الموضوع السابع والعشرون : أغشية الجنين

عن الآية السادسة من سورة الزمر التي تقول " يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم ربكم له الملك " يعلق الأستاذ ع. ع الفتاح طبارة ، بما يلي :" في هذه الآية معجزة علمية للقرآن ، فقد أخبر أن الجنين له ثلاثة أغشية سماها ظلمات وهي الآن يُطلق عليها : الغشاء المنباري ، والخوربون ، والغشاء اللفائفي ، والجدير بالذكر أن هذه الأغشية لا تظهر إلا بالتشريح الدقيق وتظهر كأنها غشاء واحد بالعين المجردة " (1)

تفسيرات علماء المسلمين :

ـ "(يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) أي يخلقكم في بطون أمهاتكم أطوارا فإن الإنسان يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يتم خلقه ، ثم ينفخ فيه الروح فيصير خلقا آخر (في ظلمات ثلاث) هي البطن الرحم المشيمة وهو الكيس الذي يغلف الجنين " هذا التفسير هو لمحمد علي الصابوني (2)

ـ وفي الظلال للسيد قطب نجد " (في ظلمات ثلاث ) هي ظلمة الكيس الذي يغلف الجنين وظلمة الرحم الذي يستقر فيه الجنين ، وظلمة البطن الذي يستقر فيه الرحم " (3)

ـ وكذلك يقول ابن كثير :" (في ظلمات ثلاث) يعني ظلمة الرحم وظلمة المشيمة التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد وظلمة البطن ، كذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو مالك والضحاك وقتادة و السدي وابن زيد " (4)

الإعتراضات

1ـ إن الأغشية التي يتكلم عنها ع.ع طبارة توجد كلها ضمن المشيمة ولا تظهر إلا بالتشريح أما ما يتكلم عنه القرآن فهو شيء آخر بإجماع كل المفسرين منهم ابن عباس ، فهل نأخذ رأي ابن عباس الذي عاصر محمدا وعرف ماذا يقصد بالظلمات ، أم بمفسر من القرن العشرين عرف حقائق جديدةعن علم الأجنة ؟؟

2ـ إن الظلمات الثلاث هي غشاء الجنين والرحم والبطن وهذه كلها تعرف عند العامة من الناس منذ القدم وتظهر بمجرد الملاحظة والتجربة وذكرها ليس بالإعجاز إنما هو من المسلمات .

إن أخذنا بقول ع.ع طبارة نكون مضطرين إلى التسليم بوجود خمس ظلمات وهي ( الغشاء المنباري ، الخوربون ، الغشاء اللفائفي ، الرحم ، ثم البطن ) في حين أن القرآن لم يذكر سوى ثلاث ظلمات وبالتالي إما أن نجزم بأن القرآن قد أخطأ إذ لم يذكر إلا ثلاثا وإما أنه جمع ( الغشاء المنباري والخوربون والغشاء اللفائفي في ذكر المشيمة وعدهم ظلمة واحدة ) وفي هذه الحالة يكون ماذكره القرآن شيئا عاديا تعرفه العامة من الناس .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: روح الدين الإسلامي ص62 3: الظلال لسيد قطب في تفسير سورة الزمر

2: صفوة التفاسير في تفسيره لسورة الزمر 4: ابن كثير في تفسيره لسورة الزمر

وفي النهاية نجد أن مايدعيه العلماء عن إعجاز هذه الآية ماهو إلا محاولة للتأويل والتحريف بعيدة كل البعد عن معنى الآية المقصود أصلا .

" لا يخدعن أحد نفسه ، إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلا لكي يصير حكيما لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم ، وأيضا يعلم الرب أفكار الحكماء أنها باطلة " 1كورنثوس 18:3 ـ 20

الموضوع الثامن والعشرون: مدة الحبل

تقول الآية 233 من سورة البقرة " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة "

ـ وفي التفسير " أي على الأمهات أن يرضعن أولادهن لمدة سنتين كاملتين " (1)

ـ أما الآية 15 من سورة الأحقاف فتقول " ووصينا الإنسان بوالديه إحسان حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين " وفي تفسير هذه الآية نقرأ "( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) أي ومدة حمله ورضاعه عامان ونصف " (2) وأيضا قال ابن كثير :" (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) قد استدل عَلِيٌّ بهذه الآية مع التي في لقمان (وفصاله في عامين ) وقوله (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي صحيح ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة قال محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن عبد الله ابن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال تزوج رجل من امرأة جهنية فولدت له لتمام ستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له فبعث إليها فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ، فقالت وما يبكيك ؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط ، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيَّ ما شاء فلما أتى بها عثمان ، أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا فأتاه فقال له : ما تصنع ؟ ولدت تماما لستة أشهر وهل يكون ذلك ؟ فقال له علي أما تقرأ القرآن ؟ قال بلى ! قال أما سمعت (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) وقال (حولين كاملين ) فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال فقال عثمان والله ما فطنت لهذا ...إلخ الحديث " رواه ابن أبي حاتم (3)

الإعتراضات

بالنسبة للرضاعة طيلة سنتين فهذا قول ليس لنا اعتراض عليه مادامت المرأة قادرة على ذلك ، وهذا أحسن وأكمل للمولود كي ينمو نموا طبيعيا وهذه من بين العادات التي كانت معروفة منذ القديم عند العامة من الناس ، ولم تكن شيئا جديدا أتى به القرآن ، بل هي حقيقة شائعة ما كان على القرآن إلا أن يقر بها ويوافق عليها ، أما الإعتراض فهو على قوله (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فإذا طرحنا أشهر الرضاعة وهي أربعة وعشرون بقي فقط ستة أشهر ، وقد فطن لهذه الفكرة علي بن أبي طالب ، لذلك اقترح تفسيرا للآية حيث قال أن هذه المدة (ستة أشهر) هي أقل مدة ممكنة لأيام الحبل ونحن نتفق معه على استنتاجه القوي لو لم تكن هناك المشكلتين الآتيتين :

أ ـ الستة أشهر هي حالة خاصة ، والحالات الخاصة لا يقاس عليها في إطار الحديث عن العام خصوصا وأن الآية كانت في إطار الكلام عن الإنسان بصفة عامة .

1: صفوة التفاسيرفي تفسير سورة البقرة 3: ابن كثير في تفسيره لسورة الأحقاف

2: صفوة التفاسير في تفسير سورة الأحقاف

ب ـ تكلمت الآية أيضا عن الإنسان عندما يصير رجلا سنه أربعين سنة حيث قال (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك ...إلخ الآية ) الأحقاف 15.

وسن الأربعين هو سن متوسط وعادي ، إذن فالآية لم تضع أي اعتبار للحالات الخاصة عندما تكلمت عن الراشد الذي يصير رجلا إذ لم تذكر الذين يموتون وسنهم سنتين أو أقل أو أكثر وبالتالي من اللازم أن نقول بأن مدة الحمل يجب أن تكون المدة العادية دون اعتبار للحالات الخاصة ، وفي هذه الحالة يمكن الإختيار بين ثلاث أمور :

ـ إما أن القرآن أخطأ في حساباته ، حيث أنه أراد أن يقول ثلاثا وثلاثين شهرا فذكر فقط الثلاثين .

ـ وإما أنه وقع في خطأ علمي وهو ان مدة الحمل ليست ستة أشهر بل تسعة .

ـ أو أن في آيات القرآن تناقضا بحيث أن مدة الرضاعة هي عامين في آية لقمان ، وفي الأحقاف نجدها 21 شهرا إذا طرحنا مدة الحمل (تسعة أشهر) من الثلاثين شهرا .

ونترك الإختيار بينها لأولئك الذين يرجون الإعجاز من قرآنهم !!!

 

 للاتصال بنا

:
:

الصفحة الرئيسية