أكذوبة قبر يسوع الضائع

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

الفصل الأول: أكذوبة قبر يسوع الضائع أو قبر عائلة يسوع المزعوم

الفصل الثاني: هل هذه العضامة تخص يسوع المسيح؟

الفصل الثالث: إسم مريم المجدلية هل يوجد على إحدى هذه العضامات؟

الفصل الرابع: الإدعاء بسرقة الجسد وحقيقة القبر الفارغ؟!

الفصل الخامس: قام من الأموات وظهر لتلاميذه وصعد إلى السموات أمامهم

المقدمة

لم يكد العالم المسيحي ينتهي من مواجهة ما أشعله دان براون بروايته الملفقة " شفرة دافنشي "، وفيلمه المبني على افتراضات وهمية كاذبة، ثم زوبعة إنجيل يهوذا المنحول، حتى ظهر هذه الأيام المدعو جيمس كاميرون مخرج فيلم " تايتانيك ", والمشهور بمخرج الكوارث، ليثير عاصفة ترابية جديدة في وجه العالم المسيحي بتقديم فيلم وثائقي أسماه " قبر يسوع الضائع "، والذي سبقه صدور كتاب بعنوان " قبر عائلة يسوع ". هذا الفيلم الوثائقي الملفق والمفبرك أشترك في أنتاجه قناة ديسكوفري Discovery Channel وتليفزيون رؤية Vision TV بكندا في 4 /3 / 2007م، وأخرجه منتج الأفلام الكندي سمحا جاكوبوفيشي Simcha Jacobovici وأنتجه فيلكس جولبيف Felix Golubev وريك استير بينستوك Ric Esther Bienstock، وعمل جيمس كاميرون فيه كمنتج منفذ. وتزامن ذلك مع صدور كتاب بعنوان " قبر عائلة يسوع " نشر في في أخر فبراير 2007م، اشترك في كتابته سمحا جاكوبوفيشي وتشارلز ر بيليجرينو Charles R. Pellegrino. وقد زعموا في الكتاب والفيلم أن هناك احتمالاً أن يكون يسوع المسيح قد دفن في القدس في مقبرة لعائلته بجانب أمه مريم ويوسف النجار و " مريم كاي مارا "، والتي هي حرفياً مريم ومارا (أي مرثا)، والتي فهموا خطأ أنها " مريمو أي مارا " وزعموا أنها قد تكون هي مريم المجدلية معتمدين على ما سبق أن ادعاه دان براون كذبا أن المسيح تزوج بمريم المجدلية وأنجب منها نسلاً، وقالوا، مستعينين بأحد الأسماء المذكورة في إحدى عضامات هذه المقبرة: أنه يحتمل أن يكون قد أنجب منها ولدا اسمه " يهوذا بن يسوع "!! هذا الاحتمال الذي وضعوه أعادنا لدائرة الجدل من جديد والرد على ترهاتهم وافتراضاتهم الخيالية التي لا هدف منها سوى الربح المادي وتشويه المسيحية، بناء على خطة شيطانية يقودها الملحدون لزعزعة المؤمنين المسيحيين وتشكيكهم في إيمانهم. وقد تصدى لهم هذه المرة وبسرعة ملحوظة علماء الآثار وعلماء الكتاب المقدس من اليهود والمسيحيين وبعض من علماء المسلمين لأن هذه الأكاذيب الملفقة لا تتفق مع المنطق أو العلم أو حقائق التاريخ، بل ينقض عقيدة المسيحيين في قيامة المسيح من الأموات وعقيدة المسلمين في رفع المسيح إلى السماء دون موته " إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ " (آل عمران : 55)، " بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ " (النساء 158).

وقال جيمس كاميرون في مؤتمر صحفي في مكتبة نيويورك العامة مساء الاثنين 26/2/2007: " بصفتي منتج أفلام وثائقية لا ينبغي أن أخاف من البحث عن الحقيقة " زاعما أن فيلمه يحتوي على " أدلة دامغة وغير مسبوقة " تثبت وجود المسيح فعليا!!! كما زعم أيضا أنه، ورفاقه الذين يشاركونه أنتاج الفيلم وإخراجه، قد استعانوا بعلماء مشهورين عالميا، منهم علماء آثار وإحصاء وأخصائيون في الحمض النووي (DNA) بالإضافة إلى علماء بالحفريات القديمة ومختصين في اللاهوت المسيحي، وذلك لمحاولة إضفاء صفة البحث العلمي الجاد على فيلمهم الوهمي الملفق!! كما زعم أيضاً وادعى أن نظرية الفيلم مدعومة علميا " إذ أنها المرة الأولى التي يقدم فيها فيلم شهادات مادية وأثرية وإثباتات يمكن تحليلها علميا، تماما كما يتم في أي تحقيق جنائي "!! وقال جاكوبوفيشي أن العمل التحضيري للفيلم استغرق ثلاث سنوات " وكان بمثابة رحلة عجيبة تفوق الخيال ". وأضاف أن " فكرة الكشف المحتمل عن قبر المسيح وأفراد عائلته بالإضافة إلى جمع شهادات علمية قاطعة تفوق كل ما كان في وسعي تخيله "!!

وفي هذا الكتاب نقدم دراسة كتابية أثرية لغوية علمية لإثبات كذب وتلفيق صُناع هذا الفيلم الخيالي والكتاب الملفق مستعينين في ذلك بما قام به عشرات العلماء من علماء الكتاب المقدس والآثار والنقوش القديمة واللغات القديمة وغيرهم. ونرجو أن يأتي هذا الكتاب بالفائدة المرجوة بنعمة الرب يسوع المسيح وبركة وصلوات جميع قديسية وصلوات قداسة البابا شنودة الثالث، وأبي الروحي، نيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة وتوابعها والنائب البابوي لكنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد.

القمص عبد المسيح بسيط أبوالخير

الفصل الأول

أكذوبة قبر يسوع الضائع

أو قبر عائلة يسوع المزعوم

1 – قصة الفيلم الوثائقي الخيالي والكتاب الملفق:

ترجع قصة هذا الموضوع، موضوع، الفيلم الخيالي " قبر يسوع الضائع " والكتاب الملفق " قبر عائلة يسوع "، إلى ربيع سنة 1980م عندما كان العمال الإسرائيليون يفجرون الجبل بالديناميت في منطقة تل بيوت على بعد حوالي 3 كيلو متر من وسط مدينة أورشليم القدس لبناء منطقة سكنية وهناك وجدوا قبراً على مدخله مثلث ودائرة، وكان ذلك في نهاية يوم الجمعة ومع اقتراب يوم السبت توقف كل شيء، وفي صباح الأحد جاء فريق من هيئة الآثار الإسرائيلية إلى الموقع وبدءوا في دراسة القبر ومحتوياته فوجدوا فيه عشرة صناديق لحفظ عظام الموتى كانوا يسمونها بالعبرية كوفين أي عضامة، كان اليهود يحتفظون فيها بعظام موتاهم. فقد جرت العادة عندهم خاصة في فترة القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي أن يدفنوا الميت في القبر وبعد مرور حوالي سنة يكون الجسد قد تحلل تماماً ولم يبق منه سوى العظام، فكانوا يعودون إلى القبر وينظفون العظام تماماً من بقايا الجسد ويضعونها في عضامات مصنوعة من الحجر الحجري بحجم متوسط 50 سم × 30 سم × 25 سم، ثم يكتبون اسم الميت عليها وفي أحيان كثيرة لا يكتبون. وكانت تستخدم العضامة الواحدة لأكثر من شخص وقد يصل عدد عظام المدفونين فيها إلى ستة أشخاص.

 

كما عثروا أيضاً على عظام 35 شخصا من أبناء عائلة واحدة دفنوا في المغارة ذاتها على مدى ثلاثة أجيال. ووجدوا أن ست من العضامات العشر مكتوب عليها اسماء الموتى الذين بداخلها وهي؛ " مريم - Mariam " والمنقوش بالعبرية " מרים "، ويساوي في اليونانية " Μαριάμ ". والتي زعموا أنها من الحتمل أن تكون أم المسيح!! علماً بأن 25% من النساء في ذلك العصر كان يطلق عليهن اسم مريم!! واسم غير واضح، منقوش بالآرامية، استنتجوا أنه " يشوع بار (ابن) يوسف - Yeshua bar Yehosef - ישׁוע בר יהוסף "، في حين أن الحروف الثلاثة من الاسم المفترض " يشوع " غير واضحة " Image:Jesus inscription.svg"، كما سنرى في الفصل الثاني تفصيلاً. و" ماتيا Matya "، والمنقوش بالعبرية، والذي حاولوا تقريبه إلى " متى " في العهد الجديد في حين أن متى في العهد الجديد هو " ματθαιον "، وهو شكل مختصر من Ματθαῖος الذي هو Matthitjah والذي ينطق بالإنجليزية Matthew ومن ثم حاولوا نسبه لعائلة المسيح ματθαν والتي هي في العبرية Matthan ليكملوا زعمهم بأن " ماتيا " هذا قد يكون أخاً للمسيح، بل والأظرف من ذلك وهو ما يمكن أن نعتبره نكتة هو زعمهم أن جد العذراء مريم في سلسلة نسب المسيح اسمه " متثات "؛ " وهو (يسوع)على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي بن متثات "، ومتثات هنا في اليونانية هو " μαθθατ Matthat " وليس " Ματθαῖος "!! وحتى لو افترضنا جدلاً بأن جد المسيح لأمه كان اسمه " ماتيا " فهل من الضروري أن يكون له أحفاد بنفس الاسم؟!

والاسم الرابع هو يوسيه " يوسي – yose "، والمنقوش بالعبرية ، ويساوي في اليونانية وهو اختصار للاسم " يوسف - יהוסף وقد ورد في العهد الجديد في الإنجيل للقديس مرقس (15 :47) Ἰωσή' كأحد أبناء مريم أم يعقوب وأخت العذراء " ومريم أم يعقوب ويوسي. ويقول عالم الآثار الإسرائيلي رحماني الذي سجل في كتالوج دقائق وتفصيلات هذه العضامات ومحتوياتها: " وهذا التماثل بين الذي في العضامة ونقوشها مع تلك التي لماريا (عضامة 706)، وكليهما من نفس المقبرة يبين أن هاتين العضامتين هما لوالدي " يشوع " (عضامة 704) وجدا ل " يهوذا " في (عضامة 702). أي أن هذه العضامات لا صلة لها بيسوع المسيح، يسوع الناصري. وهذا هو موقف جميع علماء الآثار الذين درسوا هذه المخطوطات منذ بدأ اكتشافها سنة 1980م.

والاسم الخامس هو ليهودا بار يشوع أو " يهودا بار يشوع " יהודה בר ישׁוע Yehuda bar Yeshua "، والمنقوش بالآرامية، " "، أي " يهوذا بن يسوع ". وزعموا أنه ابن يسوع من مريم المجدلية!!

ونحن نسأل هل لو كان للمسيح أبن فمتى أنجبه؟! بعد الصلب أم قبله؟ لو كان بعد الصلب، فمتى والفيلم يقول أن التلاميذ سرقوا جسد المسيح بعد صلبه ودفنه مباشرة!! وهل كان سيسميه يهوذا باسم الشخص الذي خانه وسلمه لليهود؟! وإذا كان قد أنجبه قبل الصلب فمن أي مصدر استقوا معلوماتهم هذه عنه؟! ولماذا لم تذكره الأناجيل وجميع الكتب المسيحية في القرون الأولى، سواء الموحى بها أو الأبوكريفية أو كتب آباء الكنيسة أو كتب اليهود والرومان وغيرهم عبر كل العصور؟!!

و الاسم السادس هو " مريم ومارا " والذي قُريء خطأ في البداية " مريمو أي مارا –Mariaminou E Mara "، والذي نقلوه " Mariamene e Mara " وزعموا أنه يعني " مريم المبشرة أو السيدة "!! وخاصة أن هناك كتاباً من القرن الرابع بعنوان أعمال فيلب ورد فيه اسم " مريمين - Mariamene " كأخت لفيلب، التي كانت ترافقه في رحلاته التبشيرية، والتي زعموا أن هذا الاسم لمريم المجدلية. وهذا الاسم هو الوحيد المنقوش باليونانية " "!!

أما العضامات الأربع الباقية فبلا أسماء. وفي نفس السنة 1980م كانوا قد وجدوا في نفس المنطقة أكثر من ألف عضامة منها حوالي 600 مكتوب عليها اسماء والبقية غير مكتوب عليها أي شيء. وبعد دراسة هذه العضامات والأسماء المكتوبة عليها تأكد العلماء أنها كانت مستخدمة في الفترة من 20 ق م إلى سنة 70م، أي نفس فترة وزمن وعصر المسيح. ووجدوا أسماء معينة شائعة في زمانها مثل سمعان ويوسف ولعازر ويهوذا ويوحنا ويسوع ومتى من الرجال ومريم وسالومي ومرثا من النساء. ولذا لم يلفت نظرهم أي شيء غير عادي سوى أنها تصور الأسماء وطريقة دفن الموتى في زمن وعصر المسيح.

ومن حوالي ثلاث سنوات ومنذ أكثر من 24 سنة ذهب المختص بالآثار والمنتج السينمائي سمحا جاكوبوفيشي وزميلة في العمل السينمائي فيلكس جولبيف!! وكان من الواضح أنهما كانا يضمران ويخططان لشيء ما كانا قدا أعدا له العدة وقد جاءا خصيصاً لأجله! وبدءا البحث مباشرة عن الصندوق المنقوش عليه الاسم الذي تصوروا أنه " يشوع ابن يوسف " والصندوق الذي قُريء في البداية " Mariamou e Mara مريمو أي مارا " كما سُجل في كتالوج عالم الآثار الإسرائيلي رحماني وكتالوج عالم الآثار عاموس كلونير. والذي حاول صُنّاع الفيلم وملفقي الكتاب أن يصوروا تلفيقاً أنه يعني مريم المجدلية، كما سنشرح ذلك بالتفصيل في الفصل الثالث، مع بقية النقوش المكتوبة على بقية العضامات الست، وصوروا النقوش التي عليها وذهبوا بها إلى المتخصصين في اللغات القديمة في جامعة هارفارد وفي أذهانهم تخطيط مسبق وافتراضات مسبقه يصرون على الوصول إليها!!

كما استندوا على نموذج إحصائي قام به بعض علماء الإحصاء في جامعة تورينتو بكندا، هذا النموذج يبين شيوع اسماء سمعان ويوسف ولعازر ويهوذا ويوحنا ويسوع ومريم وسالومي ومرثا بين يهود فلسطين في القرن الأول الميلادي بدرجة كثيفة. كما وجدوا أن اسم يسوع تكرر 71 مرة في الأسماء المنقوشة على 600 عضامة كما يتكرر اسم مريم بشكل عام بنسبة 25% في أسماء النساء المذكورات في القرن الأول، ويؤكد العهد الجديد هذه الحقيقة فيذكر لنا من ضمن ثماني نساء كن تلميذات للرب يسوع المسيح خمس منهن باسم مريم " مريم العذراء ومريم أختها (أم يعقوب) ومريم أخت لعازر ومرثا، ومريم المجدلية ومريم أم يوحنا الملقب مرقس.

وبعد الحصول على النتائج التي خططوا للوصول إليها زعموا أن هذه العضامات تحمل نفس الأسماء الرئيسية في العهد الجديد وهي يسوع ومريم ومتى ويوسف ومريم المجدلية ويهوذا! كما زعموا أيضاً أن أبحاث الحمض النووي لم تجد أي علاقة دموية بين " يسوع بن يوسف" ومريم التي زعموا تلفيقا وبلا دليل أنها مريم المجدلية!! وقالوا بما أن دفنهم في القبر نفسه يفترض وجود علاقة قربى لذا يحتمل أن تكون هذه الأسماء ليسوع المسيح وأمه مريم وزوجته مريم المجدلية وابنه يهوذا وتلميذه متى وأخيه يوسي!!

ولكي يخدع سمحا جاكوبوفيشي البسطاء وغير الدارسين قال أنه استعان بعلماء في الإحصاء وعلماء في الآثار ومؤرخين وخبراء في التحليل النووي DNA وأخصائيين في النقوش القديمة وخبير فحص مشاهد الجريمة وأخصائيين في ال Roboot Camera الكاميرا الآلية. وحاول أن يعطي إيحاء لقارئ كتابه المفبرك ومشاهد فيلمه الخيالي أنه توصل بالفعل إلى أن العظام الموجودة في هذه العضامات هي عظام المسيح وأمه مريم وزوجته المزعومة مريم المجدلية مع بعض أقاربهم الأقل درجة، وأنهم دُفنوا معاً في قبر واحد في يوم ما!! وهذا الكلام مبني على أكاذيب وفبركات كما سنين حالاً.

وكان جاكوبوفيشي وصُنّاع الفيلم قد عرضوا في مؤتمر صحفي عضامتين أخرجتا من المغارة بإذن من هيئة الآثار الإسرائيلية محفور عليهما أسمان: " يشوع بار يوسف "، أي " يسوع بن يوسف" و " مريم ومرثا " التي فهموها خطأ على أنها " مريمو أي مارا "، وادعوا انه " لم يتم العثور على عظام داخلهما وان فحصاً للحمض النووي (DNA) أكد أن رجلاً وامرأة ليس بينهما صلة قربى دموية كانا بداخلهما، وان ذلك يدل إلى أنهما كانا زوجين!! وادعى كاميرون انه من غير الجائز أن لا تكون هذه الأسماء التي تم الكشف عنها في العضامات أسماء أفراد عائلة المسيح. ولكي لا يتصادم بفيلمه الملفق مع عقيدة قيامة المسيح من الأموات قال: أن الفيلم لا يشكل تهديدا للعقيدة المسيحية وأنه " لا يلغي أن روح المسيح صعدت إلى السماء "!!

2 – فبركة مكشوفة وخيال وهمي كاذب!!

وقد لعب جاكوبوفيشي وجيمس كاميرون مع بقية صُنّاع الفيلم لعبة خيالية هي: أن اسم " يسوع بن يوسف " استخدم نادرا فبرغم تكرار اسم يسوع 71 مرة إلا أنهم تصوروا وزعموا أن وجود شخص واحد فقط، في هذه المقابر، باسم " يسوع بن يوسف " يعطي احتمالاً أنه يسوع المسيح!! وذلك على الرغم من وجود نقش أخر بهذا الاسم " يسوع بن يوسف " كُشف عنه سنة 1931م، ووجود نقش ثالث بهذا الاسم " يسوع بن يوسف" يقول عاموس كلونير عالم الآثار الإسرائيلي أنه فقد خلال الشهور الماضية!!

وزعم كاميرون وبقية صُناع الفيلم أن اسم مريم يحتمل أنه لأم المسيح!! كما يحتمل أن يكون اسم متى لأحد أفراد عائلة المسيح، واستعانوا بما جاء في لوقا (3 :24) عن " متاث Matthat - Ματθάτ " جد العذراء، وافترضوا أن القديسة مريم أسمت أحد أبنائها " ماتيا Matya " على اسم جده!! وان اسم يوسي والذي له ما يقابله في أحد أولاد خالة المسيح يحتمل أن يكون أحد أفراد عائلة المسيح، كما أن اسمه لم يتكرر مرة أخرى في عضامات تل بيوت!! وأن اسم " Mariamou e Mara " يحتمل أن يكون لمريم المجدلية!! وقالوا أن مريمين – Mariamne " هو الشكل اليوناني لمريم، ولا نعرف من أين أتوا بهذا الهراء والتلفيق!! كما قالوا أن مريم المجدلية بشرت باليونانية! والسؤال هنا ما قيمة أنها بشرت باليونانية في هذا التخريف والتلفيق؟! فكل التلاميذ والرسل بشروا باليونانية!! وما علاقة ذلك بكلمة مريمين التي ثبت أنها ليست اسماً واحداً بل اسمين " مريم ومرثا "!! وهل كل مريمين أو مريم هي مريم المجدلية؟ أليس هذا تلفيقاً وتخريفاً مكشوفاً؟! كما قالوا أن هذه العضامة هي الوحيدة في كل عضامات تل بيوت التي تحمل ذلك الاسم!!

يقول د. بن ويزرنجتون أستاذ تفسير العهد الجديد في سيمينار اسبري اللاهوتي: " ليس لدينا دليل تاريخي واحد على الإطلاق على أن مريم المجدلية قد دعيت باسم يوناني قبل سنة 70م، (ولا حتى إلى نهاية القرن الثاني)، فقد تربت في قرية صيد يهودية تسمى مجدل وليست في مدينة يونانية على الإطلاق وهذا لا يعطي أي معنى لأسم منقوش على عضامة باليونانية، وكيف يكون لزوجها المزعوم اسم بالآرامية؟! 000 ولم تدع مريم المجدلية قط مريمين أو ما يشابه ذلك، بل دعيت في القرن الأول " ماريا " وكذلك في القرن الثاني أيضاً 000 والكلمة الثانية على نفس العضامة هي مارا وهو اختصار مرثا، اسم نسائي آخر وليس إشارة إلى أنها مُعلمة أو سيدة ".

 

ويقول د. ريتشارد بوكام أستاذ دراسات العهد الجديد في سانت ماري كولدج بجامعة القديس أندرو باسكتلندا: " [بعد دراسة لغوية مستفيضة]: لا يوجد أي سبب على الإطلاق لربط تلك المرأة التي في هذه العضامة بمريم المجدلية، وفي الحقيقة فهذا الاسم المستخدم هنا هو ضد هذا الارتباط بشكل حاسم ".

وهذه المزاعم التي زعمها كاميرون وشركاؤه تتنافي مع ابسط الحقائق العلمية والتاريخية والكتابية، لأسباب سنوضحها في الفصول اللاحقة منها؛ أن اسم يسوع كما بينا أعلاه كان شائعا جدا في القرن الأول الميلادي وكذلك اسم مريم ويوسف، كما أن هناك عضامة أخرى، من نفس القبور المذكورة أعلاه، غير التي ذكرها كاميرون عليها نقش " يسوع بن يوسف " وكان قد كشف عنها عالم الآثار أليعازر ليفي في محاضرة له في برلين سنة 1931، أي قبل اكتشاف هذه العضامات بحوالي خمسين سنة!! كما تقول الإحصائيات التي قام بها العلماء أن اسم يسوع كان منتشرا بنسبة 3,8% ولو افترضنا أنه كان في أورشليم كان حوالي 2 مليون ذكر فسيكون هناك 76 ألف شخص باسم يسوع، كما قالوا أن كل 79 شخصاً كان من بينهم واحد باسم يسوع بن يوسف وهذا يعني أنه كان هناك 23 ألف شخص باسم يسوع بن يوسف. إلى جانب أن الرب يسوع المسيح كان معروفاً باسم يسوع الناصري سواء من اليهود أو التلاميذ أو الملائكة الذين بشروا بقيامته.

وكان أحد العلماء قد قام بعمل إحصائية للأسماء اليهودية التي كانت سائدة في فلسطين زمن المسيح، وقام بمقارنتها على نفس الأسماء بحسب تكرارها على العضامات المكتشفة حديثاً ووضع الجدول الآتي الذي سجل فيه الإشارة للاسم في السجلات وتكراره على العضامات، فمن بين 2625 اسما للرجال وجد الآتي:

رقم

الاسم

الإشارة

الكلية

الموجود على

العضامات

النسبة المئوية

في ال 2625

1

سمعان

243

59

9.3%

2

يوسف

218

45

8.3 %

3

لعازر

166

29

6.3 %

4

يهوذا

164

44

6.2 %

5

يوحنا / يوحنان

122

25

4.6 %

6

يسوع

99

22

3.8 %

7

حنانيا

82

18

3.1 %

8

يوناثان

71

14

2.7 %

9

متى

62

17

2.4 %

10

ميناين / مناحيم

42

4

1.6 %

- 16 -

كما وجد من بين اسماء 328 امرأة الأسماء الآتية:

1

مريم

70

42

21.3 %

2

سالومي

58

41

17.7%

3

شيلامزيون

24

19

7.3 %

4

مرثا

20

17

6.1 %

فقد كانت الأسماء المنقوشة على العضامات الستة منتشرة جداً، وهذا ما جعل العلماء يثورون ضد هذه النظريات والافتراضات والاحتمالات الوهمية الملفقة ووجهوا لها اعتراضات وانتقادات كثيرة؛ وعلى سبيل المثال يقول عاموس كلونير عالم الآثار في جامعة بار إيلان الإسرائيلية الذي تابع هذه العضامات منذ اكتشافها سنة 1980م والذي وصف كلام جيمس كاميرون وفيلمه الوثائقي بأنه " مناف للصواب ". وقال " لا يوجد أي دليل علمي " يثبت أن القبر هو ليسوع المسيح وعائلته بل انه " مجرد قبر يهودي يعود إلى القرن الأول بعد المسيح ". وأضاف أن " الأسماء الظاهرة على ست من مجموعات العظام مهمة جدا لأنها تذكر بأسماء شخصيات رئيسية في العهد الجديد. لكن من يقول أن مريم هي مريم المجدلية وان يهوذا هو ابن يسوع؟ هذا لا يمكن إثباته " بشكل قاطع. ولفت كلونير النظر إلى اختلاف أسلوب عمله عن أسلوب عمل مخرجي الفيلم الوثائقي. وقال " إني جامعي واعمل بطريقة علمية لا صلة لها بشيء مع عمل مخرج سينمائي "!! وأضاف أن هذا الفيلم هو " إنتاج هواة لم يستخدموا أي طريقة بحث جدية متجاهلين النشر في الماضي الذي يتعارض تماما مع الرواية التي يروجون لها الآن ". وأشار إلى أن القبور ال 900 التي عثر عليها حول مدينة القدس القديمة ويعود تاريخها إلى الحقبة نفسها يتكرر فيها اسم يسوع 71 مرة كما عثر على اسم " يسوع بن يوسف " منقوش على عضامة أخرى.

كما قال أيضاً إن وجود العضامات المزعومة في مغارة واحدة، هو الذي دعاهم للزعم بأنها للمسيح وعائلته، وليس السبب هو الأسماء. وحذر من التلاعب بالحقائق. وقال أيضاً:

 

" الاسم " يسوع بن يوسف" وجد في ثلاث أو أربع عضامات. فهذه كانت أسماء مشهورة وهناك خطوط رئيسية في أربعينات القرن العشرين تحيط بعضامة أخرى تم الاستشهاد بها كدليل أول على المسيحية. وكان هناك قبر أخر باسم يسوع فقد منذ شهور مضت. أعطني دليلاً علمي وأنا أتفق أما هذا فدليل مصطنع "!!

وقال د. بول ماير من قسم التاريخ بجامعة ميتشجان الغربية: " كل الأسماء - يشوع ويوسف ومريم ومريمين وماتيا ويهوذا ويوسي – هي أسماء يهودية متكررة بكثافة في ذلك الوقت والمكان، وأن معظم العلماء يرون ذلك مجرد تزامن،كما أكدوا من البداية. فربع النساء اليهوديات في ذلك الوقت على سبيل المثال كان اسمهن مريم ".

كما رفض قسم الآثار الإسرائيلية الإدلاء بأي تعليق في هذا الموضوع, لكن احد المتحدثين باسمه قال في سنة 1996 أن احتمال عودة العظام فعلا إلى عائلة المسيح " قريب من الصفر ". كما أوضح أيضا ًأن الأسماء المنقوشة على العضامات هي أسماء كانت عادية منذ ألفي عام " لذلك نعثر دائما على مئات العضامات المنقوش عليها الأسماء نفسها، فلماذا كل هذه الضجة حول العضامات بالذات ما دام هناك غيرها بالأسماء نفسها

وأشارت صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية إلى أن علماء آثار إسرائيليين بارزين يرون أن رواية الفيلم الجديد لا تختلف عن روايات سابقة من جهة عدم مصداقيتها علميا. كما رفض قسم الآثار الإسرائيلية (ا ف ب) الإدلاء بأي تعليق على الفيلم، لكن احد الناطقين باسمه كان قد قال في 1996 أن احتمال عودة العظام إلى عائلة المسيح " قريب من الصفر ".

كما ندد القس روب شينك رئيس المجلس الوطني للاكليروس بأمريكا بهذا الفيلم قائلاً أنه " خيال هوليودي متنكر بحقيقة علمية " وأيضاً: " منذ سنوات هاجمت هوليوود المسيحية " قاصداً بذلك رواية وفيلم " شفرة دافنشي ".

وقال أيضاً: " أن تأكيد المخرج الهوليودي على أن بقايا يسوع عادت إلى التراب مع بقايا أفراد عائلته يعني إنكار قدسية ابن الله وقيامته منتصراً على الموت. أن كاميرون يريد بكل وضوح أن يدق إسفين في قلب المسيحية ".

كما أن وجود النقوش محفورة بثلاث لغات الآرامية والعبرية واليونانية يدل على أنها لأشخاص دفنوا على عدة مراحل أو أجيال، بل ربما خلال عدة أزمنة لأن الأسر كانت تستخدم هذه القبور لعدة أجيال. وهذا يفسر لنا وجود نقوش بثلاث لغات ولو كانوا جميعهم من زمن واحد لكتبوا بلغة واحدة، وهذا ما يؤيده وجود 35 عضامة أخرى في نفس المكان لأشخاص من أسرة واحدة دفنوا عبر عدة أجيال.

كما أنه من المستحيل أن يكون هذا القبر هو قبر عائلة يسوع المسيح بل مجرد قبر شخص يهودي عاش في تلك الفترة والدليل على ذلك الرمز الموجود على القبر وهو مثلث ودائرة وهو رمز يهودي لا مسيحي. ولو كان القبر هو قبر يسوع المسيح لكانوا قد وضعوا عليه علامة صليب.

ولو كان هو قبر عائلة يسوع المسيح لدفن فيه " يعقوب أخو الرب " والذي يؤكد المؤرخ الكنسي المعاصر يوسابيوس القيصري لمجمع نيقية أنه دفن وحدة بجوار الهيكل حيث يقول بالحرف الواحد: " فدفنوه في الحال بجانب الهيكل، ولا يزال قبره (في القرن الرابع) بجوار الهيكل ". وهو ينقل هنا عن هيجسبوس من القرن الثاني الميلادي. (ك2 :23و24).

3 – الفحص النووي DNA المزعوم!!

كما افترضوا أن وجود عظامها في قبر يسوع بن يوسف واختلاف جيناتها عن جينات يسوع بن يوسف، من جهة الأم، حسب فحص الحمض النووي DNA يدل على أنها ليست أخته أو أمه وأفترض أنه يحتمل أن تكون زوجته!! علماً بأن العلماء أكدوا على أربعة حقائق؛ الأولى هي أن الفحص الجيني للحمض النووي والذي اثبت اختلاف الجينات من جهة الأم لا ينفي أن يكونوا أخوة غير أشقاء، من جهة الأب، كما أنه كان من عادة اليهود أن ينظفوا عظام الميت تماما قبل أن يضعوها في العضامة، فكيف استطاعوا عمل هذا الفحص؟! وقد ثبت بعد ذلك أن هذه العضامة كانت تحتوي على عظام امرأتين دفنتا في زمنين مختلفين الأولى " مريم " والثانية " مارا " تصغير مرثا!! فما زعموا أنهم فحصوه من بقايا، أكان لبقايا مريم أم مارا؟ كما أنهم لم يقوموا بفحص هذه العظام بالكربون المشع ليحددوا زمن كل منهما، فقد يكونان من نفس الجيل أو من جيلين مختلفين وزمنين مختلفين، مثل أن يكون أحدهما والداً للأخر أو جداً له!! كما أنهم لم يقوموا بفحص بقية العضامات الأخرى ولما سُئِلَ سمحا جاكوبوفيشي هذا السؤال في برنامج تليفزيوني: " لماذا لم تقوموا بفحص بقية العضامات؟ أجاب " نحن لسنا علماء "!! وهذا أمر غريب فإذا كانوا ليسوا علماء فلماذا فحصوا عضامتين فقط؟!

ألا يدل ذلك على أنهم مبيتون النية على أن يصنعوا من هذا الكشف الأثري قصة سينمائية خيالية مبنية على وهم وخيال وكذب وتلفيق؟؟!!

وقد رفض جميع العلماء افتراضاتهم الوهمية هذه، فبعد أن عرضت قناة ديسكوفري الفيلم في 4/3/2007 قدم الصحفي الأمريكي تيد كوبل Ted Koppel برنامج بعنوان " قبر يسوع الضائع – نظرة نقدية " رد فيه على صُناع الفيلم الخيالي المفبرك وكان ضيوفه؛ المخرج جاكوبوفيشي وجيمس تابور James Tabor أستاذ كرسي الدراسات الدينية بجامعة شمال كارولينا بشارلوت والذي عمل كمستشار في الفيلم، وجوناثان ريد Jonathan Reed بروفسور الدين في جامعة لا فيرن University of LaVerne والمؤلف الشريك لكتاب " البحث عن يسوع تحت الأحجار وخلف النص " ووليم دينفر William Dever العالم الأثري الذي عمل أكثر من 50 سنة في حفريات الشرق الأوسط الأثرية.

وفي هذا البرنامج قال هؤلاء العلماء: بخصوص العضامة المنقوش عليهما يشوع والثانية التي يعتُقد أنها لمريم المجدلية: أن فحص DNA لا يؤكد الجدل الأثري الذي يستنتج أنهما زوج وزوجة. وأثناء نقد كوبل للفيلم قال الآتي: " أنه كتب إنكار من وجهة نظر الجدل الأثري مؤكداً أنه لم يستنتج أن بقايا يشوع ومريمين بينت أنهما زوج وزوجة ". وأكد أنه قال بصورة منطقية: " لا يمكنكم أن تضعوا اختبارا جينياً لإثبات زواج ".

وعلى أساس هذه الافتراضات الواهية وغير المقبولة افترضوا أيضا أن " يهوذا بن يسوع " يحتمل أيضاً أن يكون ابن يسوع ومريم المجدلية!!

ولو افترضنا جدلا أن المسيح عاش بعد حادثة الصلب وأنجب فهذا يعني أنه لم يتوف قبل سنة 50م، أي كان حياً وموجوداً على الأرض لمدة حوالي 20 سنة على الأقل!! في حين أن تلاميذه ورسله كانوا ينادون بقيامته من الأموات بعد صلبه ب 53 يوماً وبعد قيامته ب 50 يوماً، أمام آلاف اليهود الذين آمن منهم ثلاثة آلاف نفس بعد أول عظة للتلاميذ والقديس بطرس مؤكدين لهم قيامة المسيح من الأموات وفي نهاية الأسبوع وصل عدد المؤمنين من اليهود إلى خمسة آلاف، بل وكانت أعداد كبيرة من كهنة اليهود ينضمون للمسيحية ويؤمنون بقيامة المسيح: " وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع7 :6). ولو افترضا أن المسيح كان حيا ومتزوجا لكان اليهود قد واجهوا المسيحيين بذلك وأحضروه هو وزوجته المزعومة وابنه المزعوم أمامهم، وهذا ما لم يحدث.

وفي الأيام القليلة الماضية قام عالم الآثار ستيفن بفان Stephen Pfann أستاذ النصوص والنقوش القديمة في جامعة الأرض المقدسة بأورشليم القدس بعمل بحث في الاسم الذي زعموا كذبا وتلفيقاً أنه لمريم المجدلية، ووضع نتيجة بحثه على النت في يوم الثلاثاء 13 / 3 / 2007م وأكد من خلال مقارنة الأسماء المثيلة في قبور جبل الزيتون والبحر الميت وتل بيوت، أن اسم " Mariamou e Mara " هو بالفعل " Mariam kai Mara - Μaρα καί Μαριaμ "، أي مكون من اسمين لشخصيتين دفنتا في فترتين زمنيتين مختلفتين ونقشهما شخصين مختلفين أيضاً، هما: " مريم ومارا "، أي " مريم ومرثا"!!

وهكذا يتبين لنا أن جميع ما زعمه جاكوبوفيشي وجيمس كاميرون وشركاؤهما هو زعم خيالي باطل مبني على وهم وخيال باطل، وما بني على باطل فهو باطل.

الفصل الثاني

هل هذه العضامة تخص يسوع المسيح؟

 

1 – هل مكتوب على العضامة فعلاً " يسوع بن يوسف "!!

زعم صُناع فيلم " قبر يسوع الضائع " وكتاب " قبر عائلة يسوع " أن الاسم المكتوب على العضامة الثانية في المقبرة هو " يشوع بار يوسف " أي " يسوع بن يوسف ". والسؤال الآن: هل مكتوب فعلا على العضامة " يسوع بن يوسف "؟؟!!

والإجابة كما تقول الدراسة العلمية الدقيقة؛ أن هذا الكلام غير صحيح!! فالجزء الأول من الاسم والذي يفترضون أو يزعمون أنه " يشوع = يسوع " لا يمكن أن يقرأ " يشوع = يسوع "!! فهو مكتوب بطريقة بدائية وحروفه غير واضحة ومن الصعب جداً قراءته، فهذا الاسم يسبقه علامة ولها شكل الصليب.

 

وكما نرى هنا فالنقش الذي على العضامة محفور بطريقة غير متقنة ومخدوشة بشكل رديء. ويبدو أن هناك علامة مستقيمة افترضوا أنها حرف י (يود = ي) يليها علامة أخرى افترضوا أيضاً أنها حرف שׁ (ش) ثم علامة أخرى افترضوا أنها تمثل حرف ו (vav - الواو – و) مدمجة مع اليمنى للعين (ע)، وهذه الحروف مشار إليها بسهمين في النقش كما نقلناه أمامك. ونظرا لصعوبة قراءته فقد رجعوا لقراءة الاسم يشوع (ישׁוע) في النقش الموجود على عضامة " يهودا بار يشوع " وزعموا أنه " يسوع - ישׁוע "!! ونقلوها " ישׁוע בr יהוסף "!! برغم أن ذلك غير واضح تماماً.

بل ويرى بعض العلماء أن النقش هنا يمكن أن يعني " حانون – hanun "! فيقول د. ستيفن فان Dr. Stephen Pfann رئيس جامعة أورشليم وخبير اللغات السامية في الأرضي المقدسة بعد أن رأى صور للنقش الذي على العضامة مصورة بدرجة نقاء عالية: " لا اعتقد أنه (النقش الذي على العضامة) يقول يشوع [يسوع] أنه يقول حانون Hanun أو شيء مثل ذلك ". وقال مع عاموس كلونير عالم الأثار الإسرائيلي؛ ليس من الغريب أن نجد مثل هذه المجموعة من الاسماء التي كانت منتشرة جدا في ذلك الوقت في قبر واحد. وأضاف: " أن العلماء وجدوا أيضاً نقوش تقرأ " يسوع بن يوسف " في قبور أخرى "(1).

والسؤال الآن هو: لماذا اعتبروا الثلاثة حروف المبهمة هنا يود وشين وعين، برغم عدم وضوح الاسم؟! والإجابة هي: نظرا لصعوبة قراءة حروف الاسم فقد رجعوا لقراءة الاسم يشوع ישׁוע في النقش الموجود في عضامة " يهودا بار يشوع - ישׁוע בן יהוסף "، ووافترضوا أن الحروف الثلاثة المبهمة وغير الواضحة هي י (يود = ي) و שׁ (ش) و ו (vav - الواو – و) ومن ثم قالوا أن الاسم هو " يسوع - ישׁוע "!! برغم أن ذلك غير واضح تماماً.

ومع ذلك فلنفترض جدلاً أن الاسم هو " يسوع (يشوع– ישׁוע) "، فهل يعني ذلك أن كل يسوع هو يسوع الناصري أو يسوع المسيح؟؟!! والإجابة مستحيل لسبب بسيط جدا وهو أن اسم يسوع كان شائعا جداً في ذلك العصر، كما أنه بحسب الإحصائيات التي اعتمدت عليها المجموعة التي أنتجت وأخرجت الفيلم كان يوجد بين كل 100 يهودي في فلسطين في عصر المسيح 3،8% باسم يسوع.

ويقولCharlesworth of Princeton Theological Seminary أنه لديه خطاب من القرن الأول كتبه شخص يدعى يسوع وقد أرسله إلى آخر اسمه يسوع ويتضمن شاهد اسمه يسوع أيضاً!! أي أن الراسل والمرسل إليه والشاهد كل منهم اسمه يسوع أيضاً!!

ويقول عالم الأثار الإسرائيلي د. دان بهات Dr. Dan Bahat الذي يعمل مع جامعة تورينتو، في الجيروساليم بوست: " كان اسم يشوع شائعاً في عصر الهيكل الثاني. فحقيقة وجود مثل هذه الاسماء المثيلة هو نتيجة لحقيقة أن هذه الاسماء كانت هي السائدة في ذلك الوقت "(3).

ويقول عالم الأثار الإسرائيلي عاموس كلونير Amos Kloner والذي عمل في هذه القبور والعضامات منذ أكتشافها سنة 1980م: " وُجد الاسم " يسوع ابن يوسف " في ثلاث أو اربع عضامات، فهذه كانت اسماء مشهورة، وهناك خطوط رئيسية في الأربعينات من القرن العشرين تحيط بعضامة أخرى أُستشهد بها كدليل أول على المسيحية، وكان هناك قبر آخر باسم يسوع فقد منذ شهور مضت ". وأضاف قائلاً: " أعطني دليلاً علمياً وانا اتفق معك ". وأشار إلى ما قدمه صُناع الفيلم من أدلة مفبركة وقال: " ولكن هذا دليل مصطنع "(4)!!

كما تقول نفس الإحصائية التي اعتمدوا عليها أنه كان بين كل 79 شخص هناك واحد منهم باسم يسوع بن يوسف!! ولو افترضنا أن يهود أورشليم في ذلك الوقت كان عددهم 2مليون نسمة فهذا معناه أنه كان هناك وقت المسيح 76 ألف شخص باسم يسوع!! وأنه كان هناك أيضاً، وقت المسيح، حوالي 12 ألف و482 شخص باسم يسوع ابن يوسف!! فلماذا لا يكون واحد من هؤلاء هو صاحب هذه العضامة، خاصة وأنه يوجد الآن ثلاث عضامات باسم " يسوع بن يوسف " واحدة تم اكتشافها سنة 1926م وأُعلن عنها في برلين سنة 1931م وأخرى أعلن عنها عالم الآثار عاموس كلونير منذ شهور والثالثة هي موضوع دراستنا الآن؟؟!!

ولو أخذنا بنظرية الاحتمالات التي أخذوا بها فلا يمكن أن تكون هذه العضامة ليسوع المسيح؛ أولاً: لأن المسيح قام من الأموات وظل قبره منذ ذلك الوقت فارغاً، وبالتالي فلا مجال من الأساس لوضعه في هذه المعادلة. ثانياً: ليس هناك أي وثيقة سواء تاريخية أو أثرية أو إنجيلية أو حتى من الكتب الأبوكريفية أو كتب الآباء أو حتى كتب أعداء المسيحية تقول بوجود جسد المسيح في القبر. ثالثاً: بل وشهد الجميع للقيامة وحتى غير المسيحيين قالوا أن المسيحيين كانوا يؤمنون أن المسيح قام من الأموات، واليهود الذين أنكروا ذلك لم يقدموا الدليل بل على العكس وعندما واجههم التلاميذ بحقيقة القيامة وكانوا مؤيدين بالمعجزات آمن منهم عشرات الآلاف بل وكما يقول الكتاب " وجمهور من الكهنة كانوا يطيعون الإيمان ". ورابعاً: وجود الحراسة المشددة على قبر المسيح واستحالة أن يقوم التلاميذ بسرقة الجسد، فالذين تركوه حيا في أيدي الجنود الرومان وجنود الهيكل وهربوا لن يصنعوا معركة مع الجنود الرومان ليأخذوه ميتاً. ولو كانوا قد أخذوه لما تركهم الجنود الرومان أو رؤساء اليهود بل كان من المنطقي والطبيعي أن يقبضوا عليهم ويعذبوهم ولا يتركوهم إلا بعد أن يعترفوا بمكان الجسد، وفي هذه الحالة كان الرومان واليهود سيحضرونه ويعلقونه في أكبر ميدان في أورشليم ليراه الجميع ويبطلون حجة التلاميذ في المناداة بقيامته من الأموات، بل ولكانوا قد سجنوا التلاميذ وحكموا عليهم بالموت صلباً أمام أعين الجميع. ونظراً لأن شيئاً من ذلك لم يحدث فتكون حجة ملفقي الفيلم الخيالي والكتاب الوهمي باطلة وما بني على باطل فهو باطل!!

كما أنه لو كان هذا القبر هو قبر يسوع الناصري لكان قد أولي عناية واهتمام أكبر، ولكان قد وضع بهدوء تام بل وسرية تامة تجنبا للفضيحة وحتى لا يعرف رؤساء اليهود مكانة فيخرجونه ويوجهون به المسيحيين.

 

2 – هل كان لعائلة يسوع قبر في أورشليم؟

يزعم صُناع الفيلم وكاتب كتاب " قبر عائلة المسيح " أنه كان لعائلة المسيح قبر في أورشليم!! فهل هذا يتفق مع الحقيقة والمنطق والتاريخ؟! الحقيقة تقول أن هذا غير صحيح لأنه لا المسيح ولا عائلته، عائلة يوسف النجار، كان يمكن أن يكون لهم قبر في أورشليم لأن يوسف النجار وكل أقارب العذراء القديسة مريم كانوا يعيشون في مدينة الناصرة، حيث يقول الكتاب " وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم " (لو1: 26و27). ويقول عنه الكتاب: " وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة. لكي يتم ما قيل بالأنبياء انه سيدعى ناصريا " (مت 2: 23)، " وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى " (لو4: 16). وفيما بعد يقول الكتاب: " وترك الناصرة وأتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل. ارض زبولون وارض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم. الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما. والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور " (مت 4: 13-15). وهنا سكن في كفر ناحوم وليس أورشليم. ومن ثم كانت الجموع تقول عنه: " هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل " (مت21: 11).

كما لم يقل الإنجيل مطلقا أن الرب يسوع كان يقيم في أورشليم ولم يكن له لا هو ولا من دعوا بأخوته ولا مريم العذراء أمه أنهم كانوا يقيمون في أورشليم أو أنه كان لهم مسكنا فيها!! وكان عادة يبيت في بيت عنيا القريبة من أورشليم حيث يستريح في بيت لعازر الذي أقامه من الموت وأختيه مريم ومرثا " ثم تركهم وخرج خارج المدينة (أورشليم) إلى بيت عنيا وبات هناك " (مت21: 17)، فقد كانت بيت عنيا تقع في مدخل أورشليم وتبعد عنها حوالي ثلاثة كيلو مترات " وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة " (يو11: 1)، والغلوة حوالي 185 متر والمسافة حوالي 3 كيلو متر. بل وفي عشاء صنع الفصح يقول الكتاب أن الرب: " أرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء. اتبعاه. وحيثما يدخل فقولا لرب البيت أن المعلّم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي. فهو يريكما علّية كبيرة مفروشة معدة. هناك أعدا لنا. فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما. فأعدا الفصح " (مر14: 13-16). ولم يكن له بيت فيها ليأكل فيه الفصح مع تلاميذه. بل وكانت أول كنيسة في العالم في أورشليم في بيت القديسة مريم أم القديس مرقس (أع12: 12).

والسؤال هنا هو إذا لم يكن له بيت في أورشليم فكيف يكون له قبر فيها؟؟!! والإجابة ؛ كلا، فقد كان من الطبيعي أن يكون قبر عائلة المسيح في الناصرة وليس في أورشليم الذي لم يكن له سكن فيها، ولو افترضنا أنه دفن في قبر العائلة لكان قد دفن في الناصرة وليس في أورشليم!! وإذا قال البعض أن التلاميذ ويعقوب أخو الرب أقاموا في أورشليم بعد الصلب والقيامة، نقول لهم أن منتجي الفيلم زعموا أن تلاميذ المسيح سرقوا جثته بعد صلبه ودفنه فهل كان لهم قبر في أورشليم في ذلك الوقت حتى يضعوه فيه؟؟!! ولو افترضنا المستحيل وتخيلنا أن عائلته كان لها قبر في أورشليم فهل كان من الممكن أن يضعوه فيه بعد هذه السرقة المزعومة؟؟!! ألم يكن في إمكان رؤساء اليهود أن يعرفوا مكان قبر العائلة ويخرجوه منه ويعلقوه في أكبر ميادين أورشليم وأكثرها ازدحاما ليبطلوا حجة تلاميذه وكرازتهم بقيامته من الأموات؟؟!!

3 – هل كان لقب المسيح " يسوع بن يوسف " أم " يسوع الناصري "؟

لم يلقب الرب يسوع المسيح بلقب " ابن يوسف " الذي كان يظن الناس أنه أبوه كقول القديس لوقا بالروح: " وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي " (لو3: 23)، إلا في مدينة الناصرة في الجليل وكفر ناحوم فقط لأنهم كانوا يعرفون يوسف النجار وأمه مريم العذراء " أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بابيه وأمه " (يو6: 42). حيث كانوا يعرفون أمه ويوسف النجار وأخوته الذين هم أبناء خالته وكانوا يقولون عنه: " أليس هذا هو النجار ابن مريم واخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان. أوليست أخواته ههنا عندنا " (مر6: 3)، " أليس هذا ابن النجار. أليست أمه تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا " (مت13: 55). ثم نفهم أن أخوته هؤلاء هم أبناء مريم أخت أمه " واخت امه مريم زوجة كلوبا " (يو19: 25)، والتي كانت تسمى: " مريم أم يعقوب ويوسي " (مت27: 56).

 

وكان يلقب بيسوع الناصري حتى من الأرواح الشريرة التي كانت تصرخ عندما يقترب منها وتقول: " آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري " (مر1: 24). ووصف تلاميذه باتباع الناصري: " فلما رأت (الجارية) بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت وأنت كنت مع يسوع الناصري " (مر15: 67). حتى الملائكة وصفوه بيسوع الناصري: " فقال (الملاك) لهنّ لا تندهشن. انتنّ تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام " (مر 16: 6)، وكان تلاميذه أيضاً يصفونه بهذا اللقب حيث قال عنه تلميذا عمواس: " يسوع الناصري الذي كان إنسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب " (لو24: 19). وفي أول خطبة للقديس بطرس بعد حلول الروح القدس قال للجموع: " أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم أيضاً تعلمون " (أع 2: 22). وكان يشفي المرضى باسم يسوع الناصري: " فقال بطرس ليس لي فضة ولا ذهب ولكن الذي لي فإياه أعطيك.باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش " (أع 3: 6). ورد على الذين رأوا المعجزة من رؤساء اليهود قائلاً: " فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي أقامه الله من الأموات. بذاك وقف هذا أمامكم صحيحا " (أع4: 10). ولما ظهر الرب يسوع المسيح للقديس بولس تكلم عن نفسه بنفس هذا اللقب: " أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده " (أع28: 2).

ولذا فلم يكن من الممكن أن يسمى بعد موته ب " يسوع ابن يوسف " مطلقا!! ولو افترضنا المستحيل وقلنا أن عظامه وضعت في عضامة لكانوا قد كتبوا عليها يسوع الناصري، الاسم الذي عُرف به ولقّبه به الجميع، بل وما كانوا قد وضعوا اسمه من الأساس على العضامة حتى لا يكتشف اليهود رفاته المزعومة لأنه من المفترض أن لا يتوقف اليهود، الذين زعموا أن تلاميذه سرقوا جثته ليلاً، عن البحث عنها لمهاجمة التلاميذ الذين نادوا بقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات.

كما قال البعض من الذين يصطادون في الماء العكر زاعمين لماذا لا تكون هذه الجثة هي لشبيه المسيح الذي صلب بدلاً منه؟!! وهنا نقول لهم أن كل ما قلناه أعلاه ينطبق على هذه الجثة المزعومة! فقد كانوا سيعاملونها باعتبارها جثة المسيح، وجسد المسيح لم يوجد في القبر بل وُجد القبر فارغاً.

4 – كرازة التلاميذ بقيامة المسيح من الأموات:

بعد 53 يوم من موت المسيح ودفنه، وبعد 50 يوم من قيامته من الأموات وبعد 10 أيام من صعوده إلى السموات، وقف تلاميذه أملام عشرات الآلاف من اليهود في يوم الخمسين، وبعد أن حل عليهم الروح القدس، موجهين الخطاب لهؤلاء المجتمعين من اليهود، ينادون بأن يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم قد قام من الأموات: " فوقف بطرس مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون ليكن هذا معلوما عندكم وأصغوا إلى كلامي 000 أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم أيضاً تعلمون. هذا أخذتموه مسلّما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه 000 أيها الرجال الأخوة يسوغ أن يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داود انه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح انه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك. وإذ ارتفع بيمين الله واخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي انتم الآن تبصرونه وتسمعونه 000 فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه انتم ربا ومسيحا فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة. فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا. وبأقوال أخر كثيرة كان يشهد لهم ويعظهم قائلا اخلصوا من هذا الجيل الملتوي. فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضمّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس " (أع2: 14-40).

وهنا نلاحظ أن القديس بطرس يوجه كلامه للجماهير ويؤكد لهم أن الرب يسوع المسيح عاش في وسطهم وصنع آيات وقوات وعجائب بينهم وأمام أعينهم وأنهم هم الذي قتلوه صلبوه ولكن الله أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السموات. ولم يجرؤ واحد لا من هذه الجماهير الغفيرة ولا من رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين أن يناقضوهم أو يواجهوهم بعكس ما يقولون!! ولو كانوا واثقين فعلاً أن تلاميذه قد سرقوا الجسد أو حتى أنه لم يقم من الأموات لكانوا قد قبضوا عليهم وأجبروهم على الاعتراف بالمكان الذي وضعوا فيه جسد الرب يسوع المسيح ولكانوا قد أحضروه، أي الجسد، وعلقوه في أكبر ميادين أورشليم وأكثرها ازدحاماً ليراه جميع الناس ويبطلوا حجتهم وحتى لا يؤمن أحد بكلامهم!! ولكن ما حدث هو العكس تماماً فلم يجرؤ أحد أن يواجههم بأي إدعاء من هذه الإدعاءات، بل وقد آمن منهم في ذلك اليوم وحده ثلاثة آلاف نفس!!

كانوا يقولون الحقيقة التي لمسوها بأنفسهم فقد تأكدوا من قيامة الرب من الأموات وظهر لهم مدة أربعين يوماً مرات كثيرة، ولذا كانت شهادتهم وعمل الروح القدس فيهم لا حد له، وكان الرب كما سبق أن وعدهم " وهذه الآيات تتبع المؤمنين.يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيّات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله. وأما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة " (مر16: 17-19). لذا يقول الكتاب: " وصار خوف في كل نفس. وكانت عجائب وآيات كثيرة تجرى على أيدي الرسل " (أع2: 43)، " وسيمون أيضاً نفسه آمن. ولما اعتمد كان يلازم فيلبس. وإذ رأى آيات وقوات عظيمة تجرى اندهش " (أع8: 13)، " فأقاما (بولس وبرنابا) زمانا طويلا يجاهران بالرب الذي كان يشهد لكلمة نعمته ويعطي أن تجرى آيات وعجائب على أيديهما " (أع14: 3). ولم يكن عامة الشعب فقط هم الذين آمنوا بل وعدد كبير من الكهنة كانوا يؤمنون كما يقول الكتاب: " وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جدا في أورشليم وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان " (أع6: 7). وهذا يدل ويؤكد على حقيقة واحدة هي أن اليهود كانوا يعرفون أن إدعاءهم بسرقة التلاميذ للجسد هو إدعاء كاذب وباطل لذا لم يستطيعوا قط أن يواجهوا التلاميذ أو أن يمنعوهم من الكرازة بقيامة الرب يسوع المسيح من الأموات!! بل وتدل الحادثة التالية، التي شفي فيها القديسان بطرس ويوحنا المقعد الذي كان يجلس كل يوم على باب الهيكل، على ذلك، يقول الكتاب:

" وحدث في الغد أن رؤساءهم وشيوخهم وكتبتهم اجتمعوا إلى أورشليم مع حنان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والاسكندر وجميع الذين كانوا من عشيرة رؤساء الكهنة. ولما أقاموهما في الوسط جعلوا يسألونهما بأية قوة وبأي اسم صنعتما أنتما هذا. حينئذ امتلأ بطرس من الروح القدس وقال لهم يا رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل أن كنا نفحص اليوم عن إحسان إلى إنسان سقيم بماذا شفي هذا فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي أقامه الله من الأموات. بذاك وقف هذا أمامكم صحيحا. هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون الذي صار رأس الزاوية. وليس بأحد غيره الخلاص.لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميّان تعجبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع. ولكن إذ نظروا الإنسان الذي شفي واقفا معهما لم يكن لهم شيء يناقضون به. فأمروهما أن يخرجا إلى خارج المجمع وتآمروا فيما بينهم قائلين. ماذا نفعل بهذين الرجلين. لأنه ظاهر لجميع سكان أورشليم أن آية معلومة قد جرت بأيديهما ولا نقدر أن ننكر‏. ولكن لئلا تشيع أكثر في الشعب لنهددهما تهديدا أن لا يكلما أحدا من الناس فيما بعد بهذا الاسم. فدعوهما وأوصوهما أن لا ينطقا البتة ولا يعلّما باسم يسوع فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا أن كان حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا. لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا. وبعدما هددوهما أيضاً أطلقوهما إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما بسبب الشعب. لأن الجميع كانوا يمجدون الله على ما جرى " (أع4: 5-21).

وهنا أمام الحقيقة التي لم يستطع رؤساء اليهود إنكارها وأمام المعجزة التي جرت أم عدد كبير من الشعب لم يستطع رؤساء اليهود أن يفعلوا شيئا مع التلاميذ!! لماذا لأنهم كانوا يعلمون أن ما يقوله التلاميذ عن قيامة المسيح من الأموات هو حق ولكونهم كانوا مؤيدين بالآيات والعجائب والمعجزات لم يقدر رؤساء اليهود أن يفعلوا لهم شيئاً بالمرة سوى التهديد!! ويتضح عجزهم التام عن مواجهة حجة التلاميذ فصحة وحقيقة كل ما يقولونه عن قيامة المسيح من الأموات في الحادثة التالية:

 

" وجرت على أيدي الرسل آيات وعجائب كثيرة في الشعب. وكان الجميع بنفس واحدة في رواق سليمان. وأما الآخرون فلم يكن احد منهم يجسر أن يلتصق بهم. لكن كان الشعب يعظمهم. وكان مؤمنون ينضمون للرب أكثر. جماهير من رجال ونساء. حتى أنهم كانوا يحملون المرضى خارجا في الشوارع ويضعونهم على فرش وأسرّة حتى إذا جاء بطرس يخيّم ولو ظله على احد منهم. واجتمع جمهور المدن المحيطة إلى أورشليم حاملين مرضى ومعذبين من أرواح نجسة وكانوا يبرأون جميعهم فقام رئيس الكهنة وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين وامتلأوا غيرة فالقوا أيديهم على الرسل ووضعوهم في حبس العامة. ولكن ملاك الرب في الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم وقال اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة. فلما سمعوا دخلوا الهيكل نحو الصبح وجعلوا يعلّمون. ثم جاء رئيس الكهنة والذين معه ودعوا المجمع وكل مشيخة بني إسرائيل فأرسلوا إلى الحبس ليؤتى بهم. ولكن الخدام لما جاءوا لم يجدوهم في السجن فرجعوا واخبروا قائلين أننا وجدنا الحبس مغلقا بكل حرص والحراس واقفين خارجا أمام الأبواب ولكن لما فتحنا لم نجد في الداخل أحدا فلما سمع الكاهن وقائد جند الهيكل ورؤساء الكهنة هذه الأقوال ارتابوا من جهتهم ما عسى أن يصير هذا. ثم جاء واحد واخبرهم قائلا هوذا الرجال الذين وضعتموهم في السجن هم في الهيكل واقفين يعلّمون الشعب. حينئذ مضى قائد الجند مع الخدام فأحضرهم لا بعنف لأنهم كانوا يخافون الشعب لئلا يرجموا. فلما أحضروهم أوقفوهم في المجمع.فسألهم رئيس الكهنة قائلا أما أوصيناكم وصية أن لا تعلّموا بهذا الاسم.وها انتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان. فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. اله آبائنا أقام يسوع الذي انتم قتلتموه معلقين إياه على خشبة. هذا رفّعه الله بيمينه رئيسا ومخلّصا ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الأمور والروح القدس أيضاً الذي أعطاه الله للذين يطيعونه فلما سمعوا حنقوا وجعلوا يتشاورون أن يقتلوهم. فقام في المجمع رجل فريسي اسمه غمالائيل معلّم للناموس مكرم عند جميع الشعب وأمر أن يخرج الرسل قليلا. ثم قال لهم. أيها الرجال الإسرائيليون احترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء الناس في ما انتم مزمعون أن تفعلوا. لأنه قبل هذه الأيام قام ثوداس قائلا عن نفسه انه شيء. الذي التصق به عدد من الرجال نحو أربع مئة.الذي قتل وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء. بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب وأزاغ وراءه شعبا غفيرا. فذاك أيضاً هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا. والآن أقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم. لأنه أن كان هذا الرأي أو هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وأن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه.لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً. فانقادوا إليه. ودعوا الرسل وجلدوهم وأوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستاهلين أن يهانوا من اجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلّمين ومبشرين بيسوع المسيح " (أع5: 5-43).

 

القبر الفارغ أو قبر الرب يسوع المسيح في أورشليم القدس


 

(3)http://www.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1171894534980&pagename=JPost%2FJPArticle%2FPrinter

(4)http://www.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1171894527185&pagename=JPost%2FJPArticle%2FShowFull

- 24 -

الفصل الثالث

إسم مريم المجدلية هل يوجد على إحدى هذه العضامات؟

 

1 – من هي صاحبة النقش الذي على العضامة المزعومة لمريم المجدلية؟

 

استخدم صُناع الفيلم الخيالي " قبر يسوع الضائع "، ومؤلفي الكتاب المفبرك "قبر عائلة يسوع "، الاسم المكتوب باليونانية على العضامة التي زعموا أنها لمريم المجدلية، والذي قُرأ في البداية " مريمو أي مارا – Mariaminou E Mara " وجعلوه يلعب دوراً كبيراً في حبكتهم الخيالية الملفقة!! وحولوه إلى " مريمين - Mariamene " أو " مريمن - Mariamne " وزعموا أنه يعني في اليونانية " مريم المبشرة أو السيد "!! على أساس أن كلمة " مارا " في الآرامية تعني السيد!! وتجاهلوا أن المقبرة بها عضامات مكتوبة بالعبرية وأخرى بالآرامية أما هذه العضامة بالذات فمكتوبة باللغة اليونانية ولو كانت كلمة مارا مستخدمة بمعناها الآرامي لكتبت بالآرامية وليس باليونانية!! وقد قصدوا بذلك إيجاد علاقة زواج بينها وبين المسيح مستغلين في ذلك ما سبق أن نشر في كتاب شفرة دافنشي وما سبقه من كتب مثل كتاب " الدم المقدس الكأس المقدسة " وكتب مارجريت ستاربيرد والذين أثبنا كذبهم وفبركتهم وتلفيقهم، وفي هذه المرة لعب صُنّاع فيلم " قبر يسوع الضائع " وملفقي " كتاب " قبر عائلة يسوع " على ندرة استخدام هذا الاسم على العضامات وتفرده في نقوش عضامات تل بيوت وأعطوا له مغزى هام في الإحصائيات التي استخدموها على غير حقيقتها، كما اعتمدوا أيضاً على الفهم الخاطئ لما قاله بروفيسور فرانسوا بوفين Prof. François Bovon من جامعة هارفارد, الذي ترجم كتاب " أعمال فيليب "، الأبوكريفي المنحول المكتوب في القرن الرابع الميلادي والذي توجد له مخطوطة من القرن الرابع عشر، إلى الفرنسية، وقد ورد فيه اسم " مريمين - Mariamene " كأخت لفيليب، وبرغم ذلك أن اسم مريم المجدلية في أعمال فيليب هو مريمن، وزعم أن ذلك مبني على القصص الأبوكريفية والتي تتحدث عن علاقة قريبة بين مريم المجدلية ويسوع مما أعطاها مكانة كبرى في الكنيسة المسيحية الأولى!!

1 - وما زعمه هذا الرجل هنا ولفقه لا يوجد عليه أي دليل إلا في خياله هو وحده!! فكلمة مريم في العبرية هي " מרים " وتستخدم في العهد الجديد " Μαρία, Μαριάμ - Maria Mariam ". وذكرت مريم المجدلية " Μαρία ἡ Μαγδαληνὴ " في الإنجيل بأوجهه الأربعة(1)، ولم يستخدم تعبير مريمين أو مريمن على الإطلاق، لا في الإنجيل بأوجهه الأربعة ولا في كتبات آباء الكنيسة الأولى ولا في أي وثيقة من القرنين الأول والثاني!! وترجم إلى اليونانية Maria / Mariame/ Mariamme.

2 - واستخدمه كل من كلسس وإنجيل مريم المجدلية الأبوكريفي المنحول وكتاب " حكمة يسوع المسيح – Sophia of Jesus Christ "، الأبوكريفي، والثلاثة من القرن الثالث أيضاً " Mariamme ". ويستخدم وإنجيل مريم المجدلية أيضاً تعبير " ماريا – Maria ".

3 – كما أن نص أعمال فيليب، الذي يعول عليه هؤلاء لا يقول بذلك بل يقول أن مريمين هذه أخت فيليب! حيث يقول بالحرف الواحد:

" وحدث عندما قسم المخلص الرسل وذهب كل منهم بحسب قسمته، فقد وقع على فيليب أن يذهب إلى دولة الإغريق: وأعتقد أن ذلك صعب وبكى. وعندما رأته مريمين (Mariamene) أخته (فقد كانت هي التي جهزت الخبز والملح عند كسر الخبز، ولكن

مرثا كانت هي التي خدمت الجموع وعملت كثيراً) (2) ذهبت إلى يسوع وقالت: يا رب ألا ترى أن أخي منفعل ".

وهذا الحدث الذي تشير إليه أعمال فيليب مذكور لوقا (10: 38-42) والأختين هنا هما مريم ومرثا أختي لعازر!! فقد خلط مترجم هذا الكتاب الأبوكريفي المنحول بين مريم ومرثا أختا لعازر الذين من بيت عنيا ومن اسماها بمريمين أخت فيليب والمفترض أن فيليب هذا هو فيلبس، وفيلبس من بيت صيدا " وكان فيلبس من بيت صيدا من مدينة اندراوس وبطرس " (يو1: 44)، في حين كانت مريم المجدلية من قرية مجدل!! كما أن أعمال فيليب تصف مريمين هذه بأنها كانت ترافق فليب في جولاته التبشيرية، كما تقول أنها كانت معه أيام حكم الإمبراطور الروماني تراجان (98 - 117م):

" في أيام تراجان Trajan وبعد استشهاد سمعان ابن كلوباس أسقف أورشليم وخليفة يعقوب، كان فيليب الرسول يبشر في كل مدن ليديا وآسيا، وجاء إلى مدينة اوفيوريمي Ophioryme (شارع الحية) والتي تدعى هيرابوليس آسيا، وقبلنا ستاكيس Stachys، شخص مؤمن، وكان معه برثولماوس احد السبعين، وأخته (أي أخت فيليب) مريمني Mariamne، وتلاميذهم "(2).

وقد حكم الإمبراطور تراجان في الفترة من 98 إلى 117م، ومعنى هذا أن القصة من الأساس خيالية وملفقة ولا أساس لها من الصحة!! لأنه لو أفترضنا أن مريمين هذه كان عمرها وقت المسيح 20 سنة فسيكون سنها .زمن الإمبراطور تراجان 90 سنة على الأقل!! ومن المستحيل أن تكون هي صاحبة العضامة التي في قبر عائلة يسوع المزعوم، لسبب بسيط جدا وهو أن جميع علماء الآثار الذين درسوا هذه العضامات، ويتفق معهم صُنّاع الفيلم، يقولون أن هذا القبر أغُلق تماماً سنة 68م، بسبب حصار أورشليم ودمارها سنة 70م، ولم يدفن فيه أحد بعد هذا التاريخ، أي قبل هذه الرواية التي يرويها كتاب أعمال فيليب بحوالي 35 سنة على الأقل!! كما أنه لم يوجد أحد من المسيحيين أو تلاميذ المسيح في أورشليم لا أثناء حصارها ولا بعده فقد فهموا ما سبق أن أنبأهم به الرب يسوع المسيح عن خراب أورشليم الآتي: " فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس. ليفهم القارئ. فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال " (مت24: 15و16).

2 – صدمة علمية صاعقة لصُناع الفيلم ومؤلفي الكتاب!!

وبعد الضجة التي أثارها صُنّاع الفيلم الخيالي الوهمي ومؤلفي الكتاب الملفق قام أحد علماء النصوص والنقوش القديمة هو البروفيسور ستيفن بفين Stephen Pfann عضو فريق المحررين الدوليين لمخطوطات البحر الميت ومؤسس مركز دراسة فجر المسيحية والأستاذ بجامعة الأرض المقدسة بأورشليم القدس بعمل دراسة علمية دقيقة لمعرفة حقيقة هذا الاسم الذي أثار هذه الضجة والذي قرءوه في البداية وسجله رحماني وعاموس كلونير في كتالوج كل منهما " مريمو أي مارا- Mariaminou E Mara):

والمنقوش على صندوق العظام، العضامة، هكذا:

 

 

ونشر دراسته، الجديدة هذه، على موقع الجامعة التي يقوم فيها بدراساته الأثرية في القدس(4)، وكانت نتيجتها والتي وضعها في الموقع ونشرتها جريدة الجيروساليم بوست يوم الثلاثاء 13/3/2007م(5) على عكس كل ما لفقه صُنّاع الفيلم ومؤلفي الكتاب!! ويقول ملخصها أنه بمقارنة النص الموجود على العضامة، والمنقول كما هو أعلاه، بالنصوص الموجودة على عضامات Dominus Flevit المكتشفة على منحدر جبل الزيتون الغربي من نفس الفترة التاريخية وما جاء بمخطوطات البحر الميت أو قمران أتضح الآتي:

1 – النقش الأصلي المنقوش على العضامة تمت قراءته بصورة خاطئة وغير صحيحة!!

2 – النقش لا يمكن أن يُقرأ " Mariamene the Master – مريمين السيد "، بل أن الاسم Mariamene مريمين أو Mariamne مريمن غير موجود على نقش العضامة من الأساس!!

3 – يتضح من النقش أن الذي نقشه ليس شخص واحد بل شخصين مختلفين في زمنين مختلفين لأسمين مختلفين!!

4 – وأن القراءة الصحيحة والدقيقة للنقش بناء على المقارنة التي حدثت بينه وبين نقوش ووثائق معاصرة له هي " مريم ومارا – Mariame and Mara "!!

5 – وبناء على ذلك فقد احتوت العضامة على عظام امرأتين مختلفتين، على الأقل، وضعتا في زمنين مختلفين، واحدة اسمها مريم والثانية مارا، وهو تصغير مرثا!!

6 – ولم يعد هناك أي دليل يمكن أن يشتبه منه أن العضامة لمريم المجدلية!!

فقد كتب الاسم الأول على العضامة بأسلوب اللغة اليونانية الوثائقية المعاصرة في القرن الأول وهو مكون من سبعة حروف:

أي Mariame وهو شكل طبيعي للاسم مريم في العبرية " מרים "، وهو أحد أشكال الاسم مريم في اليونانية (μαριαμ = Mariam). ويلي الاسم مساحة كافية للتمييز بين كلمتين مختلفتين. ثم يليها كلمة:

والتي فسرها رحماني " NOU " وبالتالي جعل الاسم يقرأ خطأ " MARIAMENOU " والتي حولها إلى ملفقي الفيلم والكتاب إلى Mariamene " "!! وبسبب هذه القراءة الخاطئة بني صُنّاع الفيلم الخيالي والكتاب الملفق حبكتهم الخيالية المفبركة على أنها يمكن أن تكون مريم المجدلية!! فقد قرأ رحماني الحرف الأول " N " ولكن هذه القراءة أثبت ستيفن بيفان أنها قراءة خاطئة لأنه لا مثيل لها في كل العضامات والمخطوطات المكتشفة من ذلك العصر وهي عضامات تل بيوت ومنطقة Dominus Flevit على المنحدر الغربي لجبل الزيتون ومخطوطات البحر الميت، بل ولم يجد أي حالة في جميع هذه الحالات قرئ فيها هذا الحرف " N " أو أنه كتب بهذه الطريقة ولكنه هذا الحرف استخدم وقرئ كحرف " K = k " كما في الكلمتين التاليتين:

 

"KALON KERAMION"

كما قدم بيفن الوثيقة التالية للتأكيد على صحة ما توصل إليه، ففيها يظهر حرف " k " مثل الحرف موضوع دراستنا تماماً

 

وذلك إلى جانب أن الحرفين التاليين له في الكلمة لا يشبهان " OU " أبداً!! ومع الدراسة العلمية الدقيقة والمقارنة لكل استخدامات هذا الحرف على العضامات وفي وثائق البحر الميت وجد أن الحروف الثلاثة تشكل كلمة " και = and = و" والتي تعني " و " بالعربية، ومكتوبين بالخط المتصل وبطريقة مختلفة وأسلوب مختلف عن طريقة وأسلوب كاتب الاسم الأول، ولكن بنفس طريقة الاسم الثاني " μαρα ":

 

 

و " μαρα = Mara = مارا " وهي أختصار لاسم " مرثا = μαρθα = Martha ". ونلاحظ هنا اختلاف أسلوب كاتب الأول عن الاسم الثاني في طريقة وشكل وأسلوب كتابة الحروف، وعلى سبيل المثال لاحظ شكل حرف " M = M و μ " وحرف " A = A وα " وحرف " R = r " والاختلاف في الشكل في الاسمين:

كما أثبت هذا العالم من دراسته لأسلوب الكتابة والنقش أن العضامة كانت تحتوي على عظام شخصيتين على الأقل دفنتا في زمنين مختلفين ونقش اسميهما بيد كاتبين مختلفين الأولى باسم مريم وقد وضعت في هذه العضامة أولاً وكتب اسمها على العضامة " μαριαμe "، وبعد ذلك بفترة زمنية وضعت عظام الثانية وتدعى " مارا " وهو اختصار لاسم مرثا في نفس العضامة، ومن ثم كتب شخص آخر وبخط آخر " μαρα και - KAI MARA " أي " ومرثا "، وبهذا توصل إلى أن الاسمين هما بدقة " مريم ومارا – MARIAME KAI MARA " وليس " Mariaminou E Mara "!! ومما أكد ذلك أيضاً هو أنه وجد أسمي " مريم ومرثا = Martha and Maria "على عضامات جبل الزيتون بالعبرية والآرامية:

وقد اثبت هذا العالم أن بعض العضامات كانت تضم عظام لشخص واحد أو أثنين أو ثلاثة أو خمسة أو أكثر، وعلى سبيل المثال فقد وجد عضامة تضم الأسماء الخمسة التالية:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وهي زكريا ومريم ولعازر وسمعان وشينيت!! (Zacharias, Mariame, El'azar, Simon, and Sheniit)، فقد كانت هذا الأسماء شائعة جداً، كما بينّا في الفصل الأول.


 

(1) مت27 :56و61؛ مت28 :1؛ مر15 :40؛15 :47؛16 :1؛ لو24 :10؛ يو20 :1؛20 :18.

(2) Apocryphal Acts of Philip VIII. 94.

(3)Acts of Philip, 107.

(5)http://www.jpost.com/servlet/Satellite?apage=1&cid=1173823735069&pagename=JPost%2FJPArticle%2FShowFull

 

الفصل الرابع

الإدعاء بسرقة الجسد وحقيقة القبر الفارغ؟!

 

1 – محور الفيلم وحبكته الخيالية الملفقة:

عندما نشاهد فيلم " قبر يسوع الضائع " نجده يبدأ بداية غريبة وشاذة بل وغير معقولة على الإطلاق، ولا علاقة لها بالتلاميذ أو بالمسيح، ولا يمكن أن تصدق!! إذ يتخذ من الإشاعة - التي أطلقها رؤساء اليهود بعد قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات وقولهم أن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوا جسده من القبر والحراس نيام - حقيقة ويبني عليها كل فكرة الفيلم!! بل ويريد أن يقنعنا بحقيقتها ويزعم أن المسيح قد قام من الأموات بالروح فقط وليس بالجسد!! في حين أنه وبقية من اشتركوا في أنتاج الفيلم وإخراجه لا يبدو أنهم يؤمون بأي دين من الأديان!! فيصور لنا مشهد دفن المسيح بعد صلبه وموته ثم تسلل تلاميذه ليلا لسرقة جسده ودفنه فيما يسمونه بمقبرة العائلة!! ثم عودتهم للقبر بعد تحلل الجسد المزعوم ووضع عظامه في عضامة وكتابة اسم " يسوع بن يوسف " عليها!!

ولكي نبين كذب هذه المزاعم والإدعاءات الخيالية لكتاب أهانوا الله ومسيحه، وذهبوا وراء خيال سينمائي فاسد وهوس أصاب خيال صناع أفلام الكوارث والخيال الذي لا يتفق مع المنطق والعقل ولا يحترم المقدسات وقد عملوا بمبدأ " إذا لم يكن الله موجوداً فكل شيء مباح من أصغر الشرور حتى أكبر الجرائم ". فكل شيء بالنسبة لأمثالهم مباح!! يجب أن ندرس أحداث الدفن والقيامة كتابياً وتاريخياً ووثائقياً ومنطقياً.

كان من عادة اليهود أن يدفنوا المصلوبين في نفس اليوم لئلا تتنجس الأرض بسببهم: " وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم.لان المعلّق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبا " (تث21: 22و23). ويؤكد القديس بولس بالروح القدس على ذلك بقوله " المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علّق على خشبة " (غل3: 13). والكلمة العبرية المستخدمة خشبة هنا " עץates "، وكذلك الكلمة اليونانية " ξύλον - xoo'-lon " وتعني خشبة أو شجرة، ويؤكد ذلك التلمود والمشناة والترجمة اليونانية السبعينية، ومن ثم يمكن أن تترجم، وخاصة في اليونانية، على صليب. وحسب التقاليد اليهودية والتي أكدت عليها كتب التلمود والمشناة وكتابات يوسيفوس كان الموتى بهذا الشكل لا يدفنون في مقابر عائلاتهم، بل في مدافن مخصصة لمثل هؤلاء المذنبين، خاصة لأن تهمتهم الرئيسية كانت هي التجديف وهذا ما أتهم به الرب يسوع المسيح بسبب إعلانه أمام رئيس الكهنة أنه المسيح ابن الله: " استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله " (مت26: 64)، " فقال يسوع أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء. فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود. قد سمعتم التجاديف. ما رأيكم. فالجميع حكموا عليه انه مستوجب الموت " (مر14: 62-64)، " فمزّق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلا قد جدّف. ما حاجتنا بعد إلى شهود. ها قد سمعتم تجديفه " (مت26: 65)، " أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله " (يو7: 19). ولذا فبحسب الناموس اليهودي الذي يقول لا يدفن الشرير مع البار كان يجب أن يدفن المسيح في مقابر المذنبين، هذا فضلا على أن المسيح لم يكن من أورشليم بل من الناصرة ولم يكن لعائلته قبر في أورشليم.

ونظرا لأن من قام بتنفيذ حكم الموت في المسيح هم الرومان وكان الوالي بيلاطس البنطي الذي كان موجودا بينهم منذ عدة سنوات، يعرف عادات اليهود جيداً، ولكنه كان في نفس الوقت يرى في المسيح شخصا بارا لا يستحق الموت، بل وكان يرى فيه شخصية مهابة لم ير مثله في حياته. وحتى لا يدفن الرب يسوع في مقابر المذنبين، كان الله قد رتب في مشورته الأزلية وعلمه السابق، كما سبق أن تنبأ اشعياء النبي أن يدفن في مقبرة وحده " وجعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته " (اش53: 9)، تمهيدا لإعلان قيامته من الأموات. ومن ثم تدخل رجل غني وصاحب مكانة يصفه الكتاب بأنه " مشير - εὐσχήμωνeuschēmōn "، أي نبيل و " شريف - βουλευτής - bouleutēs "، فهو عضو في السنهدرين اليهودي. ومن الواضح أن له علاقة جيدة مع بيلاطس ومن ثم طلب أن يدفن جسد يسوع في قبره الجديد الذي نحته في الصخر ولم يدفن فيه أحد قط. لذا فبعد صلبه وإنزاله من على الصليب يقول الكتاب: " ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف. وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع. فهذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطى الجسد. فاخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي. ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجرا كبيرا على باب القبر ومضى " (مت27: 57-60).

ويصفه الإنجيل للقديس مرقس بقوله: " جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو أيضاً منتظرا ملكوت الله فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع " (مر16: 44). ويقول الإنجيل للقديس لوقا: " وإذا رجل اسمه يوسف وكان مشيرا ورجلا صالحا بارا. هذا لم يكن موافقا لرأيهم وعملهم. وهو من الرامة مدينة لليهود. وكان هو أيضاً ينتظر ملكوت الله. هذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. وانزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن احد وضع قط " (لو23: 50-53).

كما اشترك معه في عملية الدفن أحد رجال الدين اليهود الأغنياء جدا وأحد أعضاء السنهدرين الذي هو أعلى سلطة يهودية في ذلك الوقت، يقول الإنجيل للقديس يوحنا: " ثم أن يوسف الذي من الرامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع. فأذن بيلاطس فجاء واخذ جسد يسوع. وجاء أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولا إلى يسوع ليلا وهو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة منا. فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا. وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه احد قط. فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود لان القبر كان قريبا " (يو19: 38-42).

ونلاحظ هنا أن جسد الرب يسوع المسيح كُفّن بالأكفان حسب عادة اليهود، وقام بدفنه يوسف الرامي والذي كان من تلاميذ المسيح ولكن سرا بسبب الخوف من اليهود " لأن اليهود كانوا قد تعاهدوا انه أن اعترف احد بأنه المسيح يخرج من المجمع " (يو9: 22). و " لم يكن موافقا لرأيهم وعملهم " كما يقول القديس لوقا. وكان هذا الرجل مشيراً وصالحاً وغنياً حتى أنه كان يمتلك بستاناً كبيرا وينحت فيه قبرا في الصخرة، وقد اشترك معه في عملية التكفين والدفن نيقوديموس الثري وعضو مجلس السنهدرين اليهودي الذي حكم على المسيح بالصلب، ولكنه، نيقوديموس، كان تلميذا للرب يسوع المسيح ولكن في الخفاء. ويتضح ثراء هذا الرجل من كية العود والمر التي استخدمها " مزيج مرّ وعود نحو مئة منا "!! أي حوالي 33 كجم، وكان العود غالي الثمن جداً.

وأنه دفن في قبر جديد منحوت في صخرة في بستان معروف وشهير وقريب من موضع الجلجثة الذي صلب فيه. ولم يدفن لا في مقبرة عامة ولا في مقبرة عائلته في الناصرة. وقد وضع على قبره حجر كبير دحرج على باب القبر لا يستطيع عشرون رجلاً على دحرجته عن بابا القبر، كما سنرى.

2 – التكفين والدفن تاريخيا وحضاريا وعملياً:

كان دفن جسد الرب يسوع المسيح له أهمية خاصة جدا سواء عند اليهود أو الرومان أو التلاميذ، ولذا يقول أحد الدارسين: " إن ما نعرفه عن دفن الرب يسوع يفوق ما نعرفه عن دفن أية شخصية أخرى في التاريخ القديم كله. فنحن نعرف عن دفنه أكثر مما نعرفه عن أية شخصية أخرى في العهد القديم، أو ملوك بابل، أو فراعنة مِصر، أو فلاسفة الإغريق، أو قياصرة الرومان. إننا نعرف من أخذ جسده من على الصليب، ونعلم شيئاً عن تعطير جسده بالأطياب وعن أكفانه، ونعرف القبر الذي دُفن فيه، واسم صاحبه، يوسف من مدينة تدعى الرامة. ونعرف أيضاً أن موضع القبر كان في بستان قريب من مكان الصلب، خارج أسوار المدينة. وعندنا أربعة سجلات تاريخية عن الدفن، تتوافق جميعها، واحد منها لمتى تلميذ المسيح الذي حضر حادثة الصلب. والثاني لمرقس الذي يقول البعض إنه كتب القصة بعد صعود الرب بأقل من عشر سنوات. والثالث للوقا المؤرخ العظيم ورفيق الرسول بولس. والرابع ليوحنا آخر من غادر مكان الصلب، وكان مع بطرس، أول من رأى القبر الفارغ صباح أحد القيامة "(1).

ويقول المؤرخ ألفريد إديرشايم اليهودي السابق والذي تحول إلى المسيحية في كتابه " حياة وأوقات يسوع المسيا " عن عادات الدفن عند اليهود: لم يكن الأغنياء وحدهم هم الذين يملكون قبوراً خاصة، بل كان متوسطو الحال أيضاً لهم قبور، وكانوا يجهزون القبر قبل الحاجة إليه بوقت طويل، وكانت القبور تورَّث وتَّعامل على أنها ملكية خاصة. وفي هذه الكهوف، أو القبور المنحوتة في الصخر، توضع الأجساد بعد تعطيرها بالأطياب مثل نبات الأس والعود، وفي زمن لاحق أيضاً بالزوفا وماء الورد وزيته. وكانت الأجساد تُكسى بالثياب، ثم أصبحت فيما بعد تلف بالأكفان، ولو أمكن كانوا يلفونها بأقمشة استعملت قبلاً في لف كتب الشريعة. وكانت القبور إما منحوتة في الصخر أو كهوف طبيعية أو سراديب ذات حوائط كبيرة بها فتحات على جانبي الجدران "(2).

وقال عن دفن الرب يسوع المسيح: " لعله بسبب اقتراب السبت وضرورة الاستعجال، أن يوسف الرامي اقترح دفن المسيح في قبره الجديد الذي لم يسبق لأحد أن وُضع فيه. وأُنزل الصليب إلى مستوى الأرض، وانتزعت منه المسامير الخشنة، وحُلَّت الحبال. ولف يوسف ومن معه الجسد المقدس " في كتان نقي "، ثم حمله مسرعاً إلى القبر المنحوت في الصخر في بستان قريب. وهذا القبر المنحوت في الصخر أو الكهف (Meartha) كان به فتحة جدارية (Kukhin) لوضع الجسد بها. وجدير بالذكر أنها كانت في مدخل القبر، داخل الكهف الصخري، ردهة مربعة طولها تسعة أقدام حيث كان يوضع النعش ويقوم حاملوه بآخر الواجبات من نحو جسد الميت "(3).

ويضيف أيضاً: " أن نيقوديموس، عضو مجلس السنهدريم 000 جاء حاملاً مزيجاً عطراً من المر والعود كان يستخدمه اليهود لأغراض التعطير والتكفين. وفي ردهة القبر تمت عملية التحنيط - لو كان يسوغ أن نطلق عليها ذلك - على عجل "(4).

وكانت العادة في أيام الرب يسوع المسيح قد جرت على استخدام كميات كبيرة من الأطياب لتكفين الجسد وخاصة للشخصيات ذات المكانة الكبيرة.

ويقول چيمس هاستنجز عن الأكفان التي وجدت في قبر يسوع الفارغ: " منذ عصر يوحنا فم الذهب (القرن الرابع الميلادي) عُرف أن المرّ كان دواءً يلتصق بالجسد ويلتحم به فيصعب معه نزع الأكفان عن بدن الميت "(5).

ويصف ميريل تيني عملية التكفين والدفن كالتالي: " عند إعداد الجسد للدفن بحسب عادة اليهود، كانوا يغسِّلونه ويسوونه، ثم يلفَّونه بإحكام من الإبطين إلى الكاحلين بقطع طولية من القماش الكتاني بعرض قدم. وكانت الأطياب العطرية، ذات القوام اللدن غالباً ما توضع بين طيات الأكفان. فكانت تعمل على حفظ الجسد وعلى لصق طيات القماش لتتماسك معاً في ذات الوقت 000 ويتفق تعبير يوحنا تماماً: " ولفَّاه بأكفان مع الأطياب " مع تعبير لوقا 23: 53 حيث يقول الكاتب: " ولفَّه بكتان 000 وفي صباح اليوم الأول من الأسبوع اختفى جسد يسوع، لكن الأكفان بقيت "(6).

ويقول وليم لين كريج عن حماية قبور رجال الله المقدسين من اليهود: " في أيام المسيح كان هناك اهتمام غير عادي بقبور شهداء اليهود ورجال الله المقدسين منهم، فكانوا يولون عناية خاصة بها ويبجلونها. وهذا يدل على أن قبر يسوع قد حظي بنفس هذه الرعاية. فلم يكن التلاميذ لديهم أدنى فكرة عن القيامة سوى القيامة العامة في نهاية العالم، ومن ثم فلم يكن من الممكن أن يتركوا الموضع الذي دُفن فيه المعلم دون أن يلاحظوه. وهذا الاهتمام يفسر أيضاً مراقبة النسوة لعملية الدفن ورغبتهم فيما بعد أن يدهن جسد يسوع بالحنوط والعطور (لوقا 23: 55، 56)(7).

3 – وضع الحجر على باب القبر:

يقول عالم الآثار عاموس كلونير أن 98% من القبور وقت المسيح كان يوضع عليها حجر مربع، أما قبور الأغنياء جداً فكان يوضع عليها حجر مستدير ضخم، ويوجد من هذه الحجارة المستديرة الآن أربعة. وكان وضع هذه الأحجار الضخمة المستديرة على القبور لحمايتها من لصوص المقابر والحيوانات المفترسة. وقد دفن الرب يسوع المسيح في قبر يوسف الرامي هذا الرجل الثري جداً ووضع على القبر " حجراً كبيرا (عظيما) " كما يقول القديس متى (27: 60)، ويستخدم هنا الكلمة اليونانية " μέγας megas " والتي تعني " عظيماً، ضخماً ". ويقول القديس مرقس أنه " كان عظيماً جداً " (مر16: 5). فقد كان القبر منحوتاً في الصخر، ويقول أحد الدارسين أن وزن الحجر كان 2 طن. ويستخدم القديس في وصفه لدحرجة الحجر في الآية " وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه " (مت28: 2)، الكلمة اليونانية ἀποκυλίω - apokuliō " وتعني " يدحرج بعيداً "، واستخدم القديس مرقس في قوله " فتطلعن ورأين أن الحجر قد دحرج. لأنه كان عظيما جداً " (مر16: 4)، الفعل " ανακεκυλισται" وأصله " كاليو "، التي تعنى يدحرج إلى أعلى. وتوضح أنه كان هناك منحدر نزل فيه الحجر وعند رفعه من على باب القبر كان يجب أن يُرفع لأعلى. كما يستخدم القديس لوقا أيضاً كلمة " كاليو " مع حرف "أبو" الذي يعنى " يدحرج " إلى مكان بعيد أو منفصل. وهو يقول أن الحجر دحرج ليس فقط عن مدخل القبر لكن عن القبر نفسه. أما القديس يوحنا فيستخدم الكلمة اليونانية بمعنى أن الحجر حُمل ودُحرج بعيداً.

يقول آ.ب. بروس عالم النقد النصي والمخطوطات عن الحجر الذي كان على قبر الرب يسوع المسيح: " كان اليهود يسمونه " جوليل "(8). ويقول ه. و. هولومان نقلاً عن ج. م. ماكي: " كان مدخل الحجرة المركزية عليه حجراً دائرياً ثقيلاً وكبيراً يدور في مجرى منخفض قليلاً عند المنتصف أمام مدخل القبر "(9).

وويقول ت. چ. ثوربرن أن هذا الحجر كان يُستخدم " للحماية ضد عبث الناس والوحوش " ويمضي قائلاً: " ويُشار إلى هذا الحجر مراراً في التلمود، إذ يشير إليه العالم اليهودي سيمونيدس ". ويعلق الدكتور ثوربرن على ضخامة حجم هذا الحجر قائلاً: " كان عادة يحتاج لبضعة رجال ليحركوه ". وبما أن الحجر الذي وُضع على قبر يسوع كان بغرض منع السرقة، فلعلَّه كان أضخم من الحجارة المستخدمة في الظروف العادية "(10).

وينقل لنا ثوربرن ما يؤكد عظم هذا الحجر وثقله أيضاً مما جاء بهامش المخطوطة البيزية المحفوظة في مكتبة جامعة كمبريدچ: " وجِد في إحدى مخطوطات القرن الرابع تعليق بين قوسين على مرقس 16: 4 يقول: " وعندما وضع هناك، وضع (أي يوسف) على باب القبر حجراً لا يستطيع عشرون رجلاً أن يدحرجوه ". ويعلق جوش مكدويل على ذلك بقوله " وندرك أهمية ملاحظة الدكتور ثوربرن إذا عرفنا قواعد تدوين المخطوطات. جرت العادة على أن الناسخ إذا كان يريد أن يضيف تعليقاً خاصاً له، فإنه يقوم بتدوينه في الهامش ولا يضعه داخل النصّ. ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن وضع هذه العبارة داخل النصّ كان نقلاً عن نصّ مبكر أقرب لزمن المسيح، ربما عن مخطوطة ترجع إلى القرن الأول. وقد يكون من سجل هذه العبارة شاهد عيان أدهشته ضخامة الحجر الذي دُحرج على قبر يسوع. ويشير جلبرت وست من جامعة أكسفورد أيضاً إلى أهمية هذه العبارة الموجودة بالمخطوطة البيزية وذلك في صفحتي 37 و 38 من كتابه " ملاحظات على تاريخ وبراهين قيامة يسوع المسيح(11).

ويقول ألفريد إديرشايم المتخصص في تاريخ العهد الجديد، عن دفن الرب يسوع المسيح: " وهكذا وضعوا جسده داخل القبر الجديد المنحوت في الصخر، وعند خروجهم دحرجوا " حجراً عظيماً " - أو " جوليل " - ليغلقوا مدخل القبر حسب عادة اليهود. ولعلهم سندوا الحجر الكبير، كما جرت العادة، بحجر آخر صغير يسمونه " دوفج "، والأغلب أن السلطات وضعت الختم عند اتصال الحجرين في اليوم التالي، رغم أنه كان سبتاً، حتى يظهر أقل تغير يطرأ عليهما "(12).

ويعلِّق فرانك موريسون في كتابه " من دحرج الحجر؟ " على زيارة للقبر صباح الأحد باكراً بقوله: " لابد أن مسألة دحرجة الحجر قد حيرت النسوة. فقد شاهدت اثنتان منهن على الأقل عملية الدفن وعرفتا كيف ُوضع الحجر. فكان الحجر الكبير يمثل مشكلة كبيرة أمامهن. فعندما نقرأ الكلمات الآتية في أقدم الروايات الإنجيلية، وهي رواية مرقس: " من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ " لا نملك سوى الشعور بأن انشغال النسوة بمسألة الحجر ليست عاملاً نفسياً أساسياً في المشكلة فحسب، بل أنها أيضاً عامل تاريخي فاعل حتى لحظة وصولهن إلى القبر "(13).

بل ويدعو موريسون الحجر الذي كان على قبر يسوع " الشاهد الصامت الذي لا يخطئ على مجمل الأحداث - وهناك حقائق معينة بشأن هذا الحجر تستدعي الدراسة الدقيقة والبحث.

ولنبدأ أولاً بمسألة حجم الحجر وطبيعته 000 لا شك أن الحجر كان كبيراً ثقيل الوزن. وهذه الحقيقة يؤكدها أو يدلل عليها كتبة الوحي. فيقول القديس مرقس إنه كان " عظيماً جداً "، ويقول القديس متى أنه كان " حجراً كبيراً ". ويقول القديس بطرس: " لأن الحجر كان كبيراً " وما يؤيد ذلك أيضاً ما قيل عن حيرة النسوة بشأن تحريكه. ولو لم يكن الحجر ثقيلاً لكانت قوة النساء الثلاث معاً كافية لتحريكه. وهذا يدلنا على أنه كان أثقل مما يستطعن زحزحته وحدهن. وكل هذه الشواهد لها أهميتها بالنسبة للقضية "(14).

4 – الختم:

يقول الإنجيل للقديس متى: " وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين. يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ أني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة اشر من الأولى. فقال لهم بيلاطس عندكم حراس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون. فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر " (مت27: 62-66).

وقد كان رؤساء اليهود محقين في قولهم أنه " قال وهو حيّ أني بعد ثلاثة أيام أقوم " قال وهو حيّ أني بعد ثلاثة أيام أقوم ". فقد كرر الرب يسوع المسيح أنه سيقوم في اليوم الثالث أو أنه سيقوم بعد ثلاثة أيام من موته مرات كثيرة كما يقول الكتاب: " لأنه كان يعلّم تلاميذه ويقول لهم أن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث " (مر9: 31)، " وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث " (لو24: 46)، " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (مت 16: 21)، " فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (مت17: 23)، " ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه. وفي اليوم الثالث يقوم " (مت20: 19)، " فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (مر10: 34)، " ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (لو9: 22)، " فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب (يقصد هيرودس) ها أنا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث أكمل " (لو13: 32)، " ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (لو18: 33). " ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم " (لو24: 7)، " ويقتل. وبعد ثلاثة أيام يقوم " (مر8: 31)(1). لذا طلب رؤساء اليهود من بيلاطس أن يضع حراسة مشددة على القبر.

وكان يوسف الرامي قد وضع على القبر الذي وضع فيه الجسد المقدس حجراً كبيراً لا يقدر على دحرجته عدة رجال ووضع رجال السنهدرين حراسة مشددة من الجنود الرومان حول القبر وختموا الحجر وكان هناك استحالة أن يرفع أحد هذا الحجر ويفك ختومه دون حدوث معركة مع هؤلاء الحراس، كما بينا أعلاه.

يقول الدارسون كان الختم يوضع في حضور واحد من الحراس الرومان وكانوا يضعون قطعتين من حبال مصنوعة من جلد غير مدموغ وممدود، ثم يجعلونه في شكل سمبوكسة ذات أربعة أضلاع ثم يضعوا الختم في وسطه. كان هذا الختم هو ختم طيباريوس قيصر، وكانت السلطة الرومانية وسطوتها وراء هذا الختم، وكان عقاب من يعبث بهذا الختم القتل في وضع مقلوب، ولا يمكن أن يكون الرسل هم الذين كسروا الختم. فقد كان الختم الذي وضع على الحجر أكثر أهمية من الحجر نفسه رغم ثقله وذلك لأن الختم يحمى القبر من السارقين. وقد ذهب الفريسيون إلى بيلاطس بعد موت المسيح قائلين له: " أن هذا المضل قال قبل موته أنه سيقوم في اليوم الثالث " ولذلك سألوه أن يضبط القبر ويضع حراس عليه. قال لهم بيلاطس "إذهبوا أنتم واضبطوه" وهكذا وضعوا الختم ثم الحراس على القبر (مت 27: 64-66). ويصف أ. ت روبرت في كتابه " الكلمات التصويرية في العهد الجديد " كيفية ختم الحجر فقال غالباً ما كانوا يمرون حبلاً من طرف الحجر إلى الطرف الآخر مع وضع ختم على كل نهاية حبل كما في (دانيال 6: 17) نقرأ والحجر الذي وضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه حتى لا يتغير شئ من الحكم على دانيال. وقد كان الختم يختم أمام الحراس الرومان المسئولين عن حراسة الختم حتى يحافظوا على سلامة الختم الروماني رمز السلطة والقوة. وقد عملوا كل ما استطاعوا ليحرسوه من اللصوص ويمنعوه من القيامة، وأثناء حراستهم التى زادت عن الحد أضافوا شهادة أخرى قوية وحقيقة واضحة وهى أن القبر كان فارغاً لأن المسيح قد قام.

ويقول أ.ب. بروس أن " عبارة " وختموا الحجر " تشير إلى إجراء احتياطي إضافي من جانبهم بوضع خيط على الحجر وختم القبر عند كلا طرفيه. وفعلوا ما بوسعهم لمنع السرقة والقيامة "(15).

فقد كان الختم الروماني على قبر الرب يسوع المسيح إذاً يهدف إلى منع أية محأولة للعبث بمحتوياته. فأي شخص يحأول أن يزحزح الحجر عن باب القبر كان سيكسر الختم وبالتالي يقع تحت طائلة القانون الروماني.

ويقول هنري ألفورد: " كانوا يختمون الحجر عن طريق شد حبل أو خيط عرضياً على الحجر عند باب القبر، ويثبتونه عند الطرفين على الصخر بصلصال لاصق "(16).

ويقول مارفين فينسنت: " كانوا يختمون الحجر في حضور الحراس، ثم يتركون الحرَّاس للقيام بعملهم هناك. وكان من الضروري أن يشهد الحرَّاس ختم القبر. كان الختم يتم بأن يمد حبل عَرضياً على الحجر ويثبت على الصخر عند الطرفين بصلصال لاصق. ولو كان باب القبر يغلق بعارضة خشبية على الحجر، كانوا يختمون هذه العارضة على الصخر "(17).

ويقول د.د. ويدون: " وهكذا لم يكن ممكناً فتح باب القبر دون كسر الختم، وهذا كان يعتبر جريمة في حق سلطة الدولة الرومانية التي وضعت الختم. وضُع الحرَّاس لحراسة القبر والحيلولة دون خداع التلاميذ، بينما وُضع الختم لضمان عدم تواطؤ الحرَّاس. وذكر في (دانيال 6: 17): " وأتى بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه "(18).

ويسجل يوحنا فم الذهب، أسقف القسطنطينية في القرن الرابع، الملاحظات التالية عن إجراءات الحراسة التي اتخذت عند قبر يسوع: " وعلى أية حال نرى أن هذه الكلمات تشهد لصحة كل من هذه الحقائق إذ يقول الإنجيل: " تَّذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي (أنه بعد موته): إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر (أي أنه قد دفن) لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ". إذ أنه لو خُتم القبر، لما كانت هناك خدعة، لأن هذا يصبح غير ممكن. إذاً فقد تبرهنت القيامة بما تقدم لأنه لما خُتم القبر لم يكن مجال للخداع. وإذ أنه ليس في الأمر خداع، ومع وجود القبر الفارغ، فمن الواضح أنه قد قام، وهذا أمر بَيِّن لا جدال عليه. هل ترى إذاً كيف قدموا البرهان على حقيقة القيامة، دون قصد منهم "(19).

5 - الحراس عند القبر:

طلب رؤساء اليهود من بيلاطس وضع حراسة على القبر فقال لهم: " عندكم حُرَّاس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون ". (مت27: 65) والسؤال هو: هل كان الحُرَّاس جنوداً رومانيين، أم كانوا من حرس الهيكل؟ وقد أجمع العلماء والدارسين على أن الحراس كانوا من الجنود الرومان لأن الكتاب يستخدم تعبير " κουστωδίαKoustodia " واصلها في اللاتينية " custody " والتي تعني حارس روماني. وتوضيحاً لذلك يقول ألبرت روبر في كتابه: " هل قام يسوع من الأموات؟": " وعلى رأس الحُرَّاس كان قائد المائة الذي عيَّنه بيلاطس، ولعله كان يحظى بالثقة الكاملة لديه، وقد حفظ التقليد لنا أن اسمه بترونيوس. فمن المنطقي أن يكون ممثلو الإمبراطور هؤلاء قد عهد إليهم بحراسة القبر بكل حرص وأمانة تماماً كما نفذوا عقوبة الصلْب. فلم تكن لديهم مصلحة في أداء المهمة التي أنيطت بهم سوى التزامهم بأداء واجبهم كجنود من نحو الإمبراطورية الرومانية التي أعلنوا ولاءهم إليها. كان الختم الذي على الحجر عند باب القبر شيئاً مقدساً بالنسبة لهم أكثر من كل فلسفة إسرائيل أو قدسية عقائدها القديمة. فالجنود الذين يتجرَّدون من مشاعرهم لدرجة المقامرة على رداء مصلوب يحتضر لا يمكن أن يخدعهم جليليون ضعفاء أو يخاطروا بحياتهم بالنوم في فترة حراستهم "(20).

ويقول إ. لو كامي: " يعتقد البعض أن بيلاطس هنا يقصد خدام الهيكل الذين كان يعيِّنهم رؤساء الكهنة والذين كانت لهم مصلحة في حراسة القبر. ويمكننا أن نعلل بسهولة فساد هؤلاء أكثر مما لو كانوا جنوداً رومانيين عندما حثهم رؤساء اليهود على القول بأنهم كانوا نياماً أثناء فترة حراستهم. إلا أن الكلمة المستخدمة هنا وهي (Koustodia) المستعارة من اللغة اللاتينية تشير إلى الحرس الروماني. كما أن ذكر " الوالي " (متى 28: 14) تجعل هذا الرأي هو الأرجح(21).

ويقول أ. ت. روبرتسون، العالم الضليع باللغة اليونانية إن عبارة: " عندكم حُرَّاس " (Kousodian) تعبر عن صيغة الأمر وتشير إلى الحراس الرومانيين وليس حرس الهيكل "(22).

ويشير روبرتسون أيضاً إلى أن الكلمة اللاتينية " حراس " Koustodia ترد في بردية أوكسرينكوس Oxyrhynchus التي ترجع إلى عام 22م "(23).

وفي القاموس اليوناني الإنجليزي للعهد الجديد الصادر عن جامعة شيكاغو، 1952، يورد أرندت وجينجريتش التعريف التالي لهذه الكلمة: " حرس من مجموعة من الجنود " (متى 27: 66، 28: 11) 00 وعبارة: " عندكم حُرَّاس " تعني " خذوا حراساً " (متى 27: 65)(24).

ويقول لنا هارولد سميث في " قاموس المسيح والأناجيل " المعلومات التالية عن الحرس الروماني: " كلمة حُرَّاس " هي ترجمة لكلمة Koustodia (وباللاتينية Custodia) (مت27: 65و66؛ 28: 11)، وهي تشير في النصوص المشار إليها إلى الجنود الذين أخذهم رؤساء الكهنة والفريسيون من بيلاطس لحراسة القبر. وحاجة اليهود للحصول على تصريح من بيلاطس في هذا الأمر، وخشية الجنود من عقوبته لهم (مت28: 14) تبيِّن أن هؤلاء الحراس كانوا من جنود القوات الرومانية في أورشليم وليس من حراس الهيكل اليهودي. ولعلَّهم نفس الجنود الذين كانوا يحرسون الصليب 000 وقد تكون عبارة " عندكم حراس " جملة أمر يقصد بها: " خذوا حُرَّاساًَ "(25).

ويقول جوش مكدويل: " يؤكد سياق الحديث في (مت27، 28) أن الحُرَّاس الرومانيين هم الذين كانوا يحرسون قبر يسوع. ولو أن بيلاطس كان يشير إلى حرس الهيكل، لكان هؤلاء الحراس مسئولين أمام رؤساء الكهنة فقط وليس أمام بيلاطس. ولكن لو كان بيلاطس يشير إلى الحرس الروماني، لكانوا مسئولين أمام بيلاطس وليس أمام رؤساء الكهنة. وهذا الأمر نراه في الآيتين 11 و14 من أصحاح 28.

تسجل الآية 11 أن الحُرَّاس أتوا إلى رؤساء الكهنة وأُخبِروا بالقيامة. ويبدو للوهلة الأولى من هذه الآية أنهم كانوا مسئولين أمام رؤساء الكهنة. و لكن لو أن الحُرَّاس قد أخبروا بيلاطس بذلك لكانوا قد قُتلوا على الفور- كما سنرى. وتؤكد الآية 14 الرأي القائل بأنهم كانوا من الحُرَّاس الرومانيين تحت رئاسة بيلاطس مباشرة: " وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين " (مت 28: 14). فلو كانوا من حرس الهيكل، فلماذا يخشون معرفة بيلاطس بالأمر؟ لا يوجد ما يدل على أنهم كانوا تابعين لبيلاطس. ومن ثم فإن الكاتب يروي الأحداث على النحو التالي: أمر بيلاطس الحُرَّاس الرومانيين أن يحرسوا القبر ترضية لقادة اليهود الدينيين، بعد أن طلب رؤساء الكهنة الحراسة الرومانية للقبر: " فمر بضبط القبر " (مت27: 64).

وكان من المستحيل أن ينام هؤلاء الحراس في خدمهم أو يقصروا فيها أو أن يسرق منهم الجسد بسبب القوانين الصارمة التي كان تحكمهم وكان العقاب المتوقع هو الموت. يقول چورچ كاري: " كان ترْك خدمة الحراسة يعاقب بالموت طبقاً للقانون(26). وأشهر ما قيل عن صرامة النظام العكسري نجده في كتابات بوليبيوس، وهو يشير إلى أن الخوف من العقوبة أدى إلى الالتزام الشديد بواجبات الخدمة العسكرية وخاصة في الحراسات الليلية. وتكتسب هذه الكتابات أهميتها من مركز الكاتب الذي كان يصف ما أتيح له أن يراه بعينيه. ونجد مثيلاً لما كتبه بوجه عام في كتابات غيره من المؤرخين "(27).

كما يقدم لنا ت. چ. تكر الصورة الحية التالية للأسلحة التي يحملها الجندي الروماني: " يحمل في يده اليمنى الرمح الروماني الشهير، وهو سلاح قوي طوله يزيد على 6 أقدام، ويتكون من رأس حادة من الحديد مثبتة في قصبة خشبية. ويمكن للجندي أن يهاجم به كحربة، أو يرمي به كرمح ثم يقاتل عن كثب بسيفه. وعلى ذراعه اليسرى يحمل درعاً كبيراً، وهذا له أشكال متعددة وأحد أشكاله الشائعة هو الدرع المقوس إلى الداخل عند الحواف، ويصل طول هذا الدرع إلى 4 أقدام طولاً 2.5 قدم عرضاً، وهناك أيضاً الدرع السداسي الشكل - على شكل معين ولكن بزوايا غير حادة. وأحياناً يكون الدرع على شكل بيضاوي. وهو يصنع من الأغصان المجدولة أو الخشب المكسو بالجلد 00 ويُزَّين بزخارف حربية معدنية، وأحد أشهر هذه الزخارف هو نقش للصاعقة. ويصنع للدرع مقبض حتى يمكن حمله، وقد يكون له أيضاً حزام لحمله على الكتف اليمنى. وحتى يكون السيف - وهو سلاح للطعن أكثر منه للبتر يصل طوله إلى ثلاثة أقدام - بعيداً عن الدرع، فهو يعلق على الجانب الأيمن بواسطة حزام يصل إلى الكتف اليسرى. وقد يبدو هذا الوضع غير ملائم للحركة، ولكن علينا أن نتذكر أن السيف لا يُستخدم إلا عندما تفرغ اليد اليمنى من حمل الرمح، وأنه يمكن حمله بسهولة على الجانب الأيسر بواسطة حزام معلَّق، وهكذا يمكن استلاله. ويحتفظ الجندي بخنجر في حزامه على الجانب الأيسر "(28).

ولكن في فجر الأحد " اليوم الأول من الأسبوع " يقول الكتاب: " وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه أرتعد الحراس وصاروا كأموات " (مت2: 28-4). ثم يقول الكتاب: " إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة واخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين. قولوا أن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. فاخذوا الفضة وفعلوا كما علّموهم. فشاع هذا

القول عند اليهود إلى هذا اليوم(29) " (مت28: 11-15).

وهذا النص الأخير هو الذي بنى عليه صناع الفيلم حبكتهم!! فقد رُفع الحجر من على باب القبر بقوة سمائية غير مادية، فقد نزل الملاك من السماء وظهر بصورة فائقة للطبيعة " منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج "، هذا المشهد السمائي جعل الحراس يسقطون على الأرض هلعاً ورعباً " من خوفه " وصاروا كالأموات، ولما بدأ الملاك يخفف البهاء الذي ظهر به تمالك الجنود أنفسهم وهربوا من موقع القبر في ذهول ورعدة وذهب بعض منهم إلى رؤساء الكهنة وأخبروهم بما جرى، وأدرك رؤساء الكهنة أن يسوع المسيح قام حقاً ومع ذلك رفضوا أن يصدقوا كعادتهم في إنكار كل ما صنعه من معجزات خوفاً من أن يذهب الشعب ورائه(3) ولجئوا للضلال الذي سبق أن اتهموا به التلاميذ!! وطبقوا على أنفسهم ما سبق قاله الرب يسوع المسيح عنهم " ولا أن قام واحد من الأموات يصدقون " (لو31: 16)، ويعلل كاتب إنجيل بطرس الأبوكريفي، المنحول أو المزيف، والذي كتب في منتصف القرن الثاني، موقفهم هذا بقوله أنهم خافوا الناس أكثر من الله: " انه من الأفضل لنا أن نكون مذنبين أمام الله بالآثم العظيم من الوقوع في أيدي شعب اليهود فنرجم "(4)!! وأعطوا الجنود رشوة كبيرة(5) لكي يذيعوا بين الناس أن تلاميذه سرقوه(6) ليلاً المحوا لهم

برشوة بيلاطس أيضاً إذا عرف بحقيقة الأمر.

والعجيب أن ما لفقه رؤساء الكهنة وردده عنهم الجنود له أكبر دليل على قيامة الرب يسوع المسيح من الموت:

أولاً: لأنه لا يمكن أن يترك جنود الحراسة، جميعاً، الحراسة ويناموا وقد كانت هذه ليلتهم الأولى، رغم التشديد الصارم من أعضاء السنهدرين والمسئولية المباشرة أمام الوالي!! يقول إنجيل بطرس الأبوكريفي المنحول (35: 9) " في ليلة اليوم الذي دفن فيه الرب والجنود يقومون بحراستهم، أثنين أثنين في كل ساعة ".

ثانياً: كما أنه لا يمكن أن يتم أخذ الجسد من القبر دون مواجهة الحراس وقيام معركة دموية، وهذا لم يحدث، ولا يمكن أن يُسرق الجسد في ظلام الليل دون فك الأختام ودون ضوضاء مما يوقظ الحراس، وهذا أيضاً لم يحدث.

ثالثاً: وهل يمكن أن يُأخذ الجسد المقدس بدون الأكفان التي وجدت ملفوفة وموضوعة كما كانت حول الجسد؟! ولماذا؟!!

رابعاً: لم يُذكر قط أنه حدثت محاكمات للحراس، لماذا؟ هل بسبب الرشوة فقط؟ أم لأن بعض الجنود ذهبوا وأبلغوا بيلاطس بحقيقة القيامة كما يذكر كاتب إنجيل بطرس الأبوكريفي والذي يقول: " وعندما رأى قائد المئة والذين كانوا معه ذلك (أي قيامة المسيح من الأموات) أسرعوا ليلاً إلى بيلاطس تاركين القبر الذي كانوا يحرسونه وأخبروا بيلاطس بكل شئ رأوه، وكانوا مضطربين بدرجة عظيمة وقالوا: حقاً كان ابن الله. فأجاب بيلاطس وقال: أنا برئ من دم ابن الله، أنتم الذين قررتم هذا. فاقتربوا منه متوسلين إليه وطالبوه أن يأمر قائد المئة والجنود أن لا يخبروا أحداً بما رأوه. لأنهم قالوا: أنه من الأفضل لنا أن نكون مذنبين بالإثم العظيم أمام الله ولا نقع في أيدي شعب اليهود فنرجم. فأمر بيلاطس قائد المئة والجنود أن لا يقولوا شيئاً " (45: 11-49)؟

ويذكر المؤرخ الكنسي يوسابيوس والقس ترتليان وشذرات باقية عن هيجسبوس من القرنين الثاني والرابع أن بيلاطس عرف بخبر قيامة المسيح وأرسل تقريراً مفصلاً لطيباريوس قيصر عن المسيح يتضمن خبر القيامة العظيم وما رافقه من أحداث فائقة للطبيعة، ولأنه كان مقتنعاً بالقيامة فلم يعاقب الجنود.

خامساً: إذا كان الجسد المقدس قد سُرق والجنود نيام فكيف عرفوا أن الذي سرقه التلاميذ؟!! وهذا لم يخطر على بال الكهنة!! فشهادة الجنود التي لفقوها باطلة لأنهم شهدوا على شئ، اعترفوا بأنفسهم، أنهم لم يروه!!

سادساً: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يقبض الكهنة على التلاميذ ويحاكموهم لكي يجبروهم على الاعتراف بهذه السرقة المزعومة، ويدلوا على مكان الجسد؟!! لماذا لم يسلموهم للموت بتهمة التضليل والتجديف كما فعلوا بالسيد من قبل؟!! ولكن شئ من ذلك لم يحدث!! وقد وقف التلاميذ بعد ذلك سبعة أسابيع ينادون في الهيكل وفي كل ميادين أورشليم وشوارعها بأن المسيح قد قام من الموت ولم يستطع رجال السنهدرين مواجهتهم إلا بالحبس والجلد حتى أن واحداً منهم يدعى " غيمالائيل مُعلم للناموس مكرم عند جميع الشعب 000 قال لهم تنحوا عن هؤلاء الناس وأتركوهم.لأنه أن كان هذا الرأي وهذا العمل من الناس فسوف ينقض. وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه. لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً " (أع 34: 5-40)!! فهل كان يجرؤ أحد أعضاء السنهدرين له وزن غيمالائيل هذا على القول بهذا الرأي الذي قبلوه وقتها لو كان هناك أي شبهة ضد القيامة؟!! مستحيل، فكل ما لفقه هؤلاء كان مؤكداً لصحة قيامة المسيح!!

6- القبر الخالي وشهادة الملاكين والأكفان:

وصلت النسوة إلى القبر بعد هروب الحراس فوجدن الحجر مدحرجاً والقبر مفتوحاً فعادت مريم المجدلية مسرعة لتخبر القديس بطرس والقديس يوحنا وقالت لهما "أخذوا جسد السيد ولسنا نعلم أين وضعوه " (يو2: 10). أما بقية النسوة " فدخلن(القبر) ولم يجدن جسد الرب يسوع وفيما هن محتارات في ذلك إذ رجلان وقفا بهن بثياب براقة. وإذ كن خائفات ومنكسات وجهوهن إلى الأرض قالا لهن: لماذا تطلبن الحي بين الأموات ليس هو ههنا لكنه قام. أذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل. قائلاً: إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم " (لو 3: 24-7). وذهب بطرس ويوحنا إلى القبر فنظرا " الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده " (يو5: 20-7)، بطريقة تؤكد أن المسيح خرج من الكفن دون أن يفك الأربطة، انسحب من الكفن بصورة إعجازية جعلت القديس بطرس يمشي " متعجباً في نفسه مما كان " (لو12: 23)، كما جعلت القديس يوحنا يؤمن بالقيامة قبل أن يرى الرب المُقام " ورأى فآمن " (يو8: 20).

ولما جاء سمعان بطرس ودخل القبر وجد الأكفان ملفوفة هناك. أما غطاء الوجه وجه السيد ورأسه لم يكن مع باقي الأكفان لكنه كان موضوعاً في مكان وحده (يوحنا 20: 3-9) ويعقب ر. و ستات على ذلك بقوله " ليس من الصعب تخيل المنظر الذي رآه التلميذين حين دخلا القبر فقد وجدا الحجر مدحرجاً – الملابس موضوعة بترتيب – أما منديل الوجه كان في مكان وحده. ولذلك لا عجب أنهما رأيا ثم آمنا لأن نظرة واحدة إلى الملابس وموضعها يثبت الحقيقة ويعلن عن طبيعة القيامة إن الملابس لم تُلمس ولا رُتبت بواسطة إنسان لكن كان ترتيبها كما لو كان يسوع قد إنْسلت بجسده منها ولم تمتد إليها يد إنسان، لقد كان المشهد يشبه الشرنقة المهملة التى خرجت منها الفراشة.

Image:Holy sepulchre exterior.jpg

 

 

 

 

 

 

 

مدخل كنيسة القبر المقدس


 

(1)Smith, TS, 370- 71.

(2)Edersheim, LTJM, 318- 19.

(3)Edersheim, LTJM, 617.

(4)Edersheim, LTJM, 617.

(5) Hastings, DCG, 507. Joan. Hom. 85.

(6) Tenney, RR, 117.

(7) Craig, DJRD, as cited in Wilkins, JUF, 148- 49.

 

(8) Bruce, EGNT, 334.

(9) Holloman, EPR, 38.

(10) Thorburn, RNMC, 97- 98.

(11) Thorburn, RNMC, 1-2.

(12) Edersheim, LTJM, 618.

(13) Morison, WMS, 76.

(14) Morison, WMS, 147.

 

(1) " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " (مت12 :40). " هذا قال أني اقدر أن انقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام ابنيه " (مت26 :61). " قائلين يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلّص نفسك. أن كنت ابن الله فانزل عن الصليب " (مت27 :40). " وابتدأ يعلّمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل.وبعد ثلاثة أيام يقوم " (مر8 :31). " نحن سمعناه يقول أني انقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام ابني آخر غير مصنوع بإياد " (مر14 :58). " وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام " (مر15 :29). " أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه. فقال اليهود في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفانت في ثلاثة أيام تقيمه " (يو2 :19و20). " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (مت16 :21). " فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. فحزنوا جدا " (مت17 :23). " ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه.وفي اليوم الثالث يقوم " (مت20 :19). فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة اشر من الأولى" (مت26 :64). " لأنه كان يعلّم تلاميذه ويقول لهم أن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث " (مر9 :31). " فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (مر10 :34). " قائلا انه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (لو22 :9). " فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث أكمل " (لو13 :32). " ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (لو18 :33). " قائلا انه ينبغي أن يسلّم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم " (لو24:7). " وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث " (لو24 :46). " هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرا " (اع10: 40). " وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب " (1كو15: 4).

 

(15) Bruce, EGNT, 335.

(16) Alford, GTCRT, 301.

(17) Vincent, WSNT, 147.

(19) Chrysostom, HGSM, as cited in Schaff, SLNPNF, 525.

(21) Le Camus, LC, 392.

(22) Robertson, WPNT, 239.

(23) Robertson, WPNT, 239.

(25) Smith, as cited in Hastings, DCG, 694.

(26) Dion. Hal, Antiq Rom. VIII. 79.

- 56 -

(28) Tacker,342-44.

 

(29) تعني عبارة " إلى اليوم " هنا اليوم الذي دون فيه القديس متى الإنجيل مسوقاً من الروح القدس (2بط 21:1) وذلك قبل سنة 60 ميلادية. ويقول يوستينوس الشهيد (110-165م) في حواره مع تريفوا اليهودي والذي كتبه في بداية القرن الثاني الميلادي : أن اليهود، بعد أن قام الرب من الموت، أرسلوا رجالاً مختارين إلى كل العالم ليذيعوا أن المسيحية التي وصفوها بالهرطقة الشريرة "خرجت من يسوع مخادع جليلي، الذي صلبناه ولكن تلاميذه سرقوه بالليل من القبر الذي وضع فيه بعد أن أنزل من على الصليب والآن يخدعون الناس بالتأكيد أنه قام من الموت وصعد إلى السماء " Dialogue with Tr. ch. 103.

(3) يو19:12،37، 47:11،48؛31:16.

(4) أنظر إنجيل بطرس المنحول 48:11.

(5) كانت الرشوة بالنسبة للولاة الرومان في ذلك الوقت أمراً طبيعياً ويذكر القديس لوقا في سفر الأعمال (26:24) أن الوالي الروماني فيلكس " كان يرجو أن يعطيه بولس دراهم ليطلقه" لذا كان من الطبيعي أن يثق الجنود الرومان في وعد رجال السنهدرين.

(6) كانت سرقة المقابر شائعة في ذلك العصر وقد صدر أمر إمبراطوري ضد سرقة المقابر يقول بروس Bruce أنه وجد في الناصرة مما يدل على القصة التي لقفها رؤساء الكهنة وشيوخ إسرائيل كان يمكن تصديقها في فلسطين في تلك الفترة.

 

الفصل الخامس

قام من الأموات وظهر لتلاميذه وصعد إلى السموات أمامهم

 

1 – قام من الأموات:

قامت المسيحية أساساً على حقيقة جوهرية ومعجزة هي أعظم المعجزات في تاريخ الكون وهي قيامة الرب يسوع المسيح من الأموات. فهذه الحقيقة أو هذه المعجزة لا مثيل لها في الكون لأن جميع من ماتوا لم يقوموا بعد من الموت باستثناء الذين أقامهم الأنبياء من الموت، فقد أقام إيليا النبي ابن أرملة صرفة صيدون (1مل17: 18 -27)، وأقام اليشع ابن الأرملة الشونمية (2مل4: 32-36)، كما قام ميت بعد أن لمس عظامه، عظام اليشع النبي وهو ميت (2مل13: 21). وأقام المسيح، بحسب ما ذكر العهد الجديد، ثلاثة من الموتى؛ ابنة يايروس بعد موتها مباشرة (لو8: 54)، وابن أرملة نايين وهو في طريقه إلى القبر(لو7: 11014)، ولعازر بعد ثلاثة أيام من موته (يو11). بل وقام كثيرون من القديسين الراقدين وقت موته وظهروا بعد قيامته " وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين. وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين " (مت27: 52و53). ولكن هؤلاء جميعا عادوا للموت مرة أخرى وسيقومون ثانية ولكن في يوم القيامة في اليوم الأخير (يو11: 24). أما المسيح، كإنسان، بالجسد، فقد قام ولن يرى الموت ثانية، بل صار بكراً أو باكورة الراقدين؛ " الذي هو البداءة بكر من الأموات " (كو1: 18)، " الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين " (1كو15: 20)، " البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض " (رؤ1: 5). الذي، كما يقول الكتاب، بقيامته؛ " أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل " (2تي1: 10).

هذه القيامة أعلن عنها الرب يسوع المسيح قبل صلبه وموته على الصليب عشرات المرات، يقول الكتاب: " من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (مت16: 21)، " وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع قائلا لا تعلموا أحدا بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات " (مت17: 9)، " فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. " (مت17: 23)، " ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه. وفي اليوم الثالث يقوم " (مت20: 19)، " وابتدأ يعلّمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل. وبعد ثلاثة أيام يقوم " (مر8: 31)، " لأنه كان يعلّم تلاميذه ويقول لهم أن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث " (مر9: 31)، " فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (مر34: 10)(1).

هذه الحقيقة أدركها رؤساء اليهود وخاصة أنه أعلن لهم بصفة خاصة في مثالين عندما سألوه: " قائلين يا معلّم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال " (مت12: 38-40). ومرة أخرى بعد تطهيره للهيكل: " فأجاب اليهود وقالوا له آيّة آية ترينا حتى تفعل هذا. أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه. فقال اليهود في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفانت في ثلاثة أيام تقيمه. وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده " (يو2: 18-21).

وبعد موته ودفنه تذكروا أقواله هذه وإعلاناته عن قيامته من الأموات في اليوم الثالث،، لذا يقول الكتاب: " وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين. يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حيّ أني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه ويقولوا للشعب انه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة اشر من الأولى. فقال لهم بيلاطس عندكم حراس.اذهبوا واضبطوه كما تعلمون. فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر " (مت27: 62-66).

كانت قيامته حقيقة لا جدال فيها أعلن عنها الرب نفسه عشرات المرات وشهد لها الملائكة: " ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلم انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه واذهبا سريعا قولا لتلاميذه انه قد قام من الأموات " (مت28: 6و7)، " انتنّ تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام. ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه " (مر16: 9). وعرف حقيقة هذا الإعلان رؤساء اليهود وتذكرها التلاميذ بعد قيامته وحلول الروح القدس عليهم وشهدوا لها بل وواجهوا اليهود بها فلم يجسروا أن ينكروها بل وآمن أغلبهم بها!!

فقد ظهر لهم على مدى أربعين يوماً كما يقول الكتاب: " الذين أراهم أيضاً نفسه حيّا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله " (أع1: 3)، " وظهر أياما كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب " (أع13: 31). فقد ظهر لهم كأفراد وكجماعات عدة مرات، يقول الكتاب أنه ظهر لمريم المجدلية: " وبعد ما قام باكرا في أول الأسبوع ظهر أولا لمريم المجدلية " (مر16: 9)، وظهر للمريمتين " وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما.فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له " (مت28: 9)، وظهر للقديس بطرس: " الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان (بطرس) " (لو24: 34)، " وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية " (مر16: 12)، يقصد تلميذي عمواس (لو24: 13-23)، وظهر للأحد عشر " وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم " (لو24: 36)، وظهر لهم في عدم وجود توما " ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم " (يو20: 19)، وظهر لهم مرة أخرى ومعهم توما " وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلا وتوما معهم. فجاء يسوع والأبواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم " (يو20: 26)، وظهر لسبعة منهم على بحيرة طبرية " ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ. ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون انه يسوع " (يو21: 4)، " بعد هذا اظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية " (يو21: 1)، ويضيف القديس يوحنا: " هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعد ما قام من الأموات " (يو21: 14)،

ويقول القديس بولس الرسول في تلخيصه للإيمان الرسولي " المسلّم مرة للقديسين " (يه1: 3): " فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وانه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا "1كو15: 3-8).

وكان التلاميذ والرسل يكررون في كرازتهم باسمه، وخاصة في مواجهتهم لليهود، عبارة أقامه الله مرات كثيرة: " الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه " (أع2: 24)، " فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك " (أع2: 32)، " ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك " (أع3: 15)، " يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي أقامه الله من الأموات " (أع4: 10)، " هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرا ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فانتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات " (أع10: 40و41). " ولكن الله أقامه من الأموات " (أع13: 30)، " انه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد " (أع13: 34)، " الذي أقامه الله فلم ير فسادا " (أع13: 37)، " إذ أقامه من الأموات " (أع17: 31)، " لأنك أن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت " (رو10 9)، " يسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات " (غل1: 1)، " إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات " (أف1: 20)، " مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات " (كو2: 12)، " وتنتظروا ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي " (1تس1: 10).

ويواجه القديس بولس الرسول اليونانيين الذين لا يؤمنون بقيامة الأموات قائلاً: " ولكن أن كان المسيح يكرز به انه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات. فأن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام. وأن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم. لأنه أن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وأن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. انتم بعد في خطاياكم 000 ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين " (1كو15: 12-20)، " لأنه لهذا مات المسيح وقام وعاش لكي يسود على الأحياء والأموات " (رو14: 9)، " وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام " (2كو5: 15)، " لأنه أن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه " (1تس4: 14).

2 – أكذوبة وخديعة صُناع الفيلم!!

وبرغم وضوح هذه الحقائق التي بيّناها أعلاه إلا أن صنُّاع الفيلم غير المؤمنين اعتمدوا على ما زعمه رؤساء اليهود كذبا ليخفوا فضيحتهم أمام الشعب وقالوا أن تلاميذه سرقوا جثته ليلاً وأخفوها!! يقول الكتاب " وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه ابيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما. فاني اعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال.هلم انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه. واذهبا سريعا قولا لتلاميذه انه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل.هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما. فخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه. وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما.فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما يسوع لا تخافا. اذهبا قولا لأخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة واخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين. قولوا أن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. فاخذوا الفضة وفعلوا كما علّموهم.فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم " (مت28: 1-15).

وأتخذ صُنّاع الفيلم مما زعمه رؤساء اليهود كذباً ذريعة لإدعاءاتهم الكاذبة والقائلة أن المسيح لم يقم من الأموات بل أن تلاميذه سرقوا جسده ونقلوه إلى قبر أخر، حيث يقول الفيلم بالحرف الواحد: " ولكن هناك قصة أخرى (أي غير قصة القيامة) انتشرت تقول أن قصة قيامته كاذبة وأن تلاميذه أخذوا جسده سراً ودفنوه في مكان أخر، وإذا كان ذلك صحيحاً، وبحسب عادة الدفن في القرن الأول الميلادي، فقد كان عليهم أن يدفنوا جسد يسوع في قبر العائلة، وهو قبر صخري، وهذا كان بشكل سري فتم تكفين يسوع ثم تُرك ليتحلل. وبعد تحلل جسده وفي يوم ما عاد تلاميذه المخلصون وفي سرية تامة وكان معهم في هذه المرة عائلته التي حضرت الاحتفال الأخير للدفن مريم أم يسوع ومريم المجدلية أيضاً وأخوته سمعان ويوسي ويهوذا ويعقوب، فقد عادوا لإعداد عظام يسوع للدفن النهائي في قبر من الحجر الجيري يدعى عضامة وحفروا اسم يسوع عليها ليبقى في هذه المقبرة إلى الأبد "!! وبني بقية هذا الفيلم الوثائقي الكاذب على هذه المقولة الكاذبة والتي أطلقها رؤساء اليهود ولم يستطيعوا إثباتها بل وقفوا مكتوفي الأيدي أمام كرازة التلاميذ والرسل بقيامته من الأموات والذين كانوا مؤيدين بقوات وعجائب لا يمكن أن تنكر!!

ونظراً لأن بيلاطس البنطي كان يرى في المسيح شخصاً غير عادي، في هيئته وشخصه وسلوكه فهو يقول عن نفسه أنه ملك وأن مملكته ليست من هذا العالم، كما رآه في صورة مختلفة عن كل من حاكمهم فلم يدافع عن نفسه وكان هادئاً وثابتاً كما كان من الواضح له أنه متجه للصلب بإرادته ولم يكن حريصاً على النجاة من الموت على الصليب بل كان قابلاً لذلك وراضياً به فقد جاء أصلاً لكي يقدم ذاته عليه نيابة عن البشرية " لكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة " (يو12: 27)، " أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف " (يو10: 11). لذا كان بيلاطس يتوقع أي شيء غير طبيعي ممكن أن يحدث منه وله. وكان من الطبيعي أن يصدق قول الجنود بقيامته من الأموات: " وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء. فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك. فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جدا 000 وإذ كان جالسا على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البار. لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من اجله 000 فلما رأى بيلاطس انه لا ينفع شيئا بل بالحري يحدث شغب اخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلا أني بريء من دم هذا البار. أبصروا انتم " (مت27: 12-24).

" ثم دخل بيلاطس أيضا إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود. أجابه يسوع امن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي. أمّتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليّ. ماذا فعلت. أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس أفانت إذا ملك. أجاب يسوع أنت تقول أني ملك. لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق " (يو18: 34-37).

كما تعجب لموته السريع: " جاء يوسف الذي من الرامة مشير شريف وكان هو أيضا منتظرا ملكوت الله فتجاسر ودخل إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع. فتعجب بيلاطس انه مات كذا سريعا فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات. ولما عرف من قائد المئة وهب الجسد ليوسف " (مر15: 43-45).

لذا لم نسمع عن أي محاكمة جرت للجنود الرومان خاصة وأن التلاميذ نادوا بقيامة المسيح بعد 53 يوم من صلبه وموته وبعد 50 يوم من قيامته وأمام كل رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين وأما الجنود الرومان وبالتالي أمام بيلاطس الوالي الذي لم يكن يخفى عليه خافية. بل ويؤكد آباء الكنيسة في القرن الثاني، خاصة يوستينوس وترتليان، أنه كتب تقريرا وفيا عن كل هذه الأحداث وأرسله إلى الإمبراطور الروماني. ولم يستطع أحد أن يواجههم بعكس ما ينادون به!!!

3 – وصعد إلى السموات:

ولم يكتف صُنّاع الفيلم الخيالي وكُتّاب الكتاب الملفق بالقول أن التلاميذ سرقوا جسد المسيح، بل قالوا متسائلين لماذا لا يكون المسيح قد صعد إلى السماء روحياً، بالروح وليس بالجسد؟! ولماذا لا تكون القيامة رمزية وليست قيامة حقيقية؟!

ومن الواضح أنهم ينادون بإنجيل ليس هو إنجيل المسيح بل بإنجيل آخر توهموه واخترعوه فقط في فكرهم الخيالي، فكر نوعية من كُتّاب السينما الذين لا يضعون أي وزن للحق والعقل والمنطق والواقع والتاريخ! بل يعتمدون فقط على ما يتخيلونه بفكرهم الخيالي اللاديني أو الإلحادي الذي يقوم على مبدأ " إذا لم يكن الله موجوداً فكل شيء مباح من أصغر الشرور حتى أكبر الجرائم "!! وفي أمثال هؤلاء يقول القديس بولس بالروح: " أني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو آخر غير انه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحوّلوا إنجيل المسيح. ولكن أن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن آناثيما. كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضا أن كان احد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن آناثيما " (غل1: 6-9).

فالكتاب يقول عن المسيح في موته وقيامته وكما سبق أن تنبأ داود النبي والملك، مسيح الرب، أن جسده لن يرى فساداً: " لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيّك يرى فسادا " (مز16: 10). وهذه الحقيقة هي التي نادى بها رسل المسيح لليهود الذين كانوا يحفظون أسفار العهد القديم، ففي العظة الأولى بعد حلول الروح القدس قال القديس بطرس بالروح: " لأن داود يقول فيه كنت أرى الرب أمامي في كل حين انه عن يميني لكي لا أتزعزع. لذلك سرّ قلبي وتهلل لساني حتى جسدي أيضا سيسكن على رجاء. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادا. عرفتني سبل الحياة وستملأني سرورا مع وجهك. أيها الرجال الأخوة يسوغ أن يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داود انه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح انه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك " (أع2: 25-32).

وبنفس المنطق والحق كلمهم القديس بولس أيضاً: " أن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. انه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضا إلى فساد فهكذا قال أني سأعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضا في مزمور آخر لن تدع قدوسك يرى فسادا. لأن داود بعدما خدم جيله بمشورة الله رقد وانضمّ إلى آبائه ورأى فسادا. وأما الذي أقامه الله فلم ير فسادا " (أع13: 33-37).

فإذا كان الكتاب يقول أن جسده لم ير فسادا فكيف يزعم أصحاب الخيال والوهم والتلفيق أن جسده تحلل ونظف اليهود عظامه ووضعوها في صندوق للعظام؟؟!! كما أنه ظهر لتلاميذ مرات كثيرة كما أكدنا أعلاه وكما أكد تلاميذه ورسله " وظهر أياما كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب " (أع13: 31)؟؟!!

كما صعد إلى السماء هذه الحقيقة التي أشار إليها الرب يسوع المسيح قبل صلبه وقيامته حين قال للجموع: " فان رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا " (يو6: 62). كما صعد أمام أعين تلاميذه: " ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله " (مر16: 19)، " وأخرجهم خارجا إلى بيت عنيا. ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء. فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم " (لو24: 50و51). ويكمل القديس لوقا بالروح في سفر الأعمال: " الكلام الأول دونته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه بعدما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضا نفسه حيّا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله 000 ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. أن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء " (أع1: 1-12).

وكانت هذه الحقيقة أيضاً مثل القيامة هي جوهر الكرازة المسيحية التي نادت بقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب: " وإذ ارتفع بيمين الله واخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي انتم الآن تبصرونه وتسمعونه " (أع2: 33)، " لذلك يقول. إذ صعد إلى العلاء سبى سبيا وأعطى الناس عطايا. وأما انه صعد فما هو إلا انه نزل أيضا أولا إلى أقسام الأرض السفلى. الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل " (أف4: 8-10).

لقد مات المسيح على الصليب ولكن جسده لم ير فساداً بل قام من الأموات وظهر لتلاميذه ورسله بل ورأى الحراس الملاك النازل من السماء لكي يدحرج الحجر عن باب القبر وصاروا في رعب من خوفه: " وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه ابيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات " (مت28: 2و3). بل ويقول إنجيل بطرس الأبوكريفي المنحول أن رؤساء اليهود، الذين كانوا مشاركين في حراسة القبر، رأوا مع الحراس الملاك النازل من السماء بل ورأوا المسيح أيضاً وهو خارج من القبر!!

أن حقيقة قيامة المسيح لا يجادل فيها إلا أمثال هؤلاء الذين تركوا الحق والبحث العلمي النزيه وجروا وراء خيال سينمائي ملفق!!

 

(1) أنظر " قائلا انه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيرا ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " (للو9 :22)، " ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (لو18 :33)، " قائلا انه ينبغي أن يسلّم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم " (لو24 :7)، " لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب انه ينبغي أن يقوم من الأموات " (يو20 :9).

الصفحة الرئيسية