحتُ انقِّب.  اتَّضح ان سائق سيارة الاجرة نفسه احمدي.  سألتُه عن عبد السلام عسى ولعله يعرف الاسم.  وفي مرآة السيارة رأيتُ احمد يرفع حاجبيه.  وقال لي ، "ان الأخ عبد السلام حاول ان يتبرع بمبلغ جائزته [ جائزة نوبل ] للحكومة.  وكان يريد بناء مختبرات علمية للباكستانيين الشباب ولكن ضياء رفض عرضه".  وسرَّني احمد بسبب آخر لاعتبار عبد السلام بطله:  فان عبد السلام بوصفه ابن فلاح كان عليه ان يذلل كثيرا من الصعاب.  ويبدو انه كان مجتهدا في طلب العلم حتى انه كان يدرس تحت مصابيح الشارع حين لم يكن الوقود متاحا لفوانيس الكيروسين في مدرسته.  وسواء أكان ذلك صحيحا أم لم يكن فقد كان بامكان هذه الرواية أن تنسج اسطورة وطنية تلهم اجيالا من الباكستانيين ذوي الأصول المتواضعة لبلوغ المجد.  ولكن الحكومة بدلا من ذلك فرَّطت بعبد السلام ـ وبرصيد فكري أكبر بكثير ـ في لهاث مسعور وراء اسلام ضيق الأفق. 

 

عنعنات ضياء الحق باقية رغم وفاته في عام 1988.  ومنذ ذلك الحين تصاعد زخم الاسلاموية بفضل جيوسياسة قذرة الى حد كبير.  ففي عام 1989 الحق الوف "المجاهدين" هزيمة بالغزو السوفياتي لأفغانستان.  ومع عودة المقاتلين العرب المسلمين الى منطقة الخليج وصلت القوات الاميركية الى العربية السعودية لحمايتها من اجتياح عراقي محتمل.  ففي عام 1990 ، كما تذكرون ، قام صدام حسين بغزو الكويت واحتلالها.  وخاف السعوديون من أن يكرر فعلته معهم.  ولدرء هذا الخطر طلبوا من الاميركيين ان يدافعوا لهم عن ارضهم ـ ونفطهم.  وكان من الممكن ان يوفر الوجود الاميركي في العربية السعودية ذريعة لأن يعلن مجاهدون عاطلون عن العمل الجهاد داخل المملكة.  ولكن فدية ضخمة دُفعت لتفادي ذلك.  إذ اخذت البترودولارات تنهال على الجمعيات الخيرية الاسلامية وادت الى تنامي المدارس الدينية في عموم المنطقة بمتوالية هندسية.  وكان نصيب باكستان كبيرا من هذه الأموال ، وسرعان ما فرَّخت مدارسها الدينية وجبات نخبوية من الدارسين فيها ليُعرَفوا لاحقا باسم "طالبان" ـ كناية بطلاب المدارس الدينية.  ماذا فعل مسلمو الطبقة الوسطى في باكستان؟  غالبيتهم سمحوا لأنفسهم بمجاراة التيار الاصولي الغاشم. 

 

من الاصوات المعارضة التي تصاعدت صوت الدبلوماسي والمفكر الباكستاني اكبر احمد.  إذ بدأ في عام 1997 تصوير فيلم يروي سيرة ملحمية لحياة جناح.  وبحسب احمد فان "مسؤولين مهمين" و"مواطنين حريصين" في باكستان حذروه من تصوير الاسلام المتسامح الذي كان يؤمن به جناح ، حتى ان صحفا واحزابا سياسية راحت تهلوس بأن "سلمان رشدي كتب سيناريو الفيلم" ، وتوَّجت هلوستها باعتبار مشروعه "جزء من مؤامرة هندوسية او صهيونية" (59).  احمد صوَّر الفيلم رغم ذلك وفاز عليه بعدة جوائز دولية.  ولكن كما حدث مع عبد السلام ، كانت آيات التقدير من وطنه أتفه من ان تستحق الذكر. 

 

منذ 11 سبتمبر ( ايلول ) استجمع الزعيم الباكستاني برويز مشرف شجاعته وقال ما هو بديهي:  ان المسلمين اليوم هم "الأكثر فقرا والأكثر أمية والأكثر تخلفا والأكثر لا صحة والأكثر لا تنورا والأكثر حرمانا والأكثر ضعفا في الجنس البشري برمته" (60).  كلمات رنانة من رجل نكث بوعوده بتحجيم قوانين مكافحة الكفر وضبط المدارس الدينية.  ما لا يجرؤ مشرف على ان يقوله هو ان مدارس بلده التي استباحها الملالي ما زالت تفرِّخ معتوهين.  اكبر احمد يستطيع ان يحدثكم عن ذلك.  فحين عاد مؤخرا في زيارة لباكستان فاتح معلمين في المدارس الدينية عن ضرورة دراسة سيغموند فرويد وماكس فيبر.  "قوبلتُ بنظرة بلهاء وادركتُ عمق المشكلة عندما تلقيتُ ردا سلبيا حتى على اقتراحي دراسة مفكرين مسلمين مثل المؤرخ ابن خلدون أو الشاعر الصوفي مولانا جلال الرومي" (61).  وهذا ليس الغرب عاملا على ابقاء المسلمين جاهلين بقدراتهم الابداعية الفذة بل المسؤولون هم المسلمون انفسهم. 

 

على الغرار نفسه من الضروري ان يعلم غالبية الاميركيين ان لهم مصلحة ذاتية مستنيرة في ان "يكونوا هناك" لدعم المسلمين ذوي التفكير الديمقراطي قبل اندلاع الأزمة التالية.  فكروا كيف كان بمقدور الاهتمام الاميركي أن ينقذ ملايين الأبرياء من غضب طالبان ناهيكم عن "القاعدة".  وقد سمعنا كلنا ان الرئيس رونالد ريغان اغدق المديح والسلاح على المجاهدين في اطار استراتيجيته لمحاربة الشيوعية.  ولكنه اعطاهم ما هو أكثر.  فان الحكومة الاميركية موَّلت كتبا مدرسية مسكونة بالعنف نشرتها جامعة نبراسكا.  وحين كان الأطفال الاميركيون يتعلمون طرح التفاح من البرتقال كان الطلاب الأفغان يتعلمون الرياضيات ـ والعقيدة ـ من صفحات مليئة بصور حراب ممشوقة.  وما زال بعض الطلاب يتعلمون ذلك:  هذه الكتب المقررة أخذت تختفي من المدارس الأفغانية ولكن ببطء شديد.

 

لا نحتاج الى جنرال يتقن فن الحرب لفهم الدرس.  فعندما انسحب السوفيات من افغانستان في عام 1989 ، أدارت الولايات المتحدة ظهرها للبلد مفترضة أن المهمة قد أُنجزت.  وما أدارت ظهرها له في الحقيقة كان صراعا على السلطة.  فالمجهادون إذ كانوا محاربين متمرسين ، قاموا خلال السنوات التالية بانقلاب في افغانستان ، ومع ذلك لم يُبد صانعو السياسة الأميركية اهتماما يُذكر.  وفي عام 1998 أجرت صحيفة باريسية مقابلة مع زبغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر.  وقد سألته صحيفة "لو نوفيل اوبزرفاتور" انه بعدما باتت "الأصولية الاسلامية تشكل خطرا عالميا ألم يكن حريَّا بالسياسة الخارجية الاميركية ان توليه اهتماما أكبر؟"  وبقصر نظر يثير الحنق أجاب بريجينسكي ، الذي لا يُدين بالولاء لا لإدارة ريغان ولا لإدارة كلنتون ، "أيهما الأكثر أهمية لتاريخ العالم؟  بعض المسلمين المهتاجين أم تحرير اوروبا الوسطى ونهاية الحرب الباردة؟" (62)

 

كان بريجينسكي سيكون أكثر ذكاء لو تذكَّر الرائحة التي تنبَّه اليها الرئيس ايزنهاور في اواخر الخمسينات.  فقد لاحظ ايزنهاور خلال نقاش مع أركان ادارته وجود "حملة كراهية ضدنا لا من جانب الحكومات وانما من شعوب" العالم العربي (63).  وتوصل مجلس امنه القومي من تحليل الوضع الى استنتاج مفاده ان عامة العرب الاعتياديين يشعرون ان الولايات المتحدة بدعمها انظمة حكم قمعية من اجل السيطرة على امدادات النفط ، انما تقف حائلا دون تحقيق الديمقراطية.  وكانت هذه النظرة المتبصرة على شاشة الرادار منذ اربعين عاما عندما استولت حركة طالبان على السلطة في افغانستان ووفرت ملاذا آمنا لإرهابيي "القاعدة". 

 

كنتُ اتمنى لو استطيع القول ان قصر نظر واشنطن عولج كما عولج نظام الحكم في افغانستان والعراق.  ولكني لا أستطيع.  اسمحوا لي أن أُوضح بحديث تابعتُه مؤخرا بين المقدِّم التلفزيوني فل دوناهو وضيف برنامجه تشارلز دولان الذي كان وقتذاك نائب رئيس اللجنة الاستشارية الأميركية للدبلوماسية الشعبية ، وهي هيئة تحاول ان تتصدى لصورة اميركا السلبية في العالم. 

 

دولان: اعتقد ان ادارة بوش حققت اشياء رائعة منذ مجيئها الى الحكم على صعيد الدبلوماسية الشعبية.  وما زال الحُكم لم يصدر على بعض هذه الأشياء ، ولكنهم يحاولون...

دوناهو:  الانسحاب من [ بروتوكول ] كيوتو [ لحماية البيئة ] والابتعاد عن المحكمة الجزائية الدولية ، وشتم الأمم المتحدة.  نحن حقا نبدو وكأننا نريد ان نعمل بمفردنا ، لا نحتاج الى أحد يساعدنا.

دولان: فل ، إذا كنتَ تريد مني ان اتحدث عن سياساتهم فيمكننا انتاج خمسة برامج اخرى.

دوناهو: لكن ما نتحدث عنه هو لماذا ينبغي ان تكون هذه صورتنا!  يبدو اننا لا نريد ان نلعب مع أي احد آخر ، مع أي منظمة دولية مهما كان شكلها! نحن نبدو متغطرسين في هذا الموقف.

دولان:  لكني أتحدث عن الطريقة التي نتواصل بها مع العالم ـ ما كنا نتحدث عنه الآن.  كيف نرد على الصور الزائفة عن اميركا في الخارج؟ اعتقد ان هذا هو ما نتحدث عنه (64).

 

هل كان دولان غبيا ؟ أُقدِّر انه ما كان ليستطيع ان ينتقد رئيسه أو سياساته في التلفزيون ولكن هذه ليست هي القضية.  فان دولان لم يرد الاقتراب من الاسئلة المتعلقة بما إذا كانت هناك حقا صور سلبية لاميركا.  كل ما كان يريد الحديث عنه هو سبل مكافحة مثل هذه الصور بأدوات وتكتيكات على مستوى الاتصالات والاعلام.  يا لها من مفاجأة؟  ان دولان يعمل ايضا نائب رئيس كيتشام Ketchum    وهي وكالة للعلاقات العامة.  يا أميركا ، ليس هذا هو جوهر الدبلوماسية الشعبية.  ما ينبغي التركيز عليه هو بذل مجهود حقيقي لعمل الصواب لا ليبدو وكأننا نعمل الصواب.

 

صحيح يا اميركا ان اقدامَكِ على سحق طالبان أسعد ملايين الأفغان ولكن تقاعسكِ منذ ذلك الحين عن نشر قوات أبعد من كابول لم يسعد إلا امراء الحرب القبليين والمتعاطفين مع طالبان.  والحق ان الدستور الجديد ينص على حقوق المرأة واستقلال القضاء ،  من الناحية النظرية.  أما في الواقع العملي فإن اميرا من امراء الحرب وصفه وزير الدفاع الاميركي بأنه "شخص جذاب وحصيف ومتزن" ، اعاد هيئة العمل بالمعروف والنهي عن المنكر.  وتفرض هذه الهيئة فصل البنات عن البنين فصلا صارما وتسخر من حرية الصحافة وتمنع القراءات الشعرية وتضرب النساء اللواتي يتجاسرن على الشروع بتشكيل جمعيات نسوية ، وتمهد التربة لعودة طالبان.  حصيف؟ متزن؟ أأنتِ جادة يا أميركا؟ إذا كنتِ جادة فأين انتِ خارج كابول؟  أنتِ لا تروق لكِ فكرة اضطلاع جنودِكِ بدور قوات حفظ السلام ولكن لماذا لا تُعجِّلين في هذه الحالة بتدريب الشرطة المحلية ولا تعززين القوات الدولية المتمركزة هناك بالفعل؟  أين نزوعك الفطري الى الأمن ـ والى الحرية؟ 

 

اما انتم يا شقيقاتي واشقائي في الاسلام ، فاني اسمع تذمُرَكم.  وعلى واشنطن ان تقدِّر بأنه عندما يزمجر المسلمون الليبراليون ، "اننا نكرهك!" فليس هذا لأن اميركا تبطش مباشرة بالعالم الاسلامي بل لأن اميركا تمتنع ، على الضد من مصالحها الأمنية ذاتها ، عن المساعدة في تخفيف وطأة البطش على المدى البعيد.  أراكم تريدون ان تندهوا ، "اصحي يا واشنطن!" ، وأنا اشارككم شعوركم هذا.  ولكني أُريد ان اصرخ بكم أنتم أن "اكبروا!".  إذ على المسلمين الليبراليين ان يرفعوا الصوت عاليا بشأن الحقيقة التالية:  ان اميركا هي الأمل المرتجى لا رأس الافعى.  وأن يكون الرئيس بوش انبرى للدفاع عن سعد الدين ابراهيم ، وبالتالي عن الديمقراطية المصرية ، فان هذا يعطينا سببا للثقة باميركا.  وأطلب منكم ما طلبه ابراهيم من الناخبين في بلده:  كفوا عن النظرة السوداوية واتخذوا موقفا بناء ، فمن الجائز ان يكون الاميركيون بحاجة الى مساعدتنا "نحن لهم" على ادراك ما فيهم من طاقة خيِّرة بوصفهم انسانيين. 

 

لبلوغ هذا الهدف على المسلمين ان يواجهوا سؤالا اساسيا:  أي مساعدة نحتاج على وجه التحديد من اجل الإصلاح؟ ما هي على وجه الدقة المشكلة الخاصة التي تضخمت لتصبح مشكلة الجميع؟ بما انه لا اسرائيل ولا اميركا تكمن في جذر البؤس الذي يعانيه المسلمون في العالم ، أهو الاسلام الذي يكمن في جذر هذا البؤس؟  فالاسلام يضم بانوراما من الثقافات التي تمتد من شمال افريقيا الى جنوب اسيا ، وفي كل ثقافة منها يتخلف الاقتصاد وسجل حقوق الانسان عن ركب الغالبية من العالم.  هل الاسلام يتفوق على كل ما سواه في قتل الابداع والحيوية والديمقراطية؟

 

سيكون من السهل نفي ذلك دون عناء.  فكروا في المسألة على هذا النحو: ان باكستان ، وهي دولة ذات غالبية مسلمة بوضوح ، ولدت عام 1947 ، قبل عام من نشوء دول اسرائيل ، ذات الغالبية اليهودية.  ولو سادت رؤية جناح لكان بمقدور باكستان ان تكون دولة حديثة وتعددية وتبقى روحانية كإسرائيل.  ولكن المآل انتهى بها الى عكس ذلك:  اقطاعية أكثر منها حديثة ، طائفية اكثر منها تعددية ، ممسوسة اكثر منها روحانية  ودعوني امضي بالمقارنة أبعد.  في عام 2002 حقق ثنائي في لعبة التنس يتألف من باكستاني واسرائيلي نجاحا باهرا استأثر بالعناوين البارزة في الصحافة الرياضية.  وقد تحدثت وسائل الاعلام عن نجاحهما لا لأنهما يمثلان افق تعاون بين المسلمين واليهود فحسب وانما بسبب ردود افعال كل من بلديهما ايضا.  فان اتحاد التنس الاسرائيلي أشاد بلاعبه في حين ان اتحاد التنس الباكستاني هدد لاعبه بالمنع.  وإذا كانت اسرائيل تستطيع  ان ترى ابعد من السياسة رغم الحصار اليومي الذي يضربه عليها جيرانها المسلمون ،  لماذا لا تستطيع باكستان ـ أو لا تريد ـ قبول التحدي؟  من المؤكد ان لهذه الثنائية صلة ما بالبوصلة الأخلاقية لكل من البلدين ، مسترشدة ، كما هو حتمي ، بالقيم الدينية لكل منهما.  ومن المؤكد ان الحقيقة الماثلة في ان الديمقراطية تعيش في اسرائيل لها دلالتها بشأن الممارسة الشعبية للديانة اليهودية  لا يمكن القول ان مثلها موجود في الاسلام السائد ـ ليس بعد على اقل تقدير. 

 

ولكن لا شيء من هذا يعني لا محالة ان الاسلام هو المشكلة.  فان غالبية مسلمي العالم ـ أي المسلمون من خارج الشرق الأوسط ـ يعيشون في انظمة ديمقراطية انتخابية.  ولكن في الوقت نفسه لا تبيح حكوماتهم إلا القليل من الحريات والقليل من المحاسبة.  ولعل طاقة الاسلام على ممارسة ديمقراطية ذات معنى ، تتألق في حقيقة ان القرآن لا يصف أي شكل محدَّد للحكم.  وعلى افتراض ان القرآن كلام الله ـ بأكمله أو في جزء منه ـ ألا يكون هذا الصمت مقصودا؟ إلا يدل الى اننا بوصفنا افرادا نمتلك ارادة حرة ، ينبغي ان نشارك في حكمنا؟  يكون هذا منطقيا لو كان المسلمون أمة يوحدها الايمان بالله.  الجميع يقول نحن مثل هذه الأمة.  ونحن نعتقد بأننا امة كهذه.  ولا بد ان نكون هذه الأمة. 

 

لنفترض اننا لسنا هذه الأمة.  لنفترض ان ما يجمع بيننا ليس الايمان بالله وانما الخضوع لثقافة معينة.  أمن الجائز ان الاسلام ، حتى من الصنف السلبي ، هو ايمان بأنماط الصحراء اكثر منه بحكمة الارادة الالهية ، وان المسلمين يتربون على محاكاة علاقات القوة لقبيلة عربية حيث يحكم الشيوخ ويرزح الاخرون تحت حكمهم؟ اصيغوا السمع الى الملك فهد عاهل العربية السعودية.  فهو يقول ان النظام الديمقراطي المتعارف عليه في العالم "لا يناسب هذه المنطقة".  وان "لا مكان للنظام الانتخابي في العقيدة الاسلامية" لأن الاسلام ينظر الى القائد على انه "الراعي" المسؤول عن رعيته (65).  فالملك لا يساوي المسلمين بالخراف فحسب بل انه يذهب الى حد الإطلاق قائلا ان ما هو سيئ للجزيرة العربية الصحراوية ـ "المنطقة" ـ لا بد ان يكون سيئا للاسلام ـ "العقيدة".  قد تحتجون ، معي ، بأنه مخطئ في اقدامه على هذه الطفرة ، ولكن الواضح ان المسلمين لا يحتجون جماهيريا.  وينبغي ان نحتج لأسباب ليس اقلها ان العاهل السعودي يحمل لقب خادم الحرمين ـ جامعي النبي في مكة والمدينة.  مَنْ الذي انتخبه ليكون سادن الاسلام؟  فنحن لم ننتخبه.  مَنْ يسكت عليه. نحن الذين نسكت عليه.  ولكننا ندفع ثمنا باهظا لإحجامنا حتى عن التفكير في الأمر. 

 

هلى استعمار الجزيرة العربية الصحراوية هو المشكلة التي نحتاج الى مساعدة لإصلاحها؟ 

 

 

 

هوامش الفصل الخامس

1 ـ نكتة ، رواها محمد ابو سمرة ، "الشهادة في المجتمع الفلسطيني الحديث" ، ( كلمة القاها في تورنتو ) ، 6 اكتوبر / تشرين الأول ، 2002.

2 ـ Jewish and Middle Eastern non-Jewish populations share a common pool of Y-chromosome biallelic haplotypes, Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America, Volume 97, issue 12, June 6, p. 10 of online version.  Down load this report at www.pnas.org.

3 ـ القرآن ، 17: 104.

انظر ايضا ، القرآن 5: 20 ـ 21 ، "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا وأتاكم ما لم يؤتِ احدا من العالمين". و "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدُّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين".

 

هنا يدعو الله اليهود الى ان يدخلوا الأرض المقدسة اياً يكن ساكنها.  وكانت جريمتهم انهم تخلفوا عن الركب فلم ينفذوا مشيئة الله. 

4 ـ خالد العظم ، مذكرات خالد العظم ، الجزء الأول ( بيروت:  الدار المتحدة للنشر ، 1973 ) ، ص 386. 

الإقرار بأن الحرب هي السبب في مشكلة اللاجئين لا يعني ان المرء لا يستطيع ان يتخذ موقفا متوازنا أو حتى متعاطفا مع القضية الفلسطينية.  للاطلاع على ما يثبت ذلك انظر

Benny Morris, The Birth of the Palestinian Refugee Problem, 1947-49 (New York: Cambridge University Press, 1989)

5 ـ Kanan Makiya, “Can Tolerance be Born of Cruelty in the Arab World?” New Perspectives Quarterly, Winter 2002, p. 3 of online version.  Read it at www.digitalnpq.org.

Paul Adams, “Tourists, investors shun Beirut despite

facelift”, Globe and Mail, 27 March, 2002.

7 ـ Arieh Avneri, The Claim of Dispossession: Jewish Land Settlement and the Arabs 1878-1948 (New Brunswick, New jersey: Transaction Books, 1984), p. 114.

يكتب افنيري Avneri على وجه التحديد انه "في 31 مارس ( آذار ) 1911 بعث نحو 150 شخصية عربية من وجهاء القدس على رأسهم راغب النشاشيبي ببرقية الى البرلمان التركي يحتجون فيها على بيع الأراضي لليهود.  وحتى قادة عرب معتدلون مثل رئيس بلدية القدس حسين الحسيني ، الذي كان يعتقد بأن هناك الكثير مما يمكن للعرب ان يتعلموه من اليهود ، اعربوا عن توجسهم من بيع الاراضي:  "رغم ذلك كله يجب ان نتحلى باليقظة تجاه الصهاينة لأنه إذا استمرت الاوضاع على حالها الآن ، لن يمر وقت طويل قبل ان تنتقل ارضنا كلها الى ايديهم.  ان فلاحنا فقير ومعدم والفقير مستعد حتى للتخلي عن ارضه من اجل الحفاظ على جسمه وروحه.  ولهذا السبب يجب ان تصدر الحكومة قانونا ضد بيع الاراضي لليهود ، آخذين في الاعتبار ظروف البلد". 

8 ـ في الوقت الذي تنفي تركيا رسميا وقوع جريمة الابادة بحق الأرمن ، لا ينكرها حتى أكثر الصحافيين الغربيين الذين يخطرون ببالي تعاطفا مع المسلمين ، وهو روبرت فيسك.  انظر صحيفة ذي اندبندنت The Independent  ، 5 اغسطس ( آب ) ، 2000.

ولكن ما ينطوي على مفارقة ان اسرائيل لا تعترف بوقوع جريمة الابادة ضد الأرمن في كتبها المقررة للدراسات الاجتماعية في مدارسها وذلك خشية ازعاج تركيا ، اقوى حلفائها الاقليميين.  وهذه سياسة اسرائيلية لن اتردد قطعا في انتقادها.  فهي خاطئة اخلاقيا وتاريخيا.

9 ـ Palestine Royal Commission report, Cmd 5479 London, July 1037), p. 135.

10 ـ Sandra Mackey, Passion & Politics: The Turbulent World of the Arabs (New York: Plume, 1994), pp. 121-22.

هذا الكتاب عمل رائع ، وان كان مغاليا في تعاطفه ، حول الثقافة العربية وليس فقط التاريخ العربي.

11 ـ 10 ديسمير ( كانون الأول ) ، 1938 تقرير في صحيفة نيوز كرونكل

News Chronicle ، ينقل عنه موريس بيرلمان

Maurice Pearlman, Mufti of Jerusalm:  The Story of Haj Amin el Husseini (London: V. Gollancz, 1974), p. 20.

هذه المشاعر تردد على نحو لافت ما يُنقل عن مزارع فلسطيني في قوله عن الارهابيين:  "يدَّعون انهم ابطال.  فلم يجلبوا لنا سوى الدمار والتشرد.  لقد استخدوا مزارعنا وبيوتنا واطفالنا للاختباء". انظر

Paul Adams, “Protests a rare sign of support by Palestinians for a ceasefire”, Globe and Mail, May 21, 2003.

12 ـ كما ينقل موريس بيرلمان

Maurice Pearlman, Mufti of Jerusalem, p. 29.

13 ـ هتلر كما ينقل عنه روبرت ويستريك

Robert Wistrich, Hitler’s Apocalypse:  Jews and the Nazi Legacy (London: Weidenfeld & Nicolson, 1985), p. 164.

أُوصي على الأخص بقراءة الفصلين الموسومين:

“Swastika, Crescent and Star of David” and “Militant Islam and Arab Nationalism".

14 ـ السير مارتن جلبرت Sir Martin Gilbert ( كلمة القاها في تورنتو ) ، 30 يناير ( كانون الثاني ) ، 2003.

15 ـ كما ينقل موريس بيرلمان عن الحاج امين في عمله

Mufti of Jerusalem, p. 51.

16 ـ هذه الحقيقة لا تأتي من مصدر صهيوني وانما من مصدر معاد للصهيونية هو وليد خالدي

Walid Khalidi, “Revisiting the UNGA Partition resolution”, Journal of Palestine Studies, Issue 105, Autumn 1997, p. 11.

يكتب خالدي: "من حيث السكان يكون للدولة الفلسطينية المقترحة 818 الف فلسطيني" و"اقل من 10 آلاف يهودي".  ولكن "سيكون للدولة اليهودية نحو 499 الف يهودي وحوالي 438 الف فلسطيني..."

17 ـ برنارد لويس

Bernard Lewis, The Middle East:  200 years of History from the Rise of Christianity to the Present day (Weidenfeld & Nicolson, 1995), p. 365.

18 ـ Gilles Kepel, Jihad: The Trail of Political islam (Cambridge: Harvard University Press, 2002), p. 53.

19 ـ جابر عصفور

Gaber Asfour, “Osama bin Laden:  Financier of Intolerant ‘Desert’ Islam”, New Perspectives Quarterl, Winter 2002. Donwload at www.digitalnpq.

 

20 ـ محمد ابو سمرة ، "الشهادة في المجتمع الفلسطيني الحديث" ، (كلمة القاها في تورنتو) ، 6 اكتوبر ( تشرين الأول ) ، 2002.

21 ـ صحيفة "الحياة الجديدة" ، 2 سبتمبر ( ايلول ) ، 2002.  ترجمة اندبندنت ميديا ريفيو اناليسيس Independent Media Review Analysis وقد جرى تدقيقها بالمقارنة مع ترجمات اخرى ، والنص العربي منقول منها. 

من المثير ان نلاحظ ان نبيل عمرو الذي كان نفسه رئيس تحرير سابقا ، كان وزير الاعلام في حكومة رئيس الوزراء السابق محمود عباس. 

22 ـ يوسف اليوسف

Yousef Al-Yousef, “Israeli propaganda nominated for Oscar”, www.arabia.com, March 21, 2002.

بالمناسبة يُوصف يوسف اليوسف في هذه المادة بأنه رئيس منظمة "المسلمين الاميركيين من اجل السلام العالمي والعدالة" ـ وهي منظمة اميركية مسلمة للدفاع عن حقوق الانسان مقرها في واشنطن دي سي. 

23 ـ الأكاديمي المقصود هو نعيم جناح ، الناطق باسم لجنة التضامن مع فلسطين في جنوب افريقيا.  وكان قد القى في 30 سبتمبر ( ايلول ) 2002 كلمة موضوعها "جنوب افريقيا واسرائيل ـ ممارسة الابارتهايد".

24 ـ البرلماني ذو العلاقة هو امنون روبنشتاين.

25 ـ انطوان شماس ، وهو كاتب من عرب اسرائيل ، كما ينقل عنه يوسف لابيد

Yosef Lapid, “To my candid, envious friend”, Jerusalem Post, June 13, 1995.

الصحيفة الناطقة بالعبرية التي نشر فيها شماس هي "حائير" ، من صحف تل ابيب المحلية. 

26 ـ مساعدي في مجال البحث تراسل مباشرة مع كاتب الرسالة ارجان الفاسد الذي أكد ان صحيفة "القدس"  لم تتراجع قط.  اقرأ القصة كاملة.

27 ـ ادوارد سعيد ، لوموند ديبلوماتيك ، سبتمبر ( ايلول ) 1998 ، ص 6.

Edward said, “Israel-Palestine: a third way,” Le Monde Diplomatique (English translation), September 1998, p. 6.

28 ـ ادوارد سعيد ، المصدر السابق ، ص 7.

29 ـ [ القوا نظرة على بعضها ].  استطلعتُ من اصدقاء غير يهود حضروا المؤتمر ، وتذكر العديد منهم رؤية هذه الرسوم الكاريكاتيرية.

30 ـ للاطلاع على امثلة موثقة توثيقا كاملا على ذلك انظر الموقع

www.memri.org  

واقرأ عمل روبرت ويستريك

Robert Wistrich, Muslim Anti-Semitism: A Clear and Present Danger (American Jewish Committee, 2002)

في كل من هذين المصدرين تُساق الأمثلة مشفوعة بأسانيد دون الاكتفاء بإيرادها. 

31 ـ وزير الدفاع المقصود هو مصطفى طلاس.

32 ـ البعض يقول ان مارتن لوثر كنغ كان يؤيد الصهيونية.  ولكن ليس هناك دليل دامغ على ذلك.  ويبدو ان ما يسمى "رسالة الى صديق معاد للصهيونية" بعث بها كنغ رسالة ملفقة.  وهي كثيرا ما تُقتَبَس بوصفها جزء من كتاباته الكاملة بعنوان

This I Believe .  ولكن الاقتباس لا يأتي ابدا على ذكر ارقام الصفحات ، وذلك لأن الـ"رسالة الى صديق معاد للصهيونية" رسالة لا وجود لها بكل بساطة.

33 ـ بحسب معهد الابحاث الاعلامية في الشرق الاوسط ، كتب احمد دحبور ، الأمين العام لوزارة الاعلام الفلسطينية ، في صحيفة "الحياة الجديدة" ، بعددها الصادر في 14 نوفمبر ( تشرين الثاني ) 2002 انه "إذا لم نقدم الصهيونية على حقيقتها ـ حركة قومية عنصرية اوروبية ظهرت على هامش الاستعمار والامبريالية القديمين ، فاننا سنقع فريسة سهلة..."

34 ـ David Matas, “Israel and the Palestinians:  Myths and realities” (Institute for International Affairs of B’Nai Brith

Canada, 2001), p.5

يثير ماتاس Matas نقطة هامة اخرى حيث يقول:  "ان القانون الأساسي في المانيا يسمح لأي شخص بان يصبح مواطنا إذا كان من ذرية شخص كان مواطنا المانيا وحُرم من تلك الجنسية لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية خلال الفترة الواقعة بين 30 يناير ( كانون الثاني ) 1933 و 8 مايو ( ايار ) 1945.  ولا يتعين على هذا الشخص ان يكون من ذرية الجيل الأول.  هذا القانون الالماني يُسمى بصورة غير رسمية "قانون العودة" ولكن لم يصدر ذات يوم قرار عن الامم المتحدة يعتبر قانون العودة الالماني هذا قانونا عنصريا. 

35 ـ امنون روبنشتاين

“Amnon Rubinstein, A minority within a minority”, Haaretz, October 7, 2002.

وينقل روبنشتاين عن الدكتور الكس لوينتال Alex Lowenthal ، مدير الخدمات الصحية العامة في وزارة الصحة الاسرائيلية ، قوله "ان لدى العرب المسيحيين أحسن المؤشرات الصحية في اسرائيل ، أحسن من اليهود".

36 ـ انظر الصورة. 

يبدو العرب شغوفين باستخدام الأسماء الاميركية ، ومنها Toys ‘R’ Us و

Blockbuster Video  [انظر امثلة على هذه المحاكاة من رام الله]

37 ـ توماس فريدمان

Thomas Friedman, The Lexus and the Olive Tree (New York: Farrar, Straus Giroux, 1999), p. 278.

38 ـ عرفان حسين

Irfan Husain, “When will we ever learn?” DAWN, December 21, 2002.

39 ـ فريد اسحاق

Farid Esack, On Being a Muslim: Finding a Religious Path in the World Today (Oxford: Oneworld Publications, 1999), p. 15.

40 ـ [انظر هذا الكليب]

41 ـ فريد زكريا

Fareed Zakaria, The Future of Freedom: Illiberal Democracy at Home and Abroad (New York: W. W. Norton, 2003), pp. 135-36.

42 ـ تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية ( ا ف ب ) ، 5 ابريل ( نسيان ) 2001

Hala Boncompagni, “Japanese pocket monster ‘Pokemon’ game fans passions in Jordan,” Agence France Presse wire service, April 5, 2001.

 ذكرت بونكومباني Boncompangi  انه بعد الفتاوى التي صدرت في العربية السعودية وقطر بمنع لعبة "بوكيمون" التهبت العواطف في عمان ايضا حيث اثارت الللعبة توترا بين المسيحيين فيما يرى بعض الاردنيين انها مؤامرة اسرائيلية.

 

وشعر الأب امانويل اسطيفان بنا من طائفة المسيحيين الارثوذكسيين السريان بوطأة النتائج منذ أيام عندما وصلت أول الرسائل المجهولة اليه بواسطة الفاكس. 

 

وجاء في هذه الرسائل ان كلمة "بوكيمون" واسماء الشخصيات الموجودة في اللعبة كلمات يهودية جذرها في اللغة السريانية القديمة وانها تسيئ الى الاسلام ، كما صرح القس لوكالة الصحافة الفرنسية (اف ب).  وقالت هذه الرسائل ان كلمة بوكيمون تعني "أنا يهودي" وان بيكاتشو (الشخصية الرئيسية في اللعبة) انما هو وصف رديء وجارح جدا لكلمة الله. 

43 ـ اتهم العالم الديني نفسه ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الشيخ ، غالبية اوراق البوكيمون التي يجري تداولها بأنها "تحمل نجوما سداسية هي رمز الصهيونية العالمية ودولة اسرائيل" فضلا عن "صلبان ذات اشكال مختلفة".

44 ـ الرئيس جورج دبليو بوش  (كلمة في الاكاديمة العسكرية الاميركية ، ويست بوينت ، نيويورك) ، 1 يونيو ( حزيران ) 2002.  انظر الموقع

www.whitehouse.gov.

45 ـ هشام قاسم في مقابلة صحافية ، الاذاعة الوطنية العامة ، 29 يوليو ( تموز ) ، 2002.

46 ـ سعد الدين ابراهيم ( كلمة القاها في بيت الحرية Freedom House ، واشنطن ، دي سي ) ، 21 اكتوبر ( تشرين الأول ) ، 2002.

47 ـ للاطلاع على عرض ممتاز لقضية ابو زيد انظر

Mary Anne Weaver, “Revolution by Stealth,” New Yorker, June 8 1998.

48 ـ سعد الدين ابراهيم (كلمة القاها في بيت الحرية ، واشنطن ، دي سي) ، 21 اكتوبر ( تشرين الأول ) ، 2002. 

49 ـ Jon B. Alterman, “Egypt:  Stable but for How Long?”, The Washington Quarterly, Volume 23, Number 4, Autumn 2000, p. 115.

50 ـ سعد الدين ابراهيم (كلمة القاها في بيت الحرية ، واشنطن ، دي سي) ، 21 اكتوبر ( تشرين الأول )، 2002.  الاقتباسان السابقان ايضا من هذا المصدر. 

51 ـ Rami Khouri, “Don’t stifle a rare Arab voice of moderation”, Globe and mail,July 5, 2000.

52 ـ Claudia Winkler, “Egypt’s Sakharov”, Weekly Standard, July 31, 2002, p. 1 of online version.  Download at www.weeklystandard.com.

53 ـ للاطلاع على هذه الرسالة انظر الموقع www.memri.org. وانقر على

Reform in the Arab Muslim World ثم انتقل الى

October 15, 2000: Liberal Arab Intellectuals Call on President Mubarak to Free Dr. Saad Al-Deen Ibrahim.

54 ـ تلقيتُ شهادات من عدة نساء.  لأسباب لا تخفى على القارئ لا تريد هؤلاء النساء كشف هوياتهن. 

55 ـ أمير طاهري

Amir Taheri, “The Arab Role”, National Review Online, December 20, 2002.

56 ـ عزت مجيد كما ينقل عنه توم فريدمان

Tom Friendman, “Breaking the Circle”, New York Times, November 16, 2001.

أخذ فريدمان الاقتباس مما يسميه "صحيفة ذي نايشن The Nation الباكستانية الشعبية".

57 ـ محمد علي جناح (في اول خطاب له بصفته الحاكم العام لباكستان) ، 11 اغسطس ( آب ) ، 1947.

58 ـ احمد ، حديث في تورنتو ، 13 سبتمبر ( ايلول ) 2002.

59 ـ Akbar Ahmed and Lawrence Rosen, “Islam and Freedom of Thought,” www.islamfortoday.com (archived), p. 2.

 

60 ـ برويز مشرف كما ينقل عنه الموقع www.bbc.co.uk, 16 فبراير ( شباط ) ، 2002. 

61 ـ Akbar Ahmed, “Reforming the Madrassah,” www.beliefnet.com (archived), p. 1.

62 ـ زبغنيو بريجينسكي ، لو نوفيل اوبزرفاتور Le Nouvel Observateur  ، 15 ـ 21 يناير ( كانون الثاني ) ، 1998 ، ص 76.

63 ـ الرئيس ايزنهاور كما ينقل عنه نعوم تشومسكي

Naom Chomsky, “Drain the swamp and there will be no more mosquitoes”, The Guardian, September 9, 2002, p. 1 of online version.

64 ـ “Donahue”, MSNBC, August 2, 2002.

65 ـ الملك فهد كما ينقل عنه جون ايسبوسيتو

John Esposito, “A Response to ‘The place of Tolerance in Islam’, Boston Review, February/March 2002, p. 2 of online version.