برنابا مسيحيٌّ مثالي

وردت لفظة »مسيحي« مفرداً أو جمعاً ثلاث مرات في العهد الجديد. فيخبرنا سفر أعمال الرسل 11:26 »دُعِيَ التَّلَامِيذُ »مَسِيحِيِّينَ« فِي أَنْطَاكِيَةَ أَّوَلاً« ثم في أعمال 26:28، نقرأ قول أغريباس لبولس: »بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً«. وأخيراً يكتب الرسول بطرس في رسالته الأولى 4:16 »وَلكِنْ إِنْ كَانَ (يتألّم) كَمَسِيحِيٍّ فَلَا يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللّهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ«. فمهما كان مفهومنا لهذه الكلمة الشائعة، فإننا نستدلّ من هذه الآيات الكتابية أنّ خبرة المسيحي تنطوي على دعوة واقتناع، وأيضاً على نضال كثيراً ما يكون أليماً.

قد يجوز أن نبحث موضوع المسيحيّة أو دور المسيحي بطريقة نظرية جافة. ولكن عوضاً عن ذلك، دعنا نلقي نظرة على حياة مسيحيٍّ مثاليّ هو الرسول برنابا. أما الآيات المنوطة بالبحث فهي أعمال 4:32-37 و9:26-27 و11:22-26 و13:1-3 و14:11 و15:36-39 و1 كورنثوس 9:6.

وسفر الأعمال هو أعظم سجلّ لما يحويه من مآثر في التاريخ. ففيه نتعرّف على أبطال الإيمان وعلى رحلاتهم المحفوفة بالخطر التي أُنجزت بقوّة روح الله.

وأيّ مؤمن لا بد أن يشعر بشيء من اليأس إذا هو حاول أن يقيس حياته بحياة أبطال العهد الجديد، وهو يتأمّل غيرة الرسل وبسالتهم وصمودهم. بينما نحن اليوم نُبدي دلائل التواني والجبن. إلاّ أن هذا اليأس يمكن تخفيفه وتلطيفه باعتبارَين: أولاً لأن الله يهتمّ لا بنجاحنا البالغ، بل بأمانتنا »نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالْأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ« متى 25:21) قد يمنحنا الرب النجاح أو يمنعه عنّا. ولكن لا مناص من الصلاح والأمانة لِمَن يريد أن يُرضي الله.

ثانياً كان عدد المؤمنين الشهيرين البارزين في العهد الجديد قليلاً جداً لا يتجاوز العشرين. أولئك أثّرت حياتهم بطريقة عجيبة في الكنيسة.

فنحو عام 90 م. كان يزيد عدد المسيحيّين المؤمنين في عالم البحر المتوسّط على المليون. فلا نسمع شيئاً عن هؤلاء المجهولين. بَيْد أن الله كان يهتم بهم اهتماماً أكيداً. يعرف الآب السماوي أولاده فرداً فرداً ويسهر علينا جميعاً، كما نسهر نحن على نموّ أولادنا وعلى مصالحهم من الوجهة الجسدية والعقلية والروحية. لربما لا يُسجَّل اسم أحد منا في سجل التاريخ المدني ولا في التاريخ الكنسي، لكننا معروفون لدى الله أحبّاء. وسوف نمجَّد إذا كانت أسماؤنا مكتوبة في سفر الحياة.

برنابا من أظرف شخصيّات الكتاب المقدس. أعتبره أنا كالمسيحي المثالي لأنّه كان متواضعاً متطوّعاً سخياً صامداً في تصميمه. وكلّ ما عمله نستطيع أن نعمله نحن أيضاً، إذا كانت حياتك يا قارئي مكرّسة تماماً للرب وكنتَ ممتلئاً من روحه القدوس.

كان الأقدمون يعتبرون أن اللقب يدلّ على الشخصية. فكلمة برنابا تعني ابن التعزية والتشجيع. فكان له موهبة يثير بها الإيمان والغيرة في الآخرين. يعزّي الحزانى ويشجّع الجبناء. هل تحاول أنت أن تعزّي معارفك وتشجّع أصدقاءك؟ طريق الإيمان ضيّق، والذين يسيرون فيها معرّضون للعثرات. ويا للأسف أنّ هناك مسيحيّين عديدين يعوقون سبيل إخوتهم وأخواتهم بالعراقيل، ويطفئون الروح القدس في حياة الآخرين (1 تسالونيكي 5:19).

وبرنابا هذا كان من زمرة الذين اهتدوا باكراً في يوم الخمسين أو بعده بقليل، وكان من أوائل الذين باعوا ممتلكاتهم وشاركوا الإخوة بها، إذ نقرأ في أعمال 2:45 »وَالْأَمْلَاكُ وَالْمُقْتَنَيَاتُ كَانُوا يَبِيعُونَهَا وَيَقْسِمُونَهَا بَيْنَ الْجَمِيعِ، كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ احْتِيَاجٌ«.

لقد حاز ممتلكات أكثر من غيره. فكانت تضحيته أبرز من سواها. باع كلّ ما له وألقاه عند أقدام الرسل. لذا يُذكر اسمه تصريحاً كمثالٍ للجميع.

وهناك نقاط ثلاث تخطر على البال حين نتأمّل حياة برنابا:

مشاركة المال

1

مشاركة الرسالة

2

مشاركة النفس

3