خاتمة

لقد درسنا نقاط د. بوكاي الثلاث، ووجدناها غير صحيحة. إن النزاع الذي حدث في الكنيسة في القرن الأول لم يحدّ من فاعلية الروح القدس في إلهام الرسل، فهو الإله القادر، خالق السماوات والأرض. فمن يقدر أن يبدّل أو يحرّف كلماته؟

هذا علاوة على أن كلام د. بوكاي يناقض القرآن الذي يقول في سورة الصف 61:14 (وتعود إلى عام 3 هـ ): فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ . وقد رأينا في سورة الحديد 27 (وتعود لعام 8 هـ ) أن مؤمنين مسيحيين صالحين كانوا موجودين وقت بدء الرهبانية عام 300م، بعد اختفاء اليهودية المسيحية بزمن طويل. فبحسب القرآن لا يمكن أن تكون المسيحية التي انتصرت وانتشرت قد نالها التحريف بسبب الاختلافات والمنازعات العقائدية.

نزاع أثناء نزول القرآن

لو أننا أخذنا جدّياً فكرة أن النزاع يؤثر على الوحي، فإن هذا يجعلنا نتساءل: ألم يكن هناك نزاع بين المسلمين والمكيين أثناء وحي القرآن؟ ألم يكن هناك صراع بين المسلمين واليهود؟ ألم يكن هناك نزاع بين محمد والمنافقين ومُدَّعي النبوّة؟.. نعم كان! لقد ذكر القرآن موقعة بدر بقوله وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة آل عمران 3:123). وفي السورة نفسها (آيات 140-180) يوبخ المؤمنين ويشجعهم بسبب ما جرى في موقعة أُحد. ولقد رأينا في القسم 2 فصل 1 أربعين شاهداً تتحدث عن النزاع بين المسلمين واليهود، أحدها من العهد المكي المتأخر، في سورة الأنعام 6:124 وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ .

أما النزاع الذي جرى بين محمد والمنافقين فيشبه صراع المسيحيين الأوَّلين مع اليهود المتنصرين، ومنهم مسيلمة الذي قاد سفارة من قبيلته لتلتقي بمحمد عام 9 هـ وأعلنوا إسلامهم. وفي العام التالي ادَّعى مسيلمة النبوة، وأخذ يحاكي القرآن. وقدَّم لنا أبو الفرج هذا النموذج:

كان الله كريماً مع التي كانت حاملاً، ووضعت من نفسها نفساً تجري بين الصِّفاق (الغشاء الشفاف المبطّن للتجويف البطني) والأمعاء !.

بل إنه كتب لمحمد يقول: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله فردّ عليه محمد بالقول إلى مسيلمة الكذاب . ومع ذلك فقد ظل نفوذ مسيلمة يزيد، ولم يتوقف نفوذه إلا بعد أن قتله خالد بن الوليد عام 11 هـ (بعد موت محمد بسنة واحدة).

فهل تكون هذه المنازعات سبباً في تحريف القرآن؟ سيرفض المسلمون هذا طبعاً، بل إن القرآن يعلن العكس، فقد ثار صراع كلما جاء نبي لأمته، من موسى بني إسرائيل إلى صالح قبيلة ثمود!

الصفحة الرئيسية