الكتـاب المقـدس فى القرآن والسنة

شهادة القرآن بـسلامة الكتاب المقدس إلى يوم القيامة

إذا كان التوراة والإنجيل لقد لحقهما التحريف فبماذا نفسر شهادة القرآن بسلامة كل من التوراة والانجيل الموجودين بأيدى أهل الكتاب اليوم ؟!

" إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ  .." (آل عمران:55)

فهل وجود مؤمنين بالمسيح إلى يوم القيامة لا يلزم معه

أن يكون هناك إنجيل سليم يجعلهم فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؟؟

وهل هذا يتفق مع الإدعاء بنسخ القرآن للكتب المتقدمة (التوراة والإنجيل)؟؟

إذا كان القرآن قد جاء شريعة للمسلمين ، وترك التوراة شريعة لليهود ، والانجيل شريعة للنصارى ..

فكيف يقبل العقل ان الله حافظ على شريعة واحدة فقط من الثلاث وترك الأخرتين للتحريف!!

لم يذكر القرآن إطلاقاً أنه نسخ(ألغى أو أبطل) التوراة أو الإنجيل بل على العكس ذَكَر أن المؤمنين بهما ليسوا على شيء من الدّين حتّى يقيموا التوراة والإنجيل .

         والنسخ بمعنى الإبطال أو الإزالة أو الإلغاء لم يرد فى القرآن إلا فى مواضع ثلاثة :

1 – فى سورة البقرة آية ( 106 ) : " مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " الآية .

2 – وفى سورة الحَجّ آية ( 52 ) : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءَايَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".

3 – وفى سورة النحل آية ( 101 ) : " وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ " .

وهذه الآيات ليس لها علاقة بالتوراة والإنجيل بل هى خاصة بالقرآن ونبي الإسلام .

انظر تفاسير [ ابن كثير 1/214 ، 5/438 ، 4/522  والجلالَين ص 214 ، 282 ، 230 ]

وحتى يتبَيَّن أن فكرة النسخ ( بمعنى شريعة تنسخ شريعة ) غير موجودة فى القرآن ، نلقى الضوء على النقاط الأساسية التالية :

أولاً : موقف الأنبياء من الكتب المتقدمة :

1 – موقف أنبياء ما قبل المسيح من التوراة :

جاء فى تفسير ( البقرة : 91 ) : " فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "  أى إن كنتم صادقين فى دعواكم الإيمان بما أُنزل إليكم ، فلِمَ قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التى بأيديكم والحُكم بها وعدم نسخها .

(تفسير ابن كثير - سورة البقرة - المجلد الأول(8 مجلدات)- طبعة دار الشعب – ص 180) .

من ذلك يتضح أن أنبياء ما قبل المسيح جاءوا بتصديق التوراة التى هى بأيدي اليهود الموجودين فى زمن نبي الإسلام كما أنهم حكموا بها ولم ينسخوها ، أى أن فكرة النسخ لم يعمل بها أى نبي من أنبياء ما قبل المسيح . ومعروف إسلامياً أن عدد الأنبياء الذين جاءوا بكلمات من عند الله مائة وأربعة وعشرون ألف نبي

( كتاب إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات – الفصل الثالث ص 46 – للإمام محمد على الشوكانى – دار النهضة العربية)

2 – موقف يَحيَى النبي ( يوحنا المعمدان ) من التوراة :

ففى سورة مريم آية ( 12 ) : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا " .

جاء فى تفسير ابن كثير لهذه الآية : أن الله علَّمَه الكتاب ، وهو التوراة ، التى كانوا

يتدارسونها بينهم ، ويحكم بها النَّبِيّون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار ... " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ " أي تعلَّم الكتاب ( بقوة ) أى بِجِدٍّ  وحِرصٍ واجتهاد .

(تفسير ابن كثير – سورة مريم - المجلد الخامس – ص 210 – مصدر سابق)

فهُنا يتضح أن النبي يحيَى لم ينسخ التوراة بل أن الله عَلَّمَه إياها وأمره أن يتعلّمها بجِدٍ واجتهاد وحِرص .

3 – موقف المسيح من التوراة :

ففى سورة آل عمران آية ( 50 ) : " وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ .. " جاء فى تفسير ابن كثير لهذه الآية : (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) ، أى مُقرر لها ومُثبِت .   ( وَلأُِحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ) ، .. ومن العلماء مَن قال : لم ينسخ منها شيئاً ، وإنما أُحِلّ لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه فأخطئوا ، فكشف لهم عن المغطى فى ذلك ، كما قال فى الآية الأخرى : ( ولأُِبَيِّن لكم بعض الذى تختلفون فيه ) والله أعلم . 

(تفسير ابن كثير -  سورة آل عمران - المجلد الثانى – ص 36 - مصدر سابق)

وجاء فى تفسير ابن كثير للآيات ( 48 – 51 ) من سورة القصص : والإنجيل إنما أُنزِل مُتَمِّماً للتوراة ومُحِلاً لبعض ما حُرِّم على بني إسرائيل .

(تفسير ابن كثير – سورة القصص - المجلد السادس – ص 253 - مصدر سابق)

وجاء أيضاً فى تفسير الآية ( 30 ) من سورة الأحقاف : " لأن عيسى عليه السلام أُنزِل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم  ، وهو فى الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة ، فالعمدة هو التوراة ، ...                (تفسير ابن كثير – سورة الأحقاف - المجلد السابع – ص 286 - مصدر سابق)

وفى سورة المائدة آية ( 46 ) : " وَقَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَءَاتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " .

جاء فى تفسير ابن كثير لهذه الآية : " بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة " أى متبعاً لها غير مخالف لِما فيها إلا فى القليل مما بَيَّنَ لِبَنِي إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه ، ...

(تفسير ابن كثير - سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 118 - مصدر سابق)

وفى سورة آل عمران آية ( 48 ) : " وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجِيلَ " .

جاء فى تفسير ابن كثير لهذه الآية : " والتوراة والإنجيل " ، فالتوراة هى الكتاب الذى أنزله الله على موسى بن عمران . والإنجيل الذى أنزله الله على عيسى عليهما السلام ، وقد كان عليه السلام يحفظ هذا وهذا .

(تفسير ابن كثير -  سورة آل عمران - المجلد الثانى – ص 35 - مصدر سابق)

وفى سورة المائدة آية ( 110 ) : " وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " أى الخط والفهم ،
" وَالتَّوْرَاةَ " وهى المنزلة على موسى ابن عمران الكَليم .

(تفسير ابن كثير - سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 218 - مصدر سابق)

إذاً فالمسيح لم ينسخ التوراة وبالتالي الإنجيل ، بل على العكس جاء السيد المسيح مُصَدِّقاً لها أى مُقِرّاً لها ومُثبِتاً ، مؤمناً بها ، حاكِماً بما فيها ، مُتَّبِعاً لها غير مخالف لِما فيها إلا فى القليل ، مما بَيَّنَ لِبَنِي إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه .. كشف لهم عن المُغَطَّى فى ذلك .. ومن العلماء مَن قال : لم ينسخ المسيح منها شيئاً .  وكان عليه السلام يحفظ الإنجيل والتوراة . والإنجيل إنما أُنزِل مُتَمِّماً للتوراة وهو فى الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة ، فالعُمدَة هى التوراة .

لذلك قال المفسرون فى تفسير ( الصف : 6 ) : أن عيسى قال لهم ( لليهود ) : إني لم أتكلم بشيء يخالف التوراة .

(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 41 ، 42 - كتاب الهلال العدد 338 – ربيع الأول 1399هـ – فبراير 1979م - عن تفسير القرطبى جـ 18 ص 83 – دار الكتب المصرية)

وقال الشهرستاني : وقد قال المسيح فى الإنجيل ، " ما جئت لأُبطِل التوراة بل جئت لأكملها  . قال صاحب التوراة : النفس بالنفس والعين بالعين .. وأقول إذا لطمك أخوك على خدك الأيمن فضع له خدك الأيسر " والشريعة الأخيرة وردت بالأمرين جميعاً .

(المِلَل والنِّحَل للشهرستانى – ص 235 – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ص.ب : 9424/11 - صححه وعلق عليه الأستاذ/ أحمد فهمى محمد)

وقال جمال الدين الأفغاني : " ... فاليسوعية هى ناموس جاء متمماً لما قبله من التوراة ، كما قال المسيح :

" جئت لأتمم الناموس . لا لأنقضه ...  " .

( د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص53  مصدر سابق)

وقال المستشار محمد سعيد عشماوي :

" السيد المسيح لم يغير شريعة موسى وإنما عَدَّل قِبلَتَها وغَيَّر معناها وبَدَّل أساسها ، فوَجَّهها إلى النّيّة والقصد لا إلى الشكل والمراسم ، جعل معناها الحب والعطاء لا المبادلة ولا الجزاء ، ووضع الإنسان أساساً لها بعد أن كان الأساس حكم الكهانة أو ملامة الناس .

وفى موضع آخر قال : وكانت شريعة المسيح استحياء الضمير الإنساني ليكون هو الأصل فى كل شيء.

(أصول الشريعة– المستشار محمد سعيد العشماوى – ص 34 ، 88– الناشر مكتبة مدبولى الصغير – ميدان سفنكس – القاهرة – الطبعة الرابعة : 1416هـ - 1996م – رقم الإيداع 9339/95)

4 – موقف نبي الإسلام من التوراة والإنجيل :

كان موقف نبي الإسلام من التوراة كموقف المسيح منها بالتمام حيث جاء مُصَدِّقاً لها أى مقرراً لها ومثبتاً مؤمناً بها حاكماً بما فيها ، إلا أن الاختلاف الوحيد هنا هو أنه كان يحكم بها لليهود فقط أما المسلمين فكان يحكم لهم بالقرآن - كما هو معروف – وأما النصارى فقد أمر القرآن أن يتحاكموا إلى إنجيلهم كما سيأتي فيما بعد . 

ورد فى تفسير ابن كثير للآيات القرآنية ( 41 – 44 ) من سورة المائدة أن هذه الآيات نزلت فى يهودي ويهودية قد زَنَيَا ، وقد روى ابن كثير أحاديث كثيرة للبخاري ومسلم وأبو داود والإمام أحمد والإمام مالك والزهري ثم قال : فهذه أحاديث دالة على أن رسول الله ( ص ) حكم بموافقة حُكم التوراة ...

        وفى رواية الزهري : ... فقال النبى ( ص ) : " فإني أحكم بما فى التوراة " ، فأَمَر بِهما فرُجِما . فقال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : " إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا " ، فكان النبى ( ص ) منهم .

(تفسير ابن كثير - سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 105 : 108 - مصدر سابق)

رواه أحمد وأبو داود – وهذا لفظه – وابن جرير . وبعد هذه الآيات من سورة المائدة الخاصة بالتوراة وبها حكم النبى (ص) جاء :" وليحكم اهل الانجيل بما أنظر الله فيه ومن لم يحكم لما أنظر الله فأولئك هم الفاسقون" (المائدة 47)

مما سبق يتضح أن نبي الإسلام حكم بموافقة حكم التوراة ، أي لم يكن ناسخاً لها .

كذلك موقف نبي الإسلام وصحابته من النجاشي ملك الحبشة إبان ظهور الإسلام يؤكد عدم نسخ القرآن للشرائع السابقة .

قال الدكتور محمد عمارة عن النجاشي :

فلقد احتمى المسلمون بأرضه من اضطهاد قريش مرتين ، هاجروا إليها فيهما ، وبسط النجاشي وهو مسيحى ، حمايته للمهاجرين من المسلمين .. وعندما توفي فى رجب 9 هـ قال الرسول ( ص ) لصحابته :  " لقد مات اليوم رجل صالح .. " ثم دعاهم إلى أن يُصَلُّوا عليه صلاة الغائب قائلاً : " قوموا فَصَلُّوا على أخيكم النجاشي " ، فهو إذن أخوهم فى الدين ، لا فى الشريعة إذ هو على شريعة المسيح .. ولما تساءل نَفَرٌ من المسلمين : كيف نُصَلّي على رجل مات وهو يصلى لغير قبلتنا ؟! أى ليس على شريعتنا فهو يصلى لبيت المقدس ، بينما يصلي المسلمون إلى الكعبة .. ولما طعن نفر من المنافقين فى استحقاق النجاشي ، وهو مسيحي صلاة المسلمين عليه وقالوا : " يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة ؟ " .. لما حدث ذلك أنزل الله سبحانه فى ذلك قرآناً يقرر : إيمان أهل الكتاب ونجاتهم لأنهم قد آمنوا بأصول الدّين التى نزلت على أنبيائهم وهى التى نزلت على نبي الإسلام " وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " ( آل عمران : 199 )

" وليس أحد يزعم أن الحكم بنجاة النجاشي إنما ترتب على إيمانه بنبوة محمد – " ما أُنزِل إليكم " – فالمراد بذلك إيمانه بأصول الدين ، لا بشريعة الإسلام ولو آمَن بشريعة الإسلام لَعُدَّ مُسلِماً ، ولَمَا تحدث عنه القرآن باعتباره من أهل الكتاب ! .. "

( د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 119 ، 120 -  مصدر سابق)

والعبارة الأخيرة تُذَكِّرنا بقول الإمام محمد عبده : " .. إن المسلمين لا يُمدَحون بوصف أنهم أهل كتاب ، وإنما يمدحون بعنوان المؤمنين ... "           (المصدر السابق ص 119)

ويؤكد قصة النجاشي ما رواه النَّسائي عن أنَس قال : لما جاء نَعيُ النجاشي قال رسول الله ( صلعم ) صلوا عليه ، قالوا يا رسول الله نصلّي على عبد حبشي ؟ فأنزل " وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ " وروى ابن جرير نحوه عن جابر .

(لباب النقول فى أسباب النزول – للسيوطى ص 134 – دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع –
بيروت – ص.ب : 6318/113
)

إذن فهذه القصة تؤكد ما سبق أن قلناه وهو أن القرآن لم ينسخ الكتب المتقدمة وإلا ما صلّى نبي الإسلام على النجاشي الذى مات على شريعة المسيح ، كما تؤكد تقرير القرآن بنجاة أهل الكتاب الذين ظلّوا على دينهم .

يقول د. طه حسين عن النبي : " وهو لم يأتِ لنسخ التوراة ولا لنسخ الإنجيل وإنما جاء مُصَدِّقاً لِما بين يدَيه منهما ومُضيفاً إليهما ما أمره الله أن يضيف من العِلم والدّين " .

(مرآة الإسلام – د. طه حسين – ص 127 – الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة)

ثانياً : موقف القرآن من الكتب المتقدمة ( التوراة والإنجيل ) :

لم يذكر القرآن إطلاقاً أنه نسخ التوراة أو الإنجيل - وهناك بعض الأسئلة التى تطرح نفسها فى هذه القضية – إذا كان القرآن قد نسخ التوراة أو الإنجيل كما يزعم البعض فلماذا نراه :

1.   يصفهما بصفات عظيمة لا تتفق مع نسخهما :

1 – الكتاب ( مُعَرَّفاً بالألف واللام ) :

        اسم " الكتاب* " مُعَرَّفاً بالألف واللام أُطلِقَ أحياناً على جميع الكُتُب المُنزَلة كَكُل معاً ، وأُطلِق أحياناً على القرآن – لكنه أُطلِق بصورة خاصة تدعو للدهشة على التوراة والإنجيل ، نذكر منها ما جاء في السّور القرآنية الآتية :

( البقرة : 53 ) – ( آل عمران : 184 ) – ( النساء : 131 ) – ( المائدة : 68 ) –        ( الأنعام : 114 ) – ( يونس : 94 ) – ( القصص : 52 ) – ( العنكبوت : 47 ) – ( هود : 110 ) – ( الإسراء: 2 ) – ( مريَم : 12 ) – ( المؤمنون : 49 ) – ( الفرقان : 35 ) – ( العنكبوت : 27 ) – ( السجدة : 23 ) – ( الصافات : 117 ) – ( غافر : 53 ) –        ( الشورَى : 14 ) – ( الجاثية : 16 ) – ( الحديد : 16 ) – ( الأعراف : 169 ) .

اذن هو الكتاب الجامع لكل شئ وهذا الكلام يؤكده القرآن بقوله :

      - "فيه من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء" ( الأعراف : 145 )

جاء فى التفسير : قيل كانت الألواح ، وأن الله تعالى كتب فيها مواعظ وأحكاماً مفصلة مُبَيِّنَة للحلال والحرام وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة ، وقيل أُعطيها موسى قبل التوراة ، والله أعلم .

(تفسير ابن كثير – سورة الأعراف - المجلد الثالث – ص 471 -  الطبعة السابقة

جاء أيضاً فى تفسير الآية : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ ) أى ألواح التوراة وكانت من سدر الجنة أو زبرجد أو زمرد سبعة أو عشرة ، ( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) يُحتاج إليه فى الدّين ،
( مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلا ) تَبيِيناً .                             
(
تفسير الجلالين)

– "تماماً على الذى أحسَن وتفصيلاً لكل شيء"  ( الأنعام : 154 )  

جاء فى التفسير : ( تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً ) أي آتَيناه الكتاب الذى أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامِعاً لجميع ما يحتاج إليه فى شريعته .

(تفسير ابن كثير – سورة الأنعام - المجلد الثالث – ص 363 -  الطبعة السابقة)

وجاء أيضاً فى التفسير : ( وَتَفْصِيلا ) بياناً ، ( لِكُلِّ شَيْءٍ ) يُحتاج إليه فى         الدين .                                          (تفسير الجلالين)

        كذلك أطلق القرآن على اليهود والنصارَى لقب " أهل الكتاب " في مواضع كثيرة ولم يطلق على غيرهم . وبذلك يتأكد أن " الكتاب " هو التوراة والإنجيل .

إذاً فهو الكتاب مُعَرَّفاً بالألف واللام ( أى كِتاب الكُتُب ) . مثلما نقول " مسيح الرب " و " المسيح " معرفاً الألف واللام ، أى مسيح المُسَحاء .

2 – الكتاب المنير :

ففي ( آل عمران : 184 ) : " فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ " .

وفى ( لقمان : 20 ) : " .. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ " . انظر أيضاً ( فاطر : 25 ) ، ( الحج : 8 ) .

جاء في تفسير ( آل عمران : 184 ) : ( والكِتَاب المُنِير ) أي البَيِّن الواضح    الجَلِيّ .

(تفسير ابن كثير – سورة آل عمران – المجلد الثانى – ص 154 – طبعة دار الشعب – تحقيق ( عبد العزيز غنيم – محمد أحمد عاشور – محمد إبراهيم البنا)

جاء أيضاً فى التفسير : ( المنير ) الواضح كالتوراة والإنجيل .     (تفسير الجلالين)

وجاء فى تفسير ( لقمان : 20 ) : (  كِتَابٍ مُنِيرٍ ) أى مبين مُضيء .

(تفسير ابن كثير – سورة لقمان – المجلد السادس – ص 350 – الطبعة السابقة)

3 – الفرقان :

" وإذ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " . ( البقرة : 53 )

" وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ " ( الأنبياء : 48 )

جاء فى التفسير :  ( والْفُرْقَانَ ) وهو ما يفرّق بين الحق والباطل والهُدَى      والضلال .            (تفسير ابن كثير – سورة البقرة – المجلد الأول – ص 130- الطبعة السابقة)

جاء في التفسير أيضاً : ( والْفُرْقَانَ ) أي الفارق بين الحق والباطل والحلال      والحرام .                                           (تفسير الجلالين)

4 – الزُّبُر :

انظر ( آل عمران : 184 ) ، ( النحل : 44 ) ، ( فاطر : 25 ) .جاء فى التفسير : ( الزُّبُرِ ) هى الكتب المُتلقّاة من السماء ، كالصحف المنزلة على المرسلين . وجاء أيضاً : (الزُّبُرِ ) هى الكتب .

(تفسير ابن كثير – المجلد الثانى ص 154 ، المجلد الرابع – ص 493 -  الطبعة السابقة ، وتفسير الجلالين – ص 224 -  الطبعة السابقة)

5 – الكتاب الحكيم :

        " الر تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ " . ( يونس : 1 )

        جاء فى التفسير : قال مجاهد ( الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) : التوراة والإنجيل ، وقال قتادة : الكتب التى كانت قبل القرآن . والحكيم بمعنى المُحْكَم المُبين .

(تفسير ابن كثير – سورة يونس – المجلد الرابع – ص 182 -  الطبعة السابقة)

6 – الكتاب المستبين :

        انظر ( الصافات : 117 ) . جاء فى التفسير :

" أنزل الله على موسى الكتاب العظيم الواضح الجَلِيّ المستبين ، وهو التوراة " .

(تفسير ابن كثير – سورة الصافات – المجلد الثالث – ص 31 -  الطبعة السابقة)

جاء أيضاً في تفسير الآية : ( المُستَبِين ) البليغ البيان فيما أتى به من الحدود والأحكام وغيرها وهو التوراة .                   (تفسير الجلالين)

7 – العِلم :

" ... إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا "              ( الإسراء : 107 )

8 – الحِكمة :

انظر سورة ( ص : 20 ) . جاء فى تفسير هذه الآية :

قال قتادة : ( وَءَاتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ ) كتاب الله واتّباع ما فيه .

(تفسير ابن كثير – سورة ( ص ) – المجلد السابع – ص 51 -  الطبعة السابقة) 

9 – أهْدَى الكُتُب :

        " قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " (القصص:49 )

جاء فى التفسير : قال عَلِيّ ابنُ أبي طَلْحَةَ والعوفيّ عن ابن عباس : يَعْنونَ التوراة والقرآن . وقال عِكرِمَة : يعنون التوراة والإنجيل وهو رواية عن أبي زَرْعَةَ واختارَه ابن جرير* . وقال الضّحّاك وقتادة : الإنجيل والقرآن .

(تفسير ابن كثير – سورة القصص – المجلد السادس – ص 252 -  الطبعة السابقة)

10 – الهُدَى :

انظر ( غافر : 53 ) . جاء فى تفسيرها : ( وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الهُدَى ) التوراة والمعجزات .                                             (تفسير الجلالين)

وجاء في التفسير أيضاً : ( وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الهُدَى ) وهو ما بعثه الله به من الهُدَى والنّور .

(تفسير ابن كثير – سورة غافر – المجلد السابع – ص 141 -  الطبعة السابقة)

11 – الذِّكْر :

" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "          ( النحل : 43 ) وتكررت فى ( الأنبياء : 7 ) .

جاء فى التفسير : ( فاسْئَلوا أَهلَ الذِّكْرِ ) العلماء بالتوراة والإنجيل .

(تفسير الجلالين)

جاء أيضاً في التفسير لنفس الآية : المراد بأهل الذّكر أهل الكتاب ، قاله ابن عباس وقاله مجاهد والأعمش .
(تفسير ابن كثير – سورة النحل – المجلد الرابع – ص 492 -  الطبعة السابقة)

12 – كتاب الله :

انظر ( البقرة : 101 ) ، ( آل عمران : 23 ) .

وتفسير ابن كثير لكل من : ( الصافات : 168 ) ، ( سورة ص : 20 ) . 

13 – كَتَبَهُ الله بيده والطبيعة تهتَزّ عند قراءَتِه :

" قال سنيد ابن داود فى تفسيره ، قال أبو بكر: فلمّا نشر( يقصد موسى ) الألواح فيها كتاب الله كتبه بيده ، لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز فليس اليوم يهودي على وجه الأرض صغير ولا كبير ، تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسَه            (تفسير ابن كثير – سورة الأعراف – المجلد الثالث – ص 500 -  الطبعة السابقة) 

14 – ضياءً وذِكراً للمُتَّقين :

انظر ( الأنبياء : 48 ) . جاء فى التفسير :

( الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ) قال مجاهد : يعنى الكتاب ، وقال أبو صالح : يعنى التوراة ، وقال قتادة : التوراة حلالها وحرامها وما فَرّقَ الله بين الحق والباطل ، وقال ابن كثير : وجامع القول فى ذلك أن الكتب السماوية تشتمل على التفرقة بين الحق والباطل والهُدَى والضلال ، والغَيِّ والرشاد ، والحلال والحرام ، وعلى ما يحصل نوراً فى القلوب وهدايةً وخوفاً وإنابةً وخَشيَةً ، ولهذا قال : ( الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ) ، أى تذكيراً لهم وعِظَةً " .       (تفسير ابن كثير – سورة الأنبياء – المجلد الخامس – ص 394 -  الطبعة السابقة)

15 – هُدَىً وموعِظَةً للمُتَّقين :

انظر ( المائدة : 46 ) ، و ( الإسراء : 2 ) . جاء فى التفسير :

( وَهُدًى ) يُهتدَى به ، ( وَمَوْعِظَةً ) أي : وزَجراً عن ارتِكاب المحارِم والمآثِم ،       ( لِلْمُتَّقِينَ ) أي : لِمَن اتّقَى الله وخاف وعيدَه .

(تفسير ابن كثير – سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 118 -  الطبعة السابقة)

16 – نوراً وهُدَىً للناس :

انظر ( الأنعام : 91 ) . جاء فى تفسير الآية ( نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ) أي : يُستضاءُ به فى كَشفِ المُشكِلاتِ ، ويُهتَدَى به من ظُلُمات الشُّبُهات .

(تفسير ابن كثير – سورة الأنعام - المجلد الثالث – ص 294 -  الطبعة السابقة)

17 – هُدَىً ورحمة :

انظر ( الأنعام : 154 )

18 – إماماً ورحمة :

انظر ( هود : 17 ) ، و ( الأحقاف : 12 ) . جاء فى التفسير :

( إِمَامًا وَرَحْمَةً ) أى : أنزله الله تعالى إلى تلك الأمة إماماً لَهُم ، وقُدوَةً يقتَدون بها ورحمةً من الله بهم .

(تفسير ابن كثير - المجلد الرابع – ص 246 -  الطبعة السابقة)

وجاء أيضاً فى التفسير : ( إِمَامًا وَرَحْمَةً ) للمؤمنين به .             (تفسير الجلالين)

19 – أُنزِل بالحق والميزان :

انظر ( البقرة : 176 ) ، و ( الشورى : 17 ) . جاء فى التفسير :

( اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) يعنى : الكتب المُنزلة من عنده على أنبيائه ،
( وَالْمِيزَانَ ) ، وهو : العدل والإنصاف ، قاله مجاهد وقتادة .

(تفسير ابن كثير – سورة الشورى - المجلد السابع – ص 184 -  الطبعة السابقة) 

20 – بَصائِرَ للناسِ وهُدَىً ورحمة :

انظر ( القصص : 43 ) . جاء فى التفسير ( بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ) أي نوراً للقلوب ،       ( وَهُدًى ) من الضلالة ، ( وَرَحْمَةً ) لِمَن آمَن به .                (تفسير الجلالين)

 

وجاء أيضاً في التفسير : ( بَصَائِرَ لِلنَّاسِ ) أي من العَمَى والغَيّ ، ( وَهُدًى ) إلى  الحق ،  ( وَرَحْمَةً ) أي إرشاداً إلى الأعمال الصالحة ، ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) أى لعل الناس يتذكرون به ويهتدون بسببه .

(تفسير ابن كثير سورة القصص - المجلد السادس – ص 249 -  الطبعة السابقة)

21 – هُدَىً وذِكرَى لأُِولِي الألباب :

انظر ( غافر : 54 ) . جاء فى التفسير : ( هُدًى ) هادياً ، ( وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ) تذكِرةً لأصحاب العُقول .                              (تفسير الجلالين ) 

22 – كتاب مسطور :

انظر ( الطور : 2 ) . جاء فى التفسير : ( كِتَابٍ مَسْطُورٍ ) قيل اللوح المحفوظ ، وقيل الكتب المُنزلة المكتوبة التى تُقْرَأُ على الناس جهاراً .

(تفسير ابن كثير - المجلد السابع – ص 403 -  الطبعة السابقة)

وجاء أيضاً فى التفسير : ( كِتَابٍ مَسْطُورٍ ) أى التوراة والقرآن .     (تفسير الجلالين)

23 -  كلام الله : انظر ( البقرة : 75 )

24 – يحكم بها ( التوراة ) النبيون الذين أسلموا للذين هادوا :

انظر ( المائدة : 44 )

25 – فيه حُكمُ الله :

انظر ( المائدة : 43 )

26 – فيه هُدَىً ونور :

انظر ( المائدة : 44 ، 46 )

جاء فى تفسير ( المائدة : 44 ) : ( هُدَىً ) من الضلالة ، و ( نُوْر ) بيان       للأحكام .                                             (تفسير الجلالين)

وجاء فى تفسير ( المائدة : 46 ) : أى هُدَىً إلى الحق ونور يُستضاء به فى إزالة الشبهات وحل المشكلات .

(تفسير ابن كثير – سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 118 -  الطبعة السابقة)

وأخيراً أُطلِقَ على التوراة والإنجيل اسم :

29 – القرآن :

جاء فى تفسير ( الرعد : 31 ) ، و ( الإسراء : 55 ) :

" وقد يُطلَق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدّمة ، لأنه مشتق من الجميع " .

وقال الإمام أحمد في مسنده : حَدّثنا معمّر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حَدّثنا به أبو هُرَيْرَة قال : قال رسول الله ( ص ) :

" خففت على داود القراءة ، فكان يأمر بدابّتِه أن تُسرَج ، فكان يَقرَأُ القرآنَ قبل أَن تُسرَجَ دابّتُه وكان لا يَأْكُلُ إلا من عمل يَدَيه " . انفرد بإخراجه البُخارِيّ*ُ . والمراد بالقرآن هنا : الزّبور .

(تفسير ابن كثير – سورتَي الرعد والإسراء - المجلد الرابع ص382 ، و المجلد الخامس ص 85 -  الطبعة السابقة)

ملحوظة : في هذا الفصل تمت الاستعانة بتفسيرَي الجلالين وابن كثير فقط لعدم الإطالة .

2. ويستشهد بالتوراة والإنجيل ويأمر النبي ( ص ) أن يستشهد بهما :

( النجم : 33 – 37 ) ، ( الصافات : 154 – 157 ) ، ( القلم (ن) : 36 – 37)، ( الأنبياء : 24 ، الأحقاف : 4 ) ، ( القصص : 49 ) ، ( آل عمران : 93 ) .

3.ويأمر النبي ( ص ) أن يتلو التوراة ويحكم بها : ( أل عمران : 93 ، المائدة : 42-44)

4. ويَحُضّ اليهود على الحكم بالتوراة والعمل به وإظهاره ويهدد مَن يُهمل ذلك : (المائدة:44 ، 45)

5. ويأمر النّصارى بالحكم بما أنزل الله فى الإنجيل ويتوَعَّد مَن يخالف : ( المائدة : 47 )

ويقول د. محمد عمارة عن الآيات التى جاءت بالنقطة ( 4 ) والنقطة ( 5 ) السابقتَين ( المائدة : 44 ، 45 ، 47 ) :

( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة : 44

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْظالمونَ ) المائدة : 45

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسقونَ ) المائدة : 47

قال : والزّمَخشَرِي يذكر رواية ابن عباس أن مراد الله سبحانه بالكافرين والظالمين والفاسقين هنا أهل الكتاب ( الكَشَّاف . جـ 1 ص 616 ) . إن الكتاب الذى تتحدّث عنه الآيات طالبةً الحكم بما فيه ، كشرط لعدم الكفر وعدم الظّلم وعدم الفِسق ، ليس هو القرآن، كما يتوهم دُعاةُ نظرية " الحاكِمِيّة لله " وإنما هو التوراة أو الإنجيل – فالذين استُحفِظوا على التوراة واستُؤمِنوا على عقائدها ثم لم يحكموا بها هم الكافرون والذين أُمِرُوا بتنفيذ ما فيها من عقوبات وقَصاص ثم لم يحكموا بها فى قَضائِهم هم الظالمون ، والذين لم يحكموا بما فى الإنجيل من مواعظ هم الفاسقون .. فالحكم الذى تتحدث عنه الآيات موجود فى التوراة والإنجيل ، لا فى القرآن ( تفسير البيضاوي ص 177 والجامع لأحكام القرآن . جـ 6ص 179،180 ) ..كما يتوهم الواهِمون ؟! .. "

(قضايا إسلامية [ 4 ] – الإسلام والسلطة الدينية – د. محمد عمارة – ص 59، 60- دار الثقافة الجديدة – رقم الإيداع بدار الكتب 3965/79)

يقول المستشار د. ممدوح توفيق : " إلا أنه من الناحية الواقعية يعترف الإسلام بالوجود لأهل الكتاب ويأمرنا أن نتركهم وما يدينون : " كُلٌّ آمَنَ بالله ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِه " " وقُوْلُوا آمَنّا بِِالَّذى أُنزِلَ إلَيْنا وأُنزِلَ إلَيْكُم وإِلَهُنا وإلَهُكُم واحِدٌ " .                       (جريدة الأهرام – 19/11/1979)

وفى نفس الصدد قال د. محمد عمارة فى موضع آخر : [ عندما ظهر الإسلام كانت التوراة هى شريعة اليهود ، وكان الإنجيل شريعة النصارى وكان الإسلام شريعة المؤمنين بالدّين الجديد من المسلمين .. ولما تَحاكَم اليهود إلى الرسول ( ص ) طلب الله منه أن يحكم بينهم بشريعتهم ويقضي فيهم بأحكام التوراة ، وكذلك طلب أن يكون تَحاكُمَ النّصارَى إلى الإنجيل والحكم بينهم بما فيه تماماً مثلما طلب أن يكون تحاكُمَ المسلمين إلى القرآن والحكم بينهم وَفق آياته .. ونَبَّهَ فى وضوحٍ وحَسمٍ على أنّ لِكُلِّ أُمّةٍ ومِلَّةِ من هذه المِلَل " شِرْعَةً ومِنهاجاً " . فوحدة الدّين حق ، ومن الحق أيضاً تعدد المناهج والشرائع بتعدد الأمم والرسالات .

ولقد عرضَت آيات القرآن الكريم لهذه القضية عندما تَحَدَّثَت عن تَحاكُم اليهود إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقالت " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ . إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأَنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . وَقَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَءَاتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ . وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا ءَاتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " ( المائدة 42 – 48 ) .

ثم يستطرِدُ الدكتور عمارة ويقول : فنحن هنا أمام آيات قرآنية كريمة تُعَلِّمنا :

أ‌.       أن الله أنزل التوراة شريعة لليهود ، يحكم بها فيهم النّبيون والربانيون والأحبار ..

ب‌.   وأنزل الإنجيل ، شريعة للنصارى ، ليحكموا بينهم بما فيه ..

ج. وأنزل القرآن ، شريعة للمسلمين ، يتحاكمون إليه ، ويحكمون بينهم بما فيه .

د‌.      وأن إرادة الله وسُنّته أن تكون لكل أمة ومِلَّة ، شريعتها ومنهاجها لا أن يكونوا أمة واحدة ، أي شريعة واحدة ، فالدّين واحد ، فى العقائد ، أى فى الألوهية ، والعمل الصالح – " الإسلام " والجزاء – " الدار الآخرة " – ولكنه فى الشريعة يفتح الباب للتعدد بتعدد الأمم والرسالات ومن ثَمّ فلا مجال  لمَن يأمل واهِماً فى وحدة الشريعة ، التى تُسَمّى تجاوزاً وحدة الدّين .. فالدين واحد ، وما نراه هو تعدد الشرائع أى الملل والأمم .. والتعدد المشروع هو فى الشرائع أى الطرائق والمناهج والفروع ..
لأن هذا الأمل الواهِم ليس صعباً ولا مستحيلاً فقط بدليل تجربة الإنسانية على مَرّ التاريخ ، وإنما هو أيضاً مُعاكِس لإرادة الله !

ثم نقرأ كلمات المُفَسِّرين لهذه الآيات ليطمَئِنّ القلب لِما يستخلِصُه منها أحكام .. فَهُم يقولون فى إرادة الله وحُكمِه بتعدد الشرائع : " .. والشِرعة والشريعة : الطريقة الظاهرة التى يتوصّل بها إلى النجاة .. ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهله والإنجيل لأهله والقرآن لأهله .. وهذا فى الشرائع والعبادات والأصل التوحيد لا خلاف فيه .. " ولَو شَاءَ اللهُ لجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَة " : أي لَجَعَلَ شريعَتَكُم واحدة .. " ولَكِن ليَبلُوَكُم فيما آتاكُم " .. أى ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليختبركم ، والابتلاء : الاختبار ! .. ( الجامع لأحكام القرآن – القرطبي جـ 6 ص 211 ) .            

(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 56 : 58 -  مصدر سابق)

كل ذلك يُثبِتُ بصورة واضحة وحاسمة أن القرآن لم ينسخ التوراة والإنجيل .

6. ويقرر أن اليهود والنصارى ليسوا على شيء من الدّين حتّى يعملوا بالتوراة والإنجيل : فقد جاء فى ( المائدة : 68) :" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ" .

والعجيب ان سفيان الثورى (وهو من هو) اعتبر هذه الآية موجهة للمسلمين ، لذلك قرأها :" لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ" . بدون عبارة "قل يا أهل الكتاب . والذى يؤكد ذلك انه اعتبرها أشد آية عليه ، حيث قال: ما فى القرآن آية أشد علىّ من :"لستم على شئ ..." الآية .

( صحيح البخاري – كتاب تفسير القرآن – (5) تفسير  المائدة . الناشر مكتبة الإيمان بالمنصورة – طبعة 2003)

الأمر الذى جعل د. نيازى عز الدين يعلق ويعتبر أن سفيان كتم ما أنزل الله .. أى عبارة "قل يا أهل الكتاب" .

( كتاب دين الرحمن – الكتاب الثالث : المدخل إلي الحقيقة – الطبعة الأولي 1998 – بيسان للنشر – بيروت – ص. ب : 5261/ 13 – هاتف : 351291 )

7. ويشير إلى ما أعدّه الله لليهود والنّصارَى من طَيِّب الجزاء إذا هُم أقاموا التّوراة والإنجيل:( المائدة 65)

8. ويدعو اليهود والنّصارى إلى التّمسّك بكِتابِهم والاعتصام به والاقتداء بأوامره :

    ( الأعراف : 170 )

9. ويطلب من اليهود أن لا يكفروا بالتوراة : ( البقرة : 41 )

10. ويحثّهم على قراءة التّوراة والعمل بها بجِدٍّ واجتهاد : ( البقرة : 63 )

11. وأَن يؤمنوا بالتوراة كلها وليس بأجزاء منها : ( البقرة : 85 )

يمكن الرجوع لتفاسير الآيات السابقة .. على سبيل المثال (ابن كثير – الجلالين – الطبرى )

كذلك لو كان القرآن ناسخاً للتوراة والإنجيل ما كان :

1.   يوضح أن مكانه أو بعض مكانه من الكتب التى سبقته هو مكان التفصيل من الإجمال :

ففى سورة يونس ، آية ( 37 ) : " وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْءَانُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ "

جاء فى تفسير الجلالين لهذه الآية ( تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) من الكتب ( وَتَفْصِيلَ
الْكِتَابِ ) تَبْيِين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها ( لا رَيْبَ ) شك ( فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) متعلّق بتصديق .  
                  (تفسير الجلالين – سورة يونس – ص 174 - مصدر سابق)

يقول الدكتور محمد عمارة : [ بل إن من آيات القرآن ما يتضح صراحةً عن أن مكانه أو بعض مكانه من الكتب التى سبقته هو مكان " التفصيل من الإجمال " .. " وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْءَانُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ  .. وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ ... "  ( يونس : 37 ) ..

" مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " ( يوسف : 111 )

فعلاوة على أنه تصديق للكتب التى تقدّمَته فهو تفصيل لها " أى تبيين لما فى الكتب المتقدمة " ( الجامع لأحكام القرآن – القرطبي – جـ 8 ص 344 )

ويستطرد الدكتور عمارة قائلاً : كما أنه لا مجال للفكر الذى يقطع الروابط بين الكتب المقدسة بهدف زرع الشِّقاق وتنمية البغضاء بين الذين يجمعهم الإيمان بالله وتتوزعهم الكتب والشرائع التى توالت داعية إلى هذا الدّين .. ]          

(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 46 ، 47 -  مصدر سابق)

 فإذا كان مكان القرآن من الكتب التى سبقته هو مكان التفصيل من الإجمال فكيف ينسخ التفصيل الإجمال ؟! وهل يرضى المسلم أن تنسخ السُّنّة ( التفصيل ) القرآن الذى هو بمثابة الإجمال ؟!

2.   واعتبر التوراة والإنجيل مرجعاً لإزالة الشكوك :

" فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ " . (يونس: 94 )

قال الجلالان : ( فَإِنْ كُنْتَ ) يا محمد ( فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ) من القَصص فرضاً ( فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ) التوراة ( مِنْ قَبْلِكَ ) فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصِدقِه .   

(تفسير الجلالين – سورة يونس – ص 79 - مصدر سابق)
وجاء في تفسير المُنتَخَب : " فإن سَاوَرَك أو ساوَرَ أحداً غيرك شكٌ فيما أنزلنا من وَحْيٍ ، فاسأل أهل الكُتُب السابقة المنزلة على أنبيائهم ، تجد عندهم الجواب القاطع .. فلا تُجَارِ غيرك في الشّك والتردد " .

  ( انظر تفسير المنتخب- سورة يونس ص 302 - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مجمع البحوث الإسلامية – الأزهر الطبعة الثامنة عشر 1995 – طبع وتوزيع مؤسسة الأهرام )

3.   ويبشر بالنجاة جميع مَن تمَسَّك بهَدي نَبِيِّ أو كتاب سابق وانتسب إلى شريعة سماوية ماضية :

" إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَــنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " . ( البقرة : 62 ) وتكررت أي تأكدت فى( المائدة : 69 ) ويعلق دكتور محمد عمارة على الآية قائلاُ : " ... ولقد يحسب البعض – وتلك قضية هامة – أن هؤلاء المُبَشَّرين بالنّجاة من أتباع الشرائع السماوية غير المحمدية هم مَن عاشوا وماتوا قبل البعثة المحمدية ، أما مَن أدرك هذه البَعثة أو جاء بعدها فلن ينجيه الإيمان بالله والآخرة والعمل الصالح إلا إذا هو آمَن بشريعة محمد ، عليه الصلاة والسلام - قد يحسب البعض هذا ولكننا نجد فى القرآن ما يقطع بأن اختلاف الشرائع السماوية حتى بعد البَعثة المحمدية لن يَحول بين فرقائها الذين توزعتهم وبين النّجاة .. فالله سبحانه وتعالى يتحدّث عن طائفة من النّصارى أدركت البعثة المحمدية وقامت بينهم وبين المسلمين " مودّة " وتَخَلَّقوا بخُلُق التّواضع وخَشَعَت قلوبهم لبيان الرسول وبشارته ومع ذلك ظلّوا نصارى بل وقادة فى الشريعة النصرانية " قِسّيسين ورُهْبَاناً " يتحدث عنهم القرآن كنصارى لا كمسلمين ومع ذلك يقول أن الله قد أثابهم بالجنة والخلود فيها :

" وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ "         (المائدة 82 – 85)

فالحديث عن طائفة نصرانية ظلّوا على نصرانيتهم وكانوا أو كان فيهم قسيسين ورهبان آمنوا بالله وبشريعة عيسى التى جاءتهم ( وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ ) – وانطبعت علاقتهم بالمسلمين بطابع المودة والموالاة وكانوا لذلك كله وفى مقدمته تدينهم بشريعة سماوية من أهل المثوبة بالخلود فى الجنّات التى تجرى من تحتها الأنهار .

وفى موطن آخر يتحدث القرآن عن طائفة من أهل الكتاب ، منهم اليهود ومنهم النّصارى آمنوا بالله وتَحَلَّوا بالتّقوَى " وهى الضمير الديني الحي واليَقِظ " وأشار إلى ما أعده الله لهؤلاء المؤمنين من طيب الجزاء إذ هم عملوا بالتوراة والإنجيل وما أنزل إليهم هم من ربهم ووصفهم " بالاقتصاد " أى الاعتدال وذلك دون أن يكونوا من المتدينين بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام .. " ولَو أنَّهُم أقَامُوْا التَّوْرَاةَ والإنْجِيلَ وما أُنْزِلَ إلَيْهِم من ربِّهِم.." ( المائدة 65 ، 66 ) .

ومن مُفَسِّري القرآن الكريم مَن يقول أن المراد بـ " أُنْزِلَ إلَيْهِم من ربِّهِم " كتُب أنبيائهم " وليس القرآن .. وأنهم قد وُصِفوا بـ " الاقتصاد " أى الاعتدال فى العمل على الرغم من عدم إيمانهم بالقرآن ورسوله لأنهم " لم يكونوا من المؤذين المستهزئين بالنبي " وقومه ( الجامع لأحكام القرآن جـ 6 ص 241 ، 242 ) .

(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية –  ص 113 : -116مصدر سابق )

4. وأعلن هيمنته على الكتاب مع التصديق :

ففي ( المائدة : 48 ) : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ " .

يلاحظ هنا أن الهيمنة جاءت مع التصديق " مصدقاً ومهيمناً " فبعد دور التصديق يأتي دور الهيمنة .. فما هي الهيمنة ؟!

قال ابن عباس : ( وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) أي مؤتمناً عليه .

(تفسير ابن كثير – سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 119)

وقال أيضاً : ( المهيمن ) الأمين .                               (المصدر السابق)

وعند قتادة : الهيمنة بمعنى الشاهد.

(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 45 ، 46 -  مصدر سابق)

وعند الحسن البصري : بمعنى المُصَدِّق .                    (المصدر السابق)

يقول د. محمد شحرور : " والهيمنة في اللسان العربي تعني الحفظ والرقابة ، فنقول هيمن الطير على فراخه عندما يفرد جناحيه فوقهم ليحفظهم ، ومنه جاء اسم الله " المهيمن " وهو الحافظ والرقيب .

(الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة – د. محمد شحرور ص -116–سينا للنشر/القاهرة – الأهالي للنشر/دمشق – ص.ب : 9503)

 

وفى تفسير الكشاف للزمخشرى جاء : " ومهيمنا عليه " أى ورقيبا على سائر الكتب، لانه يشهد لها بالصحة والثبات" .

(كتاب مواجهة صريحة بين الاسلام وخصومه – لفضيلة الدكتور عبد العظيم المطعنى الاستاذ بالازهر ص 32 – الناشر : مكتبة وهبة – الطبعة الثانية 2005 م – رقم الايداع 22389/2004 _ الترقيم الدولى 3-202-225-977-وقد نقل الدكتور المطعنى عن الكشاف ج 1 – ص 618 )

فكيف يكون القرآن مهيمناً بهذا المعنى السابق على كتاب منسوخ أصلاً ؟؟؟

هل المهيمن أعظم من المهيمن عليه ؟!

قال بعض العلماء : إن محمداً ( ص ) كان أميناً على القرآن . وقال ابن كثير المعنى صحيح ( سبق ذِكر قول ابن عباس : ( المهيمن ) الأمين .              

(انظر المصدر رقم 217)

وقال الشيخ على عبد الرازق ( قاضي وخريج الأزهر ) عن خليفة المسلمين        (وليس النّبي ) : إنه القائم على دين الله والمهيمن عليه ، والأمين على حفظه .

(الإسلام وأصول الحكم – الشيخ على عبد الرازق– ص3 طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1993– رقم الإيداع 4156/1993- I.S.B.N :s 977 – 01 – 3345 – 0 ) )

وقد حسم القرآن هذه القضية بآيات صريحة واضحة فقرر :

1.   أن لكل أمة من الأمم شريعة وسُنّة :

ففى سورة المائدة آية ( 48 ) : " .. لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً .. " قال ابن حاتم عن ابن عباس : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً " قال سبيلاً .

وروى أبو سعيد عن ابن عباس " وَمِنْهَاجًا " قال : " وسُنّة " وكذا روى الطوخي عن ابن عباس " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " سبيلاً وسُنة وكذا روى عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضّحاك والسدي وابن إسحق السبيعي أنهم قالوا فى قوله : " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " أى سبيلاً وسُنّة . وعن ابن عباس ومجاهد أيضاً وعطاء الخرساني عكسه " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " أي سًنّة وسبيلاً .. وقال ابن كثير : والأول أنسب ، فإن الشِّرعة هى الشريعة أيضاً ...

وقال : ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث الله به رُسُلَه الكِرام من الشرائع المختلفة فى الأحكام المتفقة فى التوحيد كما ثبت فى صحيح البخاري عن أبى هريرة أن النبي ( ص ) قال : " نحن معشر الأنبياء أخوة لعلات ديننا واحد " يعنى بذلك التوحيد الذى بعث الله به كل رسول أرسله وضمه كل كتاب أنزله .. وأما الشرائع فمختلفة فى الأوامر والنواهي ..

وقال سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة : قوله " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " يقول سبيلاً وسنة ، والسنن مختلفة : هى فى التوراة شريعة وفى الإنجيل شريعة وفى الفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ويُحَرِّم ما يشاء ليعلم مَن يطيعه مِمَّن يعصيه ، ولكن الدين واحد الذى لا يقبل الله غيره : التوحيد والإخلاص لله الذى جاءت به الرُّسُل .        

(تفسير ابن كثير - سورة المائدة – المجلد الثالث – ص 120 ، 121 - مصدر سابق)

وجاء فى تفسير الجلالين : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ) أيها الأمم ، ( شِرْعَةً ) شريعة ، (وَمِنْهَاجاً ) طريقاً واضحاً فى الدّين يمشون عليه ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) على شريعة واحدة ، ( وَلَكِن ) فرقهم فِرَقاً ، ( لِيَبلوَكُم ) ليختبِرَكُم ، (فِيْمَا آتاكُمْ ) من الشرائع المختلفة لينظر المُطيع منكم والعاصِي .

(تفسير الجلالين – سورة المائدة – ص 95 - مصدر سابق)

ونفس المعنى يتأكد عندما يقرر القرآن :

2.   أن الأنبياء وإن اتحدوا فى الدّين اختلفوا فى الشرائع والمناهج :

ففى سورة الشورى آية ( 13 ) : " شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ " .

جاء فى تفسير ابن كثير التالي : جاء فى الحديث : " نحن معشر الأنبياء أولاد عِلاَّت ديننا واحد " أى القدر المشترك بينهم هو عبادة الله وحده لا شريك له وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم كقوله تعالى : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " ( المائدة 48 ) . (تفسير ابن كثير – سورة الشورى - المجلد السابع – ص 183 - مصدر سابق)

ويتأكّد أيضاً نفس المعنى عندما يقرر القرآن :

3.   أن لكل أمة مَنسَكاً ليذكروا اسم الله :

ففى سورة الحَجّ آية ( 34 ) : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ "

قال ابن كثير : " يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً فى جميع المِلل".

وقال على ابن أبى طلحة عن ابن عباس ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا ) قال : عيداً .

(تفسير ابن كثير – سورة الحج - المجلد الخامس – ص 430 - مصدر سابق)

وجاء فى تفسير الجلالين ( له أَسلِموا ) انقادوا .      

(تفسير الجلالين – سورة الحج – ص 280 - مصدر سابق)

4.   ولكل أهل دين قِبلة :

ففى سورة البقرة آية ( 148 ) : " وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا "

قال العوفي عن ابن عباس : ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) يعنى بذلك أهل الأديان ، يقول : لكل قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجه المؤمنون .

وقال أبو العالية : لليهودي وِجهة هو مولّيها ، وللنصراني وجهة هو موليها وهداكم أنتم أيتها الأمة للقبلة التى هى القبلة .

وقال ابن كثير : وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى :"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا"،" وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً " فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً ..

(تفسير ابن كثير - سورة البقرة - المجلد الأول – ص 281 - مصدر سابق)

كذلك لو أن القرآن نسخ التوراة والإنجيل ما اعتبر :

السنن السابقة هى هدف الله فى هداية الأمة الإسلامية :

ففى سورة النساء آية ( 26 ) : " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "

قال ابن كثير : ( وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يعنى طرائقهم الحميدة واتِّباع شرائعه التى يحبها ويرضاها .           (تفسير ابن كثير - سورة النساء - المجلد الثانى – ص 233 - مصدر سابق)

وجاء في تفسير الجلالين : ( وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ) طرائق ، ( الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) من الأنبياء فى التحليل والتحريم فتتبعوهم .                 (تفسير الجلالين – سورة النساء – ص 68 - مصدر سابق)

والآية السابقة شبيهة أيضاً بالآية ( 90 ) من سورة الأنعام : " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ " .

قال ابن كثير : ( أُولَئِكَ ) يعنى الأنبياء المذكورين مع مَن أضيف إليهم من الآباء والذُّرّية والإخوان وهم الأشباه ، ( الَّذِينَ هَدَى الله ) أي هم أهل الهِداية لا غيرهم ، (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ) أي اقتَد واتبع .

(تفسير ابن كثير – سورة الأنعام - المجلد الثالث – ص 293 - مصدر سابق)

انظر أيضاً ما قاله د. محمد عمارة فى هذه الآيات [ المائدة 48 ، الشورى 13 ، الحَجّ 34 ، البقرة 148 ] ، وما جاء به من شرح وتفسير العلماء .

(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 61 : 68 -  مصدر سابق)

لذلك :

5.   صحح القرآن بصورة حاسمة الخطأ الذى وقع فيه بعض المسلمين الأوائل وهو أن كتابهم نسخ كل كتاب ودينهم نسخ كل دين :

ففى سورة النساء آية ( 123 ) : " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا "

قال قتادة : ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا وقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : نحن أولى بالله منكم ، نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضى على الكتب التى قبله .. فانزل الله " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ .. " . وكذا روى عن السدى ومسروق والضحّاك وأبى صالح وغيرهم وكذا روى عن العوفي عن ابن عباس أنه قال فى هذه الآية : تخاصَم أهل الأديان فقال أهل التوراة : كتابنا خير الكتب ونبينا خير الأنبياء ، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك، وقال أهل الإسلام : لا دين إلا الإسلام وكتابنا نسخ كل كتاب ونبينا خاتم النبيين وأُمِرتُم وأُمِرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا ، فقضى الله بينهم فقال : " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ .. " .

(تفسير ابن كثير – سورة النساء - المجلد الثانى – ص 369 - مصدر سابق)

وجاء فى تفسير الجلالين : ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب ( ليْسَ ) الأمر منوطاً ( بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ) بل العمل الصالح ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) أما فى الآخرة أو فى الدنيا بالبلاء والمِحَن..                

(تفسير الجلالين – سورة النساء – ص 81 - مصدر سابق)

إذاً من الآية السابقة يتضح الآتى :

1.   عندما افتخر أهل كل دين بنبيه وبكتابه حسم القرآن القضية وقضى بينهم بأن الذى ينفع أى منهم هو العمل الصالح وليس الانتساب لكتاب معيَّن أو السير على شريعة نبي معين إذ اعتبر الكتب كلها كتب الله ..

2.   صحح القرآن الفكرة التى ظنها بعض المسلمين الأوائل خطأً وهى أن كتابهم نسخ كل كتاب .

والآية السابقة شبيهة بالآية ( 177 ) من سورة البقرة : " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ "

قال أبو العالية : كانت اليهود تقبل قِبَل المغرب ، وكانت النصارى تقبل قِبَل المشرق ، فقال الله تعالى : " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " . يقول هذا كلام الإيمان وحقيقة العمل . وروى عن الحسَن والربيع ابن أنَس مثله .

وقال الضحاك : ولكن البر والتقوى أن تؤدّوا الفرائض على وجوهها .

(تفسير ابن كثير – سورة البقرة - المجلد الأول – ص 297 - مصدر سابق)

كذلك تشبه الآية ( 111 – 112 ) من سورة البقرة : " وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " .

والحديث الآتى يلقى الضوء على ما نريد توضيحه : جاء فى البخارى ومسلم والترمذى عن النبي قوله : " مثلى ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة ، فكان مَن دخلها فنظر إليها  قال : ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة . فأنا موضع اللبنة ختم بى الأنبياء عليهم السلام " .

(تفسير ابن كثير - المجلد السادس – ص 423 - مصدر سابق)

فما قبله كامل وحسن بشهادة كل مَن نظر إلى الدار إلا جزءاً يسيراً جداً ( لَبِنَة فى البناء) جاء النبى (ص) ليكمله ، فتكميل البناء شيء وهدمه أو نسخه شيء آخر . فهذا الحديث يفيد استحالة النسخ كما يفيد سلامة ما قبله من كُتُب .

وأخيراً ..

جاء فى ( المائدة : 45 ) : " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "

جاء فى التفسير [ عن الحسن البصرى ] : هى عليهم ( يقصد اليهود ) وعلى الناس عامّةً . لذلك كانت القاعدة الفقهية : " شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا "* . حيث كان الحكم على وفقها فى الجنايات عند جميع الأئمة.

(تفسير ابن كثير – سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 112 - مصدر سابق)

والسؤال : هل ينسخ كتاب سماوي به أحكام وشرائع تخص أهل الأديان الثلاثة ؟‍!

     لذلك لا نتعجب عندما نقرأ أن علي أبي مسلم الأصفهاني وبعض العلماء أنكروا نسخ شريعة النبي     محمد (ص) لجميع ما سبقها من شرائع .

[ النسخ في القرآن بين المؤيدين والمعارضين - ص25 ، 30 – تأليف الشيخ محمد محمود ندا – مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف - مكتبة الدار العربية للكتاب – رقم الإيداع : 8002/1996م – الترقيم الدولي :  977-5366-86-0 – الطبعة الأولى – أغسطس1996م ]

كل ما سبق فى هذا الفصل ينفى بأسلوب قاطع الفكرة التى يظنها البعض خطأً وهى أن القرآن نسخ التوراة والإنجيل !

لهذا الأمر يخبرنا القرآن أن الله احب أن يحافظ على أماكن العبادة عند اليهود والنصارى

 والمسلمين لأن فى الثلاثة يذكر اسمه " تبارك وتعالى" كثيراً :

فيقول في ( الحج : 40 ) : " وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ... " .

جاء في تفسير المنتخب : ولولا أن الله سَخّر للحق أعواناً ينصرونه ويدفعون عنه طغيان الظالمين لَساد الباطل ، وتمادَى الطُّغاة ، وأخمَدوا صوت الحق . ولم يتركوا للنصارى كنائس ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود معابد ، ولا للمسلمين مساجد يُذكر فيها اسم الله ذكراً كثيراً ...                    (تفسير المنتخب – سورة الحج – ص 494 - مصدر سابق)

وفي تفسير الجلالين : ( صَوَامِعُ ) الرهبان ( وَبِيَعٌ ) كنائس للنصارى و ( صَلَوَاتٌ ) كنائس لليهود بالعبرانية ( وَمَسَاجِدُ ) للمسلمين ( يُذْكَرُ فِيهَا ) أي في المواضع المذكورة (اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) وتنقطع العبادات بخرابها

(تفسير الجلالين – سورة الحج – ص 281 - مصدر سابق)

نفس هذه التفاسير ذكرها ابن كثير في تفسيره ونقل عن الضحاك قوله : الجميع يُذكر فيها اسم الله كثيراً .                

(تفسير ابن كثير – سورة الحج - المجلد الخامس – ص 432 ، 433 - مصدر سابق)

إذاً فصوامع الرهبان وكنائس النصارى وصلوات اليهود يُذكر فيها اسم الله كثيراً كما يذكر في المساجد وأن الله يدفع بعض الناس ببعض حتى لا تنقطع العبادات بخراب الأماكن المذكورة ويخمد صوت الحق .

الخلاصة : فالقول بتحريف شريعة لم ينسخها القرآن ، يحمل صاحبه مسؤلية لاهوتية ضخمة تتعارض مع عدل الله ، وقول القرآن بأنه لم يفرق بين احد من رسله ( البقرة: 285 ) ،( ال عمران :84 )

وقوله :"اذ قال الله يا عيسى انى متوفيك ورافعك الى وجاعلاً الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة" .

والآيات القرآنية الآتية قد تلقى بعض الضوء على ما توصلنا إليه من نتيجة فى هذا الفصل :

ففي سورة الرعد آية ( 7 ) : " وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ "

وقوله " وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " قال ابن عباس : ولكل قومٍ داعٍ . وقال مجاهد : أى نبي . كما قال : " وإن مِن أُمَّةٍ إلاّ خَلا فِيْهَا نَذيْر " ( فاطر : 24 ) وبه قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد.

وقال مالك ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) : مَن يدعوهم إلى الله عز وجل .

(تفسير ابن كثير – سورة الرعد - المجلد الرابع – ص 355 - مصدر سابق)

وجاء فى الجلالين : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) : مَن يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون .                   (تفسير الجلالين – سورة الرعد – ص 206 - مصدر سابق)

وفى سورة الجاثية آيات ( 16 – 18 ) : " وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَءَاتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا
اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ "

جاء فى الجلالين : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ ) يامحمد ، ( عَلَى شَرِيعَةٍ ) طريقة ، ( مِنَ الأَمْرِ ) أمر الدّين ..                     (تفسير الجلالين – سورة الجاثية – ص 421 - مصدر سابق)

وفى سورة النحل آية ( 84 ) : " وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ "

جاء فى تفسير الجلالين : ( و ) اذكر ، ( يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ) هو نبيها يشهد عليها ولها يوم القيامة .             (تفسير الجلالين – سورة النحل – ص 228 - مصدر سابق)

وفى سورة النحل آية ( 89 ) : " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ "

جاء فى الجلالين : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) هو نبيهم ،
( وَجِئْنَا بِكَ ) يا محمد ، ( شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ ) أى قومك .  
(المصدر السابق – ص 229)

وفى سورة النحل ( 36 ) : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ "

جاء فى الجلالين : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً " كما بعثناك فى هؤلاء* .

(تفسير الجلالين – سورة النحل – ص 224 - مصدر سابق)

وفى سورة الأنعام آيات ( 154 – 157 ) : " ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ "

جاء فى تفسير الجلالين : .. ( وَهَذَا ) القرآن ، ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ ) ياأهل مكة بما فيه،(وَاتَّقُوا) الكفر ، ( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) أنزلناه لـ ( أن ) لا ، ( تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ) اليهود والنصارى ، ( مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ ) أى أنّا ، ( كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ ) قراءتهم ، ( لَغَافِلِينَ ) لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا .

(تفسير الجلالين – سورة الأنعام – ص 122 - مصدر سابق)

وفى سورة يونس آية ( 47 ) : " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ "

جاء فى تفسير الجلالين : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ ) من الأمم ، ( رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ ) إليهم فكذبوه ، ( قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ) بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صَدَّقه .

(تفسير الجلالين – سورة يونس – ص 175 - مصدر سابق)

 وفى سورة إبراهيم آية ( 4 ) : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "

جاء فى تفسير الجلالين : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ ) بلغة ، ( قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ليُفهِمَهُم ما أتى به .                     

(تفسير الجلالين – سورة إبراهيم – ص 210 ، 211 - مصدر سابق)

وروى مجاهد عن أبى ذر قال : قال رسول الله ( ص ) : " لم يبعث الله عز وجل نبياً إلا بلغة قومه " (مسند الإمام أحمد 5/158 ) .               

(تفسير ابن كثير - المجلد الرابع – ص 397)

وفى سورة النساء آية ( 41 ) : " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا "

جاء فى تفسير الجلالين : ( فَكَيْفَ ) حال الكفار ، ( إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) يشهد عليها بعملها هو نبيها ، ( وَجِئْنَا بِكَ ) يا محمد ، ( عَلَى هَؤُلاءِ* شَهِيدًا ) ( يومئذٍ ) يوم  المجيء **.                       (تفسير الجلالين – سورة النساء – ص 70 - مصدر سابق)

وفى سورة مريم آية ( 97 ) : " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا  لُدًّا "

قال قتادة : " قوماً لدّا " يعنى قريشاً . (تفسير ابن كثير – سورة مريم - المجلد الخامس – ص 265 - مصدر سابق)

وجاء فى تفسير الجلالين : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ ) أى القرآن ، ( بِلِسَانِكَ ) العربى ، ( لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ) الفائزين بالإيمان ، ( وَتُنْذِر ) تُخَوِّف ، ( بِهِ قَوْمًا لُدًّا ) جمع أَلَدّ أى جدل بالباطل وهم كفار مكة .

(تفسير الجلالين – سورة مريم – ص 259 - مصدر سابق)

وفى سورة الجمعة آية ( 2 ) : " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ  ءَايَاتِهِ "

قال ابن كثير : الأميين هم العرب .

(تفسير ابن كثير – سورة الجمعة - المجلد الثامن – ص 141 - مصدر سابق)

وجاء فى الجلالين : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ ) العرب .

(تفسير الجلالين – سورة الجمعة – ص 469 - مصدر سابق)

وفى سورة آل عمران آية ( 164 ) : " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ "

جاء فى الجلالين : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) أى عربياً مثلهم ليفهموا عنه ويشرفوا به لا ملكاً ولا عجمياً ، ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ ) القرآن .

(تفسير الجلالين –  سورة آل عمران – ص 60 - مصدر سابق)

وفى سورة الجاثية آية ( 28 ) : " وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ "

جاء فى تفسير الجلالين : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ ) أى أهل دين .

(تفسير الجلالين – سورة الجاثية – ص 422 - مصدر سابق)

وفى سورة الرعد آية ( 30 ) :  " كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ... "

جاء فى تفسير الجلالين : ( كَذَلِكَ ) كما أرسلنا الأنبياء قبلك ، ( أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) أى القرآن ، ( وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ) حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن .                                      

(تفسير الجلالين – سورة الرعد – ص 208 - مصدر سابق)

وفى سورة الشعراء آية ( 214 ) :  " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ "

وفى سورة يوسف آية ( 2 ) : " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "

جاء فى الجلالين : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا ) بلغة العرب،(لَعَلَّكُمْ)يا أهل مكة ، (تَعْقِلُونَ) تفهمون معانيه. (تفسير الجلالين – سورة يوسف – ص 193 - مصدر سابق)

وروى الإمام أحمد فى مُسنده ( 3/378 ) : عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر إلى رسول الله ( ص ) قال : يا رسول الله ، إنى مررت بأخٍ لى من قريظة ، فكتب لى جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك ؟ قال : فتغير وجه رسول الله ( ص ) – قال عبد الله بن ثابت فقلت له : ألا ترى ما بوجه رسول الله ( ص ) ؟ فقال عمر : رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً  وبمحمدٍ رسولاً . قال فسرّي عن النبي ( ص ) وقال : والذي نفس محمد بيده ،لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حَظِّي من الأمم وأنا حظكم من النبيين" .              (تفسير ابن كثير - المجلد الرابع – ص 296 - مصدر سابق)

وفى سورة الرعد آية ( 37 ) :  " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ "

جاء في تفسير الجلالين : ( حُكْمًا عَرَبِيًّا ) بلغة العرب ، ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ) أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملّتهم فرضاً ، ( بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) بالتوحيد .

(تفسير الجلالين – سورة الرعد – ص 209 - مصدر سابق)

وفى سورة الشعراء آيات ( 193 – 195 ) : " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ "

وفى سورة الزُّمَر آية ( 28 ) : " قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "

وفى سورة فُصِّلَت آيات ( 2 ، 3 ) : " تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "

جاء فى الجلالين : ( لِقَوْمٍ ) متعلق بِفُصلت ، ( يَعْلَمُونَ ) يفهمون وهم العرب .

(تفسير الجلالين – سورة فُصِّلَت – ص 400 - مصدر سابق)

وفى سورة الشورى آية ( 7 ) : " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى* وَمَنْ حَوْلَهَا "

وفى سورة الأحقاف آية ( 12 ) : " وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ "

جاء فى الجلالين : ( كِتَابٌ مُصَدِّقٌ ) لكتب قبله ، ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) حال من الضمير فى مصدق ، ( لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) مشركي مكة .          

(تفسير الجلالين – سورة الأحقاف – ص 424 - مصدر سابق)

وفى سورة الزخرف آية ( 44 ) : " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ "

وفى سورة المؤمنون آية ( 71 ) :  " بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ "

وفى سورة الأنبياء آية ( 10 ) :  " لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "

جاء فى الجلالين : ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ) يا معشر قريش ، ( كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) لأنه بلغتكم ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) فتؤمنون به .    

(تفسير الجلالين – سورة الأنبياء – ص 269 - مصدر سابق)

وقال مجاهد : ( فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) حديثكم . وقال الحسين : دينكم .

(تفسير ابن كثير – سورة الأنبياء - المجلد الخامس – ص 328 - مصدر سابق)

وفى سورة يس آية ( 6 ) : " لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ ءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ "

قال ابن كثير : وقوله تعالى : ( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ ءَابَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ) يعنى بهم العرب ، فإنه ما أتاهم من نذير قبله .          

(تفسير ابن كثير – سورة يس - المجلد السادس – ص 549 - مصدر سابق)

وفى سورة السجدة آية ( 3 ) : " … لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ "

جاء فى أسباب نزول ( العنكبوت : 51 ) : جاء  أناس بكُتُب قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود ، فقال النبى ( صلعم ) : كفى يقوم ضلاله أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم " أوَ لَمْ يَكْفِهِم أَنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتلَى علَيْهِم " .

(لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطى – ص 360 -  مصدر سابق)

لذلك عندما قيل إن معجزة الإسلام التي لم يتحَدَّ الله العرب بمعجزة سواها؛ وهي القرآن في إعجازه اللغوي، كان الرّد : فما حُجَّتُه إذَن على غير العرب؟

كل ما سبق يفرض سؤالاً : هل أخطأ علي أبي مسلم الأصفهاني وبعض العلماء عندما أنكروا نسخ شريعة النبي ( ص ) لجميع ما سبقها من شرائع ؟!      

(كتاب النسخ في القرآن بين المؤيدين والمعارضين – مصدر سابق )

كل ذلك يؤيد قول الدكتور محمد عمارة : فنحن أمام آيات قرآنية كريمة تعلمنا :

أ‌.       أن الله أنزل التوراة شريعة لليهود ، يحكم بها فيهم النّبيون والربانيون والأحبار ..

ب‌.   وأنزل الإنجيل ، شريعة للنصارى ، ليحكموا بينهم بما فيه ..

ج. وأنزل القرآن ، شريعة للمسلمين ، يتحاكمون إليه ، ويحكمون بينهم بما فيه .

د. وأن إرادة الله وسُنّته أن تكون لكل أمة ومِلَّة ، شريعتها ومنهاجها لا أن يكونوا أمة واحدة ، أي شريعة  واحدة ، فالدّين واحد ، فى العقائد ، أى فى الألوهية ، والعمل الصالح – " الإسلام " والجزاء – " الدار الآخرة " – ولكنه فى الشريعة يفتح الباب للتعدد بتعدد الأمم والرسالات ،...

ولأن القرآن لم ينسخ التوراة أو الانجيل .. كان من الطبيعى أن :

1- يوصى القرآن المسلمين بالتوراة والانجيل ..

فقد وَكَّلَ القرآنُ المهاجرين والأنصار وأتباعهم بمراعاة الكتب السماوية كلها إلى يوم القيامة..

جاء في ( الجاثية : 16 ) : " وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " .

وفي ( الأنعام : 89 ) : " أُولَئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ " .

جاء في تفسير الجلالين : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) بمعنى الكُتُب .

(تفسير الجلالين – سورة الأنعام - ص 114 - مصدر سابق)

وجاء في تفسير البيضاوي : يُريد به الجِنس ( جنس الكتاب ) .

(تفسير البيضاوى – سورة الأنعام – الجزء 2 – ص 428 - مصدر سابق)

وجاء في تفسير المنتخب : الكتب المنزلة .    

(تفسير المنتخب – سورة الأنعام – ص 186 - مصدر سابق)

( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ ) : أهل مكة . قاله ابن عباس .

 (انظر تفسير ابن كثير ( 3/292 ) ، الجلالين ص 114 والبيضاوى ج 2 ص 428  و المنتخب  ص 186 – مصدر سابق)

(فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا ) ، قال البيضاوي : أي بمراعاتها .

(تفسير البيضاوى – سورة الأنعام – الجزء الثانى – ص 428 - مصدر سابق)

وقال الجلالان : أي أرصدنا لها .       (تفسير الجلالين – سورة الأنعام – ص 114 - مصدر سابق)

وقال ابن كثير : ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) يعني المهاجرون والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة ( لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) أي لا يجحدون شيئاً منها ولا يردون منها حرفاً واحداً ، بل يؤمنون بجميعها ، محكمها ومتشابهها ، ..

(تفسير ابن كثير – سورة الأنعام – المجلد الثالث – ص 292 ، 293)

وقال السيوطي : يعني أهل المدينة والأنصار أخرجه ابن أبي حاتم عن طريق ابن أبي طلحة .

 (كتاب مفحمات الأقران فى مبهمات القرآن للسيوطى ص 89 – تحقيق إياد خالد الطبّاع – مؤسسة الرسالة – بيروت – الطبعة الثانية 1409هـ - 1988م) .

أي أن القرآن قرر أن مراعاة الكتب المنزلة لم تعد مسئولية أهل الكتاب وحدهم ، بل أصبحت مسئولية المسلمين أيضاً فلو حدث تحريف يكون مسئولية الجميع - خاصة المسلمين لأن القرآن أرصدهم لها ، وخصهم بمراعاتها إلى يوم القيامة - مؤمنين بجميعها محكمها ومتشابهها ، لا يجحدون شيئاً منها ولا يردون منها حرفاً واحداً .

2- أن يخبر القرآن بأن الله تعهد بحفظ جميع الكتب المنزلة ..

ففي ( الحجر : 8 ، 9 ) : " مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ . إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " .

فما هو الذِّكر ؟!

[ 2-1 ] أُطلِقَت كلمة الذِّكر على القرآن أو السنة النبوية :

ففي ( النحل : 44 ) : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " .

فالذّكر هنا : القرآن أو السنة كما يقول البعض .

[ 2-2 ] القرآن مشتمل على الذّكر :

ففي ( ص : 1 ) : " ص وَالْقُرْءَانِ ذِي الذِّكْرِ " .

جاء في تفسير ابن كثير : أي القرآن المشتمل على ما فيه ذِكر العباد .

(تفسير ابن كثير – سورة ص - المجلد السابع –  ص 43 - مصدر سابق)

ويقول د. محمد شحرور في هذا الصدد :

الأداة " ذي " تُستَعمَل للدلالة على صفة الشيء لا على الشيء نفسه كقوله تعالى : " ويسألونك عن ذي القرنَين " ( الكهف : 83 )
وقوله " وفِرعَونَ ذي الأوتاد " ( الفجر : 10 )
ففرعون شيء والأوتاد شيء آخر ..
                   
(الكتاب والقرآن ... – د. محمد شحرور – ص 62 -  مصدر سابق)

إذاً القرآن هنا مشتمل أو متضمن الذِكر وليس هو الذِّكر .

[ 2-3 ] أُطلِقَت كلمة الذِّكر على ( التوراة والإنجيل ) في أكثر من موضِع :

ففي ( النحل : 43 ) : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاً رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " .

ويتأكّد المعنَى عندما تتكرر الآية في ( الأنبياء : 7 ) .

قال ابن عباس : المراد بأهل الذِّكر : أهل الكتاب .

(تفسير ابن كثير – سورة النحل - المجلد الرابع – ص 492 - مصدر سابق)

وقال مجاهد والأعمش : أهل الكتاب .               (المصدر السابق)

وقال الجلالان : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) العلماء بالتوراة والإنجيل .

(تفسير الجلالين – سورتَي النحل والأنبياء – ص 224 ، 269)

ومعنى هذا أن الذكر هو التوراة والإنجيل .

وفي ( الأنبياء : 105 ) : " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " . قال ابن عباس وكثير من العلماء : الزبور الذي أُنزِل على داود ، والذِّكر التوراة .

(تفسير ابن كثير – سورة الأنبياء - المجلد الخامس – ص 379 - مصدر سابق)

وجاء في تفسير المنتخب : من بعد الذِّكر : من بعد التوراة .

(تفسير المنتخب – سورة الأنبياء – ص 485 - مصدر سابق)

وفي ( الصافات : 167،168 ) : " وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ . لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ " .

قال الجلالان : ( لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا ) كتاباً ( مِنَ الأَوَّلِينَ ) أي من كتب الأمم
الماضية
.
                            (تفسير الجلالين – سورة الصافات – ص 379 - مصدر سابق)

وجاء في تفسير المنتخب : ( ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ ) كالتوراة والإنجيل .

(تفسير المنتخب – سورة الصافات – ص 672 - مصدر سابق)

وقال ابن كثير : ذِكراً من الأولين : كتاب الله .

وفي ( الأنبياء : 24 ): "... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ..." .

جاء في تفسير ابن كثير : ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) يعني الكتب المتقدمة .

(تفسير ابن كثير – سورة الأنبياء - المجلد الخامس – ص 330 - مصدر سابق)

وفي تفسير الجلالين : ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) من الأمم وهو التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله .                        (تفسير الجلالين – سورة الأنبياء – ص 270 - مصدر سابق)

ومن تفسير المنتخب : ( وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ) كتب الأنبياء قبلي ..

(تفسير المنتخب – سورة الأنبياء – ص 475 - مصدر سابق)

إذاً ، نَخلُص من هذه النقطة أن الذِّكر

هو التوراة والإنجيل كتاب الله أو كتب الأنبياء المتقدمة على القرآن كما أوضحت التفاسير .

[ 2-4 ] معاني أخرى للذِّكر :

ففي ( يس : 69 ) : " إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ " .

جاء في تفسير الجلالين : ( إلا ذِكر ) عِظة .       

(تفسير الجلالين – سورة يس – ص 373 - مصدر سابق)

وفي ( الرعد : 39 ) : " وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " .

قال ابن عباس : ( عنده أم الكتاب ) الذِّكر .

(تفسير ابن كثير – سورة الرعد - المجلد الرابع – ص 392 - مصدر سابق)

وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .                          (المصدر السابق)

وقال الجلالان : أصله الذي لا يتغير منه شيء وهو ما كتبه في الأزل .

(تفسير الجلالين – سورة الرعد - ص 210 - مصدر سابق)

وفي سورة ( ص : 87 ) : " إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ " .

جاء في تفسير الجلالين : ( إلا ذكر ) عِظة .

(تفسير الجلالين –  سورة ص – ص 385 - مصدر سابق)

وفي ( المرسلات : 5 ) : فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا " .

جاء في تفسير الجلالين : أي الملائكة تنزل بالوحي إلى الأنبياء أو الرسل يلقون الوحي إلى الأمم ..              (تفسير الجلالين – سورة المرسلات – ص 497 - مصدر سابق)

وعن أبي صالح أنه قال : ( الملقيات ) الملائكة .

(مفحمات الأقران فى مبهمات القرآن للسيوطى – ص 203 -  مصدر سابق)

وجاء في تفسير ابن كثير : يعني الملائكة تنزل بأمر الله على الرسل وتلقي إلى الرسل وحياً.

(تفسير ابن كثير – سورة المرسلات - المجلد الثامن – ص 321 - مصدر سابق)

فواضح هنا أن الذكر هو الوحي بصفة عامة .

وفي ( الصافات : 3 ) : " فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا " .

قال السدي : الملائكة يجيئون بالكتاب وبالقرآن من عند الله إلى الناس . وهذه الآية كقوله تعالى : فالملقيات ذِكراً ( المرسلات : 5 ) .

(المصدر السابق – سورة الصافات - المجلد السابع – ص3)

فالذِّكر أيضاً هنا هو الوحي عموماً ( يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس ) .

[ 2-5 ] الذِّكر هو الكتب السماوية :

ففي ( الشعراء : 5 ) : " وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ " .

جاء في تفسير ابن كثير : أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس ..                    
                              (
المصدر السابق – سورة الشعراء - المجلد السادس – ص 145)

ويتأكد المعنى في ( الفرقان : 18 ) : " ... وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَءَابَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا .. " .

جاء في تفسير ابن كثير : ( حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ) أي نسوا ما أنزلته إليهم على ألسِنة رُسُلِك .

(المصدر السابق – سورة الفرقان - المجلد السادس – ص 108)

إذاً اتضح المقصود بقوله : ما نُنَزِّل الملائكة إلا بالحق ... إنّا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون " .

بمعنى أن الله قد تعهد بحفظ كلامه والوحي الذي تَنزِل به الملائكة ومنه التوراة والإنجيل .

ومعلوم فى الاسلام ان الذى نزل بالقرآن ملَك واحد وهو جبريل وليس ملائكة !

ويؤكد ذلك قول القرآن : " لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله " ( يونس : 64 ) والتي فسرها جمهور علماء المسلمين بعدم إمكانية تحريف القرآن كما تَدَّعِي الشِّيعَة .

[ كتاب الشيعة الاثنى عشرية في الأصول والفروع – أ.د/ علي أحمد السالوس – أستاذ الفقه والأصول – بكليات الشريعة – ج2 – ص149 – دار التقوى للنشر – رقم الإيداع : 5573/1997م – الترقيم الدولي : ISBN 977-5242-24-x ] .

نضيف إلى ما سبق وأوضحناه في هذه النقطة ما قاله المستشار محمد سعيد العشماوي في هذا الموضوع قال :

فلفظ " الذِّكر " في القرآن لا يعني القرآن ذاته دائماً . فهو قد يعني ذكر الله عموماً
( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) . ( الحجر : 9 ) .

وقد يعني القرآن ( النحل : 44 ) وقد يعني التوراة ( الأنبياء : 105 ) ...

والآية التي يستند إليها الراغبون في احتكار الدين والهادفون إلى فرض وِصايَتَهم على المسلمين ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) تعني فاسألوا أهل التوراة والإنجيل ...

وبطبيعة الحال لم يكن في عصر النبي - وعند نزول الآية - في العهد المكّي - رجال دين إسلامي ولا فقهاء في الإسلام ، ولا علماء ، ولا غير ذلك ، فكل هؤلاء إنما جاءوا بعد وفاة النبي ...

(الإسلام السياسى – المستشار محمد سعيد العشماوى – دار سينا للنشر – ص 62 ، 63 – الطبعة

8701/1987

977-103-385-9

 

 

 

 


 

                        الثالثة 1992م - رقم الإيداع                       )

إذا كان هناك مَن يُصِرّ بعد كل هذا على أن المقصود بآية الحفظ ( الحجر : 9 ) القرآن فقط نقول له ما قاله ابن كثير توضيحاً لحديث للبخاري وفي تفسير ( الرعد : 31 )  قال :

" وقد يُطلَق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة ، لأنه مشتق من الجميع " .

(تفسير ابن كثير – سورة الرعد - المجلد الرابع – ص 382 – انظر أيضاً المجلد الخامس ص 85 - مصدر سابق)

نتيجة للثلاث نقاط السابقة - كان من الطبيعي أن ..

- كثير من علماء المسلمين في القديم والحديث يستشهدون ببعض الآيات من التوراة والإنجيل لإظهار صفة النّبي ( ص ) . وإن دّلّ ذلك فإنما يدل على اعتقادهم بسلامة الكتاب ، خاصة وأن تهمة التحريف تنصَبّ أساساً على قيام علماء التوراة والإنجيل بإزالة صفة النّبي ( ص ) من الكتاب .

وكان من الطبيعي أيضاً أن ..

- يقول ابن كثير ( 700 774هـ ) : ولم تَزَل صفاته ( يقصد النبي ( ص ) ) موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم ..                   

(المصدر السابق - المجلد الثالث – ص 481)

وكان من الطبيعي أن ..

لا يوجد لدى المسلمين نسخة واحدة من التوراة والإنجيل تخالف النُّسَخ الموجودة لدى اليهود والنصارى حالياً .

فأهل الكتاب الذين أسلموا في عهد النبي ( ص ) لم يتركوا كتاباً يخالف الكتاب الحالي . حيث قيل أن ( الأعراف : 157 ) " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ " قد جاءت فيهم.

ومعنى ذلك أن هؤلاء قد آمنوا بالنبي ( ص ) عن طريق التوراة والإنجيل - فمن غير المقبول ولا المعقول أن جميع هؤلاء وأتباعهم لم يحتفظوا بالكتاب السماوي الذي قادهم إلى الإيمان بالنبي ( ص ) مُظهِراً صفاته !

فالنصارى مثلاً احتفظوا بالتوراة التي قادتهم إلى الإيمان بالمسيح وقدّسوها لذلك - ولأنها دليل تحقيق النبوات في المسيح شاهدة على صِدقِه وصِدق رسالته . الأمر الذي يستحيل معه قيام اليهود بتحريف التوراة بعد المسيح أو إزالة الآيات التي بَشّرَت به .

وكان من الطبيعي أن ..

يشهد كبار علماء الصحابة بسلامة التوراة والإنجيل ككـلام الله مـن أن يُمَس أو يُحَرَّف في أي زمان :

قال وهب ابن منبه* : إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله لم يغير منهما حرف ، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل ، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ( ويقولون من عند الله وما هو من عند الله ) فأما كُتُب الله فإنها محفوظة ولا تحول . رواه ابن أبي حاتم .

(تفسير ابن كثير -  سورة آل عمران - المجلد الثانى – ص 54 – مصدر سابق )

وقال ابن عباس : إنهم يحرفون ويزيدون . وليس أحد من خلق الله يزيل لفظ كتاب من كتب الله ، لكنهم يحرفونه : يتأولونه على غير تأويله .           

(رواه البخاري عن ابن عباس - المصدر السابق – نفس الصفحة )

ملحوظة : كلمة يزيدون واضح أن المقصود بها ( كتباً كانوا يكتبونها من عند
أنفسهم ) كما قال وهب وكما هو واضح من تفسير البقرة 78،79
والذي فعل ذلك أناس
من اليهود وليس جميع اليهود .

لذلك يقول د. رشيد الخَيّون : " ثمة حقيقة يُفترَض أن نضعها نُصب أعيننا عند معاينة الكتب المقدسة أو السماوية الأخرى ، فما دامت تعتبر من السماء ، بصفتها كلام الله ، حسب ما ورد في القرآن والحديث ، فمن الصعب بمكان تصديق رواية تحريفها . ويبدو لي أن تفسير الآيات الخاصة بأحوال أهل الكتاب تحتاج إلى تأويل يرقى بها إلى مستوى الاعتراف بكتبهم وتسميتهم من قِبَل المسلمين بأهل الكتاب . إن الإقرار بديانة يُدان بها من جهة ، واعتبارها محرفة من جهة أخرى يضعنا في تناقض بائِن .

[ كتاب جدل التنزيل مع كتاب خلق القرآن للجاحظ ص55 – منشورات الجمل – كولونيا – ألمانيا – (50527 Koln, Germany - Pöst fach 210149 ) – توزيع دار مصر المحروسة – ومكتبة مدبولي - قصر النيل ] .

ويقول د. محمد شحرور* :

" إنّي لأَعْجَبُ تمام العجب كيف ظَنّ الفقهاء والمفسرون أن الذي بين يديه هما التوراة والإنجيل فبذلك قصموا ظهر نبوة محمد ( صلعم ) حين أكدوا أنها ما جاءت إلا لتخبر الناس أن التوراة والإنجيل الموجودَين في بداية القرن السابع الميلادي حين نزول القرآن هما صحيحان لا أكثر من ذلك ولا أقل من ذلك !

وإذا كان هذا هو الهدف من نبوة محمد فقط ، فأعتقد أن أشد اليهود والنصارى تَزَمُّتاً وتعصُّباً سيؤيدون ذلك لأن كل من التوراة والإنجيل الحاليَّين هُما نفس التوراة والإنجيل في القرن السابع .

والأجدر بنا حينئذٍ نحن المسلمون أن نعتنق اليهودية أو النصرانية !! لأن الهدف من نبوة محمد ( صلعم ) هو تصديق العهد القديم والعهد الجديد المعروفَين في القرن السابع ؟ ..

ولو كان القرآن مصدقاً لما قبله بهذا المفهوم للَزِم بالضرورة أن يحتوي الكتاب عند المسلمين :

كتاب موسى ( الشريعة ) + التوراة + الإنجيل + القرآن + شريعة محمد .

(الكتاب والقرآن ... – د. محمد شحرور – ص 88 ، 89 -  مصدر سابق)

نختم هذه القضية بشهادة ابن تيمية (شيخ الإسلام) للتوراة والإنجيل:

وتحت عنوان "ابن القيم جرياً وراء شيخه يقول لم يُذكَر اسم محمد أو أحمد في كُتُب أهل الكتاب وأن ما في أيديهم لم يُحَرَّف" جاء :

قال ابن القيم في هداية الحيارَى (1/42) متأثراً بكلام شيخه (ابن تيمية) في "الجواب الصحيح" (فصل: قال السائل: مشهور عندكم في الكتاب والسنة أن نبيكم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، لكنهم محوه عنهما لسبب الرياسة، والمأكلة. والعقل يستشكل ذلك. أفكلهم اتفقوا على محو اسمه من الكتب المنزلة من ربهم شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً ؟ هذا أمر يستشكله العقل أعظم من نفيهم بألسنتهم، لأنه يمكن الرجوع عما قالوا بألسنتهم. والرجوع عما محَوا أبعَد. والجواب أن هذا السؤال مبني على فهم فاسد وهو أن المسلمين يعتقدون أن اسم النبي (صلى الله عليه وسلم) الصريح – وهو محمد بالعربية – مذكور في التوراة والإنجيل، وهما الكتابان المتضمنان لشريعتين وأن المسلمين يعتقدون أن اليهود والنصارى في جميع أقطار الأرض محوا ذلك الاسم وأسقطوه جملة من الكتابين وتواصوا بذلك بُعداً وقُرباً وشرقاً وغرباً، وهذا لم يقله عالم من علماء المسلمين ولا أخبر الله سبحانه به في كتابه عنهم ولا رسوله ولا بكتهم به يوماً من الدهر ولا قاله أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا الأئمة بعدهم، ولا علماء التفسير، ولا المعتنون بأخبار الأمم وتواريخهم. وإن قُدّر أنه قاله بعض عوام المسلمين – يقصد به نصر الرسول – فقد قيل يضر الصديق الجاهل أكثر مما يضر العدو العاقل). أهـ

ثم قال أيضاً:

(فالرب سبحانه إنما أخبر عن كون رسوله مكتوباً عندهم – أي: الإخبار عنه وصفته ومخرجه ونعته – ولم يخبر بأن صريح اسمه العربي مذكور عندهم في التوراة والإنجيل، وهذا واقع في الكتابَين كما سنذكر ألفاظهما إن شاء الله. وهذا أبلغ من ذكره (‍‍‍!!!) فإن الاشتراك قد يقع في الاسم فلا يحصل التعريف والتمييز، ولا يشاء أحد يُسَمى بهذا الاسم أن يدعي أنه هو إلا فعل، إذ الحوالة إنما وقعت على مجرد الاسم وهذا لا يحصل به بيان ولا تعريف ولا هُدَى، بخلاف ذكره بنعته وصفته وعلاماته ودعوته وصفة أمته ووقت مخرجه). أهـ كلام ابن تيمية بحروفه.

(كتاب أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله (ص) وأهل بيته - تأليف د. محمود السيد صبيح – ص378- طبعة أولى 2003- رقم الإيداع: 3558/2003 – الترقيم الدولي: ISBN:977-17-0793-0  )

كذلك قال فضيلة الشيخ الداعية محمد الأسوانى الرئيس العام لـ مجله "روح الاسلام" :

" ابن تيمية واتباعه لا يقرون بتحريف الكتب السماوية السابقة "

(مجلة روح الاسلام – السنة الاولى – العدد الخامس- 15 ربيع الثانى 1428هـ)

يقول الدكتور محمد حسين علي الصغير ( أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الكوفة ) :

" على مُدَّعِي التَّحرِيف أن يُحَدِّد زَمَن وقوع التَّحريف كافتراض أوَّلِي لإثارَة أصل المشكلة ، وإذا أخفق في تحقيق هذا الافتراض بَطلت الدَّعوَى من الأساس " .

[ تأرِيخ القرآن – دار المُؤَرِّخ العربي – بيروت – لبنان – ص 151 – طبعة أولى 1999م – 1420هـ - ص . ب : 124/24 ]             

الآيات القرآنية التى يستخدمها البعض

 لإلصاق التحريف للكتاب المقدس

1.      البقرة : 75 : " أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " .

قال ابن كثير في التفسير : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) أي ينقادوا لكم بالطاعة ، هؤلاء الفِرَق الضالة من اليهود ، الذين شاهد آباؤهم من الآيات ما شاهدوه ، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك . (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ) أي يتأولونه على غير تأويله* ( مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ) أي فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة . وقال ابن عباس : وليس قوله يسمعون [ كلام الله ] : يسمعون التوراة . كلهم سمعها . ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .

(تفسير ابن كثير - سورة البقرة - المجلد الأول - ص 164 - الطبعة السابقة)

والذين سألوا موسى رؤية ربهم قال عنهم أبو جعفر عن الربيع ابن أنَس : هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه . قال : فسمعوا كلاماً ، فقالوا : ( لن نؤمن حتى نرى الله جهرة ) قال : فسمعوا صوتاً فصعقوا ، يقول : ماتوا .

(المصدر السابق – ص 132)

هم إذن فريق من اليهود ( سبعون ) كانوا مع موسى وأولوا كلام الله الذي سمعوه وهم مع موسى على غير تأويله وخالفوه من بعد أن فهموه على الجلية .. فأين هذا من تحريف الكتاب ( توراة وإنجيل ) ؟!

2. البقرة : 101 : " وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ " .

[ قال ابن كثير : .. ( وراء ظهورهم ) ، أي تركوها كأنهم لا يعلمون ما بها ، وأقبلوا على تعلّم السِّحر واتباعه .

قال قتادة : ( كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) ، قال : أن القوم كانوا يعلمون ، لكنهم نبذوا علمهم وكتموه وجحدوا به ] .

(المصدر السابق – ص 192 ، 193)

يقول د. محمد عمارة : " فليس صحيحاً ما يتصوره البعض من أن القرآن لم يعترف بما كان في أيدي أهل الكتاب ، عند نزوله ، من كتاب ، لأن ما أنكره القرآن عليهم في هذا الباب هو التحريف بالتأويل والتقليد ، وهُم لم ينبذوا كل كتابهم بل نبذوا بعضه ، والذي صنع ذلك فريق منهم وليس جميعهم ، وفريق من الذين لم ينبذوا التوراة ظلّوا قائمين على العمل بها دون أن ينخرطوا في موكب الشريعة المحمدية ، ومع ذلك بَشّرهم القرآن بالنجاة.

والإمام محمد عبده يقول في تفسيره للآية : وليس المقصود بنبذ الكتاب وراء
ظهورهم ، أنهم طرحوه برمته ، وتركوا التصديق به في جملته وتفصيله ، وإنما المراد أنهم طرحوا جزءاً منه ، وهو ما يُبَشِّر بالنبي ( ص ) ويبين صفاته ويأمرهم بالإيمان به
واتباعه ، أي فهو تشبيه لتركهم إياه وأفكاره بمَن يلقي الشيء وراء ظهره حتّى لا يراه
فيتذكّره ... "          
(د. محمد عمارة – الإسلام والوحدة الوطنية – ص 44 ، 45 – مصدر سابق)

قال بعض العلماء : إن هذه الآية تدل على أن التحريف معنوي لا لفظي*

فأين هذا من تحريف الكتاب ؟!

3. آل عمران : 187 : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً …… " الآية .

قال الجلالان : ( إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) أي العهد عليهم في التوراة
( لَتُبَيِّنُنَّهُ ) أي الكتاب ( لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) أي الكتاب بالياء
والتاء في الفعلَين ( فَنَبَذُوهُ ) طرحوا الميثاق ( وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ) فلم يعملوا به .

(تفسير الجلالين –  سورة آل عمران – ص 62 -  مصدر سابق)

فالنَبذ ( أي عدم العمل بالميثاق ) وهو تبيين التوراة للناس شيء وتحريف التوراة شيء آخر .

من ناحية أخرى لو كانت التوراة مُحَرّفة لَما أمرهم الله أن يبينوها للناس !

4. البقرة : 85 : " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ... " الآية .

بالرجوع للتفاسير نجد أن هذه الآية بعيدة كل البُعد عن التحريف - والموضوع أن يهود المدينة ( يثرب ) كانوا يتسافكون دماءهم بينهم ، فريق منهم مع الأوس وفريق مع الخزرج في حربهم وهُم أهل كتاب ، والأوس والخزرج أهل شِرك . لذلك وبّخَهم القرآن . كما أن بأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم ، ومع ذلك يخالفون . ( انظر تفسير ابن كثير 1/173،174 ) .

فالتوراة سليمة لكن يهود المدينة ( يثرب ) يخالفون بعض أحكامها .

5. المائدة : 15 : " يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ " .

جاء في التفسير : روى الحاكم في مُستَدرَكِه .. عن عكرمة عن ابن عباس قال :
" مَن كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قوله ( يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ) ، فكان الرجم مما أخفوه . ثم قال : صحيح الإسناد . ولم يخرجاه .

(تفسير ابن كثير - سورة المائدة - المجلد الثالث - ص63 - الطبعة السابقة)

وبالنظر إلى قصة الرجم هذه - النقطة [9] السابقة - يتبين معنى الإخفاء حيث كانت التوراة صحيحة كاملة ولكن الفتى اليهودي وضع يده على آية الرجم وهو يقرأ التوراة . فأين هذا من التحريف ؟!

6. النساء : 46 : " مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ " .

قال ابن كثير : وقوله ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) أي يتأولون الكلام على غير تأويله ، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل ، قصداً منهم وافتراءً .

(تفسير ابن كثير – سورة النساء - المجلد الثانى – ص 284 - الطبعة السابقة)

فالتوراة سليمة ولكن التفسير بغير مراد الله . والذي فعل ذلك بعض اليهود ( من الذين هادوا ) .

7 . المائدة : 13 : " يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ .. " الآية

قال ابن كثير ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) أي فسدت فهومهم ، وساء تصرفهم في آيات الله ، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله الله وحملوه على غير مراده ، وقالوا عليه ما لم يقُل . عياذاً بالله من ذلك ، ( وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) أي تركوا العمل ( به ) رغبةً
عنه .          (
تفسير ابن كثير -  سورة المائدة - المجلد الثالث – ص 62 - الطبعة السابقة)

أين هذا من التحريف ؟!

8. المائدة : 41 : " وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ .. " الآية .

جاء في تفسير ابن كثير : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) أي يتأولونه على غير تأويله ، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون . والصحيح أنها نزلت في اليهوديَّين اللذَين زَنَيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم ، من الأمر برجم مَن أحصَن منهم ، فحرفوا واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة ، والتحميم والإركاب على حمار مقلوبَين .

(المصدر السابق – ص 105)

وبالنظر إلى قصة الرجم هذه النقطة [ 9 ] نرى ما يقصده المفسر من التبديل والتحريف في هذه النقطة ، فهو بعيد كل البُعد عن معنى التحريف بالزيادة والنقصان كما وأن هذه القصة بالذات تثبت سلامة التوراة وصحتها وإلا ما حكم فيها نبي الإسلام على اليهوديَّين اللذَين زنيا بموافقة حكم التوراة .

يقول سماحة الإمام السيد علي الأصفهاني :

" وقد يُستَدَل على التحريف بما ورد في ( النساء : 46 ) : " مِن الَّذِيْنَ هَادُوا يُحَرِّفُوْنَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ " ، و ( المائدة : 13 ) " يُحَرِّفُوْن الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ونَسُوا حَظَّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِه " ، و ( المائدة : 41 ) : " يُحَرِّفوْن الكَلِمَ مِن بَعْد مَوَاضِعِه يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيْتُمْ هَذَا فَخُذُوْه " . وهذا النحو من الاستدلال ضعيف جداً ، لأن الآيات المذكورة وردت في شأن اليهود والمراد من التحريف فيها : التأويل الباطل أي المعنوي ، فراجِع التفاسير " .

(كتاب آراء حول القرآن ص131 – دار الهادي – غبيري – بيروت – لبنان – ص.ب : 286/25)

9. آل عمران : 87 : " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " .

جاء في تفسير ابن كثير : يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله أن منهم فريقاً يُحَرّفون الكَلِم عن مواضعه ويُبَدّلون كلام الله ويُزيلونه عن المراد به ، ليوهموا الجَهَلة أنه في كتاب الله كذلك ، وينسبونه إلى الله ، وهو كذب على الله ، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله .

(ابن كثير - مصدر سابق - المجلد الثانى – ص 54)

وعبارة ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) دليل على صحة ما بأيديهم لكنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ليخدعوا الجَهَلة . والذي فعل ذلك فريقٌ من يهود الجزيرة العربية وليس كل اليهود.

وجاء في تفسير المنتخب : وإن من هؤلاء فريقاً يميلون ألسنتهم فينطقون بما ليس من الكتاب ، محاولين أن يكون شبيهاً له ، ليحسبه السامع من الكتاب وما هو منه في شيء . ويدّعون أن هذا من عند الله وما هو من عند الله وما هو من الوحي في شيء . وهم بهذا يكذبون على الله ، وهُم في أنفسهم يعلمون أنهم كاذبون .

(تفسير المنتخب -  سورة آل عمران – ص 83 - الطبعة السابقة)

وجاء في تفسير الجلالين : ( يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ) أي يعطفونها بقراءته عن المُنَزَّل ...                (تفسير الجلالين –  سورة آل عمران – ص 50)

فأولاً : إن الذي فعل ذلك فريق من اليهود وليس جميعهم .

ثانياً : ما فعلوه تحريف الكلم عن مواضعه وإزالته عن المراد به المُنزَل .

وهذا بعيد كل البُعد عن تغيير التوراة أو تحريفها بل العكس .. ذلك يُثبت صحة التوراة وأن المشكلة في تفسير بعض اليهود ليخدعوا الجَهَلة .

10. البقرة : 78 ، 79 : " وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ . فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُون " .

جاء في تفسير ابن كثير : يقول تعالى ( ومنهم أميّون ) أي : ومن أهل الكتاب ، قال مجاهد : والأميّون جمع أمي ، وهو الرجل الذي لا يُحسِن الكتابة ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى : ( لا يعلمون الكتاب ) أي : لا يدرون ما فيه .

وقال ابن جرير : روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ( منهم أميّون ) قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله ، ولا كتاباً أنزله الله ، فكتبوا
كتاباً بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جُهّال : هذا من عند الله . وقال قد أُخبر أنهم يكتبون
بأيديهم ، ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورُسُلِه ، ...

وقوله تعالى ( إِلا أَمَانِيَّ ) قال ابن طلحة عن ابن عباس : ( إِلا أَمَانِيَّ ) إلا أحاديث . وقال الضحاك عن بن عباس في قوله ( إِلا أَمَانِيَّ ) يقول : إلا قولاً يقولونه بأفواههم كَذِباً . وقال مجاهد : إلا كذباً .

وقال سنيد ، عن حجاج عن مجاهد ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ ) : قال أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً ، وكانوا يتكلمون بالظّن بغير ما في كتاب الله ، ويقولون هو من الكتاب ، أماني يتمنونها . وعن الحسن البصري نحوه .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( إِلا أَمَانِيَّ ) قال : تمنوا فقالوا نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم ..

قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس ، وقول
مجاهد .
             (تفسير ابن كثير - سورة البقرة - المجلد الأول – ص 167 - الطبعة السابقة)

وواضح من قول مجاهد وقول الضحاك عن ابن عباس الربط بين الآيتين ( البقرة : 78 ، 79 ) والذي تأكد بـ " فاء العطف " .

فرغم أن الآية ( 79 ) معطوفة على الآية ( 78 ) كما هو واضح من كلمة " فويل " ومن التفاسير إلا أن هناك بعض التفسيرات للآية ( 79 ) بمعزِل عن الآية ( 78 ) .

ففي تفسير الآية ( 79 ) قال سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن علقمة :

سألت ابن عباس عن قوله تعالى : ( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) قال : نزلت في المشركين وأهل الكتاب .

أما السدي فقال في تفسير هذه الآية : كان أناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم ، يبيعونه للعرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا به ثمناً قليلاً .

(المصدر السابق – ص 168)

وقول ابن عباس : نزلت في المشركين وأهل الكتاب دليل على أن حكم الآية عام في أي أحد يحاول أن يكتب كتاباً ثم ينسبه إلى الله ليشتري به ثمناً قليلاً (أي ليأخذ به ثمناً قليلاً) . وهذا واضح من مدلول ألفاظ الآية ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ) . لذلك قال د. محمد شحرور : ففي هذه الآية يحذّر الله الناس ( أي أية ناس ) أن يكتبوا الكتاب بأيديهم ويقولوا هذا من عند الله .

(الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة – د. محمد شحرور – ص 179 - مصدر سابق)

على أية حال سواء كانوا قوماً لم يصدّقوا رسولاً أرسله الله ولا كتاباً أنزله الله فكتبوا بأيديهم كتاباً ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله كما روى الضحاك عن ابن عباس واختاره ابن جرير أو أنهم أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً ، وكانوا يتكلمون بالظّنّ بغير ما في كتاب الله ، ويقولون هو من الكتاب كما قال مجاهد أو أنهم قالوا نحن أهل الكتاب وليسوا منهم كما قال عبد الرحمن بن زيد أو أنهم أناس من اليهود ( وليس كل اليهود ) كما قال السدي .. فهُم ليسوا أهل الكتاب الذين تكلمنا عنهم والذين يتلون الكتاب حق تلاوته ( البقرة : 121 ) وليس هم العلماء بالتوراة والإنجيل (أهل الذِّكر ) – انظر النقطة [14] .

والآيتان لا يشيران من قريب أو بعيد إلى أن التوراة والإنجيل لحقهما التحريف لأن قيام بعض الناس بكتابة كُتُبٍ ينسبونها لله بغرض الكَسب شَيءٌ ، واتفاق اليهود والنصارى بعلمائهم على تحريف التوراة والإنجيل شيء آخر !

لذلك ..

قال وهب ابن منبه* : إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله لم يغير منهما حرف ، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل ، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ( ويقولون من عند الله وما هو من عند الله ) فأما كُتُب الله فإنها محفوظة ولا تحول . رواه ابن أبي
حاتم .
          (تفسير ابن كثير- سورة آل عمران - المجلد الثانى – ص 54 - الطبعة السابقة)

وقال ابن عباس : إنهم يحرفون ويزيدون . وليس أحد من خلق الله يزيل لفظ كتاب من كتب الله ، لكنهم يحرفونه : يتأولونه على غير تأويله .

(رواه البخاري عن ابن عباس - المصدر السابق – نفس الصفحة)

ملحوظة : كلمة يزيدون واضح أن المقصود بها ( كتباً كانوا يكتبونها من عند
أنفسهم ) كما قال وهب وكما هو واضح من تفسير البقرة 78،79
والذي فعل ذلك أناس
من اليهود وليس جميع اليهود .

وضح الآن أن التحريف الذي يعنيه القرآن هو التأويل بغير ما في كتاب الله . أما كتاب الله فهو صحيح سليم لا يُحَوَّل ولا يُمَس .

وكلمة التأويل في اللغة العربية معناها هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله ( انظر كتاب " التعريفات " للشريف الجرجاني طبعة القاهرة 1938م ) .


* لغوياً : كلمة " الكتاب " معرفاً بالألف واللام تفيد عظمته وأنه جامع لكل شيء . وهذا الكلام يؤكده القرآن كما سنرى بعد قليل .

* أعتقد أن ابن جرير اختار رواية أبى زرعة عن عكرمة ( أنهما التوراة والإنجيل ) لأن الكلام مُوَجَّه لمشركي قريش أي في المرحلة المكية حيث كان القرآن في بدايته ( بدون معظم الأحكام ) .

* البخاري – كتاب الأنبياء : 4/194 ، 195 .

*  على سبيل المثال – الشريعة الإسلامية تعمل برجم الزانى الموجود فى التوراة رغم أن هذا الحكم غير موجود بالقرآن .

*  يقصد العرب

* يقصد العرب .

** لباب النقول للسيوطي – ص 360 مصدر سابق .

*  أم القرى = مكة .

* هو صحابي : وقوله هذا تعجب منه مُحَقِّقوا تفسير ابن كثير ( علماء مُحدثون ) حيث كانوا يظنون بالتحريف وأن كتب الله قد حُوِّلَت رغم عدم وجود أدلة لديهم ورغم كل ما قلناه في هذا الفصل . ( انظر تفسير ابن كثير 2/54 طبعة سابقة ) .

* أستاذ بكلية الهندسة جامعة دمشق ومهتم بتراث الأديان .

* التأويل في اللغة هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله ( الشريف الجرجاني " التعريفات " طبعة القاهرة سنة 1938م ) .

*  انظر المصدر رقم 198 ص105 .

* هو صحابي : وقوله هذا تعجب منه مُحَقِّقوا تفسير ابن كثير ( علماء مُحدثون ) حيث كانوا يظنون بالتحريف وأن كتب الله قد حُوِّلَت رغم عدم وجود أدلة لديهم ورغم كل ما قلناه في هذا الفصل . ( انظر تفسير ابن كثير 2/54 طبعة سابقة ) .

 

الصفحة الرئيسية