(ج) قراءات مختلفة في القرآن والكتاب المقدس

قراءات مختلفة في القرآن

بالرغم من المجهود الهائل في منع القراءات المختلفة، إلا أن اختلافاً كبيراً منها ظهر، أحصى ابن مسعود منه أكثر من 1700 اختلافاً.

(1) فهناك اختلافات نتجت عن خطإ غير مقصود (طبعاً) من النسّاخ.

(2) وقد يكتب أحدهم ملاحظة على الهامش، فيُدخِلها أحد النسّاخ بعد ذلك في النص.

(3) وهناك اختلافات بسبب سماح محمد بقراءة القرآن على سبعة أحرف.

وإليك بعض الاختلافات في قراءة سورة الفاتحة:

في الآية 3 مَالِكِ يومِ الدّين قُرئت ملك يوم الدين وقرأ أبو حنيفة مَلَكَ يومَ الدّين وقرأ أبو هريرة مالكَ .

في الآية 5 إيّاك قُرئت إياك (بتخفيف الياء) و أَيّاك و هَيّاك .

في الآية 6 اهدِنا الصراط قرأ عبد الله أَرشِدنا . والصراط تُكتب بالصاد وبالسين. و صراط الذين أنعمتَ عليهم قرأ ابن مسعود من أنعمت .

في الآية 7 غير المغضوب عليهم ولا الضالين قرأ عمر وعلي وغير الضالين .

وفي آخر سورة الفاتحة آمين . قال أبو حنيفة إن الواجب عدم الجهر بها، لأنها ليست من القرآن.

(4) وهناك اختلاف في القراءات نشأ عن أن تنقيط كلمات القرآن جاء بعد نحو 150 سنة من كتابته. قال السِّجستاني في كتابه المصاحف إن الحسن وابن سيرين كانا يكرهان نقط المصحف، وإن الحسن ومحمد كانا يكرهان نقط المصحف بالنحو (ص 158 و159). ولك أن تتخيل كيف يمكن تمييز حرف الباء بدون تنقيطها. هل هي تاء، أم ثاء، أم نون، أم ياء، أم باء؟ وكذلك الأمر في الجيم والحاء والخاء، والدال والذال، والراء والزاي، والسين والشين، والصاد والضاد، والطاء والظاء، والعين والغين، والفاء والقاف! والصورة رقم 2 التي تراها هي لآيات من سورة النور، من مصحف يرجع تاريخ كتابته إلى نحو عام 150 هـ ، محفوظ بالمتحف البريطاني بلندن، وأظنها أقدم نسخة معروفة للقرآن

وإليك السطر السابع من الصورة:

كما تجده في المصحف أعلاه:

بعد وضع النقط:

بعد وضع النقط والتشكيل:

تقول الآية 35 من سورة النور 24: ا للَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ... . فكيف نعرف المقصود من الفعل المبني للمجهول يوقَد بدون تنقيط؟ إن بدأ بالياء، يكون عائداً على الكوكب. وإن بدأ بالتاء يكون عائداً على الزجاجة!

صحيح أن أكثر من 99% من القراءات المختلفة (بسبب غياب التنقيط والتشكيل) لا تؤثر في المعنى. لكن لنتأمل آية 60 من سورة المائدة 5: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ . يبدو من القراءة السطحية أن الفاعل للفعل عَبَدَ هو الله. ولكن من المستحيل أن يعبد اللهُ الصنمَ المعروف بالطاغوت! وهناك 19 قراءة مختلفة لهذه الآية: سبع منها لابن مسعود، وأربع لأُبيّ بن كعب، وست لابن عباس، وواحدة لعُبيد بن عُمير، وواحدة لأنَس بن مالك. وإليك قراءات ابن مسعود السبع لهذه الآية:

ومَن عَبَدوا الطاغوتَ

وعَبَدةَ الطاغوتِ

وعُبَدَ الطاغوتُ

وَعَبُدَ الطاغوتُ

وَعُبُدَ الطاغوتِ

وعُبِدَتِ الطاغوتُ

عُبَّدَ الطاغوتَ

في هذه القراءات جُعل الفعل في صيغة الجمع ليكون المعنى أن القردة والخنازير هم الذين عبدوا الطاغوت. وجُعل الفعل في صيغة المبني للمجهول ليُعبَد الطاغوتُ من قِبَل القردة والخنازير. وجعل عبد اسماً ليكون المعنى أن القردة والخنازير من عَبَدَةِ الطاغوتِ.

وتأكيداً لهذا نجد عائشة تجيب عند سؤالها عن لحن القرآن إن هذان لساحران (سورة طه 63) وعن قوله والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة (سورة النساء 162) وعن قوله إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى (سورة المائدة 69) قالت: يا ابن أختي، هذا من عمل الكتّاب، أخطأوا في الكتاب (السجستاني كتاب المصاحف ص43).

فإذا استعرتُ لغة د. بوكاي في ص 100 من كتابه لقلتُ:

ولا نستطيع إلا أن نأسف على اختفاء كمٍّ ضخمٍ من المصاحف التي اعتبرها عثمان مزوَّرة فدمّرها، فقد كان لها أهمية تاريخية. ولو أن تلك المصاحف بقيت بقراءاتها المختلفة لاستطعنا بسهولة أن نجلو صعوبة قراءة عبد الطاغوت .

الصفحة الرئيسية