الإســـــــــلام  فـــي  الشــــرع ، واللـــغة

إن كثيراً من الملابسات التي تحدث في عالمنا اليوم عند الحديث عن المعتقدات ، تحدث أصلاً نتيجة الفقر اللغوي لدى الكثيرين من أصحاب الفكر ، وأكثر هذه الأفكار شيوعاً في التضارب اللغوي للمعنى هو الإسلام ، حتى بين المسلمين أنفسهم ، وقد عاش المسلمون فترة من الزمن يكفرون بعضهم بعضاً رغم أداء كل منهم للطقوس أو الفرائض الظاهرية ، مثل الصوم والصلاة ، والزكاة ، والحج والنطق بالشهادتين ، وبالنسبة لنا نحن المسيحيون المؤمنون ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطلق المسلمون أو يسمحوا بإطلاق لفظ الإسلام علينا ، ومن هذا المنطلق أصبح كل من لا يؤدي طقوس الإسلام الظاهرية غير مسلماً ، ودينه مهما كان غير مقبول ، انطلاقاً من النص " إن الدين عند الله الإسلام " . آل عمران 19 ، وبناء على ذلك قال أيضاً " ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " آل عمران 85 ، لذا رأينا أن نساهم بقدر استطاعتنا في كشف هذا الغموض أو اللبث ، أو الخلط في المعاني والمسميات ، وذلك بأن نبحث في معنى هذه الكلمة " الإسلام " لغة وشرعاً ، لنعرف أين نحن من هذه المسميات ؟

الإســلام :

في اللغة : هو التسليم والانقياد ، تقول سلمتك الشيء ، أي تركته لك فأصبح خالصاً لك .

في الشرع : هو الخضوع لأوامر الآمر ونواهيه بدون اعتراض .

قال الزمخشري في الكشاف : الإسلام هنا بمعنى العدل والتوحيد ، وقال إن جملة "  أن الدين عند الله الإسلام " هي جملة مستأنفة وجاءت على سبيل شهادة الله المذكورة في الآية 18 ، أي أن الذي يشهد أن لا إله إلا الله ، فقد أقام العل والتوحيد الذي هو الإسلام@  .

قال القرطبي :الدين  هنا هو الطاعة ،، والإسلام هو الإيمان و الطاعات # .

قال ابن كثير : أنه لا دين عند الله مقبول سوى الإسلام الذي هو إتباع الرسل فيما جاءوا به $ . تلكم هي أقوال العلماء والفقهاء في معنى الإسلام ، وكذلك قول اللغويون في المعنى ذاته ، لكن من أين جاء الناس بالمعنى الضيق السائد الآن ؟ وإلحاق الإسلام بجملة ما يؤدونه من طقوس خاصة بهم فقط ؟

هذا ما نريد الكشف عنه .

لقد ظل معنى الإسلام اللغوي والشرعي هكذا أزمنة وأحقاباً بدون تغيير حتى جاء الإسلام ، فبدأ

الشقاق ، وبدأ التعصب ، والتحزب العقائدي ، ولعل ما يدل على ذلك الحديث الذي يرويه الإمام مسلم ، عن شعبة عن زر عن أبيّ بن كعب قال : قال النبي : " إن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ، ولا المجوسية " ولو نظرنا إلى مبدأ أو أصل الحنيفية ، لوجدنا جذورها ترجع إلى إبراهيم العبراني ، أبو إسرائيل مؤسس اليهودية ، وإسحاق الذي منه كانت النصرانية وبنظرة عابرة في سجل التاريخ نجد أن اليهودية والنصرانية والمجوسية كانت ديانات القوى العظمى المتسلطة على أمور الكرة الأرضية ، ومن هنا بدأت الحرب النفسية تأخذ طريقها في نفوس الناس ، فبعد قول محمد هذا ، وبإضافة نصوص قرآنية أخرى إليه مثل قوله "  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " المائدة 51 ، بعد هذا كان على كل من صدق وآمن بمحمد أن ينقاد إليه في كل ما يقول ، فبدأ أصحابه الذين كانوا على علاقة بآخرين غير مسلمين أن يأخذوا منهم موقفاً فقاطعوهم بل ووقفوا منهم موقف العداء ، كما أمرهم محمد ، وبالرجوع إلى كتب السيرة تجد أن مكة لم يكن بها واحد ممن اتبع محمد ليس له علاقة صداقة بآخر يهودي أو نصراني ، وأول هؤلاء عمر بن الخطاب الذي كان على علاقة صداقة قوية بحيي بن أخطب وهو الذي أعطاه صحف التوراة والإنجيل التي نهره محمد عنها عندما وجدها في يده

والغريب أن القرآن ذاته يكشف مصدر التعصب والتحزب هذا من خلال نصوصه التي نسبت الإسلام إلى من هم سبقوا محمد بقرون مما يؤكد صدق اللغة وكذب من فرقوا ، فلغة قريش تقول إن الإسلام هو الطاعة والانقياد ، دون النظر إلى معتقد ما بعينه ، ولإتمام رغبة محمد في أن يقاطع أصحابه غير المسلمين من اليهود والنصارى والمجوس جاء لهم بآية تتوعدهم بالعذاب إن هم خالفوا أمره و ذلك بالآية " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "، ومعنى أنه منهم أنه سيدخل جهنم التي وعد الله بها أهل الكتاب . والغريب أن كل الشواهد التاريخية ، وحتى القرآنية تقول إن لفظ الإسلام لا ينطبق على دين بعينه ، بل كل من يخضع لله ويطيع ما أمر به فهو هنا مسلم أي خاضع لله ، وأقوى ما يؤكد ذلك الآية التي في سورة الزمر إذ أنها تفرق بين الإسلام وغير الإسلام " ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ، ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلا" الزمر 29 وكلمة سلماً من أسلم التي منها الإسلام ، وهنا تعني الخضوع والامتلاك بدون منازع ، وقوله في سورة الحجرات " وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " ففرقت الآية بين الإيمان الذي يتعلق بالمعتقد الديني ، والإسلام الذي هو التسليم والخضوع ، فهم عندما جاءوا محمد أسلموا أنفسهم له قبل أن يدركوا ما هو الإيمان ، ولو كان مقصوداً بالإسلام الأوامر والنواهي المحمدية لما كان هناك تعارض بين الإسلام والإيمان ولما نفى عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام ، ولكن حيث الأمر غير ذلك فقد عبرت الآية عن حضورهم واستسلامهم لمحمد دون إقامة الطقوس بالإسلام ، وليس الإيمان وهذا هو الصحيح .

ولتأكيد قولنا بأن ربط مفرد الإسلام بالأوامر والنواهي والطقوس المحمدية غير صحيح ؛ سوف نسوق بعضاً من الآيات التي تثبت تحقيق الإسلام لأنبياء ورسل سبقوا محمد بقرون ولم يعلموا طقوسه ؛ الأمر الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك خروج العلاقة بين الإسلام ودين محمد ، عن المألوف والمأثور .

1- الجــــن :

جاء في الآية 14 من سورة الجن "وأنا منا المسلمون ومنا الفاسقون " فأي إسلام كانت عليه الجن ؟

2- نــوح :

جاء في سورة يونس الآية 72 " إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين " هل كان نوح يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، ويصلي ويصوم رمضان ويحج البيت ؟

3- إبراهيـــم :

جاء في سورة البقرة آية 13 عن إبراهيم " إذ قال الله له أسلم قال أسلمت لرب العالمين "

4- موســـى :

جاء في سورة يونس الآية 84 أن موسى قال لقومه " يا قوم أن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين "

5- فرعـــون

جاء في سورة يونس الآية 90 عن فرعون " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " لقد كان معروفا أن بني إسرائيل آمنوا بإله موسى وهارون ، وإن جاز أن نطلق على هذا الإيمان إسلاماً ف‘نه يكون بعيداً عن لفظ إسلام محمد ؟

6- النصـــارى :

جاء في سورة العنكبوت آية 46 " وإذ أوحيت إلى الحواريون أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأنا مسلمون " .

من خلال تلك النصوص التي ذكرناها نجد أن إطلاق مفرد الإسلام على الطقوس والأوامر التي أعلنها محمد هو إجحاف للحقيقة ، واللغة ، والشرع الذي جاء به محمد نفسه .


 

@ الكشاف للزمخشري ج1 ص334

# الجامع للقرطبي ج4 ص 29

$ ابن كثير ج1 ص 354

عودة