إنجيل لوقا كيف كتب؟ وكيف وصل إلينا؟

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 

1- الكاتب وشهادة الأباء عنه:

أجمع أباء الكنيسة على أن كاتب الإنجيل الثالث هو القديس لوقا الذى تبع الرسل وتلميذ بولس الرسول. وقد أقتبس منه الأباء واستشهدوا بآياته منذ نهاية القرن الأول، واستخدموه بكثافة أكثر منذ بداية القرن الثانى. ولكن هؤلاء الأباء اقتبسوا واستشهدوا بآيات الإنجيل بأوجهه الأربعة باعتبارها "أقوال الرب" وكلمة الله الموحى بها، والتى استلموها أولاً شفاهة وحفظوها، ثم سلمت لهم مكتوبة بعد ذلك. ولذا فلم يهتموا بذكر مصدر الإنجيل أو السفر الذى اقتبسوا منه أو استشهدوا بآياته لأنها جميعاً تحتوى على "أقوال الرب" وأعماله. ولكن مع ظهور كتب أخرى فى أوساط الهراطقة دُعيت أناجيل ونُسبت لكتابها من الهراطقة أو لبعض الرسل، بدأ أباء الكنيسة يحددون الأناجيل القانونية الموحى بها ويميزونها عن الكتب الأبوكريفية الزائفة. وهكذا ظهرت قوائم بالكتب القانونية الموحى بها وأخذ أباء الكنيسة يدافعون فى كتاباتهم عن الأناجيل والأسفار التى كتبها الرسل بوحى الروح القدس وعن صحتها وقانونيتها. ومن ثم بدأ أباء الكنيسة منذ منتصف القرن الثانى يذكرون الأناجيل بأسماء جامعيها ومدونيها بالروح القدس من الرسل وكذلك بقيه أسفار العهد الجديد.

أما فيما يختص بالإنجيل للقديس لوقا فقد أقتبس منه وأستشهد به أباء الكنيسة وتلاميذ الرسل، كما اقتبس منه يوستينوس الشهيد كثيراً وذكر نزول قطرات العرق مثل الدم من السيد المسيح عندما كان يصلى فى بستان جثسيمانى، والتى لم تسجل إلا فى هذا الإنجيل فقط. وينسب العلامة الإنجليزى وستكوت 50 إشارة لتاريخ الإنجيل و70 حقيقة خاصة برواية القديس لوقا أدخلها يوستينوس فى حواره مع تريفوا.

كما أقتبس منه إنجيل بطرس الابوكريفى كثيراً، واستخدمت الرسالة الثانية المنسوبة لأكليمندس كثيراً من آياته، وضمه تاتيان فى كتابه الرباعى "الدياتسرون". فيقول أحد العلماء ويدعى بلامر "من الثابت إنه فى النصف الثانى من القرن الثانى، كان هذا الإنجيل معترفاً بصحته كسفر موحى به ومن المستحيل إثبات إنه لم يكن معترفاً به من قبل ذلك بكثير". وقال آخر ويدعى بولخر "يتفق القدماء بالإجماع على إن الكاتب هو لوقا تلميذ بولس الذى ذكره فى رسالته إلى فليمون".

ومنذ الربع الأول من القرن الثانى أستخدمه الهراطقة مثل باسيليدس(152) الذى علم فى الإسكندرية حوالى (120م)، وسردوا Cerdo الذى عاش فى بداية القرن الثانى والذى يتكلم عنه ثيودوريت Theoret، ومارسيون (حوالى 140م) الذى أختار هذا الإنجيل فقط من الأناجيل الأربعة مع عشر من رسائل بولس الرسول كقانونه الوحيد، وترك صديقه هيراكليون تفسيراً لهذا الإنجيل مع إنجيل يوحنا ماتزال صفحات منه باقية وقد أشار إليه أكليمندس الأسكندرى(153).

كما شهد لكتابه القديس لوقا لهذا الإنجيل الثالث كل الترجمات السريانية البشيتا واللاتينية القديمة واللاتينية الثانية التى تمت فى شمال أفريقيا فى عصر مبكر جداً، وكذلك الترجمة القبطية الصعيدية.

وأقتبس منه أيضا كتاب "البطاركة الأثنى عشر" المكتوب فيما بين سنه 100 و 120م. وقد أقتبس منه 22 كلمة نادرة منها 19 كلمة نادرة لم يستخدمها أى كاتب معاصر آخر، كما أقتبس 24 كلمة من سفر الأعمال منها 20 كلمة لم توجد فى أى سف آخر من أسفار العهد الجديد سوى أعمال الرسل فقط.

وجاء فى الوثيقة الموراتورية (170م) "كتاب الإنجيل الثالث، الذى بحسب لوقا، هذا الطبيب لوقا، أخذه بولس معه بعد صعود المسيح كخبير فى الطريق (التعليم)، دونه بأسمه حسب فكره. مع أنه لم يرى الرب فى الجسد، ولأنه كان قادراً على التحقق منه، فقد بدأ يروى القصة من ميلاد يوحنا".

وجاء فى الكتاب المسمى "مقدمه ضد المارسيونيين- Anti Marcionite Prologue". الذى أشتهر فى الكنيسة الرومانية، ويرجع إلى النصف الثانى من القرن الثانى "لوقا سورى انطاكى، سورى السلالة، طبيب المهنة، أصبح تلميذاً للرسل، وتبع بولس الرسول أخيراً حتى استشهاده (بولس)، وخدم الرب بإصرار، لم يتزوج، ولم يكن له ولد، أمتلئ بالروح القدس، ومات فى الرابعة والثمانين من العمر فى بيوثية. فبعد أن كُتب الإنجيل الذى لمتى فى اليهودية والإنجيل الذى لمرقس فى إيطاليا، قاده الروح القدس لكتابه إنجيله هو فى إقليم اخائية، ويذكر فى مقدمته أن كتابات أخرى قد دونت قبله، لكن تراءى له ضرورة تدوين سيره كاملة وشاملة للمؤمنين من أصل يونانى"(154).

وقال إيريناؤس أسقف ليون "ودون لوقا الذى كان ملازماً لبولس- فى كتاب الإنجيل الذى أعلنه بولس"(155). وقال ترتليانوس فى شمال أفريقيا اعتادت الكنائس الرسولية أن تقرأ الإنجيل بحسب لوقا، ولأن لوقا هو تلميذ بولس وصاحب الإنجيل الذى أعتمده مارسيون دون سواه(156).

وقال أكليمندس الأسكندرى، إن المسيح وُلد فى عهد أغسطس قيصر "كما هو مكتوب فى الإنجيل الذى بحسب لوقا"(157). وقال العلامة اوريجانوس "والثالث كتبه لوقا، وهو الإنجيل الذى أقره بولس، وكُتب من أجل المنتصرين من الأمم"(158). وقال يوسايبوس القيصرى "أما لوقا الذى كان من أبوين أنطاكيين، والذى كان يمتهن الطب، والذى كان صديقاً حميماً لبولس ومعروفاً عند سائر الرسل، فقد ترك لنا فى سفرين قانونيين براهين على موهبة الشفاء الروحى التى تعلمها منهم. أما أحد هذين السفرين فهو الإنجيل الذى يشهد بأنه كتبه كما سلمه الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة. والذين قد تتبعهم من الأول بتدقيق. وأما السفر الثانى فهو أعمال الرسل الذى كتبه لا بناء على رواية الآخرين بل بناء على ما رآه هو بنفسه. ويقال أن بولس كلما قال "بحسب إنجيلى"(159) إنما كان يشير إلى هذا الإنجيل الذى بحسب لوقا كأنه يتحدث عن إنجيله هو"(160).

وهكذا شهدت الكنيسة منذ البدء فى الشرق والغرب فى الشمال والجنوب إن كاتب الإنجيل الثالث الروح القدس هو القديس لوقا تلميذ الرسل ورفيق القديس بولس.

 

2- القديس لوقا:

يُذكر القديس لوقا فى رسائل القديس بولس الرسول بالطبيب الحبيب "يسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب"(161)، والعامل معه "مرقس وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معى"(162). كما يذكره كالصديق الوفى الذى ظل معه وحده بعد أن تركه الآخرين "لوقا وحده معى"(163). ويتكلم القديس لوقا عن نفسه فى بداية الإنجيل وبداية سعر الأعمال كالكاتب لكليهما بضمير "أنا" "رأيت أنا أيضاً"(164) "الكلام الأول أنشأته ياثاوفيلس..."(165). ثم يتكلم عن نفسه بعد ذلك فى سفر الأعمال بضمير المتكلم الجمع "نحن"، "نا" عندما نقابله للمرة الأولى كرفيق للقديس بولس من تراوس بعد أن ظهرت لبولس "رؤيا فى الليل رجل مكدونى قائم بطلب إليه ويقول أعبر إلى مكدونية وأعنا. فلما رأى الرؤيا للوقت طلبنا أن نخرج إلى مكدونية متحققين إن الرب قد دعانا لنبشرهم" ويستمر بعد ذلك فى استخدام ضمير المتكلم الجمع "فأقلعنا... وتوجهنا.. فأقمنا... خرجنا... فجلسنا وكنا نكلم... وبينما كنا ذاهبين... أستقبلنا... بولس وإيانا"(166). وقد أصطحب القديس بولس إلى فيلبى. ويبدو أنه ظل هناك بعد رحيل القديس بولس وسيلا إلى كورنثوس (سنه 51م) لرعاية الكنيسة الناشئة، حيث يستبدل فجأة ضمير المتكلم "نحن" إلى "هم"(167). وبعد سبع سنوات أخرى (سنه 58م) ينضم للقديس بولس ثانيه عندما مر بفيلبى فى رحلته الأخيرة إلى أورشليم وتوقف لمده أسبوع فى تراوس(168). فمن تلك اللحظة يعاود القديس لوقا استخدام الضمير "نحن" و "وأما نحن فسافرنا... ووافيناهم... صرفنا"(169)، "وأما نحن فسبقنا إلى السفينة وأقلعنا... إلخ"(170).

ويستمر فى استخدام ضمير المتكلم الجمع هكذا حتى وصول القديس بولس ومن معه إلى روما وإقامته وحده مع حارسه" ولما أتينا إلى رومية ... وأما بولس فأذن له أن يقيم وحده مع العسكرى الذى كان يحرسه(171)". وكان مع القديس بولس أو كان قريباً منه فى رحلته إلى روما التى وصفها وصفاً دقيقاً وكان معه مدة سنتين فى قيصرية وظل معه إلى نهاية سجنه الأول فى روما (سنة 63م). وكانت أخر إشارة لوجوده مع القديس بولس هى عندما تحدث عن استشهاده "لوقا وحده معى(172)".

وقال بعض الآباء إنه من إنطاكية بسوريا ومما يبرهن على ذلك هو إشاراته الكثيرة إلى إنطاكية فى سفر الأعمال، فقد وضعها فى مكانة خاصة، فكانت نقطة البدء فى رحلات القديس بولس، وفيها دعى التلاميذ مسيحيين أولاً "ودعى التلاميذ مسيحيين فى إنطاكية أولاً(173)" ومن الشمامسة السبعة يذكر أن أحدهم من إنطاكية "نيقولاوس دخيلاً إنطاكياً(174)" دون أن يذكر قومية الستة الآخرين. وقدم فى السفر معلومات كثيرة عن الكنيسة فى إنطاكية(175).

 

3- خصائص الإنجيل وأسلوبه:

وصف بولس الرسول القديس لوقا ب "الطبيب الحبيب"، وكان القديس لوقا، كما جاء عنه فى كتابات الآباء، وكما يبدو لنا من أسلوبه فى التدوين والكتابة سواء فى الإنجيل أو فى سفر الأعمال، شخصية متعددة الجوانب والمواهب، فقد كان طبيباً وأديباً وشاعراً وفناناً واسع الفكر، ورحالة غير محترف ولكن معتاد على الرحلات البحرية وله خبرة واسعة بها، إلى جانب كونه تلميذاً للرسل ومسيحياً يونانياً وكارزاً عملاقاً، دون الإنجيل وسفر الأعمال بالروح القدس. وكان ذو ثقة عالية ومؤرخاً دقيقاً يرى الدارسين أنه احسن كاتب يونانى بين الإنجيليين الأربعة، ويقول رينان عن إنجيله هذا "أنه أروع كتاب فى العالم"، وقد استخدم مفردات كثيرة، فهو غنى بالمفردات وإيقاعى فى تركيبه، وكمؤرخ فهو حريص جداً ودقيق إلى أبعد حد. ويبدأ الإنجيل بمقدمة مؤرخ، وهى، كما يرى العلماء، أبلغ قطعة فى العهد الجديد، وعندما يبدأ فى رواية أحداث ميلاد يوحنا المعمدان والسيد المسيح فى الإصحاحين الأول والثانى، يبدو اللون العبرى والصبغة العبرية واضح جداً أكثر من بقية أجزاء الإنجيل، فهو يسجل أناشيد زكريا والعذراء القديسة مريم وأليصابات وسمعان الشيخ، والتى يترجمها من العبرية والآرامية، وكذلك نشيد الملائكة كآخر المزامير العبرية وأول الترانيم المسيحية، فهذا الجزء من الإنجيل عبرى يونانى وبقية الإنجيل يونانى خالص.

كما تميز الإنجيل الثالث، هذا، بمفردات كثيرة عن الأناجيل الثلاثة الأخرى إذ يتميز وحده ب 180 تعبير فى حين يتميز الإنجيل للقديس متى بحوالى 70 والإنجيل للقديس مرقس ب 44 والإنجيل للقديس يوحنا ب 50 تعبير. وكطبيب فقد استخدم عبارات واصطلاحات طبية كثيرة مثل "المفلوج، جراح، ضمد، صب زيتاً وخمراً، مضروباً بالقروح، الجذع، يغشى من الخوف(176)"، وأهتم بمعجزات شفاء المرضى، ويتحدث عن الأمراض بدقة، واتفق فى وصفه للأمراض مع كُتاب الطب القديم مثل جالينوس، فوصف حمة حماة بطرس بأنها "حمة شديدة(177)" والروح الذى كان على الأبن الوحيد لأبيه "فيصرعه(178)" والمرأة التى كانت بها روح ضعف "كانت منحنية(179)"، وهو وحده إلى سجل قول المسيح "على كل حال تقولون لى هذا المثل أيها الطبيب أشف نفسك(180)"،ولأنه طبيب فقد تكلم عن الأطباء بلهجة مخففة عن لهجة القديس مرقس فى نفس الحديث، فيقول "وامرأة بنزف الدم منذ اثنتى عشرة سنة وقد أنفقت كل معيشتها على الأطباء ولم تقدر أن تشفى من أحد(181)"، ويقول القديس مرقس "... وقد تألمت كثيراً من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئاً بل صارت إلى حالة أردأ(182)".

وقد كتب القديس لوقا الإنجيل الثالث للمسيحيين من الأمم، وبصفة خاصة اليونانيين، كما كتب القديس متى لليهود والقديس مرقس للرومان والقديس يوحنا للمتقدمين فى الإيمان من يهود ورومان ويونانيين ومن كل الأمم. ومن ثم فقد شرح القديس لوقا مواقع المدن الفلسطينية وأسمائها "مدينة من الجليل اسمها ناصرة(183)"، "كفر ناحوم مدينة من الجليل(184)"، وكذلك المسافات بين البلاد "قرية بعيدة عن أورشليم ستين غلوة اسمها عمواس(185)"، وشرح عادات اليهود "وقرب عيد الفطير الذى يقال له الفصح(186)". ولأنه كتب للأمم فقد ركز على تدوين المواقف والأحداث التى تؤكد وتبين أن المسيح جاء ليخلص جميع الأمم والشعوب من جميع الخطايا والأتعاب ومن جميع الأمراض، ومن فقد تجنب تسجيل جميع الأقوال التى قال فيها السيد إنه أرسل إلى خراف بيت إسرائيل أولاً، وعلى العكس من ذلك فقد سجل الأحداث التى تمجد الأمم وتفتح الطريق أمامهم للخلاص الأبدى مثل قائد المئة الذى بنى لليهود مجمعاً "يحب أمنا وهو بنى لنا المجمع(187)"، ومثل السامرى الصالح الذى كان اكثر صلاحاً من اللاوى والكاهن اليهوديين(188)، والسامرى الذى شفاه السيد من برصه وعاد ليشكره فى حين كان معه تسعة من اليهود لم يفعلوا مثله(189).

كما ركز على تدوين الأقوال والعمال التى تؤكد شمولية الخلاص وعموميته، وغن المسيح قد جاء مخلصاً وفادياً لكل البشرية فى العالم كله من كل جنس ولون ولسان، وليس اليهود فقط، ولذا يرجع بنسب المسيح إلى آدم، أب البشرية كلها "ابن آدم ابن الله(190)"، وكانت بشارة الملاك وجمهور الجند السماوى للرعاة تعلن ميلاد مخلص كل البشرية "إنه ولد لكم اليوم فى مدينو داود مخلص هو المسيح الرب ... المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة(191)"، ويعلن سمعان الشيخ بالروح القدس أن المسيح جاء لخلاص جميع الشعوب والأمم "لأن عينى قد أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل(192)"، فى نبؤة اشعياء عن يوحنا المعمدان معد الطريق للمسيح، يقول "ويبصر كل بشر خلاص الله(193)". وهو وحده الذى يسجل قول المسيح عن إرسالية إيليا للأرملة الوثنية فى صرفة صيدا(194)، وتطهير أليشع لبرص نعمان السريانى(195). وهو وحده الذى يسجل إرسالية السبعين رسولاً(196) والذين يتفق الجميع إنها كانت للأمم، كما يسجل شفاء المسيح لعبد قائد المئة الرومانى(197)، كما يسجل قول السيد المسيح "يأتون من المشارق ومن المغارب ومن الشمال والجنوب ويتكئون فى ملكوت الله(198)"، كما يسجل إرسال المسيح لتلاميذه ورسله ليكرزوا بالإنجيل لجميع الأمم وإلى أقصى الأرض "وأن يكرز بأسمه (المسيح) بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأً من أورشليم(199)"، "وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض(200)".

كما دون الأحداث والأقوال التى تقدم المسيح صديق الخطاة وفاديهم ومخلصهم الرحيم، ومريح التعابى وشافى المرضى من جميع أمراضهم وأتعابهم، ومحب البشرية والراعى الصالح الذى يبحث عن الضال فى مثل الخروف الضال "هكذا يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة(201)"، وفى مثل الإبن الضال "إبنى هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد(202)"، وفى مثل الدرهم المفقود "هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب(203)"، وكذلك فى مثال الفريسى والعشار(204)، قدم المسيح غافر الخطايا مهما كانت، وفى قصة المرأة الخاطئة(205)، نرى المسيح الذى يبرر حتى الزوانى. وعلى الصليب يقدم لنا المسيح الذى غفر لصالبيه "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون(206)"، وعلى الصليب أنها يقبل توبة اللص المصلوب التائب ويعده بالفردوس(207).

كما يقدم المسيح محب الإنسانية، الذى يحب الجميع كأفراد، فهو يهتم حتى بأحقر الناس، ويحب الوضيع والمحتقر ويعطف على المريض، بل ويعطف حتى على الزوانى والعشارين ويدعوهم للتوبة، ويطوب المساكين والفقراء بالروح والجائعين، ويشفى المقعد والعرج والأعمى، ويحب السامريين ويوبخ على التعصب الأعمى ضدهم ويرفض الانتقام من القرية السامرية التى رفضت استقباله وينتهر يعقوب ويوحنا لأنهما طلبا أن تنزل نار من السماء لتهلك هذه القرية "وقال لستما تعلمان من أى روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص(208)"، ورفض الفكر الطائفى "من ليس معى فهو على. ومن لا يجمع معى فهو يفرق(209)".

ويسجل الأحاديث والأحداث التى تقدم لنا المسيح كإنسان، فهو يدون قصة طفولته وميلاده بالتفصيل، فيذكر الحبل به بالروح القدس(210) وميلاده فى الشهر التاسع(211) من الحبل به وختانه فى اليوم الثامن لميلاده(212) ونموه فى القامة والحكمة كإنسان "وأما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس"(213)، كما يسجل سموه وتفوقه منذ صبوته، فيذكر جلوسه فى الهيكل كمعلم وسط العلماء وهو فى سن الثانية عشر واهتمامه بما للأب "ينبغى أن أكون فى ما لأبى(214)". ويذكر صلاته بجهاد ولجاجة فى البستان ونزول "عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض(215)" وظهور ملاك له من السماء ليقويه كإنسان(216).

ويقدم المسيح الذى يكرم المرأة من خلال تسجيله لقصص مجموعة من النساء البارات القديسات، فيقدم العذراء القديسة مريم "الممتلئة نعمة" والتى استحقت أن تدعى ب "أم الرب(217)" لأنها ولدت الإله المتجسد، وأليصابات التى عرفت بالروح القدس المسيح وهو جنين فى بطن أمه وحيت والدته(218)، وحنة النبية التى ظلت فى الهيكل ولم تفارقه "نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً(219)"، ومريم أخت لعازر التى اختارت النصيب الصالح الذى لن ينزع منها(220)"، ومرثا أختها المضيافة، ومريم المجدلية ويونا وسوسنة وبقية النساء التلميذات اللواتى "كن يخدمنه من أموالهن(221)"، ثم يذكر عطف السيد المسيح على النساء المتألمات مثل أرملة نايين التى كانت تنوح على وحيدها الذى مات، فأقامه لها الرب(222)، والمرأة الخاطئة التى دهنت قدميه بالطيب وبدموعها ومسحتها بشعرها(223)، ونازفة الدم التى صرفت كل معيشتها على الأطباء(224)، والمرأة المنحنية(225)، والأرملة التى أعطت كل ما لديها لله(226)، وكذلك إشفاقه على بنات أورشليم اللواتى كن ينحن عليه وهو حامل الصليب(227). فقدم لهن السيد الحنان والحب والعطف والكرامة فى عصر لم يبالى بالنساء وفى مجتمع كان الرجل فيه يشكر الله لأنه لم يخلقه امرأة، وكان الكتبة والفريسيون يجمعون أرديتهم فى الشوارع والمجامع لئلا يلمسوا امرأة، وكان يعتبرونها جريمة أن ينظر رجل لامرأة غير محجبة. ولكن السيد المسيح عطف على المرأة ورفعها وكرمها واخرج من امرأة سبعة شياطين.

كما قدم المسيح محب الأطفال؛ إذ يضع هالة مقدسة وسحر سماوى على الطفولة التى تخلد الفردوس وتقدم البرأة فى عالم خاطئ، فهو وحده الذى روى تفاصيل طفولة المعمدان وتفاصيل طفولة السيد المسيح وختانه وصبوته. ويروى لنا قصص "الابن الوحيد لأمه" ابن أرملة نايين، وأبنة يايرس الوحيدة، والأبن الوحيد الذى كان به روح يصرعه.

وأخيراً يقدم لنا إنجيل الشعر الروحى؛ يقول الدارسون أن الإنجيل للقديس لوقا هو إنجيل الترانيم والتسابيح والتماجيد، وأفضل مرنم وأول كاتب ترانيم مسيحى هو القديس لوقا. فهو يقدم الشعر الروحى والدينى الذى يستقر على حقائق وحق أبدى، والإنجيل كله مملوء بالحيوية الدرامية والتشويق، إذ يبدأ بالشكر والتسبيح. ويفيض الفصلين الأولين فيه بالفرح الاحتفالى والسرور والبهجة، إنهما فردوس من شذى الأزهار، وعزف بأحلى الألحان السمائية يرتل أجمل الترانيم والمزامير العبرية المسيحية السمائية، وفيهما نسمع تسبحة أليصابات وتسبحة القديسة مريم وبركة زكريا وترنيمة المجد التى شدت بها الملائكة فى الأعالى، وتمجيد سمعان الشيخ بلسان الأجيال ووحى الروح القدس، ترانيم وتسابيح أبدية. والإنجيل كله ملئ بتمجيد الله وحمده، ففيه نرى الرعاة "وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه وقيل لهم(228)" بعد مشاهدتهم للطفل الإلهى، والمفلوج الذى شفاه الرب "مضى إلى بيته وهو يمجد الله(229)"، وجميع الذين شاهدوا معجزة شفائه أخذتهم "حيرة ومجدوا الله وامتلئوا خوفاً قائلين أننا قد رأينا اليوم عجائب(230)"، وعندما أقام الرب ابن أرملة نايين من الموت "أخذ الجميع خوف ومجدوا الله(231)"، وبعد أن شفى المرأة التى كان بها روح ضعف "استقامت ومجدت الله(232)"، والسامرى الذى شفاه الرب من البرص "رجع يمجد الله بصوت عظيم(233)"، والأعمى الذى شفاه الرب بالقرب من أريحا "تبعه وهو يمجد الله. وجميع الشعب إذ رأوه سبحوا الله(234)".

 

4- مصادر الإنجيل وتاريخ تدوينه:

ويبدأ القديس لوقا الإنجيل الثالث بالمقدمة التالية "إذ كان كثيرون قد أخذوا يدونون قصة تلك الأحداث التى جرت يقيناً بيننا. كما تسلمناها من أولئك الذين رأوا بأعينهم وكانوا خداماً للكلمة. رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شئ منذ الابتداء بتدقيق، أن أكتبها لك بحسب ترتيبها أيها العزيز ثيئوفيلوس. حتى تتحقق من صحة تلك الأمور التى تعلمتها(235)".

ومن هذه المقدمة نعرف الحقائق التالية:

إنه كان هناك كثيرون قد سبقوا القديس لوقا فى تدوين رواية التسليم الرسولى كما سلمه تلاميذ المسيح ورسله شهود العيان.

وهذه الأحداث التى جرت كانت معاصرة للقديس لوقا وكانت معروفة لديه معرفة يقينية "التى جرت يقيناً بيننا"، وقد تسلمها من الرسل شهود العيان الذى تبعهم وتتلمذ على يديهم وكرز معهم.

وقد قام هو أيضاً بتدوين ما عمله وعلمه السيد المسيح متتبعاً كل شئ من الأول بتدقيق وسجل كل شئ ودونه بحسب ترتيبه الصحيح وبكل دقة المؤرخ المدقق وروحه.

فقد تبع القديس لوقا تلاميذ المسيح ورسله شهود العيان واستلم منهم الإنجيل شفاهة وأجزاء منه مدونة، حيث زار الكنائس الرسولية الرئيسية فيما بين أورشليم وإنطاكية وروما، وكرز مع مؤسسيها وقادتها من الرسل وخدم معهم وتعامل معهم مباشرة. فقد تقابل مع القديسين بطرس وبرنابا ومرقس فى إنطاكية، كما تقابل مع القديس مرقس أنها فى روما، وفى أورشليم تقابل مع يعقوب أخى الرب وكثيراً من الرسل والشيوخ الذين كان الكثيرون منهم ما يزالون أحياء(236)، وكان فى إمكانه أن يقابل العذراء القديسة مريم هناك أيضا، وذلك فى رحلة القديس بولس الأخيرة، كما قابل فيلبس المبشر وبناته ومن كان معهم من الرسل فى قيصرية وقضى سنتين مع القديس بولس فيها(237). وكان أمامه خلال سنوات سجن القديس بولس الأربع فى قيصرية وروما وقت كافى ليقوم بعملية جمع شاملة للتسليم الرسولى الشفوى والمكتوب والذى استلمه من الرسل شهود العيان مباشرة، وليقوم أيضا بدراسة واسعة وبحث دقيق للاستلام والحصول على المعرفة والمعلومات والنصوص والآيات سواء المكتوبة أو المحفوظة شفوياً. وكان أمامه كم كبير من الأقوال والأعمال التى تسلمها من الرسل شهود العيان ومن العذراء القديسة مريم والتى تسلم منها روايات وأحداث الفصلين الأولين، خاصة أحداث الحبل بالمسيح وميلاده وطفولته وصبوته، ويشير هو نفسه إلى ذلك بقوله "وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها(238)"، وكانت أمامه تحفظ جميع هذه الأمور فى قلبها(239)". ويحتمل إنه قابلها فيما بين سنة 57 وسنة 59 م (أو 58-60).

وكان عليه أن يختار بإرشاد الروح القدس وينتقى بدقة مما تسلمه سواء شفاهة أو مكتوب، ويقوم بتدوين الإنجيل وكتابته على التوالى وبحسب الترتيب الدقيق والصحيح للأحداث وهو مسوق من الروح القدس الذى قاده وعلمه وأرشده وذكر أثناء التدوين والكتابة وساعده على اختيار الأقوال والأعمال بحسب الهدف الذى كان يكتب الإنجيل لأجله وبحسب غاية الروح القدس نفسه وتوجيهه وإرادته، وحفظه من الخطأ والزلل وعصمه.

وقد كُتب الإنجيل للقديس لوقا فيما بين سنة 58 و 63 م قبل انتهاء سجن بولس فى روما، وقد كتبه قبل كتابة سفره الثانى، سفر أعمال الرسل قبل إلى يتقرر مصير بولس الرسول حيث ينتهى السفر والقديس بولس أسير فى روما.

 

---

(152) Refut. Her. 7: 2,25,26.

(153) Strom. 4: 9,73.

(154) Anci. Chr. Gos. P.335.

(155) Ag. Haer. B.3 Ch. 1: 1 and 3 Ch 14: 1.

(156) Ag. Mar. 4,5.

(158) يوسايبوس ك6 ف6: 25,.

(159) رو 16: 2،25: 16،2تى 8: 2.

(160) يوسايبوس ك3 ف6: 4.

(161) كو 14: 4.

(162) فل 24.

(163) 2تى 11: 4.

(164) لو 3: 1.

(165) أع 1: 1.

(166) أع 9: 16_17.

(167) أع 1: 17.

(168) أع 5: 20،6.

(169) أع 5: 20_7.

(170) أع 1: 121_18.

(171) 16: 26

(172) 2تى 11: 4

(173) أع 26: 11

(174) أع 5: 6

(175) أع 19: 11-30؛ 1: 13-3؛ 1: 15-3، 22-35

(176) أنظر لو 18: 5، 24؛ 30: 10-35؛ 2: 16-25؛ 13: 14؛ 26: 21

(177) لو 38: 4

(178) لو 39: 9

(179) لو 11: 13

(180) لو 23: 4

(181) لو 43: 8

(182) مر 25: 5،26

(183) لو 26: 1

(184) لو 31: 4

(185) لو 13: 24

(186) لو 1: 22

(187) لو 5: 7

(188) لو 33: 10

(189) لو 15: 17

(190) لو 38: 3

(191) لو 11: 2،13

(192) لو 29: 2-32

(193) لو 6: 3

(194) لو 26: 4

(195) لو 27: 4

(196) لو 1: 10

(197) لو 2: 7-10

(198) لو 29: 13

(199) لو 47: 24

(200) أع 8: 1

(201) لو 7: 15

(202) لو 24: 15

(203) لو 10: 15

(204) لو 10: 18

(205) لو 48: 7

(206) لو 34: 23

(207) لو 43: 23

(208) لو 55: 9،56

(209) لو 23: 11

(210) لو 35: 1

(211) لو 6: 2

(212) لو 6: 2.

(213) لو 52: 2.

(214) لو 49: 2

(215) لو 44: 22

(216) لو 43: 22

(217) لو 43: 1

(218) لو 42: 1

(219) لو 37: 2

(220) لو 42: 10

(221) لو 2: 8،43

(222) لو 11: 7

(223) لو 37: 7

(224)

(225) لو 11: 13

(226) لو 1: 21-4

(227) لو 27: 23-29

(228) لو 20: 2

(229) لو 25: 5

(230) لو 26: 5

(231) لو 16: 7

(232) لو 13: 13

(233) لو 15: 17

(234) لو 43: 18

(235) لو 1: 1-4

(236) 1كو 6: 15

(237) أع 24-26

(238) لو 19: 2

(239) لو 51: 2

(240) يو 22: 21،23

(241) يو 31: 20

(242) يو 4: 1

(243) يو 19: 5

(244) يو 26: 14؛ 26: 15؛ 13: 16،14

(245) ك3 ف 2: 23

(246) To Auto Lycus 2, 22.

(247) Decame Christic 100: 3.

(248) Adv. Marc. 4: 3.

(249) Ag. Haer. 3: 2,1.

(250) يو 9: 1.

(251) Ag. Haer. 1 eh. 29, 1 and 31,3.

(252) Ref. Haer. B. 5.

(253) يو 14: 1.

(254) 1يو 1: 1.

(255) يو 34: 19،35.

(256) يو 24: 21.

(257) 29: 1،35،16،22.

(258) 2: 3.

(259) 43: 4.

(260) 52: 4.

(261) 16: 6.

(262) 1: 2

(263) 20: 8

(264) 13: 10

(265) 30: 11

(266) 6: 2

(267) 19: 6

(268) 8: 21

(269) 11: 21

(270) 9: 6

(271) 3: 12

(272) 24: 13

(273) 6: 18

(274) 39: 19

(275) 11: 2

(276) 27: 4

(278) 16: 12

(279) 11: 2،24؛ 15: 6،61؛ 1: 13

(280) 7: 6،8

(282) 10: 18

(283) 23: 13-25

(284) 26: 19،27

(285) 2: 20-8

(286) ص21

(287) 20: 21-25

(288) 16: 18.

(289) لو 10: 5.

(290) مر 37: 5.

(291) مر 2: 9.

(292) مر 33: 14.

(293) لو 8: 22.

(294) أع ص3.

(295) أع 14: 8.

(296) غل 9: 2.

(297) يرجع سبب بطرس بالدرجة الأولى لسنة.

(298) أع 1: 3.

(299) أع 14: 8.

(300) يو 8: 20.

(301) يو 16: 16.

(203) 25: 3.

(304) 55: 11.

(205) 28: 18.

(306) 40: 19.

(307) ص7،10،13

(308) 22: 9

(309) 31: 19

(310) 27: 4

(311) 10: 5

(312) 2: 9

(313) يو 11: 1

(314) 2كو 24: 11

(315) 1تس 15: 2

(316) يو 20: 2

(317) 9: 4

(318) 35: 7

(319) 49: 11

(320) 15: 18

(321) 2: 5

(322) 13: 19

(323) 7: 9

(324) 17: 19

(325) الطبوغرافية هى الوصف أو الرسم الدقيق للأماكن ويشمل الوديان والجبال والسهول والأنهار والطرق والجسور ... إلخ. (قاموس المورد).

(326) 28: 1

(327) 1: 12

(328) 5: 4

(329) 1: 6؛ 1: 21

(330) 18: 11

(331) 28: 1

(332) 1: 2

(333) 21: 12

(334) 12: 2

(335) 1: 18

(336) 2: 5

(337) 2: 8؛ 27: 10

(338) 45: 11

(339) 38: 1

الصفحة الرئيسية