الأقليات الدينية في فكر الحركات الاسلامية

 

مقدمه

كتب علينا نحن المسيحيين المشرقيين  (العرب)  أن نتألم بصمت دون أن ننطق ببنت شفه .

وان حدث أن اعترض بعضا منا بشكل سلمي وقانوني على ما يصيبنا ويقع علينا من ظلم وقهر (اضطهاد) .  تقابل اعتراضاتنا ، بوابل من التهم الخطير ة التي تبدأ بعدائنا للوطن ، وتنتهي بتعاملنا مع جهات معادية هدفها تخريب الوطن.

وان حاولنا أن نبين لهم أن الدين هو عبارة عن علاقة خاصة ما بين العبد وربه ، لهذا لا يصح دمج الدين في كافة شؤون حياتنا وفي علاقاتنا وتعاملنا مع الآخرين . نجابه من قبل المسؤولين وغير المسؤولين بوابل من الشتائم  والتهم التي تبدأ بعدائنا للإسلام ، وتنتهي بمحاولتنا لاستفزاز لمشاعر المسلمين .

بعد ذلك يبدءون بتشغيل اسطوانتهم المعروفة  والمحفوظة عن ظهر قلب من كثرة الإعادة  .

أعداء الإسلام من صهاينة حاقدين وصليبين مشركين يحاولون أقصى جهودهم لتشويه صو   رة وسمعت الإسلام السمح، بافتراءات وأكاذيب تخالف  بمضمونها ومجموعها تعاليم الإسلام وروحه السمحة.

من تلك الافتراءات والأكاذيب قولهم : ان الإسلام قد انتشر بحد السيف.

وان الإسلام قد اكره اهل الديانات الآخرة على نبذ دياناتهم والدخول في الإسلام . وان الإسلام يعلم أتباعه العدوانية والكراهية .

وان الإسلام لم يعامل  اهل الكتاب في المجتمع الإسلامي بإنسانية واحترام. بل عاملهم وتعامل معهم بكل وحشية وقسوة وظلم وقهر واحتقار.

وان فريضة الجهاد قد شرعت لاجبار غير المسلمين على الدخول في الإسلام. إلى اخر الافتراءات والأكاذيب المنسوبة زورا وبهتانا للإسلام السمح والوديع والمسالم.

بعد تلك الوصلة الفصيحة كلسان قريش  يمطروننا بوابل من  الروايات والأحاديث والآيات القرآنية التي تبين  ومن وجهة نظرهم بطلان دعوانا وافتراءاتنا على الإسلام السمح، وتظهر من جهة أخرى سماحة ومسالمة وعدالة ورحمة الإسلام والمسلمين مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي وخارجه.

"عباد الله الصالحين يا خير أمة قد أخرجت للناس .

ان اليهود الحاقدين أحفاد القردة والخنازير والنصارى المشركين الذين يسعون في الأرض فسادا . يحرفون الحقائق عن موضعها بافتراءات مفادها ان الإسلام قد حد من حرية اهل الذمة في المجتمع الإسلامي. وقد فاتهم لعنهم الله ورسوله والملائكة والمؤمنين بأنسهم وجنهم  قوله تعالى ( لا إكراه في الدين) بقرة256.

وان الإسلام السمح والمسالم قد علم أتباعه العدوانية والكراهية.  متناسين قوله تعالى: ( وجادلهم بالتي هي احسن) وقوله ( لا تجادلوا  اهل الكتاب الا بالتي هي احسن)

لقد فات المغضوب عليهم والضالين ان الإسلام قد نهى المسلمين وبشدة  من الاعتداء على الآخرين بقوله تعالى ( لا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين).

لقد فات الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباب من دون الله ان الجهاد في الإسلام إنما شرع  لرد آذى المعتدين ولم يشرع الجهاد للاعتداء على الآخرين وإجبارهم على الدخول في الإسلام، وهذا واضح في قوله تعالى ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) البقرة 190. ولا تقتلوا النفس الذي حرم الله قتلها الا بالحق)  الأنعام 151.

لكن أعداء الإسلام من يهود حاقدين ونصارى مشركين

قد عبروا عن كلمة (الجهاد) بالحرب المقدسة التي تطول بسيفها الإلهي المسلول جميع الذين هم غير مسلمين . وقد فسروها تفسيرا منكرا وتفننوا فيه والبسوها ثوبا فضفاضا من المعاني المموهة والملفقة، وقد بلغ الأمر في ذلك بان أصبحت كلمة (الجهاد) عندهم عبارة عن شراسة الطبع والخلق والهمجية وسفك الدماء وقد كان من لباقتهم وسحر بيانهم وتشويههم لوجوه الحقائق الناصعة انه كلما سمع الناس صوت هذه الكلمة (الجهاد) تمثلت أمام أعينهم صورة مواكب من الهمج المحتشدة، مصلتة سيوفها متقدة صدورها بنار التعصب والغضب، متطايرا من عيونها شرار الفتك والنهب ، عالية أصواتها بهتاف الله واكبر زاحفة إلى الامام، ما ان رأت كافرا حتى أمسكت بخناقه وجعلته بين أمرين: اما ان يقول كلمة (لا اله الا الله ) فينجو بنفسه واما ان يضرب عنقه فتشحب أوداجه دماً. وقد رسم الدهاة هذه الصورة بلباقة فائقة وتفننوا فيها بريشة المتفنن المبدع، وكان من دهائهم ولباقتهم في هذا الفنان صبغوها بصبغ من النجيع الأحمر  وكتبوا تحتها (هذه الصورة مرآة لما كان بسلف هذه الأمة من شره إلى سفك الدماء وجشع إلى الفتك بالأبرياء) .    

لهذا لا يسعنا هنا الا ان نقول لجميع الذين وقعوا تحت تأثير الخبث والدهاء  صليبي والصهيوني : أيها السادة لا تقلقوا نحن مجرد دعاة مبشرون ندعو إلى دين الله ، دين الأمن والسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، نبلغ كلام الله تبليغ الرهبان والدراويش والصوفية ونجادل من يعارضنا بالتي هي احسن ، بالخطب والرسائل والمقالات حتى يؤمنوا  بدعوتنا عن بينه. هذه هي دعوتنا لا تزيد ولا تنقص.

اما السيف والقتال به ، فمعاذ الله ان نمت إليه بصلة .

اللهم الا ان يقال إننا ربما دافعنا عن أنفسنا حيثما اعتدى علينا أحد.

من هنا نقول لجميع الذين وقعوا في حبائل أئمة الكفر .

أيها السادة لا تقلقوا فهذا ليس جهادنا. جهادنا هو الجهد الإنساني المتواصل في طاعة الله ورسوله . جهادنا هو جهد باللسان والقلم والكلمة والموعظة الحسنه، وليس بالسيف  كما يحاول أعداء الإسلام تصويره.

يقول شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه الجهاد 1/9-10: ان شريعة الإسلام ترفض القوة لاجبار الناس إلى اعتناقه" " ونبيهم صلعم لا يرضى بغير الإقناع العقلي بديلا لدخول الأفراد في الإسلام!.  يقول الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم - عندما رغب في أيمان بعض أقاربه وألح عليه في ذلك  { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} ويقول سبحانه وتعالى للبشرية كلها{لا إكراه في الدين} والدعوة إلى الدين في شرع الإسلام يجب ان تكون بالكلمة الطيبة والإقناع السليم.

يقول تعالى ( ا دع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن) .

ويقول الشيخ الدكتور  يوسف القرضاوي . في كتابه : (غير المسلمين في المجتمع الاسلامي) الكتاب موجود على الانترنت تحت عنوان www.qaradawi.net .

1) " المجتمع الإسلامي هو مجتمع اتخذ الإسلام منهاجًا لحياته ودستورًا لحكمه، ومصدرًا لتشريعه وتوجيهه في كل شئون الحياة وعلاقاتها، فردية واجتماعية، مادية ومعنوية، محلية ودولية ".

" ولكن ليس معنى هذا أن المجتمع المسلم يحكم بالفناء على جميع العناصر التي تعيش في داخله وهي تدين بدين آخر غير الإسلام.

كلا .. إنه يقيم العلاقة بين أبنائه المسلمين وبين مواطنيهم من غير المسلمين على أسس وطيدة من التسامح والعدالة والبر والرحمة، وهي أسس لم تعرفها البشرية قبل الإسلام.

وأساس هذه العلاقة مع غير المسلمين قوله تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة: 8 - 9 ".

وجاء أيضا في الكتاب انف الذكر وتحت عنوان{ تسامح فريد، الأساس الفكري لتسامح المسلمين

2) إن التسامح الديني والفكري له درجات ومراتب.

فالدرجة الدنيا من التسامح أن تدع لمخالفك حرية دينه وعقيدته، ولا تجبره بالقوة على اعتناق دينك أو مذهبك، بحيث إذا أبى حكمت عليه بالموت أو العذاب أو المصادرة أو النفي أو غير ذلك من ألوان العقوبات والاضطهادات التي يقوم بها المتعصبون ضد مخالفيهم في عقائدهم.. فتدع له حرية الاعتقاد، ولكن لا تمكنه من ممارسة واجباته الدينية التي تفرضها عليه عقيدته، والامتناع مما يعتقد تحريمه عليه.

والدرجة الوسطى من التسامح: أن تدع له حق الاعتقاد بما يراه من ديانة ومذهب ثم لا تضيق عليه بترك أمر يعتقد وجوبه أو فعل أمر يعتقد حرمته.

فإذا كان اليهودي يعتقد حرمة العمل يوم السبت فلا يجوز أن يكلف بعمل في هذا اليوم. لأنه لا يفعله إلا وهو يشعر بمخالفة دينه (في غاية المنتهى وشرحه، من كتب الحنابلة: "ويحرم إحضار يهودي في سبته، وتحريمه باق بالنسبة إليه، فيستثنى شرعًا من عمل في إجازة، لحديث النسائي والترمذي وصححه: "وأنتم يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت" ا.هـ ج ـ2 ص604).

وإذا كان النصراني يعتقد بوجوب الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد فلا يجوز أن يمنع من ذلك في هذا اليوم. والدرجة التي تعلو هذه في التسامح: ألا نضيق على المخالفين فيما يعتقدون حله في دينهم أو مذهبهم.  وإن كنت تعتقد أنه حرام في دينك أو مذهبك.  وهذا ما كان عليه المسلمون مع المخالفين من أهل الذمة. إذ ارتفعوا إلى الدرجة العليا من التسامح. فقد التزموا كل ما يعتقده غير المسلم أنه حلال في دينه، ووسعوا له في ذلك، ولم يضيقوا عليه بالمنع والتحريم.  وهناك شيئًا آخر لا يدخل في نطاق الحقوق التي تنظمها القوانين، ويلزم بها القضاء، وتشرف على تنفيذها الحكومات.

ذلك هو (روح السماحة) التي تبدو في حُسن المعاشرة، ولطف المعاملة، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان. وهي الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية، ولا يغني فيها قانون ولا قضاء.  وهذه الروح لا تكاد توجد في غير المجتمع الإسلامي.

3) تتجلى هذه السماحة في مثل ترغيب القرآن في البر والإقساط إلى المخالفين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين:  (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين) (سورة الممتحنة: 8).

4) وتتجلى سماحة الإسلام في ضمان وتامين حرية وحماية غير المسلمين في المجتمع الإسلامي . وهذه الحماية تشمل حمايتهم من كل عدوان خارجي، ومن كل ظلم داخلي، حتى ينعموا بالأمان والاستقرار" .

" وحق الحماية المقرر لأهل الذمة يتضمن حماية دمائهم وأنفسهم وأبدانهم، كما يتضمن حماية أموالهم وأعراضهم  فدماؤهم وأنفسهم معصومة باتفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع ؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم -: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" .(رواه أحمد والبخاري في الجزية، والنسائي وابن ماجة في الديات من حديث عبد الله بن عمرو. " ولهذا أجمع فقهاء الإسلام على أن قتل الذمي كبيرة من كبائر المحرمات" .

" ومثل حماية الأنفس والأبدان حماية الأموال، هذا مما اتفق عليه المسلمون في جميع المذاهب، وفي جميع الأقطار، ومختلف العصور" .

5)" ويحمي الإسلام عِرض الذمي وكرامته، كما يحمي عِرض المسلم وكرامته، فلا يجوز لأحد أن يسبه أو يتهمه بالباطل ،أو يشنع عليه بالكذب، أو يغتابه، ويذكره بما يكره، في نفسه،أو نسبه،أو خَلْقِه، أو خُلُقه أو غير ذلك مما يتعلق به".

" يقول الفقيه الأصولي المالكي شهاب الدين القرافي في كتاب "الفروق": "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقًا علينا، لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيَّع ذمة الله، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذمة دين الإسلام" .(الفروق ج ـ 3 ص 14 الفرق التاسع عشر والمائة) ".

6) " ويحمي الإسلام فيما يحميه من حقوق أهل الذمة حق الحرية. وأول هذه الحريات: حرية الاعتقاد والتعبد، فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يُجبر على تركه إلى غيره، ولا يُضغط عليه ليتحول منه إلى الإسلام ".

" وأساس هذا الحق قوله تعالى: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)، (البقرة: 256)

وقوله سبحانه: (أفأنت تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين)؟ (يونس: 99) ".

"رغم كل هذا، رفض القرآن الإكراه، بل مَن هداه الله وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل فيه على بيِّنة، ومَن أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مُكرَهًا مقسورًا  فالإيمان عند المسلمين ليس مجرد كلمة تُلفظ باللسان أو طقوس تُؤدَّى بالأبدان، بل أساسه إقرار القلب وإذعانه وتسليمه".

" ولهذا لم يعرف التاريخ شعبًا مسلمًا حاول إجبار أهل الذمة على الإسلام، كما أقر بذلك المؤرخون الغربيون أنفسهم ".

7) " وكذلك صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، بل جعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: (أُذِن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا، وإن الله على نصرهم لقدير الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا). (الحج:39 - 40)".

" وهذا التسامح مع المخالفين في الدين من قوم قامت حياتهم كلها على الدين، وتم لهم به النصر والغلبة، أمر لم يُعهد في تاريخ الديانات، وهذا ما شهد به الغربيون أنفسهم.

8) " لغير المسلمين حرية العمل والكسب، بالتعاقد مع غيرهم، أو بالعمل لحساب أنفسهم، ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة، ومباشرة ما يريدون من ألوان النشاط الاقتصادي، شأنهم في ذلك شأن المسلمين ". فقد قرر الفقهاء أن أهل الذمة في البيوع والتجارات وسائر العقود والمعاملات المالية كالمسلمين".

9) " ولأهل الذمة الحق في تولى وظائف الدولة كالمسلمين . إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك ". " وقد بلغ تسامح المسلمين في هذا الأمر أحيانًا إلى حد المبالغة والجور على حقوق المسلمين، مما جعل المسلمين في بعض العصور، يشكون من تسلط اليهود والنصارى عليهم بغير حق" .

10) وتتجلى سماحة الإسلام في قول القرآن يبين أدب المجادلة مع المخالفين: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد) (سورة العنكبوت: 46).

11) وتتجلى هذه السماحة كذلك في معاملة الصحابة والتابعين لغير المسلمين.  فعمر يأمر بصرف معاش دائم ليهودي وعياله من بيت مال المسلمين، ثم يقول: قال الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) (سورة التوبة: 60) وهذا من مساكين أهل الكتاب. (الخراج لأبى يوسف ص 26، انظر كتابنا "فقه الزكاة" جـ 2 ص705-706).

12) وتتجلى هذه السماحة كذلك في مؤاكلة أهل الكتاب، والأكل من ذبائحهم،  كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات، مع ما قرره القرآن من قيام الحياة الزوجية على المودة والرحمة في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم: 21) . وهذا في الواقع تسامح كبير من الإسلام ، حيث أباح للمسلم أن تكون ربة بيته، وشريكة حياته وأم أولاده غير مسلمة، وأن يكون أخوال أولاده وخالاتهم من غير المسلمين.

قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) (المائدة: 5).

وتتجلى هذه السماحة كذلك في "أساس النظرة ألمتسامحة التي تسود المسلمين في معاملة مخالفيهم في الدين يرجع إلى الأفكار والحقائق الناصعة التي غرسها الإسلام في عقول المسلمين وقلوبهم. وأهمها:

1) اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان، أيًا كان دينه أو جنسه أو لونه.

قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) (سورة الإسراء: 70).

وهذه الكرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية.

ومن الأمثلة العملية ما ذكرناه من قبل، وهو ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله: أن جنازة مرت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام لها واقفًا، فقيل له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي! فقال: (أليست نفسًا)؟!. بلى، ولكل نفس في الإسلام حرمة ومكان. فما أروع الموقف، وما أروع التفسير والتعليل!

2. اعتقاد المسلم أن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله تعالى، الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار فيما يفعل ويدع: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (سورة الكهف: 29). (ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً، ولا يزالون مختلفين) (سورة هود: 118).

ولهذا لا يفكر المسلم يومًا أن يجبر الناس ليصيروا كلهم مسلمين، كيف وقد قال الله تعالى لرسوله الكريم: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)؟ (سورة يونس: 99).

3. إن المسلم ليس مكلفًا أن يحاسب الكافرين على كفرهم، أو يعاقب الضالين على ضلالهم، فهذا ليس إليه، وليس موعده هذه الدنيا، إنما حسابهم إلى الله في يوم الحساب، وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين، قال تعالى: (وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون * الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) (سورة الحج: 68-69).

وقال يخاطب رسوله في شأن أهل الكتاب: (فلذلك فادع، واستقم كما أمرت، ولا تتبع أهواءهم، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب، وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا، وإليه المصير)  (سورة الشورى: 15).

وبهذا يستريح ضمير المسلم، ولا يجد في نفسه أي أثر للصراع بين اعتقاده بكفر الكافر، وبين مطالبته ببره والإقساط إليه، وإقراره على ما يراه من دين واعتقاد.

4. إيمان المسلم بأن الله يأمر بالعدل، ويحب القسط، ويدعوا إلى مكارم الأخلاق، ولو مع المشركين، ويكره الظلم ويعاقب الظالمين، ولو كان الظلم من مسلم لكافر.

قال الله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (سورة المائدة: 8) راجع كتاب غير المسلمين في المجتمع الإسلامي للشيخ يوسف القرضاوي  الكتاب موجود على الانترنت تحت عنوان www.qaradawi.net .

نقول : أقوال الشيخ القرضاوي ، تذكرني بالإنسان الذي أراد أن يحجب ضوء الشمس بالغربال.

فمن المتعارف عليه أننا نحن مسيحيي  الشرق مواطنين بلا وطن. غرباء عن ديارنا ونحن في ديارنا.  ممتلكاتنا ليست لنا، أموالنا وكنائسنا ليست لنا. نساءنا وأولادنا ليسوا لنا، فهم عرضه للسبي وملك اليمين في أي وقت. غربنا الإسلام المسالم ، وفرقت  بيننا شريعته السمحة. تارة من اجل الله ، وطورا من اجل دين الله.

الإسلام وضع أهل الأقليات الدينية داخل معسكر إبادة جماعي وأحاطوه بسياج القهر والظلم والقسوة وكتبوا على بوابته الكبرى {لا إكراه في الدين ودع إلى سبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}.

لا أبالغ إذا قلت ان الإسلام هو الحمل الأثقل التي ما حملت البشرية بجميع ويلاتها ونكباتها اثقل منه أو مثله.

لقد أجبرت شريعة الإسلام غير المسلمين على الدخول في الإسلام ونبذ معتقداتهم عملا بتعاليم الشريعة السمحة .

شريعة الإسلام سلبت حقوق وحريات غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ، وتعاملت معهم وعاملتهم بطرق غير إنسانية لا تتماشى وأخلاقياته وروح الدين ، ولا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).

الباس الشيخ القرضاوي الإسلام ثوب السماحة والرحمة والعدالة

ذكرني بالمثل العربي القائل " شو تعمل الماشطة بأم وجه بشع"

إظهار  يا حجة الإسلام، الإسلام بهذه الصورة وبهذا الثوب يتنافى مع الإسلام ومع مكوناته وعلومه الشرعية بداءً من القران وانتهاءً بالسنة.

اسمح  لي يا فضيلة الشيخ الدكتور العلامة ان اطرح على فضيلتكم بعض الأسئلة التوضيحية علنا نزداد علما بعلمك.

سؤال: كيف يمكن يا فضيلة الشيخ العلامة ان يتحقق  الاحترام والمودة وحسن العشرة مع غير المسلمين، والقرآن نفسه يخاطبهم

بالمغضوب عليهم والضالين الفاتحة 7 : ‏صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ‏

وهم المشركين التوبة 31 : ‏اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

وهم الذين غلوا في دينهم مائدة 77 : ‏قُلْ يا أهل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ‏‏.

وهم النجس.  توبة 28 : ‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا.

وهم الذين يضمرون الشر والحسد للمسلمين : ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير - البقرة 109.

كيف يمكن يا فضيلة الشيخ العلامة ان تتحقق العدالة والرحمة والاحترام والتسامح  والبر والمودة وحسن العشرة مع غير المسلمين، والقرآن نفسه ينهى عن موادة الكفار واتخاذهم أولياء وحلفاء في مثل قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم) سورة المائدة:51،52.

وكقوله في سورة آل عمران: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه) (آل عمران : 28).

وكقوله في سورة النساء: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً) (النساء : 144).

 (بشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليمًا * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعًا) (النساء : 138-139).

وفي سورة المجادلة: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (المجادلة : 22).

وفي سورة الممتحنة: (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا عدوِّي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي، تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) (الممتحنة : 1).

وفي السورة نفسها يقول (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة : 9).

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين - المائدة 57.

يقول الشيخ عبد الخالق  في كتابه حكم معاهدات الصلح والسلام مع اليهود: " لا دعوة للمسلم إلا إذا ذل الكافر واستسلم أو كان دفعا لمفسدة أكبر بارتكاب مفسدة أقل.

الأصل في العلاقة بين المسلمين والكفار هي العداوة والحرب وذلك لقوله تعالى : (( وقاتلهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )) (الأنفال \39)، وقوله تعالى : ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ))(التوبة \29) والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جدا وكلها تأمر أن يباشر المؤمنون القتال حتى يكون خضوع الجميع لدين الله وشرعه إما طوعا وإما ذلا وقهرا.

لا يجوز لمسلم أن يجمع في قلبه بين حب الله والمؤمنين وموالاة أعدائه ((قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) الممتحنة 4 .

فلا مودة بين المسلم والكافر إلا أن يصبحا كافرين أو مسلمين فإما أن  يدخل الكافر في الإسلام فيكون أخا لنا نحبه ونواليه، وإما أن يخرج المسلم من الإسلام فيكون محبا وأخا للكافر ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) (المائدة\51) . راجع: حكم معاهدات الصلح والسلام مع اليهود للشيخ عبد الخالق

ان السماحة والرحمة والعدالة والحرية والحماية والتسامح الذي نسبه فضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي للإسلام، ينفيها الإسلام بمكوناته وعلومه الشرعية وباتفاق علمائه رضي الله عنهم وأرضاهم.

لقد قسمت الشريعة الإسلامية  أبناء الوطن الواحد إلى قسمين أصحاب مواطنة كاملة وهم المسلمين ، وأصحاب مواطنة ناقصة وهم الذميين - المسيحيين واليهود.

فالذي يحق للمسلم لا يحق للذمي والذي يجوز على الذمي لا يجوز على المسلم وهكذا دواليك في كافة المعاملات والحقوق والواجبات . هذا ليس افتراءً على الإسلام السمح ، ولا هو تطاولا على خير المرسلين الذي نصر بالرعب كما جاء في الحديث الصحيح - عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون هذا حديث حسن صحيح - الترمذى 1474.

ولا هو تهجماً على خير أمة أخرجت للناس. بل هذه هي الحقيقة المرة والبشعة ، الذي أعلنها الإسلام من خلال مصادره الشرعية المختلفة .

ولكي لا  يؤخذ كلامنا هذه على محمل التأويل المغلوط والنوايا الخبيثة ، فيتهمنا حراس أملاك الله على الأرض، الأوصياء على عبيد الله القاصرين، بانتهاك  حرمة الله،  وحرمة رسوله،  وحرمة كتابه الكريم، وحرمة شريعته الكاملة والناسخة لجميع الشرائع،  فتصدر بحقنا الفتاوى الشرعية من كل صوب واتجاه. دعوني استعرض  لكم أحكام أهل الذمة في الإسلام .

أحكام كنائسهم وأبنيتهم، أحكام زيهم وغيارهم ،وأحكام عباداتهم ومعاملاتهم والتعامل معهم. وما نتج عن تلك الأحكام من  جرائم تقشعر لها الأبدان .

سوف أبين للقوم المتخرصين ، ان أحكام شريعتهم ، قد ألغت قيمة ومكانة وكرامة ودور الغير مسلم  في المجتمع الإسلامي.

وان الإرهاب التي تمارسه الجماعات والحركات والأحزاب الإسلامية ، ضد أهل الكتاب (اليهود والنصارى) ما هو في الحقيقة، الا تنفيذا لأوامر الشريعة الغراء والسمحة ، التي أباحت  للمسلمين دماء وأموال وأعراض وممتلكات غير المسلمين . أنها حقيقة أعلنها وعلمها القران ، وأيدتها وبينتها السنة، وشرحها وبين مدلولاتها وأحكامها الشرعية وبشكل دقيق ومفصل علماء المسلمين قديماً وحديثاً. هذا ما سوف نعمل جاهدين لإظهاره من خلال بحثنا هذا.

معتمدين لذلك على القران والسنة وعلى أقوال اشهر علماء المسلمين قديما وحديثا.

 

الشيخ المقدسي

الصفحة الرئيسية