هل كان طه حسين شيوعيا؟

عادت يسارية طه حسين تطرح من جديد على أيدي كثير من اليساريين العرب، الذين بدأوا يكتبون مجددا عن طه حسين، و من بين هؤلاء الكاتب اللبناني محمد دكروب، الذي يعد كتابا بعنوان "على هامش سيرة طه حسين".

صلاح حزين

19,يوليو 2001,    تمام الساعة 08:24 ص بتوقيت جرينتش عمّان (أريبيا أون لاين)

- هذا السؤال ليس جديدا على أي حال فقد طرح اكثر من مرة في السابق، و كان طرحه في المرات السابقة من جانب التيارات اليمينية السياسية في صورة رئيسية. لكنه طرح جديا حين بدأ عميد الأدب العربي الراحل في العام 1946 طه حسين ينشر، في مجلة "الكاتب المصري" التي كان يرأس تحريرها آنذاك، سلسلة قصص قصيرة تحت عنوان عام، لافت هو: "المعذبون في الأرض".

 


 

طه حسين: "إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل و إلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل إلى أولئك و هؤلاء جميعا أسوق هذا الحديث...".

و في مطلع القصة الأولى من هذه السلسلة ثبت طه حسين إهداء "إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل و إلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل إلى أولئك وهؤلاء جميعا أسوق هذا الحديث...".

أما الحديث فهو سلسلة من القصص عن الريف المصري في الأخص، عن فقراء الريف المصري المعدمين العائشين في القاع، وعن مظالم الإقطاعيين للفلاحين في الريف، ولان هذه القصص كتبت بشكل صارخ، وبقلم كاتب في حجم طه حسين، ومن موقعه، كان لها فعل النار وأحدثت دويا في ذلك الزمان.

و اشتعلت النار من جديد حين عمد طه حسين إلى نشر هذه القصص نفسها، وبالعنوان نفسه، ضمن سلسلة "كتب للجميع" بعد ذلك. و زاد طه حسين على الإهداء الأول إهداء ثانيا لافتا هو: "إلى الذين يجدون ما لا ينفقون و الى الذين لا يجدون ما ينفقون يساق هذا الحديث". و قد منع الكتاب ولوحق طه حسين. و انطلقت صحف الحكومة تهاجم طه حسين، وتتهمه بالشيوعية!

لكن يسارية طه حسين عادت تطرح من جديد على أيدي كثير من اليساريين العرب، الماركسيين خصوصا، في مصر و في سوريا وفي لبنان الذين بدأوا يكتبون مجددا عن طه حسين، و يعيدون قراءته و يستنتجون أن طه حسين كان سباقا سواء بدعوته إلى الاشتراكية غير الفاترة، أو بنقده للاشتراكية المطبقة، ثم بدعوته إلى دمج مفهوم الاشتراكية بمفهوم الديموقراطية، التي كانت غائبة عن فهم الاشتراكيين للاشتراكية في ذلك الزمان، ومن بين هؤلاء الكاتب اللبناني محمد دكروب، الذي يعد كتابا بعنوان "على هامش سيرة طه حسين".

 


 

طه حسين: "ألاحظ أن الكاتب الأديب وضعني في موضع لا احبه و لا يحبني، فلست كاتبا بورجوازيا، و إنما أنا رجل شعبي النشأة والتربية، شعبي الشعور و الغاية أيضا".

في هذا الكتاب يسوق دكروب بعض الدلائل التي تشير إلى أن طه حسين كان "يساريا" في فكره و"مذهبه السياسي والاجتماعي" كما نقل عن كاتب يساري لبناني راحل هو "رئيف خوري".

و من هذه الدلائل طريقة دراسته للتراث و للتاريخ العربي، وكيف كان ينظر في هذا التاريخ، و يبحث فيه، من حيث هو علاقة تفاعل بين مجموعة عناصر، ويكشف خصوصا اثر العلاقات الاقتصاديةالاجتماعية في حركة التاريخ، بما يختلف عن كثير من المؤرخين، ويبحث في التراث الثقافي العربي عبر نظرة موضوعية لا تقيد نفسها بأي أفكار ومواقف مسبقة، وبهذه الروح الموضوعية والتعاطف كتب عن "ثورة الزنج" وتوجهاتها وإنجازاتها في واحدة من اكثر صفحات تاريخنا العربي غموضا وإثارة، كما يقول المؤلف.

وأشار الكاتب أيضا إلى ما كان يكتبه طه حسين في الشأن السياسي حيث كان يركز الهجوم بهدوء فكري، وبمستوى راق من الكتابة السياسية على السياسة الإنكليزية، على الاستعمار، سواء في العالم أم بالنسبة إلى مصر، وكان يبين موقفه الواضح، إيجابا، من السياسة السوفياتية الدولية.

 


ثم يشير الكاتب إلى رسالة كان قد كتبها طه حسين إلى مجلة "الفجر الجديد" و هي مجلة يسارية كانت تصدر في الأربعينات في مصر و كانت لها مكانتها الفكرية وحضورها السياسي القوي يفصح فيها طه حسين عن مذهبه السياسي. فقد نشرت المجلة ردا على دراسة كان قد كتبها طه حسين في مجلة "الكاتب المصري" بعنوان "الأدب العربي بين أمسه وغده"، فيها الكثير من القضايا و الإشكاليات و الأطروحات الجديدة، للكاتب علي الكاتب و الذي اتضح بعد ذلك أنه علي الراعي، الناقد الأدبي المعروف، لاحقا. و جاء في الرد أن طه حسين كاتب بورجوازي و هو ما أزعج طه حسين، فأرسل ردا للمجلة قال فيه.

"ألاحظ أن الكاتب الأديب وضعني في موضع لا احبه ولا يحبني، فلست كاتبا بورجوازيا، و إنما أنا رجل شعبي النشأة والتربية، شعبي الشعور و الغاية أيضا. ولست ادري أخطأت التعبير أم أخطأ الكاتب الأديب الفهم عني، و لم أرد قط ولا يمكن أن أريد أن يكون الأدب بمعزل من الشعب، فالأدب إذا اعتزل الشعب و نأى عنه فقد حياته وفقد قيمته أيضا، انما أردت أن يحتفظ الأدب بمكانه الفني الرفيع وان يتجه مع ذلك إلى الشعب والى الشعب وحده".

كما يشير دكروب إلى العلاقة الخاصة التي ربطت بين طه حسين و سلامة موسى الذي كان أحد رواد الفكر الاشتراكي في مصر في أوائل القرن الماضي، و كان من مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري الذي تأسس في العام 1921 ثم تحول إلى الحزب الشيوعي المصري.

و قد كان سلامة موسى من كتاب مجلة "الكاتب المصري" التي كان يصدرها طه حسين والتي توقفت في شهر أيار (مايو) 1948، وهو الشهر الذي شهد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. و يقال إنها توقفت بسبب موقف طه حسين المؤيد للفلسطينيين و ذلك خلافا لأسرة هراري التي كانت تمول المجلة، وهي أسرة يهودية.
جميع الحقوق محفوظة © أرابيا أون لاي
ن

المرجع   

              عودة إلى الصفحة الرئيسية