دعوة للتفكير
لقد وصف القرآن نبي العرب محمد بالنذير ووصفه أيضا بالنبي لكن هل هناك فارق بين النذير والنبي؟ متى وأين وصف نفسه بالنذير؟ متى وأين وصف نفسه بالنبي؟ لا يمكن معرفة ذلك إلا بالرجوع إلى القرآن وآياته المكي منها والمدني وهذا ما سنناقشه بالتفصيل .
نعم كل نبي جاء كان نذيرا ومبشرا للناس لكن ليس كل نذير نبي فربما أحد من الناس حمل على عاتقه ومن نفسه أن ينذر الناس ويحذرهم من وقوع كارثة أو خطر جسيم أو أمر مهلك أو يبشر الناس بخير عميم قادم إليهم وهو ليس بالضرورة أن يكون نبيا ، جاء في شعر ورقة بن نوفل :
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم أنا النذير فلا يغركم أحد
لا تعبدوا إله غير خالقكم فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد
هنا نرى ورقة بن نوفل قس مكة وابن عم خديجة أول أزواج محمد يقول عن نفسه أنه نذير ولم يكن ورقة نبيا .
إن القارئ المدقق بفهم وتعقل يجد أن القرآن صرح في آياته المكية أن محمدا نذيرا وأستخدم تلك الألفاظ نذير ، تنذرهم ، فأنذر ، نذيرا وغيرها كثير من الآيات المكية بل إن القارئ الأكثر تدقيقا وتعمقا وفهما يجد أن القرآن المكي صرح في آياته أن محمدا ليس إلا نذير وإلا هنا حرف حصر أي أن محمدا ليس له صفة أخرى ولا عمل غير الإنذار فهو فقط نذير .
وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ( الفرقان 25 : 56 )
قل أعظكم بواحدة أن تقوموا لله ... ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ... قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلى ربي ... (سبإ 34 : 46-50 )
أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين( الأعراف 7 : 184 )
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ( الأعراف 7 : 188 )
قالوا لو أنزل عليه آية من ربه قل إنما الآيات عند الله إنما أنا نذير مبين ( العنكبوت 29 : 50 )
ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا إنما أنا نذير مبين ..( ص 38 : 69-70 )
وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين ( الشعراء 26 : 115 )
إ ن هو إلا نذير لكم ( سبا 34 : 46 ) إن أنت إلا نذير ( فاطر 35 : 23 )
المتأمل في كل تلك الآيات المكية يجد أن القرآن حصر أن محمدا فقط نذير وليس له كما للأنبياء حتى أنه تارة لا يعرف إذا كان يسير في الضلالة أم في الهدى فيقول إن ضللت فعلى نفسي وإن إهتديت فبما يوحي إلى ربي ، وتارة يتحلل من صنع المعجزات التي تؤيد الأنبياء لا لشئ إلا لأنه فقط نذير ، وتارة لا يعلم الغيب مثل الأنبياء ولا يملك دفع السوء عن نفسه فهو فقط نذير ، ولا يوحى له شئ عن تخاصم الملأ الأعلى لأنه فقط نذير ، واستخدم لفظ النذير في عدد قليل من الآيات المدنية وأضاف إليها بعض الألفاظ مثل نبي ، مبشرا ، شاهدا ، أرسلناك والملاحظ اختفاء حرف الحصر إلا في آيات المدينة .
يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( الأحزاب 33 :45 )
نعم كل منذر لا يأتي بجديد لكن يذكر الناس بأشياء وأخبار وأحداث وأقوام وكتب سابقه ، والقارئ المدقق بفهم وروية وتعقل يجد أن أغلب آيات الذكر والتذكرة والذكرى هي آيات مكية :
كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا ( طه 20 : 99)
وقالوا يا الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( الحجر 15 : 6 )
وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( النحل 16 : 44 )
إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له حافظون ( الحجر 15 : 9 )
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ( الأنبياء 21 :48 )
إن هو إلا ذكر للعالمين ( القلم 68 : 52 ) ( التكوير 81 : 27 )
من كل ما تقدم نجد أن الذكر نزل على موسى وهو ذكر الذين قبل محمد وكذلك هو أنباء من سبقوه ، هو ذكرى وتذكرة غير مفروضة على أحد بل هي لمن شاء :
فذكر إن نفعت الذكرى ( الأعلى 87 : 9 )
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى ( طه 20 : 3 )
نعم القرآن ما هو إلا تذكرة ليس إلا وهى قصص الأولين .
ترى متى وأين صرح القرآن صراحة أن محمدا نبيا ؟ لم يحدث ذلك خلال ثلاثة عشرة سنة بمكة وبطول ستة وثمانين سورة لكن صرح بها عندما جاء إلى المدينة خلال تسع سنوات وفي أقل من ثلاثين سورة فالآيات المكية كانت تصف محمد أنه نذير ليس إلا .
إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي ( آل عمران 3 : 68 )
يأيها النبي حرض المؤمنين على القتال ( الأنفال 8 : 65 )
يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ( التوبة 9 :73 )
يأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين( الأحزاب 33 : 1)
يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ( التحريم 66 : 1 )
إن الله وملائكته يصلون على النبي ( الأحزاب 33 :165 )
نعم هناك العشرات من الآيات المدنية التي خلعت على محمد صفة النبي بينما كل آيات مكة خلال ثلاثة عشر سنة لم تصف محمد بالنبي إلا في آيتين وقد جزم كل شراح القرآن والمفسرين أنهما مدنيتين ووضعتا في السورة المكية وذلك من فعل الذين وضعوا القرآن ورتبوه بعد موت محمد .
الذين يتبعون النبي الأمي ( الجاهل ) الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .... قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا .... فأمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلمته ( ! )( الأعراف 7 : 157-158 )
المعروف أن ترتيب سور القرآن وكثير من آياته حدث بعد موت محمد ومن هنا تجد الكثير من الآيات والسور المدنية تسبق الآيات والسور المكية بعكس ترتيبها التاريخي حسب نزولها، كما أنه كثير من الآيات المدنية وضعت في سور مكية والعكس ، لكن الأهم هنا في تلك الآيات أن الخطاب القرآني في الآيات السابقة واللاحقة خطاب وحوار مع اليهود وهم كانوا بالمدينة (خيبر)، كما لا يخفى استمالة النصارى في الآية الثانية حيث قال أن ذلك النبي الأمي يؤمن بالله وكلمته أي يؤمن بالله وبعيسى حيث أن المسيح هو كلمة الله ، أما كلمة الإنجيل هي الكلمة الأكثر إقحاما في النص حيث أن الآيات السابقة واللاحقة تحكي عن موسى واليهود فلا مجال لإقحام كلمة الإنجيل .
ومن هنا لنا أن نسأل لماذا كان محمد في ضعفه بمكة مجرد نذير فقط ليس إلا بينما في المدينة صار نبيا ؟ هل هناك تفسير لهذا التدرج والانتقال من حالة الإنذار إلى حالة النبوة ؟ كما أنه من الملاحظ أن قرابة ثلاثة عشر سنة في مكة لم يكن للإسلام أي عبادات واضحة أو شرائع بل مجرد إنذار من النار وتبشير بالجنة وبعض القصص المكررة عن السابقين من أهل الكتاب وأساطير العرب ويميل أغلب السور المكية إلى وحدة القافية وقصر العبارة وغيرها ، لكن حسبنا أن نسأل لماذا كان محمد في ضعفه بمكة مجرد نذير فقط ليس إلا بينما في المدينة صار نبيا ؟ هل هناك تفسير لهذا التدرج والانتقال من حالة الإنذار إلى حالة النبوة ؟ .