أبعث حياً

الباب الأول

أهمية قيامة المسيح
أولاً: إن السيد المسيح (تبارك اسمه) لا ينتمي إلى التراب الذي خلق منه الإنسان
ثانياً: كان لا بد للمسيح يسوع أن يقوم ليدخل عرش الله (سبحانه وتعالى)
ثالثاً: إتمام جميع النبوات
رابعاً: قام الرب يسوع ليعلن انتصاره على الموت
خامساً: لا بد أن يقوم المسيح لكي تكون هناك حياة بعد الموت
سادساً: قيامة المسيح تعلن رضاء المولى عمّا عمله المسيح
سابعاً: قيامة المسيح تأكيد أننا نعبد إلهاً حياً
ثامناً: قيامة المسيح تجعله متفرداً عن سابقيه
الباب الثاني
أدلة قيامة المسيح
أولاً: الأدلة المنطقية
ثانياً: الأدلة التاريخية على قيامة السيد المسيح
1- شهادة الحواريين أو أتباع المسيح
2- شهادة الحرس
لماذا لا نستطيع أن نصدق أن التلاميذ سرقوا جسد المسيح؟
3- شهادة الملائكة
كيف يوضح مجيء الملائكة حتى يخبروا عن قيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) عمن هو؟
4- هو شهادة الموتى
5- شهادة التسجيل التاريخي
ما هي بعض الظهورات بأكثر تفصيلاً؟
ما الظهور الثاني الذي ظهر فيه الرب يسوع المسيح (له المجد)؟
هل يعنى هذا أن التلاميذ الذين ظهر لهم كانوا يستحقون؟
ما الشيء الذى عمله حتى يجعل الجميع يعرفونه، ويؤمنون بهذه الحقيقة؟
ثالثاً: الأدلة الأثرية
رابعاً:الأدلة الروحية
ما الدليل الروحي الثاني علي قيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) من الأموات؟
ما معنى هذا الاختبار؟
هل هناك نقاط أخري للحصول علي هذا الاختبار؟
من دحرج الحجر؟ ولماذا دُحرج؟
ما الدليل على صدق ما تقوله؟
ما تأثير حفظ كتاب الله بلغة معينة على الصلاة؟
والآن ماذا عن موضوع هذه الإرسالية؟
ما معنى كلمة خلص، وخلص من ماذا؟
ما الدليل على هذا؟ وإن كان صحيحاً؛ فلماذا لا نراه يتحقق مع كل المؤمنين بالمسيح في أيامنا هذه؟
ما الآيات المشروحة في سفر أعمال الرسل؟
ما معنى الجملة الأخيرة؟
إذن فكيف نحل هذه المشكلة، ونحن أمام اثنين واحد جالس عن يمين الآخر؟
هل رفع السيد المسيح نفسه، أم أن المولى القدير هو الذي رفعه إليه في السماء؟
ماذا حدث ساعة الصعود ولماذا ذكر الإنجيل بحسب القديس مرقس كل هذه الحقائق؟
في ختام هذه الدراسة نود أن نقول شيئين

الباب الأول

أهمية قيامة المسيح

ما أهمية قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات، ألم يكن كافياً أن المسيح (له المجد) يموت فقط حتى لو لم يقم؟

قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات لا تقل أهمية بأية حال من الأحوال عن صلبه (تبارك اسمه) ويمكن ذكر عدة نقاط تتعلق بأهمية قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات ومنها:

أولاً: إن السيد المسيح (تبارك اسمه) لا ينتمي إلى التراب الذي خلق منه الإنسان، فلم يكن ممكناً أن يظل فيه إلى الأبد.

ثانياً: كان لابد للمسيح يسوع تبارك اسمه أن يقوم ليدخل إلى عرش الله (سبحانه وتعالى) وكشفيع ووسيط لنا.

ثالثاً: كان لابد للسيد أن يقوم حتى تتم النبوات المكتوبة عنه في العهد القديم.

رابعاً: كان أمراً في غاية الأهمية للسيد ليعلن أنه انتصر على آخر عدو يبطل وهو الموت.

خامساً: كان لابد أنه (تبارك اسمه) يقوم حتى يكون هناك إقامة أموات أو حياة بعد الموت.

سادساً: قيامة الرب يسوع المسيح تعلن عن رضاء المولى القدير (عز وجل) عن ما عمله الرب يسوع المسيح كفادى البشر.

سابعاً: أهمية قيامة المسيح (له المجد) تؤكد أنه حي إلى أبد الآبدين، وأننا ننتمى له ونؤمن به ونعيش له.

ثامناً: قيامة المسيح تجعله متفرداً عن بقية سابقيه، ولاحقيه من الأنبياء والرسل وغيرهم، والحقيقة يعجز الإنسان عن ذكر كل النقاط التى تحتويها أهمية قيامته من الأموات.

وسنشرح الآن هذه النقاط:

أولاً: إن السيد المسيح (تبارك اسمه) لا ينتمي إلى التراب الذي خلق منه الإنسان

إن الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) لم يخلق كباقي البشر من أب وأم، وبالتالي كما يذكر عنه الكتاب المقدس أنه ولد ليس بمشيئة جسد أو مشيئة رجل بل من الله. فكل مخلوق وجد على هذه البسيطة أصله تراب، وبالتالي لابد أن يجوز عليه القانون السماوي الذي نصه الله لأبينا آدم في سفر التكوين أصحاح 3 وعدد 19، إذ قال المولى القدير للرجل الأول الذي عاش على الأرض، والمعروف في كل الأديان أن الله (سبحانه وتعالى) خلقه من تراب: "بعرق وجهك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب والى تراب تعود". أي كل من أخذ من التراب ومات ودفن لابد أن يعود إلى التراب الذي أخذ منه. أما سيدنا المسيح (تبارك اسمه)، فهو مولود غير مخلوق، فهو كلمة الله وروح منه؛ لذا فما كان ممكناً أن يظل مدفوناً في التراب كباقي الناس.

يوجد أشخاص ذكرهم الكتاب المقدس أنهم من التراب لكن لم يرجعوا للتراب كأخنوخ المكتوب عنه أنه سار مع ال،له ولم يوجد؛ لأن الرب نقله. وإيليا الذي صعد إلى السماء في مركبة من نار، فهل تتشابه حالتهم مع حالة الرب يسوع المسيح؟

كلا، فما حدث في قيامة الرب يسوع المسيح لم يحدث مع غيره من البشر، لأن أخنوخ ونبي الله إيليا لم يموتا، ويدفنا، إي لم يقعا تحت قبضة وسلطان الموت وتحلل وفساد الطبيعة البشرية في القبر، فلو كانا ماتا وأمسكهما القبر كما أمسك السيد المسيح (له كل المجد) كل هذا الزمن، لما كانا قد قاما، وصعدا إلى السماء. أما الرب يسوع المسيح فمات ودفن ووقع تحت قبضة ما يسميه الكتاب بآخر عدو، لكنه قام ولم يعد للقبر مرة أخرى، ودخل كسابق لنا إلى عرش المولى القدير.

الكتاب المقدس يذكر أن هناك كثيراً من أجساد الموتى بعد أن ماتوا، ودفنوا، وامسكهم الموت قاموا من الموت ومنهم واحد وهو لعازر، قام وليس كما قام الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) في اليوم الثالث، بل قام في اليوم الرابع، وبعد ما قيل عنه أنه أنتن. فما الفرق بين القيامتين، قيامة لعازر وقيامة المسيح؟

الفرق بين القيامتين هو أن لعازر قام بقوة المسيح يسوع (تبارك اسمه) سواء كان هو أو ابنة يايرس أو ابن أرملة نايين، الذين أقامهم الرب يسوع المسيح (له المجد). أو حتى الذين أقامهم بطرس وبولس وغيرهم من تلاميذ المسيح، فكل هؤلاء بعدما قاموا مرة أخرى رجعوا إلى القبر مرة أخرى يمسكهم، ويسيطر عليهم، ويحللهم حتى يعودوا للتراب الذي أخذوا منه. ولم يذكر الكتاب أن أحدهم أو إي أحد غيرهم بعدما مات ودفن وقام من الأموات صعد إلى السماوات، وقام بقوته الشخصية الذاتية -أي أقام نفسه- سوى الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) في كل الرسل والأنبياء على مر العصور والأيام.

هل كانت قيامة الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) من الأموات بقوته الشخصية، كيف وهو ميت؟ أين هذه القوة؟ أم أن قيامة الرب يسوع المسيح كانت بقوة معجزية من الله؟ ماذا قال الكتاب المقدس عن هذا الموضوع؟

الحقيقة أن الكتاب المقدس ذكر الأمرين، أي أن الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) قام بقوته الذاتية الشخصية وقدرته الكامنة فيه. وفى مرات أخرى ذكر الكتاب المقدس أن الله (سبحانه وتعالى) هو الذي أقامه (له المجد) من الأموات، والإجابة صحيحة في كلتا الحالتين. فيذكر الكتاب المقدس أن المسيح قال لمرثا: أنا هو القيامة نفسها. وبولس يقول لأعرفه، (عن الرب يسوع) وقوة قيامته وشركة آلامه. وشهد له ملاكان عند قبره قائلين للمريمات: إنه قام وليس ههنا. وفى الاتجاه أو الحالة الثانية يذكر القديس بطرس في سفر أعمال الرسل والأصحاح الثاني عن الرب يسوع قائلاً: "هذا أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت".

كيف تكون الإجابة في الحالتين صحيحة، فهو إما قام بقدرته الذاتية أو بقدرة الله (سبحانه وتعالى)، لكن لا ينفع الاثنان معاً؟

مفتاح هذا اللغز يكمن فيمن هو شخص الرب يسوع المسيح. فهو كما قلنا إنه الله الظاهر في جسد إنسان، فعندما مات المسيح مات جسده الإنساني الذي اتخذه ليشاركنا في كل شيء بلا خطية، أما روح المسيح (تبارك اسمه) الذي هو روح المولى القدير (سبحانه وتعالى) أو جوهر الله عز وجل فهذا لم يمت. وهذا الذي أقام جسد الرب يسوع المسيح من التراب. فإذا كان روح الرب يسوع المسيح هو الذي أقامه من الأموات، فمن إذاً أقامه تبارك اسمه؟ هو أقام نفسه.

وإن اتفقنا أن روح المسيح (له المجد) هو روح الله، وروح الله (تبارك اسمه) هو الذي أقام المسيح، فمن أقامه تبارك اسمه؟ يبقى أن الله (سبحانه وتعالى) هو الذي أقامه.

لذلك فكلتا الحالتين أو الإجابتين صحيحة حسب رواية الكتاب المقدس.

ثانياً: كان لا بد للمسيح يسوع أن يقوم ليدخل عرش الله (سبحانه وتعالى).

النقطة الثانية التي تؤكد أهمية وضرورة القيامة هى قيامته من الأموات حتى يدخل إلى عرش المولى القدير جل شأنه كشفيع ووسيط لنا، وهذا ما تم بالفعل. فالرب يسوع لم يكن مجرد إنسان خاطئ مات بخطيته، لأنه كان قدوساً باراً طاهراً لم يعرف خطية، ولم يكن فى فمه غش حتى قيل فيه إنه الوحيد الذى لم يستطع أن يمسه الشيطان. لكن مات نيابة وبدلاً وفداءً لنا، ولذلك كان لابد أن يقوم حتى يدخل بذبيحة نفسه إلى عرش المولى (تبارك اسمه). فرئيس الكهنة فى القديم كان يدخل بدم الذبيحة التى يقدمها على مذبح الهيكل إلى قدس الأقداس؛ ليتراءى أمام التابوت الذى كان يمثل محضر المولى القدير، وبدون ذبيحة لم يكن يدخل، وبعد تقديم الذبيحة لابد أن يدخل إلى محضر الله. فبعد أن قدم الرب يسوع المسيح نفس ذبيحة لأجلنا أبطل كل الذبائح الدموية. كان لابد أن يدخل إلى محضر المولى القدير فى السماء بذبيحة نفسه فيجد لنا فداءً أبدياً. فيذكر الكتاب المقدس أن المسيح أُسلم (أى مات لأجل خطايانا)، وأقُيم لأجل تبريرنا، ويذكر الكتاب المقدس في رسالة العبرانيين الأصحاح 7 عن السيد المسيح: "فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حى فى كل حين؛ ليشفع فيهم، فهو ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى قدس الأقداس، فوجد لنا فداءً أبدياً" فلو لم يقم المسيح من الأموات لما تم كل هذا.

ثالثاً: إتمام جميع النبوات

النقطة الثالثة التي تؤكد ضرورة قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات هى: إتمام جميع النبوات الخاصة عن قيامته، فلو لم يكن الرب يسوع المسيح قد قام لما صلح أن يكون هو المسيح الآتى إلى العالم؛ لأن هناك العديد من النبوات وردت عن قيامته تحققت بعد قيامته.

هل وردت هذه النبوات في العهد القديم أم العهد الجديد؟

النبوات الخاصة بقيامة الرب يسوع من بين الأموات وردت في العهدين. في القديم وردت قبل موته وقيامته (تبارك اسمه) بمئات السنين، وأيضاً بعضها ورد على لسانه الطاهر في العهد الجديد، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أولاً: قال النبي في مزمور 16: "لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، لن تدعك تقيك يرى فساداً".

من المحتمل أن يكون داود النبي يكتب هذا الكلام عن نفسه؛ لأنه يقول: لأنك لن تترك نفسي (أي نفسه هو) في الهاوية، ولن تدع تقيك يرى فساداً؟

هذا ما وضحه العهد الجديد في سفر الأعمال والأصحاح الثاني عندما أكد بطرس أحد تلاميذ المسيح أن هذه الآية قيلت عن الرب يسوع وليس عن داود النبي. فيقول بطرس لسامعيه: "أيها الرجال الإخوة يسوغ أن يقال لكم جهاراً عن رئيس الآباء داود إنه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذا كان نبياً، وعلم أن الله حلف له بقسم إنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، سبق وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم يترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً".

هل هناك نبوة ثانية من العهد القديم؟ وماذا عن نبوات العهد الجديد؟

تكلم داود بروح النبوة قائلاً: "قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك". وهذا ما تحدى به الرب يسوع سامعيه يوماً عندما أراد أن يثبت لهم أنه ليس ابن داود، بل هو رب داود، فلو لم يقم الرب يسوع المسيح لما تحققت هذه النبوة. وفى العهد الجديد يقول الإنجيل بحسب البشير لوقا أن الرب يسوع (تبارك اسمه) قال لتلاميذه عن نفسه:

إنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم، وفى اليوم الثالث يقوم، وهذا ما تم بالفعل. وعندما أراه اليهود أبنية الهيكل قال لهم (تبارك اسمه): انقضوا هذا الهيكل، وفى ثلاثة أيام أقيمه. ويعلق الإنجيل على ذلك بأنه كان يتكلم عن هيكل جسده، أي كان يقول لهم عندما تنقضون أو تميتون هذا الجسد، في ثلاثة أيام أقيمه. وهذا ذكر واضح ونبوة صريحة عن قيامته.

رابعاً: قام الرب يسوع ليعلن انتصاره على الموت

النقطة الرابعة: إنه كان أمراً في غاية الأهمية أن يقوم الرب يسوع المسيح من الأموات؛ ليعلن أنه انتصر على أكبر عدو للبشرية وهو الموت، وهو أيضا آخر عدو. فمنذ خلق الله (سبحانه وتعالى) آدم حذره قائلاً: "من جميع شجر الجنة تأكل، أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت". وأكل آدم وعصى ربه، هو وحواء، فحق عليهما حكم الموت، سواء الموت المادي (أي الرقاد، والدفن في التراب) أو الانفصال الروحي عن المولى القدير (تبارك اسمه). وهكذا كما تقول الرسالة إلى أهل رومية والأصحاح الخامس والعدد12: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع". ولم يذكر الكتاب المقدس أن أحداً من البشر فر من الموت إلا أخنوخ البار وايليا نبي الله (سبحانه وتعالى). هذان نقلا حيين، وهما عند ربهما يرزقان، أما كل من دخل القبر، فأمسكه القبر -كما قلنا- ولن يستطيع أحد أن يفلت من قبضته على الإطلاق، لكن سيدي (تبارك اسمه) هو الوحيد الذي استطاع أن يتحدى الموت، ويقهره، ويسأله مستنكراً مستخفاً به: أين شوكتك يا موت؟ وأين غلبتك يا هاوية؟

فبقيامته كإنسان من الموت أصبح للإنسان نصرة وغلبة على الموت، فلم يعد الموت يخيف المؤمن بشخص المسيح (له المجد)، لأن المسيح (تبارك اسمه) غلب الموت؛ فأصبح الموت بالنسبة للمؤمنين به رقاداً وانتقالاً وخلعاً لهذا الفاسد (أي الجسد) ولبساً لذلك النوراني عديم الفساد. فلو لم يقم المسيح (تبارك اسمه) لما تم المكتوب أنه أنار لنا الحياة والخلود، ولما استطعنا أن نهتف إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً؛ لأنك أنت معى، ولكان الموت بالنسبة لكل البشر عدواً مجهولاً غير مقهور.

خامساً: لا بد أن يقوم المسيح لكي تكون هناك حياة بعد الموت

النقطة الخامسة من جملة الثماني نقاط، وهى بالطبع ليست كل النقاط التي تؤكد أهمية قيامة السيد المسيح (له المجد) من الأموات، وهى: إن الرب يسوع (تبارك اسمه) كان لابد أن يقوم؛ لكي تكون هناك حياة بعد الموت، ويكون هناك قيامة من الأموات. الكتاب المقدس يذكر في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس فى الأصحاح الخامس عشر وعدد 13 القول: "فإن لم تكن قيامة أموات، فلا يكون المسيح قد قام، وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة هي كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم". لأنه إن كان الموتى لا يقومون؛ فلا يكون المسيح قد قام. وهذا الوحي المقدس يخاطب أهل هذه الكنيسة بأن يقول لهم، بأن عندكم بعضاً يقولون: ليس هناك قيامة أموات، كيف والمسيح (له المجد) قام من الأموات؟! لو أن المسيح لم يكن قد قام، يكون لكم الحق أن تقولوا إنه ليس هناك قيامة أموات. لكن لأن المسيح (له المجد) قام من الموت، إذن فهناك قيامة أموات وبالتالي هناك حياة بعد الموت.

ما العلاقة بين قيامة السيد المسيح (له المجد) من الأموات بقيامة الأموات، والحياة بعد الموت؟

الكتاب المقدس يذكر القول: "ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات، وصار باكورة الراقدين (وكلمة باكورة الراقدين تعنى أول الراقدين الذين قاموا من الموت، ولم يرجعوا إليه مرة أخرى)، ودخل إلى السماء كسابق لنا". المسيح (تبارك اسمه) باكورة، ثم الذين للمسيح فى مجيئه. والرسول بولس الذي استخدمه المولى القدير في كتابة الوحي الخاص إلى كنيسة كورنثوس يقول لهم: "إن كان الأموات لا يقومون، فلنأكل ونشرب، وغداً نموت. ولماذا نخاطر نحن كل ساعة". أي أنه يؤكد على حقيقة الحياة بعد الموت، وبالتالي على قيامة السيد المسيح من الأموات. لذلك هو لا يقول نشرب ونأكل؛ لأننا غداً نموت، كلا. فنحن نأكل ونشرب؛ لكي نعيش؛ لكي نخدم الرب.

سادساً: قيامة المسيح تعلن رضاء المولى عمّا عمله المسيح

النقطة السادسة:إن قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات دلت على رضاء المولى القدير (تبارك اسمه) على تقديم السيد المسيح (له المجد) نفسه عنا كذبيحة لفدائنا من خطايانا. وكثيراً ما دل المولى (تبارك اسمه) على قبوله للذبيحة التي تقدم إليه بأن أرسل ناره من السماء وأكلت الذبيحة.

وهناك مثل واضح، وهو ما جاء في سفر الملوك الأول والأصحاح الثامن عشر. عندما اجتمع نبي الله إيليا مع أنبياء الإله الوثنى المعروف بالبعل، وكان لابد أن يصير تمييز بين الاثنين، أو من هو الإله الحقيقي.

الله (سبحانه وتعالى) أم البعل؟ وكانت طريقة التمييز أن أخذ نبي الله إيليا ثوراً كذبيحة، وأخذ أنبياء البعل ثوراً آخر، وقدم كل واحد ذبيحته. والكتاب الحكيم يذكر أن أنبياء البعل ظلوا يصرخون أمام ثورهم حتى نصف النهار، ويتقطعون بالسيوف، ولم يكن مجيب لهم. أما إيليا نبي الله (تبارك اسمه)، فقال: "أيها الرب إله إبراهيم وإسحق وإسرائيل؛ ليعلم اليوم أنك أنت الله، وأني أنا عبدك.. إلخ ". والكتاب يقول: "فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة"، أي الذبيحة والحطب والحجارة.

ما علاقة هذا المثل بتقديم الرب يسوع المسيح نفسه عنا ذبيحة وقيامته من الأموات؟

لو كان السيد المسيح (تبارك اسمه) مجرد إنسان عادى خاطئ مات ودفن، لما أقامه الله من الأموات، ولما أصعده إلى السماوات. بل كان الموت سيمسكه كأي إنسان آخر رقد في القبر. لكن إقامة المولى القدير (تبارك اسمه) للرب يسوع كانت بمثابة قبوله لذبيحته، واعترافاً واضحاً أمام كل البشر أنه قبل ذبيحته (تبارك اسمه) ككفارة، وفداء للبشر أجمعين، ولذلك رفعه الله إليه. فقيامته (له المجد) تشبه النار التي سقطت من عند الرب؛ لتأكل ذبيحة نبي الله إيليا. وفى سفر المزامير تنبأ نبي الله داود عن السيد المسيح (تبارك اسمه) بالقول: "قال الرب لربى: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك"، أي قال الله للمسيح: اجلس عن يميني. وهذا دلالة على قبول موته وقيامته كذبيحة عنا.

سابعاً: قيامة المسيح تأكيد أننا نعبد إلهاً حياً

سبق أن قلنا أن السيد المسيح (له المجد) هو الله الظاهر في الجسد؛ لذا فنحن نعبده، ونتوب إليه. فلو ظل الجسد الذي اتخذه المسيح (له المجد) في القبر، ولم يقم، لما استطعنا أن نؤمن بأنه المسيح الذي جاء من السماوات متخذاً صورة بشر، متمثلاً لنا بشراً سوياً.

ولو تمسكنا بعبادته لكنا نعبد إلهاً ميتاً راقداً في القبر يعلوه التراب. لكن السيد المسيح هو الوحيد الذي كان، وهو الآن، وسيظل حياً إلى أبد الآبدين، كما هو مكتوب عنه أنه أمساً واليوم وإلى الأبد لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران.

ثامناً: قيامة المسيح تجعله متفرداً عن سابقيه

النقطة الثامنة وهى: إن قيامة السيد المسيح تجعله فريداً متفرداً عن بقية الرسل والأنبياء.

ما العيب في أن بقية الرسل والأنبياء ماتوا، ولا زالوا في التراب، أليس هذا الذي عينه المولى (تبارك اسمه) لكل البشر؟

بالطبع ليس هناك عيب أو خطأ في أن الرسل والأنبياء ماتوا، ولازالوا في التراب، بل هذا كما قلت قضاء الله (سبحانه وتعالى) على جميع الناس. لكن هذا يجعل السيد المسيح (تبارك اسمه) فريداً متفرداً بين جميع الأنبياء والرسل، سواء الذين جاءوا قبله أو بعده. فهو الوحيد الذي لم يستطع أن يمسكه القبر، وقبور جميع الرسل والأنبياء تشهد أنهم ممسكون فيها، ولا حول لهم ولا قوة، ولا إمكانية على القيامة، أي هزمهم الموت والقبر. لكن السيد المسيح (تبارك اسمه) هزم القبر والموت، وقام منتصراً. ولا شك أن كل متدين في أي دين يود أنه لو كان نبيه أو رسوله كان قد قام حياً منتصراً على أوجاع الموت. وهذه الأمنية لم تتحقق إلا في قيامة السيد المسيح (له المجد). الأمر الثاني: إن قيامته (تبارك اسمه) تؤكد أنه ليس من البشر الذين أفسد الموت أجسادهم، بل هو من لم يكن ممكناً أن يمسك من الموت. لذا فهو هنا أيضا متفرد في طبيعته، فهو الله الظاهر في جسد إنسان.

هل تعكس قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات تفرده في طبيعة حياته، وسلوكه على الأرض؟

بكل تأكيد، فهو لم يعمل خطية على الأرض، ولم يحتج لمن يغفر له ذنبه، أو يرفع عنه وزره. فهو الوحيد الذي لم يمسه الشيطان، وبالتالي حق له أن يفدى الإنسان، وأيضاً أن يقوم من الأموات، ويدخل إلى السماوات، وليس إلى جهنم إن لم يتغمده الله برحمته، وينقله إلى النعيم. وآخر ما أقوله في تفرده (له المجد) عن سابقيه ولاحقيه أنه لا يحق لرسول أو نبي أو مصلح اجتماعي أو ديني أو سياسي ممن جاءوا قبله أو بعده أن يدعى أنه أفضل منه على الإطلاق. فعندما قارن الكتاب المقدس بين السيد المسيح (له المجد) ونبيه موسى، كان وجه المقارنة الوحيد بينهما أو الفرق أو أفضلية أحدهما على الآخر كما يفضل باني البيت على البيت نفسه، أي أنه إن كان نبي الله موسى يحسب بيتاً، يكون السيد المسيح هو بانى هذا البيت. فلا يستطيع نبى الله موسى أن يظن هو أو أتباعه أنه أفضل من السيد المسيح. فموسى مخلوق من طين، وسيدي مولود من الروح القدس وكلمة الله. ونبي الله موسى قدم للناس ناموساً: عين بعين، وسن بسن، وسيدي يسوع قدم للناس دين المحبة والعفو والصفح يوم قال لهم: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم". موسى نبي الله عاش في الأرض وأخطأ، إذ كسر لوحي الشريعة اللذين أعطاهما له الله (سبحانه وتعالى)، لكن سيدي مكتوب عنه أنه لم يعمل خطية، ولم يكن في فمه غش. كليم الله موسى أسس جيشاً فتح به مدناً، ودولاً، وممالك مستخدماً السيف في إخضاع الشعوب له، أما السيد المسيح (تبارك اسمه)، فتح البلاد والقلوب والعقول له بلغة المحبة والصفح. موسى علم تابعيه أن يعدوا لأعدائهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل يرهبون به عدو الله وعدوهم، ولكن سيدى أعطى أتباعه سلطاناً أن يجولوا مثله يصنعون خيراً، ويشفون جميع المتسلط عليهم إبليس، قائلاً لهم: اشفوا مرضى، طهروا برصاً، أخرجوا شياطين. موسى كليمه (جل شأنه) مات ودفنه المولى القدير كما يخبرنا الكتاب المقدس، ولم يستطع أن يدخل إلى أرض أعدائه، لكن سيدي مات وقام ودخل إلى عرش الله كسابق لنا، وقبره فارغ إلى هذا اليوم. لذلك آخر ما أقول في هذا المقام أنه إن كان من دعي كليم الله، وكان أعظم رسل المولى القدير بعد المسيح (له المجد)، لا يستطيع ولا يصح أن يقارن نفسه بالسيد (تبارك اسمه)، فكم بالحرى غيره من الرسل والأنبياء والمرسلين. لذا فهو متفرد في كل شيء، ولا يضاهيه أو يقترب من مكانته في الأرض، أو في السماء نبي، أو رسول. فهل تؤمن به؛ فتحظى بالحياة الأخرى؟!

الباب الثاني

أدلة قيامة المسيح

هل هناك أدلة على قيامة الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) من الأموات؟

نعم. هناك عدة أدلة وبراهين كافية وواضحة لكل إنسان مخلص مستعد أن يقبل ما أعلنه الله القدير في كتابه العزيز (الكتاب المقدس). لكن أقوى وأكثر الأدلة تأكيداً - وهو مالا يحتاج إلى مناقشة وجدال، ولا يقبل الشك والاحتمال - هو ذكر واقعة وحقيقة القيامة في الكتاب المقدس. فلا يكفى أن يذكر تنزيل الحكيم العليم أن المسيح (تبارك اسمه) قد قام من الأموات، لكن أعود فأقول لو قال البعض إن إنجيلكم محرف، فنسأله: هل حرف المسيحيون هذه القصة؟ وما مصلحتهم في ذلك؟ وما القصة الحقيقية للقيامة؟ هل مات المسيح (تبارك اسمه)، ودفن، ولم يقم؟! مستحيل. أم لم يمت من الأصل؟ إذن لا مفر من التصديق والإيمان بقيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) من الأموات.

الحقيقة أننا لا نستطيع أن نتخيل شكل نهاية الإنجيل في كتاباته الأربعة، (الإنجيل بحسب البشيرين متى ولوقا ومرقس ويوحنا) إذا اختفت منه واقعة القيامة إذن لماذا يجب أن نؤمن بالقيامة؟

الحقيقة لو لم ينته الإنجيل بسرد حادثة القيامة، لكانت نهايته نهاية كئيبة وحزينة لتلاميذ فقدوا سيدهم بعد أن تبعوه لمدة ثلاث سنين وثلث، ووضعوا عليه آمالاً كثيرة أنه هو المخلص الذي أتى إلى خاصته، لكي يحررهم، ويخضع الشعوب تحت أقدامهم، ويجلسهم عن يمينه ويساره في مملكته. وعندما فهموا أنه ملك روحي ومملكته ليست من هذا العالم، قبض عليه اليهود وصلبوه. واليوم هو يرقد في قبر كأي إنسان عادى لا حول له ولا قوة. وهم في خوف ورعب من اليهود، ثم انصرافهم كل واحد بعد جنازة السيد المسيح (له المجد) إلى بيته، ونسيانه تلك الفترة الجميلة التي قضاها مع سيده المسيح.

فيالها من نهاية أليمة محزنة. وبالطبع لم يستطيعوا أن يقولوا لنا آمنوا بالمسيح كالمخلص. كيف وهو لم يستطع أن يخلص نفسه من أيدي اليهود وقبضة القبر والأكفان.

فكيف ينادون به كالمخلص؟ باختصار، وانهدمت المسيحية كلها من الأصل؛ لأن أساس قيام المسيحية هو الاعتماد على المسيح الحي المقام من الأموات.

وإليكم بعض الأدلة على قيامة المسيح

أولاً: الأدلة المنطقية.

ثانياً: الأدلة التاريخية.

ثالثاً: الأدلة الروحية.

رابعاً: الدليل العملي على ذلك.

أولاً: الأدلة المنطقية:

واحد من أقوى الأدلة على قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات هو تصريح الحواريين أو تلاميذ السيد (له المجد) بأنه قد قام. وهم كانوا كما يصفهم الكتاب المقدس بعد موت المسيح في حالة رعب وخوف من اليهود. وهذا واضح من قصة إنكار بطرس تلميذ المسيح له أمام العبيد والجوارى حتى قبل أن يحكموا عليه (تبارك اسمه) بالصلب. فما كان موقف بطرس بعد الصلب - وليس بطرس فقط - مع أنه كان المعروف بمقدام الرسل وأشجعهم. لكن الكتاب العزيز يقول: إن جميع التلاميذ تركوا سيدهم (تبارك اسمه)، وهربوا. فإن كانوا هربوا لمجرد قبض اليهود عليه، فماذا كانت ستكون حالتهم بعد الموت؟! بالتأكيد، إنه لم يستطع أحد أن يتكلم أي كلام عن المسيح المصلوب والمهزوم، الذي وضعه اليهود في القبر، وإلا ستكون نهايته كنهاية سيده. فكم وكم لو تجرأ واحد من تلاميذه، وقال: إنه قام منتصراً على اليهود وعلى صالبيه والموت والقبر. ومع ذلك فقد ملأ التلاميذ أورشليم كلها بهذه الحقيقة. فالمنطق هنا يقول: إنه لابد أنه قد قام حقاً. ودليل منطقي ثانٍ هو تحول التلاميذ من حالة الرعب والخوف والحزن واليأس وحبس أنفسهم في غرفة معروفة بالعلية، إلى حالة من الشجاعة والرجاء والخروج إلى الناس ومواجهة العامة كما هو مذكور في سفر أعمال الرسل، إن بطرس وقف يقول لليهود عن المسيح: "أنتم الذين بأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه. هذا الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه". المنطق يقول إنه لابد أن يكون هناك شيء قد حدث في حياة هذا التلميذ ورفقائه. فلو كان التلاميذ كذابين وملفقين، وهم يقولون للناس إن الرب يسوع المسيح قد قام من الأموات، لما كان يتوفر لهم الدافع النفسي أو الروحي لهذا الأمر. والكذب لا يعطى شجاعة أو قوة للكذاب لكن يزيد من الخوف والحزن اللذين يسيطران عليه. دليل منطقى آخر هو لو كان التلاميذ كذابين، لم يستطيعوا أن يبنوا التعاليم المسيحية على كذبة. لو كانوا كذابين لماذا لم يحاول اليهود أن يذهبوا إلى القبر الفارغ، ويقولوا للناس هاهو، يسوع المسيح الذي نحن صلبناه إلى الآن هو في القبر، وكانت كذبة القيامة ستفضح سريعاً وبلا أدنى مجهود. ولو كان تلاميذه فعلاً سرقوه كما اتهمهم اليهود، لماذا لم يسمع في كل كتابات اليهود والقصص المتداولة منذ ذلك الحين أن اليهود أتوا بالتلاميذ، وضربوهم مثلاً، وأوثقوهم، وأجبروهم على الإرشاد إلى المكان الذي خبئوا فيه جثة السيد المسيح؟ وبالتأكيد هذا جسد ميت لا يستطيع أحد أن يخبئه فى بيته، وإلا الرائحة كانت ستفوح، وكان سينكشف الأمر. لكن سكوت اليهود عن تعذيب التلاميذ حتى يرشدوا على المكان الذى فيه جسد السيد المسيح، هو أكبر دليل على قيامته.

لكن سفر أعمال الرسل يقول أن اليهود قبضوا على التلاميذ عدة مرات حتى يمنعوهم أن يقولوا إن السيد المسيح (تبارك اسمه) قد قام من الأموات.

وهذا دليل على قيامة السيد المسيح من الأموات، وليس على العكس؛ لأن اليهود وسائر الكهنة كانوا يعذبون الرسل حتى يسكتوا، ولا يقولوا لأحد إن السيد المسيح (تبارك اسمه) قام من الأموات. ليس حتى يجعلوهم يعترفون أنهم سرقوا جسده، فلأن اليهود كانوا متأكدين أن السيد المسيح (تبارك اسمه) قام من الأموات، لذلك لم يجرؤ أحدهم بأن يطالب التلاميذ أن يسلموا الجسد المسروق. وهذا كما قلنا لم يذكر أبداً لا في الكتاب المقدس ولا في كتب التاريخ. وأيضاً رد فعل التلاميذ في المرات التي قبض فيها عليهم من اليهود تؤكد أيضاً أن الرب يسوع قام من الأموات. فقبض اليهود على التلاميذ لا لكي يعرفوا أين هو المسيح المسروق، لكن حتى يمنعوهم أن يتكلموا عن حقيقة القيامة.

ما هو رد فعل التلاميذ على قبض اليهود عليهم؟ وكيف أن هذا يؤكد قيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) من الأموات؟

في المرة الأولى التي يذكر فيها الكتاب المقدس أن اليهود قبضوا على التلاميذ كان في الأصحاح الثالث من سفر أعمال الرسل. وكانت هذه المرة بعد أن شفى اثنان من تلاميذ المسيح (تبارك اسمه) واحداً كان أعرج ومقعداً على باب هيكل سليمان لمدة أربعين سنة، وشفياه بجملة واحدة: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش. وهذا جعل الجمع أو كما يقول الكتاب المقدس ركض إلى بطرس ويوحنا جميع الشعب الذي كان في الهيكل إلى رواق سليمان؛ وهم مندهشون ابتدأ بطرس ويوحنا يشهدون عن قيامة السيد المسيح من الأموات، وقالا للمجمع: "ورئيس الحياة (وهنا يتكلمون عن السيد المسيح) قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات، ونحن شهود لذلك، وبالإيمان باسمه شدد اسمه هذا الأعرج الذي تنظرونه، وتعرفونه، والإيمان الذي بواسطته أعطاه هذه الصحة أمام جميعكم". وهذا الذي جعل رؤساء الكهنة وقائد جند الهيكل متضجرين من تعليمهما الشعب وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات، فألقوا عليهما الأيادي.

ماذا كان رد فعل تلميذي المسيح بطرس ويوحنا؟

الكتاب المقدس يقول إن التلميذ بطرس الرسول -وهذا هو نفس الشخص الذي أنكر سيده أمام جارية وعبيد- هو الذي يذكر عنه الكتاب في هذه الحادثة أنه امتلأ من الروح القدس، أي روح الله (تبارك اسمه)، وقال لهم: »يا رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل، إن كنا نفحص اليوم عن إحسان إلى إنسان سقيم بماذا شفى هذا؟ فليكن معلوماً عندكم وجميع شعب إسرائيل أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم الذي أقامه الله من الأموات بذاك وقف هذا أمامكم صحيحاً. وليس بأحد غيره الخلاص (أي غير الرب يسوع المسيح)؛ لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أعمال ٤: ٨-٢١).

ماذا فعل بهم اليهود بعد هذا الكلام القوى والصريح الذي قاله لهم بطرس؟

الكتاب المقدس يقول في سفر أعمال الرسل وأصحاح ٤ وعدد ٣1: "فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان، تعجبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع. ولكن إذ نظروا الإنسان الذي شفى واقفاً معهما، لم يكن لهم شيء يناقضون به. فأمروهما أن يخرجا إلى خارج المجمع، وتآمروا فيما بينهم قائلين: ماذا فعل بهذين الرجلين؟ لأنه ظاهر لجميع سكان أورشليم أن آية معلومة قد جرت بأيديهما، ولا نقدر أن ننكر. ولكن لئلا تشيع أكثر في الشعب، لنهددهما تهديداً أن لا يكلما أحداً من الناس فيما بعد بهذا الاسم". فدعوهما، وأوصوهما ألا ينطقا البتة، ولا يعلما باسم يسوع. فأجاب بطرس ويوحنا: "إن كان حقاً أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله، فاحكموا. لأننا لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا، وسمعنا. وبعدما هددوهما أيضا أطلقوهما، إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما بسبب الشعب، لأن الجميع كانوا يمجدون الله على ما جرى، لأن الإنسان الذي صارت فيه آية الشفاء هذه كان له أكثر من أربعين سنة". في كل هذا الحديث لم ينكر رؤساء الكهنة أو اليهود قيامة السيد المسيح من الأموات، ولم يذكروا للتلاميذ أنهم سرقوا جسده، ولم يطالبوهم بالإرشاد إلى مكان الجسد المسروق، بل كل ما كان يهم اليهود هو أن يجعلوهم يسكتون، ولا يحدثون أحداً عن قيامة يسوع المسيح من الأموات. ولو كان لديهم دليل على عدم القيامة أو مكان الجسد المسروق لسارعوا به.

هل هناك أدلة منطقية أخرى؟

آخر دليل منطقي وكل هذا كما قلت على سبيل المثال لا الحصر، هو أنه ما الذى كان سيجعل التلاميذ والرسل يحتملون الإهانة والعذاب والقبض والاضطهاد سواء هم أو المسيحيين الذين حولهم أو حتى الذين أتوا بعدهم لو كانوا يحاولون أن يروجوا إلى كذبة؟ فهل يحتمل أحد كل هذه الآلام فى سبيل الدفاع عن كذبة، وهو عالم أنها كذبة، وهو ملفقها أيضاً، ولا فائدة من نشرها؟ كل هذه الأدلة المنطقية تؤكد أن المسيح قام بالحقيقة قام.

ثانياً: الأدلة التاريخية على قيامة السيد المسيح.

ما المقصود بالأدلة التاريخية على قيامة السيد المسيح من الأموات؟

المقصود بالأدلة التاريخية في أي موضوع هو ما دونته الكتب والمخطوطات القديمة التي تروى لنا حدثاً ما، هذا هو المعروف بالتواتر، أي ما تسلمناه من أجدادنا من تراث وروايات مدونة ومحققة. في الحقيقة، هناك خطورة كبيرة جداً في التشكيك فيما تسلمناه من أجدادنا،وهذا ما عرفه الإمام الرازى، وهو من أقدر أئمة الأحباء المسلمين، بالقدح فى التواتر. لأننا كيف عرفنا أن اسم الإنسان الأول الذي خلقه الله (سبحانه وتعالى) كان آدم، وزوجته اسمها حواء؟ من التواتر. وكيف عرفنا أن ولديهما قايين وهابيل؟ وقصة إبراهيم وإسحق ويعقوب والأسباط؟ من التواتر والكتب والمخطوطات من أين عرفنا قصة أنبياء الله يوسف وموسى وهارون وقصة مجيء السيد المسيح وصلبه وموته وقيامته؟ من التواتر. ومن أين عرفنا أن محمداً بن عبد الله نبي الإسلام ولد وعاش ومات ونادى برسالته فى بلاد العرب، ثم جاء بعده أبو بكر وعمر وعلى وغيرهم؟ من الكتب والمخطوطات والتواتر. وهنا قال الرازى كما ذكرنا فى مرة سابقة: إن القدح في التواتر يفتح باب الشك في نبوة موسى أو عيسى وسائر الأنبياء. فالتشكيك فى كلام الله (سبحانه وتعالى) وعدم الإيمان به في الحقيقة هو مصيبة كبيرة.

والأدلة التاريخية كثيرة، وهى تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

أولا:ً شهادة الكتاب المقدس، ذلك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ثانياً: شهادة كتب التاريخ والمؤرخين من المسيحيين واليهود والوثنيين.

ثالثاً: شهادة الآثار والحفريات. فعلى سبيل المثال:

أولاً: شهادة الكتاب المقدس:

وهذه تتضمن عدة أشياء هي:

1- شهادة الحواريين، وأتباع السيد المسيح (له المجد).

2- شهادة الحرس الذين كانوا واقفين يحرسون قبر السيد المسيح (تبارك اسمه) قبل قيامته.

3- شهادة الملائكة التي أحاطت بالقبر، وظلت هناك حتى بعد قيامة السيد المسيح (له المجد).

4- شهادة الموتى الذين قاموا مع قيامته من الأموات.

5- التسجيل التاريخي لكل ظهور، مرات عديدة يذكر زمن الظهور وعدد المشاهدين للسيد المسيح ومكانه الحقيقى.

1- شهادة الحواريين أو أتباع المسيح:

كما شرحنا سابقاً أن أتباع السيد المسيح سواء تلاميذه أو المحيطين به شهدوا عن قيامته بوضوح وبكل صراحة، ولم يؤخذ في الاعتبار أن هؤلاء الناس كانوا صادقين غير كذابين وغير متوهمين للقيامة مثلاً. وأنهم تحملوا كل المعاناة في سبيل نشر رسالة القيامة؛ لذا نستطيع أن نتكل ونطمئن جداً بالرجوع إلى أقوالهم والإيمان بها. وأكثر من هذا فالأربعة الذي ائتمنهم الوحي المقدس والمولى (سبحانه وتعالى) أن يكتبوا لنا الإنجيل الواحد بكتاباتهم الأربعة، كلهم متفقون تماماً على حادثة قيامة السيد المسيح من الأموات.

ما الذي يؤكد أن الرسل كانوا صادقين، وغير كذابين وغير متوهمين لحادثة القيامة؟

لا يمكن أن يكون التلاميذ كذابين، لأن ليس لهم مصلحة في الكذب، الذي يكذب لابد أن يكون له دافع قوى على الكذب إما سيحصل على مكافأة أو كرامة، أو سيكسب حب الناس وعطفهم. لكن الرسل كانوا عالمين أن مجرد ذكرهم لهذه الحقيقة سيجردهم من كل شيء حتى من ممتلكاتهم، وسيخرجون من المجمع اليهودى. وهذا لم يكن سهلاً على أى يهودى أن يحتمل هذا. وسيقبض عليهم، وسيعذبون، ويهزأ بهم، وهذا سيجردهم حتى من كرامتهم. وسيناصبهم من الناس العداء، ومن الممكن أيضاً أن أهل بيوتهم يتنكرون لهم كما يحدث الآن مع أى شخص غير مسيحى عندما يعتنق المسيحية. يجب أن يحسب حسابه ألف مرة قبل أن يصرح هذا التصريح لما يلاقيه من أهل بيته وشعبه ورجال دينه من الاضطهاد. وهذا يجعل أى إنسان يفكر جيداً قبل أن يقبل السيد المسيح مخلصاً شخصياً له. فليس هناك مجال للادعاء بقبول المسيح كمخلص شخصى للشخص غير المسيحى، والتصريح بذلك، والإيمان بصليبه وقيامته، إلا إذا كان هذا حقيقة. لكن العظيم في الأمر أنه عندما يتغير الشخص، ويصبح مسيحياً حقيقياً ليس بقبول دين جديد بل بقبول شخص المسيح نفسه كالسيد والرب، ينتفى كل خوف، وتهون كل الآلام والمعاناة لأجله (تبارك سمه)، وهو يعطى نصرة وقوة لتابعيه. من هنا لا يمكن أن يكون التلاميذ كذابين.

لماذا لا يكونون مخدوعين، فممكن مثلاً أن يقولوا في عقلهم الباطن إن الرب يسوع المسيح من الممكن أن يقوم أو يا ليته يقوم من الأموات في اليوم الثالث، وهذا أدى إلى اعتقادهم بأنه فعلاً قام وانتقل هذا الوهم منهم إلى غيرهم وهكذا؟

لو كان واحد فقط هو الذي نادى بقيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) من الأموات، لكانت تُقبل فكرة أن يكون مخدوعاً أو موهوماً بحادثة القيامة. وإن كانا اثنين مع بعضهما، وتوهما القيامة ممكن أن نصدق ذلك. مع أن هذا أصعب من أن يكون واحد فقط هو الذى علم بالموضوع. وإن كان الأحد عشر تلميذاً كلهم مع بعضهم فى فجر يوم الأحد، كلهم توهموا، وتخيلوا أن المسيح قد قام، مع أنه مستحيل أن يسيطر الوهم على الأحد عشر مرة واحدة. لكن كنا أيضا نشك فى حقيقة القيامة. أما إذا كان عدد التلاميذ مع عدد النساء اللواتى كن عند القبر والخمسمائة تلميذ أتباع المسيح الذين ظهر لهم (له المجد) مع بعضهم البعض، وظهوره على مرات متعددة وفى أوقات مختلفة فى خلال الأربعين يوماً بعد قيامته، هذا يؤكد استحالة حدوث هذا الوهم. فلو توهمت جماعة قيامة السيد المسيح لرفضتها الثانية والثالثة وغيرها.

هل هناك تلميذ آخر غير بطرس الرسول قال أو ذكر أن السيد المسيح قام من الأموات في الإنجيل أو في العهد الجديد؟

كل من استخدمهم المولى (تبارك اسمه) في تسجيل الوحي كلهم بلا استثناء ذكروا لنا هذه القصة. فمتى ولوقا ومرقس ويوحنا ويعقوب وبولس وكاتب رسالة العبرانيين، بالإضافة إلى تلميذ المسيح بطرس وغيرهم ذكروا هذه الحقيقة. وهذا لسبب بسيط لأن المسيحية كما ذكرنا من قبل ليست ديانة منفصلة عن مؤسسها، بل هي معتمدة كلية عليه.

فكل ديانة إذا غاب نبيها من المشهد لا يؤثر هذا في الديانة. فموسى كليم الله إذا غاب من اليهودية، فلن تتأثر تعاليم اليهودية به، بل كان من الممكن أن يأخذ هارون مكانه مثلاً. أما الديانة المسيحية إذا نزعت منها المسيح أصبحت بلا مضمون. فالمسيح معناه الشخص الذي بلا خطية. وهذا يأتي بنا إلى الفداء والصلب، وبالتالي إلى القيامة. ومن خلال الإيمان بهذه الحقائق والتغيير الحقيقى للبشر يصبح الإنسان مسيحياً، وهذا واضح من اسمها. فديانة موسى لا تسمى الموسوية، وديانة محمد لا تسمى المحمدية، لكن ديانة المسيح تسمى بالمسيحية.

2- شهادة الحرس:

الشهادة الثانية: هي شهادة الحراس الذين كانوا قد ضبطوا القبر، فاليهود كانوا يعلمون أن السيد المسيح قبل موته كان يعلم تلاميذه وسامعيه أنه سيموت وسيقوم في اليوم الثالث. فخافوا أن يحدث ذلك - وهم كانوا يعلمون أنها ستصبح كارثة أن المسيح يقوم من الأموات - ربما أنهم كانوا متخيلين أنه سيحاسبهم على صلبهم له، لكن الذى كان يرعبهم أن الجموع مشت وراءه، وأحبته وهو حى. فلو قام من الأموات، وثبت ذلك للناس، سيجعل ذلك كل الناس يؤمنون به، ويمشون وراءه، ووقتها كانوا سيضيعون فى وسط هذه الأحداث؛ لذلك ذهبوا إلى بيلاطس الحاكم الرومانى، وقالوا له: "يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حى إنى بعد ثلاثة أيام أقوم، فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا، يأتى تلاميذه ليلاً ويسرقوه، ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى. فقال لهم بيلاطس: عندكم حراس اذهبوا، واضبطوه كما تعلمون. فمضوا وضبطوا القبر بالحراس، وختموا الحجر" (كان النظام الرومانى يقضى بوضع أربعة أرابع من العسكر، أى وضع 16 عسكرياً على الأقل لحراسة مثل هذا الحدث. وكان يجب أن يعطى هؤلاء الحراس تقريراً لرؤساء الكهنة عما حدث بالضبط).

أين توجد هذه القصة؟

هذه الحادثة مذكورة في الإنجيل بحسب البشير متى الأصحاح 27. وهنا ذهب الحراس كما هو مدون في الأصحاح 28 من الإنجيل بحسب البشير متى من عدد ١١- ٥١ إلى المدينة، وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. وهنا وقع رؤساء الكهنة فى مشكلة لو كانوا تكلموا مع الحراس كلاماً جافاً، وأبلغوا عنهم السلطات، كان موضوع قيامة السيد المسيح سيتسع وسيسمع به كل العالم. فاجتمعوا، وتشاوروا، وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً، وسرقوه، ونحن نيام، وإذا سمع ذلك عند الوالى، فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة، وفعلوا كما علموهم؛ فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم.

إن كان فعلاً شاع عند اليهود أن التلاميذ جاءوا، وسرقوا جسد السيد المسيح (له المجد)، وهذا الذي قلنا إنه التواتر، فلماذا نقبل شهادة التواتر على أن السيد المسيح قام من الأموات ونرفض شهادة التواتر بأن تلاميذ السيد المسيح (له المجد) جاءوا وسرقوا جسده؟

هناك شروط ينبغي توافرها فيما نؤمن به مما تسلمناه بالتواتر من أجدادنا. منها ألا يناقض ما تسلمناه بالتواتر بعضه لبعض. وإذا ناقض أحدهما الآخر يكون هناك رواية صحيحة ورواية خاطئة، أو تكون الروايتان على خطأ. لكن من غير الممكن أن الروايتين المتناقضتين تكونان على صواب. وهنا ينبغي أن تخضع الروايات الصحيحة والخاطئة للفحص: العلمى، والروحى، والمنطقى، والعددى، وغيرها من العناصر التى بها نستطيع أن نحكم على الصحيح والسليم مما تسلمناه بالتواتر وعلى الخاطئ منه أيضاً.

هل هناك مثلاً عملياً على إخضاع ما تسلمناه بالتواتر من معلومات متناقضة، وكيف يمكن فحصها عملياً ومنطقياً وروحياً وعددياً؟

جاء في التوراة وفى سفر أيوب - وهو أول الأسفار التي كتبت في العهد القديم، ويرجع تاريخ كتابته إلى أربعة آلاف سنة من الآن- أن الأرض كروية، ونحن تسلمنا هذا بالتواتر. ثم جاء جماعة، وقالوا: كلا، إن الأرض منبسطة ثابتة لا تدور حول نفسها ولا حول الشمس، بل الشمس هى التى تدور حول الأرض، وأن الجبال هى الرواسى التى خلقها العزيز الحكيم، لئلا يميد بكم. وقالوا: إن الشمس تغرب في عين حمئة أو بئر حمئ بها ماء وطين. وكلتا الروايتين تسلمناهما بالتواتر، فأى منهما سنصدق، وأى واحدة سنكذب؟ فلابد من الاستعانة بالفحص العلمى، وقد ثبت علمياً وعملياً وفلكياً أن الأرض كروية، وأن الأرض غير ثابتة، بل هى تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة، فيتعاقب الليل والنهار. ثم تدور حول الشمس مرة كل سنة، فتتعاقب الفصول الأربعة. وثبت علمياً وعملياً أن الشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة، فلا يعقل أنها تغيب فى عين أو بئر من الماء والطين وغيرها الكثير. إذن ما تسلمناه بالتواتر لابد من فحصه قبل الإيمان به.

كيف نطبق هذا على المثل الذي أمامنا على حقيقة القيامة. التلاميذ يقولون: إن السيد المسيح (له المجد) قد مات ودفن وقام، واليهود يقولون كلا، بل مات ولم يقم، لكن تلاميذه سرقوه. والمسلمون يقولون كلا، هذا لم يمت ولم يقم بل شبه لليهود. وهذا كله تسلمناه بالتواتر، فلا نعلم أي راوية من هذه الروايات نصدق؟

1- أود أن أقول إن قضية صلب المسيح وموته وقيامته هي قضية مسيحية تخص المسيحيين في المقام الأول، ولا تخص غيرهم من اليهود والمسلمين؛ لذلك من المفروض أن الكلمة الأخيرة في هذه القضية تكون للمسيحيين.

2- لا يملك الأحباء المسلمون أية أدلة على عدم صلب وقيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) من الأموات سوى آية واحدة في القرآن الكريم تقول إن اليهود ما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبه لهم. بينما يملك المسيحيون عشرات بل مئات الأدلة المنطقية والروحية والتاريخية والعملية على صلبه (له المجد) وعلى قيامته. والقرآن الكريم يحرض الأحباء المسلمين على أن يسألوا أهل الذكر - أى النصارى واليهود - إذا كانوا فى شك مما أنزل الله لهم.

3- لا يملك الأحباء اليهود أية أدلة من أي نوع على أن جسد السيد المسيح (تبارك اسمه) قد سرق، بل كل الأدلة تؤكد العكس، وتثبت أن جسد المبارك (له المجد) لم يسرق لكنه قام كما قال. وليس ذلك فقط بل هناك العشرات من النبوات قبل مجيء السيد المسيح (تبارك اسمه) في التوراة تؤكد حقيقة قيامته (له المجد). رابعاً لم تتعرض حادثة ما في التاريخ للفحص والاختبار والتدقيق والدراسة مثلما تعرضت قضية صلبه (تبارك اسمه) وقيامته. وقد صمدت فى وجهها جميعاً، وحولت العديد من الملحدين ومن العلماء وأساتذة الفنون فى شتى بقاع العالم إلى مسيحيين مقتنعين مدافعين عما كانوا فى الأمس مهاجمين، وغير ذلك من الأدلة التى سنذكرها فى سياق الحديث بإذن الله. لذا فأمام هذه الأدلة لابد من الاعتراف بما رواه المسيحيون عن إلههم وسيدهم بأنه (تبارك اسمه) صلب ومات ودفن وقام فى اليوم الثالث.

لماذا لا نستطيع أن نصدق أن التلاميذ سرقوا جسد المسيح؟

كيف يجرؤ حفنة قليلة أو كثيرة على الذهاب إلى قبر المسيح (تبارك اسمه)، وهم يعلمون أن هناك العسكر الرومان المتوحشين، ولهم وصية من رؤساء الكهنة بضبط القبر بكل حرص، مع علم التلاميذ أن كسر الختم أو الشمع الأحمر الذى وضعه الرومان على قبر المسيح (تبارك اسمه) كانت عقوبته أن يصلب الشخص الذى يرتكب مثل هذا الفعل منكس الرأس إلى أسفل. وما الفائدة من سرقة جسد شخص ميت، والمناداة بأنه قام من الأموات؟ وكيف سيتخلصون منه حتى لو تمكنوا من سرقته وهو ميت؟ وهل يعقل أن جميع العسكر - وعددهم كما يقول التقليد 16 عسكرياً على الأقل - أنهم ناموا كلهم، ولا أحد منهم شعر بعملية السرقة؟

إن الجنود الذين يهرب منهم سجين، أو ينزلون مصلوباً حياً من على الصليب، أو يسرق منهم أحد وهم يحرسونه، كان قضاؤهم واحداً، وهو أن يموت هؤلاء الجنود بلا رحمة بدلاً من الشخص الهارب أو المسروق، فلو لم يكن السيد المسيح سرق لم يكن من الممكن أن يضع الحراس نفسهم فى هذا الوضع، ويقولون إننا كنا نياماً، وإن التلاميذ جاءوا، وسرقوه، ويعرضون أنفسهم لهذا الخطر.

هذه الحقيقة التي تعتبر دليلاً على سرقة جسد المسيح (تبارك اسمه)، هي دليل على عدم سرقة جسده. فالعسكر لم يكن أمامهم إلا شئ واحد، وهو إما أن يقولوا للناس الحقيقة إنه قام من الأموات، ونحن لم نستطع أن نفعل شيئاً، لكن خفنا خوفاً عظيماً كما يذكر عنهم الكتاب فى الإنجيل بحسب البشير متى، وفى هذه الحالة كان اليهود هم أول الناس يذهبون إلى المسئولين والوالى، ويشتكون على الحراس، ويتهمونهم بالإهمال فى حراسة السيد (تبارك اسمه). وبالتالى كانت نهايتهم المحتومة ستكون أيضاً الموت بدلاً عن السيد المسيح. الاحتمال الثانى: إن الحراس يخضعون لكلام رئيس الكهنة، ويستفيدون من الفضة الكثيرة التى أخذوها منهم، ويضمنوا أن الوالى لن يسمع بهذه الحادثة، وأن اليهود لن يقفوا ضدهم أمام الوالى حتى لو علم بأى شكل بل على العكس كما وعدهم اليهود بأنه إن سمع الوالى الخبر الملفق أن التلاميذ جاءوا ليلاً، وسرقوا الجسد سوف يستعطف اليهود الوالى لإطلاقهم وعدم تنفيذ الحكم فيهم. ففكر الحراس بذكاء، وقبلوا أفضل الحلين المعروضين عليهم. والكتاب المقدس واضح في هذه الكلمات؛ لأنه يقول: "فشاع بين اليهود هذا القول"، أى أن التلاميذ سرقوا هذا الجسد. ولم يقل الكتاب شاع بين الجميع أو بين العسكر الرومان أو بين الرومانيين ككل لكن بين اليهود، وهذا طبيعى؛ لأن رؤساء اليهود والكتبة كانوا هم الذين يعلمون الشعب، ويلقنونه كل ما يريدون، وعندما كان التلاميذ يريدون أن يسرقوا جسد السيد المسيح، لماذا لم يسرقوه فى أول ساعات بعد وضعه في القبر وقبل أن يحرسوه؟!

لماذا لا يكونون قد سرقوه في أول يوم قبل أن يقفل القبر بالحجر الكبير، وقبل أن يضعوا ختم الدولة الرومانية عليه؟

لا يمكن بالطبع أن يسرقوه قبل دحرجة الحجر، ووضع الختم الرومانى على باب القبر؛ لأن الحراس كانوا يحرسون جسداً في القبر، فلا بد أن يتأكدوا أن الجسد موجود.

والذي يرى قبر المسيح في أورشليم القدس، ويقرأ ما كتب عنه في الإنجيل- يعلم أنه بمجرد أن ينحنى الشخص من على الباب خارجاً حتى قبل دخول القبر، يستطيع أن يعلم إن كان هناك شخص ما. فلا يعقل أن الحراس كانوا يحرسون قبراً فارغاً، ويسهرون على حراسته. هذا إلى جانب الأدلة التى ذكرتها سابقاً. وأود أن أختم إجابتى على هذا السؤال بما علق عليه السيد (ج ن أندرسون)عميد كلية الحقوق فى جامعة لندن، ورئيس قسم القانون الشرقى فى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية ومدير معهد الدراسات القانونية المتقدمة فى جامعة لندن، على فكرة سرق التلاميذ جثة السيد المسيح (تبارك اسمه). ويقول: سيكون هذا العمل مناقضاً تماماً لكل ما نعرفه عنهم - أى عن التلاميذ - عن تعليمهم الأخلاقى ونوعية حياتهم وثباتهم أمام الاضطهاد والمعاناة كما أن ذلك لا يفسر شيئاً من تحولهم المثير من جماعة من الهاربين واهيى العزيمة إلى شهود لا يمكن لأية معارضة أن تكتم أفواههم.

3- شهادة الملائكة:

بعدما تكلمنا عن شهادة الحواريين وأتباع السيد المسيح عن قيامه، وبعد أن فحصنا شهادة الحراس الذين كانوا يحرسون القبر، نجد أيضاً شهادة الملائكة فى هذه القيامة العجيبة. وشهادة الملائكة كما هو مدون فى الإنجيل بحسب البشير مرقس فى عدد 5 من الأصحاح 16 يقول تنزيل الحكيم العليم عن اللواتى ذهبن لوضع الحنوط على جسده: »ولما دخلن القبر رأينا شاباً جالساً عن اليمين، لابساً حلة بيضاء؛ فاندهشن. فقال لهن: لا تندهشن، أنتن تطلبن يسوع الناصرى المصلوب قد قام ليس هو ها هنا...إلخ". وفى الإنجيل بحسب البشير متى الأصحاح 28 وعدد 5 يقول عن هذا الشاب في هذه الحادثة: "فأجاب الملاك، وقال للمرأتين: لا تخافا أنتما، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا؛ لأنه قام كما قال".

أليس من الغريب أن ملاكاً يشهد عن قيامة السيد المسيح (له المجد)؟ ألم تكن شهادته عن نفسه كافية؟

ليس غريباً على الإطلاق أن يشهد ملاك عن قيامته (له المجد). فجبرائيل الملاك هو الذي بشر القديسة العذراء مريم المطوبة بأنها ستلد ابناً، وتدعو اسمه يسوع؛ لأنه يخلص شعبه من خطاياهم. وعندما أراد خطيبها يوسف النجار تخليتها وتركها عندما وجدت حبلى بالروح القدس (أى روح الله)، ظهر له ملاك في حلم، وطمأنه أن خطيبته لم يمسسها بشر، ولم تكن بغياً. وعندما ولد ظهر جمهور من الجند السماوى يهتفون قائلين: "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". وعندما أراد هيرودس أن يقتله وهو فى المهد صبياً ظهر ملاك ليوسف خطيب أمه، وقال له: خذ الصبى وأمه، واهرب إلى أرض مصر. ثم ظهر له ملاك مرة ثانية، وقال له أن يرجع إلى أرضه بعد موت هيرودس. وعندما كان السيد (تبارك اسمه) على جبل التجربة يقول الإنجيل بحسب القديس متى في الأصحاح الرابع والعدد الحادى عشر إن الملائكة جاءت فصارت تخدمه، أى كانت الملائكة فى خدمته، فليس غريباً أن تأتى الملائكة، وتعلن للناس أن المسيح (تبارك اسمه) قد قام من الأموات.

ما أهمية أن يأتى ملاك أو ملائكة من السماء لتشهد عن قيامة الرب يسوع المسيح؟

تكمن شهادة الملائكة للسيد المسيح (تبارك اسمه) أنه قام من الأموات فى عدة أمور.

1- إن الملائكة لا تكذب، ولا يمكن أن تكذب. فالكذب ليس فى طبيعتها. فعندما تقول الملائكة إن السيد المسيح (تبارك اسمه) قد قام؛ إذن المسيح قد قام من الأموات.

2- انضمام شهادة الملائكة عن قيامته إلى شهادة البشر؛ ليؤكدوا الأدلة على ذلك. فالأمر ليس متروكاً للبشر وحدهم بل هناك أيضاً الملائكة.

3- إن الملائكة لا يمكن أن تعمل من نفسها شيئاً، بل كما يكلفها الله أن تعمل. فشهادة الملائكة لقيامته تعنى أن الرحمن الرحيم هو بنفسه شهد لقيامته، من خلال ملائكته الذين أرسلهم ليخبروا الناس عنها. شهادة الملائكة له ومجيئها للتبشير –أولاً- بمجيئه إلى العالم فى صورة إنسان، ثم قيامته من الأموات، وبعدها عن مجيئه مرة أخرى إلى العالم؛ ليدين الأحياء والأموات عند قيام الساعة كلها تدل على من هو هذا المقام. فالمتفق عليه أن الخادم هو الذى يعلن قدوم المخدوم، أو من هو أقل شأناً هو الذى يعلن قدوم من هو أعظم شأناً منه. فلا يعقل أن ملكاً ما هو الذي سيعلن عن قدوم وزيره، ودخوله إلى قاعة الاجتماعات، بل لابد أن يكون العكس. فالوزير أو رئيس الوزراء أو ما شابهه هو الذى يعلن عن قدوم الملك، وهذا يوضح لنا من المسيح يسوع (تبارك اسمه).

كيف يوضح مجيء الملائكة حتى يخبروا عن قيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) عمن هو؟

إن الأقل شأناً هو الذى يعلن عن قدوم الأعظم. فإعلان الملائكة عن قيامة المسيح وبعثه حياً بعد موته، يدل على أن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو أعظم من الملائكة كعظم السيد عن خادمه أو عظم الملك عن وزيره. وهنا يطرأ سؤال من الذى يعرفه البشر أنه أعظم من الملائكة؟ لا أحد غير الله المستوى على العرش جلت وعلت قدرته.

إذن هذا إعلان واضح أن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله. كيف وهو تمثل لنا بشراً سوياً؟ إذن فلا حل لهذا اللغز إلا قبول أن المسيح يسوع (له المجد) هو الله الظاهر فى جسد إنسان.

هل ذكر الكتاب بصراحة أن السيد المسيح (له المجد) أعظم من الملائكة، أو هذا مجرد تحليل شخصي حتى تثبت لنا أن المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في الجسد؟

في رسالة العبرانيين، الأصحاح الأول، هذه الكلمات: "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (ويقصد هنا بابنه الرب يسوع المسيح) الذي جعله (أى المسيح) وراثاً لكل شيء الذى به أيضاً عمل العالمين. الذى وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم".

يوجد كثير من الملائكة الذين ظهروا للرسل والأنبياء الذين جاءوا قبل المسيح (تبارك اسمه)، وليس فقط السيد المسيح (له المجد)؟

في كل مرة ذكر الكتاب المقدس أن ملاكاً ظهر لواحد من بنى البشر، حدث رعب واضطراب داخل هذا الإنسان، واضطر الملاك أن يهدئه، فيتمكن أن يبلغه الرسالة. ولم يذكر الكتاب أبداً عن رسول أو نبى أنه أعظم من الملائكة، بل مما هو معروف أن الملائكة أفضل من البشر لطهارتهم وحياتهم فى جو من القداسة ورؤيتهم للمولى القدير (تبارك اسمه) وغيرها. فعندما ظهر ملاك لمنوح مثلاً والد شمشون المذكور فى سفر القضاة والأصحاح السادس عشر، يقول الكتاب: إنه سقط على وجهه إلى الأرض. وعندما ظهر ملاك لدانيال نبى الله فى القديم كان مسبخاً على وجهه إلى الأرض على حد تعبير الكتاب المقدس أيضاً. ويوحنا الرائى كذلك. أما سيدى المسيح (تبارك اسمه) لم يكن يرتعب أو يخاف أو ينام على وجهه من شدة رعبه لظهور الملائكة له، بل هو الوحيد الذى قيل فيه إن الملائكة كانت تخدمه.

الأحباء الذين لا يؤمنون بموت السيد المسيح (تبارك اسمه)، ولا قيامته يؤكدون إن الروح القدس جبريل - كما يؤمن أحباؤنا المسلمون- كان الواسطة فى تنزيل ما ينفى صلبه وقيامته (له المجد).

الملائكة لا تكذب ولا تؤلف قصصاً من عندها، بل ما يأمرها به المولى القدير هو الذى توصله. والملائكة الذين شهدوا عن قيامته (تبارك اسمه) رآهم أكثر من واحد بل جماعات كثيرة، وتحدثوا معهم، ودونوا كلماتهم بالتفصيل. وتأكد لنا ما رووه من خلال ظهور السيد المسيح نفسه (تبارك اسمه) أكثر من مرة، وعندنا العشرات بل مئات الأدلة على صدقهم. أما أن يذكر البعض أن جبريل جاء برسالة أخرى غير صلب وقيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) أى أن الله (سبحانه وتعالى) يناقض نفسه أو أن الملائكة جاءت بعكس ما جاءت به يوم قيامته (له المجد)، فهذا لا تعليق عندي عليه.

4- هو شهادة الموتى

هم الذين قاموا وقت حدوث الزلزلة عندما تشققت الصخور وفتحت القبور لحظة أن أسلم السيد المسيح (تبارك اسمه) روحه للمولى القدير على الصليب.

أين هو يُذكر هذا الكلام، وهل فعلاً قام الموتى من القبور فى لحظة موت السيد المسيح له المجد؟

هذا الكلام مذكور في الإنجيل بحسب البشير متى أصحاح 27 وعدد ١٥-٣٥. ويقول في هذا تنزيل الحكيم العليم: "والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين". وهنا يوضح الوحي المقدس أن في هذه اللحظة التي أسلم فيها السيد المسيح الروح (تبارك اسمه) على الصليب، حدثت زلزلة عظيمة، وانشق حجاب الهيكل، والقبور تفتحت، وقام أجساد كثير من القديسين، بالطبع لم يقم كل الموتى في ذلك الوقت، لكن الكتاب المقدس يقول إن الذين قاموا كانوا:

عددهم كثير.

كانوا من القديسين، أي الذين قبل موتهم كانوا على وفاق وسلام مع المولى (تبارك اسمه) عاملين مرضاته (سبحانه وتعالى).

ثالثاً: أن هؤلاء الذين قاموا ظهروا لكثيرين، وكلمة ظهروا هنا تتناسب مع قيامته من الأموات، ليس بحالة جسمية كتلك التي ماتوا بها بل بجسد ممجد غير فاسد أو قابل للفساد مرة أخرى. وهذا الجسد يمكن أن يظهر كالملائكة مثلاً للبشر، ثم يختفي مرة أخرى.

ما أهمية ذكر هذه الحادثة في سياق الدراسة التي نحن ندرسها؟ وكيف يعتبر هذا دليلاً تاريخياً على قيامة السيد المسيح؟

أهمية ذكر هذا الدليل التاريخي هو ارتباط قيامة هذه الأجساد من الموت بعملية صلب السيد المسيح (تبارك اسمه)، وعملية ظهورهم لكثيرين بقيامته (له المجد). فلو أن المولى سمح لهؤلاء أن يقوموا من الأموات، أفلا يسمح للسيد المسيح نفسه أن يقوم؟ فلو لم يقم السيد المسيح من الأموات، لما كانت لذكر هذه الحادثة أية قيمة أن تذكر في هذا المقام. ومنعاً للشك في هذه الحقيقة يؤكد الوحي بفم متى الرسول أن هؤلاء دخلوا المدينة المقدسة )أي أورشليم(، وظهروا لكثيرين، أي أن شهود العيان لهم كثيرون، وليس واحداً أو اثنين أو ثلاثة.

5- شهادة التسجيل التاريخي:

دليل تاريخي آخر هو التسجيل التاريخي الدقيق لكثير ولا أقول لكل ظهورات السيد (تبارك اسمه). ظهوره لفئات ونوعيات كثيرة من البشر منهم تلاميذه وغير التلاميذ، منهم الرجال ومنهم النساء. منهم من كانوا يجلسون في غرفة مغلقة في حالة من الخوف بسبب اليهود؛ لأن اليهود صلبوا سيدهم. ومنهم من كانوا يصطادون في بحر طبرية، ومنهم من كانوا على سفر وغيرها الكثير.

ما هي بعض الظهورات بأكثر تفصيلاً؟

أول ظهور للسيد (تبارك اسمه) كان لسيدة تدعى مريم المجدلية، أي من قرية مجدل. وهذه سيدة من اللواتى كن عند الصليب والتي رأته أين صلب (تبارك اسمه)، وأين وضع. فجاءت عند القبر، وهنا مكان الظهور، أما زمان الظهور فهو باكراً جداً صباح يوم الأحد. وهذه السيدة أيضاً تكلمت معه، وذهبت وأخبرت بقية التلاميذ أن السيد قد قام. وهم كانوا كما يقول الكتاب المقدس فى الإنجيل بحسب البشير مرقس، أصحاح 16 وعدد 10 إنهم كانوا يبكون، وينوحون، فلما سمع هؤلاء أنه حي، وقد نظرته لم يصدقوا.

أليس غريباً أن التلاميذ كانوا ينوحون ويبكون باكراً في الصباح؟

الحقيقة كل من عاش في الشرق الأوسط (أى فى بلادنا)، يعرف أهمية اليوم الثالث عند أهل الميت. إنه يكون يوم حزن ونوح وبكاء وخاصة عند اليهود؛ لأن اليهود كان لديهم عادة أن يذهبوا إلى قبر الميت فى الصباح الباكر بالحنوط والعطور، ويضعون على جسد الموتى مودعين إياهم الوداع الأخير، لأنهم كانوا يظنون أن الروح تظل تحوم حول الميت لمدة ثلاثة أيام وبعدها تفارقه فى اليوم الرابع بلا عودة. فعملية الاستيقاظ المبكر من النوم وإعداد الحنوط والعطور والخروج من البيت لإلقاء النظرة الأخيرة على الجسد الملفوف، ووضع الحنوط عليه كانت ولا شك تصاحب بالبكاء والنوح والمشاعر الجياشة فى مثل هذه المناسبة. وعلى قدر عظمة ورقة وحلاوة الميت على قدر ما يكون الانفعال. والميت الذي نحن بصدده لم يكن أى ميت، بل كان رب الحياة. من عاش مع تلاميذه ومحبيه كخادم لهم، وكان محط آمالهم وانتظاراتهم. وكان جميلاً جداً رقيقاً، ومات فى سن الثالثة والثلاثين وثلث بأبشع طريقة أمام عيونهم. كل هذا جعلهم يبكون وينوحون عليه ليس باكراً جداً فى صباح الأحد، بل طيلة تلك الأيام الثلاثة التى قضاها في القبر.

ما الظهور الثاني الذي ظهر فيه الرب يسوع المسيح (له المجد)؟

الظهور الثاني كان لمجموعة من النساء وهن راجعات من القبر، ومكان هذا الظهور كان في الطريق ما بين القبر ومدينة أورشليم، وهذا كان بعد طلوع الشمس بقليل. وهذا الظهور مذكور في الإنجيل بحسب البشير متى أصحاح 28 والأعداد 8-9.

إن الظهور في أول واقعتين كان للسيدات فقط وهن اللواتى أعلنّ أنه قام، وجئن، وأخبرن التلاميذ؟ لماذا لم يظهر الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) للرجال أولاً؟

الحقيقة أنه لا فرق عند المولى (تبارك اسمه) بين الرجال والنساء في شيء. فلا فضل لأحدهم عن الآخر إلا بالتقوى. فالرجال في شرع المسيح (له المجد) غير قوامين على النساء. والنساء فى شرعه (له المجد) غير ناقصات عقل أو دين. فالعقل من صنع المولى القدير، فلا يعقل أنه خلق نصف خلائقه بعقل ناقص والنصف الآخر بعقل كامل. والدين لله وكماله هو بمعرفة المسيح يسوع (تبارك اسمه) كالمخلص الوحيد للبشر، ولا علاقة له بأية ظواهر جسدية لدى النساء. ومع ذلك، فلو ظهر السيد المسيح (تبارك اسمه) للنساء فقط لكان الأمر يحتاج إلى فحص أكثر، لكن جميع الظهورات التى تلت هذه المرة التى نتكلم عنها - وهى المرة الثانية للظهور - كانت للرجال وقليل منها كان للرجال والنساء فقط.

إن زيارة القبور أساساً كانت تجرى بواسطة النساء، وعملية وضع الحنوط والعطور كان المنوط بها النساء. والنساء هن اللواتى ذهبن إلى القبر باكراً جداً دون الرجال؛ لذلك ظهر السيد (تبارك اسمه) للتين ذهبتا إلى القبر. ولا يعقل أن يترك النساء حول القبر، ويذهب ويظهر للرجال في البيت، لا لشيء إلا لكونهم رجالاً. ولو كان هناك رجل ملازم لمريم المجدلية لرأى السيد (له المجد) عندما ظهر لها. وأريد أن أختم إجابتى على هذا السؤال بالقول إن السيد (تبارك اسمه) حتى يومنا هذا لا يمكن أن يفرض نفسه على بني البشر. بل كل من يسعى إليه. ويتطلع إلى رؤيته والتعامل معه وقبوله مخلصاً شخصياً لحياته هذا فقط من يظهر له السيد المسيح نفسه. أما من لا يرى أنه فى حاجة إلى غفران السيد المسيح ومحبته، ومن يرفض الاعتراف بموته وقيامته فسيكون والعياذ بالله من الخاسرين. يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً، ويكون الأمر يومئذ لله. عندها سيعرف الخاسرون أن ما أوتوا من فرص قد ضاعت، وقد أفلح المؤمنون. فيحق عليهم عذاب القبر والنار جزاءً من عند ربهم بما كانوا يفعلون.

لماذا لم يظهر السيد المسيح نفسه للكهنة اليهود الذين صلبوه، وأماتوه؟ ولماذا لم يذهب إلى بيت هيرودس وبيلاطس والجند الرومان، ويثبت لهم أنه هو قد قام من الأموات، وأن تلاميذه غير كذابين. ويفهمهم أنهم هم الكذابون، وحاولوا أن يخفوا حقيقة قيامته عن الناس؟

هذا السؤال يصلح إذا كان السيد المسيح إنساناً عادياً كأى واحد من الناس. وأنا أرى أن الإجابة على هذا السؤال ممكن أن تكون في عدة نقاط:

1- إن السيد المسيح ليس مجرد بشر حتى يتصرف مثل هذا التصرف البشرى، بل هو كما قلنا الله الظاهر فى الجسد.

2- ذا كان السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر فى الجسد، فلا يكون الإنسان نداً له. حتى يذهب إليه هو (له المجد)، ليثبت للإنسان أنه قام من الأموات، بل على العكس فعلى الإنسان أن يذهب له، ويبحث عن حقيقة هذا الأمر، ويقبله بكل تواضع وخشوع وعرفان بالجميل.

3- إن السيد المسيح (له المجد) لا يحمل فى قلبه ضغينة ضد أولئك الذين صلبوه. والدليل على ذلك أنه صلى من أجلهم من على الصليب، قائلاً يا أبتاه، اغفر لهم. فهذا أسلوب شخص يحب صالبيه، ولا يبغضهم.

4- إن السيد لم يمت مغلوباً على أمره حتى يذهب إلى صالبيه عندما تواتيه الفرصة؛ ليثبت لهم أنه أقوى منهم، وأنه قام بالرغم عنهم. رؤية السيد المسيح (تبارك اسمه) والإيمان به ليس أمراً سهلاً يسيراً يمكن الحصول عليه من قبل أولئك الذين يعادونه، بل هو شرف وامتياز لابد أن تتوق له كل المخلوقات وخاصة الإنسان. وهو لا يعلن ذاته (تبارك اسمه)، ويسمح برؤيته إلا لأولئك الذين يستحقونه.

هل يعنى هذا أن التلاميذ الذين ظهر لهم كانوا يستحقون؟

الحقيقة ليس هناك إنسان واحد، ولم ولن يكون على الأرض يستحق فى ذاته أن يظهر السيد المسيح له نفسه أو أن يمتعه بظهور من ظهوراته، لأن المسيح (تبارك اسمه) هو القدوس المكتوب عنه أن السماء ليست بطاهرة قدامه، وإلى الملائكة ينسب حماقة. أى أنه يرى الملائكة كالحمقى أمام حكمته وطهارته. فمن الإنسان حتى يستطيع أن يراه. أما من هو الإنسان الذى يستحق أن يظهر له السيد (تبارك اسمه) ذاته؟ هو ذلك الذى اعترف له بذنوبه وخطاياه، فغفر له المسيح (له المجد) ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وجعله من أتباعه المقربين. أولئك الذين احتموا فى عمل دمه الكريم، وغسلوا ثيابهم، وبيضوها بدمه، وهم يتوقون إلى رؤيته، ويعتبرون العشرة معه أغلى ما يمكن أن يمتلكوه في هذه الحياة. أولئك هم المستحقون رؤيته، وهو حق ممنوح لا مملوك لهم. فبهذا المفهوم كان أولئك الذين ظهر لهم السيد (تبارك اسمه) مستحقين رؤيته.

كان من الممكن أن يظهر السيد المسيح (له المجد) نفسه للناس البسطاء الذين لا يعرفون يمينهم من يسارهم، والذين لا يد لهم فى عملية صلبه وقيامته حتى يؤمنوا به، وينجوا من عذاب الآخرة؟

هؤلاء الناس البسطاء لم يكونوا فى أورشليم أو فلسطين فقط فى هذه الأيام، بل كانوا متفرقين فى كل العالم المعروف يومئذ. وليس هؤلاء فقط وأنا وأنت وكل مسيحى بالاسم أو يهودى أو مسلم أو بوذى الذين عاشوا، وسيعيشون إلى يوم مجيئه (تبارك اسمه)، وإلى قيام الساعة. كلنا بسطاء ومحتاجون إلى هذا الظهور من السيد (تبارك اسمه) حتى نؤمن أنه هو المسيا والمسيح الآتى إلينا لكي يخلصنا من خطايانا. وبالطبع لا يعقل أن السيد المسيح (له المجد) كان يجب أن يظهر فى فضاء الكرة الأرضية فوق مدينة أورشليم مثلاً أو فلسطين، ويعلن بأعلى صوته: إنى أنا المسيح الذى صلبه اليهود، والذى قام من الأموات. وبعدها يذهب إلى مصر، ويعلن هذا الإعلان، ثم يذهب إلى السعودية وليبيا والصين وغيرها حتى يؤمن به الناس. لكن كان يجب أن يجد طريقة أسهل وأوقع للتعامل مع الجنس البشرى لأن الذى يهمه هو أن يعرفه كل الجنس البشرى، ويعرف حقيقة صلبه وقيامته.

ما الشيء الذى عمله حتى يجعل الجميع يعرفونه، ويؤمنون بهذه الحقيقة؟

1- أظهر نفسه لمحبيه والمؤمنين به، أولئك الذين تركوا كل شيء، وتبعوه، وعرفوا أن كلام الحياة الأبدية عنده. وآمنوا أن الله تعالى أرسله إلى العالم؛ ليفدى ويخلص الخطاة الذين أولهم أنا. بعدما أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة أرسلهم إلى بقاع الأرض على اختلاف أماكنها واختلاف أجناسها. أولئك الذين يعيشون عليها واختلاف أديانهم. أرسلهم لكل البشر؛ ليقولوا للناس أن السيد المسيح قد صلب ودفن وقام من الأموات فى اليوم الثالث. وهو الآن جالس فى عرش المولى (تبارك اسمه)، وسوف يجيء مرة أخرى؛ ليدين الأحياء والأموات. فكل من يقبله يصبح من أصحاب النعيم، أولئك الذين لا خوف عليهم يوم الدين. ومن يرفضه يحق عليه العذاب الأليم، والعيش فى كنف الوسواس الخناس الشيطان الرجيم خالداً فى النار أبداً جزاءً من عند الرحمن الرحيم.

2- لم يكتفِ له المجد بإرسال محبيه وأتباعه إلى العالم بل مازال فاتحاً أحضانه لكل من يأتى إليه، ويتوب له معترفاً له بخطاياه وآثامه. فهو ما زال ينادى: "تعالوا إلىَّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال، وأنا أريحكم".

3- هو لم يفرق بين أصحاب دين ودين أو جنس وجنس، ولم يعتبر دم المسيحى من أتباعه أفضل من دم غيره من البشر. ولم يعلمنا كمسيحيين أننا خير أمة أخرجت للناس، بل علمنا أننا جميعاً خطاة نحتاج إلى التوبة. فليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد: لا نبى، ولا رسول، ولا قديس ولا كاهن، ولا شيخ، ولا راهب، الكل مصيره الأبدى النار المتقدة مع إبليس وجنوده إن لم يقبله (تبارك اسمه) مخلصاً له، وإن لم يتغمدنا الله برحمته. والآن أريد أن أسألك سؤالاً. هل تعتقد أن السيد المسيح مقصر عن الإعلان عن قيامته (له المجد)؟

هناك أناساً شكوا فى قيامة السيد (له المجد) من الأموات، ومع ذلك أظهر لهم ذاته، وقابلهم كتلميذه توما مثلاً؟ لماذا ذهب إليه؟

الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) يعرف طبيعة الإنسان، ويعرف أنه عادةً ما يشك رغماً عنه. فالتلاميذ كلهم شكوا فيه، وتفرقوا عنه. وتوما عندما اجتمع مع التلاميذ، وأخبروه أنهم رأوا السيد المسيح حياً قد جاء إليهم فى الغرفة التى كانوا موجودين فيها، توما شك، وقال لهم: إن لم أبصر فى يديه أثر المسامير، وأضع إصبعى فى أثر المسامير، وأضع يدى فى جنبه لا أومن. كان هذا الظهور الخامس بدون توما، والظهور السادس بوجود توما. لكن هناك فرق بين الشك فى صلب المسيح وقيامته وبين رفض فكرة صلبه وقيامته والإصرار على عدم قبولها بل ومحاولة مقاومتها. فلو كنت أنا -مثلاً- واحداً من الأحباء المسلمين، لساورنى الشك كل الشك فى حقيقة صلبه وقيامته (تبارك اسمه)؛ لأننا لا نؤمن بذلك. لكن مجرد الشك فى هذه الحقيقة لا يرفضه السيد (تبارك اسمه)، بل يرى فيه حق الناس للتعامل معهم، وهو على استعداد أن يأتى ويؤكد لى، ويجعلنى أومن به، وأن يأتى إلىّ حتى فى منام أو من خلال كتاب عن صلبه وقيامته أو من خلال قراءة الكتاب المقدس، وهى فى رأيى أفضل الوسائل للتعرف على شخصه (تبارك اسمه). لكن لو أصررت على عدم قبولى له (تبارك اسمه) ورفضى ومقاومتى حتى لفكرة صلبه وقيامته (له المجد)، فسينكرنى إلى يوم الدين يوم تضيع الفرصة، وأصبح إلى الأبد من الخاسرين.

تكلمنا عن اثنين من وقائع ظهور السيد المسيح (له المجد) للبشر بعد قيامته. ما الظهورات الأخرى؟

في الواقع المرات التي ظهر بها الرب (تبارك اسمه) للناس كانت كثيرة جداً، وكانت على مدى أربعين يوماً من بعد قيامته، واكتفى الإنجيل بذكر عدد منها. لكنى سأذكر منها حادثتين فقط بالإضافة إلى الوقائع التى ذكرتها سابقاً.

لماذا ذكر الإنجيل بكتاباته الأربعة عدداً قليلاً جداً من ظهورات السيد المسيح (له المجد) لتلاميذه؟ لماذا لم يذكر أكبر عدد ممكن أو حتى كل ظهوراته حتى يؤمن الناس بهذه الحقيقة؟

لم يحاول الله في الإنجيل أن يثبت للبشر أن المسيح يسوع (تبارك اسمه) قد قام من الأموات، لأن الله (سبحانه وتعالى) قائم بذاته غير محتاج لخلائقه. ولم يضع نفسه (جل شأنه) فى موقف المدافع عن قضية قيامة السيد المسيح (له المجد). لكنه ذكر أحداثاً ووقائع بسيطة؛ ليخبر الخلق الذين يتفكرون به قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم أنه (له المجد) قام. ومن له أذنان كما يقول الإنجيل للسمع فليسمع، ومن لا يريد أن يسمع أو يقبل فهذه مشكلته، بل أقول مأساته، ولا دخل له جل شأنه بها. فالإيمان بهذه الحقيقة لا يأتى بكثرة تعداد وقائع ظهور السيد (له المجد) للناس بل بالإيمان بكلامه الحكيم العزيز بأنه قام حتى لو ذكرت واقعة واحدة أو آية واحدة عن حقيقة قيامته (له المجد).

ما الظهور الموصوف في الإنجيل بحسب البشير مرقس الذي سنتكلم عنه؟

في العدد 12 من الأصحاح 16 من الإنجيل بحسب القديس مرقس يقول تنزيل الحكيم العليم: "بعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم، وهما يمشيان منطلقين فى البرية، وذهب هذان، وأخبرا الباقين، فلم يصدقوا ولا هذين"، والكلمات "بعد ذلك" هنا تشير إلى ذكر الوحى قصة ظهور الملاكين لمجموعة النساء اللواتى ذهبن إلى القبر. وبعدها ظهور السيد (تبارك اسمه) لمريم المجدلية هذا هو المقصود "ببعد ذلك".

هذه الآيات تقول أنه ظهر بهيئة أخرى، فما معنى هذا الكلمات؟ وما الهيئة التى ظهر بها أولاً، والهيئة التى يتكلم عنها هذا المقطع؟

الظهور عند القبر كان محاطاً بملائكة، وإن كانوا يبدون بثياب بشر، لكن كان من المعروف أنهم ملائكة حتى ظهور السيد كان بطريقة مفاجئة كالمقام من الأموات الذى يعلن بذلك عن نفسه. لكن فى هذه الواقعة وهى المدونة بالتفصيل بالإنجيل بحسب البشير لوقا في الأصحاح24، ظهر السيد (تبارك اسمه) كإنسان عادى مسافر بجانب التلميذين. والإنجيل يذكر عن هذين التلميذين في العدد 13 من الأصحاح 24 من الإنجيل بحسب البشير لوقا: "وإذا اثنان منهم كانا منطلقين فى ذلك اليوم (أي يوم قيامة السيد تبارك اسمه) إلى قرية بعيدة عن أورشليم 60 غلوة اسمها عمواس، وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث (أى حوادث قيامة الرب من الأموات). وفيما هما يتكلمان، ويتحاوران اقترب إليهما يسوع نفسه. وكان يمشى معهما، ولكن أمسكت أعينهما عن معرفته".

ما معنى أن أعينهما أمسكت عن معرفته؟ ولماذا أمسكت أعينهما عن معرفته؟ ألم يكن من الأوقع أن يعرفهما بنفسه أنه هو المسيح الذى كان مصلوباً، وقام؟

أمسكت أعينهما عن معرفته، أى أنه بطريقة معجزية أراد المولى القدير ألا يجعل هذين التلميذين يعرفان السيد المسيح (تبارك اسمه)، فمنع أعينهما عن التعرف عليه. أما لماذا أمسك القدير جل شأنه أعينهما عن معرفته، واضح فى الأعداد القادمة من نفس الإنجيل، أن الرب يسوع (له المجد) كان يفسر لهما حقيقة نبوات كثيرة موجودة عندهما فى التوراة ومكتوبة قبل مجيئه (له المجد) قبل آلاف السنين، وهما عالمان بها لكن لا يفهمانها. فلو أعلن لهما السيد (تبارك اسمه) عن نفسه من أول وهلة كان اللقاء سيختلف، ولم يكونا قد سمعا من فرحهما للدرس الذى أراد أن يعلمهما. والدرس هو وجوب تألم المسيح ودخوله إلى مجده. وفي العدد 27 من أصحاح 24 من الإنجيل بحسب البشير لوقا: "ثم ابتدأ يسوع من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب".

كيف عرف التلميذان أن الذي كان يكلمهما هو الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) المقام من الأموات؟

الكتاب المقدس يقول هنا: "ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد، فألزماه قائلين: امكث معنا؛ لأنه نحو المساء، وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما، فلما اتكأ معهما أخذ خبزاً، وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما، وعرفاه، ثم اختفى عنهما. فقال بعضهما لبعض: ألم يكن قلبنا ملتهباً فينا إذ كان يكلمنا فى الطريق، ويوضح لنا الكتب؟ فقاما في تلك الساعة، ورجعا إلى أورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم، وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة، وظهر لسمعان. وأما هما فكانا يخبران بما حدث فى الطريق، وكيف عرفاه عند كسر الخبز. أى أن المولى القدير بعد أن أمسك أعينهما عن معرفته فى النهاية فتح عيونهما لكى يعرفاه.

فى المقطع الذى جاء في العدد 13 من الأصحاح 16 في الإنجيل بحسب البشير مرقس يقول الكتاب: "وذهب هذان (أى التلميذان اللذان انفتحت أعينهما وعرفا السيد تبارك اسمه) وأخبرا الباقين، فلم يصدقوا، ولا هذين". لماذا كان إصرار التلاميذ على عدم التصديق؟

يجب أن نلتمس العذر لهؤلاء التلاميذ لأنهم لم يستطيعوا أن يصدقوا. ولو كنا نحن فى مكانهم لما كنا سنصدق. كما ألتمس العذر لأى إنسان مسيحى غير قادر أن يصدق أن المسيح (له المجد) صلب وقام؛ لأن الوضع بالنسبة لهم كان محيراً. فهم وضعوا كل رجائهم فى المسيح (له المجد) أنه سيخضع الشعوب تحت أقدامهم، ويخلصهم من عدوهم الرومانى، ويجعلهم كوزراء عنده، واحد يجلس عن يمينه، وواحد يجلس عن يساره، وفيما بعد ضاعت كل آمالهم هباء، ووجدوا سيدهم على الصليب الذى دفنوه بأيديهم. وثلاثة أيام خائفون وجالسون في حجرة مغلقة الأبواب بسبب الخوف من اليهود، وفجأة تذهب بعض النساء إلى مكان القبر، ويأتين، ويقلن لهم: إن المسيح (تبارك اسمه) قد قام. أين هو؟ نحن رأيناه بأعيننا، ولكن أين هو الآن لا نعلم، فنحن رأيناه بأعيننا. فجأة يدخل التلميذان، ويقولان لهم: نحن رأيناه ومشى معنا، وأخذ الخبز بيديه، وابتدأ يكسره، واختفى أمام أعيننا. وسألوهما أين هو الآن؟ اختفى! ظهر واختفى. إن هذا شئ محير أليس كذلك؟!

لقد شرح السيد (تبارك اسمه) لهم هذه الحقائق، وكان عندهم الكلام المذكور في التوراة، والأنبياء فليس لهم عذر بعد ذلك؟

نحن لنا أيضاً التوراة والإنجيل، وهذه الأحداث مدونة بالتفصيل في الكتاب المقدس وإلى هذا اليوم يشك الناس في حقيقة الصلب والقيامة. فالحقيقة نحن اليوم الذين ليس لنا العذر أن نشك، أما التلاميذ، فكان الموضوع جديداً عليهم، والمفاجآت كانت كثيرة.

ما الذي عمله السيد (تبارك اسمه) حتى ينتهي موضوع عدم تصديقهم؟

ببساطة ظهر للأحد عشر بنفسه، وهذا مذكور في عدد 14 من الأصحاح 16 من الإنجيل بحسب البشير مرقس. والكتاب يقول: "أخيراً ظهر للأحد عشر، وهم متكئون، ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام". وهنا استطاع الكل أن يروا، ويصدقوا أنه قام من الأموات. وأحب أن أقول: إن هؤلاء الذين يرفضون الإيمان به وتصديق صلبه وقيامته يوماً ما سيظهر لهم، ليس لكى يوبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم، بل سيظهر لهم كالديان العادل صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى الأرض والسماء، ولن تكون هناك فرصة لقبول الإيمان به. فالفرصة مقدمة الآن وإلا فلا.

ما الظهور الأخير الهام؟

الظهور الأخير وهو المدون فى الإنجيل بحسب القديس متى، وأقصد بالأخير هنا هو آخر ظهور سنتكلم عنه، ولا يعنى هذا أنه آخر ظهور للسيد الرب يسوع المسيح للناس قبل صعوده للسماوات، وهذا الظهور ترتيبه رقم 8 فى ترتيب ظهورات السيد (تبارك اسمه)، والحقيقة هذا الظهور له أهمية خاصة ضمن ظهورات الرب (له المجد)؛ لأنه كان ظهوراً لأكبر عدد من الناس ذكره الكتاب المقدس مرة واحدة، ففى الإنجيل بحسب القديس متى من الأصحاح 28 والعدد 16 يذكر الكتاب الحكيم أن التلاميذ ذهبوا إلى جبل الجليل، وفى العدد 15 من الأصحاح من الرسالة إلى أهل كورنثوس يقول الوحي الإلهي على فم بولس الرسول: "فإننى سلمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن، وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثنى عشر، وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن".

هل كبر عدد الذين ظهر لهم السيد المسيح (تبارك اسمه) هو ما أعطى لهذا الظهور أهميته، أم هناك عوامل أخرى تؤكد بوجه خاص أهمية هذا الظهور؟

ليس فقط العدد هو الذى أعطى أهمية لهذا الظهور بالذات بل قول الرسول بولس بالروح القدس إن الأكثر من خمسمائة شخص الذين ظهر لهم الرب يسوع المسيح (له المجد) كان لا يزال أكثرهم حياً أو باقياً إلى وقت نشر هذه الرسالة بالوحى المقدس، وهنا نرى أن القديس بولس بالوحى المقدس يضع حقيقة خطيرة أن هناك عدداً بالمئات مازالوا شهود عيان أحياء يمكن الاستماع إلى شهادتهم يزيد عددهم على 250 شخصاً، وهذا هو الواضح من قول الرسول عن الـ 500 شخص أن أكثرهم أى أكثر من نصفهم على الأقل ما زالوا أحياء يشهدون عن واقعة القيامة، ثم يقوم شاهد بعد 600 سنة تقريباً من هذا الحادث، ويصرح أن المسيح ما قتلوه وما صلبوه، وبالتالى لم يقم من الموت؛ لأنه لم يمت من الأصل، فلابد أن يكون الحكم فى صالح شهود العيان الأكثر من 250 بالتأكيد.

هل هناك أدلة كتابية أخرى على حقيقة ؟

الأدلة الكتابية على صدق واقعة القيامة لأكثر من أن تعد أو تحصى، ولو تتبعناها كلها بالتدقيق الله (سبحانه وتعالى) يعلم كم من الوقت سنستغرق حتى نغطى جزءاً بسيطاً منها لكن آخر ما أقول في هذه النقطة هو اتفاق جميع كتبة الوحى المقدس وبكل دقة وتفصيل فى كتابة رواية هذه الحقيقة.

ثانياً: شهادة المؤرخين

الدليل الثانى من الأدلة التاريخية على قيامة السيد المسيح من الأموات هو شهادة المؤرخين على ذلك، وفى الحقيقة، إن أهم ما يميز الشخص الذى يعتبره النقاد أنه مؤرخ هو أنه لابد أن يكون محايداً يذكر الحقيقة مجردة حتى لو كانت تخالف آراءه أو معتقداته، فلكونه مؤرخاً لابد أن يتجرد تماماً من ميوله الشخصية لكن الحقيقة أن ضعف الجنس البشرى يؤثر حتى على أصدق المؤرخين؛ لذلك لا يمكن الاستناد إلى المؤرخين المسيحيين وحدهم فى الكتابة عن حقيقة القيامة بالرغم من أننا نثق تماماً فى شهاداتهم، لكن لئلا يقول واحد من الأحباء الذين لا يؤمنون بالقيامة: إنكم تستشهدون بالمؤرخين من طرفكم، ونحن لا نعول عليهم.

هل معنى ذلك أن هناك كتابات فى اليهودية مثلاً أو الإسلام تتكلم عن حقيقة القيامة؟ وإن كان، فهل من الممكن أن نأخذ مثلاً أحد مؤرخى اليهود؛ لأنهم أشد عداوة للمسيحيين فى نقطة الصلب والقيامة بالذات؛ لأنها تمسهم هم أولاً؟

هناك الكثير من الكتابات فى اليهودية والإسلام عن حقيقة قيامة السيد المسيح؛ وسوف نسرد فقط أمثلة قليلة على ذلك فمثلاً هناك مؤرخ يهودى من أشهر المؤرخين اليهود وأكثرهم اعتماداً وثقة من كافة اليهود وهو المؤرخ يوسيفوس، وهذا المؤرخ عاش فى القرن الميلادى الأول، أى قرب وقوع صلب وقيامة السيد (له المجد)، يقول يوسيفوس: "وفى نحو ذلك الوقت عاش رجل حكيم اسمه يسوع، إن كان يحق أن تدعوه إنساناً؛ لأنه عمل معجزات عظيمة، كان معلماً مقتدراً، تلقى الناس تعاليمه بفرح، فجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيين، هذا الرجل كان المسيح. حكم عليه بيلاطس بالصلب بناء على اتهام الرجل الكبير فينا". (يقصد هنا رئيس الكهنة يومئذ"، ويكمل يوسيفوس: "أما الذين أحبوه منذ البدء، فلم يتركوه؛ لأنه ظهر لهم حياً فى اليوم الثالث، ولقد سبق أن تحدث عنه الأنبياء والقديسون بهذه الأمور، وبآلاف الأشياء العجيبة، وحتى اليوم لا يزال يوجد أتباعه المسيحيون".

هل هناك مؤرخين مسيحيين كتبوا عن حقيقة القيامة؟

هناك -بالطبع- كثير من المؤرخين المسيحيين الذين كتبوا عن حقيقة القيامة، مثل: المؤرخ ألفرد أدرشايم فى كتابه (حياة يسوع المسيح وزمانه)، والفيلسوف الشهير جاستن مارتر، وترتليان أسقف قرطاجنة، لكن أنا أرى أهمية كبرى لشهادة المؤرخ المسيحى أغناطيوس أسقف أنطاكية، وأهمية شهادته بالذات أنه كتبها وهو فى الطريق؛ ليعدم بواسطة الأسود الجائعة بسبب إيمانه بصلب وقيامة السيد المسيح (له المجد)، فلو كان هذا المؤرخ العظيم فى شك من هذه الحقائق لما أكدها وهو فى طريقه إلى الإعدام، بل على الأقل لساوره الشك أو حتى تمنى ألا يؤمن بهذه الحقيقة، لكنه كتب هذه الكلمات فى لحظاته الأخيرة: "صلب المسيح فى حكم بيلاطس البنطي، ومات فعلاً تحت بصر السماء والأرض وما تحت الأرض، وقام فى اليوم الثالث، حكم عليه فى الساعة الثالثة من يوم الاستعداد، ونفذ الحكم فى الساعة السادسة، وفى الساعة التاسعة أسلم الروح، ودفن قبل غروب الشمس، وبقى يوم السبت فى قبر يوسف الرامى".

هناك أقساماً متخصصة فى بعض الجامعات المشهورة فى بريطانيا أو أمريكا أو فرنسا لبحث واستقصاء الوقائع التاريخية والمخطوطات وأمهات الكتب؛ للتحقق من سلامتها، واعتمادها كوثائق تعول عليه، فهل حدثت أية دراسة لحقيقة القيامة؟

بكل أمانة وصدق نستطيع أن نقول إنه لم تخضع حقيقة ما على مر التاريخ للدراسة والتدقيق والتحقيق مثلما خضعت حقيقة صلب السيد المسيح (تبارك اسمه) وقيامته وخصوصاً جزئية القيامة.

لماذا جزئية القيامة بالذات وليس الصلب؟

لأن الصلب غير محتاج لأدلة كثيرة، فقد حدث فى وضح النهار، ويسوع (له المجد) ظل أكثر من 6 ساعات على الصليب أمام عيون كل الناس، وحوكم عند هيرودس وبيلاطس البنطى وحنانيا وقيافا ورؤساء الكهنة من ارتكب الجريمة فى حقه، وهم اليهود المعترفون بصلبه، ويقولون نحن صلبناه. فالموضوع لا يحتاج لدراسة كثيرة فالأدلة أكثر من أن تعد، وشيء طبيعى أن يصلب المسيح (له المجد) إذا غضب عليه رؤساء الكهنة، أما قيامته من الأموات، فكانت شيئاً غريباً حتى على تلاميذه أنفسهم، ومن حظوا بامتياز رؤيته بعد قيامته (تبارك اسمه)، وإن كانوا يعدون بالمئات، إلا أنه أقل بالطبع ممن شاهدوا صلبه ومحاكمته، واليهود الذين اعترفوا بصلبه رفضوا الاعتراف بقيامته؛ لذا كان لا بد من الدراسة والتحقق من قيامته (له المجد) بطريقة علمية موضوعية وقضائية من قبل أقسام القضاء فى الجامعات المختلفة.

هل هناك أمثلة على ذلك؟

ألف الدكتور سايمون جرينليف، وهو واحد من أعظم العقول القانونية فى هذا القرن، وكان أستاذ للقانون الملكى فى جامعة هارفارد، وهو الشخص الذى كتب عنه (هـ. و. س نوتس(فى قاموس سير الأعلام الأمريكييـن: إن الفضل يعود في ارتقاء كلية حقوق هارفارد إلى مكانتها البارزة بين كليات الحقوق الامريكية لجهود سبورى، (وهو أستاذ حقوق سابق)، وجرينليف.ألف هذا العلامة مجلداً شرح فيه القيمة القانونية لشهادة الرسل بقيامة المسيح (له المجد)، ولاحظ أنه كان يستحيل على الرسل أو الحواريين أن يثابروا على تأكيد الحقائق التى رووها لو لم يكن يسوع قد قام فعلاً من بين الأموات، ويعرفوا ذلك كحقيقة مؤكدة كأية حقيقة أخرى، وانتهى جرينليف إلى القول بأن قيامة يسوع (له المجد) كانت أفضل الحوادث التاريخية توثيقاً حسب قوانين الأدلة الشرعية المعمول بها فى محاكم العدل. يقول أيضاً السيد توماس أرنولد مؤلف )تاريخ روما(الذى يقع فى ثلاثة مجلدات، وأستاذ درس التاريخ الحديث فى جامعة أكسفورد وهو ضليع ومضطلع تماماً على قيمة الدليل فى تقرير الحقائق التاريخية يقول: "اعتدت لسنوات طويلة دراسة تواريخ العصور الأخرى ودراسة الأدلة التي قدمها الأشخاص الذين كتبوا عنها وتقويم هذه الأدلة، وأنا متيقن بأنه لا توجد حقيقة فى تاريخ الجنس البشرى برهنت بأدلة مختلفة أفضل وأوفى من تلك الآية التى أعطانا إياها الله أن المسيح مات وقام ثانية من الأموات، وهذه حقيقة لابد أن يقبلها كل باحث منصف".

هذا بخصوص ما دونه المؤرخون اليهود والمسيحيون، والآن ما موقف الأخوة الأحباء المسلمين من قضية القيامة؟ هل كتب أحد المؤرخين أو الأئمة المسلمين شيئاً عن القيامة؟

من المعروف أن الأحباء المسلمين كقاعدة عامة لا يؤمنون بالقيامة ببساطة؛ لأنهم لا يؤمنون بالصليب مثلما ذكرنا سابقاً، لكن هناك بعض الكتاب والمؤرخين والأئمة من الأحباء المسلمين، لا يجدون حلاً منطقياً أو وسيلة لإنكار الصلب وبالتالى القيامة، فنرى ما ذكرنا عن رأي العلامة فخر الدين الرازي أن لديه مشكلة فى القول ما صلبوه، وما قتلوه، ولكن شبه لهم، وهو أن حادثة الصلب، وما يجرى ويسرى على الصلب يسرى أيضاً على القيامة، حادثة الصلب والقيامة تسلمناها بالتواتر، أي من أجدادنا منذ 2000 سنة تقريباً، فلو شككنا فى هذا التواتر، فهذا يفتح باب التشكيك فى كل ما تسلمناه بالتواتر، عن أجدادنا، ويوجب الطعن فى نبوة موسى وعيسى ومحمد على حد قول الإمام الرازى.

هل يوجد أحد من الأحباء المسلمين ذكر فى كتاباته شيئاً عن حقيقة القيامة؟

جاء فى الرسالة رقم 44 من رسائل جماعة إسلامية اسمها إخوان الصفا، وهى جماعة دينية ذات صبغة شيعية ظهرت فى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى أى العاشر الميلادى، أنتجت سلسلة من الرسائل عددها 52 رسالة، جاء فى الرسالة 44، وبالطبع بغض النظر عن ما جاء بهذه الرسالة من الناحية اللاهوتية المسيحية لكننا هنا ننظر لها من الناحية التاريخية التأريخية . جاء فى هذه الرسالة عن الرب يسوع المسيح (له المجد): "فلما أراد الله تعالى أن يتوفاه إليه، ويرفعه إليه، اجتمع معه حواريوه في بيت المقدس في غرفة واحدة مع أصحابه، وقال: إنى ذاهب إلى بيت أبى وأبيكم وأنا أوصيكم بوصية قبل مفارقة ناسوتى، وآخذ عليكم عهداً وميثاقاً فمَنْ قبل وصيتى، وأوفى بعهدى كان معى غداً، ومن لم يقبل، فلست منه فى شيء. فقالوا له: ما هى؟ قال: اذهبوا إلى ملوك الأطراف، وبلغوهم منى ما ألقيت إليكم، وادعوهم إلى ما دعوتكم إليه، ولا تخافوهم ولا تهابوهم وأنا معكم حيث ذهبتم ومؤيدكم بالنصر والتأييد بإذن أبى ما لم تقتلوا أو تصلبوا أو تنفوا من الأرض".

هل الأخوة المسلمون يؤمنون بما جاء في مثل هذه الرسائل من تعاليم لاهوتية عن المسيح (له المجد)؟

بالطبع ليس كلهم، فهم لا يؤمنون بكل الحقائق، لكن ما يهمنا فى هذه الرسالة هى الناحية التاريخية لما فيها من مؤرخين غير مسيحيين. والرسالة تستمر وتقول: إن التلاميذ سألوا السيد (له المجد)، فقالوا: "ما تصديق ما تأمرنا به حتى أخذ وحمل إلى ملك بنى إسرائيل، فأمر بصلبه، فصلب ناسوته، وسمرت يداه على خشبتى الصليب، وبقى مصلوباً من ضحوة النهار إلى العصر، وطلب الماء، فسقى الخل، وطعن بالحربة، ثم دفن فى مكان الخشبة، ووكل بالقبر أربعون نفراً، وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه، فلما رأوا ذلك منه أيقنوا، وعلموا أنه لم يأمرهم بشيء يخالفهم فيه، ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام فى الموضع الذى وعدهم أن يتراءى لهم فيه، فرأوا تلك العلامة التى كانت بينه وبينهم، وفشا الخبر فى بنى إسرائيل أن المسيح لم يقتل، فنبش القبر، فلم يوجد".

هل هذا بالفعل تأريخ جماعة دينية إسلامية؟

هذا الكلام وارد فى رسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء، مجلد 4 صادر من دار بيروت لبنان ص30-31 لمن يريد الاطلاع عليه.

هل جاء ذكر أن الرب يسوع المسيح قد صلب على لسان بعض المفكرين أو الكتاب المعاصرين أو حتى لأي منهم في القرن العشرين؟

الحقيقة، إنى ما كنت أريد الاستشهاد بغير كتاب الله (الكتاب المقدس)، عن حقيقة صلب السيد المسيح وقيامته، لكن حتى من يخالفوننا فى الدين، وإن قالوا بعدم صلب المسيح (له المجد) وقيامته لكن داخلهم شيئاً يقول إنه صُلب، وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر فى مقالة كتبها الدكتور سعد الدين إبراهيم بعنوان (الرسالة قبل الأخيرة لياسر عرفات) كتب يقول له: "العالم كله يعرف أنهم متعطشون إلى دمائك، ويريدون أن يصلبوك، كما صلبوا المسيح، ويبتغون بذلك أن يصلبوا بذلك أمة بأسرها، وطبعاً الكاتب هنا وهو الدكتور سعد الدين إبراهيم شخص مسلم، ويكتب للرئيس ياسر عرفات المسلم رئيس فلسطين الدولة التى دينها الرسمى الإسلام، هذه الكلمات وردت بجريدة رسمية وهى جريدة الجمهورية القاهرية المصرية فى عدد الخميس 8 يوليو 1982.

مثال آخر ما جاء فى مؤلف "سنة ثالثة سجن"، للكاتب والصحفى الكبير مصطفى أمين مؤسس أخبار اليوم المصرية كتب يقول: "لعل العصفور يطل على عينى؛ ليرى أعماقى ليرى مسيحاً مصلوباً بلا خطية مشنوقاً بلا جريمة معلقاً على مقصلة بغير ذنب".

مثال ثالث:، كتب د. حسين فوزى النجار فى كتابه (أرض الميعاد)، الطبعة الأولى 1959، مكتبة الأنجلو فى ص 15 من الكتاب يقول: "وضاق اليهود بالمسيح، فوصموه بالكذب، وأنه تابع بعلزبول (الشيطان) يدين بأمره، ويتلقى المعجزة والوحى منه، ثم ائتمروا به حتى صلبوه".

ما الذي يجعل هؤلاء الكتاب الذين لهم مكانتهم في تاريخ الأدب العربي يعترفون بهذه الحقائق، وهم يعلمون أنها تخالف تعاليم ديانتهم؟

إن الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) لم يبخل على كل فرد سواء مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً بنعمة التفكير ومقارنة الأحداث والاستماع إلى صوت الضمير الداخلي في الإنسان، فإذا ما خلا الإنسان بنفسه للتفكير في هذه الحقائق نابذاً لكل تعصب وباحثاً مخلصاً عن الحق لابد أن يصل إلى التأكد منها، وفى رأيي الشخصي أن هؤلاء الكتاب لابد أنهم فكروا مرة ومرات قبل كتابة مثل هذه الكلمات.

1- لعلمهم الغزير واضطلاعهم الواسع.

2- لمعرفة مدى تأثيرهم فى الناس من خلال مراكزهم.

3- هم يعلمون أن هذه الحقائق تخالف تعاليم دينهم، وبعد كل هذا كيف كتبوها، لتقرأ من ملايين الناس؛ لذا لابد من النظر إلى هذا الأمر بعين الاعتبار، وهذا ما جعلنى أقتبس كلماتهم، فهم ليسوا بمسيحيين حتى ينحازوا لهذه الحقائق بل على العكس، فالمتوقع منهم أنهم هم الذين لابد لهم أن يكونوا أول الناس فى مقاومتها وعدم ذكرها. الله (سبحانه وتعالى) لم يترك نفسه بلا شاهد.

ثالثاً: الأدلة الأثرية

هناك العديد من الأدلة التي تم اكتشافها، والتي تكشف من نقوش وزخارف سواء مرسومة على بقايا حطام الكنائس القديمة، أو الأيقونات الأثرية التي تحكى قصة القيامة، لكن أنا أرى أن الدليل الأثرى الذي لا يقاوم هو ذلك القبر الفارغ الموجود في أورشليم القدس.

ما الدليل على أن القبر الموجود في أورشليم هو قبر المسيح؟

هناك عدة أدلة أولها: هو أن هذا ما تسلمناه بالتواتر من أجدادنا بأن هذا هو قبر السيد المسيح (له المجد)، ومؤكد أن من قالوا كذلك لم يختاروا أي قبر فالقبور كثيرة جداً في أورشليم، لكن هناك بعض الحقائق المرتبطة بهذا القبر بالذات وكلها متطابقة تماماً مع هذا القبر.

ما الحقائق التي تؤكد أن هذا قبر السيد المسيح (له المجد)؟

على سبيل المثال الكتاب يقول: إن هذا القبر قبر منحوت فى الصخر مرقس ٥١:٦٤. وهذا مطابق لقبر أورشليم، وهو أيضاً مطابق من الناحية الأثرية لأنواع القبور التي كانت زمن السيد المسيح (له المجد)، وهو قريب من موضع الجمجمة، ومن يذهب اليوم إلى منطقة قبر السيد المسيح (له المجد) يرى تشكيلاً صخرياً على هيئة جمجمة لا يمكن أن تخطئه العين المخلصة الباحثة عن الحقيقة، وهذا أمر لا يمكن أن يعمله الإنسان أو يقلده، بل تكونت منذ زمن السيد (تبارك اسمه) كجزء من جبل، ولا زالت شاهدة على صدق الوحي، ويمكن أيضاً لأى شخص إذا وقف على باب ذلك القبر أن يرى مكان دفن الميت، وما إذا كان هناك ميت أم لا، هذا ما قاله الكتاب عن تلميذ السيد (له المجد) القديس يوحنا أنه عندما وصل إلى القبر انحنى، فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل. الكتاب يقول في العدد 5 من الأصحاح 16 من الإنجيل بحسب القديس مرقس عن المريمات لما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين، ومن يذهب للقبر يعرف أن بابه فى أقصى اليسار، وجسد السيد (تبارك اسمه) كان موجوداً من الناحية اليمين، وهذا أيضاً مطابق لكلام الكتاب؛ لأنه لو كان باب القبر فى أقصى الناحية اليسرى فأي شخص سينظر داخل القبر لابد أن ينظر ناحية اليمين؛ لأن على يساره حائطاً، وهذا مطابق للقبر الذي تسلمنا من أجدادنا أنه قبر السيد المسيح (له المجد). وهذا القبر واضح أنه كان قبر أحد الأغنياء؛ لأنه منحوت في الصخر متسع فى منطقة قريبة من المدينة، وهذا أيضاً ما يذكره أصحاح 14 من الإنجيل بحسب القديس مرقس، أن هذا القبر كان مملوكاً لأحد الأغنياء وهو أيضاً مشير شريف اسمه يوسف الذي من الرامة.

لماذا كمسيحيين نعطي أهمية لهذا القبر، ونعتبره مزاراً، والتلاميذ لم يكونوا يولونه هذه الأهمية؟

سنجيب على السؤال من الآخر إلى الأول، فالتلاميذ كانوا يولون القبر الفارغ أهمية كبيرة جداً حتى أن كلمة القبر ذكرت في الكتابات الأربع للإنجيل 32 مرة.

إن كانوا يولون القبر أهمية فلماذا لم نسمعهم يعظون عن القبر الفارغ؟

الوعظ والإرشاد انصب على المقام من الأموات، وهو السيد (تبارك اسمه) وليس على قبر فارغ. والقبر كان حقيقة واقعة تحت أيدى وبصر كل من يرغب أن يذهب؛ ليراه، فهذه علامة قوية بل أقول: إنها من أقوى العلامات والأدلة على قيامته (تبارك اسمه) من الأموات، والناس كلهم كانوا يعلمون أن القبر فارغ، وحتى اليهود لما حاولوا أن يلفقوا للتلاميذ تهمة أنهم سرقوا الجسد كان هذا بسبب القبر الفارغ، ولو لم يكن القبر فارغاً، بل يحتوى على جسد المبارك لكان من السهل جداً على رؤساء اليهود أن يخمدوا هذه الفتنة ومناداة الناس في المسيح بأنه قام من الأموات، وأريد أن أقول: إن التلاميذ لم يأخذوا مكان القبر مزاراً، وليست هناك مزارات أو أضرحة تزار في المسيحية، وزيارتها إن زارها بعض البسطاء لا تغفر مثقال ذرة من الذنوب، أما أهمية القبر فكثيرة على أية حال، فما فائدة القبر الفارغ والرب يسوع (تبارك اسمه) قام ومشي منه؟! لكن من الملاحظ أنه عندما أراد بطرس أن يشهد للمسيح، عن قيامته (له المجد) في الأصحاح 2من سفر أعمال الرسل ، استشهد بأن قبر نبي الله داود موجود، ويحمل عظامه، زمن المسيح (تبارك اسمه)، وبالتالي كان هنا يركز على أن القبر الوحيد الخالي هو قبر السيد المسيح وحده.

ماذا ترى غير ذلك عن أهمية القبر الفارغ؟

إلى جانب أن القبر الفارغ شهادة حية واضحة قائمة ملموسة في متناول أي إنسان زيارته، والتأكد من ذلك بنفسه، وهذا القبر يجعل السيد (تبارك اسمه) فريداً متفرداً بين جميع الرسل والأنبياء على مر العصور والأزمان، فمنهم من فنى جسده واختفى مكان دفنه، ومنهم من لا يعرف أين قبره على الإطلاق، أما سيدي (تبارك اسمه) فقد صعد إلى السماوات ليس هو ههنا، لكنه قام كما قال؛ لذا فنحن ندعو الخلق أجمعين لعبادة الله الواحد القيوم المحب من ضحى وبذل نفسه عن الآخرين، والذي يملأ السماوات والأرض.

 

 

 

 

رابعاً:الأدلة الروحية

من الأدلة الأخرى على قيامة السيد المسيح الدليل الروحي. وهذا الدليل ينقسم إلى قسمين:

أولاً: تأثير قيامة السيد الرب يسوع المسيح من الأموات على الشعب اليهودي والروماني وكل العالم يومئذ، وتكوين الكنيسة.

ثانياً: تأثيره على الأفراد وتغييره لهم. أما عن التأثير على الشعب اليهودي والروماني وكل العالم المعروف يومئذ فكان أمراً لا يمكن تصديقه على الإطلاق؛ لأن التلاميذ كانوا جماعة قليلة معظمهم من صيادي السمك وأصحاب المهن البسيطة المحتقرة في إسرائيل وقتئذ، وبعد موت وقيامة وصعود السيد الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) إلى السماء لم يكن لهم قائد أو زعيم أو خليفة يمشون وراءه، لكن كان قائدهم هو الله (عز وجل)، وكانوا ينادون باسم شخص كان محرماً على الناس الاعتراف به من قبل الحكومة ورجال الدين حتى الناس الصالحين؛ لأن اسم يسوع كان يجلب العقاب والمعاناة، وكما ذكر الكتاب المقدس أن كل شخص كان يصرح أن السيد المسيح (له المجد) هو نبي أو حتى أتى مرسلاً من الله كان رؤساء اليهود يخرجونه من المجمع، وهذا كان عقاباً رهيباً، وقد منعهم سيدهم من أن يستخدموا السيف في نشر رسالتهم، وكان عليهم أن ينشروا رسالتهم بين أقصى الناس على الأرض اليهود والرومان، فكيف صح لهم أن يفتنوا المسكونة، ويحولونها رأساً على عقب بهذه الطريقة وفي هذه الفترة البسيطة؟ هذا تأثير روحي ودليل روحي لا يدحض على قيامة السيد من الأموات.

كيف يعتبر وجود الكنيسة اليوم وبعد 2000 سنة تقريباً من قيامة السيد المسيح دليلاً روحياً على قيامته من الأموات؟

إن الكنيسة، ومعنى كلمة كنيسة هى: جماعة مختارة ومرتحلة تكونت حول حقيقتين أساسيتين:

أولاً: إن السيد الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في الجسد، وأنه صلب وقبر وقام في اليوم الثالث حسب الكتب، فوجود الكنيسة اليوم وأقصد بالكنيسة جماعة المؤمنين بهذه الأساسيات والبدائيات في الحياة المسيحية، وليس كل من اسمه بولس وجرجس وحتى عبد المسيح، وبالطبع هؤلاء موجودون بكل طوائف المسيحية المختلفة، لأن اختلاف الطوائف وإن بدا كثيراً في المسيحية إلا أن أساس إيمان هذه الطوائف، كلها واحد، وهي الحقائق السابقة الذكر، فوجود الكنيسة حتى اليوم دون أن تتفكك أو تنتهي كما كان يظن البعض فيها، لهو دليل حي واضح على حدوث القيامة، وإلا لما كان يمكن أن تكون هناك كنيسة بكل ما فيها من ممارسات.

ماذا المقصود بعبارة بكل ما فيها من ممارسات؟

هناك بعض الممارسات الدينية المرتبطة بتكوين الكنيسة وانتشار المسيحية، والتي تؤكد حقيقة القيامة كاعتبار يوم الأحد من كل أسبوع يوماً للاحتفال بذكرى قيامة الرب يسوع من الأموات، وهناك الاحتفال بعيد القيامة، والبعض يحتفلون بعيد الصعود، وكانت تحية المسيحيين الأوائل بعضهم لبعض بعبارة: (الرب قام)، ويرد الشخص الآخر: (بالحقيقة قام)، مثلما نقول لبعض اليوم مرحباً، ويرد الشخص الآخر مرحب بيك.

ولكن يوجد يوم للاحتفال أو العبادة في كل دين وليس فقط في المسيحية؟

هناك بالطبع يوم مميز عند كل دين، فيوم السبت عند اليهود كان بسبب وصية الله تبارك اسمه لهم بأن يستريحوا في يوم السبت، ويقدسوه، وبالنسبة للأحباء المسلمين كان يوم الجمعة هو اليوم المميز عند الصابئين وبعض عرب الجاهلية قبل الإسلام، وواصل المسلمون استعماله كيوم مقدس للعبادة، أما بالنسبة للمسيحيين فهو رمز واحتفال بالقيامة، ومكتوب عنه أن تلاميذ المسيح كانوا يجتمعون معاً فيه كل أسبوع؛ لذا فهو أحد الأدلة على قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات.

ما الذي جعل كل هذه الآلاف تعتنق المسيحية منذ بداية انتشارها؟

إن أكبر دليل علي صدق قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات هو دخول الناس في دينه أفواجاً منذ اليوم الأول لنشر هذه الرسالة، ففي اليوم المعروف بيوم الخمسين "أي اليوم الذي تعداده 50 من يوم القيامة"، وهذا كان يوافق أحد الأعياد، وهو عيد الخمسين عند اليهود، كان عدد التلاميذ المجتمعين معاً 120 تقريباً، ولما بدأ الناس يلتفون حول الرسل؛ ليسمعوا عظة بطرس تلميذ السيد المسيح (له المجد)، والذي كان صياداً، رجلاً عامياً كما يقول عنه الكتاب المقدس، كانت العظة بسيطة جداً، وهي موجودة في الأصحاح 2 من سفر أعمال الرسل، وتعتمد كلها علي حقيقة الصلب والقيامة، وقد ذكرها بطرس بكل وضوح وتركيز، وأكد لليهود فيها أنهم أثمة، وأنهم صلبوه (تبارك اسمه) وهو رب الحياة، وكان عنيفاً معهم جداً ومع ذلك قبل 3000 شخص اعتناق المسيحية، والإيمان بالسيد المسيح (تبارك اسمه) رباً ومخلصاً ومسيحاً.

كيف أمكن لبطرس أن يقف ويهاجم اليهود، ويدينهم علي صلب السيد (تبارك اسمه)، ويقول لهم أنتم أثمة، ومع ذلك يقبل 3000 شخص الإيمان بالمسيح، وهم يعلمون أن من يؤمن بالمسيح كان لابد أن يقع تحت اضطهاد شديد؟

أي نبي آخر أو رسول غير بطرس تلميذ المسيح كان يجب أن يفكر بعقله، ويساير أموره وخاصة فيما يعرف عند البعض بفترة الاستضعاف أو إعداد النفس، وهي الفترة الأولي لنشر الرسالة حتي وإن لزم الأمر أن يعترف ببعض آلهة سابقيه أو يبقي علي بعض عوائدهم في دينه الجديد حتي إذا استتبت الأمور، وانضم عدد كبير لهذا الدين كان يمكن أن يرجع حتي في بعض الوصايا أو الفرائض أو الأمور التي سمح بها في البداية، لكن بطرس وتلاميذ المسيح لم يفعلوا هكذا، وهذا ما عمله السيد المسيح نفسه عندما كان يوبخ الكتبة والفريسيين ورجال الدين علانية وبكل عنف علي أخطائهم، لأنهم:

1- متأكدون من الحقائق التي كانوا ينادون بها أن الرب يسوع المسيح (له المجد) صلب وقبر وقام.

2- كانوا يعلمون أن الأمر يومئذ لله (تبارك اسمه)، وما النصر إلا من عنده تعالي، وكان لرسالتهم تأثير روحي رائع جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً كما قلنا، غير عابئين بما كانوا سيصادفونه من اضطهاد وعذابات وما يؤكد حقيقة القيامة أيضاً في هذا المقال إن موت المسيح له المجد لم يكن سبباً في رجوع البعض ممن سبق وآمن به وبرسالته، وما اضطر أحد حوارييه أن يغزو المرتدين عنه بعد موته، ليردهم إلي دينه (تبارك اسمه)، بل كان موته وقيامته سبباً في إيمان الآلاف به والمجاهرة بذلك وبذل الغالي والثمين لأجله (تبارك اسمه)، وهذا معني الدليل الروحي.

ما الدليل الروحي الثاني علي قيامة السيد المسيح (تبارك اسمه) من الأموات؟

الدليل الروحي الآخر علي صدق حقيقة قيامة السيد المسيح »تبارك اسمهش من الأموات هو التغيير الحقيقي للطبيعة البشرية الإنسانية فيما يعرف في المسيحية باختبار أو التغيير أو التجديد أو قبول المسيح (تبارك اسمه) مخلصاً شخصياً أو الإيمان بالمسيح أو الاعتراف بالسيد المسيح (له المجد) رباً ومخلصاً وسيداً علي حياة الشخص بغض النظر عن اسمه، لكن المهم مضمون هذا الاختبار الذي علي ضوئه تتغير حياة الشخص تماماً، ويصبح من أتباع الرب يسوع المسيح (له المجد).

ما معنى هذا الاختبار؟

هذا الاختبار أو المقابلة الشخصية أو الإيمان بحقيقة أن الرب يسوع المسيح مخلص البشر تتلخص فيما يلي:

أولاً: لابد أن الإنسان يعرف أنه خاطئ، ويعترف ويقر بذلك، فكل ابن آدم خطاء، وليس من يصنع صلاحاً ليس ولا واحد، بل كما قال الكتاب: "الجميع زاغوا، وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد«، وهذا واضح من حياة أي إنسان عاش وسيعيش علي الأرض، فالكل في حاجة لمن يغفر ذنبه، ويرفع عنه وزره، ويتوفاه مع الأبرار.

ثانياً: إن خطية الإنسان وذنوبه صارت فاصلة بينه وبين الله، فلا يمكن له (جل شأنه) أن يتعامل مع الخطية، فهو مع أنه رحمن رحيم واسع الرحمة، لكنه عادل قدوس أيضاً، ورحمته فتحت للناس طريق النجاة من عذاب القبر والنار لكن عدله وقداسته حتمت عليهم قبول طريقته لغفران خطاياهم وإلا كانوا والعياذ بالله في الآخرة من الخاسرين. فالخطية أو الخطأ أو الذنب أو المعصية مهما كانت صغيرة تستحق العذاب من المولي القدير الرحمن العادل.

البعض يقول أنا لا أكذب ولا أحلف ولا أزني ولا أقتل ولا أسرق أنا لا أرتكب شيئاً من هذه الكبائر التي تستحق عقاب المولي (سبحانه وتعالي)، فلماذا تحملونني ما لا طاقة لي به؟

نحن لا نحمل أحداً أي حمل بل كلنا تحت هذا الحمل، ومن لا يصدق ما أقوله أدعوه أن يختلي بنفسه لمدة دقائق معدودة، ويفكر كم فكر شرير ألقاه الوسواس الخناس في رأسه وضميره وقلبه، كم رغبة نجسة تعامل معها حتى في سره دون ارتكابها فعلاً. كم من الغيرة والكراهية دفينة في قلبه ثم الكبرياء والقسم والحنث ومحبة المال غيرها وغيرها. والكتاب المقدس يقول: "من أخطأ في واحدة فقد أخطأ في الكل"، وإن خطية واحدة يمكن أن تذهب بفاعلها إلي الجحيم، لذلك فالكل خطاة، وليس عند الله كبائر وصغائر، فالذنب كله ذنب ومعصية والعياذ بالله.

قلنا:

أولاً: إن الإنسان خاطئ.

ثانياً: إن الخطية فصلت بينه وبين خالقه، فصار مستحقاً لعقاب الرحمن الرحيم العادل.

ثالثاً: لا بد للمرء أن يعرف أن المسيح يسوع (تبارك اسمه) هو الطريق الوحيد للخلاص من الخطية والذنوب والمعاصي، وحده ولا سواه، لأن الكتاب المقدس يقول: "ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص". وما دام قد ذكر تنزيل الحكيم العليم هذه القاعدة والقانون السماوى، فلا راد لقضاء الله، وهو أعلم بما يقرر للناس سبحانه.

إن القول إن الطريق الوحيد لدخول النعيم الأبدي هو عن طريق السيد المسيح؟ يعني أنه لا يمكن لغير المسيحيين أن يدخلوا النعيم، وبالتالي يجب أن يعتنق الإنسان المسيحية حتى يضمن الأبدية في الآخرة، يعتبر هذا تعصباً؟

هذا ليس تعصباً منا كمسيحيين؛ لأن هذا المبدأ وضعه المولي (سبحانه وتعالي)، ولابد أن يتبع لكن غير الدقيق في هذا الكلام هو أننا ننادي أن المسيحية هي التي تدخل الإنسان النعيم الأبدي. لا، المسيحية إذا خلت من شخص المسيح (له المجد) أصبحت بلا محتوي، ولا تستطيع لا تعاليم المسيحية ولا وصاياها ولا غيرها من أديان الأرض كلها أن تدخل الإنسان النعيم الأبدي، بل ليس في مقدور أي إنسان أن يتبع تعاليم المسيحية ما لم يؤمن بالسيد المسيح نفسه أنه هو الطريق الوحيد للخلاص من الخطية وقبول غفران الرحمن ومحبته، فنحن لا ندعو الناس للدخول في المسيحية، فليست هناك كلمات أو شهادات أو ممارسات إذا ما عملها الإنسان أو نطق بها يصبح مسيحياً، بل نحن ندعو الناس علي اختلاف أديانهم، وجنسياتهم أن يفتحوا القلب للسيد المسيح (تبارك اسمه) والإيمان بأنه الطريق الوحيد للنعيم الأبدي؛ لأنه الوحيد الذي مات فداء عن البشر، وقام نيابة عنهم، وهو الآن يشفع فيهم لدي عدالة الديان العادل جلت قدرته، فلم يمت لا رسول ولا نبي ولا معلم في دين آخر لأجل غيره من الناس ليفديهم؛ لأن كلاً منهم محتاج لشخص بلا خطية، ليموت نيابة عنه، فتغفر خطيته، وهذا ما عمله السيد المسيح "تبارك اسمه". فهل هذا تعصب أم محبة منا لخلق الله. لو قلنا للناس غيروا دينكم، وادخلوا في المسيحية، لكان هذا تعصباً مرفوضاً منا، لكن لو قلنا للناس أن آمنوا بما أنزل إلي موسي وداود والمسيح الذي كان وجيهاً في الدنيا والآخرة لما بقي لهم من عذر، ولكان خيراً لهم أن يقولوا ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيآتنا، وتوفانا مع الأبرار.

هل هناك نقاط أخري للحصول علي هذا الاختبار؟

الخطوة الأخيرة بعد أن أعترف أنني خاطئ ومذنب في حق المولي القدير، ثم إقراري بأنني من أهل النار لا محالة، ثم إيماني بأن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الذي دفع عقاب خطايانا حين صلب ليفديني، وأن الطريق الوحيد للسماء، هو أن أطلب العفو والصفح والغفران من بارئ الأرواح، وأناجي ربي، وأتوب توبة نصوحة من قلبي رافعاً دعائي له: أن اغفر ذنوبي يا غفار الذنوب، وأنر عيني بنور إيمانك يا نور السماء والأرض، وهذا هو الدليل العملي أو ما قصدته عند الحديث عن الدليل العملي لصدق حقيقة صلب الرب يسوع (تبارك اسمه) وقيامته، فإذا نفذت ذلك الآن بطريقة عملية ستتأكد بنفسك أن المولي غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وستصبح من أهل النعيم، سيكون هذا أكبر دليل علي صدق ما نقول.

في عدد 1 من أصحاح 16 من الإنجيل بحسب القديس مرقس يقول: "وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً؛ ليأتين ويدهنه". والسؤال هنا لماذا انتظر هؤلاء النساء لليوم الثالث لكى يحضرن الحنوط، ويدهنه؟

لم يكن لدى النساء وقت لإعداد الحنوط والأطياب لوضعها على جسد السيد المسيح (تبارك اسمه) ساعة موته؛ لأن الرب (له المجد) قبض عليه ليلاً قدم للمحاكمة في اليوم الثاني، وكان النسوة والتلاميذ كلهم غير مصدقين أنه سيصلب أو حتى يموت، فهو لم يعمل خطية، ولم يكن في فمه غش، فشيء لا يصدق أن يهتف الناس قائلين اصلبه اصلبه، وبعدها ظل السيد المسيح (له المجد) على الصليب 6 ساعات، وكان لا بد أن ينزل عنه بسرعة قبل حلول شمس يوم السبت، فلم يكن هناك وقت عندهم لشراء أي شيء لدخول ليلة السبت، فانتظروا لما بعد السبت.

مادام الرب يسوع قد قضى على الصليب 6 ساعات، لماذا لم يعدوا الحنوط في هذه المدة، مثل أى ميت عندما يموت لا يظل فى البيت أكثر من 6 ساعات، وخلالها يجهزون الحنوط والكفن وكل شيء، ففكرة أنهم لم يكن لديهم وقت تبدو غير صحيحة.

أي ميت يموت في البيت مثلما تقول يظل بعد ما يموت 6 ساعات مثلاً أو حتى أقل، وبالطبع لا يذهب أحد لكى يحضر الكفن والحنوط وغيره قبل ما يلفظ الشخص أنفاسه الأخيرة حتى لو كان أهله متأكدين أنه سوف يموت، لكن يجب أن ينتظروا بعد خروج روحه، وهذا ما حدث مع السيد المبارك (له المجد)، فضلاً عن أن السيد الرب يسوع المسيح لم يكن مجرد شخص مات في البيت في لحظة حتى يستطيع أهله وأصدقاؤه أن يغطوه، ويخرجوا، ويعملوا تدبير الجنازة له، لا، فقد مات معلقاً على الصليب، فلا يعقل أن أحداً من أقربائه حسب الجسد أو تلاميذه يمكن أن يترك مكان الصليب، ويذهب لكى يحضر الأطياب بل الكل كان يبكي وينوح إلى اللحظة التى أسلم فيها الروح، وساعتها كانت الشمس بدأت تغيب، ومعروف عند اليهود للآن أن كل المحلات لابد أن تغلق قبل غروب شمس يوم الجمعة، وواضح أن أحد مريدي السيد (تبارك اسمه) نيقوديموس، وهو معلم لليهود ذهب واشترى بعض الأطياب والحنوط كما ما هو مذكور في الإنجيل بحسب القديس يوحنا في العدد 39 من الأصحاح 19 ، ووضعه بين طيات الكفن كما كان لليهود عادة أن يكفنوا، لكن عملية وضع الحنوط والعطور من عائلته حسب الجسد لم يكن لها وقت لتحدث إلا في صباح يوم الأحد.

عدد ٢،٣: "وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس، وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، فتطلعن، ورأين أن الحجر قد دحرج، لأنه كان عظيماً جداً"، والسؤال هنا أليس هنا شيئاً غريباً أنهن يذهبن إلى القبر بدون رجل، وهن يعرفن أن باب القبر عليه حجر كبير ومختوم بختم الدولة الرومانية، وهناك حراس يحرسونه؛ لكى لا يقترب أحد منه.

كما ذكرنا سابقاً أن عملية وضع الحنوط والأطياب على جسد الميت كان المنوط بها النساء، ومعروف أن زيارة القبور عادة عندنا في الشرق الأوسط وفي بلادنا الناطقة باللغة العربية تتم بواسطة النساء؛ لذلك كان من الطبيعي أن يذهب النساء فقط إلى القبر دون أحد من الرجال، وسبب آخر أن الرجال كانوا خائفين من اليهود كما هو مذكور في الإنجيل بحسب القديس يوحنا في العدد 19 من الأصحاح 20 ومن بطشهم إذا رأوا أحداً من الرجال عند القبر، وهن صحيح كن يعرفن أن هناك حجراً كبيراً على القبر؛ لأنهن كن عند القبر ورأين الرجال، وهم يدحرجون الحجر؛ لكى يقفلوا باب القبر، لكن واضح أنهن لم يكن يعلمن أن الحجر مختوم بالختم الروماني وواضح أن عملية ختم الحجر بالختم الروماني، حدثت يوم السبت، وحدثت من اليهود، هم الذين ذهبوا للوالي بيلاطس البنطي، وطلبوا أن يختم القبر، فلم تكن المريمات يعلمن أن القبر مختوم؛ لأنه حسب التقليد اليهودي كان التلاميذ لا يخرجون من بيوتهم يوم السبت، وفي رأيىّ أن المولى القدير (تبارك اسمه) أخفى عن تلاميذه ما فعله اليهود من أمر ختم الحجر بالختم الروماني حتى تذهب النسوة إلى القبر، ويصبحن شهود عيان هن وبقية الرسل على قيامته بعد دقائق من حدوثها.

من دحرج الحجر؟ ولماذا دُحرج؟

هناك عدة افتراضات يمكن أن يفترضها الشخص من دحرج الحجر عن قبر السيد المسيح (تبارك اسمه)؟ إما أن يكون الجنود، أو اليهود، أو التلاميذ والنسوة، أو الملائكة أو الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه).

وبالطبع لا يمكن أن يكون الجنود الرومان أو اليهود هم الذين دحرجوا الحجر، فما مصلحتهم في رؤية إنسان ميت أو أخذه من قبره بل على العكس، فكل مصلحتهم أن يتأكدوا أنه لا زال محبوساً في القبر؛ لئلا يقول تلاميذه إنه قام من الأموات؛ لذلك ضبطوا القبر بشدة، ووضعوا عليه الختم. ولا يمكن أن يكون التلاميذ أو النسوة -هذا بحثناه سابقاً- لأن التلاميذ نفسهم لم يكن عندهم توقع أنه يقوم (تبارك اسمه) من الأموات، لكن كانوا يعتقدون أنه انتهى. وأقصى ما كانت تحلم به النسوة أن يضعن على جسده الحنوط والأطياب التى كانت معهن، فمن يذهب ليسرق الجسد؟ لن يأخذ حنوطاً معه، يجب أن يظل خفيفاً؛ لكى ينفذ مهمته بسرعة. ومكتوب أن النساء تعجبن لدحرجة الحجر، وأخذتهن الحيرة والخوف، وهربن من القبر.

لماذا يسوع المسيح هو الذى دحرج الحجر، فهو قادر على كل شيء؟

هذا احتمال وارد لكن أنا لا أعتقد بذلك لسببين:

أولاً: إن من يستطيع أن يقهر الموت، ويقوم من الأموات، واستطاع في نفس الليلة أن يدخل إلى تلاميذه إلى الغرفة التى كانوا فيها وأبوابها مغلقة بإحكام يستطيع أن ينفذ ليس فقط من حجر القبر بل من جبل من الصخر.

ثانياً: إنه ليس في حاجة لأن يدحرج الحجر، فهو الذي يقول للشيء كن فيكون.

ثالثاً: أما أقوى دليل على أن الملائكة هي التي دحرجت الحجر، فهذا مذكور في الإنجيل بحسب القديس متى العدد 2 والأصحاح 28: "وإذا زلزلة عظيمة حدثت؛ لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه.

إذن لماذا دُحرج الحجر إن كان الرب يسوع (تبارك اسمه) قادر أن ينفذ من خلال الغرفة التي اجتمع فيها التلاميذ دون أن يدخل من الباب؟

الحجر دحرج لأجلنا نحن لا لأجل الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه)؛ لأن عيوننا لا تستطع أن ترى من خلال الصخر، فكان يجب أن يتدحرج لنا الحجر؛ لكى نرى أن القبر فارغ، ولكي يبقى القبر الفارغ علامة ودليلاً لا يقاوم على قيامة السيد (تبارك اسمه) من الأموات، فتخيل أن الرب يسوع (له المجد) قام من الأموات، وأعلن ذلك لتلاميذه ولكل اليهود، لكن بعدها حتى بيوم واحد كان الحجر مازال موضوعاً على القبر مختوماً بالختم الروماني، فأين كان الدليل على قيامته (له المجد) لمن لم يبصروه. إذن لم يكن الملاك هو الذى كسر ختم الدولة الرومانية عن الحجر، مَنْ مِنَ البشر كان يجرؤ على كسره ودحرجة الحجر؟! لذلك كان لا بد من أن يدحرج الملاك الحجر ومن هنا أهمية دحرجته.

هل هناك دلالة خاصة لدحرجة هذا الحجر من القبر؟

إن هذا الحجر الكبير الذي كان على قبر السيد المسيح (تبارك اسمه) كان يرمز إلى قوة الموت وسطوته وانفصال الإنسان عن المولى (تبارك اسمه)، وكان هو رمز انتصار الشر على الخير، فمن كان يجول يصنع خيراً، ويشفي المتسلط عليه إبليس كان يرقد داخل القبر والشر كان خارجاً يتمشى في شوارع فلسطين متمثلاً في من صلبوا السيد (تبارك اسمه) والحجر هو الدليل على انتصار القوة على الضعف، والموت على الحياة، والشر على الخير، أما وقد تدخل باري الأرواح حيث قدرته، وأقام السيد المسيح من الأموات، ودحرج ملاكه الحجر عن قبر المسيح (له المجد). فهذا يؤكد أن النصرة في النهاية للخير على الشر، وللحياة على الموت، والحق على الباطل، فقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان رهوقاً، واطلب من رب العباد أن يدحرج كل حجر للشك والإثم والمعصية والخوف من عذاب القبر والنار، واطلب من غفار الذنوب أن يتصدى لعمل الوسواس الخناس في حياتك؛ فتتحرر بنعمته من كل حجر يجثم على قلبك وحياتك وعلاقاتكك؛ وعائلتك؛ لتستمتع بنور الشمس ودفئها من برودة القبر وظلامه، فتتغير حياتك بقبولك لشخص المسيح مخلصاً وفادياً ومنقذاً وهادياً، فإنه نعم المولى ونعم النصير.

بعد أن انتهينا من شرح وتفصيل الحديث عن صدق قيامة الرب يسوع المسيح (له المجد) من الأموات، وكل الأحداث المصاحبة لها نأتي إلى الموقف الأخير الذي ظهر فيه السيد المسيح »تبارك اسمه« قبل صعوده إلى السماوات. وسنبدأ الدراسة هنا في عدد 15 من أصحاح 16 من الإنجيل بحسب القديس مرقس.

في عدد 15 يقول الوحي عن السيد المسيح (له المجد): "وقال لهم - أي التلاميذ - اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كله". ماذا كان تصور الرب يسوع المسيح عن هذه الإرسالية التي كلف بها تلاميذه، لأنه واضح أنهم كانوا نفراً قليلاً، ويقول لهم: اذهبوا للعالم أجمع، فماذا كان تصوره؟

لخص السيد المبارك (له المجد) هذا التصور في جملة واحدة، وهي الآية التي قرأناها، وهذه الآية تشمل عدة نقاط كلها جديرة بالدراسة فيما يتعلق بهذه الإرسالية، وهي تتضمن:

أولاً: المرسلون فيها.

ثانياً: مدى انتشارها.

ثالثاً: موضوعها.

فمن ناحية هذه الإرسالية والمرسلين فيها، فكانوا جماعة قليلة تتكون من 12 تلميذاً للسيد الرب يسوع المسيح، معظمهم من صيادي السمك، وعاميون، وكانت حرفة صيد السمك عند اليهود من الحرف البسيطة والمحتقرة يومئذ كما قلنا سابقاً، ولم يكن فيهم واحد محارباً أو قائد جيش أو فاتحاً ولا حتى يعرف كيف يمسك سيفاً، وهذا واضح من حادثة ضرب بطرس تلميذ المسيح لعبد رئيس الكهنة فقطع أذنه، فواضح أنها كانت ضربة عشوائية كان يمكن أن تؤدي إلى مقتل ذلك العبد، فمن يريد أن يضرب واحداً بالسيف لن يختار أذنه لكي يقطعها.

قد يقول شخص أنا لا أصدق أن بطرس تلميذ المسيح كان يحمل سيفاً معه، وهل حضر به العشاء الأخير مع الرب يسوع؟

الكلمة اليونانية المترجمة السيف هنا والذي كان يحمله القديس بطرس لا تعني السيف المعروف اليوم أو حتى الذي كان يستخدم في الحرب في أيام بطرس الرسول لكن أصل الكلمة اليونانية تعني سيفاً صغيراً أو سكيناً كبيرة، والرسول بطرس كان صياداً، وشيء طبيعي أن يلازمه هذا السيف الصغير في عمله، وأينما ذهب، وخصوصاً أن التلاميذ كانوا يصطادون ليلاً، وأيضاً كانوا يمشون مع السيد المسيح بالليل في رحلات كثيرة؛ فأبقى هذا السيف الصغير معه، والقديس بطرس كما شرحنا في الحديث الخاص بالصليب كان يعتقد أنه يدافع عن الرب يسوع (تبارك اسمه)، لكن السيد منعه من استخدام السيف، وقال له قولته الشهيرة: "لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون".

ليس هذا فقط لكن هؤلاء الناس كانوا فقراء، والدليل على ذلك أن بعض النساء كن يخدمن المسيح من أموالهن، ولما طُلب من السيد المسيح (له المجد) أن يدفع الجزية لما كان بالجسد على الأرض لم يكن معه هو ولا بطرس تلميذه نقود ليدفعاها، وهؤلاء الناس كانوا خائفين، وخصوصاً بعد موت السيد (له المجد)، والكتاب يقول إنهم كانوا مجتمعين في غرفة بسبب الخوف من اليهود، وكان فيهم كل ما في بني آدم من خصال حميدة وغير حميدة، فهم بشر ناس طبيعيون، وليس لهم زعيم أو رسول أو خليفة يقودهم في إرساليتهم.

ماذا عن تصور الرب يسوع لهذه الإرسالية، كيف كان الرب يسوع يطلب من أناس بهذه الأوصاف، وهذا العدد أن يعملوا هذا العمل العظيم؟ حسب المفهوم البشري والعقل والمنطق لم يكن في إمكان هؤلاء التلاميذ أن ينشروا رسالتهم حتى في شارع واحد أو حي واحد في أورشليم لكن تصور الرب يسوع المسيح (له المجد) لم يكن مبنياً على من هم التلاميذ، ولا على إمكانياتهم المادية أو العلمية أو الحربية، لكن على معرفته لشخصه، فإذا كان السيد المسيح (له المجد) هو الله الظاهر في الجسد، وهو المكتوب عنه أنه ملك الملوك، ورب الأرباب، وسيد الأرض كلها، ورئيس جند الرب، والأسد الغالب، والألف والياء، والبداية والنهاية، والمتسلط في مملكة الناس، وغيرها، وغيرها، إذن يكون هو القادر على كل شيء، وهو فعال لما يريد من يقول للشيء كن فيكون، وبالتالي ليس في حاجة لاستخدام مرسلين حاذقين في العلم والقدرة والغنى، واستخدام السيف لنشر رسالته بل على العكس محتاج لنوعية بسيطة كنوعية الرسل وتلاميذه حتى يظهر بهم عظمته، وحتى يكون الأمر يومئذ لله، فهو الذي إذا ما قضى أمراً كان مقضياً، وهذا سبب استخدامه (له المجد) لهذه النوعية من الناس.

ما الدليل على صدق ما تقوله؟

الدليل العملي الواضح والموجود حتى إلى اليوم، هو ما استطاع أن يعمله هؤلاء التلاميذ، وكيف فتنوا المسكونة؟ وكيف انتشرت رسالتهم وما زالت إلى اليوم دون أن ينسب أحدهم الفضل لنفسه في إقامة صرح المسيحية الشامخ إلى هذا اليوم؟!

كان هذا عن هذه الإرسالية والمرسلين، وماذا عن الإرسالية التي أرسلهم فيها الرب يسوع المسيح "له المجد" ومدى انتشارها؟

لقد حدد السيد المسيح (له المجد) لحوارييه المدى الذي يريده لنشر رسالته بهم في قوله لهم: "اذهبوا إلى العالم أجمع وللخليقة كلها"، أي أن تدبير الله (سبحانه وتعالى) في إرسال السيد المسيح (له المجد) على الأرض لم يكن لشعب معين أو بلد أو مقاطعة أو مجموعة دول ناطقة بلغة معينة، بل إلى العالم أجمع وللخليقة كلها، وهذا واضح في عدة ممارسات بالمسيحية.

ما الممارسات التي توضح أنه (تبارك اسمه)أنزل المسيحية من خلال السيد المسيح للعالم أجمع وللخليقة كلها؟

هذا واضح من مفهوم الوحي في المسيحية، وطريقة ومحتوى الصلاة، وهاتان النقطتان على سبيل المثال لا الحصر هما مفهوم الوحي، وما تضمنه الكتاب المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو أن الله (تبارك اسمه) أوحى إلى أنبيائه القديسين؛ ليكتبوا لنا ما دونوه في التوراة والإنجيل مسوقين من الروح القدس (أي مسيطر عليهم) ومحفوظين من الغلط والزلل والنسيان في كتابة وحيه (تبارك اسمه)، ولم يدع أحدهم أن التوراة والإنجيل كانت في السماء محفوظة في لوح تحت عرش الله سبحانه، ومكتوبة بلغة معينة كالعربية، أو العبرية، أو الآرامية، أو غيرها.

الكتاب المقدس لم يكن محفوظاً في لوح ولا غيره في السماء، لكن ما الخطأ في ذلك لو أراد المولى سبحانه أن يحفظه في لوح عنده؟

كتابة الكتاب المقدس: التوراة، والإنجيل بلغة معينة وحفظها تحت عرش الله بهذه اللغة، يجعلها قاصرة على الاستخدام من قبل القوم الذين كتبت بلغتهم، فلو أنزل الله الإنجيل باللغة العربية، لأنه محفوظ تحت عرش الله باللغة العربية، لما استطعنا أن نطلق كلمة الإنجيل إلا على النسخة المكتوبة باللغة العربية تماماً كما أنزلها الحكيم العليم، وبالطبع يمكننا ترجمتها وطباعتها بلغات أخرى كالفارسية أو الانجليزية، لكن لا يمكن أن نكتب عليها أنها الإنجيل بل لابد من الاعتراف بأنه النسخة الإنجليزية منها تسمى -مثلاً- "ترجمة معانى الإنجيل باللغة الإنجليزية"، وهنا لو قرأت هذه النسخة المترجمة فلا أكون وقتها أقرأ الإنجيل بل ترجمة معانيه وبالتالي يصبح الإنجيل قاصر الاستخدام فقط على الناطقين بالعربية، وعلى المرء إما أن يكتفي بقراءة ترجمة معاني الإنجيل أو يتعلم اللغة العربية، وهي من أصعب لغات الأرض في التعلم، لكي يستمتع بقراءة الإنجيل، وخصوصاً إن كان هذا الكتاب مكتوباً بطريقة معينة من السجع والتركيب اللفظي الذي يستحيل ترجمته لأية لغة أخرى غير العربية، أما إذا كانت -على سبيل المثال- معجزة أي دين هي كتابة كتابه بهذه الطريقة، هنا نقع في مشكلة أكبر، وهي أنه لا يستطيع أن يستمتع ويطلع على هذه المعجزة، ويؤمن بها سوى الناطقين باللغة العربية، أما البقية الباقية فقد حرمها المولى القدير (سبحانه وتعالى) بحفظ كتابه في لوح محفوظ بلغة معينة تحت عرشه جل شأنه.

ما تأثير حفظ كتاب الله بلغة معينة على الصلاة؟

إذا كانت الصلاة لابد أن تكون بقراءة قطع معينة، أو آيات معينة من كتاب الله النازل بلغة معينة، فلا يصح أن يتلو المرء ترجمة معاني الآية بأية لغة، فإذا كان المفروض من قبل المولى القدير على بني البشر في صلاتهم أن يقرءوا من كتابه بعض الأجزاء، إذن فلابد أن تؤدى الصلاة باللغة مثلاً العربية التي نزل بها الكتاب، وعليه فعلى أي شخص يريد أن يعتنق هذا الدين لابد على الأقل أن يلم بالعربية أو بأجزاء من هذا الكتاب يتلوها في صلاته يومياً، وحسبما أعلم، فإن الدين يسر وليس عسراً، وهذا يسبب لي حيرة، لماذا أنزل المولى القدير كتاباً من عنده بلغة محددة، ولا يجوز أن يكتب بلغة أخرى؟ ولماذا يطلب جل شأنه أن تؤدى الصلاة بهذه اللغة بالذات؟ فهذا يحد من انتشار واستمتاع الناس بقراءة الكتاب والاستمتاع بالصلاة. أما إرسالية السيد المسيح لتلاميذه، فكانت للعالم أجمع والخليقة كلها بغض النظر عن جنسياتهم، وخلفياتهم، وأديانهم، فكل منهم يستطيع أن يقرأ كتاب الله بلغته الشخصية، وليس هناك صلوات تتطلب أن تتلى بلغة معينة، فكل يستطيع أن يخاطبه جل شأنه بلغته ولسانه، ويمكن لكتابه أن يكتب بكل اللغات، فتزيده هذه اللغات والترجمة ثراء وفهماً دون أن يفقد حلاوته أو طلاوته أو معجزته.

والآن ماذا عن موضوع هذه الإرسالية؟

موضوع هذه الإرسالية التي أرسل فيها السيد (تبارك اسمه) تلاميذه هي في منتهى البساطة، إرسالية للكرازة (أي مشاركة الأخبار السارة)، وهذا هو المعنى اللفظي لكلمة إنجيل "خبر سار" بالموعظة الحسنة- أي بالتي هي أحسن- فليس موضوع هذه الإرسالية فتح المدن والأقطار للدين الجديد بل القلوب والأفكار للسيد المسيح، فلم يأمر رسول المسيحية (له المجد) حوارييه بالاشتراك في الجهاد ومحاربة غير المؤمنين أو المرتدين عن المسيحية أو رافضيها حتى تصير الأرض كلها للرب ولمسيحه، ولم يأمرهم بتكوين جيش لذلك بل حرم عليهم استخدام السلاح والسيف، وزودهم بقوة روحية غير أرضية للتأثير بالمحبة والصفح والعفو والغفران لجميع الناس فتحت أمامهم القلوب، وكانت رسالتهم من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن، ثـم زودهم بآيات ومعجزات تتبعهم، وتؤكد صدق رسالتهم، وهذه هي الإرسالية في موضوعها.

لو أن الله يعلم وهو (سبحانه وتعالى) كلى العلم –طبعاً- أن السيد المسيح هو الطريق الوحيد للسماء، ومن لا يؤمن بذلك سيمكث عليه غضب الله، وسيكون في الآخرة من أصحاب الجحيم، فلماذا لم يأمر حواريي السيد المسيح (له المجد) أن يحاربوا الناس، ويخضعوهم بالقوة لهذا الدين الجديد ليس كعقاب لهم، لكن محبة منه لهم جل شأنه حتى لا يذهبوا للجحيم؟

الإيمان بالله (سبحانه وتعالى) والسيد المسيح (جل شأنه) هو شيء قلبي روحي لا دخل له بالقهر والتهديد والسلاح، فهذا شيء بين الإنسان والمولى (تبارك اسمه)، وهي علاقة حب بين الخالق جل وعلا والمخلوق. والمولى القدير يحترم إرادة الإنسان، وترك له حرية الاختيار؛ لأن الله يعامل الإنسان كإنسان وفقاً لما أعطاه من عقل وإرادة ميزه بها عن الحيوانات وسائر المخلوقات، فإذا لم أكن مصدقاً أو مؤمناً بتحقيق حقيقة ما، لا يمكن لكل الترهيب أو الترغيب أن يجعلني أومن بها، يمكن للإجبار أن يجعلني أتظاهر وأعترف بفمي، ويمكن أن أمثل الإيمان بهذه الحقيقة؛ لأني خائف ولا لأني مقتنع، ولأنه كلي العلم وهو علام الغيوب، من يحبه (تبارك اسمه)، ويؤمن به وبنعيمه وعذابه ومن يتظاهر بالإيمان به، أولئك الذين قيل فيهم: "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين". لأجل ذلك كان تكليف السيد المسيح للحواريين: "اذهبوا، اكرزوا"، أي بشروا، وخبروا الناس بالأخبار السارة، وكونوا سبب سعادة وإيمان في الأرض وليس خوف ورعب للناس.

قال السيد المسيح (تبارك اسمه) لتلاميذه من آمن واعتمد خلص، بماذا يؤمن؟

آمن بما شرحناه وفصلناه تفصيلاً سابقاً، وهو أن كل ابن آدم خطاء، وأن من أخطأ خطية واحدة صار من أصحاب النار لا محالة، إن لم يتغمده الله برحمته، وأن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو المخلص الوحيد للجنس البشري من الشرور والمعاصي؛ لأنه هو الوحيد الذي لم يستطع أن يمسه الشيطان، وبالتالي عندما مات نيابة عنا افتدانا، ودفع ثـمن عقاب خطايانا، فأصبحنا بنعمته من آل بيته، كل من آمن بهذه الحقائق التي أعلنها المولى القدير في كتابه العزيز الحكيم، وأقر بها، ورجع بتوبة صادقة من قلبه للسيد المسيح (له المجد) خلص.

ما معنى كلمة خلص، وخلص من ماذا؟

يخلص الإنسان من شيء ما يعنى أن يتحرر منه بالكامل، ولا يعود لهذا الشيء أي سلطان عليه، وكلمة خلاص المشتقة من الفعل يخلص أو خلص تعني التحرير، والشفاء، والإطلاق، وهذا معنى أصل الكلمة في اللغة اليونانية المكتوب بها العهد الجديد، أما هنا يخلص من ماذا، فإن الإنسان يخلص من عقاب الخطية سواء الخطية التي ورثها من فساد الطبيعة البشرية أو التي يرتكبها الإنسان كل يوم في حياته طالما يأتي إلي المولى القدير معترفاً بها وطالباً صفحه وغفرانه، ويخلص أيضاً من سيطرة الخطية على حياته وليس فقط من عقابها، فمن يؤمن بهذه الحقائق البسيطة عن السيد المسيح (تبارك اسمه) يصبح حراً من سيطرة الإثم على حياته، وإن أخطأ فله شفيع عند المولى القدير الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه)، ويخلص أيضاً من عذابات القبر والنار يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً، عندما يصبح الأمر يومئذ لله، فأولئك الذين فتحوا القلب، وتابوا، وآمنوا بالسيد المسيح كالمخلص والسيد أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

الآية تقول بعد ذلك: "ومن لا يؤمن يدن". ما معنى هذه الكلمات؟

المعنى أنه إن كان من يؤمن يستمتع بكل ما تقدم من امتيازات وإنقاذات وبركات، فمن لا يؤمن يدان، أي يصبح مداناً، أي ما زال عليه دين خطاياه ومعاصيه وآثامه، ولا بد أن يدفعه كاملاً في نار جهنم حيث يصطلى بها أبداً جزاءً من عند الرحمن الرحيم والقدوس العادل، فالنعيم الأبدي حقيقة صادقة، والجحيم الأبدي حقيقة واقعة. ومن دخل إلى النعيم أقام فيه للأبد ومن دخل أيضاً الجحيم سيقيم فيه للأبد، وإلى أبد الآبدين، وفي كتاب الله العزيز يذكر أن الذي يؤمن به- أي بالمسيح تبارك اسمه ـ لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، أي صدر عليه الحكم بالدينونة، وهو فقط ينتظر تنفيذ الحكم فيه إن لم يرجع ويتب إلى المولى القدير، ويؤمن بالسيد المسيح (تبارك اسمه) رباً ومخلصاً.

هذا عن موضوع الإيمان لكن الآية تقول: "من آمن واعتمد خلص"، ما موضوع المعمودية؟

موضوع المعمودية موضوع بسيط وسهل الفهم، عندما نرجع إلى أيام ما قبل بدء السيد المسيح (تبارك اسمه)، لما كان هنا بالجسد قبل أن يمارس خدمته العملية أمام عيون الناس، كان نبي الله يوحنا بن زكريا يجول أورشليم واليهودية يعظ الناس أن يتوبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات، وكان الناس يتأثرون برسالته، ويتوبون للمولى القدير (سبحانه وتعالى)، ثم يأتون إلى نبي الله يوحنا؛ ليغطسهم في مياه نهر الأردن -مثلاً- كإعلان. فهم أمام الناس قد تابوا عن خطاياهم، ورجعوا عن تحذير المولى القدير (تبارك اسمه)، وهذا ما أمر الرب يسوع المسيح (له المجد) تلاميذه أن يعملوه مع الناس الذين يؤمنون به كالمخلص الوحيد لهم من خطاياهم، ويقبلونه أن يكون سيدهم وربهم ومخلصهم، وهذا بمثابة إعلان لدى جميع الناس أنهم قبلوه (له المجد).

هل معنى هذا، أن الإيمان بالسيد المسيح وحده لا يكفي، لكن يجب أن أعتمد لكي أخلص؟

لا، لم تأتِ آية واحدة في الكتاب المقدس، اعتمد فتخلص، لكن هناك آيات عديدة تنص على أن الإيمان بالسيد المسيح كالمخلص هو وحده كاف لنوال الحياة الأبدية والخلاص من الخطية، فقد قيل لسجان مدينة فيلبي: "آمن بالرب يسوع المسيح، فتخلص أنت وأهل بيتك"، والكتاب يقول لأننا بالإيمان خلصنا، وبطرس رسول المسيح (له المجد) قال لنا توبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم (أى تخلصوا)، ولم يذكر المعمودية في شيء فمعمودية الإنسان لا تغفر خطاياه، بل هي اعتراف منه بأنه قد آمن بالسيد المسيح (تبارك اسمه)، وأن خطاياه قد غفرت.

هل المعمودية يجب أن تكون قبل الإيمان أم بعد الإيمان بالسيد المسيح كالرب والمخلص؟

كما ذكرنا سابقاً، وقلت إن الترتيب الكتابي آمن واعتمد، والكتاب لم يقل اعتمد وآمن، ولماذا يعتمد الإنسان إن لم يكن مؤمناً، فإن كانت المعمودية هي اعتراف من الشخص بإيمانه إذن لابد من الإيمان أولاً ثم المعمودية، وهذا واضح لما قبل وزير خزانة كنداكة ملكة الحبشة المسيح كالمخلص الشخصي له وآمن بالحقائق السابقة على يدي فيلبس المبشر المسيحي، هذا وارد في سفر أعمال الرسل الأصحاح 8، ورأوا ماء في الطريق الذي كانوا يسيرون فيها فسأل الوزير فيلبس هوذا ماء ماذا يمنع أن أعتمد؟ فرد عليه فيلبس بالقول: "إن كنت تؤمن بكل قلبك يجوز"، فأجاب الوزير: "أنا أؤمن أن يسوع المسيح ابن الله" وهنا قبل فيلبس أن يعمده.

الأحباء الذين يؤمنون بالسيد المسيح من أديان أخرى غير المسيحية إن لم يكن لديهم الفرصة أو الإمكانية لإعلان هذه الحقيقة أو أن يعتمدوا، هل هذا يؤثر على ضمان دخولهم إلى النعيم الأبدي؟

أبداً، على الإطلاق فدخول النعيم الأبدي وغفران خطايا الإنسان لا يتوقف بأية حال من الأحوال على أي شيء آخر سوى إيمان الشخص القلبي بالسيد المسيح كالمخلص الوحيد للجنس البشري، وأنه بموته على الصليب دفع عقاب خطايانا، فأصبحنا بنعمته أحراراً مستحقين ليس في ذواتنا، بل على حساب عمله النيابى الكفاري عنا للدخول إلى النعيم الأبدي، فمن يؤمن بذلك حتى ولو لم تأته الفرصة لإعلان هذه الحقيقة أو ممارسة المعمودية حتى إن مات، فلن يؤثر ذلك إطلاقاً على ضمانه الإفلات من عذاب القبر والنار.

بقي لنا في كلمات السيد الرب يسوع المسيح وقت صعوده الآيات التي تقول: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرءون"من المؤمنون المقصودون في هذه العبارة؟

كلمة آية أو معجزة تعني عملاً خارقاً للطبيعة البشرية مثل: إخراج الشياطين من الناس، أو شرب شيء مميت دون أن يحدث أي ضرر للإنسان الشارب، وأيضاً كالقدرة على الشفاء. وكلمة تتبع هنا تعني أن هذه الآيات تكون ملازمة للمؤمنين، وتمشي وراءهم أينما ذهبوا، وهي لا تتقدمهم بمعنى أنه ليست الآيات والعجائب هي التي تسيرهم بل هم يسيرون في أثر خطوات السيد المسيح والآيات تمشي وتتبعهم، أما كلمة المؤمنين هنا فتعني كل من آمن بالسيد المسيح كالمخلص والسيد والرب، ووثق في عمل صليبه، فغفرت خطاياه، وكفر عن أوزاره، وأصبح بنعمته من آل بيته (تبارك اسمه)، ويؤمن بقدرة السيد (له المجد) على استخدامه على عمل هذه الآيات والمعجزات.

هل من المعقول أن هذه الآيات تتبع المؤمنين، وهل هؤلاء المؤمنون يقصد بهم مؤمنى العهد القديم فقط؟ أم تلاميذ المسيح فقط؟ أم المؤمنين بالمسيح في هذه الأيام أيضاً؟


معقول جداً ما دام تنزيل الحكيم العليم (تبارك اسمه) قد قال إنها معقولة، وأنها تتبع المؤمنين إذن فهي معقولة، وتتبع المؤمنين، فالأمر يحتاج إلى تصديق وإيمان بكلام الله (عز وجل)، وليس أكثر؛ لكي تتحقق هذه الآيات والمؤمنون هنا غير مقصود بهم المسيحيين بالاسم أي كل من كان اسمه بولس وحنا وعبد المسيح، لكن من اختبروا حياة المسيح فيهم (تبارك اسمه)، ويصدقون كل ما قاله في كتابه العزيز (الكتاب المقدس)، ليس هؤلاء فقط، بل الذين يصدقون أنهم هم أنفسهم في إمكانهم من خلال السيد المسيح وباسمه الذي يقويهم يستطيعون أن يعملوا هذه الآيات. والمؤمنون هنا أيضاً غير مقصود بهم تلاميذ السيد المسيح؛ فقط لأنه هو (له المجد)
كان يكلمهم، ولم يقل لهم هذه الآية خاصة بكم، لكن قال لهم خاصة، وتتبع المؤمنين: وهذه الآيات لم تتبع مؤمني العهد القديم فقط، ولا معاصري السيد المسيح فقط، بل مازالت تجري على أيدي المؤمنين بالسيد (تبارك اسمه) إلى اليوم، وستظل حتى يوم مجيئه ثانية إلى العالم.

ما الدليل على هذا؟ وإن كان صحيحاً؛ فلماذا لا نراه يتحقق مع كل المؤمنين بالمسيح في أيامنا هذه؟

أقوي دليل على صدق هذا الكلام أن هذا ما جاء في تنزيل الحكيم العليم (الكتاب المقدس) وما دام المولى القدير العليم ذكر هذا في كتابه كما قلنا، إذن هذا هو عين الصدق ودليلي على أن هذه الآيات تبعت المؤمنين أيام الحواريين ومعاصريهم أن الكتاب المقدس يقول في آخر آية في أصحاحنا الأصحاح 16 وفي عدد 20 من الإنجيل بحسب القديس مرقس يقول عن تلاميذ السيد المسيح (له المجد): "وأما هم فخرجوا، وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم، ويثبت الكلام بالآيات التابعة". وهذه الآيات التابعة مفصلة ومثبتة في سفر أعمال الرسل.

ما الآيات المشروحة في سفر أعمال الرسل؟

الآيات المثبتة والمشروحة في سفر أعمال الرسل هي نفس هذه الآيات التي ذكرها السيد (تبارك اسمه) قبل صعوده ففي سفر أعمال الرسل أصحاح 2 يذكر الكتاب المقدس أن التلاميذ تكلموا بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا حتى العرب سمعوهم يتكلموا باللغة العربية رغم أن الرسل كانوا عبرانيين، في الأصحاح 3 من أعمال الرسل يقول الكتاب إن بطرس ويوحنا شفيا باسم الرب يسوع المسيح رجلاً كان أعرج من بطن أمه. وفي الأصحاح 8 يقول تنزيل الحكيم إنه بناء على وعظ وتبشير فيلبس أن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم، وكانوا يأتون بكتب السحر، لتحرق، وفي الأصحاح 9من سفر أعمال الرسل قصة إقامة بطرس تلميذ المسيح للمرأة التي تدعى طابيثا من الموت، وفي سفر أعمال الرسل الأصحاح 28 يذكر أن بولس أمسك بحية قال عنها الكتاب إنها وحش وهذه الحية نشبت في يده (أى عضته) حتى أن كل الذين كانوا حوله ظنوا أنه سينتفخ ويموت، ولما لم يمت استعجبوا لدرجة أنهم كما يقول الوحي: "فإذ انتظروا كثيراً، ورأوا أنه لم يعرض له شيء مضر تغيروا، وقالوا هو إله". وهذا يؤكد كلمات السيد في هذا المقطع أنهم (أي المؤمنين بالمسيح) يخرجون الشياطين باسمه، ويتكلمون بألسنة جديدة، ويحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى، فيبرءون.

لماذا لا نرى ذلك يحدث مع كل المؤمنين بالمسيح اليوم؟ وإن كان البشر في إمكانهم أن يفعلوا هكذا فما لزوم وجود المستشفيات اليوم؟

هناك عدة نقاط في هذا السؤال:

1- هذا الكلام هو كلام المولى القدير (تبارك اسمه) في كتابه العزيز كما قلت سابقاً، وهذا يكفي لتصديقه.

2- إن الكلام هذا يحدث في أيامنا هذه، ويستطيع أي شخص يتأكد من ذلك بنفسه إذا ما زار إحدى الكنائس التي تؤمن وتمارس هذه المواهب الروحية التي منحها المسيح (له المجد) لتابعيه وسيرى ذلك بأم عينيه، بل أكثر من ذلك.

3- إنه ليس كل المرضى في أيام السيد المسيح (تبارك اسمه) قد شفوا، ولم تغلق المستشفيات يومئذ حتى نطالب بإغلاقها اليوم، لكن أولئك الذين آمنوا به (تبارك اسمه)، وطلبوا شفاءه النفسي والروحي والجسدي هم فقط الذين شفوا.

المؤمنون يستطيعون أن يخرجوا شياطين باسم السيد المسيح، لكن هذه الحقيقة صعبة ليس للإيمان بها لكن لفهمها، فمن الأقوى الشيطان أم الإنسان؟ ومن الذي يستطيع أن يقهر ويضر الآخر؟

إذا عملنا مقارنة بين الإنسان العادي أو غير المؤمن بالمسيح، والمؤمن الذي حصل على الاختبار الذي تحدثنا عنه سابقا،ً وهو أن يملك السيد المسيح كالرب والسيد والمخلص على حياته، هذا الإنسان الطبيعي قطعاً أضعف وأقل من الوسواس الخناس بل هو من أتباعه، فليس هناك طريق ثالث، فإما أن يمتلك المسيح الحياة، ويسيرها، وإما أن يمتلكها الرجيم، ويتحكم فيها وفقاً لتعليم الكتاب المقدس الحكيم، فلا مناص من الاعتراف أن الوسواس هو الأقوى والأعظم والمسيطر على حياة الإنسان الطبيعي، أما الإنسان المسيحي ولا نقصد هنا كل إنسان مسيحي بالاسم لكن أولئك الذين ملكوا السيد المسيح على حياتهم، واحتموا في دم السيد المسيح الذي سال فداء لكل واحد فينا هذا الإنسان هو أقوى بالسيد المسيح (تبارك اسمه) من كل قوى الشيطان، فمكتوب عن المؤمنين أنهم غلبوا الشيطان بدمه (أي بدم المسيح تبارك اسم)ه، ولذلك يستطيع المؤمن بشخص المبارك (له المجد) أن يصلى وفقاً للسلطان الممنوح من السيد المسيح لأتباعه والوارد في هذه الكلمات، ويأمر الروح الشرير أن يخرج من الإنسان الممتلك منه، فلا يملك الروح الشرير إلا أن يخرج إكراماً لقوة دم السيد الرب يسوع المسيح، وهذا هو الفرق بين شخص السيد المسيح وبين أي نبي آخر جاء على هذه الأرض.

ما معنى الجملة الأخيرة؟

معناها أن السيد المسيح متفرد عن بقية الأنبياء والرسل بأن جميعهم كانوا يخافون من الشيطان، ويستعيذون برب الناس ملك الناس من شر الوسواس الخناس، ويكثرون من العياذ بالله من الشيطان الرجيم. أما سيدي (تبارك اسمه) فما سمعناه مرة واحدة يعمل حساباً لوجود الرجيم بل على العكس عندما نظرته (له المجد) الأرواح الشريرة صرخت بصوت عظيم قائلة: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله العلي، أستحلفك بالله أن لا تعذبنى، وطلبوا إليه كثيراً أن لا يرسلهم إلى خارج الكورة، وطلب الشياطين أن يأذن لهم بأن يرسلهم إلى قطيع خنازير. وهنا نرى الشيطان يصرخ عند رؤيته (تبارك اسمه)؛ لأنه يعلم أن له سلطاناً على طردهم ليس فقط من الإنسان الذي كانت تمتلكه هذه الأرواح فحسب لكن من المنطقة كلها، ليس ذلك فقط لكنهم قالوا: إنه (له المجد) له سلطان أن يعذبهم، ولم يستطيعوا أن يتحركوا من قدامه حركة واحدة إلا عندما يأخذون إذنه ليخرجوا من الإنسان المجنون، ويدخلوا في الخنازير.

إن صدقت ما نقول، وكان لديك احتياج ما أو معمول لك حجاب أو عمل، وتشعر أن الشيطان متحكم فيك، تشعر بفشل أو يأس أقول لك إن أعظم معجزة يعملها المسيح (له المجد) في حياتك أنه يحررك من خطيتك، فتولد في عائلته. ارفع من القلب هذا الدعاء قل له يا مولاي آتي إليك محتمياً في عمل السيد المسيح، خلصني من خطاياي، خلصني من عدو الناس الرجيم، اشفني من مرضى..

في عددى 19، 20 من الأصحاح السادس عشر من الإنجيل بحسب القديس مرقس، يقول الوحي: "ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله، أما هم- أي تلاميذه- فخرجوا، وكرزوا في كل مكان، والرب يعمل معهم، ويثبت الكلام بالآيات التابعة" ما معنى هاتين الآيتين؟

في الحقيقة هاتان الآيتان هما مسك الكلام الذي يختم به الوحي الإنجيل بحسب القديس مرقس، فيقول: إن الرب -يقصد بالطبع السيد المسيح (له المجد)- بعدما كلم تلاميذه، وأعطاهم وصيته الأخيرة ارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الله، هاتان العبارتان في غاية الأهمية والخطورة؛ لأنهما تشهدان عن من هو السيد المسيح (تبارك اسمه)، ولا عجب أن يختم الوحي الإنجيل بحسب القديس مرقس بهذه الكلمات؛ لأن هذا ما قدمه لنا الوحي أيضاً في أول عدد من أول أصحاح من الإنجيل بحسب القديس مرقس، ففي أول عدد جاء القول: "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله"، وفي ختام الإنجيل يقول إنه (له المجد): "ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله"، فمادام هو ابن الله - أى الله الظاهر في الجسد- إذن فمن حقه ومن الطبيعي أن يرتفع إلى السماء، ويجلس عن يمين الله، أي أنه كالأقنوم الثاني أو الله المتجسد جلس عن يمين الله العلي الذي يملأ السماوات والأرض.

هذا الكلام يبدو كأنه لغز، فكيف ارتفع السيد المسيح (تبارك اسمه)، وهو الله الظاهر في الجسد ليجلس بجانب الله القدير جل شأنه، ما معنى هذا الكلام؟! هل هناك أكثر من إله واحد (سبحانه وتعالى)؟ إذا لم يكن فكيف أن واحداً يجلس عن يمين الآخر، مع أنه من المعروف والمتفق عليه أن المسيحية تؤمن بالله واحد؟

هذه ليست لغزاً ولا مسألة صعبة الفهم، فنحن نؤمن بإله واحد، وقانون الإيمان المسيحي المتفق عليه من كل المسيحيين يبدأ بالكلمات (بالحقيقة نؤمن بإله واحد)، ونص الكتاب المقدس بصريح العبارة: (الرب إلهك رب واحد) وفي البسملة المسيحية نقول: (باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. آميـن)، وليس هناك واحد من بني آدم لديه عقل يفكر به يمكن أن يؤمن أن الله أكثر من واحد، فنحن نؤمن بأنه كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة.

إذن فكيف نحل هذه المشكلة، ونحن أمام اثنين واحد جالس عن يمين الآخر؟

كلمة يمين الله (سبحانه وتعالى) لا تعني مكان السيد المسيح (له المجد) بل مكانته، فليس لله جل شأنه يمين وشمال، بل هو يملأ السماء والأرض، فيمين الله هنا إشارة إلى مكان الصدارة في عرش الله، والموضوع ببساطة يتعلق بسؤال هام من الذي يمكن أن يجلس في مكان الصدارة في عرش الله، لا يمكن لبشر مهما علا شأنه أن يتبوأ مكان الصدارة في عرشه (سبحانه وتعالى)، فهو الذي خلق السماء والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، ومن يجلس في عرش الله لابد أن يكون هو المولى (تبارك اسمه)، لذا فلا يمكن أن يكون السيد المسيح تبارك اسمه إلا الله الظاهر في جسد إنسان، وهذا يسير وليس عسير على المولى القدير الذي يستطيع كل شئ ولا يعسر عليه أمر؛ فهو الذي يقول للشيء كن فيكون، وهذه ليست حقيقة بسيطة وحسب، بل كما قال كثير من العلماء الدينيين في مختلف الأديان أن الله سبحانه سر لا يمكن فهمه إلا إذا كان (جل شأن) ذا وحدانية جامعة، فالسيد المسيح حين تجسده (أي اتخاذه ثوباً بشرياً) كان حسب الجسد محدوداً لا يستطيع أن يسير في شارعين في وقت واحد؛ لأنه محدود بطبيعة هذا الجسد، أما روحه (تبارك اسمه) فهو روح المولى القدير نفسه، وبالتالي كان يملأ بروحه السماء والأرض، وهذا يحل المشكلة فلما ارتفع السيد (له المجد) ارتفع ليس بجسده المحدود بالوجود في مكان دون الآخر، بل بجسد أطلق عليه الكتاب الجسد الممجد الذي يستطيع أن يرتفع ويطير في الهواء، ويدخل إلى السماوات إلى عرش الله سبحانه وتعالى، وفي مكان صدارته يجلس هذا خير دليل لتصديق أنه (له المجد) الله الظاهر في الجسد.

هل رفع السيد المسيح نفسه، أم أن المولى القدير هو الذي رفعه إليه في السماء؟

الآية الصحيحة هنا: "ارتفع إلى السماء"، ولم تقل أن أحداً ولا حتى المولى نفسه (تبارك اسمه) هو الذي رفعه إلى السماء، وهذا واضح لأن من يستطيع أن يدخل إلى السماء، ويجلس عن يمين الله، لا بد أنه يستطيع أن يرفع نفسه للدخول إلى مكانته في صدارة عرش المولى (تبارك اسمه)، ولو قلنا إن المولى (تبارك اسمه) هو الذي رفعه إليه نكون أيضاً في جانب الصواب، لأن روح المولى القدير (جل شأنه) هو روح السيد المسيح (له المجد)؛ لذلك لو قلنا إن السيد ارتفع بقدرته الذاتية يكون هذا صحيحاً، وإن قلنا إن الله (تبارك اسمه) رفعه يكون هذا أيضاً صحيحاً.

ماذا حدث ساعة الصعود ولماذا ذكر الإنجيل بحسب القديس مرقس كل هذه الحقائق؟

ما حصل في ساعة الصعود كالآتي: ظهر السيد (تبارك اسمه) لتلاميذه، وأخذهم إلى جبل الزيتون، وهو بالقرب من أورشليم كما يذكر سفر أعمال الرسل. والإنجيل بحسب القديس مرقس يذكر أن الرب (له المجد) بعدما كلمهم بما سبق شرحه ارتفع إلى السماء، والتلاميذ كانوا يرونه يرتفع أمامهم وهم شاخصون للسماء، وسفر الأعمال الأصحاح الأول يقول عن هذا المشهد: "ارتفع - والكلام هنا عن الرب (تبارك اسمه) - وهم ينظرون - وهنا الكلام عن التلاميذ - وأخذته سحابة عن أعينهم، وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض (هما ملاكان من عند الرحمن تبارك اسمه)، وقالا: "أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء حينئذ رجعوا إلى أورشليم". أما لماذا ذكر الإنجيل بحسب القديس مرقس كل هذه الحقائق؛ فلكي يؤمن الخلق أن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في الجسد البشري وأنه (له المجد) صلب، وقبر، وقام في اليوم الثالث حسب الكتب، وظهر لكثيرين إلى اليوم الذي ارتفع فيه إلى مكان الصدارة في عرش المولى القدير، وأنه حي إلى أبد الآبدين يلبى دعوة الداعي إذا ما دعاه.

في ختام هذه الدراسة نود أن نقول شيئين:

أولاً: لابد من ذكر حقيقة مجيء السيد المسيح (تبارك اسمه) ثانية إلى الأرض قبل قيام الساعة لاختطاف أو أخذ المؤمنين به من كافة الملل والنحل والأديان والجنسيات وغيرها، لكن في هذه المرة لن يأتي كابن الإنسان فقيراً مولوداً من امرأة في مذود متجولاً ليصنع خيراً، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، بل سيأتي كالملك والديان العادل الذي ستذوب الجبال أمامه كالشمع، وسيدين (له المجد) كل الأنبياء، والمرسلين ليحاسبهم عن أخطائهم، ومن عمل مثقال ذرة شراً يرى ومن عمل مثقال ذرة خيراً يرى، فكل من لم يؤمن به أنه الله الظاهر في الجسد، وأنه الوحيد المخلص للبشرية، وليس بأحد غيره الخلاص، وكل من لم يحتمِ به (له المجد) من عذاب القبر والنار، وكل من لم يقبل شفاعته ورحمته حتى لو كان نبياً، أو رسولاً، أو داعية، إنساناً، أو جاناً، سيلقى في النار المعدة لإبليس وملائكته، ولن تجدي معه شفاعة أو وساطة، أما كل من قبله سيداً، ومخلصاً، وملكاً على حياته سيسمع منه القول نعماً أيها العبد الصالح والأمين، كنت أميناً في القليل سأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح سيدك.

الشيء الثاني: أن هذه الدراسة، دراسة الإنجيل بحسب القديس مرقس قُدمت وشُرحت بالتفصيل ليجد كل شخص الإجابة على كل أسئلته سواء المتعلقة بوحدانية الله (تبارك اسمه)، ومن هو السيد المسيح (له المجد)، وحقيقة الصلب، والقيامة وغيرها، وهدفنا من تقديمها أن نضع الحق كاملاً بين يديك، فإذا ما آمنت به، وأنار الحق طريقك لقبول المسيح (تبارك اسمه) مخلصاً لك من خطاياك، أصبحت من أهل النعيم. وتكون هذه الدراسة قد حققت هدفها. وستصبح هذه الدراسة شاهدة لك. وإذا لم تؤمن فستصبح هذه الدراسة شاهدة عليك يوم الدين، يوم تقف أمام السيد المسيح الديان العادل فسيسألك ماذا عملت بالمعرفة التي قدمت لك، لقد وصلتك الرسالة من خلال هذه الدراسة. وشرحت لك أنني محب لا أرد التائب ولا أريد أن يهلك أحد، فأنا لم أخلق النار لك بل للكافرين بي وبموتي على الصليب، وقيامتي وصعودي وجلوسي في عرش القدير (تبارك اسمه). وأنت لم تقبل فأنت جنيت على نفسك وأنت من أهل النار الخاسرين. فاذهب عني أنا الرحيم؛ لأنك لم تصدقني بل صدقت الرجيم، اخلد في النار أبداً عقاباً مني فإنني شديد العقاب.

عزيزي ارفع معي هذا الدعاء، والتضرع، والطلبة للمولى القدير؛ فإنه سميع عليم مجيب للدعوات قل له: سيدي المسيح، أنا أومن بك أنك جئت إلى الأرض؛ لكي تموت بدلاً عني، وتدفع عقاب خطيتي، أنا الأثيم الخاطئ، وأنا أثق أنك أنت الطريق الوحيد للنعيم الأبدي، اغفر ذنبي يا سيدي المسيح، ادخل إلى قلبي وحياتي، غيرني لأصبح إنساناً جديداً، أنقذني من عذاب القبر، والنار، وأظهر لي الحق في كل ما سمعت، واقبلني تائباً راجعاً محتمياً بك فأنت أرحم الراحمين آمين.

 الصفحة الرئيسية