مقدمة:

لا تعتقد أكثرية المسلمين أنّه لكي تصبح مسلماً حقيقياً عليك أن تهدم ديانة الآخرين. على أنّه توجد بعض الاستثناءات لهذه القاعدة, منها أحمد ديدات, الذي دأب على مهاجمة المسيحيين وديانتهم بروح تذكرنا بالحروب العقائدية القديمة. ومن محاولاته الحديثة للنيل من المسيحية كتيبه بعنوان: "هل الكتاب المقدس كلام الله؟" والذي نُشر لأول مرة من مركزه لنشر الإسلام في دربن سنة 1980.

وفي كتيِّبه هذا يسعى ديدات جاهداً لإثبات أنَّ الكتاب المقدس لا يمكن أن يكون كلام الله. وربما يتأثر ببحثه هذا, وقد يقتنع به أيضاً, الجهَّال أو من هم على غير علم بالأمور. لكن أصحاب المعرفة الحقيقية بالنصوص, وبما كتبه التاريخ عن القرآن والكتاب المقدس, يدركون فوراً تفاهة محاولاته.

ويبدو أنَّ ديدات نفسه على علم تام بما هو فيه من ضعف, ولذلك - وحتى يغطي ضعفه - لجأ إلى أسلوب التحدّي بعبارات وقحة ليعطي الانطباع بأنَّ أمام نظر القارئ بحثاً مقنعاً لا يمكن الردّ عليه! وفي تقرير عن ندوة اشترك فيها ديدات قال أ.س.ك. جومّال Jommal: " حتى إذا كانت قضية المرء ضعيفة ولا يمكن الدفاع عنها, ففي استطاعته من خلال جرأته الخطابية أن يحمل السامع معه وأن يسيطر على الجماهير ويجتذبها في صفّه".

ونحن نعرف أنَّ جومَّال قد اعتمد على طريقة ديدات في كتابه "الكتاب المقدس: كلمة الله أم كلمة إنسان؟" والذي أشار إليه ديدات في صفحتي 44 و51. ويظهر يقيناً أنَّ ديدات نفسه لجأ لنفس هذا التكتيك في كتيبه الذي يهاجم فيه الكتاب المقدس. ومن الواضح أنَّ كلاً منهما يحاول جاهداً أن يعلّم بأنَّ ما يقوله ضد الكتاب المقدس يستحيل الدفاع عنه.

يزعم ديدات بكل جرأة في صفحة 14 من كتيّبه أنه إذا قُدّر لأي مسلم أن يعطي نسخة من كتيّبه إلى أي مبشر أو لشهود يهوه طالباً رداً كتابياً فلن يراهم مرة أخرى, ناهيك عن أي إمكانية لاستلام ردّ.

لقد سئمنا نحن المسيحيين من محاولات هذا الرجل على مرّ السنين للنيل من إيماننا, ولكننا وحتى نقضي على وهمه بأنَّ كتيّبه سوف يطارد أي مبشر, ويُرجعه إلى بلده نهائياً, عزمنا على كتابة الرد الذي طلبه ديدات. ولقد سبق أن رددنا على مطبوعات أخرى أصدرها, ونلاحظ باهتمام أنّه بينما في استطاعتنا دائماً أن ندحض تعدّياته, فإنّه وبصفة دائمة يبرهن على عدم قدرته على أن يواصل القول والرد علينا. وهذا في ذاته يحمل برهان العجز من جانبه!ثلاث درجات من الشواهد

يبدأ ديدات كتيّبه باقتباسات من اثنين من المؤلفين المسيحيين هما سكروجي وكراج, بما معناه أنَّ هناك عنصراً بشرياً إيجابياً في الكتاب المقدس. ثم بوقاحة يستنتج الآتي في كتابه الذي نرد عليه "هل الكتاب المقدس كلام الله؟": "هذان الدكتوران في علوم الدين يخبراننا بأوضح لغة ممكنة أنَّ الكتاب المقدس هو من خَلْق البشر" صفحة 2. إنَّ ما يهمله ديدات, وبدهاء, هو أن يعلن لقرائه أولاً أنّ الكنيسة المسيحية تمسَّكت وبصفة دائمة بأنَّ كلمة الله كتبها "أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" 2بطرس 1:20,21 . وثانياً إنَّ سكروجي وكراج لم يكونا "يفشيان سراً" كما يقول ديدات بخيلاء بل كانا يعلنان أنَّ الله أعلن كلمته بواسطة أنبيائه, إذ "تكلَّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس". وعندما يستشهد ديدات بما ورد في كتاب كراج "نداء المئذنة" فإنَّه, وبدهاء شديد, يلوي الكلمات ويخرجها من مضمونها. فكراج يتكلم عن العنصر البشري في الكتاب المقدس, ليبرهن لنا ميزة يتفوَّق بها الكتاب المقدس على القرآن. فأهل القرآن يقولون إنَّ القرآن خالٍ من أي عنصر بشري, أما أهل الكتاب المقدس فيقولون إنّ الله اختار بقصدٍ أن يعلن كلمته بواسطة كتابات أنبياء ورسل موحى لهم, وذلك ليس فقط لينقلوا الكلمة للناس, ولكن لتصل الكلمة للناس على مستوى فهمهم وقدرة إدراكهم. فالرسول لا يستلم كلمة الله فحسب, بل ويستطيع بنفسه, بوحي الروح القدس, وبدون أي إمكانية لأي خطأ, أن ينقل ما تعنيه تماماً إلى قرائه. وهذا ما لا يفعله القرآن لأنّه كما يقولون خالٍ من أي عنصر بشري. ويقسم ديدات الكتاب المقدس إلى "ثلاث درجات من الشواهد" صفحة 4, وهي: كلام الرب, ثم كلام نبي الرب, ثم كلمات المؤرخ. ويستشهد ديدات بفقرات حيث يتكلم الله, وأخرى حيث يتكلم المسيح وأخيراً حيث تُروى أشياء عن المسيح, مشيراً بخيلاء أنّ المسلمين حريصون على التفريق بين هذه الثلاثة. ويقر ديدات أنّ القرآن وحده يحتوي على كلمة الله, بينما يحتوي الحديث على كلمات النبي, وتحتوي كتب أخرى على كتابات المؤرخين. ثم ينتهي إلى القول: "يُبقي المسلم, وبحرص, فاصلاً بين هذه الأنواع الثلاثة السابقة من الشواهد, فكلٌ له مكانته, ولا يساوي بينها أبداً" صفحة 6.

ويدهشنا كثيراً أنَّ رجلاً يتظاهر بأنَّه عالم في الإسلام يمكن أن يقول هذا! فهو بالتأكيد يعرف أنَّه لا صدق البتة فيما صرَّح به. فأولاً يحتوي القرآن على فقرات كثيرة تسجل كلمات أنبياء الله. وعلى سبيل المثال نقرأ أنّ زكريا النبي قال: "رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ" سورة آل عمران 3:40. فإذا كان القرآن حسب زعم ديدات يحتوي فقط على كلمة الله, بينما كلمات الأنبياء هي في الحديث فقط, فكيف يوضح لنا وجود كلمات النبي زكريا في سورة آل عمران؟

والقرآن يحتوي على كلمات ملائكة إلى محمد, وليست كلمة الله إليه: "وَمَا نَتَنَّزَلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً" سورة مريم 19:64. فهذه الكلمات موجّهة كما هو واضح إلى محمد مباشرة من الملائكة, فهي كلمات ملائكة وليست كلمات الله.

أضف إلى ذلك أنَّ في الحديث كلمات كثيرة ليست كلمات أي نبي بل واضح أنها كلمة الله. وهي المعروفة بالحديث القدسي, وهذا مثال لها: "عن أبي هريرة قال: رسول الله صلعم قال الله تعالى: لقد أعددتُ لعبيدي الأتقياء ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر" صحيح مسلم.

والحديث مليء بمثل هذه الأقوال. أضف إلى ذلك أنّ في القرآن والحديث الكثير الذي قراءته تشابه تماماً فقرات في الإنجيل, مما يزعم ديدات بأنها أقوال مؤرخين. فرواية القرآن لقصة مولد المسيح من مريم هي تماماً من "النوع الثالث" المستشهَد به في كتيب ديدات: "فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً. فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ" سورة مريم 19:22و23, وما يقوله القرآن هنا عن مريم لا يختلف في روايته عما ورد في إنجيل مرقس 11:13 عن المسيح. ومع ذلك فإنَّ ديدات وهو يستخدم هذه الآية من إنجيل مرقس كمثال يقول إنّ هذه الرواية لم ترد في القرآن!!

ونستنتج من ذلك حتماً أنَّ جهود ديدات للتفرقة بين القرآن والكتاب المقدس مؤسسة كلها على منطق زائف. فالقرآن يحتوي على أقوال أنبياء, وروايات تاريخية على امتداد صفحاته, ولا يمكن لأحد أن يقول إنه يحتوي على كلمة الله وحدها! أيضاً يحتوي الحديث على أقوال الله وأقوال الأنبياء. فعندما يقول ديدات إنَّ هذه الثلاثة أنماط من الشواهد - أقوال الله والأنبياء والمؤرخين - يحرص المسلمون على إبقائها منفصلة فإنّه بذلك يدلي بتصريح زائف, هو نموذج للكثير من تصريحاته التي نجدها في كتيبه.

واضح من البداية أنَّ مجادلات ديدات ضد الكتاب المقدس هي بغير مبرّر, ويستمر اتجاهه هذا في كل كتيّبه.

الصفحة الرئيسية