الفصل الثاني

شبهات شيطانية حول أسفار موسى الخمسة

(1)

مقدمة عامة

قال المعترض : كتب موسى التوراة وسلّمها للكهنة، وأوصاهم بحفظها في صندوق الشهادة، وإخراجها كل سبع سنين في يوم العيد, ولما انقرضت هذه الطبقة، تغيَّر حال بني إسرائيل، فكانوا تارة يرتدون وأخرى يعبدون الرب, وكانت حالتهم حسنة في عهد داود وصدر حكم سليمان، فكانوا مؤمنين إلى أن حصلت الانقلابات، فضاعت تلك النسخة الموضوعة، بل ضاعت قبل سليمان، فإنه لما فتح سليمان الصندوق لم يجد فيه غير اللوحين المكتوبة فيهما الوصايا العشر كما في 1ملوك 8: 9 لم يكن في التابوت إلا لوحا الحجر اللذان وضعهما موسى هناك في حوريب حين عاهد الرب بني إسرائيل عند خروجهم من أرض مصر ,

وللرد نقول بنعمة الله :

(1) يقولالمعترض إنه لم توجد من الشريعة سوى نسخة واحدة، وهو مغالطة, والحقيقة هي أن موسى كتب نسخة خصوصية ووضعها بجانب تابوت عهد الرب لتكون شاهداً علىبني إسرائيل، فإذا انحرفوا عنها حلّ بهم القصاص، وإذا تبعوها حصل لهم الخير العظيم (تثنية 31: 24_26), وعلى هذاكانت نسخ التوراة متداولة بينهم, فإذا لم تكن متداولة، فكيف كان يكلف الله الأمة الإسرائيلية بحفظ الشريعة وإقامة فرائضها وحدودها؟ وكيف كان يأمرهم بأن يعلّموها لأولادهم (تثنية 6: 7)؟

(2) كيف كانوا يقرأونها كل سبت في المجامع إذا لم تكن جملة نسخ متداولة بينهم؟

(3) مما يدل على تواتر التوارة أن الله أمر أنه عندما يجلس ملك على مملكته يكتب لنفسه نسخة من الشريعة لتكون معه، ويقرأ فيها كل أيام حياته ليتعلم أن يتقي الرب إلهه ويحفظ كلمات الشريعة والفرائض (تثنية 17: 18_20),

(4) قال يوسيفوس إن موسى أمر بكتابة نسخة من الشريعة وتوزيعها على كل سبط من أسباط بني إسرائيل ليتناقلوها,

(5) هل يعقل أن ملكاً أرضياً يسن قانوناً ولا يكتب منه سوى نسخة واحدة؟ فإذا فعل ذلك، كيف يتيسر لرعاياه معرفة أوامره؟ فيلزم أنه عندما يسن قانوناً يجتهد في تعميم تداوله بين رعاياه، ثم كتابة صورة رسمية منه وحفظها عنده, هكذا فعل موسى وهو المشهور بالحكمة، فنشر الشريعة على بني إسرائيل ووزعها على الكهنة واللاويين، وأمرهم بتعليمها للشعب، وكتب صورة منها لتكون شهادة عليهم,

(6) تهمّ الشريعة الأمة الإسرائيلية لأنها تحتوي على حدود أراضي كل سبط، فكانت وثيقة ملكية للأسباط، يلزم نشرها وتعميمها، فكانت أمراً عمومياً وليس خصوصياً,

(7) لما أحرق عثمان نسخ القرآن، وكتب المصحف الإمام أرسل نسخة منه إلى المدينة وأخرى إلى العراق وثالثة إلى الشام، فهل يجوز أن نقول في هذه الحالة إن القرآن ضاع؟ نعم إن النسخة التي أُرسلت إلى المدينة فُقدت في أيام يزيد بن معاوية، والنسخة التي أُرسلت إلى العراق فُقدت في أيام المختار، وكذلك ضاعت النسخة التي أُرسلت إلى الشام, ولكن لابد أن أهل تلك الجهات نقلوا منها نسخاً,

قال المعترض  : ارتد سليمان في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى المعابد لها، وبعد موته انقسم بنو إسرائيل إلى قسمين، فصار يربعام ملكاً على عشرة أسباط، سميت بني إسرائيل وصار رحبعام ملكاً على السبطين الآخرين, وارتد يربعام والعشرة أسباط معه، وهاجر الكهنة إلى مملكة يهوذا, وبقيت الأسباط 250 سنة، ثم أبادهم الله وسلط عليهم الأشوريين، وتبددوا واختلطوا مع الوثنيين فتزاوجوا وسمي نسلهم بالسامريين ,

وللرد نقول بنعمة الله : مع أن أغلب ملوك عشرة أسباط إسرائيل كانوا أشراراً، إلا أن الله كان يرسل إليهم الأنبياء لإرشادهم وهدايتهم, وكان أغلب ملوك يهوذا يخافون الله, ولنورد تواريخهم بالاختصار بعد انقسام مملكة اسرائيل، (أي بعد شاول وداود وسليمان) فنقول:

(1) رحبعام بن سليمان وكان شريراً، غير أن النبي شمعيا كان معاصراً له,

(2) أبيام بن رحبعام، وسار في آثار أبيه,

(3) آسا بن أبيام كان قلبه كاملًا مع الرب وعمل المستقيم,

(4) يهوشافاط، وكان باراً صالحاً، وكان معاصراً له ياهو بن حناني النبي,

(5) يهورام بن يهوشافاط، شرير سار في طرق ملوك إسرائيل,

(6) أخزيا بن يهورام كان مثل والده,

(7) يوآش بن أخزيا عمل المستقيم,

(8) أمصيا وكان ملكاً صالحاً,

(9) عزريا كان صالحاً، وفي آخر أيامه قام الأنبياء إشعياء وهوشع وعاموس,

(10) يوثام وكان صالحاً وعمل المستقيم في عيني الرب، وكان معاصراً للنبي إشعياء وميخا,

(11) آحاز كان شريراً، وكان معاصراً له النبي إشعياء,

(12) حزقيا وكان من أتقى ملوك يهوذا، وكان معاصراً له النبي إشعياء,

(13) منسى كان شريراً، وفي أيامه تكلم الرب بفم الأنبياء عن خراب يهوذا,

(14) آمون كان شريراً,

(15) يوشيا بن آمون كان صالحاً، وعمل المستقيم أمام الله، وكان من أعظم المصلحين، وكان معاصراً له من الأنبياء خلدة النبية وارميا وصفنيا,

(16) يهوآحاز كان شريراً,

(17) يهوياقيم كان شريراً,

(18) يهوياكين ابنه كان شريراً,

(19) صدقيا كان مثل سلفه شريراً,

فهذه هي سيرة ملوك يهوذا، منهم الأتقياء، ولم ينقطع الأنبياء في أغلب عصورهم, وبصرف النظر عن ذلك فكان الكهنة وأئمة الدين هم المحافظين على كتب الله وعبادته, فإذا استدل المعترض بأن قُبح سيرة الملوك دليلٌ على ضياع كتب الدين، فالقرآن إذاً يكون قد ضاع لأن سيرة أغلب ملوك المسلمين شريرة!

الصفحة الرئيسية