البحث عن الحق

تقديم الكتاب

بعد أن قرأت المسودة الأولي للاختبار الروحي للدكتور ابراهيم دشموخ (البحث عن الحق) ورأيت المعلومات الكثيرة التي تعب في بحثها وتقديمها، اقتنعت أن هذه القصة الواقعية تأسر القلب ، فإن قرار الدكتور ابراهيم لاتباع المسيح المخلص جاء نتيجة دراسة وتعمق ، بعد صراع فكري وعاطفي . والذين يطالعون هذا الكتاب من المسحيين الحقيقيين سيشكرون الله من أجل الدكتور دشموخ الذي تبع المسيح بأمانة رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته وقصة حياته توضح مقدار صعوبة طريق المتنصر.

على أن القصة من الجانب الآخر تُظهر أن ليس كل المتنصرين معرضين لفقدان عائلاتهم ، فإن علاقة الدكتور دشموخ بعد إيمانه بعائلته وأصدقائه ظلت علاقة طيبة . وهو يحس أن روح الله أعانه ليعتني بجيرانه وأقربائه وأصدقائه بطريقة أفضل مما كان يفعل قبل اعتناقه للمسيحية.

ونرجو أن يعلم القارئ المسلم أن اختبار الدكتور دشموخ ليس اختبارا فريدا، فإن كثيرين من المسلمين جازوا ذات الاختبار ، وهم يسألون عن طريق الخلاص من خطاياهم وعن علاقتهم الشخصية بالله ، وهي مواضيع لا يستطيع انسان أن ينساها ، فكل انسان يشتاق من أعماقه أن يسير مع الله . ونرجو أن الاختبار الروحي للدكتور دشموخ يساعد هؤلاء ، فيهتمون بالتفتيش عن الحق.

ولابد أن كثيرين من القراء المسلمين سيجدون أن دراسة القرآن بتعمق يمكن أن تنقل المسلم من إيمانه بالمسيح كما يقدمه القرآن إلي الإيمان بالمسيح كما يقدمه الإنجيل ، بتعاليمه وخدمته ، فيدركون معني اسم "يسوع" المخلص الذي يخلص شعبه من خطاياهم، والذي مسحه الله كاهنا يقرب الناس إلي الله ، ونبيا يعلن للناس فكر الله ، وملكا جاء يؤسس ملكوت الله في قلوب البشر.

ولم يكن انتقال الدكتور دشموخ من الفكر القرآني إلي الفكر الإنجيلي عن السيد المسيح أمرا سهلا. فسيكتشف القارئ الصعوبة البالغة التي واجهته حتى بدأ يدرس الكتاب المقدس متخطيا عقبة انه "كتاب محرف" وغير ذلك من العقبات التي تقف في طريق كل مسلم، فتمنعه من أن يقرأ الإنجيل بقلب مفتوح.

نتمني للقراء جميعا مسيحيين ومسلمين بركة من دراسة هذا الكتاب.

الناشرون

في هذا الكتاب

(الفهرس)

مقدمة

الفصل الأول – نظرة إلي الوراء

الفصل الثاني – البحث عن الحق

•  الحياة في مدينة عالمية

•  قراءة القرآن

•  آيات قرآنية عن الكتاب المقدس

•  قراءة الكتاب المقدس

•  اختلافات بين القصة القرآنية والقصة الكتابية

•  هل يحتوي القرآن على كل المعرفة اللازمة؟

•  ادعاءات قرآنية

•  الناسخ والمنسوخ

•  كيف انتشر الإسلام

•  طريق بديل

•  معضلتي

الفصل الثالث- التحول – خطيتي وخلاص الله

•  الخطية خاطئة جدا

•  الخطية والخلاص من منظور اسلامي

•  خلاص الله بالمسيح

•  ديْن في عنقي

الفصل الرابع – كيف أولد من جديد ، ولماذا؟

•  طفل ينمو في الإيمان

•  تكلفة التلمذة

•  التقدم نحو النضوج

البحث عن الحق

مقدمة

أصبح التحول من دين إلي دين آخر ظاهرة عادية في أيامنا هذه ، فإن كثيرين من أصحاب العقول المتفتحة يفتشون عن معرفة الله ليدركوا محبته الأزلية والأنس معه. وعندما يعلن الله الحق لهم يتركون خطاياهم وطرقهم القديمة ويتجهون إلي طريق الله في حياة جديدة بضمير نقي " أولئك على هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون" (البقرة 5) ولكن هناك كثيرين يضلون عن الحق سعيا وراء الثراء أو حتى تكتب الصحف عنهم . وقديما لم تكن الجرائد تهتم برواية قصص الانتقال من دين إلي آخر . أما في أيامنا هذه فقد احتلت أخبار الانتقال من عقيدة إلي أخري الصفحات الأولي من جرائدنا . وفي بعض الأحيان ينتقل مئات الناس أو الآلاف منهم ، أو بلد بحالها ، من دين إلي آخر بسبب الجوع ، ليجدوا عند من يطعمهم الطعام والعقيدة! وهناك من يغيرون دينهم بدوافع سياسية . ولابد أن اعتناق الدين يجلب المنافع المادية والسياسية ، كما أنه قد يسبب للحكومات والقادة الكثير من المشاكل.

ولقد أرشدني الله القدير أن أهجر الإسلام دين آبائي وأصبح مسيحيا. ومضت علي في حياتي الجديدة مع المسيح ثمانية وعشرون عاما وإني أرفع التسبيح والحمد لأنه غفر خطاياي ووهبني الحياة الأبدية. ولقد لاحظت أن كثيرين من الذين يغيرون عقيدتهم يكتبون اختبارهم الإيماني وينشرونه بسرعة . ولا غبار في نشر قصة التحول بسرعة ، على ألا يكون الدافع وراء ذلك اجتناء الفوائد المادية . ولقد طلب مني أحد أصدقائي المسيحيين أن أكتب اختباري ، فلم أحس بدافع داخلي لأن أفعل ذلك . فلقد وجدت في قصص التحول التي قرأتها أن ما جعل الشخص يتحول إلي دين آخر أنه وجد في الجديد أفضل مما وجده في دينه القديم ، مثل تعميق صلتهم الشخصية بالرب ، وفي حالتي الشخصية فتشت بجدٍ في ديانة آبائي عن طريق الله للخلاص ، فقادني إلي الطريق الحق ، فآمنت بالمسيح كما يعلنه الإنجيل المقدس.

فهل كان تحولي معجزة من عند الله؟ أعتقد أن كل ما جري لي جري بواسطة نعمته. ولكني لم أحس بدافع لأن أكتب قصة تحولي إلي المسيحية حتى التقيت بشاب مسيحي متحمس أراد أن يشارك غيره في اختباره الروحي ، فأردت أن أسجل قصة حياتي وكيف صرت مسيحيا، لأستطيع بذلك أن أساعد الذين يحتاجون أن يختبروا فرح الخلاص بالمسيح، فالمجد لله الذي " يريد أن جميع الناس يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون" (1تيموثاوس 2: 4).

الفصل الأول

نظرة إلي الوراء

وُلدت في 13 أغسطس (آب) 1934 في عائلة مسلمة من الطبقة المتوسطة في توديل ، وهي قرية صغيرة على الساحل الغربي لبلاد الهند على شاطئ نهر صغير تحيطه الجبال العالية . وكان في قريتنا ثلاثة أنواع من الناس ، أولهم المسلمون ، وهم الأغلبية والأغنياء . ثم الهندوس من الطبقة العليا . أما الجماعة الثالثة فهي المنبوذون . ولم يكن في القرية معبد هندوسي ، فكان الهندوس يتعبدون أمام بعض الأحجار التي دهنوها باللون الأحمر خارج نطاق القرية . أما المسلمون الكبار في السن من الرجال فكانوا يمارسون فرائض الدين الإسلامي بأمانة . لكن الشباب كانوا مشغولين بأشياء أخري.

وكان لأبي أربعة إخوة وأختان . وكنا نعيش في بيت واحد ، وكان والدي بمساعدة أخيه الأصغر يزرع قطعة أرض يملكها الإخوة جميعا، أما أعمامي الثلاثة الآخرون فكانوا موظفين . ولم تكن عائلتي متدينة كثيرا ، فكنا نكتفي بالذهاب للعبادة في الجامع كل يوم جمعة.

وكانت عادة أهل قريتنا أن نسمي الطفل الوليد على اسم أحد جدوده أو على اسم احد الانبياء ، كما كانوا يختارون أحد أسماء الله الحسني ويضيفون إليه كلمة "عبد" وهذه أسماء للرجال ، أما تسمية البنات فكانت صعبة في قريتنا لأن القرآن لا يذكر إلا اسم مريم ، ثم كان لدينا اسم آمنة أم نبي الإسلام ، وعائشة زوجته وفاطمة ابنته . وبالطريقة نفسها اختارت العائلة لي اسم ابراهيم ، ثم اضافت لقب العائلة "خان" و" دشموخ" وكانت عائلتي فخورة باسمي لأنه اسم ابراهيم خليل الله ، كما انه كان اسم جدي ، واسم كثيرين من المسلمين المحترمين في قريتنا.

ولقد تبعت ديانة الإسلام، شأن بقية أسرتي . وفي سنة 1957 كنت في الثالثة والعشرين من عمري ، وقد حصلت على درجة البكالوريوس في العلوم من جامعة بومباي ولم أكن قد مارست أية ديانة ولا قرأت كتابا دينيا ، ولم تكن عندي نسخة من القرآن ، ولم أكن قد تلقيت تعليما دينيا جادا في طفولتي . وكان في قريتنا جامع قريب من بيتنا ، فكان المؤذن يدعو المؤمنين للصلاة خمس مرات كل يوم ، لكن لم يكن لجامعنا إمام ، فكان واحد من الأتقياء الكبار في السن يؤم الموجودين في الصلاة ، وكان المؤذن يقوم بالإمامة عندما لا يوجد شخص يستطيع أن يفعل ذلك . وفي مطلع كل صباح كان الأطفال يجتمعون في الجامع لتعلم القرآن وحفظه ، وكان بعضهم يرتل القرآن ترتيلا جميلا، ولما كان القرآن قد أُنزل باللغة العربية ، فكان لا بد أن نحفظه باللغة العربية ، حتى لو لم نفهم معاني ما نقرأ وكان معلمنا يصحح قراءتنا الخاطئة دون أن يوضح لنا المعاني . وعندما كان أحدنا ينتهي من حفظ القرآن ، كنا نحتفل بذلك بأن نجتمع حول قبر أحد الأولياء الصالحين لنقرأ الفاتحة ، ثم نكسر جوزة هند نسمي عليها اسم الله ونوزعها على الحاضرين ، وكان في قريتنا أربعة اضرحة مقدسة تتمير في ظلام الليل بضوء مصباح زيتي ، وكان أهل القرية يكسون الضريح سنويا في موعد وفاة الولي المدفون فيه بقماش أبيض ، وينثرون عليه الورود طالبين له ولنا الرحمة.

ولما لم يكن في بلدنا إمام ، لم تكن هناك مدرسة إسلامية أحضرها . على أن كثيرين من الأولاد كانوا يستيقظون مبكرين ليتلوا القرآن في بيوتهم ، ولكن لما كان أغلب الآباء أميين ، لم يكونوا قادرين على أن يصححوا الأخطاء التي كان يرتكبها أولادهم في القراءة . وكان في قريتنا رجل عجوز يصلح شباك الصيد ، ولكن بسبب عجزه لم يكن قادرا أن يذهب للجامع في أوقات الصلاة الخمس ، فكان يدعو الناس للصلاة في بيته ، وكان رجلا تقيا محبوبا من الناس، وقد حفظ القرآن كله. وعندما كان يموت أحد القرويين كانوا يطلبون من ذلك الشيخ أن يقرأ القرآن ترحما على الميت ، وكان يتقاضي اجرا بسيطا على تلاوته ، كما كان يتلو آيات على الرمال التي ينثرونها حول البيوت ليمنعوا الحشرات السامة من الاقتراب إليها . كما كان يتلو آيات قرآنية لشفاء المرضي، ومع أنه كان يقرأ القرآن بالعربية ، إلا أنه لم يكن يعرف كيف يكتب ولا أن يشرح معناه، ولكن هذا لم يمنع كثيرين من الأطفال من الذهاب إلي بيته لتعلم القرآن ، وكنت أخاف منه لأنه كان يضرب الأطفال بعصاه.

ثم التحقت بمدرسة متوسطة تعلم باللغة الأردية ، تديرها الحكومة في قريتنا ، وبعد تعلمت الأبجدية الأردية والعربية حاولت أن أقرأ من القرآن الموجود في بيتنا في شهر رمضان فقط . وكنت أختار السور القصيرة ، ولم أقرأ القرآن كله أبدا، ولا مترجما، ولم أحاول أن احفظ منه شيئا.

وكان أحد التلاميذ يقرأ لنا قبل بداية دروسنا اليومية في المدرسة سورة الفاتحة ، ثم كان تلميذان يقومان بقيادة بقية الطلبة في تلاوة الأذكار ، وذات يوم طلب مني قائد الفصل أن أتلو سورة الفاتحة ، فوقفت أرتعش وأنا أتلو في غير نظام آبات تلك السورة ، ويبدو أن قراءتي كانت رديئة للغاية ، حتى أن ناظر المدرسة جاء بعصاه ليضربني وقرر الناظر أن يخصص حصة اسبوعية لحفظ القرآن.

وعندما التحقت بمدرسة أردية داخلية في قريتنا أجبرونا على أداء الصلاة بانتظام . وكان الغياب عن صلاة العشاء يحرمنا من تناول وجبة العشاء . فتعلمت كيف أصلي وأركع ، وحفظت كلمات الصلاة باللغة العربية . غير أني لم أستطع أن أدرك الصلة بين ما كنت أقوله من كلمات وبين ما أفعله من قيام وركوع.

وكان الصوم واجبا ثقيلا علي. فقد كان شهر رمضان طويلا ، خصوصا عندما يجئ في شدة حرارة الصيف ولم أكن طفلا حتى يعفوني من الصوم ، فكان لا بد من الصيام والصلاة غير أن شهر رمضان كان يجيئنا دوما بمكافأة ، لأن المدرسة كانت تغلق أبوابها مبكرا ، وكنا نتناول وجبات طعام شهية في الليل ، ثم كانت عائلاتنا تعطينا مصروفا اكبر وحلوي ألذ وملابس جديدة.

وبقدر ما أذكر ، وأرجو إلا تخونني الذاكرة ، لم يكن أفراد عائلتي يمارسون دينهم كما يجب ، ماعدا أختي الكبري التي حفظت القرآن وأقامت الصلاة – ولو أنها كامرأة لم تكن تستطيع أن تذهب إلي الجامع لأداء العبادة . فلم أشعر أني أقل أو أسوأ من أي فرد من أفراد أسرتنا . وعندما انتهيت من الدراسة الثانوية كنت قد فقدت حتى القليل من تديني الذي تعلمته في صغري.

الفصل الثاني

البحث عن الحق

•  الحياة في مدينة عالمية:

منذ ثلاثين سنة ، كما هو الحال اليوم ، يصعب على الانسان أن يجد مكانا لتعلم الطب في الهند ، وكان الالتحاق بدراسة الطب يتوقف على التفوق في الاداء المدرسي في المرحلة الثانوية ، وكان ذلك بلا استثناءات ، فقد كانت الدراسة مفتوحة للجميع بغض النظر عن العرق أو الدين، وكان الشرط الوحيد أن ينال التلميذ درجات عالية في دراسته السابقة للجامعة . وبفضل من الله نجحت وفي يونيو 1950 دخلت كلية طب "جرانت" في بومباي وكانت معهدا عالما، جاءه التلاميذ من كل أمة ولغة ودين. وحتى التحاقي بالجامعة كان كل أصدقائي من المسلمين ، وقليل منهم من الهندوس ، ومع أني لم أكن أعرف إلا القليل عن ديانتي ، إلا أن ما عرفته كان كافيا لأن يبعدني عن الهندوس الذين يعتبرهم المسلمون كفرة وعباد وثن. وعليه فلا يمكن أن نصادقهم أونتخذ منهم أولياء (آل عمران 28 والنساء 139، 144) . ولقد افترضت أن احجارهم أوثان يعبدونها ، ولو أني لم أهتم مرة واحدة بأن اسألهم عن عقيدتهم ، وكان موقفي من المسيحيين مشابها. صحيح أن القرآن بحسب معلوماتي ، ذكر أهل الكتاب: التوراة والزبور والإنجيل ، لكني لم أري احتياجا لأعرف أكثر عنهم ، فهم مشركون يعبدون ثلاثة آلهة ، واحد منهم عيسي ابن الله ، ثم أنهم كانوا أذكياء في تحويل الناس إلي السميحية ، وكان رجال ديننا ينصحوننا بالتعامل مع المسلمين وحدهم ، وأن نتحاشي غيرهم من الكفرة والمنافقين والمشركين والهالكين (البقرة 120 وآل عمران 100، 118 والمائدة 51، 57 والتحريم 9 والبينة 6).

ولكن كيف يستطيع المسلم أن يتحاشي أتباع هذه الديانات وهو يدرس في جامعة عالمية مثل جامعتنا؟ لقد كان التعامل مع الممرضات شيئا أساسيا بالنسبة للطبيب ، ومعظم هؤلاء مسيحيات ! فوجدت نفسي مضطرا أن أهمل نصيحة رجال ديننا ، وسرعان مااكتشفت أن صداقة الأساتذة والطلبة المسيحيين صداقة ممتعة ، وكنا نتبادل أفكارنا عن إيماننا ، وكنت فخورا بانتمائي للإسلام ، وبدأت اقلق بشأن مصير أصدقائي المسيحيين الطيبين الذين لن يدخلوا الجنة ، لأنهم يتبعون عقائد خاطئة ، ولقد تأثرت كثيرا لأن أفعال المسيحيين كانت تتفق مع تعاليمهم ، فلم يكونوا يتكلمون فقط عن محبة الآخرين ، بل كانوا يمارسون ذلك ، فيساعدون الفقراء والمحتاجين ، ويطبقون تعاليم دينهم في حياتهم اليومية – فهل هذا هو السبب الذي جعل القرآن يتكلم عنهم أحيانا كلمات لطيفة للغاية تمدحهم ، كما نقرأ في المائدة 69: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصاري ، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وفي الآية 82 " لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري . ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ".

وأثناء وجودي في الجامعة عُرض فيلمان مسيحيان في بومباي، "كوفاديس" و " الوصايا العشر " . وذهب مسلمون كثيرون لمشهدة الفيلمين بينهم نسوة محجبات . واندهشت لأن المعلومات التي يوردها الكتاب المقدس عن موسي أكثر جدا من المعلومات الموجودة عنه في القرآن . وسألت نفسي : ألا يحتوي القرآن كل ما جاء في الكتب التي سبقته؟ ومع أني كنت مستمرا في اعتبار ديانتي الأسمي ، لكني جعلت أعالج هذا السؤال دون أن أجد له جوابا.

ولقد حالت ظروفي دون أن أكمل دراستي بعد الجامعية في الطب ، فتعينت طبيبا في مستشفي للبرص اسسته الحكومة . وقبل أن أغادر بومباي أهداني صديق مسيحي كتابا مقدسا ، وأخذ مني وعدا أن أقرأه ، فقررت أن أقرأ القرآن أولا، حتى لا أضل عن الصراط المستقيم . والقرآن ينذر الذين يرفضون الإسلام بالهلاك ( البقرة 161، 162 والنساء 47 ، 56).

•  قراءة القرآن:

اشتريت نسخة من القرآن باللغة العربية مع ترجمة وتفسير في اللغة الأردية ، وجعلت أقرأ فيها في أوقات فراغي . واندهشت أن أجد قصة مذكورة في سورة تُذكر مرة أخري في سورة أخري ناقصة ، فخفت من الاستمرار في القراءة . وبدلا من أن أجد سلاما داخليا داهمني القلق. ثم ابتدأت نفسي تشتاق أن تقرأ الكتب الإلهية التي تحدث القرآن عنها ، ولكني خفت من لعنة الله علي لو أني قرأت التوراة والإنجيل . ولم يكن الخوف هو الدافع الوحيد لي ، فإني لم أر مسلما واحدا يقرأ التوراة والإنجيل ، ولا حتى يحتفظ بنسخة منهما في بيته . وكان الاتهام الموجه إلي المسيحيين واليهود أنهم غيروا كتبهم المنزلة . ثم أن القرآن نسخها وحل محلها. بل إن بعض المسلمين قالوا : إن المسيح عندما رُفع أخذ معه الإنجيل ورفعه إلي السماء.

وأخذت أدرس القرآن فلم أجد فيه آية واحدة ضد الكتاب المقدس . كما لم أجد آية واحدة تنهاني عن قرائته، فتملكتني الحيرة والخوف ، ولكني عدت أطمئن نفسي بأني لست عابد وثن ، ولكني مسلم ، شأني شأن كثير من المسلمين غيري، لا يمكن أن يُطلق علينا أننا " مسلمون بالإسم " لأني نطقت الشهادتين.

عند ذلك قررت أن أحصل على ترجمة للقرآن باللغة الإنجليزية لأقوي إيماني وأزيل مخاوفي جهة قراءة الكتاب المقدس، فاشتريت نسخة ترجمها محمد مرمدوك بكتول . وهو بريطاني اعتنق الإسلام أثناء خدمته لنظام حيدر أباد منذ خمسين سنة ، وكان كثيرون من مسلمي الهند يعتبرون هذه الترجمة صحيحة وسليمة . ولقد وجدت في تلك الترجمة إشارات إلي الكتب التي سبقت القرآن.

•  آيات قرآنية عن الكتاب المقدس:

يقول القرآن إن الله أوحي للأنبياء رسالته من قبل نزول القرآن ، وفي تلك الكتب هدي ونور ، وإن على الجميع أن يضعوا ثقتهم فيها ككتب منزلة (البقرة 4، 5، 91، 97، 136، 285وآل عمران 3، 4، 84 والنساء 47، 136، 163 والمائدة 44-46، 48، 66 والأنعام 93، 155 والأعراف 145 ويونس 38 الخ).

لقد كانت تلك الكتب المقدسة السابقة للقرآن موجودة أيام نزول القرآن ، يقرأها اليهود والمسيحيون ويدرسونها ويعلمونها لأولادهم ، وأوصاهم القرآن أن يقيم ما نزل بها من أحكام ويطلق القرآن على اتباع المسيحية واليهودية لقب " أهل الكتاب" ( البقرة 44، 113، 121 وآل عمران 78، 79 والمائدة 43 والأنعام 92 والأعراف 157 ويونس 95 الخ) . ولم يقل القرآن أبدا إنهم أتباع كتب تحرفت أو تغيرت أو نُسخت .

وكلَف القرآن اليهود والمسيحيين أن يقيموا التوراة والإنجيل ليأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (المائدة 65، 69) . والتوراة تحكم بني إسرائيل (المائدة 43) كما أن الإنجيل يحكم بين المسيحيين . فتقول المائدة 47: " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" ويقول القرآن إن الرسالة التي جاءت في التوراة والإنجيل جاءت مرة أخري في القرآن ، إنما بلسان عربي (الشعراء 192- 197) . فإذا جهل المسلمون شيئا وجب عليهم أن يسألوا أهل الكتاب (النحل 43) . وإن كان محمد في شك مما أُنزل إليه فليسأل الذين يقرأون الكتاب من قبله لينجلي عنه الشك (يونس 94 قارن الأنعام 115).

ولكن هناك آيات تنتقد بعض أهل الكتاب ، وتحملهم مسئولية تحريف كتبهم (البقرة 40-42، 75-79 ، 101، 140، 146، 159، 174 وآل عمران 70-72، 78، 187 والنساء 46 والأعراف 162) . ومن هذه الآيات القرآنية يبدو أن أهل الكتاب حرفوا كتبهم المقدسة ، وحذفوا بعض آياتها ، أو أنهم أخفوها أو نسوها ، وخلطوا الحق بالباطل . ووجدت معظم هذه الاتهامات موجهة ضد اليهود .

حاولت أن أصالح الآيات القرآنية التي تنتقد الكتب التي سبقتها مع الآيات القرآنية التي تشهد لنفس هذه الكتب بالصحة . وسألت نفسي : إن كان أهل الكتب السابقة للقرآن حرفوها ، فلماذا يوصيهم القرآن أن يحكموا بما جاء فيها ؟! ولإجابة هذا السؤال هناك احتمالان لابد أن يكون أحدهما صحيحا. (1) إن القرآن يناقض نفسه. (2) تحريف بعض آيات التوراة والإنجيل وإخفاؤها ينصب على تأويل تلك الكتب وتفسيرها ، وليس على نصوصها . فلقد بقيت الكلمات والنصوص كما هي ، ولو أن اليهود والنصاري أساءوا تفسيرها. إن تحريف نصوص التوراة والإنجيل يقتضي ليس فقط اتفاق اليهود جميعا والمسيحيين جميعا بكل طوائفهم على التغيير ، لكنه يقتضي أيضا اتفاق هؤلاء جميعا معا على ما يجب حذفه وتغييره ، وما يجب أن يبقي كما هو !! وهذا شيء مستحيل . فوصلت إلي نتيجة أن التغيير والإخفاء ، وليَ الألسنة ، هي اتهامات موجهة ضد اليهود والمسيحيين الموجودين وقت نزول القرآن . أما كتبهم فقد بقيت سليمة ليقرأوها ويحكموا بما جاء بها. ولم أجد أي نص قرآني أو حديث نبوي يقول إن القرآن نسخ الكتاب المقدس وحل محله. كما لم أجد أيضا نصا واحدا يقول إن الانجيل ارتفع إلي السماء عندما ارتفع المسيح.

فهل شكك بعض المسلمين المخلصين الذين يحترمون القرآن ، بقصد أو بغير قصد ، في سلامة الكتب المقدسة التي جاءت قبل القرآن ؟ وهل هم الذين يفسرون القرآن بأن يخفوا أجزاء منه ، أو يلووا به ألسنتهم ؟ لقد اندهشت وأنا ادرس الاكتشافات الحفرية الحديثة التي شهدت لصحة الكتاب المقدس وبرهنتها . كما أني أعلم أن المسيحين واليهود متعلمون ، وأمناء للحق ، وهم طوائف يختلفون في بعض العقائد ، ولكنهم لم يختلفوا قط في أن كتابهم المعطي لهم من عند الله بقي سليما كما هو.

•  قراءة الكتاب المقدس :

بعد ان اكتشفت براهين قرآنية كثيرة تشهد بوجود وصحة وسلامة ما سبقها من كتب مقدسة ، قررت أن أدرس الكتاب المقدس ، ولكي يكون ضميري مستريحا ، ومخافة إغضاب الله سبحانه ، قرأت مرة أخري الآيات الأولي من سورة البقرة.

وقال لي أصدقائي المسيحيون إن الكتاب المقدس يتكون من جزءين : العهد القديم ، وهو يحتوي على تسعة وثلاثين سفرا أُوحي بها قبل مجئ المسيح. ثم العهد الجديد، وهو يحتوي على سبعة وعشرين سفرا، بما فيها الأناجيل التي تروي قصة حياة المسيح، وكتابات الرسل التي تروي اختبارات الكنسية الأولي .

وتحتاج الدراسة الجادة في الكتاب المقدس إلي شهور، خصوصا من شخص مثلي عليه مسئوليات كثيرة . ولقد تأثرت كثيرا من القراءة الأولي ، ولكني وجدت اختلافات بين القصص القرآنية والقصص الكتابية الأمر الذي حيرني كثيرا.

•  اختلافات بين القصص القرآنية والقصص الكتابية :

يلاحظ حتى القارئ السطحي للقرآن والكتاب المقدس اتفاقات واختلافات بينهما ، أما الاتفاقات فلا تثير انتباه أحد ، خصوصا من المسلمين الذين يؤمنون بالكتب المقدسة كلها ككلمة الله . ولكن ماذا عن الاختلافات ؟ هل قصد الله أن يحذف من الكتاب المقدس قصص معجزات يذكرها بعد ذلك في القرآن؟ خذ مثلا أمر الله للملائكة بالسجود لآدم ، ورفض إبليس ذلك (الحجر 30، 31 وطه 116) . فلماذا حذف الكتاب المقدس هذه القصة ؟ ولماذا لم يذكر الكتاب المقدس قصة زيارة ابراهيم لمكة وبناء الكعبة ؟ (البقرة 125) مع أن الكتاب المقدس قدم سيرة ابراهيم باستفاضة؟ لماذا لم يذكر الكتاب المقدس قصة النساء اللواتي قطعن أيديهن بالسكاكين عندما رأين طلعة يوسف الجميلة (يوسف 31) . ولماذا لم يذكر الكتاب المقدس أن سليمان كان يعرف لغة النمل والهدهد (النمل 16) ؟ ولماذا لم تذكر التوراة قصة لعنة الله وغضبه على الذين جعل منهم قردة وخنازير مع أن الكتاب المقدس لم يكن رحيما أبدا بخطايا القوم (المائدة 60) ؟ ولماذا يقول الكتاب المقدس إن كل عائلة نوح نجت من الطوفان ، بينما يقول القرآن إن أحد أبناء نوح هلك في الطوفان (هود 42) ؟ وتقول التوراة إن هارون هو الذي قام بعمل العجل ولكن القرآن يقول إن السامري هو الذي عمله (طه 85) فهل يمكن أن يكون هناك شخص واحد يحمل اسمين مختلفين ؟ أو لماذا يتغير الاسم الذي يورده الكتاب المقدس بعد عدة قرون؟ ولماذا يقول القرآن إن مريم أم المسيح هي أخت هارون؟ هل يمكن أن نقول إن السامري المشار إليه في سورة طه هو واحد من السامريين أعداء اليهود في زمن المسيح؟

ولماذا هناك اختلاف حول مكان ميلاد المسيح ؟ (مريم 22) ولماذا يعزو القرآن إلي المسيح إجراء معجزات في طفولته (مريم 30 وآل عمران 49)؟ بينما يقول الإنجيل إن المسيح أجري معجزته الأولي في قانا الجليل عندما كان في الثلاثين من عمره؟ ولماذا يقول القرآن إن المسيح لم يُصلب (النساء 157) مع أنه يعلن أن النية كانت منعقدة على صلبه – بينما يوضح الإنجيل في شواهد كثيرة للغاية معني الصليب وأهميته وحدوثه ، كما تم دفن المسيح ، وقيامته من الموت؟

وما قيمة إنكار القرآن لبنوة المسيح التناسلية ، الأمر الذي ينكره الإنجيل أيضا (الأنعام 102) بينما لم يحاول القرآن أبدا أن يعلن المفهوم الإنجيلي لشخصية المسيح كابن لله بمعني روحي معنوي؟ ألا يدرك الإنسان عند قراءة القرآن أن المسيحيين يؤمنون بثلاثة آلهة (النساء 171 والمائدة 73، 116) وهكذا تختلف فكرة المسلم عن فكرة المسيحي الذي يدرس عقيدة التثليث كما جاءت في الكتاب المقدس؟

ومن الأسئلة التي شغلتني كثيرا ولم أجد لها جوابا ، السؤال : إذا كان اتفاق القرآن والكتاب المقدس في بعض القصص التاريخية يعني أنهما من أصل واحد ، فماذا يعني احتواء القرآن على قصص وحكايات لا ذكر لها إلا في بعض كتب البوذيين واليهود ، مما لا صلة له بالواقع والتاريخ والوحي؟! من ذلك قصة إلقاء ابراهيم في النار ، وقصة عرش الملكة بلقيس ملكة سبأ، وحكاية السامري وموسي وهارون وصناعة العجل المذهَب ، وحديث المسيح في المهد ، وقصة سكن مريم في هيكل الرب، وقصة معراج محمد وأصحاب الكهف .. الخ.

•  هل يحتوي القرآن على كل المعرفة اللازمة؟

ولماذا يقول المسلمون : إن القرآن يحتوي على كل ما يحتاج الإنسان أن يعرفه من الكتب الموجودة قبله ، مع أن القرآن لا يذكر كثيرين من أنبياء التوراة ؟ هل يقصد القرآن أن الأنبياء مثل إشعياء وإرميا وحزقيال وهوشع وعاموس وميخا وغيرهم ( ممن لا يذكرهم القرآن) هم غير ذي فائدة لنا نحن اليوم؟ ولذلك أغفل ذكرهم؟ وكيف نكرم الأنبياء ونحن نغفل أسمائهم ورسالتهم أليس عندهم ما يعلمونه لنا اليوم عن الله والتاريخ والبشر؟ وإن كنا لا نحتاج من المعلومات إلا القليل ، فلماذا يذكر القرآن مواعظ بعض الأنبياء ، ثم يكرر ذكرها عدة مرات؟

ثم ماذا عن السيد المسيح الذي يقدم الكتاب المقدس لنا الكثير عن تعليمه عن الله ، والجار ، ويقدم لنا أمثال عن ملكوت الله ، ومعجزاته الكثيرة وأحاديثه مع تلاميذه ، بينما يغفل القرآن مثل السامري الصالح والابن الضال؟ هل يمكن أن نغفل مثل هذه الأمثال الجميلة ولا نسمعها ؟ وهل يمكن أن نستغني عن تعاليم المسيح عن التواضع والمحبة؟

استمع لهذه الكلمات الرائعة عن المحبة:

" إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة فقد صرت نحاسا يطن أو صنجا يرن! وإن كانت لي نبوة ، وأعلم جميع الاسرار وكل علم ، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة فلست شيئا. وإن أطعمت كل أموالي ، وإن سلمت جسدي حتى أحترق ، ولكن ليس لي محبة ، فلا أنتفع شيئا! المحبة تتأني وترفق ، المحبة لا تحسد ، المحبة لا تتفاخر ، ولا تنتفخ ، ولا تقبح ، ولا تطلب ما لنفسها ، ولا تحتد ولا تظن السوء ، ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وتحتمل كل شيء ، وتصدق كل شيء ، وترجو كل شيء ، وتصبر على كل شيء ، المحبة لا تسقط أبداَ . أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة ، هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة " 1كورنثوس 13: 1-8، 13).

هل يمكن أن كلاما كهذا: يكون قد نُسخ ؟ هل يمكن أن تكون مثل هذه الكلمات التي يحتاجها البشر عن المحبة رُفعت إلي السماء؟ ألا يحتاج الناس بعد إليها؟ أليس غريبا أن يكون المسيحيون منافقين ، يغيرون إنجيلهم ، ثم يتركون مثل هذه الترنيمة الرائعة عن المحبة، وهي التي تذكرهم بضرورة المحبة لله والناس؟ وهل يوجد في القرآن مثل هذه الكلمات عن المحبة، أو مثل معانيها؟ لقد أثارت هذه الاسئلة الكثيرة تفكيري باستمرار.

•  ادعاءات قرآنية:

كل من يقرأ القرآن يري ادعاءاته الواضحة ، فهو كلمة الله . ولا تبديل لكلمات الله (يونس 65) . وقد أنزل الله إلي محمد ليُخرج الناس من الظلمات إلي النور (ابراهيم 1) ولا يأتيه الباطل ولا العوج ، وليس فيه أي اختلاف (فصلت 42والزمر 28 والنساء 82) ولئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ( الإسراء 88) ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا (الكهف 2).

ولكن هل يؤيد تاريخ القرآن وطبيعته ومحتواه صدق هذه الادعاءات؟

أذكر هنا بعض الصعوبات التي واجهتني . لم أجد في القرآن تسلسلا تاريخيا، ولم أجد زمن أو مكان حدوث أي حادثة . إن به متناقضات تاريخية ، وتجد أحيانا أن التسلسل التاريخي غير صحيح.

وجعلت أدرس الأحاديث عن كيف جُمع القرآن أيام عثمان ، الخليفة الإسلامي الثالث . وسألت نفسي إن كان القرآن الموجود بين أيدينا اليوم هو نفس القرآن الذي أُنزل على محمد ، خصوصا وأن عثمان أعدم كل النسخ التي سبقت النسخة التي وافق عليها من القرآن . وبالرغم من أن نسخ القرآن السابقة لعثمان قد دُمرت (كما ذكرنا) إلا أن بعض الصحابة أخذوا ينتقدون عثمان على ما أسقط من القرآن ، ولقد وجدت أن للقرآن قراءات كثيرة مختلفة حتى قيل تبريرا لذلك إنه نزل على سبعة أحرف . وقد وافق محمد على عدة قراءات متناقضة للقرآن ، وقال إنها كلها صحيحة رغم تعارضها بعضها مع بعض . ولقد وجدت أن تقديم هذه الأسئلة لأصدقائي يثير حماستهم العاطفية ضدي ، ولا يلقي أضواء عقلانية تنير لي طريق بحثي.

•  الناسخ والمنسوخ:

وحيرتني مشكلة الناسخ والمنسوخ في القرآن ، ووجدت كثيرين من المسلمين المعاصرين يحاولون أن يفسروا النظرية القديمة للناسخ والمنسوخ ليحلوا مشاكل تعترض تفكيرهم بخصوص القرآن . قال البعض: إن القرآن ناسخ ينسخ الإعلانات الإلهية التي سبقته ، مع أن القرآن لا يقول هذا مطلقا. ولكن ما ورد فيه من ناسخ منسوخ إنما يختص بالآيات القرآنية وحدها . فيقول القرآن لمحمد : " سنقرئك فلا تنسي إلا ما شاء الله" (الأعلي 6، 7) . " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها . ألم تعلم أن الله على كل شيئ قدير " (البقرة 106) . " وإذا بدلنا آية مكان آية ، والله أعلم بما ينزل ، قالوا : إنما أنت مفتر . بل أكثرهم لا يعلمون " (النحل 101).

ولقد اعترف مفسروا لاقرآن الأولون بالصعوبات التي واجهتهم في موضوع الناسخ والمنسوخ ، ولكني جعلت أسأل نفسي: هل يمكن أن تتغير كلمات الله الذي لا تغيير عنده؟ علما بأن القرآن ليس واضحا في شرح موضوع الناسخ والمنسوخ ، فهو لا يخبرنا أية آية هي الناسخة ، ولا أية آية هي المنسوخة . لذلك قام الفقهاء المسلمون بعمل قوائم بالآيات الناسخة والمنسوخة في القرآن.

•  كيف اتنشر الاسلام؟

وتبرز صعوبة الناسخ والمنسوخ في الآيات القرآنية عندما نجئ إلي عدم الإكراه في الدين ، ثم استخدام السيف لنشر الدين . واندهشت من التفاسير المختلفة التي قدمها فقهاء الإسلام في ذلك . فماذا يعني القرآ، عندما يقول " لا إكراه في الدين" (قان البقرة 256 ويونس 100) هذه الآية تناقضها الآيات التي تقول إن الدين عند الله الإسلام وأن الله يرفض كل ما عدا ذلك (آل عمران 85 والبقرة 161، 162 ) ولماذا كانت هناك حملات حربية ضد القوافل المسافرة من مكة ، ولما طُرد اليهود من المدينة ؟ ولماذا الإشارة المستمرة إلي الجهاد ؟ أليس دفع السيئة بالتي هي أحسن طريقة أفضل؟ (المؤمنون 96) فإن القرآن يقول " فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" (المائدة 13) ألا يكون الجهاد إذا ناسخا لهذه الآيات المتسامحة مع غير المسلمين؟

ويحاول بعض المسلمين أن يخففوا هذا التناقض بقولهم : إن الإسلام يعلم الجهاد للدفاع عن النفس. ولكن آيات القرآن تقول غير ذلك . فماذا عساهم يقولون في الآيات التالية : " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وخذوهم واحصروهم ، واقعدوا لهم كل مرصد ، فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم . إن الله غفور رحيم . قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخرين ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " " وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصاري المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم ، يضاهئون قول الذين كفروا من قبل . قاتلهم الله أني يؤفكون" (التوبة 5، 29، 30) وبماذا يفسرون قول القرآن : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" (الأنفال 39).

فهل يحل الناسخ والمنسوخ مشكلة التناقض بين هذه الآيات القرآنية؟ وإن كان هناك ناسخ ومنسوخ ، فأية آيات تنسخ الأخري؟ هل آيات التسامح تنسخ آيات الحرب أم العكس؟ لقد ذكرنا أن رجال الدين المسلمين وضعوا قوائم بالناسخ والمنسوخ – لكن ماذا لو أن قوائمهم كانت خاطئة؟

لقد صدمتني هذه الآيات المتناقضة كثيرا، فكيف يمكن أن تتواجد معا وهي متناقضة في اللوح المحفوظ من قبل خلق العالم؟ غير أني وجدت ان انتشار الاسلام السريع في العالم بُني على آيات الحرب والجهاد.

•  طريق بديل:

لقد تساءلت عن صحة الادعاءات القرآنية . هل الإيمان الإسلامي صادق، وهل يصلح أن يكون القرآن هو المصدر الرئيسي للعقيدة لكل البشر في كل زمان؟ إن آيات السيف تناقض آيات الانجيل المقدس مناقضة تامة . لنقرأ مثلا: " وصية جديدة أنا أعطيكم : أن تحبوا بعضكم بعضا . كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا، بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض" (يوحنا 13: 34، 35) . " إن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم ؟ فإن الخطاة أيضا يحبون الذين يحبونهم . وإذا أحسنتم إلي الذين يحسنون إليكم ، فأي فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يفعلون هكذا . وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم ، فأي فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل . بل أحبوا أعدائكم وأحسنوا واقرضوا وانتم لا ترجون شيئا ، فيكون أجركم عظيما، وتكونوا بني العلي ، فإنه مُنعم على غير الشاكرين والأشرار، فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم" (لوقا 6: 32-36).

" باركوا على الذين يضطهدونكم . باركوا ولا تلعنوا . فرحا مع الفرحين وبكاء مع الباكين . مهتمين بعضكم لبعض باهتمام واحدا، غير مهتمين بالأمور العالية ، بل منقادين إلي المتضعين . لا تكونوا حكماء عند أنفسهم . لا تجازوا أحدا عن شر بشر ، معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس . إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس ، لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب. لأنه مكتوب : لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. فإن جاع عدوك فأطعمه ، وإن عطش فاسقه ، لأنك إن فعلت هذه تجمع جمر نار على رأسه . لا يغلبنك الشر ، بل اغلب الشر بالخير" (رومية 12: 14-21).

أين هذه التعاليم من قول القرآن : " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم " ( مجادلة 22) . " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم" (المائدة 51) .

فهل يظن المسلمون أن آيات الإنجيل هذه ، التي تعلم عن التسامح لا قيمة لها اليوم ، وأنها نُسخت؟ وهل قرأ المسلمون هذه الآيات وفكروا في معانيها قبل أن يرفضوها باعتبار انها منسوخة"

•  معضلتي:

تموت المعتقدات ببطء وبصعوبة ، حتى لو لم يكن الإنسان يحيا بحسب معتقداته، وعندما يحس الإنسان بالتهديد تموت عقائده بصعوبة أكبر. لكن هل كان كتبة الآيات التي اقتبستها هنا من الإنجيل مصدر تهديد لإيماني ، حتى اعتبر أنهم اعدائي؟ لقد صارت عندي تحفظات حول ما يدعيه القرآن لنفسه. لم أكن قد وصلت بعد إلي المرحلة التي فيها أتفق مع أهل مكة في مقاومتهم للقرآن وللرسالة المحمدية . تلك الانتقادات التي ذكرها القرآن وأجاب عليها . لم أكن مستريحا للتناقض بين الكتاب المقدس والقرآن ، ولا لادعاء القرآن أنه يحوي كل ما في الكتاب المقدس، كما لم أكن مستريحا لطريقة جمع القرآن وتكوينه، ولا لمسألة الناسخ والمنسوخ ، ولا لمسألة الأمر بالجهاد والاعتراض عليه، رغم أن الجهاد أصبح واقعا حربيا للأمة الاسلامية ، وقد أدت هذه التحفظات إلي اهتزاز إيماني بالقرآن وما ادعاه محمد.

ولم تساعدني الأحاديث في شيئ ، صحيح أن الاسلام يعتمد الحديث كمصدر أساسي لتفسير القرآن ، وصحيح أن في الحديث منطقا تاريخيا . ولكن ذُهلت أن كثيرين من المسلمين المتعلمين يرفضون بعض الأحاديث ! وهذا زاد شكي في القرآن نفسه ، وبدا غريبا لي أن الاحاديث التي تعتبر لازمة ولا غني عنها لفهم القرآن ، تقدم نفس الادعاء الذي يقوله القرآن عن تفرد القرآن وكفايته.

واعترضتني مشكلة كبيرة تعترض الناس جميعا حينما يعتقدون ان الله قدوس ، وان وصاياه صالحة – عبر عنها نبي الله داود بالقول : " إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد ، فمن يقف" ( مزمور 130: 3) . ولقد عبر الشاعر غالب الفارسي في قصيدة باللغة الأردية ، عن صرخة صاحب المزمور التي هي صرخة كل انسان ، وصرختي أنا ، فقال : " إني أتذكر ندوب وآثار جراحات الرغبات التي لم تتحقق. آه يا الله ! لا تطالبني بسجل خطاياي!".

اليست نعمة الله هي العلاج الوحيد لخطية الانسان ؟

الفصل الثالث

التحول

خطيتي وخلاص الله

لما درست القرآن وجدت أنه لا خطأ في أن أستشير أهل الكتاب، فهكذا أمر القرآن محمدا (يونس 94) . فلماذا لا أستشير كتب أهل الكتاب ، وهي مترجمة في لغتي التي أفهمها؟ لقد شعرت من قبل بجاذبية نحوها ، لكن عندما بدأت أدرسها بعمق جذبتني كالمغناطيس، أو إن شئت فقل إنها كانت كالمصباح الذي يجتذب الفراشة.

•  الخطية خاطئة جدا:

" لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداءً عن نفسه ؟ " (متي 16: 26).

يتحدث القرآن والكتاب المقدس عن جنة عاش فيها أبوانا الأولان، آدم وحواء ، في توافق مع الله . كانت علاقتهما بالله قريبة وشخصية ، لأن الخطية لم تكن قد لطختها بعد. وتقول الكتب جميعا إن آدم وحواء كانا مسئولين أمام الله . لكن عندما عصيا أمره طردهما من الجنة ، ولم يعودا إليها أبدا، كما لم يدخلها واحد من نسلهما . ومنذ ذلك الوقت صار الإنسان في صراع ضد الله وضد الآخرين وضد نفسه. ويروي الكتاب المقدس والقرآن معا قصة الجنس البشري المحزنة.

ولكن هل يهتم الله حقا بعصيان الإنسان وما نتج عن ذلك ، أو هل يبقي الله بعيدا عن ذلك كله لا يهتم به ؟ فإن كان لا يهتم ، فلماذا أرسل الهدي للبشر، ولماذا يكافئ الطائعين ويعاقب العصاة؟ ولماذا يرضي ويُسر بالخير ويغضب على الشر؟ أما إن كان الله يهتم ، ألا يليق بنا أن نفكر في علاقتنا به. ولا نفكر فقط في أوامره التي عصيناها ، بل أيضا في صاحب الأمر الذي نستمع له؟

إني أدرك كيف يعيش البشر بوجهين ويكيلون بمكيالين ، وكنت أتمني لو أن الله تغاضي عن عقاب عصياني ، ولكني في قلبي كنت أدرك أنه يهتم ويعاقب العصاة ، وهذا يعني أنه يريد أن يغفر لكل من يحس بالأسي والحزن على العصيان ، لأن كسر أمر الله عصيان على الله نفسه . لقد كنت أدرك أني خاطئ ومريض روحيا، وأن خطاياي تضايق الله وتجعله يغضب . وكنت محتاجا للتوبة وأن أختبر الغفران والعناية الإلهية الروحية. وفتشت وبحثت أكثر فوجدت أني محتاج أن أخلص من نفسي الأمارة بالسوء ، وأن أتغير في الداخل ، فإن كانت الدمامل عوارض لمرض داخلي ، فإن الخطايا أعراض لمرض القلب الروحي.

2-الخطية والخلاص من منظور إسلامي:

كل من يقرأ القرآن يكتشف الآيات التي تصف رعب الجحيم ، وملذات أهل الجنة ، والطريق الذي يؤدي إلي الاثنين (سورة الحاقة 13-52). ولم تكن الحياة في هذا العالم والعالم الآتي مسألة دراسة أكاديمية بالنسبة لي ، بل كانت أمرا أصابني بالرعب من الآخرة التي تنتظرني ، وبدأت اسأل : كيف أهرب من الجحيم وأدخل الجنة ؟ فهل قلق القارئ على مصيره الأبدي ، وهل قرأ كلمة الله ليجد طريق النجاة ؟ لقد اندهشت أن كثيرين يتلون القرآن ككلمة الله ومصدر الحكمة والمعرفة ، ولكن قليلين منهم يقرأونه ليكلمهم شخصيا عن مصيرهم الأبدي ، ولقد وجدت الآيات التي تتحدث عن خطية الإنسان وخلاص نفسه:

•  هناك آيات قرآنية كثيرة تشير إلي خطية الإنسان ونسيانه وعصيانه ونفاقه . وحتى لو كان للإنسان اسم حسن بين الناس ، فإنه في داخله محتاج إلي التوبة والمغفرة . وهناك خطايا لا يمكن أن تكون لها مغفرة هي الشرك والكفر (النساء 116) . ومع أننا نغفر للآخرين ، وقد يغفر الآخرون لنا لكن غفران الله لنا يتوقف عليه وحده (الحجر 49، وآل عمران 129 والنساء 17، 18 ).

•  يرتبط دخول الجنة بالإيمان بالله والأعمال الصالحة (البقرة 62).

والإيمان بالله يعني الإيمان باليوم الآخر والملائكة والكتب والرسل ، خصوصا خاتمة الأنبياء والمرسلين (محمد) وطاعتهم (البقرة 177) . ويرتبط بالإيمان النطق بالشهادتين ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج. ويقول القرآن ان الدين المقبول الوحيد عند الله هو الإسلام (آل عمران 85) ولذلك فإن الارتباط بالأمة الاسلامية سبب رئيسي للسعادة الأبدية.

•  الله عادل، والبشر جميعا مسئولون أمامه ، وهم يتخذون قرارهم بأن يقبلوا هدي الله أو يرفضونه ، وعليهم وحدهم يتوقف مصيرهم . " ولا تزر وازرة وزر أخري ، وإن تدع مثقلة إلي حملها لا يُحمل منه شيء ، ولو كان ذا قربي. إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ، وأقاموا الصلاة ومن تزكي فإنما يتزكي لنفسه ، وإلي الله المصير" (فاطر 18) . نعم لا تزر وازرة وزر أخري ، فالله يري ويسمع ويعرف كل عمل ولا يخفي عنه شيء ولا تغيب عن معرفته حقيقة ، فالقرآن نذير لنا.

•  ويوحي القرآن إلينا بإمكانية الشفاعة بإذن الله ، ولكنه لا يذكر لنا تحت أي شروط تصبح هذه الشفاعة فعالة (الزمر 44، سبأ 23) .

•  الله غفور رحيم كما تقول كل السور (الزمر 53، 45 والأنعام 12).

•  صحيح أن الله يهدي لكنه يُضل أيضا (الزمر 23، 36، 37 والنحل 93 والإسراء 97). فالله صاحب السلطان الكامل على مصير الانسان الأبدي وعلي الخليقة كلها. وعلى هذا فإن مصير الانسان يتوقف على ارادة الله (الأنعام 150 والإسراء 54).

فإن كان الإنسان لا يمكن أن يعرف مصيره الأبدي ، فكيف أعرف أنا؟ وكيف أعرف الآن أو فيما بعد إن كان إيماني وأعمالي مقبولين أمام الله ؟ هل يقبل توبتي ؟ هل يغفر خطيئتي ؟ هل يرحمني؟ فأن لم أكن أعرف ، فما معني توبتي وطلبي للغفران ؟ لقد قرأت عن الجحيم " وإن منكم إلا واردها ، كان على ربك حتما مقضيا" (مريم 71) . فكيف أهرب من هذا ، حتى لو قمت بكل العمل الصالح ، لقد كُتب على كل انسان أن يدخل الجحيم!

وإذا كان أبو بكر (وهو من المبشرين بالجنة ) يقول : " لو أن إحدي قدمي في الجنة والأخري خارجها ، لا آمن مكر ربي " فما عساي أن أفعل أنا؟

ويؤمن المسلمون أن القرآن هو معجزة الله العظيمة وبركته للبشر، ويقولون إنهم يجدون فيه الهدي . وحسنا يفعلون . لكن هل يتبعون هذا الهدي ؟ وهل يعطيهم هذا الهدي تأكيد الله بخلاصهم الشخصي؟ لقد تألمت جدا لأني لم أجد في القرآن إجابة تشبع احتياجي . وفي يأسي تركت التفتيش والبحث ، ولو أن عطشي الروحي كان يزيد وأنا أحاول أن أرويه من القرآن بغير فائدة .

3-خلاص الله بالمسيح:

في موعظة ألقاها كليم الله موسي قال : " إن طلبت الرب إلهك ، تجده إذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك . عندما ضيق عليك ، وأصابتك كل هذه الأمور في آخر الأيام ، ترجع إلي الرب إلهك وتسمع لقوله ، لأن الرب إلهك إله رحيم ، لا يتركك ولا يهلكك ، ولا ينسي عهد آبائك الذي أقسم لهم عليه" (التثنية 4: 29-31).

عندما يقرأ إنسان مكتف بحياته راض عنها ، ناسيا لخطاياه مثل هذه الكلمات مئات المرات ، فلن تعني الكثير بالنسبة له ، أما أنا وبسبب قلقي على مصيري الأبدي ، فقد بعثت هذه الكلمات فيَ أمل جديدا وقادتني إلي دراسة أعمق للكتاب المقدس. وبدأت الدراسة ، لا بالنقد البارد ، ولا كقراءة اطلاع لمجرد المعرفة ، بل قراءة العطشان إلي مغفرة الله . وقد كلمتني آيات أخري في الإنجيل المقدس بصوت واضح وعالٍ مثل : " لأن ابن الانسان جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك " (لوقا 19: 10) . وقول المسيح " كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا ، ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلي الأبد ، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلي حياة أبدية" (يوحنا 4: 13،14).

وقول المسيح : " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ، لأنه لم يرسل الله ابنه إلي العالم ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم" (يوحنا 3: 16، 17).

" تعالوا إليَ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 11: 28).

وكمسلم كنت أعلم ان المسيحيين منحرفون عن الصواب ، لأنهم يؤمنون أن المسيح هو ابن الله ، وانه قد صُلب فعلا ، فليس المسيح أكثر ولا أقل من نبي مرسل من عند الله . وكانت فكرة أن الله يترك نبيا صالحا كالمسيح ليد أعدائه ليصلبوه فكرة غير معقولة ومرفوضة ! ولكن البراهين الكتابية على ما قاله المسيحيون جعلتني أعيد حساباتي . فلماذا يخترع المسيحيون مثل هذه الأفكار غير المعقولة ويتعلقون بها؟ وهل المسيحيون متخلفون عقليا ، أو هل هم مصابون بالكبرياء الروحية حتى يعتنقوا مثل هذه المعتقدات غير المعقولة؟ وقلت لنفسي : من الصواب أن يستمع الإنسان إلي ارائهم ويقرأ كتابهم ، ويجعل كتابهم المقدس يدافع عن نفسه بما يقوله ، بدلا من أن نقول له ما يجب أن يعلنه وما لا يجب . إن الكتاب المقدس يقول إن " الله محبة " (1يوحنا 4: 9، ش6) فان كان الله محبة كما يعلن الإنجيل ، فلماذا لا يظهر شخصيا في عالم يحتاج إلي محبته احتياجا شديدا ؟ لقد ارتفعت محبة الله إلي أسمي مستوي عندما نزلت إلي أعمق وأحط مستوي ، لتعلن رسالة فرح للنفوس الخاطئة البعيدة عن الله ! إن كلمة "إنجيل" تعني أخبار مفرحة ، والخبر المفرح هو أن الله يحب البشر. ويقول الإنجيل المقدس في ذلك " في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله . هذا كان في البدء عند الله . كل شيء به كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة . والحياة كانت نور الناس . والنور يضئ في الظلمة ، والظلمة لم تدركه . والكلمة صار جسدا وحل بيننا ، ورأينا مجده ، مجدا كما لوحيد من الآب ، مملوءا نعمة وحقا" (يوحنا 1: 1-5، 14) .

وكلمات الإنجيل هذه تقول : إن المسيح كلمة الله الأزلي صار انسانا ، وككلمة الله يمكن أن نسميه "ابن الله" . " كلمة الله" صار " يسوع" المولود من العذراء القديسة مريم بقوة الروح القدس . لقد كان وجود المسيح " كلمة الله وابنه" مستقلا عن العذراء مريم . فإن كلمة الله ، ابن الله ، كان موجودا من قبل وجود العذراء مريم . لكنه من رحمها أخذ جسدا. وهكذا وبطريقة لم يسبقه إليها أحد، ولم يلحقه بها أحد ، أصبح ابن الله ابن مريم . والمسيحيون ، شأنهم شأن المسلمين ، يعتقدون أن بنوية المسيح لله بنوية روحية . وأي خاطر عن صلة جنسية في هذه البنوية كفر مبين. وإني اليوم ، بعد أن صرت مسيحيا ، لا أجد أي مشكلة في أن أتلو سورة الإخلاص ، لأني شأني شأن غيري من المسيحيين ، أومن أن الله واحد ، وأنه لم يتزوج ، وأن كون المسيح ابن لله لا يعني عدم وحدانية الله . بالعكس ، فإنه بحسب الكتاب المقدس تكون بنوية المسيح لله برهانا على وحدانية الله .

ولما كان الله محبة ، ومحبة مقدسة ، فإن صليب المسيح يصبح أمرا معقولا. ولنتأمل في الآيات الثلاث التالية :

" بهذا أُظهرت محبة الله فينا : أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبة ، ليس أننا نحن أحببنا الله ، بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يوحنا 4: 9، 10).

" الله بين محبته لنا ، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا " (رومية 5: 8) . والإنسان الطبيعي، الذي يفكر بالفطرة ، يحتقر الخطاة ويكرههم . ولكننا جميعا نستثني أنفسنا من هذه الكراهية ! فعندما أخطئ لا أحتقر نفسي . ولكني أحاول أن أحبها وأغفر لها . وهكذا الأمهات ، فالأم تحب ابنها مهما اخطأ ومهما انحرف ، وهي تأمل دوما في إصلاح أمره. إنها تكره أفعاله الشنيعة ، لكنها لا تكرهه هو !

وحب الله لنا أعظم من ذلك ، سبحانه! لذلك يقول نبي الله داود : " إن أبي وأمي تركاني ، والرب يضمني" (مزمور 27: 10).

صحيح أنه لا تزر وازرة وزر أخري ، فالقرآن والإنجيل يتفقان معا على هذا ، بل إن الكتاب المقدس يقول إن الإنسان المخطئ لا يستطيع أن يتحمل أخطاء نفسه ، أما الله فيستطيع . ويقول الكتاب المقدس إنه بواسطة صليب المسيح فعل الله هذا الأمر نفسه ، وصار صليب المسيح وسيلة الله لإعطائنا مغفرة خطايانا، وتغيير قلوبنا ، ومنحنا حياة جديدة ، ويوضح صليب المسيح لنا شناعة خطيتنا ووزرها وثقلها الذي ينقض ظهورنا ، كما يبين لنا نتائجها الجهنمية ، وتكلفتها العظيمة علينا وعلى الله نفسه ، في صليب المسيح نجد قداسة الله ومحبته يتعانقان معا. فلم يقف الله متفرجا على المأساة التي وقع فيها البشر جميعا وماتوا، لكن حبه جعله يشترك في هذه المأساة فيدفع الثمن ، لذلك قال المسيح إنه جاء فدية عن كثيرين ، " لأن ابن الانسان لم يأت ليُخدم بل ليخدِم ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " (مرقس 10: 45) . ويقول رسول المسيحية بولس : " الكل من الله الذي صالحنا بنفسه بيسوع المسيح" (2كورنثوس 5: 18).

وتبع صلب المسيح ودفنه عمل عظيم من أعمال الله ، ففي اليوم الثالث قام المسيح من الأموات . وبالقيامة أعلن الله أن الصليب هو طريقه لخلاص البشر. ويكتشف كل قارئ للإنجيل المقدس أن الصليب والقيامة هما قلب الخبر المفرح الذي أعلنه الله للعالم ، وبدونهما لا يكون الإنجيل خبرا مفرحا. أما إن قبل القارئ هذا الخبر أو رفضه فهذا شأن القارئ وحده . يطلب اليهود آيات ، ويبحث اليونانيون عن الحكمة . ولكننا نحن نبشر بالمسيح مصلوبا ، مما يشكل عائقا عند اليهود بأن إلهنا ضعيف ، وعائقا عند الأمم بأن إيماننا غير معقول ! وأما عند "المدعوين" سواء من اليهود أو اليونانيين فإن المسيح هو قدرة الله وكلمة الله " لأن جهالة الله أحكم من البشر، وضعف الله أقوي من البشر" (كورنثوس 1: 22-24).

وإني كمسلم أستطيع أن أتفهم موقف المسلمين من فكرة بنوة المسيح لله وصلبه. فقد ظهرت لي الفكرتان غريبتين ومرفوضتين تماما. إلا أني بعد قراءة متعمقة للكتاب المقدس انذهلت ومازلت مذهولا.

*هل يدرك المسلمون أن المسيحيين يقدمون فكرة بنوية المسيح لله بطريقة تختلف تماما عن الطريقة التي يقدمها القرآن بها؟

**هل حقا يرفض القرآن أن المسيح قد صُلب ؟ وهل حاول المسلمون أن يدركوا معني الصليب أو الهدف الكامن وراءه في نور قداسة الله ومحبته للبشر؟ وعندما يرفض المسلمون الأفكار الكتابية الأساسية ، فهل يدركون ما يرفضونه ؟ وهل يستطيعون أن يوضحوا لنا لماذا يرفضون ما يرفضونه؟

لقد ألقي شعوري بقداسة الله ومحبته ، وإحساسي بخطيتي ضوءا جديدا على علاقتي بالله ، وعلى علاقة الله بي ، ولم يكن قراري باتباع المسيح وطلب المعمودية قرارا سهلا، لكنه جاء نتيجة جهد عقلي وروحي، وعندما اتخذت هذا القرار لم أكن أعمي عن نتائجه في عائلتي ومجتمعي. ولكن بالرغم من التكلفة العظيمة عرفت أن السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، وتوبتي كانت عودتي إلي حيث يجب أن أكون ، إلي أبي السماوي، فألقيت بنفسي في أحضان رحمته (لوقا 15) . لقد كانت القصص التي رواها المسيح عن الدرهم المفقود والخروف الضال، والابن الضال في هذا الاصحاح العظيم من الكتاب المقدس (لوقا 15) قصتي أنا شخصيا! إنها رواية حياتي ، وسجل علاقتي بالله – فكيف أصف صورة حياتي بأنها غير معقولة ومنسوخة ، وأن هناك ما يعلو عليها؟

4-ديْن في عنقي:

أقول الصدق عندما أؤكد أن للقرآن دينا في عنقي ، لقد درسته بجدية وتعلمت منه الكثير، كما لازلت اتعلم منه. لكن سؤالي هو : هل درْس كتاب منزل غير القرآن أمر ممنوع؟ شعرت في حالتي أن القرآن يقودني تلقائيا إلي الكتب الموحي بها التي سبقته. ولقد اكتشفت في الكتاب المقدس ما أصبح بالنسبة لي المعني الأسمي للآية القرآنية التي تقول: " هو الذي يُنزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلي النور. وإن الله بكم لرؤوف رحيم " (الحديد 9).

الفصل الرابع

كيف أولد من جديد، ولماذا؟

•  طفل ينمو في الإيمان :

ولادة شخص في عائلة مسيحية لا يعني أنه مسيحي، ذلك أن المسيحي الحقيقي هو الذي يولد ثانية ولادة جديدة بعمل الروح القدس، وهذا يعني ابتعادا يوميا منتظما عن الأفكار والأعمال الشريرة ، والاتجاه إلي الله وكلمته للتغذية الروحية. وكما يجدد الإنسان قواه الجسدية ، ويغذي جسده ،هكذا يفعل المسيحي الحقيقي بروحه، وكطفل مولود حديثا من الله كنت أجوع إلي كلمة الرب وإرشاده.

" فاطرحوا كل خبث ومكر والرياء والحسد وكل مذمة. وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش ، لكي تنموا به- إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح" (1بطرس 2: 1-3).

ويجد كل مولود من الله قوة في شركته مع المؤمنين الناضجين . ولكني حُرمت من هذه البركة لأنه لم يكن هناك مؤمنون ناضجون يعيشون بالقرب مني. ولكن الله استخدم زوجتي المحبوبة لتقف إلي جواري وتشجعني خلال الأيام العاصفة التي جاءت بعد تجديدي للمسيح.

وعلي كل مؤمن حقيقي أن يُراجع معني اختباره الجديد. هل هو اختبار حقيقي؟ هل دوافعه روحية نقية تجعل صاحبه يمتنع عن الشهوات الجسدية والإحساس بالصلاح الذاتي؟ من أي شيء تخلص الإنسان ؟ وإلي أي هدف يتجه؟ كيف يخدم الله والآخرين خدمة أفضل ؟ كيف تكون علاقته مع عائلته وأصدقائه رقيقة مُحبة حتى لو وقفوا ضده؟ هل تعكس حياته الحاضرة التغيير للأصلح الذي يقول إنه اختبره؟ ولقد ساعدتني الآيات الكتابية التالية في هذا الموقف:

" فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم ، فافعلوا هكذا أنتم أيضا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (متى 7: 12) .

" أعطوا تُعطوا كيلا ملبدا مهزوزا يعطون في أحضانكم، لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (لوقا 6: 38).

"فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 5: 16).

"فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى 5: 48).

ولقد ساعدتني هذه الآيات الكتابية ومثيلاتها على أن أدرك موقفي في حياتي الجديدة ، ومنحتني الهداية في الاتجاه السليم . ولكن الآية الأخيرة التي اقتبسها تقول : " كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" – فكيف يفهم تلميذ المسيح هذه الآية ، وكيف يطبقها على حياته؟ ولقد وجدت الفجوة الكبيرة بين الحياة الواقعية وما يطلبه المسيح منا – وهو يعرف ضعفاتنا. وكنت أعلم أن المسيح يعرف ضعفاتي الشخصية أفضل مما أعرفها أنا ، ومع ذلك فكيف يطالبنا بهذه المُثل العليا؟

ويستغرق الإنسان وقتا حتى يكتشف أن التأمل والصلاة يجعلان مثل هذه المُثل العليا منعشة ومدمرة معا! تدمر ، بسبب ضعفنا الإنساني ، وتنعش بسبب الثقة التي يضعها المسيح في تلاميذه. إنه لا يضع أمامهم هدفا منخفضا ، لكنه يتوقع منهم مواقف مرتفعة عالية في الخدمة والسلوك ، تماما كما عاش هو! كما أنه دوما يقف إلي جوار تلاميذه ، يشجعهم ويوجههم نحو الهدف المرتفع ، ويدفعهم ويلهمهم ، فإذا عثروا وسقطوا ، فإنه يمد يده إليهم ليرفعهم إلي أعلي ، كما قال نبي الله داود عن المؤمن: " إذا سقط لا ينطرح ، لأن الرب مد يده" (مزمور 37: 24). ومكتوب عن المسيح في الإنجيل : " لأنه في ما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 2: 18).

ويعرف كل من يقرأ كلمة الله أن المسيح قضي وقته يخدم بين الناس ، فشفي المرضي ، ثم ترك لتلاميذه مسئولية الشفاء أيضا، ونسبة المسيحيين العاملين في ميدان الطب والتمريض في الهند هي من أعلي النسب. ويبدو أن تلاميذ المسيح نفذوا ما كلفهم المسيح به، ولذلك فقد أحسست أن مواهبي الطبية عطية لي من الله ، فكل ما عندي عطية من ربي" وأي شيء لك لم تأخذه؟!" (1كورنثوس 4: 7) . صحيح أني عندما بدأت دراستي الطبية كانت دوافعي انسانية بحتة . وهذا ما تعلمته في المدرسة ، وما توقعه الناس مني ، وهو هدف عظيم في ذاته. ولكن ماذا عن الدوافع الأخري النابعة من الاهتمامات الشخصية ، مثل تكوين الثروة ، والمركز الاجتماعي والسلطان السياسي؟

لقد ساعدتني بعض الآيات من الإنجيل المقدس لأفهم معني التلمذة للمسيح، ولأحيا تلميذا له . لأنه " من دُعي في الرب وهو عبد فهو عتيق في الرب. كذلك أيضا الحر المدعو هو عبد للمسيح" (1كورنثوس 7: 22).

" أنتم نور العالم ، لا يمكن أن تُبني مدينة موضوعة على جبل ، ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال ، بل على المنارة ، فيضئ لجميع الذين في البيت . فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (متى 5: 14

-16).

وهذا يعني أن الله لم يخلقني فقط ، ولم يهبني موهبة الطب فقط ، بل أكثر من ذلك ، اشتراني بدم المسيح . فأنا ملكه ، كابن له فداني وغفر خطاياي وحررني لأخدم أهدافه ، ولأطلب مدح مجد اسمه وليس مدحي أنا . لقد جعلني آله في يده ، أشير لا لنفسي بل إليه هو كالنبع الوحيد للصلاح ، فالسبح كله لاسمه ، ألا تزيد خدمة الابن والابنة عن خدمة العبد والخادم؟

ولقد ساعدني الله إذ أنعم علي بزوجتي التي كانت تعمل في حقل التمريض ، فقرر كلانا أن نؤدى خدمة طبية متواضعة للمجتمع الذي نعيش فيه ، بالإمكانيات المتاحة لنا ، فاستقلت من وظيفتي الحكومية ، وأسست مستوصفا في " داساجون" وهي قرية قريبة من مسقط رأسي .

وبالرغم من الصعوبات ، فقد عالجنا الأغنياء والفقراء بغير فرق لمدة أربع سنوات . وكنا كل شهر نزور ابنتنا شيرين الطالبة بالقسم الداخلي في مدرسة "بونا" التي تبعد مئة كيلو متر عن " داساجون" . وكانت زيارتنا لبونا تعطينا فرصة العبادة مع إخوتنا المسيحيين في الكنائس الكثيرة الموجودة هناك . وكم نشكر الله من أجل تلك الفرصة . ثم انتقلنا إلي " أورانجاباد" وهكذا استمرت حياتنا حتى ثارت زوبعة عاتية.

•  تكلفة التلمذة:

لم يقل الكتاب المقدس أبدا إن المسيحي سيحيا حياة سهلة " فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟ " (عبرانيين 12: 4) . ولكن الله يعطي أولاده القوة التي تمكنهم من مواجهة الصعوبات . ولقد أدرك عقلي هذه الفكرة ، ولكني لم اختبر ذلك شخصيا إلا في ديسمبر 1979 عندما أصابني سرطان الغدد . ولقد كنت أعرف الإشارات القرآنية إلي نبي الله أيوب . وقرأت قصته مطولة عن آلامه ومحنه التي احتملها بصبر، كما رواها الكتاب المقدس. أما بعد مرضي فقد استطعت أن أحس بما أحسَ به أيوب ، لأن السرطان وعلاجه أصابا جسدي بآلام مبرحة.

وعرفت كما عرف أيوب من قبلي أن حكمة الله أعظم من حكمتي. وتأكدت ان الله يعتني بي في ضعفي ، لأن قوة القيامة أعقبت آلام الصليب . وعندما اختبرت بركة قوة نعمة الله وسط الضعف الجسدي البشري ، أدركت سر الإيمان المسيحي الذي خلصني من الاعتماد على نفسي، أو الحديث عن قدري وحظي ، لأن أدركت أن الله مصدر كل خير، وأن هذا السرطان الذي أصابني هو للخير. لابد أن عضلات الإنسان تتعب وهو يجري في سباق ، ولابد أن أوتار الكمان تتوتر لتُخرج الموسيقي – هكذا توتر جسدي وتعب ليعلن اعتماده الكامل على الله.

لقد علمنا المسيح أن الإيمان الواثق في أبوة الله يمكن أن ينقل الجبال ويعمل المعجزات . وبعد ثمانية عشر شهرا من علاج السرطان أُصبت بنكسة ، فقد تقيحت قدمي ، وقرر الأطباء ضرورة بترها. ولكن الله أجري معجزة شفاء استجابة للصلاة . واليوم (بنعمته) أقف على قدمي الاثنتين . كما أني لا آخذ أي علاج من فبراير 1982 . واستأنفت عملي الطبي في خدمة أهل " أورانجاباد" الذين كانوا قد اعتبروني في عداد الموتي، ولكن كثيرين منهم صلوا لأجلي وطلبوا شفائي . فاختبرت شيئا من الآلام التي يقول الإنجيل المقدس عنها :" احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة ، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرا، وأما الصبر فليكن له عمل تام ، لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء " (يعقوب 1: 2-4).

فهل يمكن أن أجرؤ على القول إن الله أجري قيامة ثانية لي؟ أشكر الله مع أسرتي وأصدقائي ، فقد جددت عهدي مع الله في تكريس حياتي له.

•  التقدم نحو النضوج:

أصبحت مشاعري نحو المرضي أرق وأفضل، لأني جزت هذا المرض القاسي . واعتبرت آلامي الجسدية بركة من عند الرب لأستطيع أن أحس مع مرضاي بآلامهم . والآن صرت قادرا على تشخيص مرضاي وليس فقط تشخيص أمراضهم . لقد أردت أن يعرفوا أن الله يحبهم ويعتني بهم، وأنه مصدر كل شفاء ، وما الأطباء والدواء إلا هدية بسيطة من عنده. وأنه يجب على الأطباء والمرضي معا أن يقولوا : " شكرا لك يا إلهنا الحبيب" . ونحن نصلي مع مرضانا ونعطيهم أجزاء من الكتاب المقدس ليقرأوها ، فيجدون املا جديدا وهدفا وسلاما من الله لحياتهم. وكثيرا ما كان مرضهم سببا في معرفتهم أن الله ليس فقط رب حياتهم وديانها ، لكنه أيضا أبوهم المحب . وهكذا صار مرضهم بركة لهم . وكم نتمني أنهم يذوقون حلاوة محبة الله وغفرانه لتتحرر قلوبهم من سموم الغضب والجشع والحسد والكراهية والانتقام ، التي كثيرا ما تعطل عملية شفائهم الجسدي .

" وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم ، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم " (رومية 8: 11) . " ولكن كيف يسمعون بلا كارز؟" يبلغهم بالرسالة (رومية 10: 14).

صحيح أن كثيرين من أقربائي تضايقوا من تحولي للمسيحية ، ووقفوا ضدي وضد عائلتي . ولكن بنسيان قليل من الاضطهاد الذي وقع علينا منهم ومن بعض أهل أورانجاباد ، إلا أننا لم نشعر بكراهية للمجتمع الذي يحيط بنا. ونحن كأسرة نجتمع بانتظام وعندما يزورنا أفراد أسرتنا نقرأ الكتاب المقدس ونصلي معا، وأحيانا يطلبون منا أن نفعل ذلك . ونحن نشكر الله لعنايته ، ومن أجل ارتباطاتنا العائلية.

" فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" أمر يمكن أن يطبقه كل مؤمن بالمسيح ، إذ يتقدم نحو الهدف الذي وضعه الله لحياته، ناظرا لرئيس الإيمان ومكمَله الرب يسوع المسيح ، ويمكن أن نكرر مع رسول المسيحية بولس ، ولو بصوت منخفض قوله:

" ليس أني قد نلت أو صرت كاملا، ولكني أسعي لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضا المسيح يسوع . أيها الأخوة ، أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت ، ولكني أفعل شيئا واحدا، إذ أنا أنسي ما هو وراء وامتد إلي ما هو قدام. أسعي نحو الغرض ، لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (فيلبي 3: 12-14).

ولكن كم يطول الطريق ؟ وكم تكون الرحلة شاقة ؟ وكم هي تكلفة الاحتمال؟ الله وحده يعلم . لكننا نتذكر أن المسيح " من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب" (عبرانيين 12: 2). احتمله ليخلصني ويخلصك أنت أيضا.

" اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم " (عبرانيين 4: 7).

" تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 11: 28).

مسابقة كتاب

"البحث عن الحق"

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتاب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنس أن تكتب اسمك وعنوانك كاملا عند إرسال إجابتك إلينا.

•  هل استطاع الدكتور دشموخ أن يتحاشي التعامل مع المسيحيين واليهود وهو يدرس في جامعة عالمية؟

•  ماذا يقول القرآن عن التوراة والإنجيل ؟ وكيف صالح دشموخ الآيات التي تشهد لهما؟ والآيات التي يبدو أنها ضدهما؟

•  لماذا تختلف القصص القرآنية والكتابية؟

•  هل يحتوى القرآن على كل المعرفة اللازمة للإنسان؟

•  ما هي مشكلة الناسخ والمنسوخ؟

•  الله قدوس ، ووصاياه صالحة . والإنسان شرير. فكيف يجد الإنسان القبول والغفران عند الله؟

•  ما معني قول المسيح: " تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال ، وأنا أريحكم"؟

•  كيف يولد الإنسان من جديد؟

•  ماهي تكلفة التلمذة للمسيح؟

•  كيف تقدَم الدكتور دشموخ نحو النضوج الروحي؟

http://www.geocities.com/Athens/Cyprus/3006

الفهرس