الأقليات الدينية في فكر الحركات الاسلامية

 

 كفر إجماعاً

إن التكفير حكم شرعي لا يطلق على معين إلا بشروطه الشرعية ، ومن ثبت في حقه بتلك الشروط أطلق عليه حكم الردة بلا تردد ، وكما أنه ليس لأحد أن يحكم على قول أو فعل أنه شرك إلا بدليل شرعي ، فكذلك ليس لأحد أن يطلق حكم الردة إلا بضوابط شرعية ، وقد افترق الناس في تحديد شروط التكفير وموانعه ، فعند بعضهم أن من تلفظ بالشهادتين لا يمكن تكفيره بحال ، بل قالوا : أنه لا يجوز تكفير شخص بعينه ، وإنما إطلاق وصف الكفر يكون على الأعمال ـ فهؤلاء كفار بإجماع الأمة ـ وعند البعض الآخر التكفير بالكبيرة .راجع :  ضوابط التكفير .للشيخ عبد الله القرني.  ص 10.

 

يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق في كتابه : معاهدات الصلح مع اليهود " (من ظن أن الحرب والعداوة توضع بين المسلمين واليهود فهو مكذب بوعد الله، ودينه، ومن عمل لإزالة هذه العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود فهو كافر بالله سبحانه وتعالى، .  ولا يجوز لمسلم أن يجمع في قلبه بين حب الله والمؤمنين وموالاة أعدائه فلا مودة بين المسلم والكافر إلا أن يصبحا كافرين أو مسلمين فإما أن يدخل الكافر في الإسلام فيكون أخا لنا نحبه ونواليه، وإما أن يخرج المسلم من الإسلام فيكون محبا وأخا للكافر ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) (المائدة\51) ".

لا دعوة للمسلم إلا إذا ذل الكافر واستسلم أو كان دفعا لمفسدة أكبر بارتكاب مفسدة أقل: الأصل في العلاقة بين المسلمين والكفار هي العداوة والحرب وذلك لقوله تعالى : (( وقاتلهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )) (الأنفال \39)، وقوله تعالى : ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ))(التوبة \29) والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا وكلها تأمر أن يباشر المؤمنون القتال حتى يكون خضوع الجميع لدين الله وشرعه إما طوعا وإما ذلا وقهرا. 

 

يقول ابن القيم في ( أحكام أهل الذمة ) 1/67 " إنه سبحانه قد حكم، ولا أحسن من حكمه أن من تولى اليهود والنصارى فهو منهم، { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم ".

ويقول القاسمي في ( تفسير القاسمي ) 6/240 " { فإنه منهم } أي جملتهم وحكمه حكمهم، وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة ".

 

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في ( فتاوى ابن باز ) 1/274 " وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه وتعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم }.

قال أبو السعود في ( تفسير أبي السعود ) 1/523 " يقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } وتعليق الرد بطاعة فريق منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجاب الاجتناب عن مصاحبتهم بالكلية، فإنه في قوة أن يقال لا تطيعوا فريقاً، فإن هذا الفعل جاء مطلقاً فحذف المتعلق المعمول فيه ليفيد التعميم، فالآية تحذر أيما تحذير عن طاعة أهل الكتاب فضلاً عن غيرهم من أصناف الكفار في جميع الأحوال وسائر شؤون الحياة ".

يقول القاضي عياض في ( الشفا ) 2/1072-1073 " وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك كالسعي إلى الكنائس والبيع مع أهلها بزيهم، من شد الزنانير – ما يشهده الذمي على وسطه - ، وفحص الرؤوس – حلق وسطها وترك جوانبها -  فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر ".

 

يقول ابن تيمية في ( مختصر الفتاوى المصرية ) ص 514 " وإذا زار أهل الذمة كنيسة بيت المقدس فهل يقال لهم يا حاج مثلاً ؟ لا ينبغي أن يقال ذلك تشبيهاً بحاج البيت الحرام، ومن اعتقد أن زيارتها قربة فقد كفر، فإن كان مسلماً فهو مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن جهل أن ذلك محرم عُرّف ذلك، فإن أصر فقد كفر وصار مرتداً ".

 

وقال أيضاً في ( مجموع الفتاوى ) 27/14 " وأما زيارة معابد الكفار، مثل الموضع المسمى بالقمامة أو بيت لحم أو صهيون أو غير ذلك، مثل كنائس النصارى، فمنهي عنها، فمن زار مكاناً من هذه الأمكنة معتقداً أن زيارته مستحبة، والعبادة فه أفضل من العبادة في بيته فهو ضال خارج عن شريعة الإسلام، يستتاب فإن تاب وإلا قتل ".

يقول الخرشي على  ( مختصر خليل ) 7/63 " وكذلك يكون مرتداً إذا شد الزنار في وسطه لأن هذا فعل يتضمن الكفر، ومثله فعل شيء مما يختص بزي الكفار، ولا بد أن ينضم إلى ذلك المشي إلى الكنيسة ونحوه، وقُيّد أيضاً بما إذا فعله في بلاد الإسلام" .

وقال ابن نجيم في ( البحر الرايق ) 5/133 " ويكفر بوضع قلنسوة المجوسي على رأسه على الصحيح إلا لضرورة دفع الحر أو البرد، وبشد الزنار في وسطه إلا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب ".

وقد روى ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال، قال عبدالله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر، قال فظنناه يريد هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } إلى قوله { فإنه منهم }.. الآية.

وكذلك من تولى المشرك فهو مشرك ومن تولى الأعاجم فهو أعجمي، فلا فرق بين من تولى أهل الكتابين وغيرهم من الكفار، ثم أخبر تعالى أن الذين في قلوبهم مرض أي شك في الدين وشبهة يسارعون في الكفر قائلين (... نخشى أن تصيبنا دائرة... } الآية، أي إذا أنكرت عليهم موالاة الكافرين قالوا : نخشى أن تكون الدولة لهم في المستقبل، فيتسلطون علينا، فيأخذون أموالنا ويشردوننا من بلداننا، وهذا هو ظن السوء بالله الذي قال الله فيه {الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهمولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً }.

كل هذه المقولات العظيمة الشنيعة في حق الله التي كادت لأجلها السموات أن يتفطرن وكادت لها الأرض أن تزلزل وتنشق وكادت لها الجبال أن تنهد، لا زال الكفار من يهود ونصارى وغيرهم يعتقدون ذلك ويرددونه، بل ويرددون من القول ما هو أشد منه وأبشع، ورغم كل هذا تجد من المسلمين من يحبهم ويحتفي بهم ويفرح بلقياهم، فأصبحت قلوب المسلمين أشد قسوة من الجبال الصم.

الصفحة الرئيسية