الأقليات الدينية في فكر الحركات الاسلامية

 

كلمة أخيرة

" في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، عرف المسيحيون، رعايا الإمبراطورية العثمانية، فترات من الأمل  بامتلاك الحرية، بفضل المصالح التي كانت تربط الحكم العثماني وبعض الدول الغربية وبفضل الضغوط التي كانت تمارسها هذه الدول على تركيا الإسلامية، لمنح رعاياها الحقوق الأساسية.

على هذا الأساس، سنت الحكومة العثمانية  قوانين إصلاحية غايتها تحديث نظام الحكم وتحقيق المساواة والعدل والحرية بين جميع المواطنين العثمانيين ، وتعدل نظام الاقليات غير الإسلامية في عهد السلطان عبد الحميد  ( 1839- 1861) بموجب مشروع إصلاحي عرف بالخط الشريف - غولخانه الذي صدر بتاريخ 3 تشرين الأول 1839، ونص على ضمان آمن المواطنين،  إلى اي دين أو طائفة انتموا.

وبموجب هذا الالتزام وضعت قاعدة المساواة العلنية بين المسلمين وغير المسلمين، لأول مرة منذ الفتح الإسلامي.

لكن هذا الالتزام  لم  يتخذ في الواقع  ترجمة  عملية، نظراً لمعارضة الرأي العام الإسلامي له ، فبقى حبراً على ورق.

كانت السياسة العثمانية تمنح المسيحيين  المساواة والعدل على الورق من ناحية، وتدبر لهم الدسائس من ناحية أخرى، كما أحداث 1841 و1860، - مذابح المسيحيين في لبنان وسوريا- ليس فقط في لبنان وسوريا بل في أوروبا الشرقية وارمينا، خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.

وتزامنت الإصلاحات مع المجازر، على مدى  ثمانية عقود، انتهت بوضع حد لقدر كبير من الوجود المسيحي في الإمبراطورية العثمانية وجوارها.

وكان للمسئولين السياسيين  في تقرير وتنظيم المجازر نصيب واضح،  أثبتتها الوقائع والوثائق. راجع حسر اللثام عن نكبات الشام ص 96 و 111.

قبل وقوع المجازر في دمشق عام 1860، انتشر بين الناس بيان موجه ضد سياسة الإصلاحات العثمانية التي تمنح المسيحيين حق المساواة بالمسلمين .

 اعتبر البيان هذه الإصلاحات تجاوزاً  للقوانين الإسلامية المفروضة  منذ عهد الامام عمر بن الخطاب ((غايتهم - اي النصارى - مساواة المسلمين لا بل إحراز السيادة عليهم وهم يجهلون ان المسلمين صمموا على أبادتهم عملاً بتعاليم الشريعة الغراء))، على حد ما جاء في  ترجمة البيان الذي  أكد  على  نقاط اعتبرها أساسية منها :

أولا: (( ان سفك دم المسيحيين وهتك حرمة عرضهم واغتصاب أموالهم وحرق كنائسهم وتدمير بيوتهم  مباح  لانهم امتنعوا عن دفع مال الأعناق ( الجزية) . راجع سورة التوبة29

ثانياً: ان كثيراً من الفتاوى الهندية والبخارية تنهي بصراحة عن السماح للمسيحيين باشتداد ساعدهم وتوجب إضعافهم بإهلاك نسلهم وتخريب بيوتهم وعرقلة  جميع أعمالهم، وقصارى القول منع نجاحهم)). 

أضاف البيان : (( استيقظي أيتها الأمة الإسلامية  واستأصلي  شأفة خدمة الصليب في هذه البلاد المقدسة)).

ودعا البيان إلى انتهاز فرصة  أنهاك  قوة الدول  الأوروبية في حرب القرم للتغلب على الآمة المسيحية ( فقد آن  وقت محو آثارها ودنا اجلها).

وكشف البيان عن مؤامرة كانت تدبرها الجمعيات السرية المؤسسة في الآستانة بمعاونة ( الوزراء والعلماء واعيان الآمة  الإسلامية) على خلع السلطان وإبادة المسيحيين .

( صممنا بالاتفاق مع الوزراء والعلماء على إبادة المسيحيين  قاطني جبل لبنان ودمشق وحلب وحمص وحماة وسائر المدن السوريةوقد آثرنا الفتنة في لبنان فأهلكناهم . وشتتنا الباقين.

فإذا حدث عندكم مثل هذا، لا تغيثوا المسيحيين ، إنما تصرفوا بحكمة وافيدونا لنعلمكم كيف تتدبرون)). راجع: حروب الآلهة إصدار مركز الأعلام الكاثوليك ص 8 -9.

لم تقف، عند هذا الحد ، الأوامر الصادرة عن أناس موجودين في موقع المسؤلية ، للقضاء على الوجود المسيحي في  منطقة الشرق الأوسط.

ففي عام 1919 صدر آمر عن وزير الداخلية في الحكومة العثمانية ( طلعت باشا) إلى والي حلب نوري بك، يقضي بإبادة الشعب الأرمني يقول فيه :  بالرغم ان قرارا سابقاً اتخذ في سبيل القضاء على العنصر الأرمني  فان مقتضيات الزمن لم تكن توفر إمكانية تحقيق هذه النية المقدسة . وألان بعد القضاء على العقبات  ، ونظراً إلى انه جاء وقت تخليص الوطن من هذا العنصر الخطر، نوصيكم بإلحاح بان لا تستسلموا لمشاعر الشفقة أمام وضعهم البائس. وانه في سبيل وضع حد لوجودهم يجبان تعملوا بكل ما لديكم من عزم على  القضاء على الاسم الأرمني في تركيا. راجع: مجازر الأرمن ، مذكرات نعيم بك ص 43 .

نذكر هذه الأمور التاريخية في مقدمة كتابنا هذا لنبين ان مسالة مساواة المسلمين مع أهل الكتاب  آمر خرافي ترفضه الشريعة الإسلامية بشدة لانه يتنافى مع تعاليم القران والسنة

فمن المتعارف عليه أننا نحن مسيحيي  الشرق مواطنين بلا وطن. غرباء عن ديارنا ونحن في ديارنا.  ممتلكاتنا ليست لنا، أموالنا وكنائسنا ليست لنا. نساءنا وأولادنا ليسوا لنا، فهم عرضه للسبي وملك اليمين في أي وقت. غربنا الإسلام المسالم ، وفرقت  بيننا شريعته السمحة. تارة من اجل الله ، وطورا من اجل دين الله.

الإسلام وضع أهل الأقليات الدينية داخل معسكر إبادة جماعي وأحاطوه بسياج القهر والظلم والقسوة وكتبوا على بوابته الكبرى {لا إكراه في الدين ودع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.

لا أبالغ إذا قلت ان الإسلام هو الحمل الأثقل التي ما حملت البشرية بجميع ويلاتها ونكباتها اثقل منه أو مثله.

لقد أجبرت شريعة الإسلام غير المسلمين على الدخول في الإسلام ونبذ معتقداتهم عملا بتعاليم الشريعة السمحة .

شريعة الإسلام سلبت حقوق وحريات غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ، وتعاملت معهم وعاملتهم بطرق غير إنسانية لا تتماشى وأخلاقياته وروح الدين ، ولا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).

لقد قسمت الشريعة الإسلامية  أبناء الوطن الواحد إلى قسمين أصحاب مواطنة كاملة وهم المسلمين ، وأصحاب مواطنة ناقصة وهم الذميين - المسيحيين واليهود.

فالذي يحق للمسلم لا يحق للذمي والذي يجوز على الذمي لا يجوز على المسلم وهكذا دواليك في كافة المعاملات والحقوق والواجبات  

هذا ليس افتراءً على الإسلام السمح ، ولا هو تطاولا على خير المرسلين الذي نصر بالرعب كما جاء في الحديث الصحيح - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون هذا حديث حسن صحيح - الترمذى 1474.

ولا هو تهجماً على خير أمة أخرجت للناس. بل هذه هي الحقيقة المرة والبشعة ، الذي أعلنها ومارسها الإسلام منذ أن احتل اراضينا قبل 1400 سنة والى ألان .

 

الشيخ المقدسي

الصفحة الرئيسية