إنجيل برنابا هل هو إنجيلٌ صحيحٌ؟

(دراسة تحليليَّة لهذا الكتاب)

للقسِّ عبد المسيح بسيط أبو الخير كاهن كنيسة العذراء الأثريَّة بمسطرد

مقدمة

الفصل الخامس : الكاتب المزّيف هدفه وشخصيته وأسلوبه

الفصل العاشر : من هو المصلوب يهوذا أم يسوع ؟!!

تمهيد : فقرات من مقدمة المترجم

الفصل السادس : من هو كاتب هذا الكتاب ؟ أين ومتى كتب؟

الفصل الحادي عشر : الكاتب والأحوال السياسية والتاريخية والجغرافية والدينية في فلسطين أيام المسيح

الفصل الأول : كيف ظهر الكتاب للوجود ؟ وما هو رأي النقاد والعلماء فيه ؟

الفصل السابع : إنجيل برنابا والأناجيل الأبوكريفية

الفصل الثاني عشر : الآخرة في إنجيل برنابا الدينونة ، الجنة ، السموات ، الجحيم ، المطهر

الفصل الثاني : إنجيل برنابا المزيف والمراجع اليهودية والمسيحية والإسلامية

الفصل الثامن : من هو المسيح في إنجيل برنابا ؟

الفصل الثالث عشر : خرافة خلقة الإنسان وسقوط الشيطان

الفصل الثالث : القديس إريناؤس وقانون البابا جلاسيوس وموقفهما من هذا الكتاب المزيف

الفصل التاسع : شخصية المسيح في إنجيل برنابا

الفصل الرابع عشر : إنجيل برنابا المزيف والعهد القديم

الفصل الرابع : من هو القديس برنابا ؟

 

الفصل الخامس عشر : أسلوب الكاتب وتشبيهاته

ــــــــــــــــــــــــ

- 5 -

مقدمة

تُرجم الكتاب المسمَّي بإنجيل برنابا إلي اللغة الإنجليزيَّة سنة 1907م ثمَّ تُرْجِمَ إلي اللغة العربيَّة في السنة التالية مباشرة 1908م، وعلي إثر ذلك تُرجِمّ إلي اللغات الأرديَّة والإندونيسيَّة والفارسيَّة والتركيَّة، ثمَّ إلي الكثير من اللغات، خاصَّة بعد سنة 1975م. وقد أثار الكتاب منذ ظهوره في هذه الترجمات الكثير من الجدل بين مؤيِّدٍ له، ولكن غير مؤمن ومقتنع بما جاء فيه، باعتباره كتاب تحوم حوله الشكوك والشبهات، وبين رافضٍ له لوضوح زيفه وتزويره ولكثرة الأدلَّة الداخليَّة والخارجيَّة علي ذلك. ومع ذلك فالغالبيَّة الساحقة من العلماء والدارسين في المسيحيَّة والإسلام لم تلتفتْ إليه ولم تهتمّْ به بالمرَّة. ولم يكنْ كتاب كهذا، مليء بالخرافات والأفكار الخرافيَّة التي لا يمكن لعاقلٍ أنْ يقبلها، يحتاج منَّا إلي الوقت والجهد اللذان بُذلا في دراسته وإخراجه ليكون بين يديّ القارئ، ولكن نظرًا لتساؤل البعض حول حقيقته وحقيقة محتواه وسبب رفض الكنيسة له، اضطررنا لعمل هذه الدراسة لبيان حقيقته وحقيقة شخصيَّة كاتبه المزيَّف وحقيقة دوافعه وأهدافه. وقد اضطررنا لإيراد الكثير من نصوصه كاملة بقدر الإمكان وشرحها شرحًا تفصيليًا لكي تكون الصورة كاملة أمام القارئ حتي يتعرَّف بنفسه علي ما في الكتاب من أفكارٍ خرافيَّةٍ وعقائد مزيَّفةٍ، وحتي يري مدي ما فعله كاتب هذا الكتاب المزيّف والمزوّر بنصوص الكتب الدينيَّة خاصَّة الكتاب المقدَّس.

وقد قمنا بنشر الطبعة الأولي من هذا الدراسة سنة 1989م باسم " إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح؟"، ولكن وبعد مرور حوالي 13 سنة وبعد صدور العديد من الكتب التي دافعت عن هذا الكتاب المزيَّف وكذلك التي بيَّنَت زيفه وتزويره، قمنا بعمل هذه الدراسة في صورةٍ جديدةٍ، منقحةٍ ومعدلةٍ ، باسم " إنجيل

ــــــــــــــــــــــ

- 6 -

برنابا هل هو إنجيلٌ صحيحٌ ؟ " تعتمد علي أحدث الدراسات النقديَّة التي تمَّت في هذه السنوات الأخيرة.

ونرجو من اللَّه القدير أنْ تكون هذه الدراسة قد أوفتْ بالغرض المطلوب بصلوات قداسة البابا المعظَّم البابا شنودة الثالث بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيَّة، الذي يشجِّعْني دائمًا علي البحث والدراسة، ونيافة الأنبا مرقس، أبي الروحيّ، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها، والذي قدَّم لي، في هذه الدراسة، الكثير من دوائر المعارف والمراجع العالميَّة التي ساعدت علي إخراج هذا الكتاب بالصورة التي تتلاءم مع طبيعة الكنيسة المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة التي دافعت وتدافع وستظلّ تدافع عن الإيمان القويم في كلِّ العصور.

25 نوفمبر 2002م القس عبد المسيح بسيط أبو الخير

16 هاتور 1719ش

صوم الميلاد

ــــــــــــــــــــــ

تمهيد : فقرات من مقدمة المترجم

يقول الدكتور " خليل سعادة " مترجم هذا الكتاب المزيّف والمزوَّر المدعو زورًا بإنجيل برنابا إلي العربيَّة:

" أقدمت علي ترجمة هذا الكتاب المسمَّي بإنجيل برنابا وأنا شاعرٌ بخطورة المسئوليَّة التي ألقيتها علي عاتقي، وأني لم أقدِم عليها إلاَّ خدمةً للتاريخ، وغيرةً علي لغة هي أحقّ بنقله إليها من سواها وهي المرَّة الأولي التي برز فيها هذا الإنجيل في ثوبٍ عربيٍّ، وهو إنجيل تضاربت فيه آراء الباحثين وتشعَّبَت بخصوصه مذاهب المؤرِّخين وخبطوا فيه بين ضلالٍ وهدي وتلمَّسُوا حقيقته بين رشادٍ وهوي، واستنطقوا الآثار والأسفار واستفسروا الأعصار والأمصار، فما ظفروا بعد كلِّ ذلك بما يُشفي منهم عليلاً، ويُبرد لهم غليلاً.

1- النسخة الوحيدة في العالم(2): والنسخة الوحيدة المعروفة الآن في العالم التي أنقل عنها هذا الإنجيل إنَّما هي نسخة إيطاليَّة في مكتبة بلاط " فيينا "(3)وهى تُعدَّ من أنفس الذخائر والآثار التاريخيَّة فيها، تقع في مائتين وخمس وعشرين صحيفة سميكة، مجلَّدة بصفحتين رقيقتين متينتين من الورق المقوَّي، يغطِّيهما جلدان لونهما أدكن ضارب إلي الصفرة النحاسيَّة، ويحيط بهما علي الحواف الأربع خطان مذهبان، وفي مركز الجلد نقشٌ بارزُ عطُل من التذهيب، تحيط به حافة مزدوجة من نقوش ذهبيَّة متباينة الأشكال، يسمِّيها الغربيُّون بالطراز العربيّ، ويستدلون من مجمل التجليد المنوه عنه أنَّه طراز شرقي.

2- نوع التجليد وتاريخه: إلاَّ أنَّ البعض يذهب إلي التجليد المذكور برمَّته قد يكون من صنع المُجلّدين الباريسيِّين اللذين استقدمها الدوق " دي سافوى " لتجليد النسخة المذكورة التي كانت ملكًا له علي ماسيجيء بيانه، فقد يكونان جلّداها تقليدًا للطراز العربيّ، وممَّا حملهم علي هذا الظن هو أنَّ المحفظة الخارجيَّة للنسخة المذكورة هي صنع المجلدين الباريسيِّين بلا مراء.

إلاَّ أنَّه يُقال - في جنب ما تقدم - أنَّ هناك نسخة صك في " البندقية " مجلَّدة بجلدٍ يُضارع جلد النسخة الإيطاليَّة لإنجيل برنابا من كلِّ وجه، وخصوصًا من حيث النقوش المشار إليها. والصكّ المذكور إنَّما هو نسخة دوليَّة باللغة الإيطاليَّة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وضعنا نحن هذه العناوين الجانبية، وليس المترجم لتسهيل المتابعة والمراجعة.

(2) وضعنا نحن هذه العناوين الجانبية ، وليس المترجم لتسهيل المتابعة والمراجعة.

(3) فيينا عاصمة النمسا ، وقد ظهرت أجزاء كبيرة من النسخة الأسبانية في السنوات الأخيرة في استراليا .

ــــــــــــــــــــــ

- 8 -

لمعاهدة عُقِدَت بين الدولة العَلِيَّة ( العثمانيَّة ) والبندقية ورد ذِكْرها في مراسلات يرجع عهدها إلي أصيل القرن السادس عشر، وجلد الصكّ المذكور في القسطنطينيَّة بلا مشاحة كما يُستدلّ علي ذلك من آثار كتابة باللغة التركيَّة الشائعة في ذلك الزمن تبدَّت من خلال مزق في الجلد المذكور.

3 – أصل ورق الكتاب وتاريخه: وزعم بعضهم أنَّ صحائف النسخة الإيطاليَّة هي من الورق المسمَّي بالتركيّ، إلا أنَّه ليس فيها شيء يؤيِّد هذا الزعم فإنَّ جميعها من الورق المعروف بالورق القطنيّ. وهي متينة النسيج خشنته، خلا صحيفتَين منها مصقولتَين، تختلفان في قوامهما ولونهما عن البقيَّة. وهنالك حُجَّة قويَّة تُفَنِّد مزاعم القائلين بالأصل التركيّ، وهي أنَّ الآثار المائيَّة في الورق، وهي التي تبدو لك متي استشففته، لم تشاهد في نوع من أنواع الورق الشرقيّ قط، وهي في الصحائف المنوَّه عنها علي شكل مرساة سفينة تحيط بها دائرة، وهي علامة مميَّزة لنوع الورق الإيطاليّ علي ما قال به بعض مشاهير الأخصائيِّين.

4- العثور علي النسخة الإيطاليَّة: وأوَّل من عثر علي النسخة الإيطالية ممن لم يعرف التاريخ أثرهم، ولم تدرس الأيام ذكرهم، هو " كريمر" - أحد مستشاريّ ملك بروسيّ - وكان مقيمًا وقتئذ في امستردام فأخذها سنة (1709م)، من مكتبة أحد مشاهير ووجهاء المدينة المذكور، ولم يزدْ علي تعريف صاحبها بغير هذه الألقاب المبهمة، إلاَّ أنَّه ذُكر في عرض الكلام عنه أنَّ الوجيه المذكور كان يحسب النسخة المنوَّه عنها ثمينة جدًا فأقرضها " كريمر تولند " ثمَّ أهداها بعد ذلك بأربع سنين إلي البرنس (الأمير) " ايويجين سافوي " الذي كان علي كثرة حروبه ومعاركه ووفرة مشاغله السياسيَّة، شديد الولع بالعلوم والآثار التاريخيَّة، ثمَّ اِنتقلت النسخة المذكور سنة 1738م مع سائر مكتبة البرنس (الأمير) المنوَّه عنه إلي مكتبة البلاط الملكيّ في " فيِّينا " حيث لا تزال هناك حتي الآن، علي ما مرَّ بك بيانه.

5- النسخة الأسبانيَّة: بيد أنَّه وُجِدَ في أوائل القرن الثامن عشر نسخة أخري أسبانيَّة تقع في مائتين واثنين وعشرين فصلاً وأربع مائة وعشرين صفحة، جرَّ الدهر عليها ذيل العفاء فطُمِسَت آثارها ودرست رسومها وكان قد أقرضها الدكتور " هلم " من " هدلي " (بلدة من أعمال همبشير) المستشرق الشهير " سايل "، ثم تناولها بعد "سايل " الدكتور " منكهوش " أحد أعضاء كليَّة الملكة في " اكسفورد " فنقلها إلي الإنجليزية، ثم دفع الترجمة مع الأصل سنة 1784م إلي الدكتور " هوايت " أحد مشاهير الأساتذة.

ولقد أشار الدكتور " هوايت " المنوَّه عنه في إحدي الخُطب التي كان يلقيها علي الطلبة إلي هذه النسخة، حيث استشهد ببعض الشذرات منها، ولقد طالعت هذه الشذرات وقابلتها بالترجمة الإنجليزيَّة المنقولة عن النسخة الإيطاليَّة الموجودة الآن في مكتبة بلاط " فيينا " فوجدت الأسبانيَّة ترجمة حرفيَّة عن تلك ولم أر بينهما فرقًا يستحق الذكر إلاَّ في أمرَين، فإنَّ النسخة الإيطاليَّة تقول : ( أنَّه لما جاء " يهوذا "

ــــــــــــــــــــــ

- 9 -

الخائن مع الجند الروماني ليسلم " يسوع " علي أيديهم كان " يسوع " يصلِّي في البستان بجانب الغرفة التي كان تلاميذه فيها نيامًا، فلمَّا أحسَّ بالجنود خاف فدخل فلمَّا رأى اللَّه الخطر المحدق به أرسل ملائكته الأربعة فاحتملوه في النافذة إلي السماء الثالثة، فلمَّا دخل يهوذا الخائن الغرفة غيَّر اللَّه بآية منظره وصوته، فصار نظير " يسوع " تمامًا، فلمَّا استيقظ التلاميذ ورأوه لم يشكُّوا في أنَّه هو " يسوع " ).

فالرواية الأسبانيَّة تنطبق حرفيًا علي الإيطاليَّة، إلا أنَّ الأولي تقول " إلاًَّ بطرس " أيّ أنَّها استثنت " بطرس " من عداد التلاميذ الذين لم يشكُّوا في أنَّ " يهوذا " هو " يسوع " ثمَّ ذكرت اسم أحد الملائكة الذين احتملوا " يسوع " من النافذة "عزرائيل "، وهو في الإيطاليَّة " أوريل ". وهناك بعض اختلافات أخري طفيفة اضربنا عن ذكرها.

6- خرافة الراهب فرامرينو: ويُؤخذ مما علَّقه " سايل " علي النسخة الأسبانيَّة أنَّه مسطور في صدرها أنَّها مترجمة عن الإيطاليَّة بقلم مسلم أورغاني يُسَمَّي " مصطفي العرندي "، وصدَّرها بمقدِّمة يقصُّ فيها مكتشف النسخة الإيطاليَّة - وهو راهب لاتيني يُسَمَّي "فرامرينو" - كيفيَّة عثوره عليها، ومن جملة ما قال بهذا الصدد أنَّه عثر علي رسائل "لارينايوس " وفي عدادها رسالة يُنَدِّد فيها بالقدِّيس " بولس " الرسول، وأنَّ " أرينايوس " أسند تنديده هذا إلي إنجيل القدِّيس " برنابا "، فأصبح من ذلك الحين الراهب مرينو - المشار إليه - شديد الشغف بالعثور علي هذا الإنجيل.

7- الراهب " المزعوم " والسرقة الخرافية المزعومة: واتفق أنَّه أصبح حينًا من الدهر مقرَّبًا من البابا " اسكتس الخامس "، فحدث يومًا أنَّهما دخلا معًا مكتبة البابا، فران السكري علي أجفان قداسته، فأحبَّ " مرينو " أنْ يقتل الوقت بالمطالعة إلي أنْ يفيق البابا، فكان الكتاب الأوَّل الذي وضع يده عليه هو هذا الإنجيل نفسه، فكاد أنْ يطير فرحًا من هذا الاكتشاف، فخبَّأ هذه الذخيرة الثمينة في أحد ردنيه، ولبث إلي أنْ استفاق البابا فاستأذنه بالانصراف حاملاً ذلك الكنز معه، فلمَّا خلا بنفسه، طالعه بشوقٍ عظيمٍ، فإعتنق علي أثر ذلك الدين الإسلاميّ.

هذه هي رواية الراهب " فرامرينو " علي ما هو مدوَّن في مقدِّمة النسخة الأسبانيَّة، كما رواها المستشرق " سايل "، في مقدِّمة له لترجمة القرآن، وهي مع ما تقدَّم الإلماع إليه من خُطب الأستاذ " هوايت "، المصدر الوحيد الذي لنا الآن بخصوص النسخة الأسبانيَّة التي لم أعثر علي كيفية فقدانها، سوي أنَّه عُهِدَ بترجمتها إلي الدكتور " منكهوش " فدفعها إلي الدكتور " هوايت " ثم طمس بعد ذلك خبرها وأمْحِيَ أثرها(4) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) وجدت نسخة لمخطوطة أسبانية في سبعينات القرن العشرين في مكتبة فيشر Fisher library بسيدنى باستراليا . أنظر الفصل الثاني من هذا الكتاب .

ــــــــــــــــــــــ

- 10 -

وهنا يعرض للبيب سؤال وهو :

هل النسخة الإيطالية الحاضرة هي التي اختلسها الراهب مرينو من مكتبة البابا اسكتس الخامس ؟ أم هي نسخة أخرى سواها ؟.

8 – متي كُتبت النسخة الأصليَّة ؟ ولا يمكن ترجيح ذلك إلاَّ بعد تعيين الزمن الذي كتبت فيه، وإذا تحرَّيت التاريخ وجدت أنَّ زمن البابا اسكتس الخامس - المذكور - نحو مغيب القرن السادس عشر، وقد علمت مما مر بك بيانه أنَّ نوع الورق التي سطرت عليه النسخة الإيطاليَّة إنما هو ورق إيطاليّ يمكن تعيين أصله من الآثار المائيِّة فيه، والتي يمكن إتِّخاذها دليلاً صادقًا علي تاريخ النسخة الإيطاليَّة، والتاريخ الذي يُخَمِّنه العلماء من كلِّ ما تقدَّم بيانه يتراوح بين منتصف القرن الخامس عشر والسادس عشر، وعليه فمن الممكن أنْ تكون النسخة الإيطاليَّة هي عينها التي اختلسها " فرامرينو " من مكتبة البابا علي ما مرَّت الإشارة إليه.

9- جدال حول هذا الإنجيل المزيف: ولما شاع خبر إنجيل برنابا في فجر القرن الثامن عشر أحدث دوياً عظيماً في أندية الدين والعلم ولا سيَّما في إنجلترا، فكثر بشأنه الجدل، واحتدمت بين العلماء مناقشات كان بعضها أقرب إلي التخرُّصات والأوهام منه إلي المباحث العلميَّة، وأوَّل أمر توجَّهت إليه هِمَم الباحثين الخوض في أمر النسخة الإيطاليَّة وفيما إذا كانت منقولة عن نسخةٍ أخري أو هي النسخة الأصليَّة التي كانت عند الراهب " فرامرينو " وإدَّعي اختلاسها من مكتبة البابا " اسكتس الخامس "، ومن الغريب أنَّ العلماء لم ينتبهوا في حلِّ هذه القضية إلي ما رأوه مسطوراً علي هوامش النسخة من الألفاظ والجمل العربيَّة التي أثبتناها في هذه الترجمة أمانة في النقل، ولكي تكون مطابقة للأصل برمَّته من كلِّ وجهٍ، والحق يُقال أنَّ اللبيب يَحار في أمر هذه الشروح والهوامش العربيَّة في نسخة إيطاليَّة، ولابدَّ في هذا الموقف من ذِكْر ما عنّ لي بشأنها بشيءٍ من الأسباب لأنَّ كلّ الثقات الذين تؤخذ أقوالهم حُجَّة في الكلام علي النسخة الإيطاليَّة لم يُوفوا هذا الموضوع حقَّه بل لم يُلِمُّوا به أقلَّ إلمامٍ حتي أنَّ مستشرقًا كبيرًا كالأستاذ " مرجليوث " لم يذكرها إلاَّ علي سبيل العرض، ولم يقلْ بشأنها إلاَّ قولاً واحدًا وهو أنَّ " لاموتي ظنها صحيحة العبارة محكمة الوضع، لكن لم يخفِ أمرها علي العالم " دنس " الذي قال بسقم تركيبها ووفرة أغلاطها ".

10- هوامش الكتاب العربيَّة: وأنت إذا تفقَّدتَ هذه الهوامش وأعْمَلْت فيها الرويَّة وجدت بعضها صحيح العبارة مُحْكَم الوضع، لعب فيه قلم الناسخ كلّ ملعبٍ، من مسخ وتصحيف، والبعض الآخر سقيم التركيب من أصله لا تكاد تفقه لبعضه معني إلاَّ بكدِّ الذهن، ولا تفقه لبعضه الآخر معني بالمرَّة، وتجد أيضًا أنَّ ما كان ركيك العبارة سقيم التركيب قد جري فيه الكاتب علي الترجمة الحرفيَّة في أضيق معانيها وأسخفها، فوضع المضاف إليه قبل المضاف. وهو ما لا يفعله كاتبٌ عربيٌ تحت الشمس، وليس ذلك فقط في الهوامش التي هي ترجمة بعض فقرات

ــــــــــــــــــــــ

- 11 -

الإنجيل إلي العربيَّة، بل أيضًا في الهوامش التي هي من أوضاعه والتي لا مقابل لها بالإيطاليَّة.

000 من ذلك قوله سورة " عيسي ألم " أي سورة آلام " عيسي "، وقوله " ذكر إديرس قصص" أي ذكر قصة " إدريس " وقوله " متكبّر كاميل بيان " أي بيان شرّ أنواع الكبرياء، وقوله " من أي دين عنده ينبغي أنْ يصدق من الخبائس " إلي آخر ما هنالك من الطمطمانيَّات التي هي أقرب إلي العجمة منها إلي العربيَّة، فمن كان يحسن إجادة سبك العبارات علي ما تقدَّم إيضاحه من أمثله النوع الأوَّل لا يرتكب مثل هذه الأغلاط الفاضحة التي يستحيل علي عربيّ أو مستشرق ارتكابها.

فإذا تدبَّرت ما تقدَّم هان عليك أنْ تفقه أنَّ كاتب الهوامش العربيَّة أكثر من واحد، فكان واضعها الأصليّ صحيح العبارة فصيحها، فجاء بعده من نسخها ومسخها وبدَّل فيها ما شاء قصور مداركه في اللغة العربيَّة، فأفسد بنسخه كثيرًا مما وضعه الكاتب الأوَّل وزاد عليه من عنده ما تري من التعابير السخيفة والأساليب الركيكة، والطمطمانيَّات التي لا يستخرج منها معني بالمرَّة. والذي أرمي إلي الاستدلال عليه من هذا البيان أنَّ النسخة الإيطاليَّة التي هي الآن في مكتبة البلاط الملكي في " فيينا " إنما هي مأخوذة بلا مراء عن نسخة أخري وبالتالي لا يصحْ اعتبارها النسخة الأولي الأصليَّة .

11- هل هناك أصل للنسخة الإيطاليَّة؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو الأصل الذي أُخذت منه النسخة الإيطاليَّة؟ وهو سؤال صعب، ولكن لا يستحيل الإجابة عليه، فقد مرَّ بك من الكلام علي هوامش النسخة المشار إليها ما يصح الاستدلال به علي أنَّ النسخة التي نُقلت عنها ليست بعربيَّة لأنَّ من يُجيد العربيَّة إلي حدٍّ يتمكَّن معها من ترجمة هذا الإنجيل منها إلي لغة أخري لا يرتكب مثل هذه الأغلاط السخيفة التي تراها في الهوامش، ولا يقلب الكلام إلي حدِّ تقديم المضاف إليه علي المضاف، إلي غير ذلك من التعابير التي هي أدلّ علي أصل لاتينيّ أو إيطاليّ قديم، وهو استنتاج ينطبق علي ما قال به الثقات بعد التدقيق وإمعان النظر في نوع خط النسخة الإيطاليَّة الموجودة الآن في مكتبة بلاط " فيينا "، فقد توصَّلوا إلي الجزم بأنَّ ناسخها إنما هو من أهالي " البندقية " نسخها في القرن السادس عشر، أو أوائل السابع عشر، وأنَّه يُرجَّح أنَّه أخذها عن نسخة " توسكانيَّة "، أو عن نسخة بلغة " البندقيَّة " تطرَّقت إليها اصطلاحات " توسكانيَّة "، وهي أقوال " لونسدال ولورا راغ " بعد أنْ أخذا في ذلك أراء أعظم الثقات الإيطاليِّين الذين يُؤخذ قولهم حُجَّة في هذه المباحث الأخصائيَّة.

12- الكاتب الأصليّ وعلاقته باللغة اللاتينيَّة واللغة الإيطاليَّة: ويذهب الكاتبان المذكوران إلي أنَّ النسخ حدث نحو سنة (1575م) وأنَّ من المحتمل أنْ يكون ناسخ هذا الإنجيل الراهب "فرامرينو " الذي ورد ذكره في مقدِّمة النسخة

ــــــــــــــــــــــ

- 12 -

الإيطالية علي ما جاءت الإشارة إليه ثم يقولون بعد ذلك ما ترجمته " وكيف كان الحال، فيمكننا الجزم بأنَّ كتاب " برنابا " الإيطاليّ إنما هو كتاب إنشائيّ، وسواء قام به كاهن أو علمانيّ أو راهب أو أحد العامَّة، فهو بقلم رجل له إلمام عجيب بالتوراة اللاتينيَّة يقرب من إلمام " دانت "، وأنَّه نظير " دانت " متضلِّع علي نوع خاصٍّ من " الزبور "، وهو صنع رجل معرفته للأسفار المسيحيَّة تفوق كثيرًا إطلاعه علي الكتب الدينيَّة الإسلاميَّة، فيُرَجَّح إذًا أنَّه مُرْتَدّ عن النصرانيَّة ".

13- بين الشاعر الإيطاليّ دانتي والكاتب المزيَّف للإنجيل المزعوم: والباعث علي المقارنة بين كاتب هذا الإنجيل والشاعر الشهير " دانت " ما في كلامهما من الملابسات وما في تعابير النسخة الإيطاليَّة من الشبه بمؤلفات " دانت " الشعريَّة التي يصف فيها الجحيم(5) والجنَّة، ففي هذا الإنجيل أنَّ هناك سبع دركات للجحيم، تختلف مراتبها باختلاف الخطايا الكبيرة السبع التي يُعذَّب البشر لأجلها، وأنَّه يُوجد تسع سموات تأتي في قمَّتها الجنَّة، فتكون العاشرة. فيستنتج بعضهم من ذلك أنَّ كاتب هذا الإنجيل إنما جاء بعد " دانت " وأخذ عنه هذه الشروح، أو أنَّه كان معاصرًا له. فذكر نظير " دانتي " ما كان شائعًا من الآراء في عصرهما، فيكون إذ ذاك " برنابا " هذا قد ظهر في القرن الرابع عشر ، إلاَّ أنَّ وصف الجحيم علي ما جاء به " برنابا " هذا لا ينطبق علي وصف " دانتي " أو غيره إلاَّ من حيث العدد، والرأي الأصيل أنْ يكون كلاهما قد أخذ عن مصدر آخر قديم لا يترتب معه أنْ يكون الكاتبان متعاصرَين، وذلك المصدر إنما هو " ميثولوجيا اليونان "، وقد يُعدّ ما بين الكاتبان من الشبه والتصوَّرات الشعريَّة والألفاظ الوضعيَّة من قبيل توارد الخواطر.

14- هل للكتاب اصل عربي؟ ولقد تبادر إلي ذهن العلماء بادئ ذي بدء أنَّ النسخة الإيطاليَّة مأخوذة من أصل عربيّ، وكان أوَّل من أشار إلي ذلك " كريمر " الذي مرَّ بك ذكره حيثُ صدّر النسخة الإيطاليَّة التي أهداها إلي " الدوق سافوي " ببضعة أسطر من عنده، يذكر أنَّ هذا الإنجيل " المحمديّ " مُترجم عن العربيَّة أو سواها، ثم تابعه في ذلك " لاموتي " حيث يقول "أراني البارون هو هندرف الذي يجمع بين شرف المحتد وسمو الآداب وسعة الاطلاع كتاباً يزعم الأتراك أنَّه للقدِّيس "برنابا "، والظاهر أنَّه منقول إلي الإيطاليَّة من العربيَّة "، ويريد بلفظ الأتراك جمهور المسلمين والعرب، علي ما يزال شائعًا من الاستعمال غير المدقق من كتاب الإفرنج لهذه اللفظة في عصرنا الحاضر .

ثم أنَّ الدكتور " هوايت " الذي مرَّ الإلماع إليه يقول في سنة 1784م " إنَّ الأصل العربيّ لا يزال موجوداً في الشرق "، ولكنَّك إذا أعملت البصيرة وجدت أنَّ كلام الدكتور" هوايت " مبنيّ علي كتابات المستشرق " سايل " التي نشرها قبل ذلك بنحو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) في ملهاته الشعرية المسماة بالكوميديا الإلهية. أنظر الفصل الثالث عشر .

ــــــــــــــــــــــ

- 13 -

نصف قرن من الزمن وسمَّاها بالمباحث التمهيديَّة وفيها يقول في عرض الكلام عن القرآن "أنَّ عند المسلمين إنجيلاً عربيًا ينسبونه إلي القدِّيس " برنابا " وفيه يروي تاريخ " يسوع المسيح " علي أسلوب يباين كل المباينة الأناجيل الصحيحة 000 ولكنه يعترف بعد ذلك في عرض المقدِّمة التي له علي القرآن " أنِّي لم أرَ إنجيل برنابا عندما ألمعت إليه في المباحث التمهيديَّة ". فقوله السابق إذًا مبنيّ علي السماع وهو إنما تابع في ذلك " لاموتى " علي ما جاءت الإشارة إليه وقوله هذا أيضًا مبنيّ عليّ السماع لأنَّه لم يُعثرْ علي نسخة عربيَّة للإنجيل المذكور قط.

15- الكتاب والمؤرخون العرب: ثمَّ أنَّه لم يردْ ذكر لهذا الإنجيل في كتابات مشاهير الكتاب المسلمين سواء في الأعصر القديمة أو الحديثة حتي ولا مؤلَّفات من إنقطع منهم إلي الأبحاث والمحاولات الدينيَّة مع أنَّ إنجيل برنابا أمضي سلاح لهم في مثل تلك المناقشات وليس ذلك فقط 000 بل لم يردْ ذِكْر لهذا الإنجيل في فهارس الكتب العربيَّة القديمة عند الأعارب أو الأعاجم أو المستشرقين الذين وضعوا فهرساً لأندر الكتب العربيَّة القديمة والحديثة.

16- ميل المترجم لوجود أصل عربيّ لهذا الكتاب المزيَّف: بيد أنَّه لابدَّ لي من التصريح بعد كلّ ما تقدَّم بيانه أنَّي أشدّ ميلاً للاعتقاد بالأصل العربيْ مني بسواه إذْ لا يجوز إتّخاذ عدم العثور علي ذلك الأصل حُجَّة دامغة علي عدم وجوده، وإلاَّ لوجب الاعتقاد بأنَّ النسخة الإيطاليَّة هي النسخة الأصليَّة لهذا الإنجيل، فإنَّه لم يَعْثُر أحدٌ قط علي نسخة أخري سوي النسخة الأسبانيَّة التي مرَّ بيانها، والتي ورد في مقدِّمتها أنَّها مترجمة عن نسخة إيطاليَّة، والمطالع الشرقيّ يري لأوَّل وهلة أنَّ لكاتب إنجيل برنابا إلمامًا بالقرآن حتي أنَّ كثيرًا من فقراته يكاد أنْ يكون ترجمة حرفيَّة أو معنويَّة لآياتٍ قرآنيَّةٍ. أقول هذا وأنا عالمٌ أنِّى في ذلك مُخالف لجلِّ كتَّاب الغرب الذين خاضوا عباب هذا الموضوع، وفي جملتهم " لونسدال " و " لورا راغ " اللذان يزعمان أنَّ إلمام كاتب هذا الإنجيل بالإسلام قليل، فكان هذا من جملة الأسباب التي حملتهما علي نفي القول بأصلِ عربيٍّ، ومن ذلك حديث " إبراهيم " مع أبيه، ومنه ما ينطبق علي سورة 21و 37، وكقوله عن سبب سقوط " إبليس " أنَّه أبي أنْ يسجد لآدم علي حدِّ ما جاء في سورة " البقرة "، وكذلك ما ورد في سورة الحجر، ولولا ضيق المقام لأوردت كثيراً من تلك الفقرات مع ما يقابلها من آيات القرآن، وليس ذلك فقط، بل أنَّ في إنجيل برنابا كثيرًا من الأقوال التي تنطبق على الأحاديث النبويَّة والأساطير العلميَّة التي لم يكنْ يعرفها حينئذ غير العرب، حتي أنَّك لا تكاد تجد في هذه الأيام - علي كثرة المستشرقين والمشتغلين باللغة العربيَّة وتاريخ الإسلام من الغربيِّين - من يُعدّ عالمًا بالحديث.

ومن جملة الأسباب التي تحدو بي إلي هذا الزعم أنَّ طراز تجليد النسخة الإيطاليَّة إنما هو طراز عربيّ بلا مراء، علي ما تقدَّم الإلمام إليه، والقول بأنَّه من صنع

ــــــــــــــــــــــ

- 14 -

الباريسيَّين اللذَّين استقدمها " الدوق دي سافوي " تقليدًا للطراز العربيّ، لا يتعدَّي الحدس والتخمين.

17- الكاتب من وجهه نظر المترجم: غير أنَّ القول بأنَّ هذا الإنجيل عربيّ الأصل لا يترتَّب عليه أنْ يكون كاتبه عربيّ الأصل، بل الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب يهوديّ أندلسيّ إعتنق الدين الإسلاميّ بعد تنصّره وإطِّلاعه علي أناجيل النصاري ، وعندي أنَّ هذا الحلّ هو أقرب إلي الصواب من غيره،لأنَّك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه إلمامًا عجيبًا بأسفار العهد القديم " التوارة " لا تكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصاري إلاَّ في أفراد قليلين من الأخصائيِّين الذين جعلوا حياتهم وقفاً علي الدين كالمفسِّرين، حتي أنَّه ليندر أنْ يكون بين هؤلاء أيضًا من له إلمام بالتوراة يقرب من إلمام كاتب إنجيل برنابا، والمعروف أنَّ كثيرين من يهود الأندلس كانوا يتضلَّعون في العربيَّة، ولقد نبغ بينهم من كان له في الأدب والشعر القدح المعلي، فيكون مثلهم في الإطلاع علي القرآن والأحاديث النبويَّة مثل العرب أنفسهم.

وممَّا يؤيِّد هذا المذهب ما ورد في هذا الإنجيل عن وجوب الختان، والكلام الجارح الذي جاء فيه من أنَّ الكلاب أفضل من الغلف، فإنَّ مثل هذا القول لا يصدرْ عن نصرانيّ أصيل، وأنت إذا تفقَّدت تاريخ العرب بعد فتح الأندلس وجدت أنَّهم لم يتعرَّضوا بادئ ذي بدء لأديان الآخرين في شيء علي الإطلاق، فكان ذلك من جملة البواعث التي حدت بأهل الأندلس إلي الرضوخ لسطوة المسلمين وسيطرتهم، وثابروا علي هذه الخطَّة في جميع الأمور الدينيَّة إلاَّ في شئٍ واحدٍ وهو الختان إذ جاء زمن أكرهوا فيه الأهالي عليه وأصدروا أمرًا يقضي علي النصاري بإتِّباع سنَّة الختان علي حدِّ ما كان يجري عليه المسلمون واليهود، فكان هذا من جملة البواعث التي دعت النصاري إلي الانتقاض عليهم. أمَّا يهود الأندلس فإنَّهم كانوا يدخلون في الإسلام أفواجًا وليس ذلك فقط بل كانت لهم يد كبيرة في إدخال المسلمين أسبانيا ورسوخ قدمهم فيها في ذلك العهد الطويل.

ومما يعزِّز هذا الرأي أيضًا أنَّ هذا الإنجيل يتضمَّن كثيرًا من التقاليد التلموديَّة التي يتعذَّر علي غير يهوديّ معرفتها، وفيه أيضًا شئ من معاني الأحاديث والأقاصيص الإسلاميَّة الشائعة علي ألسنة العامَّة، ولا سند لها من كتب الدين، ولا يتأتَّي لأحدٍ الإطلاع علي مثل هذه الروايات إلاَّ إذا كان في بيئة عربيَّة، فالرأي الذي أذهب إليه من أنَّ الكاتب الأصليّ هو يهوديّ أندلسيّ إعتنق الإسلام يعلِّل جميع ما تقدَّم تعليلاً واضحًا.

18- الكاتب والوسط الإيطالي: إلاَّ أنَّ البعض يذهب إلي أنَّ الوسط الذي ظهر فيه الإنجيل إنما هو إيطاليّ نحو أوائل القرون الوسطي، وأنَّ كاتب هذا الإنجيل إيطاليّ من ذلك الزمن بدليل أنَّ مُجمَل روح الإنجيل وعباراته تدلّ علي هذا الوسط، فقد ذكر في عرض الكلام عن الحصاد وأناشيد المغنيِّين ما يصحّ أنْ

ــــــــــــــــــــــ

- 15 -

يكون وصفًا حرفيًا لما يحدث الآن في " توسكانيا " و" تينو " من إيطاليا، وأنَّ الإشارة إلي استخراج الحجارة من المقاطع ونحتها وبناء البيوت بالحجارة الصلدة أصحّ علي كاتب من أمَّة خبيرة بالبناء منه علي كاتب من العرب الذين يقيمون في الخيام، وقسْ عليه ما جاء عن حمل العبد خبزًا لفعلة سيّده في الكروم عن دوس العنب بالأقدام في المعاصر إلي آخر ما هناك من مثل هذه الإشارات.

والحق يُقال أنِّي لم أجدْ في كلِّ ذلك ما هو أدلّ علي وسط غربيّ منه علي شرقيّ، إلاَّ إذا كان مراد الكاتب أنْ يكون ذلك الوسط الشرقيّ بلاد العرب نفسها، فإنَّ ما ورد فيه ينطبق انطباقًا تامًا علي ما كان جاريًا في فلسطين وسوريا في عهد المسيح، ولا يزال كذلك لهذا العهد الحاضر، فالحصَّادون والحصَّادات ينشدون أناشيد يرن صداها في جوانب السهول وبطون الأودية، والبنَّاءون يقطعون الحجارة وينحتونها علي نحو ما ذكر " برنابا "، ولا يسكن الخيام إلاَّ البدو الرُحَّل الذين ليسوا من أهل البلاد، ويحمل الغلمان والقوم الزاد لمن في الكروم أثناء القطاف كما يحملونه للفعلة أثناء الحراثة، ويدوسون العنب بأقدامهم علي ما هو معهود من أمره في فلسطين وسوريا وبلاد الشرق كلّه، إلاَّ أنَّه لابدّ لي من الإقرار بأنَّ هنالك بعضًا من الأدلَّة يتعذَّر تطبيقها علي ما كان شائعًا في ذلك الزمن في فلسطين، منها الإشارة إلي كيفيَّة تنظيف براميل النبيذ وجدلها لهذا الغرض، والمعروف في فلسطين قديمًا - وفي يومنا الحاضر - أنَّ الخمور تُوضع في جرار كبيرة أو في زقاق، ومنها الإشارة إلي الفرق بين إعدام السارق شنقًا أو إعدام القاتل بقطع الرأس، وهو مما لم أقفْ له علي أثر من التاريخ القويم لفلسطين، ومهما يكن من الأمر فإنَّ الأوصاف التي تنطبق علي إيطاليا تنطبق أيضًا علي بلاد الأندلس من كلِّ وجهٍ.

19- مصطفي العرندي ودوره: وسواء كان كاتب الإنجيل يهوديّ الأصل، أو نصرانيه، فمِمَّا لا شبهة فيه أنَّه كان مسلمًا، ومما يبعث علي الأسي فقدان النسخة الأسبانيَّة التي مرَّ بيانها، وخصوصًا لأنَّ العلماء الذين وصلت تلك النسخة إلي أيديهم لم يبحثوا فيها بحثًا علميًا كما فعلوا في النسخة الإيطاليَّة، وخصوصًا لأننا لا نعرف شيئًا عن مترجمها "مصطفي العرندي" لأنَّ ترجمة حياة مسلم نظيره أتقن اللغتَين الإيطاليَّة والأسبانيَّة، وهما اللغتان اللتان ظهر بهما إنجيل برنابا إلي الوجود، لا تخلو من أهمِّيَّة وتبصرة.

20- الجزم بكتابة الكتاب في العصور الوسطي: ولقد علمت مما مرَّ بك أنَّ الثقات مجمعون علي أنَّ إنجيل برنابا كُتِبَ في القرون الوسطي غير أنَّ هنالك دليلاً أكيدًا يتمكَّن معه من الجزم بشأن الزمن الذي كُتِبَ فيه، فقد ورد فيه ما نصَّه " إنَّ سنة " اليوبيل " التي تجئ الآن مرَّة كل مائة سنة، والمعروف أنَّ " اليوبيل " اليهوديّ لم يحدث إلاَّ مرَّة كلّ خمسين سنة، وليس من ذكر في التاريخ لـ " يوبيل " يقع كل مائة سنة إلاَّ في الكنيسة الرومانيَّة وكان أوَّل من احتفل به البابا

ــــــــــــــــــــــ

- 16 -

بونيفاسيوس الثامن سنة 1300م، وقال بلزوم تكراره في كلِّ فجر قرنٍ جديدٍ، ولكن " اليوبيل " الأوَّل في السنة المذكورة كان باهرًا جدًا، ودرَّ علي الخزينة البابويَّة خيرًا كثيرًا، فلهذا وإجابة لرغائب الشعب رأى أكليمنضوس السادس تقصير المدة فجعله مرَّة كلّ خمسين سنة فوقع اليوبيل الثاني سنة 1350 ثم أمر البابا " أربانوس السادس " في سنة 1398 أنْ يُحتفل به مرَّة كل ثلاث وثلاثين سنة تذكارًا لعمر " المسيح " ثم جعله البابا " بولس الثاني " كلّ خمس وعشرين سنة مرَّة، فتري ممَّا تقدَّم أنَّ الزمن الوحيد الذي يُمكن فيه لكاتب أنْ يتكلَّم عن "يوبيل" يقع مرَّة كلّ مائة سنة هو النصف الأوَّل في القرن الرابع عشر، ويترتَّب علي هذا أنْ يكون الكاتب معاصرًا للشاعر " دانت " الشهير علي ما مرَّ الإلماع إليه في محلِّه ، غير أنَّك إذا أعملت النظر فيما كان عليه الكاتب من سعة الإطلاع علي أسفار العهد القديم " التوراة " تعذَّر عليك أنْ تفقه كيف يقع مثله في غلطٍ لا يُخفي علي البسطاء، ولعلَّ الصواب أنَّ هنالك خطأ في النسخ أسقط الناسخ فيه بعض حروف من كلمة خمسين الإيطاليَّة فصارت تُقرأ مائة، لأنَّ في رسم الكلمتَين ما يسهِّل الوقوع في مثل هذا الخطأ.

21- مرسوم البابا جلاسيوس الخامس " 469م ": علي أنَّ القول بانتحال أحد كتَّاب القرون الوسطي لهذا الإنجيل برمّته لا يخلو من نظر، لأنَّ نحوه أو ثلثه علي الأقل يتَّفق مع مصادر أخري غير التوراة والإنجيل والتلمود والقرآن إذ فيه تفاصيل ضافية الذيول لم يردْ لها ذكر في الأناجيل إلاَّ علي طريق الإقتضاب، وليس لبعضها ذكر بالمرَّة، وأنَّ علي كثير من هذه المزايدات صبغة القدميَّة، ويذكر التاريخ أمرًا أصدره البابا " جلاسيوس الأوَّل " الذي جلس علي الأريكة البابويَّة سنة 492م، يعدِّد فيه أسماء الكتب المنهيّ عن مطالعتها وفي عدادها كتاب يُسمَّى إنجيل برنابا، فإذا صحَّ ذلك كان هذا الإنجيل موجودًا قبل ظهور نبيّ المسلمين بزمنٍ طويلٍ، وهو دليل علي أنَّ هذا الإنجيل لم يكنْ لابسًا حينئذ هذا الثوب القشيب الذي يرفل فيه الآن، لأنَّ مجرَّد إصدار البابا المشار إليه نهيًا عن مطالعته دليل علي شيوعه أو علي إشتهار أمره بين خاصَّة العلماء إنْ لم يكنْ بين العامَّة، فمِنَ المستبعد أنْ لا يتَّصل خبره ولو سماعًا بنبيّ المسلمين وفيه العبارات الصريحة المتكرِّرة بل الفصول الضافية الذيول التي يُذكر إسمه في عرضها ذكرًا صريحًا لا يقبل شكًا أو تأويلاً لا سيَّما بعد أنْ نهض تلك النهضة التي مادت لها الجبال الراسيات، ونفخ في قومه تلك الروح التي وقف لها العالم متهيِّبًا ذاهلاً، وجري ذِكْرَه علي كلّ شفَّةٍ ولسانٍ، وأتي من عظائم الأمور ما كان سمر القوم وحديث الركبان، وليس ذلك فقط بل لم يتَّصلْ أيضًا شئ من ذلك بخلفائه الذين أتوا بعده، حتي ولا بالعرب الذين دخلوا الأندلس، وبسطوا ظلّ مجدهم عليه، ويذهب بعض العلماء المدقِّقين إلي أنَّ أمر البابا "جلاسيوس " المنوَّه عنه إنَّما هو برمَّته تزويرٌ وهو قول موسوعات العلوم البريطانيَّة أيضًا.

ــــــــــــــــــــــ

- 17 -

بيد أنَّ هناك إنجيلاً يُسَمَّي الإنجيل " الأغنسطي " طُمِسَتْ رسومه وعفَّت آثاره، يبتدئ بمقدِّمة تندِّد بالقدِّيس " بولس " وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد، ويذكر أنِّ ولادة " المسيح " أتت بدون ألم، ولما كان كلّ ذلك في إنجيل برنابا فمن المحتمل أنْ يكون ذلك الإنجيل " الأغنسطي " أبًا لإنجيل برنابا هذا، وأنَّ أحد معتنقي الإسلام من اليهود أو النصاري عثر علي نسخةٍ منه في اليونانيَّة أو اللاتينيَّة في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر فصاغه في القالب الذي تراه فيه الآن فخفي بذلك أصله.

22- مصادر إنجيل برنابا: ويعتمد هذا الإنجيل في إيراد هذه الشواهد علي الأسفار المعهودة للعهد القديم، فقد استشهد منها بإثنين وعشرين سفرًا أخصَّها الزبور وسفر أشعياء وأسفار موسي، وأكثر رواياته منطبق علي الأناجيل الأربعة، وبعضها موافق لها بالنصِّ خلا بعض اختلافات لا يُعبأ بها، كمحادثة " المسيح " المرأة السامريَّة، ويتضمَّن أيضًا جملاً واردة في الرسائل إلاَّ أنَّها قليلةً جدًا، وذكر في قصَّة " حجي وهوشع " أنَّ الناس لا يصدقونها مع أنَّها مسطورة في سفر " دانيال "، ولا وجود لها في السفر المذكور - كما هو في العهد القديم - وجاء في عرض رواياته له، كان يُوجد كتاب في مكتبة رئيس الكهنة عن " إسماعيل " يذكر فيه أنَّه هو ابن الموعد، ولم أقفْ علي ذِكْر لهذا الكتاب في غير هذا الموضع.

23- الكتاب والأناجيل الأربعة: ويباين هذا الإنجيل الأناجيل الأربعة المشهورة في عدَّة أمور جوهريَّة، (أوَّلها) قوله أنَّ " يسوع " أنكر ألوهيَّته وكونه ابن اللَّه، وذلك علي مرأي ومسمع من ستمائة ألف جندي وسكان اليهوديَّة من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ. (والثاني) أنَّ الابن الذي عزم "إبراهيم" علي تقديمه ذبيحةً للَّه إنما هو " إسماعيل" لا " إسحاق "، وأنَّ الموعد إنما كان بإسماعيل. (والثالث) أنَّ " مسيَّا " أو " المسيح " المنتظر ليس هو " يسوع " بل محمد باللفظ الصريح المتكرِّر في فصول ضافية الذيول وقال أنَّه رسول اللَّه 000(والرابع) أنَّ " يسوع " لم يُصلب، بل حُمِلَ إلي السماء، وأنَّ الذي صُلِبَ إنما كان " يهوذا " الخائن الذي شبِّه به 00

ويباين الأناجيل الأصليَّة أيضًا في بعض أساليبه لأنَّه كثيرًا ما يخوض في المسائل الفلسفيَّة والمباحث العلميَّة مما لم يُرْوَ قط عن " المسيح " الذي كانت تعاليمه الباهرة ومباحثه الدينيَّة علي ما هي من التفرُّد في السمُّو عنوان البساطة حتي كان يفهمها لأوَّل وهلة الزارع والصانع والسيِّد والخادم والشيخ والفتي دون أدني إجهاد للذهن.

24- الكتاب وفلسفة العصور الوسطي: والفلسفة التي تتخلَّل مباحث هذا الإنجيل إنما هي ضرب من فلسفة " أرسطوطاليس " التي كانت شائعة في أوائل القرون الوسطي في أوربا، فكان ذلك من جملة أدلَّة بعضهم علي أنَّ كاتب هذا الإنجيل رجل نبغ هناك في تلك العصور، فهو غربيّ المحتد لا عربيَّه، ولكن فلسفة " أرسطوطاليس " لم تصلْ إلي الغربيِّين إلاَّ من العرب، وخصوصًا عرب

ــــــــــــــــــــــ

- 18 -

الأندلس الذين دوَّخوا أسبانيا وأضاءوا بمشكاة علومهم تلك الأعصر الأوروبيَّة التي كان الجهل مخيِّمًا فيها، ظلمات بعضها فوق بعض، فإذا صحَّ اعتبار تلك الفلسفة دليلاً علي الكاتب كانت أدلّ علي أصلٍ عربيّ منها علي أصلٍ غربيّ.

وكيف كان الحال فيه فالحقيقة التي لا مراء فيها أنَّ كاتب إنجيل برنابا كان علي جانبٍ كبيرٍ من الفلسفة وسموّ المدارك وقوَّة الحُجَّة، وشدَّة العارضة، وجلاء البيان، وأنَّ مباحثه الفلسفيَّة في الجسد والحسّ والنفس من الوجهة الدينيَّة لمن أسمي ما كتب الباحثون الدينيُّون في هذا الموضوع 000

ولابدَّ قبل الختام من الإلماع إلي أنني أليت علي نفسي ترجمة هذا الإنجيل بالحرف الواحد، متوخيًا أبسط الألفاظ وأسهل الأساليب، معرضًا في ذلك عن تنميق العبارات وتوشية الكلام، مفضلا الأمانة في الترجمة، والبساطة في التعبير علي الفصاحة والبلاغة متي كان فيهما أقلّ عدول عن الأصل فهو مطابق من كلِّ وجهٍ للترجمة الإنجليزيَّة المأخوذة من الأصل الإيطاليّ خلا الأعداد الموجودة فيه فأنِّي وضعتها من عندي تسهيلا للإشارة إلي الكلام عند الحاجة.

وإنِّي أسدي في هذا الموقف أجمل الشكر وأطيب الثناء إلي حضرة العالم المحقِّق " لونسدال راغ " نائب مطران الكنيسة الإنجليزيَّة في " فنيس " وعلي حضرة العالمة المدقِّقة " لورا راغ " عقيلته اللذَين أذنا لي بترجمة هذا الإنجيل إلي العربيَّة عن ترجمتها الإنجليزيَّة التي أصدراها حديثًا مع الأصل الإيطاليّ فخدما بذلك التاريخ خدمةً يذكرها لهما العلم معطرة الثناء لما عانيا في دقَّة الترجمة والمحافظة علي الأصل وهو عملٌ شاقٌ لا يقدِّره قدره إلاَّ من يقوم بمثله، وأهدي مثل هذا الشكر إلي حضرة الفاضل أمين مطبعة " كلارندن " في " أكسفورد " التي إلتزمت طبع هذا الإنجيل ووضعت بين أيدي القراء كتابًا نادرًا فكان ذلك من أجلِّ الخدمات العلميَّة المتعدِّدة التي قامت بها هذه المطبعة الشهيرة.

ولا أري مندوحة في الختام من التنبيه إلي أنِّي قد إلتزمتُ في هذه المقدِّمة البحث في هذا الإنجيل من الوجهتَين التاريخيَّة والعلميَّة فقط لأنِّي ترجمته كما جاء في صدر هذه المقدِّمة خدمة للتاريخ دون سواه، ولذلك قد أعرضت كلَّ الإعراض عن المناقشات الدينيَّة المحضة التي أتركها لمن هم أكثر مني كفاءةً.

القاهرة في 15 مارس سنة 1908م .

خليل سعادة

ــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول : كيف ظهر الكتاب للوجود ؟ وما هو رأي النقاد والعلماء فيه ؟

1– كيف ظهر الكتاب للوجود، وكيف إنتشر ؟:

(1) المخطوطة الإيطالية: ظهر هذا الكتاب المزيَّف والمسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا للمرَّة الأولي في امستردام بهولندا سنة 1709م في مخطوطة مكتوبة باللغة الإيطاليَّة في مكتبة أحد وجهاء المدينة عندما أخذها كريمر مستشار ملك بروسيا، وفي نفس السنة استعارها جون تولاند Mr. John Toland من كريمر، وكان هو أوَّل من تحدَّث عنها للعامَّة قائلاً أنَّها إنجيل مزوَّر ومزيَّف باسم برنابا. ثم أُهْدِيَتْ المخطوطة للأمير أيوجين أمير سافوي Eugene of Savoy، ثم انتقلت سنة 1738 إلي المكتبة الملكيَّة بفيينا وما تزال بها حتي الآن.

(2) المخطوطة الأسبانية: ولكن هناك مخطوطة أخري مكتوبة باللغة الأسبانيَّة، يري العلماء أنَّها الأقدم والأصل المأخوذ عنه النصّ الإيطاليّ. وكان أوَّل من ذكرها هو أحد العلماء الإنجليز ويُدْعَي جورج سال George Sale في مقدِّمة ترجمة له للقرآن من العربيَّة إلي الإنجليزيَّة "Preliminary Discourse to the Quran " سنة 1734م وقال عنها أنَّه " تزييف عاري الوجهbare – faced – forgery "(1). وذكر أنَّه مكتوب في مقدِّمة هذه المخطوطة أنَّها مترجمة من الإيطاليَّة ومترجمها مسلم أندلسيّ يعيش في استنبول يُدْعَي "مصطفي العرندي" نسبةً إلي مدينة Arnada الأسبانيَّة. ويروي مصطفي هذا، كاتب مقدِّمة النصّ الأسبانيّ، في مقدِّمته رواية خرافيَّة ساذجة يزعم فيها أنَّ راهبًا لاتينيًا يُدْعَي "فرا مرينو" قرأ تنديدًا بالقدِّيس بولس في كتابات القدِّيس إريناؤس يرجع لإنجيل برنابا فاشتاق لقراءة هذا الإنجيل ثم سرقه من مكتبة البابا بطريقةٍ وهميَّةٍ خياليَّةٍ !! فترك المسيحيَّة وإعتنق الإسلام(2). وقد اختفي النصّ الأسبانيّ ولم يظهرْ للوجود إلاَّ مؤخرًا في مكتبة فيشر بأستراليا.

ومن خلال ما جاء عن هذا الكتاب المزوَّر في مقدِّمة ترجمة جورج سال للقرآن شاع ذِكْرَه في الأوساط الإسلاميَّة في الهند واستخدموا ما قيل عنه في مواجهتهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) John Gilchrist, Origins and sources of the Gospel of Barnabas ch. 3.

(2) أنظر الفصل الثالث .

ــــــــــــــــــــــ

- 20 -

للإرساليات التبشيريَّة والمبشِّرين المسيحيِّين. وقد تضايق جون دبليو ينجسونJohn W.Youngson الذي كان يعمل لإرساليَّة كنيسة اسكتلندا في الهند كثيرًا وطالب بالبحث عن الكتاب وعمل ترجمة له لكشف زيفه وتزويره حتَّي يحذف هذا الأمر من أجندة الحوار المسيحيّ الإسلاميّ. وأمام هذا الأمر بذل ينجسون وزملاؤه جهودًا كبيرةً حتَّي ظهرت المخطوطة الإيطاليَّة الموضوعة في المكتبة الملكيَّة بفيِّينَّا. وقام كلُّ من لوندسال راج وزوجته لورا راج Lonsale Ragg and Laura Ragg المتخصِّصَين في أدب الشاعر الإيطاليّ العظيم دانتي بترجمة النصّ الإيطاليّ إلي الإنجليزيَّة سنة 1907م، ووضعَا له مقدِّمة نقديَّة طويلة برهنَا من خلالها علي أنَّه كتابٌ مزيفٌ ومزوَّرٌ ومنسوبٌ زوراًَ للقدِّيس برنابا وقد كتبه في العصور الوسطي شخص مسلم كان مسيحيًا وترك المسيحيَّة وإعتنق الإسلام(3).

وكان هدف هذه الترجمة ونشرها هو تقديم الدليل للإرساليَّات التبشيريَّة علي أنَّه كتابٌ مزيَّفٌ ومزوَّرٌ. وبعدها بسنةٍ واحدةٍ قام الدكتور خليل سعادة المسيحيّ اللبنانيّ بترجمته إلي اللغة العربيَّة ووضع له، أيضًا مقدِّمة نقديَّة طويلة مبنيَّة أساسًا علي مقدِّمة الزوجَين راج برهن من خلالها أيضًا علي أنَّه كتابٌ مزيَّفٌ ومزوًّرٌ وقد كتبه مسلمٌ كان يهوديًا إعتنق المسيحيَّة وتركها إلي الإسلام " بل الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب يهوديّ أندلسيّ إعتنق الدين الإسلاميّ بعد تنصّره وإطِّلاعه علي أناجيل النصاري ". وقام بنشره السيِّد محمد رشيد رضا صاحب تفسير القرآن، المنار وتلميذ الأمام محمد عبده مع مقدِّمة خاصَّة به.

ومن هذه الترجمة العربيَّة تُرجم الكتاب إلي اللغة الأرديَّة ليستخدمه الناطقين بها في الهند وذلك بعد حذف المقدِّمة النقديَّة التي تُبَرهن علي تزييفه وتزويره ووضع مقدِّمة أخري توحي بصحَّتِه، وتبع ذلك الترجمات إلي الإندونيسيَّة والفارسيَّة والتركيَّة.

وقام وليم تمبل جاردنر، المتخصِّص في الإسلام والذي كان أحد قادة إرساليَّات الكنيسة الإنجليكانيَّة في مصر، بعمل دراسةٍ نقديَّةٍ تحليليَّةٍ برهن فيها زيف الكتاب وتزويره. وقد نُشرت دراسته هذه وإستُخْدِمت في كلٍّ من مصر والهند(4).

وفي سنة 1973م، أعاد وقف البيجوم عائشة في باكستان طبع الترجمة الإنجليزيَّة بدون إذن الناشر مع حذف المقدِّمة النقديَّة ووضع مقدِّمة تُدافع عنه وتُوحي للقارئ بأنَّه إنجيلٌ حقيقيٌ!! ثمَّ تُرجِم الكتاب بعد ذلك إلي الكثير من اللغات وإنتشر في معظم الأوساط الإسلاميَّة التي تمثِّل الأغلبيَّة أو الأقليَّة، وكان آخر هذه الترجمات هي ترجمة الكتاب من الإنجليزيَّة إلي اللغة الأسبانيَّة والتي قام بها مسلمو البرازيل،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3)The gospel of Barnabas in recent research. Worldwide reception, Dr Christine Schirrmacher.

(4) Ibid

ــــــــــــــــــــــ

- 21 -

وكالعادة بعد حذف المقدِّمة النقديَّة التي تُبَرْهن علي تزويره وتزييفه ووضع مقدِّمة خاصَّة بهم مثل بقيَّة الترجمات!!

2 – آراء النقاد والعلماء في الكتاب:

وقد كتب الكثيرون في نقد هذا الكتاب ولكن الأغلبيَّة صمتت ولم تُشِرْ إليه لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، واِنقسم أولئك وهؤلاء إلي ثلاث مجموعات:

 

 

ويتكوَّن هؤلاء من جميع العلماء والكتَّاب والنقَّاد ورجال الدين في العالم المسيحيّ. وقد أجمع هؤلاء علي أنَّ هذا الكتاب مزيَّفٌ ومزوَّرٌ وقد كتبه مسلم من المورسكوس، أي عربيّ أندلسيّ أُجبر علي الدخول في المسيحيَّة، أو مسيحيّ ترك المسيحيَّة وإعتنق الإسلام، أو يهوديّ إعتنق المسيحيَّة وتركها إلي الإسلام.

وتضم هذه المجموعة عدد من الكتّاب المسلمين في الشرق والغرب مثل الكاتب الكبير "عباس محمود العقاد" في مصر والأستاذ "يحيى الهاشمي" في سوريا والأستاذ الدكتور "على بن الشريف" الأستاذ بإحدي جامعات السعوديَّة. والذين رفضوه تمامًا وقالوا أنًّه كتابٌ مزوَّرٌ ومزيًّفٌ، أو علي الأقلِّ، من وجهة نظر بعضهم، مشبوهٌ ومشكوكٌ في صحَّته ومملوءٌ بالأخطاء. وفيما يلي أهمّ أرائهم:

1- د .علي عبد الواحد وافي(5): قال عن هذا الكتاب المزيَّف: " ويقدِّم فقهاء المسحيِّين وباحثوهم شواهدٌ كثيرةٌ تدلّ علي أنَّ الإنجيل موضوعٌ بقلمِ مسلمٍ، وأنَّ مؤلِّفه قد نسبه زورًا إلي برنابا لترويج ما يتضمَّنه 000 وإنْ كان بعض ما يشتمل عليه الكتاب يحمل علي الظنِّ بأنَّه موضوع وخاصَّة ما يقرِّه من أمورٍ تمثِّل روايات ذكرها بعض المتأخِّرين من مؤلِّفي المسلمين ولا يطمئن إلي مثلها المحقِّقون منهم 000 وما يُنسب للمسيح من أقوالٍ تمثِّل تحقيقات الفقهاء وما يُذكر أنَّ المسيح قد قدَّمه من أدلَّةٍ علي أنَّ الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق. والإسلام ليس في حاجةٍ إلي كتابٍ كهذا تحوم حوله شكوكٌ كثيرةٌ 000 ولا ينبغي أنْ نتَّخذَ سفرًا مشكوكًا في صحَّةِ نسبِه إلي صاحبِه دليلاً علي ذلك ولا أنْ نعتمد عليه لإقناع المسيحيِّين ببطلان ما أقرُّوه من أناجيلٍ" (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) د .علي عبد الواحد وافي الذي كان عضوا بالمجمع الدولي لعلم الاجتماع وعميدا لكلية الآداب جامعة أم درمان وعميدا لكلية التربية جامعة الأزهر .

(6) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام ص 112 و 133 .

ــــــــــــــــــــــ

- 22 -

2- الكاتب الكبير عباس العقاد: دافع هذا الكاتب الكبير عن صحَّة الأناجيل الأربعة التي للقدِّيسين متي ومرقس ولوقا ويوحنَّا ورفض إنجيل برنابا تمامًا مؤكدًا أنَّه إنجيلٌ مزوَّرٌ ولا يُعْتَدّ به. (أ) فقال عن الأناجيل الأربعة: " وليس من الصواب أنْ يُقال أنَّ الأناجيل جميعًا عمدة لا يُعَوَّل عليها في تاريخ السيِّد المسيح 000 وإنَّما الصواب أنَّها العمدة الوحيدة في كتابة ذلك التاريخ، إذْ هي قد تضمَّنت أقوالاً في مناسباتها لا يسهل القول باختلاقها، ومواطن الاختلاف بينها معقولة مع إستقصاء أسبابها والمقارنة بينها وبين آثارها 000 فإنجيل متي مثلاً ملحوظ فيه أنَّه يُخاطب اليهود ويُحاول أنْ يُزيل نفرتهم من الدعوة الجديدة، ويؤدِّي عباراته أداءًا يلائم كنيسة بيت المقدس في منتصف القرن الأوَّل للميلاد.

وإنجيل مرقس علي خلاف ذلك ملحوظ فيه أنَّه يخاطب " الأمم " ولا يتحفَّظ في سرد الأخبار الإلهيَّة التي كانت تحول بين بني إسرائيل " المحافظين " والإيمان بألوهيَّة المسيح.

وإنجيل لوقا يكتبه طبيب ويقدِّمه إلي سري كبير، فيُورد فيه الأخبار والوصايا من الوجَّهة الإنسانيَّة، ويحضر في ذهنه ثقافة السري الذي أهدي إليه نسخته وثقافة أمثاله من العليَّة. وإنجيل يوحنَّا غلبت عليه فكرة الفلسفة وبدأه بالكلام عن " الكلمة " logos ووصف فيه التجسُّد الإلهيّ علي النحو الذي يألفه اليونان ومن حضروا محافلهم ودرجوا معهم علي عادات واحدة.

وسواء رجعت الأناجيل إلي مصدرٍ واحدٍ أو أكثر من مصدرٍ، فمن الواجب أنْ يدخل في الحسبان أنَّها هي العمدة التي إعتمد عليها قومٌ هم أقرب الناس إلي عصر المسيح، وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفيّ سنة عمدة أحقّ منها بالاعتماد.

ونحن قد عوَّلنا علي الأناجيل ولم نجدْ بين أيدينا مرجعًا أوفي منها لدراسة حياة الرسول (المسيح) والإحاطة بأطوار الرسالة وملابساتها "(7).

(ب) وقال عن إنجيل برنابا المزيَّف: " لوحظ في كثيرٍ من عباراته أنَّها كُتبت بصيغة لم تكنْ معروفة قبل شيوع اللغة العربيَّة في الأندلس وما جاورها، وأنَّ وصف الجحيم فيه يستند إلي معلومات متأخِّرة لم تكنْ شائعة بين اليهود والمسيحيِّين في عصر الميلاد 000 نشكُّ في كتابة برنابا لتلك العبارات لأنَّها من المعلومات التي تسرَّبت إلي القارة الأوربيَّة نقلاً عن المصادر العربيَّة 000 وكذلك تتكرَّر في الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهوديّ المطَّلع علي كتب قومه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) حياة المسيح (من سلسلة كتاب الهلال العدد 202 – يناير 1968) ص 200 .

ــــــــــــــــــــــ

- 23 -

لا يردّدها المسيحيّ المؤمن بالأناجيل المعتمدة 000 ولا يتورَّط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن "(8).

3 - أ. أحمد جبريل: كتب مقالة طويلة في صفحة كاملة من جريدة المساء قدَّم فيها نقدًا كاملاً لهذا الكتاب المزيَّف، جاء فيه " يُذكر لهذا الإنجيل أخطاءٌ عديدةٌ تدلّ علي أنَّه مزيَّف وموضوع في أواخر العصور الوسطي " .

وبعدما لخَّص أخطاءه الجغرافيَّة والتاريخيَّة والعلميَّة في سبع مجموعات من الأخطاء قال: " والحقيقة المؤكَّدة من خلال تلك الأخطاء الفادحة أنَّ كاتب إنجيل برنابا 000 يهوديّ إعتنق الإسلام ودرس ما يتَّصل به من قرآن ولغة وأحاديث نبويَّة وقدسيَّة وعلوم وفلسفة. ثمَّ ألَّف هذا الإنجيل ونسبه إلي برنابا "(9).

4 - أ . د. علي بن الشريف: قال متسائلاً: " أين النسخة الأصليَّة التي نُقلت عنها الترجمة الإيطاليَّة؟ فليست الإيطاليَّة هي لغة برنابا بل هي العبريَّة. فهناك أذًا أصل عبريّ نُقلت عنه، فأين هذا الأصل؟ لم تحدِّثنا الكتب والمصادر التي تحدَّثت عن هذا الإنجيل بأي حديثٍ عن الأصل المفقود! ومادام الأصل لا وجود له ولا سند فنحن في مندوحة وحِلٍّ من عدم الاعتراف به، والدليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولا دليل هنا يقطع ويجزم أنَّ هذا الإنجيل لبرنابا 000 فيجوز أنْ يكون هذا الإنجيل لمفكِّر إيطاليّ اعترف بمحمد ورسالته وبعيسي ورسالته فأخرج هذا الإنجيل ونشره بين الناس 000 فمن باب أولي لا نعترف بهذا الإنجيل الإيطاليّ 000 فنقيِّم إنجيل برنابا في الرأي الذي نراه هو كأيَّة شهادة شهد بها بعض مفكِّري الغرب أو شهادة من راهبِ مسيحيٍّ متخصِّص في العقيديَّات"(10).

ويرى عددٌ كبيرٌ من هؤلاء الكتّاب خطورة استخدام مثل هذا الكتاب في شرح آيات القرآن أو الأحاديث النبويَّة والأمور العقيديَّة المختصَّة بالمسيحيَّة والمسيح، لأنَّه علي الأقلِّ، من وجهة نظرهم، كتابٌ مشبوهٌ ومشكوكٌ في صحته ومن السهل إثبات تزييفه، وفي حالة استخدامه في ذلك لن تكون النتيجة في صالح الإيمان بوحي القرآن ولا في صالح الإسلام بصفةٍ عامّةٍ. وكما يقول الدكتور علي عبد الواحد وفي " والإسلام ليس في حاجة إلي كتابٍ كهذا تحوم حوله شكوكٌ كثيرةٌ لتأييد ما يذكره القرآن عن المسيح وحقيقة ديانته 000 ولا ينبغي أنْ نتَّخِذ سفرًا مشكوكًا في صحَّةِ نسبه إلي صاحبه دليلاً علي ذلك ولا أنْ نعتمد عليه لإقناع المسيحيِّين ببطلان ما أقرُّوه من أناجيل "(11).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) جريدة الأخبار الصادرة في 16/10/ 1959 .

(9) جريدة المساء الصادرة في 19/1/1970 الصفحة الأخيرة .

(10) الأديان في القرآن من ص 25 – 29 .

(11) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام ص 112 .

ــــــــــــــــــــــ

- 24 -

وهؤلاء يمثِّلون العدد الأكبر من النقَّاد والكتَّاب ورجال الدين المسلمين الذين لم يتحدَّثوا عن الكتاب نهائيًا، وتجاهلوه تمامًا، ولم يشيروا إليه مطلقًا ولم يستخدمْه أحدٌ في شرح أو تفسير الآيات الدينيَّة التي تختصّ بالمسيح أو المسيحيَّة. وعلي رأس هؤلاء جميع الجهات الإسلاميَّة الرسميَّة والمسئولة مثل مشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلاميَّة في مصر.

 

أما المجموعة الثالثة من الكتَّاب والنقَّاد فمكوَّنة من بعض الكتَّاب المسلمين، الذين يكتبون في الأديان المقارنة، في الشرق والغرب والذين يحاولون الدفاع عن الكتاب وتقديمه كإنجيلٍ مثل الأناجيل القانونيَّة (الصحيحة). وقد بنوا دفاعهم علي ما يلي:

1– الإدِّعاء بأنَّ كنيسة الإسكندرية قبلته ككتابٍ قانونيٍّ موثق قبل سنة 325م !! والغريب أنَّهم لم يشروا إلي أيّ مرجع يؤيِّد هذا الإدِّعاء! لسببٍ بسيطٍ هو أنَّه لا يُوجد مرجعٌ واحدٌ يقول بذلك، فآباء كنيسة الإسكندرية لم يستخدموا إلاَّ الأسفار القانونيَّة الموثَّقة كما أشاروا إلي ما جاء في الأسفار الأبوكريفيَّة واقتبسوا منها ولم يشيروا مطلقًا لما يُسَمَّي بإنجيل برنابا(12). فمن أين أتي هؤلاء بهذا الإدِّعاء؟!!

2– كما قالوا بناء علي ما ذكره "مصطفي العرندي" في مقدِّمة النسخة الأسبانيَّة أنَّ القدِّيس إريناؤس (130-202م) قد كتب يؤيِّد التوحيد الخالص! كما عارض القدِّيس بولس وندَّد به لأنَّه أدخل إلي المسيحيَّة دين الرومان الوثنيِّين والفلسفة الأفلاطونيَّة!! كما زعموا أنَّ إريناؤس إقتبس بكثافةٍ من إنجيل برنابا الذي كان مستخدمًا في القرنَين الأوَّل والثاني للمسيحيَّة!! هكذا سلَّموا بصحَّة ما زعمه هذا الرجل الأندلسيّ الغامض وأضافوا لما إدَّعاه إدِّعاءات أخري دون سندٍ أو دليلٍ!!(13).

3 – كما إدَّعوا أنَّ مجمع نيقية الذي عُقد سنة 325م قرَّر تحريم كلّ الأناجيل الأصليَّة المكتوبة باللغة العبريَّة وأصدر أمرًا بمعاقبة كلّ من يمتلك إنجيلاً من هذه الأناجيل بالموت!! ولم يقلْ لنا أحدٌ من أين أتي بهذا الإدِّعاء غير المنطقيّ وغير المعقول وغير المقبول؟!! فقد عُقد مجمع نيقية أصلاً للنظر في هرطقة (بدعة) أريوس وحدَّد قانون الإيمان كما حدَّد يوم عيد الفصح، ولم يُحرِّم المجمع أي كتاب من أي نوع علي الإطلاق، فمن أين أتوا بهذا الإدِّعاء؟!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(12) أنظر الفصل السادس.

(13) أنظر الفصل التالي.

ــــــــــــــــــــــ

- 25 -

4 – وأضافوا للإدِّعاء السابق إدَّعاءًا آخرًا فقالوا أنَّ البابا قد حصل علي نسخةٍ من إنجيل برنابا وإحتفظ بها في مكتبته الخاصة!! ولم يقولوا لنا من هو هذا البابا ولا المرجع الذي أشار إلي ذلك!! إنَّما هو مجرَّد إدِّعاء بلا سندٍ أو دليلٍ!!

5– وقالوا " كان معروفًا لدي المسيحيِّين منذ أقدم عصورهم أنَّ لبرنابا إنجيلاً. وورد ذِكْر هذا الإنجيل فيما يُنسب لقدامي رجال الكنيسة من بحوثٍ وقراراتٍ، ومن ذلك القرار الذي أصدره البابا جلاسيوس الأوَّل وعدَّد فيه الكتب المنهي عن قراءتها، وذكر من بين هذه الكتب إنجيل برنابا. وهذا يدلّ علي أنَّ إنجيل برنابا كان معروفًا في القرن الخامس الميلاديّ أي قبل بعثة رسولنا بنحو قرنَين. غير أنَّه يظهر أنَّه قد اختفت من بعد ذلك جميع نسخ هذا الإنجيل، ولم يعدْ الناس يعرفون شيئًا عن محتوياته. ولعلَّ تحريم قراءته هو الذي انتهى به إلي ذلك ". وسنناقش هذا الموضوع بالتفصيل في الفصل التالي.

6– وقال بعضهم أنَّه في السنة الرابعة لحكم الإمبراطور زينون (سنة 478م) اكتشفت مقبرة برنابا ولما فتحوها وجدوا علي صدره نسخة من إنجيل برنابا مكتوبة بيده. وأضاف أحدهم قائلاً " ويبدو أنَّ إنجيل Vulgate الشهير قد أخذ برنابا أساسًا له"!! وقال آخر " يبدو أنَّ إنجيل Vulgate الشهير قد بُنِيَ علي هذا الإنجيل "!!

وهذه الادِّعاءات الثلاثة باطلة، فالإنجيل الذي وُجد علي صدر القديس برنابا هو الإنجيل للقدِّيس متَّي وليس إنجيل برنابا(14)! وإذا افترضنا وجود هذا الإنجيل المزعوم وأنَّه إتَّخذ الفولجاتا أساسًا له أو أنَّ الفولجاتا إتَّخذته أساسًا لها فهذا كلام غير منطقي! أولاً لأنَّ الفولجاتا هي الترجمة التي قام بها القدِّيس جيروم سكرتير بابا روما في بادية القرن الخامس للكتاب المقدَّس كلّه بعهديه القديم والجديد بما فيه الأناجيل الأربعة من اللغة العبريَّة واللغة اليونانيَّة إلي اللغة اللاتينيَّة العامِّيَّة، وبالتالي لا يمكن أنْ تكون قد إتّّخذت من كتاب آخر أساسًا لها فهي ترجمة ضمن ترجمات الكتاب المقدَّس العديدة، أمَّا إذا كان هو قد إتَّخذها أساسًا له فهذا يعنى أنَّ هذا الإنجيل المزعوم قد كُتب بعد القرن الخامس وليس قبل ذلك!!

تعليق: لو افترضنا، جدلاً، صحَّة هذه الإدِّعاءات عن وجود هذا الكتاب المزعوم في القرن الخامس فمعني هذا أنَّه كان موجودًا قبل ظهور نبيّ الإسلام بأكثر من قرنَين. ولو كان موجودًا ومتداولاً لكان قد أستُشْهِدَ به في جميع القضايا الخلافيَّة مثل لاهوت المسيح وصلبه! ويُعلِّق أحد الكتَّاب علي ذلك قائلاً هذا " زعم باطل لأنَّ النبيّ كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يقم في البلاد التي سادتها المسيحيَّة آمادًا تمكِّنه من المعرفة والإطلاع" !! ونحن نسأل أين هو دور الوحي؟ فالقرآن بحسب العقيدة الإسلاميَّة وكما يُؤمن كلّ مسلم هو كتاب اللَّه الموحي به،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) أنظر الفصل الثالث .

ــــــــــــــــــــــ

- 26 -

المنّزل من السماء، فهل يغفل الوحي عن مثل ذلك الكتاب المزعوم إنْ كان له أي وجود قبل ذلك؟! والإجابة المتوقعة هي؛ حاشا للَّه !

7– كما يقولون أنَّ هذا الإنجيل، المزعوم، ذكر في قائمة الستين كتابًا المحرَّمة المكتوبة في القرن السابع. ولكن هذه القائمة تذكر الكتب القانونيَّة ثم تذكر بعض الكتب الأبوكريفيَّة المنهي عن قراءتها ومن ضمنها عبارة " إنجيل بحسب برنابا ". ويؤكِّد العلماء أنَّه إنْ كان لهذه القائمة مع قانون البابا جلاسيوس أصلاً فهما يتكلمان عن كتاب أبو كريفي غنوسي، وقد اكتشفت جميع هذه الكتب المذكورة في القائمتين أو أجزاء منها، وهي موجودة ولا يتَّفق فكرها الذي ينادي بلاهوت المسيح وصلبه مع فكر هذا الكتاب المكتوب في نهاية العصور الوسطي علي الإطلاق(15).

8– عوَّل الكثيرون علي ما حدث من خلافٍ بين القدِّيس بولس والقدِّيس برنابا بسبب القدِّيس مرقس ابن أخت برنابا، وكذلك الخلاف الذي حدث في الكنيسة الأولي بين المسيحيِّين الذين ظلُّوا متمسِّكين ببعض العوائد اليهوديَّة وعلي رأسها الختان وطالبوا بضرورة ختان المعمَّدين حديثًا من غير اليهود، وبين الذين رفضوا ذلك. وكان كلٍّ من بولس وبرنابا، معًا، علي رأس الذين قالوا بعدم ضرورة الختان. ونسج هؤلاء الكتّاب الروايات والقصص والأساطير التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان والتي تزعم وقوع خلافٍ خطيرٍ في العقيدة بين بولس وبرنابا! وعلي سبيل المثال يقول أحد الكتّاب " ظهر الصراع بين طائفتيّ المسيحيِّين الأصليِّين أتباع المسيح، والمسيحيِّين البولسيِّين أتباع بولس وفي ذلك الوقت كان برنابا من أوائل الذين عرفوا حقيقة بولس ففضح نواياه وأذاع علي الملأ خبايا عقيدته الباطلة التي دسَّها علي المسيحيِّين دسًا. ثمَّ ظهرت كتابات برنابا لتكشف القناع عن المشادَّة التي وقعت بينهما (مقدِّمة إنجيل برنابا والإصحاح الأوّل). ويصبح استبعاد إنجيل برنابا مفهومًا في ضوء انتصار المسيحيَّة البولسيَّة علي المسيحيَّة اليهوديَّة ولصيقًا ببحث مضامينه العقائديَّة المخالفة لعقائد النصاري الحاليَّة، ولما كان من المستحيل التوفيق بين النقيضَين، فما أسهل استبعاده ". والسؤال هو؛ من أين جاءوا بهذه الإدِّعاءات؟! وفي أيّ مرجعٍ قديمٍ أو حديثٍ، موثوق به، وردت غير هذا الكتاب المزيف؟!!(16).

9– كما قال البعض أنَّ برنابا كان من الدعاة الأوَّلين الذين عملوا في الدعوة عملاً لا يقلّ عن بولس، فلا بدّ أنْ تكون له رسالة أو إنجيل!! ونقول لهم أنَّ الكثيرين من تلاميذ المسيح ورسله، وقد كان له اثنا عشر تلميذًا وسبعون رسولاً (لو10/1) وأكثر من خمسمائة أخٍ شاهدوه بعد قيامته دفعة واحدة (1كو15/6)، لم يكتبوا أناجيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) أنظر الفصلين الثاني والفصل السابع.

(16) أنظر الفصل التالي .

ــــــــــــــــــــــ

- 27 -

ولا رسائل اكتفاءًا بما كُتب في العهد الجديد بحسب إرشاد وتوجيه الروح القدس.

فهل كان كلّ هؤلاء، أيضًا، مطالبين بكتابة أناجيل أو رسائل؟

10– وقال أحد الكتَّاب أنَّ هذا الكتاب، يقصد المخطوطة الإيطاليَّة، وُجد في جوٍّ مسيحيّ خالص ولا يُمكن أنْ يكون مدسوسًا عليهم. ونقول لسيادته أنَّ ما زعمه المدعو "مصطفي العرندي" والرواية الخرافيَّة التي رواها عن الراهب المزعوم في مقدِّمة النصّ الأسبانيّ، يدلّ علي أنَّ هذا الكتاب المزوَّر مدسوس علي الجوِّ المسيحيّ(17).

11– ويقول آخر أنَّه كان لكاتب هذا الإنجيل، كما يقول د. خليل سعادة مترجم الترجمة العربيَّة، كان له إلمامًا عجيبًا بالتوراة " وهو يدلّ علي أنَّ كاتبه له إلمام بالتوراة التي لا يعرفها الرجل المسيحيّ غير الاختصاصيّ في علوم الدين، بل يندر من يعرفها من المختصِّين" !! ولكن هذا الكلام غير صحيح فالحقيقة هي غير ما تصوَّره الدكتور خليل سعادة وغير ما إفترضه هذا الكاتب لأنَّ كاتب هذا الكتاب المزيَّف سقط في العشرات من الأخطاء الدينيَّة والجغرافيَّة والتاريخيَّة، سواء التي تختصّ بأشخاص الكتاب المقدَّس أو التي تختصَّ بجغرافيَّة الأرض المقدَّسة أو تاريخ الفترات التي عاش فيها أنبياء العهد القديم والعهد الجديد، وخلط بين الحقائق والأوهام والخرافات والمبالغات الخرافيَّة، كما بيَّنّا في الفصول التالية، فأين هذا الإلمام العجيب؟! يقول الأستاذ العقاد " تتكرر في الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهوديّ المطلع علي كتب قومه، ولا يردّدها المسيحيّ المؤمن بالأناجيل المعتمدة ".

12– أخيرًا نأتي إلي الإدِّعاء الأخير الذي يقول أنَّه إذا كان هذا الكتاب مشكوكاً فيه ومنقطع السند فبقيَّة الأناجيل الأخري منقطعة السند أيضًا " فإنَّ إنجيل برنابا عند المسلمين ليس هو إنجيل اللَّه الذي أوحي به إلي سيِّدنا عيسى إنَّه إنجيل مثل كلّ إنجيل مسيحيّ آخر، لا سند له. مجهول التاريخ، مشكوك في لغته " !! بل وقال أحدهم " من المؤكَّد بلا شكٍ أنَّ نسبة هذا الإنجيل لبرنابا أقوي من القول بنسبة إنجيل متي إليه، وكذلك القول في سائر الأناجيل "!! ونقول لهم أنَّ الكتاب المقدَّس بعهديه لم ينقطع له سند منذ زمن رسل المسيح وتلاميذه، فلدينا أجزاء من الأناجيل ترجع لما بين سنة 68و 115م والأناجيل كاملة من سنة 150م والعهد الجديد كاملاً من سنة 200م. ولدينا الآن أكثر من 5500 مخطوطة للعهد الجديد باللغة اليونانيَّة وحدها وأكثر من 20,000 بلغات مختلفة، كما إقتبس آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولي اقتباسات من كلِّ أسفار العهد الجديد تضمّ كل آياته وقد أحصي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) أنظر الفصل التالي

ــــــــــــــــــــــ

- 28 -

العلماء عدد الإقتباسات التي إقتبسها الآباء قبل سنة 325م فبلغت 32,000 (اثنان وثلاثون ألفاً)!!(18).

وبالرغم مما ساقه الذين يدافعون عن هذا الكتاب المزيَّف إلاَّ أنَّهم، جميعًا، لم يعترفوا به كوحي من اللَّه وأغلبهم يرفض إستخدامه في تفسير الآيات القرآنيَّة الخاصَّة بالمسيح والمسيحيَّة والتوراة والإنجيل، ككتابٍ مشبوهٍ ومشكوكٍ في حقيقته!! كما أنَّهم لم يستطيعوا الدفاع عمَّا به من خرافات وأخطاء، سواء دينيَّة أو علميَّة أو تاريخيَّة أو جغرافيَّة، وبالرغم من اتِّفاقه مع القرآن في كثيرٍ من الأمور إلاَّ أنَّه يُناقضه ولا يتَّفق معه في أمورٍ كثيرةٍ أيضًا. علي سبيل المثال:

Ë يقول أحد هؤلاء الكتّاب " سيَّان كانت هذه التعاليم مطابقة لما جاء في الإسلام أو غير مطابقة فإنَّ إنجيل برنابا عند المسلمين ليس هو إنجيل اللَّه الذي أوحي به إلي سيِّدنا عيسي إنَّه إنجيل مثل كلّ إنجيل مسيحيّ آخر، لا سند له. مجهول التاريخ، مشكوك في لغته "(19).

Ë ويقول كاتبٌ آخرٌ " قبل الحديث عن إنجيل برنابا فإننا نحبُّ توضيح موقفنا منه أولاً، فلسنا حريصين علي الاسترشاد به لإثبات نبوَّة محمد، فلنا أدلَّتنا الكافية بذاتها، كذلك ندفع الزعم بأنَّه من تأليف المسلمين، لأنَّه ليس من عقائدنا ولا مبادئنا إتباع طريقة (الغاية تبرِّر الوسيلة)، وإزاء ذلك فإنَّ الإقرار بصحَّة هذا الإنجيل أو إستبعاده لدينا سواء "(20).

Ë ويقول كاتبٌ ثالثٌ " وبادئ ذي بدء أودُّ أنْ أعلن أنَّنا لا يهمُّنا - في قليلٍ أو كثيرٍ - أنْ نثبت صحَّة الإنجيل المنسوب إلي برنابا 00 فنحن مؤمنون بالتوراة والإنجيل كما أنزلها اللَّه تعالي، فلا يهمُّنا في هذا المجال – مجال العقيدة - أنْ يكون إنجيل برنابا صحيحًا أو فاسدًا "(21).

Ë ويقول رابعٌ " هل يمكن أنْ نجزم بأنَّ هذا الإنجيل أصيل لا مجال للريب فيه. الحق إنَّ هناك اعتراضًا قويًا - لدينا معشر المسلمين - يتعلَّق بسند هذا الإنجيل يحول دون ذلك. ونحن بحقٍّ نتساءل: من الذي تولَّي نشر هذا الإنجيل وإذاعته ونشره؟ كيف كان هو ومن أين أُخذت هذه النسخة؟ وعن أي الرجال وفي أي الأمكنة ظلَّت تنتقل عبر هذه المدة الطويلة؟ إنَّ هذا الاعتراض صحيحٌ، وما لم تأتِ إجابة مقنعة عليه لا يمكن الجزم بكونه أصليًا لكن هذا الاعتراض نفسه يثور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(18) أنظر كتبنا الآتية " الكتاب المقدس هل هو كلمة الله ؟ " ص 68 و " الإنجيل كيف كتب وكيف وصل إلينا ؟ " و " الوحي الإلهي واستحالة تحريف الكتاب المقدس " .

(19) د. رؤوف شلبي " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء " ص 185.

(20) د . مصطفى حلمي " الإسلام والأديان دراسة مقارنة " ص 206 .

(21) محمد عبد الرحمن عوض " الاتفاق والاختلاف بين إنجيل برنابا والأناجيل الأربعة " ص 37 .

ــــــــــــــــــــــ

- 29 -

حول جميع أسفار الكتاب المقدَّس، ولم يحظَ الاعتراض بإجابةٍ مُقنعة] حتَّي يومنا هذا، إذًا فإنَّ الذين يعتبرون الكتاب المقدَّس موثوقًا به، ليس لديهم أيّ مبرِّر في اعتبارهم إنجيل برنابا غير موثوق به، لأنَّ مشكلة انقطاع السند التي تواجه إنجيل برنابا، هي بذاتها موجودة في كلِّ سفر من أسفار العهد القديم والجديد علي السواء "(22).

Ë ويقول خامسُ " والمسلمون لا يهتمُّون بما جاء في هذا الإنجيل علي الرغم من أنَّه يتَّفق في الكثير من مادته مع مفاهيم إسلاميَّة ترتكز علي القرآن والسنة "(23).

ويقبله هؤلاء الكتَّاب فقط علي أساس أحاديثه الكثيرة عن رسول الإسلام ورفضه للعقائد المسيحيَّة الجوهريَّة التي تختلف فيها مع الإسلام مثل الثالوث وبنوَّة المسيح للَّه والصلب والفداء إلي جانب قوله بتحريف التوراة والإنجيل وتغييرهما !!

كما أنَّ هؤلاء - الذين دافعوا عن الكتاب - لم ينجحوا في الدفاع عنه: فقد أقرُّوا بعدم وجود دليلٍ قاطعٍ علي صحَّته!! كما أقرُّوا بوجود الأخطاء التاريخيّة والجغرافيّة والدينيّة فيه!! وكان قبولهم لهذا الكتاب – كمجرَّد كتاب مبنيّ علي أساس مناقضته للعقائد المسيحيّة الأساسيّة، أي قبلوه فقط لأنَّه يُناقض الكتاب المقدَّس وقوله بتحريفه!!

Ë قال أحدهم: " هذه بيِّنات شاهدة – وإنْ لم تبلغْ حدّ اليقين والجزم - بأنَّ نسبة هذا الكتاب إلي برنابا نسبة يُرَجَّح أنْ تكون صحيحة، لأنَّه وجدت نسخته في جوٍّ مسيحيٍّ خالصٍ!! "(24).

إنَّه يؤكِّد أنَّ براهين صحَّة نسبة هذا الكتاب لبرنابا " لم تبلغْ حدّ اليقين أو الجزم " وإنما فقط "يُرَجِّح أنْ تكون صحيحة " ؟!! إنَّه لا يُجزم بصحَّة هذه البراهين وليس لديه يقينٌ علي ذلك، إنما فقط " يُرِجِّح " والدكتور علي الشريف يقول " والدليل إذا تطرَّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولا دليل هنا يقطع ويجزم أنَّ هذا الإنجيل لبرنابا ".

Ë وقال آخرٌ: " إذا كانت مخالفة إنجيل برنابا لبعض الحقائق التاريخية الجغرافية يتخذه البعض دليلا علي تزوير هذا الإنجيل 000 فكيف نتخذ من بعض المخالفات التاريخيَّة دليلاً علي تزوير كتاب ؟ "(25).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) د . محمود حماية " دراسات في الكتاب المقدس " ص 126 .

(23) ) د . أحمد الطاهر " الأناجيل دراسة مقارنة " ص 172 .

(24) الشيخ محمد أبو زهرة " محاضرات في النصرانية " ص 62 .

(25) محمد عبد الرحمن عوض " الاتفاق والاختلاف بين إنجيل برنابا والأناجيل الأربعة " ص 47 و48 .

ــــــــــــــــــــــ

- 30 -

إنَّه يُقِرّ بوجود المخالفات الجغرافيَّة والتاريخيَّة، ومع ذلك يرفض إتِّخاذها دليلاً علي تزوير الكتاب، ثم يقول "علمًا بأنَّ المعلومات التاريخيَّة ظنيَّة(26) فقد يكون ما ذكره إنجيل برنابا هو الصحيح"!! هل يمكن أنْ يكون هذا الكلام منطقيًا؟!! وهل نبني عقائدنا ومستقبلنا الأبديّ علي مجرَّد الظنون ؟! وهل يُعْتَدّ بمثل هذا الكلام؟!!

Ë وأقر ثالثٌ بوجود الأخطاء العديدة في هذا الكتاب المزيَّف ولكنَّه غفرها للكاتب وبرَّرها بثقل المهمَّة التي إتَّخذها علي عاتقه وهي هدم كل العقائد المسيحيَّة واتِّهام الأناجيل بالدنس والتحريف؟!! فهل هذه منطق؟!! ومع ذلك نقول أنَّ الكاتب المزيَّف، فعلاً، ركَّز كلُّ جهده علي هدم المسيحيَّة بأناجيلها وعقائدها ونسي أنْ يدرس جيدًا تاريخ وجغرافيَّة الأرض الصغيرة التي عاش عليها المسيح أو يزور الأرض المقدَّسة ليتعرَّف علي البلاد التي عاش فيها المسيح علي الطبيعة، والتي مازالت باقية كما هي حتي اليوم، فسقط في الحفرة التي صنعها وانكشف زيفه وضلاله لأنَّه لم يُدركْ معني قول السيد المسيح " عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. " (مت16/18).

3 - الكتاب في دوائر المعارف العالمية :

لم يردْ لهذا الكتاب المزيَّف أي ذكر في معظم المعارف والموسوعات العالميَّة والدينيَّة العالميَّة وعلي رأسها دائر معارف الشعوب Peoples Encyclopedia، ودائرة المعارف البريطانيَّة Encyc. Britannica ، ودائر المعارف الإسلاميّة وغيرها. فقد تجاهلت هذه الدوائر والموسوعات هذا الكتاب تماما لتفاهته وبيان زيفه برغم أنَّ هذه الدوائر ذكرت الأناجيل الأبوكريفيَّة الأخري!! وقد أجمعت جميع الدوائر والموسوعات، القليلة، التي أشارت إليه في سطورٍ قليلةٍ علي أنَّه كتابٌ مزيَّفٌ وملفّقٌ وقد كُتب فيما بين 1300- 1600م :

1– فقالت عنه دائرة المعارف الأمريكية Encyc. Americana: "توجد مخطوطة إيطاليَّة تحت هذا الاسم (إنجيل برنابا) كُتبت من وجهة نظر مسلم، تحتوي علي عناصر غنوسيَّة قويَّة. وقد نشره سنة 1907 لونسدال Lonsdal ولورا Lauraاللذَين إعتقدا أنَّه عمل شخص مرتدّ عن المسيحيَّة بين القرنين 13 و 16 مثل معظم الأبوكريفا الآبائيَّة والمتوسطيَّة، والعمل خياليّ بدرجةٍ أكبر "(27).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(26) المعلومات التاريخية مبنية على الدراسات العلمية والوثائق التاريخية وعلم الآثار والتقاليد المتواترة ، وليست على أوهام وظنون كما يدعي البعض ، ولو افترضنا أنها مبنية على الظنون والأوهام فهذا يهدم كل ما سجله التاريخ والمؤرخون وبالتالي لا يمكن أن نثق بأي سجل تاريخي ؟!!

(27) Encyc. Americana vol. 2 p. 248

ــــــــــــــــــــــ

- 31 -

2– وقالت عنه دائرة معارف الدين والأخلاقياتEncyc. Religion and Ethics: "هذا الكتاب ذكره تولاند Toland في كتابه الناصريّ، لندن 1719م، وجده كريمرCramer واشتراه البرنس أيوجين أمير سافويEugen of Savoy ، قصصه من أصل عربيّ وهي خرافيَّة علي الأرحج، وتسود هذا العمل العجيب بدرجة واسعة روح الاحتمال والترفق لصوفيّ مسيحيّ صار مسلمًا وتاريخه المحتمل من 1300 - 1350م "(28).

3– وتقول عنه دائرة معارف البستاني: " إنجيلٌ مزوَّرٌ منسوبٌ إلي برنابا في اللغة العربيَّة وقد تُرجم إلي اللغة الإنجليزية والأسبانيوليّة والإيطاليّة والظاهر أنَّ طائفة من الأراتقة زوَّرته "(29).

4– وتقول عنه الموسوعة العربية الميسرة: " برنابا، إنجيل: كتاب مزيَّف وضعه أوربيّ في القرن الخامس عشر في وصفه للوسط السياسيّ والدينيّ أيَّام المسيح –أخطاء جسيمة. يصرِّح علي لسان عيسي أنَّه ليس بالمسيح "(30).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(28) Encyc. Religion and Ethics vol. 6 p. 351

(29) المعلم بطرس البستاني جـ 5 : 363 .

(30) محمد شفيق غربال ؛ الموسوعة العربية الميسرة ص 354 .

ــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني : إنجيل برنابا المزيف والمراجع اليهودية والمسيحية والإسلامية

هذا الكتاب المزيَّف لا أثر له ولا ذِكْر في التواريخ العالميَّة والدينيَّة سواء اليهوديَّة أو المسيحيَّة أو الإسلاميَّة أو حتَّي الوثنيَّة علي الإطلاق:

1- الكتب المسيحيَّة واليهوديَّة والوثنيَّة:

(أ) فلم يذكرْه مؤرِّخو الكنيسة أو غيرهم ولم يقتبسْ منه أحدٌ ولم يُشِرْ إليه أحدٌ علي الإطلاق قبل القرن السادس عشر، كما لم يظهرْ الكتاب إلي الوجود إلاَّ بعد أنْ عثر عليه كريمر مستشار ملك بروسيا سنة 1709، أي في بداية القرن الثامن عشر الميلاديّ. ويجزم العلماء، علي أنَّ كلّ من النصَّين الأسبانيّ والإيطاليّ لهذا الكتاب المزيَّف هما النصَّان الوحيدان، الأصل، لهذا الكتاب في العالم.

(ب) كما لم يذكرْه أحدٌ من كتَّاب اليهوديَّة والوثنيَّة علي الإطلاق، ولو كان للكتاب أي وجود في القرون الأولي للميسحيَّة لإستخدمه تريفوا اليهوديّ وكلسس الوثنيّ اللذَين هاجما المسيحيَّة بشدَّةٍ ولكان لهما أقوي وأكبر سلاح في هجومهما عليها.

2 - القرآن والأحاديث وجميع كتب التراث الإسلاميَّة:

لم يردْ أي ذكرٍ لهذا الكتاب المزيَّف المسَمَّي بإنجيل برنابا لا في القرآن ولا في الأحاديث المعروفة بالأحاديث النبويَّة، سواء الأحاديث الصحيحة أو غير الصحيحة، الموضوعة والإسرائيليَّات وغيرها، ولو كان هذا الكتاب موجودًا في زمنهما وكان هو الإنجيل الصحيح، كما يزعم البعض، لكان قد ذُكِرَ فيهما علي أنَّه هو الإنجيل الصحيح وكانا قد استشهدا بنصوصه وبما جاء فيه، خاصَّة أنَّ الكثير مما جاء فيه يتَّفق مع ما جاء فيهما. وقد تعامل نبيّ الإسلام وبعض الصحابة مع الرهبان الذين كانوا يُوجدون في طرق التجارة المعروفة، خاصَّة فيما بين مكَّة والشام ومصر أو مكَّة واليمن، كما قضي عددٌ كبيرٌ من المسلمين الأوائل الذين هاجروا إلي الحبشة في المسيحيَّة فترة من الوقت، ولو كان هذا الكتاب المزيَّف موجودًا في أيَّامهم لكانوا قد أشاروا إليه وذكروا بعضًا مما جاء فيه. لكن لم يشرْ أحدٌ قط إلي مثل هذا الكتاب المزيَّف لسببٍ بسيطٍ هو أنَّه لم يكنْ له أيّ وجود في تلك الأزمنة.  

ــــــــــــــــــــــ

- 33 -

كما لم يُذْكَر هذا الكتاب المزيَّف في جميع كتب السيرة النبويَّة وأهمها ؛ الدر لابن عبد البر والسيرة النبويَّة لابن هشام والسيرة الحلبيَّة والبداية والنهاية لابن كثير والشمائل المحمديَّة للترمذي وتركة النبيّ لحمَّاد ابن إسحاق، ولم يذكره أحدٌ من المؤرِّخين المسلمين والذين تحدَّث بعضهم عن المسيحيَّة وذكروا أناجيلها وعقائدها وفرقها ورتب الكهنوت ورجال الدين فيها، ولم يأتِ أيّ واحدٍ منهم بأيّ ذِكْرٍ لما يُسَمَّي بإنجيل برنابا ونذكر هنا أمثلة لذلك:

1- الطبري (224 - 210هجريَّة): ذكر أنَّ حواريّ المسيح وأتباعه الذين أرسلهم للبشارة في الأرض هم: " فطرس (بطرس) وإندراييس (أندراوس) ومتي وتوماس (توما) فيلبس ويجنس (يوحنا) ويعقوب وابن تلما " برثلماوس " وسيمن (سمعان) ويهوذا الذي جُعل بدلاً من يهوذا الإسخريوطي الذي أحدث ما أحدث "(1).

2– وقال المؤرخ الإسلاميّ اليعقوبي (متوفِّي سنة 292 هـ) " وكان الأربعة الذين كتبوا الإنجيل متَّي ومرقس ولوقا ويوحنَّا. اثنان من هؤلاء من الإثني عشر واثنان من غيرهم ". ثمَّ يقول " وكان الحواريُّون اثني عشر من أسباط يعقوب وهم: شمعون .. ويعقوب بن ري .. ويحيى .. وفيلتوس .. ويهوذا ويعقوب .. ومنسى "(2).

3- المسعودي (متوفى 346 هجرية): قال عن كتاب الأناجيل " أمَّا الذين نقلوا الإنجيل فهم: "لوقا ومارقس ( مرقس ) ويوحنَّا ومتَّي "(3).

4– وأشار أبو الريحان محمد أحمد البيروني (متوفي سنة 440هـ) في كتابه " الآثار الباقية من القرون الخالية " إلي الأناجيل مبيِّنًا أنَّها أربع نسخ، كلّ إنجيل يُخالف ما في الآخر، وعمل مقارنة بين إنجيل متَّي وإنجيل مرقس في نسب المسيح، كما تحدَّث عن فرق النصاري ومذاهبهم ورتب الكهنوت والشعائر الدينيَّة مثل المعموديَّة(4).

5– ولم يُشِرْ المقدسيّ (الذي كتب في سجستان سنة 355هـ / 966م) في كتابه " البدء والتاريخ " الذي تحدَّث فيه عن معظم العقائد المسيحيَّة وأهمّ الفرق المسيحيَّة إلي ما يُسَمَّي بإنجيل برنابا مطلقًا (5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الطبري ج 1 : 103 .

(2) تاريخ اليعقوبي ط1. ص 88 – 89 .

(3) مروج الذهب للمسعودى ج 1 : 312 .

(4) تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ص 16 و 17 .

(5) أنظر تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ص 14 .

ــــــــــــــــــــــ

- 34 -

6- الثعلبيّ أبو إسحاق أحمد بن محمد إبراهيم الثعلبيّ (متوفي سنة 427 هـ). الذي كتب " أعلم أنَّ الحواريِّين كانوا أصفياء عيسي بن مريم وأولياءه، وأرضياءه وأنصاره ووزراءه، وكانوا إثني عشر رجلاً أسماؤهم شمعون الصفَّار المُسمَّي بطرس، وإندراوس أخوه، ويعقوب بن زبدي ويحيي أخوه، وفيليبس وبرثولوماوس وتوما ومتَّي العشَّار ويعقوب بن حلفا وليا الذي يدعي تدَّاوس وشمعون القناني ويهوذا الإسخريوطي عليهم السلام "(6).

7- وكذلك القلقشندي في موسوعته المعروفة " بصبح الأعشي" الذي كتب حديث مُفَصَّل عن العقائد والطوائف والأعياد المسيحيَّة والرتب الدينيَّة ولكنَّه لم يُشِرْ قط إلي ما يُسَمَّي بإنجيل برنابا(7).

8 – ولا المؤرِّخ العربيّ الأندلسيّ الشهير ابن خلدون (متوفي سنة 1406): والذي قال في كتاب " العبر وديوان المبتدأ والخبر " (ص 232 -233): " وافترق الحواريُّون شيعًا ودخل أكثرهم بلاد الروم داعين إلي دين النصرانيَّة، وكان بطرس كبيرهم، فنزل برومة دار ملك القياصرة، ثم كتبوا الإنجيل الذي أُنزل علي عيسي في نسخٍ أربعة بالعبرانيَّة، ونقله يوحنَّا بن زبدي منهم إلي اللسان اللاتينيّ، وكتب لوقا منهم إنجيله اللاتينيّ إلي بعض أكابر الروم، وكتب يوحنَّا بن زبدي منهم إنجيله برومة، وكتب بطرس إنجيله باللاتينيّ ونسبه إلي مرقاص (مرقس) تلميذه. واختلفت هذه النسخ الأربع من الإنجيل مع أنَّها ليست كلَّها وحيًا صرفًا بل مشوبة بكلام عيسي (ع) وبكلام الحواريِّين وكلّها مواعظ وقصص والأحكام فيها قليلة جدًا ".

وقال أيضًا: " واجتمع الحواريُّون لذلك العهد برومة ووضعوا قوانين الملَّة النصرانيَّة وصيَّروها بيد أقليمنطس تلميذ بطرس وكتبوا فيها عدد الكتب التي يجب قبولها والعمل بها فمن شريعة اليهود.. ومن شريعة عيسي (ع) المتلقَّاة من الحواريِّين نسخ الإنجيل الأربع وكتب القثاليقون سبع رسائل، وثامنها الأبريكسيس في قصص الرسل، وكتب بولس أربع عشرة"(8).

9– وقال أبو الفداء الحافظ ابن كثير (متوفي سنة774 هـ) في كتابه " البداية والنهاية " عن الأناجيل " وذكر غير واحد أنَّ الإنجيل نقله عن أربعة: لوقا ومتَّي ومرقس ويوحنَّا. وبين هذه الأناجيل الأربعة تفاوت كثير بالنسبة إلي كلِّ نسخةٍ ونسخةٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) المسيح في الإسلام ص 109 عن قصص الأنبياء للثعلبي ص 390 ، أنظر أيضا كتاب " إنجيل برنابا بينالمؤيدين والمعارضين د فريز صموئيل ص 115 .

(7) تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ص 17 .

(8) " المسيح في الإسلام " للآب ميشال الحايك ص 123-125 .

ــــــــــــــــــــــ

- 35 -

وهؤلاء الأربعة اثنان ممن أدرك المسيح ورآه وهما متَّي ويوحنَّا. ومنهم اثنان من أصحاب أصحابه، وهما مرقس، ولوقا "(9).

كما لم يُذكرْ هذا الكتاب المزيَّف في جميع كتب التفاسير التي كُتبت حتَّي نهاية القرن التاسع عشر الميلاديّ ومن أقدمها تفاسير الطبري والبيضاوي والجلالين والنسفي وابن عباس وابن كثير والقرطبي، مع أنَّه لو كان لمثل هذا الكتاب أيّ وجود لإستعانوا به في شرح كثيرٍ من القضايا الخلافيَّة مثل مسألة صلب المسيح وعقيدة الفداء ووحي الكتاب المقدَّس ولاهوت المسيح والتثليث الذي يُنكره هذا الكتاب تمامًا!!

3 – كما لم يُذكر في جميع كتب مقارنة الأديان:

كما لم يُذكر هذا الكتاب المزيَّف في جميع الكتب الإسلاميَّة المقارنة التي كُتبت علي مدي ثلاثة عشر قرنًا من الزمان والتي ناقشت العقائد المسيحيَّة، مثل وحي الكتاب المقدَّس ولاهوت المسيح والتثليث والفداء00 إلخ، جملةً وتفصيلاً، ولو كان لمثل هذا الكتاب أيّ وجود لإستخدمه كتَّاب هذه الكتب، والذين كان بعضهم من أصل مسيحيّ ثم إعتنق الإسلام، وأظهروه علي أنَّه الإنجيل الصحيح الذي يُبرهن وجهة نظرهم. وفيما يلي أهمّ هذه الكتب والتي أُعيد طبعها في السنوات الأخيرة:

1- " الفصل في الملل والأهواء والنحل " لابن حزم المتوفي سنة 1064م، والذي قدَّم فيه دراسة نقديَّة عن العهدَين القديم والجديد وقال فيه عن الأناجيل " إنَّ النصاري لا يدّعون أنَّ الأناجيل مُنزلة من عند اللَّه علي المسيح، ولا أنَّ المسيح أتاهم بها، بلّ أنَّهم لا يختلفون في أنَّها أربعة تواريخ ألَّفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة "(10).

2– " الإعلام بما في دين النصاري من الفساد والأوهام "، (والذي كتب سنة 684 هـ )، وقد جاء فيه " وأمَّا هذا الكتاب الذي يَدَّعي النصاري أنَّه الإنجيل فقد توافق هؤلاء النصاري علي أنَّه إنَّما تلقِّي عن إثنَين من الحواريِّين وهما متَّاؤوس ويوحنَّا، وعن إثنَين من تلاميذ الحواريِّين وهما ماركش ولوقا. وأنَّ عيسي لم يشافههم بكتابٍ مكتوبٍ عن اللَّه كما فعل موسي، ولكن لما رفع اللَّه عيسي إليه تفرَّق الحواريُّون في البلاد والأقاليم كما أمرهم عيسي فكان منهم من كتب بعض سيرة عيسي وبعض معجزاته وبعض أحواله حسب ما تذكَّر ، وما يسَّر اللَّه عليه منه".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9) البداية والنهاية جـ 2 : 100 ط مكتبة المعارف ببيروت 1990م .

(10) أنظر تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ص 14 و " إنجيل برنابا بين المؤيدين والمعارضين ص 116 .

ــــــــــــــــــــــ

- 36 -

 3- " الملل والنحل " للشهرستاني (479 - 548 هـ) الذي قال : " ثمَّ أنَّ أربعة من الحواريِّين اجتمعوا وجمع كلِّ واحدٍ منهم جمعًا سمَّاه الإنجيل وهم: متَّي ولوقا ومرقس ويوحنَّا. وخاتمة إنجيل متَّي أنَّه قال: أنني أرسلكم الأمم كما أرسلني أبي إليكم. فاذهبوا وادعوا باسم الآب، والابن، وروح القدس، وفاتحة إنجيل يوحنَّا: علي القديم الأزليّ كانت الكلمة وهوذا الكلمة كانت عند اللَّه. واللَّه هو كان الكلمة، وكل بيده "(11).

4- " الرد الجميل لإلهيَّة عيسي بصريح الإنجيل" لحجَّة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي المتوفي سنة 1111م(*).

5- ابن الأثير ( متوفى 630 هجرية ): قال إنَّ ملك الروم " نفي يوحنَّا الحواريّ كاتب الإنجيل إلي جزيرة في البحر "(12).

6– " الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " لشيخ الإسلام ابن تيمية (661-728هـ)، والمكتوب في أربعة أجزاء ناقش فيها جميع العقائد المسيحيَّة، من وجهة نظره، بالتفصيل، وزعم تحريف التوراة والإنجيل ولكنَّه لم يُشِرْ لا من بعيد ولا من قريب لما يُسَمَّي بإنجيل برنابا(13).

7- الأمام عماد الدين (متوفى 740 هـ)(14) قال أنَّ " الإنجيل نقله عنه (المسيح) أربعة: لوقا ومتَّي ومرقس ويوحنَّا 000 وهؤلاء الأربعة منهم اثنان ممن أدرك المسيح ورآه وهما متَّي ويوحنَّا ومنهم اثنان من أصحاب أصحابه مرقس ولوقا "(15).

8- " هداية الحياري في أجوبة اليهود والنصاري " لابن قيم الجوزيَّة الذي عاش فى الفترة (691-751هـ) والذي قال عن الأناجيل " وأمَّا " الأناجيل " فهي أربعة أناجيل أُخذت علي أربعة نفر، إثنان منهم لم يريا المسيح أصلاً وهما: مرقس ولوقا، وإثنان رأياه واجتمعا به وهما: متَّي ويوحنَّا، وكلّ منهم يزيد وينقص ويُخالف إنجيله إنجيل أصحايه في أشياءٍ، وفيها ذكر القول ونصيبه "(16).

9- " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة في الرد على اليهود والنصاري " للإمام شهاب الدين أحمد بن القرافي (626-684هـ) والذي قال عن الأناجيل " إنَّ الأناجيل خمسة يعرف النصاري منها أربعة مشهورة، والخامس لا يعرفه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) الملل والنحل للشهرستانى ج 1 : 22 .

(*) تحفة الأريب ص 14

(12) ) الكامل في التاريخ لأبن الأثير ج 1 : 28 .

(13) قدم له وأشرف على طبعه على السيد صبح المدني بمطبعة المدني .

(14) البداية والنهاية للأمام عماد الدين ج 2 : 100 أنظر أيضاً أسماء رسل المسيح في ص 92 .

(15) أنظر أيضاً أسماء تلاميذ المسيح ورسله وأسماء كتاب الأناجيل الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد في " القول الأبريزى للعلامة المقريزى " ص 17و18 .

(16) هداية الحيارى دراسة وتحقيق وتعليق محمد على أبو العباس ص142.

ــــــــــــــــــــــ

- 37 -

إلاَّ القليل منهم، فالأربعة، الأول: إنجيل متَّي، وهو من الحواريِّين الاثني عشر ، وبشَّر بإنجيله باللغة السريانيَّة بأرض فلسطين بعد صعود المسيح إلي السماء بثمان سنين ثمانية وستون إصحاحًا، الثاني إنجيل مرقس، وهو من السبعين وبشَّر بإنجيله باللغة الفرنجيَّة بمدينة رومية بعد صعود المسيح - عليه السلام - باثنتَي عشر عامًا وعدد إصحاحاته ثمانية وأربعون إصحاحًا [الثالث] إنجيل لوقا وهو من السبعين، وبشَّر بإنجيله بالإسكندرية باللغة اليونانيَّة .. [الرابع] إنجيل يوحنَّا وهو من الاثنى عشر بشَّر بإنجيله في مدينة أفسس من بلاد رومية بعد صعود المسيح – عليه السلام - بثلاثين سنة وعدد إصحاحاته في النسخ القبطيَّة ثلاثة وثلاثون إصحاحًا "(17).

10- " المختار في الرد على النصارى للجاحظ المتوفِّي سنة 255هـ والذي كتب يقول عن النصاري " إنَّهم إنما قبلوا دينهم عن أربعة أنفس اثنان منهم من الحواريِّين بزعمهم " يوحنَّا ومتَّي واثنان من المستجيبة وهما مارقس ولوقش وهؤلاء الأربعة لايؤمن عليهم الغلط، ولا النسيان ، ولا تعمّد الكذب "(18).

11– " تحفة الأريب في الرد علي أهل الصليب " والذي كتبه أنسلم تورميدا الشهير بعبد اللَّه التُرجمان الأندلسيّ ألَّف هذا الكتاب باللغة العربيَّة سنة 823 هـ وكان هذا الرجل راهبًا مسيحيًا ثم إعتنق الإسلام. ويقول " إعلموا - رحمكم اللَّه – أنَّ الذين كتبوا الأناجيل أربعة هم : متَّي، وماركوس، ولوقا، ويوحنَّا "(19).

12– " النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية " لنصر بن يحيي بن عيسي بن سعيد المتطبب من القرن الثاني عشر والذي كان مسيحيًا ثمًّ إعتنق الإسلام(20).

وأخيرًا يقول الشيخ محمد أبو زهرة: " ومن المؤكَّد أنَّ ذلك الإنجيل لم يكن معروفًا عند المسلمين في غابرهم وحاضرهم، لأنَّ المناظرات بينهم وبين المسيحيِّين كانت قائمة في كلِّ العصور، ولم يُعرَف أنَّ أحدًا احتجَّ علي مناظرة المسيحيِّين بهذا الإنجيل. مع أنَّه فيه الحجَّة الدامغة التي تفلح المسلم علي المسيحيّ "(21).

أخيرًا نؤكِّد أنَّ الكتاب لم يُذْكَرْ في جميع فهارس الكتب الإسلاميَّة ولا في أي مرجعٍ آخرٍ قبل نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(17) الأجوبة الفاخرة ص 41 و42 دراسة وتحقيق مجدي محمد الشهاوي .

(18) تحفة الآريب ص 14 .

(19) تحفة الآريب تقديم وتحقيق وتعليق محمود على حماية ط 1984 ص61.

(20) الفضيحة الإيمانية تقديم وتحقيق وتعليق الدكتور محجمد عبد الله الشرقاوي ط 1986م .

(21) محاضرات في النصرانية. الشيخ أبو زهرة. ط 3 .ص 63 .

ــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالث : القديس إريناؤس وقانون البابا جلاسيوس وموقفهما من هذا الكتاب المزيف

1 - القديس(1) إريناؤس وموقفه من إنجيل برنابا و القديس بولس:

زعم مصطفي العرندي في مقدِّمة النصّ الأسبانيّ أنَّ الراهب المزعوم "فرا مرينو" عثر علي رسائل للقدِّيس إريناؤس وفي عدادها رسالة يندِّد فيها إريناؤس بالقدِّيس بولس وأنَّه أسند تنديده هذا إلي إنجيل برنابا.

وهذا الزعم يُلزمنا أنْ نبحث في كتابات القدِّيس إريناؤس، والموجودة في أيدينا حتَّي اليوم، وأهمّها كتابه " ضد الهرطقات " الذي دافع فيه عن الإيمان القويم، وقبل أنْ نبدأ هذا البحث يجب أنْ نضع أمامنا الأسئلة التالية:

(1) هل يُوجد هذا التنديد المزعوم بالقدِّيس بولس؟.

(2) وما هو موقف إريناؤس بصفةٍ عامَّةٍ من القدِّيس بولس؟.

(3) هل هناك ذِكْرٌ لما يُسَمَّي بإنجيل برنابا في كتابات هذا القدِّيس؟.

(4) هل تتفق عقيدة القدِّيس إريناؤس مع ما جاء في إنجيل برنابا المزيَّف عن المسيح؟ وما هو موقفه من عقيدة لاهوت المسيح وصلبه؟ ومن هو المسيح في نظره؟.

(5) ما هو موقف القدِّيس إريناؤس من الأناجيل الأربعة ورسائل بولس وبقيَّة أسفار العهد الجديد؟.

1– القديس إريناؤس وموقفه من القديس بولس:

لا يُوجد في أيّ من كتابات القدِّيس إريناؤس أيّ تنديد بالقدِّيس بولس، بل علي العكس تمامًا، فقد تكلَّم عنه كرسولٍ عظيمٍ، للمسيح، وهاجم الذين تجنُّوا عليه وفنَّد آراء الذين بالغوا في أمره وقالوا أنَّه وحده الذي يعرف الحق.

(1) قال عن مشاركته للقدِّيس بطرس في تأسيس كنيسة روما " يُوَضِّح التقليد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كان إريناؤس أسقف ليون (120-202م) بالغال (فرنسا حالياً) هو أحد تلاميذ تلاميذ الرسل وخلفائهم وحلقة الوصل بين تلاميذ الرسل ومن جاءوا بعده ، فقد شاهد واستمع لتلاميذ الرسل ، خاصة بوليكاربوس الذي استمع إليه ورآه في شبابه ، ويقول عنه " أنه إلى الآن لم يزل ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتصف به القديس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته ، وتلك الإرشادات الإلهية التي كان يعلم بها رعيته وأبلغ من ذلك كأني اسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلي وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي تعلمها وتسلمها منهم " (الآباء الرسوليين للقمص تادرس يعقوب ص 126 أنظر أيضا Ag. Haer. 3:3, 4).

ــــــــــــــــــــــ

- 39 -

المسَلَّم لنا مرَّة من الرسل عن الكنيسة العظيمة والمعروفة عالميًا والتي أسَّسها ونظَّمها في روما الرسولان المجيدان بطرس وبولس "(2).

(2) وعن إرساليَّته من اللَّه قال " كان بولس رسولاً لا مِنْ الناس ولا بإنسانٍ بل بيسوع المسيح واللَّه الأب "(3) .

(3) ولما زعم الماركيونيِّين أنَّ القدِّيس بولس وحده هو الذي يعرف الحق وتطرَّفوا في ذلك، قال مفنِّدًا أقوالهم " هؤلاء الماركيونيُّون(4)الذين يزعمون أنَّ بولس وحده يعرف الحق، وله وحده كشف السرّ بإعلانٍ، فلندع بولس نفسه يدينهم، إذ يقول أنَّ اللَّه الواحد نفسه الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيه " بولس " لرسالة الأمم. فقد كان بطرس رسول الإله الذي كان بولس رسوله أيضًا، الذي بشَّر به بطرس بين أهل الختان كإله، أعلنه أيضًا بولس للأمم "(5).

(4) كما ردَّ علي الإبيونيِّين الذين لم يقرِّروا رسوليَّته فقال " ونحتجّ أيضًا بنفس الشيء ضد أولئك الذين لا يُقدِّرون بولس كرسول، لأنَّه يجب عليهم إمَّا أنْ يرفضوا أقوال الإنجيل الأخري التي عرفناها خلال القدِّيس لوقا(6)وحده وأنْ لا يستخدموها، وإذا قبلوها فيجب أنْ يُسَلِّموا بالضرورة، أيضًا، بهذه الشهادة الخاصَّة ببولس عندما يقول لنا أنَّ الربّ تكلَّم إليه أولاً من السماء " شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُه" (أع9/4؛22/7؛26/14)، وأيضًا قول الربِّ عنه لحنانيا " 000 إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي" (أع9/15-16)، ومن ثمَّ فأولئك الذين لا يقبلونه كـ " مُعَلِّمٍ " مختارًا من اللَّه، يحتقرون اختيار اللَّه ويفصلون أنفسهم عن شركة الرسل"(7).

واستشهد بكلِّ كتابات القدِّيس بولس واقتبس منها حوالي 317 اقتباسًا وذلك في دفاعه عن العقيدة والإيمان السليم ضد الهرطقة.

2- القديس إريناؤس وإنجيل برنابا المزعوم:

لا يُوجد في كل كتابات القدِّيس إريناؤس أيّ إشارة أو ذِكر لما يُسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا، ولم يَذْكُر شيئًا عن القدِّيس برنابا سوي أنَّه بعد انفصاله عن القدِّيس بولس ذهب مع يوحنَّا الملقَّب مرقس إلي قبرص وذلك في معرض الحديث عن ارتباط لوقا الإنجيليّ بالقدِّيس بولس في رحلاته التبشيريَّة. وهذا نصُّ حديثه:

" كان لوقا غير منفصلٍ عن بولس ورفيقه العامل في الإنجيل 000 يقول أنَّه عندما انفصل برنابا ويوحنَّا الملقَّب مرقس عن صحبة بولس وأبحروا إلي قبرص وأبحرنا نحن إلي تراوس" (أع1:16) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) Against Heresies b. 1 ch, 3.

(3) Against Heresies b. 3 ch. 15, 1.

(4) أتباع ماركيون الغنوسي ( أنظر الفصل السابع ) .

(5) Against Heresies b. 3 ch. 13.

(6) يقصد سفر أعمال الرسل الذي كتبه القديس لوقا بالروح القدس .

(7) Ibid. b. 3 ch. 15, 1.

ــــــــــــــــــــــ

- 40 -

3- إيمان القدِّيس إريناؤس وعقيدته في المسيح:

يظهر جليًا من كتابات هذا القدِّيس إيمانه القويّ بلاهوت المسيح وصلبه وقيامته من الأموات وصعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين العظمة، علي العرش الإلهيّ، ومجيئه الثاني ودينونته للأحياء والأموات، وأنَّه إله الكون وربّه وخالقه فقال:

v " يُوجد إلهٌ واحدٌ الخالق 000 هو اللَّه وهو الموجود وهو الصانع وهو الخالق الذي صنع هذه الأشياء بنفسه أيّ خلال كلمته وحكمته 000 أبو ربِّنا يسوع المسيح: خلال كلمته الذي هو اِبنه الذي بواسطته أُعلن وأُظهر للكلِّ 000 والابن متواجد،v أبديًا،v مع الآب،v من القِدَمِ،v نعم،v منذ البدء، وظهر دائمًا يكشف الآب للملائكة ورؤساء الملائكة والقوَّات "(8).

v " تَسَلَّمت الكنيسة 000 من الرسل ومن تلاميذهم هذا الإيمان [ فهي تؤمن ] بإلهٍ واحدٍ الآب القدير خالق السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها،v وبيسوع المسيح الواحد، اِبن اللَّه الذي تجسَّد لأجل خلاصنا"(9).

" صار اللَّه إنسانًا والربّ نفسه خلَّصنا معطيًا لنا علامة العذراء "(10).

v " كلمة اللَّه ربِّنا يسوع المسيح الذي صار إنسانًا بين البشر في الأيام الأخيرة ليُوَحِّد النهاية في البداية،v أيّ اللَّه بالإنسان "(11).

v " كان الكلمة موجودًا في البدء مع اللَّه،v وبه خَلَقَ كلِّ شيء وكان دائمًا موجودًا مع الجنس البشريّ،v وحديثًا جدًا،v في لحظة معيَّنة من الآب،v اِتَّحد مع صنعة يدَيْه وبه صار إنسانًا خاضعًا للألم "(12).

وقد شرح القدِّيس إريناؤس التجسُّد ووحدة شخص المسيح الواحد، من خلال حديثه عن حلول الروح القدس علي العذراء وولادة عمَّانوئيل الذي هو اللَّه معنا منها، في مُجمل ردَّه علي الغنوسيِّين " وُلِدَ اِبن اللَّه من عذراء، وهو نفسه المسيح المخلِّص الذي تنبَّأ عنه الأنبياء، ليس كما يقول هؤلاء الناس (أي الغنوسيِّين) أنَّ يسوع هو الذي وُلِدَ من مريم ولكن المسيح هو الذي نزل من فوق ".

ثم يقول إنَّ متَّي لم يقلْ " أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ فَكَانَتْ هَكَذَا " إنما قال " أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا "(مت1/18)، " وهو عمَّانوئيل لئلا نتخيَّل أنَّه مُجَرَّد إنسان : لأنَّه ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة إنسان، بل بإرادة اللَّه صار الكلمة جسدًا. ويجب أنْ لا نتخيَّل أنَّ يسوع واحد والمسيح آخر، ولكن يجب أنْ نعرف أنَّهما نفس الواحد"(13).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) Ibid. b. 2 ch. 30, 9.

.(9) Ibid b1:10, 1.

(10) Ibid. b3:21, 1.

(11) Ibid. b4:20, 4.

(12) Ibid. b3:18, 1.

(13) Ibid. b3:16, 2.

ــــــــــــــــــــــ

- 41 -

v كما ردَّ علي الأبيونيِّين قائلاً " وباطل أيضًا الأبيونيين الذين لم يقبلوا الإيمان لنفوسهم في اتحاد اللَّه والإنسان 000 ولم يريدوا أنْ يفهموا أنَّ الروح القدس حلَّ علي العذراء وأنَّ قوَّة العليّ ظلَّلتها،v ولذا فالذي وُلِدَ هو قُدُّوس واِبن اللَّه العليّ أبو الكلّ، ونتج التجسُّد "(14).

v كما شرح كيفيَّة قبول المسيح للحدود البشريَّة " من لا يتغيَّر،v أي ذاك الذي يعلو الزمان والمكان ولا يُري ولكن صار مرئيًا لأجلنا،v لا يُلمس ولا يتألَّم ولكنه صار ملموسًا ومتألمًا وإحتمل كلَّ شيءٍ لأجلناv فقال أنَّ الربَّ يسوع المسيح من أجلنا قبل الحدود الجسديَّة والإنسانيَّة،v الذي كان غير مرئيّ صار مرئيًا،v غير المتألِّم صار متألمًا لأجلنا،v غير المُدرك صار مدركًا،v لأجلنا"(15).

4- إريناؤس والعهد الجديد:

كما دافع القدِّيس إريناؤس عن الأناجيل الأربعة وقال أنَّها أربعة أوجه لإنجيلٍ واحدٍ " ليس من الممكن أنْ تكون الأناجيل أكثر أو أقلّ عمَّا هي عليه، لأنَّه حيث يُوجد أربعة أركان zones في العالم الذي نعيش فيه وأربعة أرواح " رياح " جامعة حيث اِنتشرت الكنيسة في كلِّ أنحاء العالم وأنَّ " عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ"(1تي3/15) الكنيسة هو الإنجيل وروح الحياة، فمن اللائق إذًا أنْ يكون لها أربعة أعمدة تنْفُس الخلود وتُحيي البشر من جديد. وذلك يوضِّح أنَّ الكلمة، صانع الكلِّ، الجالس علي الشاروبيم والذي يحتوي كلّ شئ والذي ظهر للبشر أعطانا الإنجيل في أربعة أوجه ولكن مرتبطة بروحٍ واحدٍ "(16).

وقال أيضًا " الأرض التي تقف عليها هذه الأناجيل أرض صلبة حتَّي أنَّ الهراطقة أنفسهم يشهدون لها ويبدءون من هذه " الوثائق "(17)، وكلٍّ منهم يسعي لتأييد عقيدته الخاصَّة منها "(18).

وهذه الأدلَّة تؤكِّد لنا أنَّه إلي نهاية القرن الثاني الميلاديّ لم يكنْ هناك أيّ ذكرٍ لما يُسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا، وأنَّ الأناجيل الأربعة هي الأناجيل الوحيدة التي أقرَّتها الكنيسة منذ البدء لأنَّها الوثائق الأساسيَّة المُسَلَّمَة من الرسل، وهى أربعة أوجه لإنجيلٍ واحدٍ، واقتبس منها 532 اقتباسًا، وأنَّ القدِّيس إريناؤس دافع عن القدِّيس بولس واستشهد بكلِّ رسائله واقتبس منها 317 اقتباسًا كما استشهد ببقيَّة أسفار العهد الجديد واقتبس منها 112 اقتباسًا، وكان إجماليّ ما اقتبسه من كلِّ العهد الجديد 941 اقتباسًا، شملت كلّ شئ في دفاعه عن المسيحيَّة ضد الهراطقة مثل ولادة المسيح وصلبه وقيامته ولاهوته وفدائه للبشريَّة 00 إلخ. كما تُكَذِّب هذه الأدلَّة أسطورة الراهب المزعوم وأكاذيب مصطفى العرندي ومن شايعوه في أكاذيبه وتقلعها من جذورها !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(14) Ibid. b5:1, 3.

(15) See b3:16, 6. And Jesus after the Gospels p. 102...

(16) Ibid. ch. 11, 8.

(17) سمى الأناجيل بالوثائق لأنها موثقة ومأخوذة من تلاميذ المسيح ورسله .

(18) Ibid. ch. 11, 8.

ــــــــــــــــــــــ

- 42 -

2 - مرسوم البابا جلاسيوس :

يُوجد مرسومٌ منسوبٌ للبابا جلاسيوس الخامس (496م) يحذِّر من قراءة مجموعة من الكتب الأبوكريفيَّة(19)ذات الصبغة الغنوسيَّة(20) والفكر الغنوسيّ، وذلك إلي جانب قائمة الستُّون كتابًا التي تذكر الأسفار القانونيَّة الموثَّقة (الصحيحة) كما تذكر أسماء بعض الكتب الغنوسيَّة، ومن ضمن هذه الكتب الغنوسيَّة يذكر المرسوم والقائمة " إنجيل تحت اسم برنابا "، وهذا هو الإستثناء الوحيد الذي يذكر فيه كتاب بهذا الاسم، فلم يذكره أو يُشِر إليه أحدٌ من آباء الكنيسة الذين أرَّخوا لها ولا أحد من كتَّابها ومدافعيها الذين فنَّدوا الهرطقات وذكروا جميع الكتب القانونيَّة وغير القانونيَّة. وقد كشفت الأبحاث الأثريَّة عن كميَّات هائلة من الوثائق المسيحيَّة والتي ترجع للقرون الأولي والتي ضمَّت وحوت الأناجيل القانونيَّة الموثّضقة (الصحيحة) وكتب الآباء في سائر موضوعات الفكر المسيحيّ وكذلك الكتب الأبوكريفيَّة سواء المسمَّاة بالأناجيل وأعمال الرسل(21) أو التي تحتوي علي موضوعات فكريَّة وعقيديَّة بصفةٍ عامَّةٍ. ولم تذكرْ هذه الكتب جميعًا ولم تُشِر إلي أيّ شيءٍ فيه إشارة إلي ما يُسَمَّي بإنجيل برنابا.

كما أنَّ المرسوم والقائمة يشيران إلي كتب غنوسيَّة ومن ضمنها هذا الكتاب، وقد أجمع العلماء علي أنَّه إنْ كان للكتاب وجود قبل القرون الوسطي فلا يخرج عن كونه كتاب غنوسيّ الصبغة والفكر والعقيدة، والغنوسيِّين اعتقدوا أنَّ المسيح إلهًا نزل من السماء لخلاص كلِّ البشريَّة في صورة بشريَّة، وظهر في شكل بشريّ دون أنْ يكون بشرًا حقيقيًا، كما اعتقدوا بصلبه وموته وقيامته وعودته إلي السماء، من حيث جاء. كما أنَّهم أيضًا آمنوا بصحَّة الأناجيل الأربعة وإتَّخذت كلّ فرقة منهم واحدًا منها أو جميعها ككتابها المقدَّس وذلك إلي جانب الكتب العديدة التي كانت لديهم(22).

وهذا الكتاب الحاليّ المزيَّف بنصَّيه الأسبانيّ والإيطاليّ علي عكس ذلك تمامًا فقد نادى بأنَّ المسيح مجرَّد بشر فانٍ وزائلٍ، كتلة من التراب وأنَّه لم يُصْلَبْ ولم يمُتْ وأنَّ إنجيله قد دُنِّسَ وحُرِّفَ. كما أنَّ هذا الكتاب المزيَّف لا يتَّفق أبدًا مع ما نسبته الكنيسة للقدِّيس برنابا من كتب تنادى بلاهوت المسيح وصلبه وموته وقيامته وصعوده إلي السماء وشفاعته في كلِّ البشريَّة ودينونته للأحياء والأموات. ولا يتَّفق مع الفكر المسيحيّ القديم " المُسَلَّم من المسيح لرسله ومنهم للكنيسة " ولا مع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) تعنى كلمة " أبوكريفا " سرية واستخدمت في المسيحية بمعنى المزيفة .

(20) الغنوسية تعنى " حب المعرفة " والفرق الغنوسية كانت تؤمن بالخلاص عن طريق المعرفة وخلطت بين أفكار وأساطير اليونان وغيرهم مع المسيحية . أنظر ف7 .

(21) أنظر الفصل السابع .

(22) انظر الفصل السابع .

ــــــــــــــــــــــ

- 43 -

فكر الفرق المسيحيَّة المختلفة من أصحاب البدع والهرطقات الذين ظهروا في القرون الأولي وذلك من حيث اللغة والفكر والمادة والمنهج والعقيدة وطبيعة العصر، بل ويختلف عن كلِّ ما ذُكِرَ عن المسيحيَّة من الخارجين عليها ومن أعدائها في كلِّ العصور.

وهنا نصل إلي ثلاثة أسئلة هامَّة، وهى: ما هي حقيقة هذا الكتاب المذكور في المرسوم الجلاسيانى وقائمة الستُّون كتابًا؟ وما حقيقة الكتاب بنصَيه الأسبانيّ والإيطاليّ؟ وما علاقتهما ببعض؟ والنقاط التالية توضِّح الحقيقة:

1- الكتاب المذكور في المرسوم الجلاسياني وقائمة الستُّون لا يوجد له أيّ ذِكْر خارجهما علي الإطلاق، كما لم يعرفْ آباء الكنيسة، مؤرِّخيها وكتَّابها، كتاب بهذا الاسم، كما لم يَذْكر الهراطقة أو غيرهم ما يُسَمَّي بإنجيل برنابا، ولم يقتبسْ أحدٌ ما، سواء من آباء الكنيسة أو الهراطقة أو اليهود أو الوثنيِّين الذين هاجموا الكتاب المقدَّس والعقيدة المسيحيَّة في القرون الأولي بضراوة، كتاب بهذا الاسم.

2- يذكر المرسوم والقائمة الكتاب بهذه العبارة " إنجيل تحت اسم برنابا " وهذا لا يعطي دليلاً قاطعًا بأنَّه، إنْ كان قد وُجد كتاب بهذا الاسم، قد كُتب بواسطة القدِّيس برنابا رسول المسيح، فقد يكون هذا اسم كاتبه الغنوسيّ، أو أنَّ كاتبه وضع عليه هذا الاسم ليلقي رواجًا عند العامَّة، كما حدث في كتبٍ أخري، فقد نسبوا كتابًا للقدِّيس متَّي أسموه " إنجيل متَّي " وآخر للقدِّيس يوحنا أسموه " أبوكريفا - يوحنَّا " أو إنجيل يوحنا السرِّيّ " ولكثيرين غيرهم من تلاميذ المسيح ورسله.

3- يقول د. خليل سعادة مترجم الكتاب إلي العربيَّة " يذهب بعض العلماء المدقِّقين إلي أنَّ أمر البابا جلاسيوس المنوَّه عنه إنما هو برمَّته تزوير، وهو قول موسوعات العلوم البريطانيَّة أيضًا"، كما أنَّ قائمة الستُّون كتابًا التي يُقال أنَّها ترجع للقرن السابع تُوجد في مخطوطة حديثة من أواخر القرون الوسطي ولا يُوجد لها مرجعٌ قديمٌ مما يُعطي احتمال قويّ أنَّها مزيَّفة، فقد ظهرت في عصر إشتهر بالأعمال المزيَّفة، وقد زيَّف المورسكوس الأسبان عددٌ من المزيَّفات التي تُقدِّم لهذا الكتاب المزيَّف، كما بيْنَّا في الفصل الرابع!!

4- إنَّ هذا الكتاب المزيَّف لا يتَّفق مع الفكر الغنوسيّ إطلاقًا وبالتالي لا يتَّفق مع الكتاب المذكور في المرسوم الجلاسياني أو قائمة الستُّون كتابًا، إنْ كان لكليهما - المرسوم والقائمة - وجود، بالمرًّةِ. كما أنَّ هذا الكتاب المزيَّف يتكَوَّن أكثر من نصفه من خرافات تلموديَّة وخرافات القبائل البدائيَّة التي عرفها الأوربيُّون عن طريق التجار والبحارة الذين جابوا القارَّات الثلاث في أواخر العصور الوسطي، وكذلك الأحاديث الدينيَّة والأساطير العلميَّة والدينيَّة التي لم يكن لها أي وجود قبل العصور الوسطي والتعبيرات اللغويَّة والدينيَّة التي دخلت أوربا (الأندلس وما جاورها) عن طريق العرب في العصور الوسطي أيضًا.

ــــــــــــــــــــــ

- 44 -

5- هناك إشارات عديدة لوجود أصل عربيّ يحمل اسم وصفات هذا الكتاب المزيَّف، ويقول د. خليل سعادة أنَّه " أشدّ ميلاً للأصل العربيّ " ويروى أنَّه " لا يجوز إتِّخاذ عدم العثور علي ذلك الأصل العربيّ، حُجَّة دامغة علي عدم وجوده، وذلك علي الرغم من أنَّه لا يُوجد في سجِّلات الكتب العربيَّة ما يُشير من بعيد أو من قريب لكتابٍ باسم القدِّيس برنابا.

ولكنَّنا نقول أنَّ الإشارات التي قيلت عن هذا الكتاب المزوَّر في كتابات المورسكوس أمثال علي الطيبيلي وأحمد الهاجري الذَين تكلَّمنا عنهما في الفصل السادس ووجود النسخة الأسبانيَّة مع مصطفي العرندي والذي زعم أنَّه ترجمها في استامبول، وبالتالي مرور الكتاب ببعض البلاد العربيَّة مثل المغرب وتونس وكذلك في تركيا ووجوده فيها، هو الذي أدَّي إلي القول بوجود الأصل العربيّ بإعتبار أنَّ الكتاب خرج أصلاً من بين المورسكوس، المتنصِّرين العرب الذين تركوا الأندلس وعادوا إلي ديانتهم الأولي، الإسلام.

مما سبق يتضِّح لنا أحد أمرَين:

(1) إمَّا أنَّه كان للكتاب وجود حقيقيّ في القرن الخامس الميلاديّ، وأنَّ هذا الكتاب المزوَّر في نسختَيه الإيطاليَّة والأسبانيَّة لا صلة له به بالمرَّة، ولم يَعرف كاتبه شيئًا عمَّا جاء في المرسوم الجلاسيانيّ وقائمة الستُّون كتابًا، فلا يُوجد أيّ اتِّفاق بين عقيدة وفكر كلٍّ منهما، وأنَّ كلاً من الكاتبَين وُضِعَ على كتابه اسم برنابا لكي يلقي رواجًا بين العامَّة أو مستغلاً في ذلك الخلاف الذي وقع بين القدِّيس بولس والقدِّيس برنابا بسبب إشتراك القدِّيس مرقس معهما في رحلتهما الكرازية، أو للسببَين معًا.

(2) أو أنَّ كاتب هذا الكتاب المزيَّف بنسختَيه الإيطاليَّة والأسبانيَّة عثر علي نسخة للكتاب المذكور في المرسوم الجلاسيانى، إنْ كان له وجود، أو كتاب مشابه له وأعاد صياغته من جديد ووضعه في صورته العربيَّة الإيطاليَّة الأسبانيَّة الأندلسيَّة الحالية. وهذا الرأي يأخذ به مترجم الكتاب إلي العربيَّة والذي يقول " بيد أنَّ هناك إنجيلاً يُسَمَّي الأغنسطسي" أي الغنوسي" طُمِسَت رسومه وعفت آثاره يبتدئ بمقدِّمة تندِّد بالقدِّيس بولس وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد، ويذكر أنَّ ولادة المسيح أتت بغير ألمٍ، ولما كان كلّ ذلك في إنجيل برنابا، فمن المحتمل أنْ يكون ذلك الإنجيل الأغنسطسي أبَا لإنجيل برنابا هذا، وأنَّ أحد معتنقي الإسلام من اليهود أو النصاري عثر علي نسخة منه في اليونانيَّة أو اللاتينيَّة في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر، فصاغه في القالب الذي تراه فيه الآن، فخفي بذلك أصله ويضيف" أنَّ هذا الإنجيل لم يكن لابسًا حينئذ هذا الثوب القشيب الذي يرفل فيه الآن ".

وكذلك الأستاذ عباس محمود العقاد الذي يقول أيضا أنه لا يمكن أن يكون هذا الكتاب الحالي هو نفس كتاب القرون الأولي " الواضح لدينا أنَّ الإنجيل المترجم إلي الإنجليزية قد أُضيفت إليه زيادات غير قليلة، وقد لوحظ في كثيرٍ من عباراته أنَّها كُتبت بصيغة لم تكنْ معروفة قبل شيوع اللغة العربيَّة في الأندلس،

ــــــــــــــــــــــ

- 45 -

وأنَّ وصف الجحيم يستند فيه إلي معلومات متأخِّرة لم تكنْ شائعة بين اليهود والمسيحيِّين في عصر الميلاد " ويُضيف أنَّه " لم يشتملْ علي ما جاء في نسخة الإنجيل المترجم إلي الإنجليزيَّة والعربيَّة "(23).

والحقيقة المؤكَّدة من كلِّ ذلك أنَّ هذا الإنجيل المزيَّف لم يكنْ له أيّ وجود قبل العصور الوسطي وبالتحديد قبل القرن نهاية القرن الخامس عشر علي الأقلِّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(23) جريدة الأخبار الصادرة في 26/10/1959م .

ــــــــــــــــــــــ

الفصل الرابع : من هو القديس برنابا ؟

للقدِّيس برنابا مكانة كبيرة في المسيحيَّة بإعتباره واحدٌ من آباء الكنيسة الأوَّلين الذين نشروا المسيحيَّة في بلادٍ كثيرةٍ منها فلسطين وسوريا وقبرص. ويُحدِّثنا التاريخ المسيحيّ عنه بكلِّ إجلالٍ وتقديرٍ.

1- القدِّيس برنابا ومكانته في العهد الجديد:

يذكر الوحي الإلهيّ أنَّ اسمه الأصليّ " يوسف " ولقبه " برنابا " وكلاهما، الاسم واللقب، لم يُذكرا في الأناجيل الأربعة، ولم يكنْ واحدًا من تلاميذ المسيح الإثني عشر(1) الذين اختارهم الربّ يسوع المسيح ليتدربُّوا علي يديه ويتعلَّموا منه ويستلموا عنه كلمة اللَّه، الإنجيل، استعدادًا للكرازة العالميَّة بعد صعوده إلي السماء.

v أولاً : برنابا وعلاقته بالرسل: وأوَّل ذِكْرٌ عنه،v جاء في سفر أعمال الرسل هكذا " وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ." (أع4/36-37) .

وهذا النصّ الإلهيّ يُبَيِّن لنا أنَّ إسمه الأصليّ " يوسف " وأنَّ التلاميذ أعطوه لقب " برنابا " ومعناه اِبن الوعظ أو اِبن التعزية(2)، اعترافًا منهم ببراعته في الوعظ وامتلائه من الروح القدس (أع11/23-24)، وقد اِقتدي الرسل في ذلك بمعلِّمهم، الربّ يسوع المسيح، الذي أعطي يعقوب ويوحنا اِبني زبدي لقب " بوانرجس " أي اِبني الرعد (مر3/17).

كما يُبَيِّن لنا أصله اللاويّ، فهو لاويّ، من السبط الذي يخرج منه الكهنة والكهنوت، وجنسيَّته القبرصيَّة، فقد ولد وتربَّي وعاش في قبرص التي يُخبرنا التاريخ أنَّ كثيرًا من اليهود كانوا يعيشون بها(3)، ويُخبرنا سفر الأعمال أيضًا، أنَّه يُوجد في سلاميس وحدها العديد من المجامع اليهوديَّة (أع13/15)(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أنظر مت2:10-4؛مر14:3؛لو13:6-16 .

(2) برنابا حرفيا " ابن النبوة " أي نبي كما دعي في أع 1:18 والترجمة اليونانية للاسم : ايوس براكليسيوسUios paraklisews ابن التعزية .

(3) Josephus Ant. 13, 4.

(4) وتعبير مجمع مترجم عن (Synagogues) اليونانية .

ــــــــــــــــــــــ

- 47 -

وقد باع حقله ووضع ثمنه عند أقدام الرسل ، وهذا يدلّ علي أنَّه لم يكنْ من دائرة التلاميذ الإثني عشر، بلّ كان خاضعًا لهم، يعطوه، هم، لقب " برنابا "، ويضع هو ثمن الحقل عند أقدامهم.

v ثانيا : علاقاته بشاول الطرسوسي" بولس الرسول ": كان القدِّيس برنابا صاحب الفضل في تقديم القدِّيس بولس الرسول (شاول الطرسوسيّ) إلي الرُسل في أورشليم،v إذ أنَّه لمَّا اهتدي شاول إلي المسيحيَّة حاول اليهود أنْ يقتلوه وهو في دمشق فهرَّبه التلاميذ هناك ليلاً (أع9/23-25v " وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ وَكَانَ الْجَمِيعُ يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ. فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ." (أع9/26-28) .

ثمَّ أنَّه لمَّا آمن عددٌ كبيرٌ في إنطاكية بالربِّ يسوع، من اليهود الأمميِّين، أرسل الرُسل إليهم من أورشليم برنابا " فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا لِكَيْ يَجْتَازَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. الَّذِي لَمَّا أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ. فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ. ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً. " (أع11/22-26) .

ويقول عنه الكتاب بالروح أنَّه كان " رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ.". لقد وعظ وعلَّم الكثيرين ثمَّ أتي " شاول " من طرسوس(5) ليشاركه هذا العمل المبارك، وكان لكليهما (برنابا وشاول) الفضل في أنْ يُدْعَي المؤمنون بالمسيح " مسيحيِّين " نسبة لسيِّدهم، حتَّي أنَّ الاسم إلتصق بالمسيحيِّين من ذلك التاريخ وإلي الأبد، بعد أنْ كان اليهود يدعونهم بـ " شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ"(أع24/5) .

ولمَّا حدثت المجاعة في المسكونة " فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ (الإنطاكيُّون) حَسْبَمَا تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئاً خِدْمَةً إِلَى الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ إِلَى الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ." (أع11/29-30). اختار التلاميذ الإنطاكيُّون، لتلك المهمَّة، برنابا وشاول ليجمعا المساعدات للإخوة في الكنيسة الأمّ في اليهوديَّة. وكان ذلك هو المثال الأوَّل الذي اِتبعت الكنيسة بعد ذلك مثاله(6).

وبعد خروج القدِّيس بطرس من السجن وموت هيرودس " وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ." (أع12/25) اِأبن أخت برنابا (كو4/10)، وذهبوا إلي إنطاكية، ثمَّ بدأت الرحلة التبشريَّة الأولي للثلاثة " برنابا وبولس ويوحنَّا الملَّقب مرقس ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) يرى بعض المفسرين أن ذلك تم في ربيع سنة 43م ، أي بعد الصلب بحوالي عشر سنوات ، وكانت المسافة إلى ميناء طرسوس من سلوقيا حوالي 12 ساعة إبحاراً ، أو حوالي ثمانين ميل براً .

(6) أنظر رو25:15-27؛1كو1:16 .

ــــــــــــــــــــــ

- 48 -

v ثالثا : رحلة برنابا وبولس الكرازيَّة العالميَّة الأولي وانسحاب مرقس: دُعي برنابا في إنطاكية بين الأنبياء والمعلِّمين (أع13/1)، ثمَّ اختاره الروح القدس مع شاول، بولس الرسول، للعمل المسكوني " قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ»." (أع13/2v فذهبا إلي قبرص وأخذا معهما يوحنَّا الملَّقب مرقس - ابن أخت برنابا (كو4/10v وفي برجة بمفيلية فارقهما (مرقس) ورجع إلي أورشليم (أع13/13) .

كان القدِّيس مرقس " وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً." (أع13/5)، كما كان يشوع بن نون مع موسي (عدد11/28؛ يش1/1) وإليشع النبيّ مع إيليَّا النبيّ (2مل3/2)، ولكنَّه لم يحتملْ الرحلة، لصغر سنِّه، ولشدَّة وقوَّة مقاومة الأمم للرسالة وصعوبة العمل بينهم وشدَّة الاضطهاد، فعاد إلي أورشليم إلي حيث منزل أمِّه " مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ" (أع12/12)، والذي كان مقرًّا للكنيسة الأولي في أورشليم.

واستمرَّ برنابا وبولس في كرازتهما وكان الربّ يضمّ الكثيرين علي أيديهما حتَّي أنَّ الكتاب يقول " وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِوَانْتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ فِي كُلِّ الْكُورَةِ." (أع13/48-49)، إلي أنْ طردهما اليهود من تخومهم (في إنطاكية بيسيدية) وأتيَا إلي أيقونيَّة (أع13/51). وظلا يعملان في قبرص والربّ يُنْجِح عمله علي أيديهما.

رابعا : برنابا وقضية الختان: أثار بعض المتنصِّرين من اليهوديَّة قضيَّة الختان وجعلوا يُعَلِّمون الإخوة أنَّه إنْ لم تختتنوا حسب عادة موسي لا يمكنكم أنْ تخلصوا، فقاومهم القدِّيسان بولس وبرنابا وتنازعا معهم،v يقول الكتاب بالروح " وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا». فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ (أي مع المنادين بالختان) رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ وَالْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ." (أع15/1-2). وأيَّد مجمع الرسل في أورشليم موقف برنابا بولس وأرسلوا معهما رجلَين من المتقدِّمين في الإيمان برسالة تبيِّن صحَّة موقفهما من جهة رفض الختان كأساس للخلاص، ووصف مجمع الرسل برنابا وبولس في الرسالة بالقول " حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ. رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (أع15/25-26).

وقد إستغلَّ البعض هذه الحادثة وزعموا وجود خلاف في العقيدة بين بولس وبرنابا !! وتجاهلوا الحقيقة التي تؤكِّد أنَّ المشاجرة حدثت بين اليهود المطالبين بوجوب الختان من جهة وبين بولس وبرنابا، معًا، من جهةٍ أخري. لقد طالب بعض المتنصِّرين من اليهود بأنْ يختتن كلّ أمميّ يدخل إلي حظيرة المسيح. فكان برنابا مع بولس، هما، أوَّل من قاوم هؤلاء القوم، وحصلت " مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ" أي مع هؤلاء اليهود الذين قاومهم بولس وبرنابا معاً.

ــــــــــــــــــــــ

- 49 -

v خامسًا: انفصال بولس وبرنابا: يذكر سفر أعمال الرسل حدوث مشاجرة بين القدِّيسين بولس وبرنابا بسبب القدِّيس مرقس عندما كانا " أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ الرَّبِّ." (أع15/35). فقال بولس لبرنابا " لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ». فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ(7)حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ."(أع15/36-39). فسافر برنابا ومرقس إلي قبرص، وأخذ بولس معه سيلا واجتاز في سوريا وكيليكية (أع15/40).

وقد إستغلَّ البعض هذا الحدث بصورةٍ غير صحيحةٍ وزعموا أنَّ المشاجرة حدثت بسبب خلافات في العقيدة !! وهذا عكس ما جاء في الكتاب المقدس الذي يقول بالروح أنَّ سبب الخلاف والمشاجرة هو إصرار القدِّيس برنابا علي اصطحاب مرقس، اِبن أخته، معهما في الرحلة ورفض القدِّيس بولس لذلك بسبب مفارقته لهما من بمفيليَّة. ولم يكنْ هذا الخلاف بسبب الدعوة أو العقيدة، كلا، فقد كانت دعوتهما واحدة وظلَّت عقيدتهما واحدة إلي اليوم الذي اِستشهد فيه كلٍّ منهما. وهذا ما يذكره الوحي الإلهيّ ويشهد به تاريخ المسيحيَّة في كلِّ العصور.

v سادسًا: برنابا في رسائل بولس الرسول: ذهب كلٍّ من القدِّيسَين برنابا وبولس في كرازتهما المسيحيَّة الواحدة في الهدف والدعوة والعقيدة،v وظلَّ كلٍّ منهما يُكِنَ للآخر كلّ احترامٍ وتقديرٍ،v وهذا ما نراه واضحًا في رسائل القدِّيس بولس التي يذكر القدِّيس برنابا لأهل كورنثوس بكلِّ تكريمٍ وحبٍّ كرسولٍ عاملٍ في الدعوة الإلهيَّة (أع13/1؛غل2/9) مثله مثل بقيَّة تلاميذ ورسل المسيح " أَلَعَلَّنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟ أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟"(1كو9/5-6). كما يذكره لأهل غلاطية كرسول الأمم، معه " فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ،v أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ."(غل2/9).

وعندما يذكر القدِّيس مرقس لأهل كولوسي يذكره علي أنَّه " ابْنُ اخْتِ بَرْنَابَا" (كو4/10). ومعني هذا أنَّ رسوليَّة وشهرة القدِّيس برنابا وحبّ الكنائس له كانا سند مرقس في خدمته، بل وكانت قرابته لبرنابا أحد مسوِّغات قبوله لدي أهل كولوسي. هذا الكلام يقوله القديس بولس بعد حادث انفصالهما بعشر سنوات مما يدلّ علي احترام وتقدير الكنيسة كلها، في كلّ مكان، للقديس برنابا الذي استشهد علي اسم المسيح سنة 61م.

v سابعًا: صفات القديس برنابا: تقول دائرة المعارف الكتابيَّة " لاشكّ في أنَّ برنابا يُعَدّ أحد الرجال العظام في الكنيسة الأولي،v فقد كان نِدًّا للرسول بولس ورفيقًا له في الخدمة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) الكلمة اليونانية المستخدمة هنا " مشاجرة " هي باركسيسموس Paraxysmos وقد وردت في العهد الجديد مرتين، مرة في عبرانيين 24:10 للتحريض على المحبة وهنا بمعنى عام .

ــــــــــــــــــــــ

- 50 -

وإن كانت مواهب بولس الفذَّة قد غطَّت علي عظمة برنابا. لقد كان برنابا رجلاً لطيف المعشر، سموح النفس، ذا شهامةٍ، وصاحب بصيرةٍ نفاذةٍ استطاعت أنْ تستشف الإِمكانات الروحيَّة العظيمة التي عند الآخرين، كما فعل مع شاول (أع11/25). لم يكنْ به شيء من ضيقِ الفكر وسوءِ الظنِّ أو الأنانيَّة، بل كان متسع الفكر ورحب القلب. مما أهَّله لأنْ يكون قادرًا علي تشجيع الآخرين الذين كاد يصيبهم الإِحباط. كما كان أنيسًا للمنفردين ومعينًا للمُعْوَزِين. وما قد يراه البعض فيه من ضعف، إنِّما جاء من عواطفه الرقيقة واستعداده لحسن الظنِّ بالآخرين وتوقُّع الخير منهم"(8).

2 - القدِّيس برنابا في تاريخ الكنيسة:

كان القدِّيس برنابا تابعًا للرسل ويقول البعض أنَّه آمن بالربِّ يسوع المسيح بعد قيامته من الأموات، ولكن هناك تقليد يقول أنَّه كان أحد السبعين رسولاً الذين عيَّنهم الربُّ يسوع المسيح وأرسلهم اِثنين اِثنين أمامه إلي كلِّ مدينة أو موضع يذهب إليه (لو10/1-2)، وهؤلاء لم تذكر الأناجيل أسماءهم. وكان أوَّل من ذكر القدِّيس برنابا ضمن الرسل السبعين هو إكليمندس الإسكندري (153-217م)(9)، ثم نقل عنه ذلك يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي المعروف(10). ويُذكر في العظات المنسوبة لإكليمندس الرومانيّ كرسولٍ نشط في الإسكندرية وروما، كما يَذكر تقليد قديم أنَّه بشَّر في ميلانو(11). أمَّا مركز كرازته فكان، إلي جانب أنطاكية، قبرص التي بشَّر فيها ورسم لها قسوسًا وشمامسة.

ويقول تاريخ الكنيسة أنَّه اعتُقل في سلاميس وضُرب ضربصا مبرحًا ثم رُجم بالحجارة حتَّي مات ثمَّ أشعلوا النار في جسده فتقدَّم القديس مرقس ولفَّ جسده بلفائف ووضعه في مغارةٍ بجوار مدينة سلاميس سنة61م في السنة السابعة لحكم نيرون (54 –68م).

3- الكتب المنسوبة للقديس برنابا:

هناك بعض الكتب التي تتحدَّث عن القدِّيس برنابا كما ينسب إليه البعض " الرسالة إلي العبرانيِّين "(12). ومن أهمِّ ما يُنسب إليه وما يتكلَّم عنه ما يلي:

(1) رسالة برنابا: وترجع لأواخر القرن الأوَّل، وقد نسبها للقديس برنابا بعض الآباء مثل إكليمندس الإسكندري (13)والعلامة أوريجانوس(14)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) دائرة المعارف الكتابية ج 2 : 142 – 144 .

(9) Storm 2. 20 Hypotyposis 7.

(10) أنظر ك2 ف 1: 4.

(11) Post Nicene. F. vol. 1 p. 98.

(12) ينسب العلامة ترتليان (154-220م) ، أنظر On Modesty ، ويشايعه في ذلك بعض المعاصرين ، الرسالة للعبرانيين للقديس برنابا . أنظر أيضا The Int .Stand. Bible Dictionary. والثابت أنها للقديس بولس .

(13) ويقتبس منها أكليمندس أكثر من مرة ، أنظر Strom 2:6 , 15, 18. 20

(14) Against Tacetaus b. 1, 63.

ــــــــــــــــــــــ

- 51 -

وقد وُجدت في المخطوطة السينائيَّة التي ترجع للقرن الرابع، تالية لسفر الرؤيا. وتتحدَّث هذه الرسالة عن ألوهيَّة المسيح وتجسُّده وصلبه وموته وقيامته وفدائه للبشريَّة بدمه. وقد جاء فيها " أنَّ الربَّ يسوع تحمَّل تسليم جسده إلي الفساد. كان المقصود هو تنقيتنا وغفران خطايانا الذي بنضح دمه 000 يا أخوتي إذا كان الرب يسوع قد احتمل أنْ يتألَّم من أجل نفوسنا وهو ربّ المسكونة 000 ولكي يُعطِّل الموت ويُبرهن عن القيامة من الأموات ظهر بالجسد واحتمل الآلام 000 لو لم يأتِ بالجسد لما استطاع البشر أنْ ينظروا خلاصهم. إذْ كانوا لا يستطيعون أنْ ينظروا إلي الشمس التي هي من أعمال يديه فهل يمكن أنْ يحدِّقوا إليه لو جاءهم اضطهدوا أنبياءه ألم يحتمل الآلام من أجل ذلك؟ 000 إنَّه هو الذي أراد أنْ يتألَّم هكذا وكان عليه أنْ يتألَّم علي الصليب" (ف5). وتقتبس هذه الرسالة الكثير من آيات العهد الجديد مثل قوله "كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ" والتي يقتبسها من الإنجيل للقدِّيس متى (22/14). وأيضا " لَمْ يَآتِ ليَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" (9:5مع مت9/13)(15).

(2) كتاب أعمال برنابا وزعم البعض بأنَّه يذكر إنجيل برنابا(16):

ويرجع للقرن الخامس ويُرَجَّح أنَّه كُتب قبل 478م، السنة التي اكتشف فيها جسد القدِّيس برنابا، والكتاب يصفه العلماء بأنَّه أقرب للحقيقة، فجغرافيَّته صحيحة تُبيِّن أنَّ الكاتب يعرف قبرص جيدًا وليس به مبالغات كبيرة في التفاصيل، وهو مبنيّ علي سفر أعمال الرسل ويروي رحلات القدِّيسين برنابا وبولس ونزاعهما حول القدِّيس مرقس، ثم رحلات القدِّيس برنابا بعد ذلك واستشهاده في قبرص، حيث ذهب مرقس بعد ذلك إلي الإسكندرية(17) ويقول الكاتب، الذي يُزعم أنَّه مرقس ابن أخت برنابا، أنَّ برنابا صنع معجزات كثيرة باسم الربّ يسوع المسيح وأنَّه بشر بمقتضى ما جاء في إنجيل متي " استلم برنابا وثائق من متي، كتاب كلمة الله، ورواية المعجزات والعقائد "، إنَّه علَّم بمقتضى إنجيل متي الذي أرسله إليه. وقد رسم أساقفة وقسوس وشمامسة. ثم يتحدَّث عن القبض عليه واستشهاده وحرقه بالنار ودفنه مع إنجيل متي بمغارة "(18).

(3) قداس برنابا: وهناك قدَّاس باسم برنابا يستخدمه أهل ميلانو. والقدَّاس مبنيّ علي تقديم المسيح نفسه كذبيحة دمويَّة علي الصليب، وتُرفع الصلوات إليه باعتباره اِبن اللَّه والمعبود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) أنظر أيضاً اقتباسه من (مرقس 17:2؛ لو32:5) . كما تضم اقتباسات أخرى من العهد الجديد (انظر مثلاً 4:12 مع رومية 31:2 ؛ابط 17:1و6:5 مع 2تي10:1و9:7 مع رؤيا 7:1 و11:12 مع مرقس37:12 ؛ مت45:22،لو44:20و4:15 مع 2بط8:3 فيما يتعلق بأن " ألف سنة عند الرب كيوم واحد " دائرة المعارف ج 2 :143.

(16) See Barnabas, Acts in Ant. Nicene F. v.8.

(17) وأعمال برنابا " أكثر وقاراً وأقل مبالغة من أسفار الأعمال الأبوكريفية الأخرى ، فهي في أساسها وضعت ، من ، وجهة نظر كاتبها ، كامتداد لسفر أعمال الرسل . دائرة المعارف ج 2 .

(18) See Acts of Barnabas, Anti Nicene F. vol. 8.

ــــــــــــــــــــــ

- 52 -

(4) وتذكر الرسائل المنسوبة إلي إكليمندس الرومانيّ أن برنابا نادي بالمسيح في روما قائلاً "اسمعوني يا أهل روما. لقد ظهر اِبن اللَّه في اليهوديَّة ويَعِد كلّ من يسمع له بالحياة الأبديَّة"(19).

(5) القديس برنابا واستخدمه لإنجيل القديس متي: ذكرنا أعلاه كيف أنَّ القدِّيس برنابا، كما تقول أعمال برنابا " استلم برنابا وثائق من متي، كتاب كلمة اللَّه، ورواية المعجزات والعقائد"، وأنَّه علَّم بمقتضى إنجيل متي الذي أرسله إليه. ولكن البعض، خاصَّة في مصر وباكستان، يزعم ويدَّعي أنَّه عندما اِكتشف الإمبراطور زينون مقبرة القدِّيس برنابا سنة 478م واِكتشف جسده فيها وُجد على صدره إنجيلاً مكتوب بخط يده، وزعموا أنَّ هذا الإنجيل هو إنجيل برنابا؟!!

فما هي قصة اكتشاف جسد برنابا والإنجيل الذي كان علي صدره؟

يقول كتاب أعمال برنابا أنَّه لما دفن القدِّيس مرقس جسد القدِّيس برنابا وضع معه الإنجيل للقدِّيس برنابا والذي يُسَمِّيه الوثائق التي تسلمناها من متَّي

" And having found a secret place in it, we put it away, with the documents which he had received from Matthew. And it was the fourth hour of the night of the second of the week". (20).

وقد أكُتشف القبر أنثيموس أسقف سلامينا بعد ظهور القدِّيس برنابا له حيث دلَّه علي المقبرة ووعده أنْ يكون معه في أتعابه وجهاده. ولما توجَّه الأسقف إلي القبر اِكتشف الجسد الطاهر ووجد علي صدره نسخة من بشارة القدِّيس متَّي التي كان قد أرسلها إليه. وقد اِنتشر الخبر في المملكة كلَّها ووصل إلي مسامع الملك فطلب أنْ يحظي بهذا الإنجيل النفيس فأرسله إليه القدِّيس أنثيموس. وقد شيَّد الإمبراطور زينون علي قبر هذا القدِّيس كنيسة كبيرة واُعتبر كرسي سلامينا من ذلك الحين مستقلاً عن إنطاكية إكرامًا لذكري القدِّيس برنابا "(21).

أي أنَّ الإنجيل الذي وضعه القدِّيس مرقس مع جسد القدِّيس برنابا والذي وُجد علي صدره عندما اكتشفوا مقبرته هو نسخة من الإنجيل للقدِّيس متَّي وليس إنجيل برنابا !! والمرجع الذي ذكر هذه القصة هو :

" Acta Sanctorum: which was printed in 1698 by the Bollandists in Antwerp, Belguim".

والنصَّ الذي جاء فيه والترجمة الصحيحة (من اللغة اليونانيَّة) هو كما يلي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(19) See Clment. In. Anti Nicene F. vol. 1.

(20) See Acts of Barnabas, Anti Nicene F. vol. 8.

(21) حياة برنابا رسول المسيح للقمص بيشوى عبد المسيح ص 68و69

ــــــــــــــــــــــ

- 53 -

"The body of barnabas had been found in Cyprus in 478 A.D during the reign of Zeno, having on his breast the Gospel according to Matthew copied by Barnabas himself "(22)

كما أشار إلي ذلك أيضًا Thomas Mongey A.M.,Rector of St Nicholas in Guilford, London في تعليقاته على كتاب الناصري لجون تولاند Nazarenus في كتابة Bibliotheque Angloise ou Historic Literaiure de la Grande Bretagne, Tome IV, Part 1, pp. 327-336 والذي نشر سنة 1718م(23)، وقال "There was found lying on his breast a copy of the Gospel according to Matthew, written by Barnabas own hand " " وُجِدَ علي صدره (القدِّيس برنابا) نسخة من الإنجيل للقدِّيس متي مكتوبة بيدِ برنابا نفسه ".

ومن العجيب أنَّ الذين رجعوا إلي هذه المراجع، خاصَّة مقدِّمة الطبعة الباكستانيَّة، حذفوا عبارة According to Matthew - للقديس متَّي " أو " بحسب متَّي "!! فتصبح الجملة في شكلها الجديد هكذا " نسخة من الإنجيل الذي كتبه " !! ليضيفوا لما زيَّفه الكاتب المزيَّف والمزوِّر تزييفًا جديدًا ويقنعوا القارئ، زورًا وتزييفًا، أنَّ الإنجيل الذي كان علي صدر القدِّيس برنابا هو إنجيل برنابا !! ونقول لهم ما بني علي باطل فهو باطل.

هذا هو كل ما جاء في الكتاب المقدَّس وتاريخ الكنيسة عن القدِّيس برنابا. وكلّ ما جاء عنه يؤكِّد أنَّه كان أحد الآباء المبشِّرين العظماء الذين لم يحيدوا عن عقيدة وفكر الكنيسة المسلَّم مرة واحدة للقديسين، ولا تُوجد أي إشارة أو تلميح من قريب أو من بعيد إلي عكس ذلك. فقد نادي كلّ أيام كرازته بالمسيح اِبن الله الحي الذي صلب لأجل خطايانا وأقيم من الموت لأجل تبريرنا وذهب إلي السماء وجلس عن يمين العظمة وهو حيّ في كلِّ حين يشفع فينا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(22) إنجيل برنابا بين المؤيدين والرافضين د . فريز صموئيل ص 153 .

(23) The Gospel of Barnabas Essay and Inquiry by Selim Abdul-Ahad and W.H.T. Gairdener, Henry Martin Institute of Islamic Studies, ch.2.

ــــــــــــــــــــــ

الفصل الخامس : الكاتب المزّيف هدفه وشخصيته وأسلوبه

1- هدف الكاتب المزيَّف:

هدف الكاتب المزيِّف والمزوِّّر من وراء تزوير هذا الكتاب هو محاولة هدم المسيحيَّة من الأساس، ومن ثمَّ فقد هاجم لاهوت المسيح وصلبه وزعم أنَّ الذي صُلِبَ ليس هو المسيح وإنما هو يهوذا، كما زعم أنَّ الكتاب المقدَّس بعهدَيه وأسفاره مُدنَّس ومُحَرَّف، وأنَّه ليس هناك ديانة مسيحيَّة وأنَّ المسيح ليس هو المسيح إنما مُجرَّد صوت جاء يصرخ في اليهوديَّة فقط ولكي يُعِدَّ طريق المسيَّا الحقيقيّ! وبالاختصار فقد أراد أنْ يقول لكلِّ ما في المسيحيَّة أنَّه باطلٌ ومحَرَّفٌ ومدنَّسٌ!!

2- شخصيَّة الكاتب وأسلوبه :

حرص الكاتب المزيِّف والمزوِّر من البداية أنْ يجعل من شخص برنابا ـ الذي اِنتحل شخصيَّته ووضع اِسمه علي كتابه المزيَّف والمزوَّر هذا ـ واحدًا من تلاميذ المسيح الاثني عشر، بل والتلميذ المقرَّب إليه وكاتم أسراره والمؤتمن علي أمِّه العذراء مريم وكاتب إنجيله الصحيح!! ومن ثمَّ فقد حشر اسمه فى قائمة الإثنى عشر " وانتخب إثني عشر وسمَّاهم رسلاً، منهم يهوذا الذي صُلِب، أمَّا أسماؤهم فهي: اندراوس وأخوه بطرس الصيَّاد. وبرنابا الذي كتب هذا مع متَّي العشَّار الذي كان يجلس للجباية وفيلبُّس، ويعقوب ويهوذا الإسخريوطى الخائن ويوحنَّا ويعقوب اِبنا زبدي، تداوس ويهوذا، برتلماوس. فهولاء كاشفهم علي الدوام بالأسرار الإلهيَّة ".

وفى هذه القائمة نري الكاتب قد حذف اِسمين من أسماء التلاميذ وهما " توما وسمعان الغيور"(1)!! وقد حذف اِسم أحدهما ليضع اِسم برنابا بدلاً منه وحذف الثاني لأنَّه أخطأ وتصوَّر أنَّ " تدَّاوس ويهوذا " اِسمَين لإثنَين من التلاميذ! والحقيقة أنَّ " تداوس " هو لقب يهوذا أخو يعقوب وليس تلميذٌ آخرٌ!

ثم وضع اِسم برنابا في مقدِّمة التلاميذ الإثني عشر وزعم أنَّه الوحيد الذي كان ينفرد بالمسيح والذي يبقي معه عندما يُرسل التلاميذ والرُسل للخدمة، بلّ والذي يستفسر منه التلاميذ والرُسل عن أحوال المسيح وأنَّه الكاتب الخاصّ والقارئ الخاصّ والعالم بأسرار المسيح والمؤتمن علي أسراره، هو وحده دون سواه من الرُسل!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أسماء التلاميذ في الأناجيل القانونية (الصحيحة) وردت كالآتي : الأول سمعان الذي يقال له بطرس وأندراوس أخوه . يعقوب أبن زبدي ويوحنا أخوه . فيلبس وبرثولماموس . توما ومتى العشار . يعقوب أبن حلفي ولباوس " يهوذا " الملقب تداوس . سمعان القانوى ويهوذا االأسخريوطى الذي أسلمه " ( مت10/2-4، أنظر أيضا مر3/16-19؛ لو6/14-16) ، " لباوس الملقب تداوس " هو نفسه " يهوذا أخا يعقوب " ( لو6/16؛أع1/13) .

ــــــــــــــــــــــ

- 55 -

كما وضع نفسه في المكانة التي كانت للقدِّيس بطرس، بعد أنْ أزاح بطرس من مكانته، فزعم أنَّ برنابا ويوحنَّا أو برنابا ويوحنَّا ويعقوب كانوا مقرَّبين من السيِّد المسيح(2). وبعد حادث الصلب يُصوِّر الثلاثة وهم ذاهبون إلي الناصرة، ثمَّ وهم عائدون إلي أورشليم مع " أمّ يسوع " (ف2:218؛1:219). ثمَّ وضع معهم بطرس فى حديثه عن تجلِّي المسيح علي جبل تابور (ف19:44)، وعند نزوله من السماء بعد حادث الصلب (ف219 :10). وقد وضع برنابا في جميع الأحوال في مكانةٍ ذات أهمِّيَّة خاصَّة!!

وضع برنابا في مكانة التلميذ المقرَّب إلي قلب يسوع وكاتم أسراره الخطيرة والمصيريَّة فقد أبلغه يسوع وحده؟!! عن كيفيَّة تلقِّيه الإنجيل من الملاك جبريل، ويفخر بذلك ويقول " ولما بلغ يسوع ثلاثين سنة من العمر كما أخبرني بذلك بنفسه صعد إلي جبل الزيتون " (ف1:10)، " ثم قال له : " صدق يابرنابا إنِّي أعرف كلّ شىء وكلّ نبوَّة وكلّ ما أقوله إنما جاء عن ذلك الكتاب " (ف 10:5) .

وكلُّ ما لفَّقه الكاتب المزيِّف والمزوِّّر هنا واخترعه، يكذِّبه ويفضحه التاريخ المسيحيّ وغير المسيحيّ الذي أكَّد بشكلٍ جازمٍ وقاطعٍ أنَّ برنابا لم يكنْ من بين تلاميذ المسيح الإثني عشر وأنَّه لم يُذْكَرْ في الأناجيل سواء القانونيَّة (الصحيحة) أو حتَّي الأبوكريفيَّة (المزيَّفة)، وإنما ذُكِرَ في سفر أعمال الرُسل، كأحد أتباع تلاميذ المسيح. مع أنَّ القدِّيس برنابا لا شأن له بهذا الكتاب المزيَّف والمنسوب له زورًا، والمكتوب بعده بأكثر من 1400 سنة. ولا يقلِّل ذلك من شأنه ككارزٍ عظيمٍ بفداء البشريَّة بدمِّ المسيح. كما يُؤكِّد التاريخ والواقع والحقيقة أنَّ كلَّ ما نُسِبَ للقدِّيس برنابا من كتابات وأقوال تتَّفق تمامًا مع ما جاء في الكتاب المقدَّس وتناقض كلّ ما جاء في هذا الكتاب المزيَّف والمزوَّر.

والكاتب المزيِّف والمزوِّر يكشف عن تزويره بإصراره وإلحاحه علي ذكر اِسم برنابا كرفيق المسيح وكاتم أسراره وكاتبه الخاصّ، فهذا التكرار الدائم لاسم برنابا وإلحاحه علي أنَّه الوحيد الذي يعرف أسرار المسيح، يتناقض مع الروح المسيحيَّة المنكرة لذاتها، فلم يذكر واحد من كتَّاب الإنجيل الأربعة، الذين تكلَّم الروح القدس بواسطتهم وبأفواههم وعلي لسانهم، وكتب بأقلامهم، اِسمه علي الإنجيل علي الإطلاق، ولم يكنْ من عادتهم ذلك، وكان هدفهم الجوهريّ هو إعلان الفداء في شخص المسيح اِبن اللَّه " وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ." (يو 20/31). ولم يَدَّعِ أي واحدٌ منهم أنَّ الربّ يسوع المسيح قد كاشفه بأسرار خاصَّة تختلف عمَّا علَّمه للآخرين أو عرَّفه ما لا يعرفه الآخرين من التلاميذ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) أنظر (ف2:159؛1:160؛ 6:100 ؛4:126؛1:139) .

ــــــــــــــــــــــ

- 56 -

وفى الفصل الـ112 يركِّز الكاتب المزيِّف والمزوِّر علي موضوعه الرئيسيّ الذي دفعه لكتابة هذا الكتاب المزيَّف ويكشف عن هدفه الذي خطَّط له، وزعم أنَّ يسوع كاشفه وحده؟؟!! من دون سائر التلاميذ؟؟!! بأسرارٍ خطيرةٍ ومصيريَّةٍ!! كشف له وحده هذه التجاديف الكفريَّة، التي زعم أنَّها أسرار، التي خطَّطها الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ وضدّ المسيح وزوَّر هذا الكتاب المزيَّف والمزوَّّر من أجل ترويجها فزعم قائلاً " فإنصرف التلاميذ والرسل كلّهم أربعة أربعة وستَّة ستَّة وانطلقوا في الطريق حسب كلمة يسوع وبقى مع يسوع الذي يكتب (أي برنابا المزعوم) . فقال يسوع باكيًا : " يا برنابا يجب أنْ أكاشفك بأسرارٍ عظيمة يجب عليك مكاشفة العالم بها بعد إنصرافي منه " ؟؟!! فلماذا يكشف المسيح أسراره لشخصٍ واحدٍ فقط ويترك الآخرين من التلاميذ والرُسل والناس الذين استمعوا إليهم وإلي عظاتهم وتعليمهم وتعلَّموا منهم يتخبَّطون في الضلال والتعاليم الخاطئة؟؟!! وهل هذا يليق بجلال اللَّه وعظمته ؟؟!! لقد كان للمسيح إلي جانب الإثنى عشر تلميذًا سبعين آخرين " وَبَعْدَ ذَلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضاً وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعاً أَنْ يَأْتِيَ." (لو10/1)، كما كان له عددٌ كبيرٌ آخر من التلاميذ حيث ظهر بعد قيامته لأكثر من خمسمائة واحد منهم (1كو15/6فهل من المنطق أنْ يترك كلّ هؤلاء، وغيرهم، يتخبَّطون في تعاليم، يزعم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ أنَّها خاطئة وضالَّة، بينما يكشف الحقيقة لواحدٍ فقط ويطلب منه أنْ يُذيعها ويُعلنها بعد انتقاله من العالم ؟؟!!

وهذه الأسرار المزعومة هي :

(1) أنَّ المسيح ليس إلهًا ولا اِبن اللَّه وأنَّه محروم من رؤية اللَّه ويخشي عقاب يوم الدين وأنَّه لن يذهبَ إلي الجنَّة؟؟!!

" أجاب يسوع: صدقني يا برنابا إنني لا أقدر أنْ أبكي قدر ما يجب عليّ لأنَّه لو لم يدعني الناس إلهًا لكنت عاينت هنا اللَّه كما يُعاين في الجنَّة ولكنت آمنت خشية يوم الدين، بيد أنَّ اللَّه يعلم أنِّي بريء لأنَّه لم يخطر لي في بال أنْ أُحسب أكثر من عبدٍ فقيرٍ، بل أقول إنَّنِي لو لم أدع إلهًا لكنت حُمِلْتُ إلي الجنَّة عندما أنصرف من العالم أمَّا الآن فلا أذهب إلي هناك حتَّي الدينونة، فتري إذا كان يحقّ لي البكاء "

والسؤال هنا: إذا كان المسيح لم يذهبْ إلي الجنَّة، علي افتراض أنَّه مُجرَّد نبيّ، فأين هو الآن؟؟!! هل ذهب إلي النار، أمّ إلي أين؟؟!!

(2) وأنَّه سيظلّ في عار الصليب بسبب دعوة الناس له إلهًا!! " فأعلم يا برنابا أنَّه لأجل هذا يجب عليّ التحفُّظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من النقود وعليه فإنِّي علي يقين من أنَّ من يبيعني يُقتل بإسمي لأنَّ اللَّه سيُصعدني من الأرض وسيُغَيِّر منظر الخائن حتَّي يظنّه كلّ أحد إيَّاي ومع ذلك فإنَّه لما يموت شرَّ ميتة

ــــــــــــــــــــــ

- 57 -

أمكث في ذلك العار زمنًا طويلاً ولكن متي جاء 000 رسول اللَّه المقدَّس تُزال عنَّي هذه الوصمة وسيفعل اللَّه هذا لأنِّي اعترفت بحقيقة مسيَّا (المسيح) الذي سيُعطيني هذا الجزاء أي أنْ أُعرف أنِّى حيّ وإنِّي برئ من وصمة تلك الميتة "!!

ثم يصل الكاتب المزيِّف والمزوِّر إلي أعلي درجات التجديف والكفر عندما يقول " فأجاب من يكتب " يا معلِّم قلْ لي من هو ذلك التعيس لأنِّي وددت لو أُميته خنقًا " أجاب يسوع: " صَه، فأنَّ اللَّه هكذا يريد فهو لا يقدر أنْ يفعل غير ذلك " ؟؟!!

فهل يسمح اللَّه المحبّ " اَلْلَّه مَحَبَّة " (1يو4/8 و16) بذلك؟؟‍‍!! وإذا كان من يزعم أنَّه سيُسَلِّم المسيح وسيُصْلَب بدلاً منه مُجْبَرٌ علي ما يفعل وأنَّه لا يقدر أنْ يفعل غير ذلك لأنَّ ذلك هو ما يريده اللَّه، كما يزعم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ، فكيف يكون أثيمًا، وهل يظلم اللَّه أحداً إلي هذا الحد؟؟!! وهل يكون اللَّه هو السبب في جعل مليارات البشر يتخبَّطون في الضلال آلاف السنين؟؟!! ونقول حاشا للّه، وكلا، لأنَّ اللَّه المُحبّ " الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تي2/4) لا يمكن أنْ يكون هو هذا الإله الذي رسمه خيال هذا الكاتب المريض والمضلّ والمزيِّف والمزوِّر والمجدِّف علي اللَّه المحبّ.

ثمَّ يصل هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ إلي أكذوبته الكبري التي مهَّد لها بكلِّ هذه التجاديف والأكاذيب الكُفريَّة المضلَّة التي ملأ بها كتابه المزيَّف والمزوِّر في الفصل قبل الأخير فيناقض نفسه ويقول " وإلتفت يسوع إلي الذي يكتب وقال : " يا برنابا عليك أنْ تكتب إنجيلي حتمًا وما حدث في شأني مدَّة وجودي في العالم وأكتب أيضًا ما حلَّ بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدِّق كلّ أحد الحق " !!

والسؤال هنا هو كيف يزعم أنَّ المسيح قال " أمكث في ذلك العار زمنًا طويلاً ولكن متي جاء 000 رسول اللَّه المقدَّس تُزال عنِّي هذه الوصمة " ويزعم في نفس الوقت أنَّ المسيح طلب من برنابا أنْ يكتب " ما حلَّ بيهوذا ليزول انخداع المؤمنين ويصدِّق كل أحد الحق " ؟؟!! أي قبل الموعد المزعوم بأكثر من 600 سنة !! ألا تري معنا أيَّها القارىْ العزيز مدي تخبُّط هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمضلّ !!

وهل يعاقب اللَّه نبيّ، علي افتراض أنَّ المسيح مجرَّد نبيّ، بسبب ما يقوله الناس عنه دون ذنب جناه ؟؟!!

ثم يستمر الكاتب المزيِّف في مزاعمه وضلالاته فيقول " حينئذ أجاب الذي يكتب: إنِّي لفاعلٌ ذلك أنْ شاء اللَّه يا معلِّم: ولكن لا أعلم ما حدث ليهوذا لأنِّي لم أرَ كلّ شيء ؟!! أجاب يسوع : ههنا يوحنَّا وبطرس اللذان قد عاينا كلّ شيء فهما يخبرانك بكل ما حدث "؟؟!! (ف5:221).

وهنا نسأل كيف لم يعرف من زعم أنَّ المسيح قد كشف له كلّ أسراره ما حدث ليهوذا؟؟!! كيف يجهل ما زعم أنَّ المسيح قد كشفه له؟؟!! ثمَّ يكذِّب نفسه، بل، ويناقض نفسه ويناقض الحقيقة والتاريخ – العامّ والمسيحيّ – إذ يضع " يوحنا

ــــــــــــــــــــــ

- 58 –

وبطرس " في مخطَّطه فجأة!! ويجعل منهما شاهدين علي أنَّ الذي صُلِبَ هو يهوذا وليس المسيح؟؟!! كيف ذلك وكتاباتهما وكلّ ما كُتب عنهما سواء في العهد الجديد أو في الأناجيل والأسفار الأبوكريفيَّة يقول بعكس ذلك تمامًا ؟؟!!

3 – الزعم بتحريف الكتاب المقدَّس:

ولكي يُتَمِّم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر خطَّته التي خطَّط لها وتصوَّر أنَّه يستطيع بها أنْ يهدم المسيحيَّة وكتابها المقدَّس ويجعل المسيحيِّين يرتدُّون عن المسيحيَّة ويدخلون في عقيدته، التي يدعو لها والتي زيَّف هذا الكتاب لأجلها، أفواجًا!! فقد لفَّق مجموعة من الأحاديث ونسبها للسيِّد المسيح وزعم فيها أنَّ كتابيّ التوراة لموسي النبيّ والمزامير لداود النبيّ قد فسدا ومُحِيَ منهما الحق جميعًا !! فزعم أنَّ مزامير داود قد نسخت (ألغت) توراة موسي وأنَّ الإنجيل قد نَسخ المزامير، وأنَّ الإنجيل أيضًا سيُنسخ بنفس الطريقة، فزعم في (ف124) أنَّ المسيح قال " الحق أقول لكم أنَّه لو لم يُمْحَ الحقّ من كتاب موسي لما أعطي اللَّه داود أبانا الكتاب الثاني ولو لم يفسد كتاب داود لم يعهدْ اللَّه بإنجيله إلىّ لأنَّ الربّ إلهنا غير متغيِّر ولقد نطق رسالة واحدة لكلِّ البشر، فمتي جاء رسول اللَّه يجيء ليُطَهِّر كلّ ما أفسد الفجَّار في كتابي " !!

والكاتب هنا يردِّد، كالببغاء، الزعم القائل أنَّ المزامير قد ألغت التوراة وأنَّ الإنجيل قد ألغي المزامير (كتاب داود) وأنَّ الإنجيل أيضًا سيُلغي بنفس الطريقة؟؟!! وقد فاته، بجهل، أنَّ المزامير لا يمكن أنْ تلغي التوراة، كما لا يمكن أنْ يلغى الإنجيل المزامير، لأنَّ سفر المزامير ليس كتاب شريعة وإنَّما هو مجموعة من الصلوات والتسابيح والأناشيد الدينيَّة، وبرغم أنَّها تشتمل علي بعض الشرائع والعقائد إلاَّ أنَّ ما بها من شرائع وعقائد مأخوذ من التوراة ومبني علي ما جاء بها وتلحّ دائمًا علي إتِّباع وصايا اللَّه المكتوبة في ناموسه، أي التوراة " أَقَامَ شَهَادَةً فِي يَعْقُوبَ وَوَضَعَ شَرِيعَةً فِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَوْصَى آبَاءَنَا أَنْ يُعَرِّفُوا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ " (مز78/5)، " طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقاً السَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ." (مز119/1). كما أنَّ الإنجيل لا يمكن أنْ يلغي التوراة أو المزامير لأنَّه مبنيّ علي ما جاء بهما وقد شهد لصحَّة كلِّ حرفٍ فيهما(3) وتمَّم كلّ ما جاء بهما من رموزٍ ونبوَّاتٍ ترمز للربِّ يسوع المسيح وتتنبَّأ عن كلِّ تفصيلات مدَّة تجسُّده علي الأرض وصعوده إلي السماء ومجيئه الثاني في مجدٍ. فهي جميعًا، الإنجيل والمزامير والتوراة، من روحٍ واحدٍ وفكرٍ إلهيٍّ واحدٍ ووحيٍ واحدٍ ولا يُوجد بينها اختلاف أو تناقض، كما طوَّر الربُّ يسوع المسيح بعض شرائع العهد القديم، التوراة، والتي كانت تتلاءم مع العصر الذي تكلَّم اللَّه فيه مع الآباء والأنبياء وجعلها تلائم كلّ الشعوب والأمم في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(3) أنظر كتابنا " الوحي الإلهي واستحالة تحريف الكتاب المقدس " .

ــــــــــــــــــــــ

- 59 -

قال الربُّ يسوع المسيح" لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ." (مت5/17-18). وقال اللَّه لأشعياء النبيّ " أَمَّا أَنَا فَهَذَا عَهْدِي مَعَهُمْ قَالَ الرَّبُّ: «رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ» قَالَ الرَّبُّ «مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ" (أش 59/21).

كما أنَّه لا يمكن أنْ يلغي كتاب آخر الإنجيل لأنَّه الكتاب الإلهيّ الذي تمَّم اللَّه فيه ومن خلاله مواعيده الأزليَّة، وقد جاء ليس لجماعةٍ معيَّنةٍ ولا لأمَّةٍ واحدةٍ معيَّنةٍ ولكن جاء لجميع الأمم والشعوب والقبائل والألسنة، قال الربُّ يسوع المسيح لتلاميذه ورُسله " اِذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا." (مر 16/15). كما وعد أنَّ إنجيله لن يُنسخ ولن يتغيَّر ولن يتبدَّل ولن يزول إلي الأبد " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ." (مت 24/35).

4– حذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان:

حذف هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر شخصيَّة يوحنَّا المعمدان، يحيي اِبن زكريَّا، من كتابه ومن الوجود نهائيًا!! ووضع أقواله التي قالها وشهد بها عن المسيح كالمسيَّا المنتظر، علي لسان المسيح نفسه وزعم أنَّ نبي الإسلام هو المسيَّا، المسيح، المنتظر وليس المسيح؟!! مخالفًا بذلك المسيحيَّة والإسلام!! وكان هدفه هو التقليل من قيمة شخص المسيح ومكانته الدينيَّة فوضعه في نفس الدور الذي ليوحنَّا المعمدان الذي جاء ليُعِدَّ الطريق أمامه، وجعل منه (المسيح) مجرَّد مُعٍدٌ لطريق آخر يأتي بعده !! ولما وجد أنَّ وجود يوحنَّا المعمدان الذي جاء ليُعٍدَّ الطريق للمسيح، يفسد خطَّته ويضعه في حرجٍ بالغٍ ، ولما وجد أنَّه من غير المقبول والمعقول أنْ يكون للمُعِدِّ مُعِدٌ آخرٌ، حذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان التاريخيَّة نهائيًا!!

5- حرّف قصة الذبيح من إسحق إلي إسماعيل:

كما حرّف آيات ونصوص سفر التكوين والتي تقول أنَّ الذبيح ووارث الموعد هو إسحق " فَقَالَ (الله لإبراهيم): «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ اسْحَاقَ وَاذْهَبْ الَى ارْضِ الْمُرِيَّا وَاصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي اقُولُ لَكَ»" (تك22/2). " وَلَكِنْ عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الاتِيَةِ" (تك17/21). وزعم أنَّه إسماعيل فقال:

" فكلَّم اللَّه حينئذ إبراهيم قائلاً : خذ اِبنك بكرك إسماعيل وأصعد الجبل لتقدِّمه ذبيحة " (ف10:44). ثمَّ يُغالط الحقيقة والتاريخ ويقول " كيف يكون إسحق هو البكر ولما ولد كان إسماعيل اِبن سبع سنين ؟" .

وهنا يقع في خطأ تاريخيّ وكتابيّ بقوله أنَّ إسماعيل وقت ميلاد إسحق كان عمره

ــــــــــــــــــــــ

- 60 -

سبع سنين لأنَّ عمره كان وقتئذ أربعة عشر سنة (تك22/2) !! كما أنَّه بحسب ما جاء في الكتاب المقدَّس وبحسب طبيعة ونواميس ذلك العصر كان إسحق هو البكر الحقيقيّ لأنَّه الابن الشرعي لإبراهيم من زوجته سارة وكان هو اٍبن الموعد وليس إسماعيل الذي سبق اللَّه أنْ وعد أنَّ بنسله تتبارك جميع أمم الأرض " وَقَالَ ابْرَاهِيمُ لِلَّهِ: «لَيْتَ اسْمَاعِيلَ يَعِيشُ امَامَكَ!» فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَاتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنا وَتَدْعُو اسْمَهُ اسْحَاقَ. وَاقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدا ابَدِيّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَامَّا اسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا انَا ابَارِكُهُ وَاثْمِرُهُ وَاكَثِّرُهُ كَثِيرا جِدّا. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسا يَلِدُ وَاجْعَلُهُ امَّةً كَبِيرَةً. وَلَكِنْ عَهْدِي اقِيمُهُ مَعَ اسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الْاتِيَةِ»." (تك17/18-21) .

ويقول العهد الجديد"فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، وَاحِدٌ مِنَ الْجَارِيَةِ وَالآخَرُ مِنَ الْحُرَّةِ.لَكِنَّ الَّذِي مِنَ الْجَارِيَةِ وُلِدَ حَسَبَ الْجَسَدِ، وَأَمَّا الَّذِي مِنَ الْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ" (غل4/22-23).

6- أسلوب الكاتب في التزوير وتزويره لمجموعة أخري من الكتب يكشف عن حقيقة شخصيَّته:

يكشف أسلوب الكاتب وما ورد في الترجمة الأسبانيَّة عن الراهب المنحرِّف والمرتَّد " فرا مرينو " وما ذكره في كتابه المزيَّف والمزوَّر عن كتب زعم وجودها وظهورها بنفس طريقة ظهور كتابه المزيَّف هذا، عن فكر متخلفٍ ومريضٍ يتبع منهج نفعيّ مبنيّ علي الخديعة هو منهج "الغاية تبرر الوسيلة " مهما كانت دناءة ووضاعة وحقارة هذه الوسيلة، فبني فكره وكتابه علي التزوير والخداع لأنَّه يؤمن أنَّ " الحرب خُدعة "! والوسيلة التي إتَّبعها الكاتب المزيِّف والمزوِّر هنا هي التزوير والتلفيق والكذب والخداع ليصل إلي غايته وهي جعل المسيحيِّين يشكُّون في كتابهم المقدَّس ويرتدُّون عن إيمانهم القويم، وفاته قول السيد المسيح " عَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا" (مت16/18).

(1) الرواية الخرافيَّة لظهور هذا الكتاب المزيَّف: جاء في مقدِّمة الترجمة الأسبانيَّة، والتي وُجدت نسخة لها في هذه السنوات الأخيرة في مكتبة فيشر بسدني بأستراليا، رواية خياليَّة صبيانيَّة ساذجة للمدعو مصطفى العرندي والذي زعم أنَّه ترجمها من الإيطاليَّة إلى الأسبانيَّة، تزعم سرقة الراهب المزعوم لهذا الكتاب المزيَّف من مكتبة بابا روما !! كما تروي عن هذا الراهب المزعوم روايات شبيهة، نسجها خيال الكاتب المزيِّف المريض، عن حصوله علي كتب مزيَّفة منسوبة لبعض الأنبياء ولبعض آباء الكنيسة. كما ذكر في الكتاب المزيَّف مجموعة من الكتب التي لا وجود لها ونسبها الكاتب المزيَّف لبعض أنبياء العهد القديم لكي يُوجد مبرِّر لكلِّ مزاعمه وأكاذيبه، وهذا يدلّ علي طبيعة البيئة التي كتب فيها وظهر منها هذا الكتاب المزيَّف.

ــــــــــــــــــــــ

- 61 -

وفيما يلي أهمّ ما جاء في هذه المقدِّمة المنسوبة للراهب المزعوم كما ترجمها مؤخرًا إلي الإنجليزية R. Blackhirst, 1997 – 1998 صاحب موقع

The Medieval Gospel Of Barnabas, Text, Resources & Discussion، والتي يبدأها بزعمه (الراهب المزعوم) صعوبة فهم أسفار العهد القديم " كان يدور في أفكاري دائمًا بقلق واهتمام ليس قليل، كيف أمكن للأمة العبريَّة أنْ تحفظ نفسها طويلاً في الإيمان اليهوديّ بذلك الكتاب المدعو التوراة فقط "، بدون الكتب التي يُزعم أنَّ علماء اليهود وحكماءهم قد كتبوها في القديم والتي يتصوَّر أنَّها فُقدت مع كثرة ما واجهه اليهود من كوارث ". ويتَّضح من أفكاره هذه أنَّه يجهل أنَّ اليهود قد حافظوا علي تقاليدهم وتفاسيرهم لأسفار العهد القديم والمسماة بالترجوم شفوياً حتي حوالي سنة 200م والتي دوَّنوها في كتاب التلمود في الفترة من 200 إلي 500م. كما يتَّضح أنَّه يجهل أيضًا أنَّ الربّ يسوع المسيح وتلاميذه قد قاموا بإيضاح مغزي معظم ما جاء في العهد القديم في أسفار العهد الجديد حيث استشهدوا واقتبسوا وأشاروا إلي ما جاء في العهد القديم من آيات وروايات أكثر من 2500 مرَّة.

Ë ثمَّ يزعم أنَّه " جاءه ذات يوم رجل مهذب من عائلة أورفينى Urfini يبحث عنه (هو بالذات، فما مغزى ذلك ؟؟!!) ومعه أربعة كتب قديمة جدًا مكتوبة باللاتينية تقول " أنَّ هذه الكتب كانت لأنبياء قدماء و " لكونها معارضة للإيمان المسيحيّ فقد اُعتبرت كتب هرطوقيَّة ولا تصلح لشيء حق بالمرة؛ لذا عهد بها إلىّ لأفعل بها ما أراه مناسباً ". فلماذا هو بالذات ؟! " فاستفسرت منه عن كيفيَّة وصولها إلي يدَيْه ؟ فقال " أنَّه وجدها في مكتبته بين كتب أجداده ولم يقدِّم تفصيلات أكثر من ذلك، ثم ذهب ومضى " ، هكذا بشكل غامض !! " وفى وقت فراغي جلست لأتفحَّص هذه الكتب التي تخيَّلت في البداية أنَّها أسفارًا مقدَّسة فوجدت أنَّها أربعة تعليقات علي أسفار الأنبياء أشعياء وحزقيال ودانيَّال ويوئيل. ولأنِّني حصلت علي هذه الكتب دون توقّع فقد طار قلبي فرحًا بها " !! ثم يزعم أنَّ تلك الكتب كانت مختلفة بدرجةٍ كبيرةٍ عن الأسفار التي كانت علي أيَّامه وأنَّها مكتوبة بقلم الأنبياء !! ويزعم أنَّه صدَّق ذلك، كالعادة !! دون أيّ بحث لحقيقتها !! فأيّ نوعيَّة من الناس هو ؟! إنَّه يصدِّق كلّ ما يقع في يديه من كتب مهما كان محتواها دون دراسة أو فحص!!

ثم يقول متعجبًا كيف أنِّ إثني عشر رسولاً للمسيح نشروا الكرازة في إثني عشر جزء من العالم وأربعة منهم فقط قد كتبوا أناجيل ويزعم أنَّ جيروم الذي يدعوه المسيحيَّون قدِّيسًا يقول في مقدذِمة ترجمته للأناجيل أنَّه " ترجم أربعة أناجيل إلي اللاتينية بدت له متَّفقة معًا أفضل من غيرها من بين أنواع كثيرة من الأناجيل ". وهو هنا يُحَرَّف تعبير القدِّيس جيروم عن ترجمته للأناجيل الأربعة القانونيَّة، أي الصحيحة، ورفضه للأناجيل الأبوكريفيَّة التي كُتبت بعد عصر الرسل بسنين كثيرة، ابتداء من منتصف القرن الثاني وما بعد ذلك، سواء التي كُتبت من وجهة النظر

ــــــــــــــــــــــ

- 62 -

اليهوديَّة أو التي كُتبت من وجهة النظر الغنوسيَّة التي خلطت بين الفكر الوثنيّ والفكر المسيحيّ(4). ويزعم أنَّ ذلك جعله يشكّ في الأناجيل الأربعة أيضًا التي يزعم بجهلٍ ودون علمٍ أيضًا أنَّ الذي إختارها هو رجل واحد !! دون أنْ يدري أنَّ هذه الأناجيل الأربعة الصحيحة هي التي كانت لدي الكنيسة منذ لحظة كتابة كلٍّ منها حسب المكان الذي كُتب فيه كلّ واحدٍ منها وأنَّها جُمِعَتْ معًا لدي كلّ الكنائس في الشرق والغرب منذ نهاية القرن الأوَّل وبداية القرن الثاني(5) ولم يقرِّرها رجلٌ واحدٌ في القرن الخامس كما يزعم هذا الراهب المزعوم الخرافيّ التفكير الذي يفضِّل كلّ ما هو خرافيّ وبعيد عن الحقّ الذي يبرهنه التاريخ وتؤكِّده الحقائق العلميَّة.

Ë ثم يزعم أيضًا أنَّه بعد ذلك بسنةٍ واحدةٍ جاءته سيِّدة من عائلة كولونا Colonna كان زوجها قد توفَّي قبل ذلك ليس بكثير وأعطته ثلاثة كتب قالت أنَّها وجدتها في دولاب كتب زوجها وطلبت من أحد أبنائها أنْ يقرأ لها جزأ منها فوجدت أنَّها تصرخ ضد القدِّيس بولس فوضعتها في حقيبة كتَّان وأرسلتها إليه بصفةٍ خاصَّةٍ جدًا وطلبت منه أنْ يُبقي المسألة سرًا لئلا يأخذوا زوجها المتوفِّي من قبره ويحرقونه!! ويزعم أنَّه وعدها بذلك. وعند قراءتها وجدت أنَّ أحدها يتحدذَث عن العذراء وقد كتبه أغناطيوس، والآخر كتبه زوزيموس تلميذ الرسل، والثالث كتبه إيريناوس تلميذ أغناطيوس والذي كتب ضد بولس بدون سببٍ واضحٍ مستشهدًا بإنجيل برنابا!!

ثم يزعم أنَّه صار في شوقٍ عظيمٍ ورغبةٍ عارمةٍ لقراءة هذا الإنجيل إلي أنْ دخل ذات يوم مكتبة البابا سكستس الخامس Pope Sixtus V مع البابا وحدهما، وبينما كانا وحدهما في المكتبة سقط البابا سريعًا في النوم وراح في ثبات عميق!! فأخذ هو يشغل وقته بالقراءة فتناول أوَّل كتاب يقع في يده فوجد أنَّه هو الكتاب الذي إشتاق إليه ورغب فيه طويلاً وهو إنجيل برنابا هذا!! ثم يزعم أنَّه أخفى هذا الكنز الثمين في كمِّه وخرج به بعد أنْ إستيقظ البابا فاقتنع به وقرأه مرّات ومرّات علي مدى سنتَين، ثمَّ، يقول، قرَّرت أخيرًا الأعتراف بالإيمان الحقيقيّ، كما قرَّرت نسخ هذا الكتاب لنشره لفائدة المؤمنين!!

هذه الروايات ليست هي وحدها فقط التي تدلّ علي بيئة محترفة التزوير ومصدر الكتاب المزيَّف والمزوَّر، فقد نهج الكاتب المزيِّف والمزوِّر علي هذا المنوال من بداية كتابه هذا إلي نهايته !! فقد غيَّر وبدَّل وحرَّف آيات ونصوص وأحداث الكتاب المقدَّس، بعهدَيه، فحذف شخصيَّات دينيَّة لها إعتبارها في المسيحيَّة والإسلام! ووضع شخصيَّات أخري في مكانها! وإدَّعي وجود كتب ليس لها وجود من الأصل ولم تُذكر في سجلات الكتب الدينيَّة وغير الدينيَّة، الصحيحة أو المزيَّفة!! وألَّف روايات أخري شبيهة برواية سرقة الكتاب المزعوم من مكتبة البابا !! وزعم وجود كتاب قال أنَّه التوراة الصحيحة في مكتبة رئيس الكهنة!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) أنظر تفصيل ذلك في الفصل السادس .

(5) أنظر الفصل الثالث وما كتبه آباء الكنيسة عن الأناجيل الأربعة الصحيحة في القرن الثاني

ــــــــــــــــــــــ

- 63 -

(2) زعم وجود سفر لدانيَّال النبيّ غير سفر دانيَّال الحقيقيّ: فقد خلط بين ما جاء في سفر الملوك الأول (22/3-31) بأفكاره الخاصَّة وروي رواية طويلة زعم فيها أنَّ هذا ما كتبه دانيَّال النبيّ " أنَّ دانيَّال النبيّ لما وصف تاريخ ملوك إسرائيل وطغاتهم كتب هكذا 000 " (ف1:160) ! في حين أنَّ دانيَّال النبيّ لم يسجِّلْ في سفره إلاَّ بعض الأحداث الخاصَّة التي حدثت والتي كان هو والفتية الثلاثة أبطالها أثناء سبيهم في بابل وبقيَّة السفر مُكَوَّن من رؤى ونبوَّات مستقبليَّة! كما حرَّف أقوال كلٍّ من ميخا وعاموس النبيَين وألَّف قصَّة من وحي خياله وزعم أنَّها موجودة في سفر دانيَّال النبيّ أيضًا ! ولأنَّ هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر يعلم أنَّ هذه القصة بأقوالها المحرَّفة غير موجودة في سفر دانيَّال نهائيًا، إخترع معجزة ليوهم بها البسطاء والسذَّج من الذين يصدِّقون مثل أقواله المزيَّفة فقال" وبعد أن قال يسوع هذا حصل توا زلزال عظيم إلى حد سقط معه كل أحد كأنه ميت ، فأنهضهم يسوع قائلاً : أنظروا الآن إذا كنت قد قلت لكم الحق ، فليكفكم هذا إذا " (ف4:62-6) !!

(3) اختلاقه مثل حجي وهوشع نبيّ اللَّه: وفي (ف185) إختلق وألَّف قصَّة أخري أسماها مثل حجي وهوشع نبي اللَّه !! وزعم أنَّ كاتبًا يهوديًا هو الذي رواها للمسيح " قال يسوع: أريد أن تقصّ عليّ مثل حجي وهوشع نبيّ اللَّه " فهل كان المسيح في حاجة لأحد ليقصّ عليه قصص الأنبياء ؟! وزعم أيضًا أنَّ هذه القصَّة موجودة أيضًا في سفر دانيَّال !! ثمَّ يقول علي لسان الكاتب الذي يقرّ بكذبها وبعدم تصديق أحد لها " أجاب الكاتب : ماذا أقول يا معلِّم، حقًا إنَّ كثيرين لا يصدِّقون مع أنَّه مكتوب في دانيال النبيّ، ولكن إطاعةً لك أقصّ الحقيقة " (ف8:185-10) !!

(4) أعمال مزعومة لهوشع النبي: ويروي عن أعمال مزعومة لهوشع النبيّ ويزعم أنَّها بسبب ما جاء في كتاب موسي النبيّ!! وبعد أنْ يقصّ قصَّته السابقة ينسب أقوالاً لموسي النبيّ وكتابات لا تتَّفق أبدًا مع طبيعة وأسلوب موسي النبيّ وعصره، وزعم أيضًا أنَّها موجودة في سفر دانيَّال النبيّ!! ولأنَّه يعلم في داخله أنَّ هذه الروايات الملفَّقة لا وجود لها في سفر دانيَّال النبي فقد زعم حدوث معجزة خارقة أخري ليجعل الناس تصدِّق هذه الأكاذيب " فقال حينئذ يسوع: إنَّ هذا لصدق لأنَّ اللَّه أكَّده لي ولتقف الشمس ولا تتحرَّك برهة اثنتي عشرة ساعة لكي يؤمن كلّ أحد أنَّ هذا صدق، وهكذا حدث فأفضي إلىَّ هلع أورشليم واليهوديَّة كلِّها " (ف1:189-3) !!

(5) كتيِّب إيليَّا المزعوم: ثم يزعم أنَّ إيليَّا النبيّ كتب كتيبًا إستجابة لتضرُّع تلميذه إليشع "أودع فيه الحكمة البشريَّة مع شريعة اللَّه أبينا " (ف17:145)! وزعم أنَّ يسوع قرأ هذا الكتيِّب أمامهم، وما ذكره هو خلاصة فكر رهبانيّ متقشف جدًا، هذا الفكر إنتشر فقط بعد إنتشار الرهبنة التي بدأت في العالم في القرن الرابع الميلاديّ،

ــــــــــــــــــــــ

- 64 -

حيث يقول علي سبيل المثال: " عليهم متي أكلوا أنْ يقوموا عن المائدة وهم دون الشبع، مفكِّرين كلّ يوم أنَّهم لا يبلغون اليوم التالي 000 علي كتلة التراب أنْ تنام علي الأديم، ليَكْفِ كلّ ليلة ساعتان من النوم 000 هذا كتيِّب إيليَّا أيَّها الفرِّيسيُّون " (ف145) !! ويُقِرّ، هو، ويعترف أنَّ مثل هذا الكتيِّب وما قيل من تعليم لا وجود له ولم يسمع به أحد من الفرِّيسيِّين فيقول "فتحيَّر الفرِّيسيُّون لمَّا سمعوا اسم كتاب إيليَّا لأنَّهم عرفوا بتقليدهم أنَّ لا أحد حفظ هذا التعليم " (ف18:145)!!

(6) كتيِّب موسي ويشوع الحقيقيّ: وكعادة هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر عندما يريد أنْ يبتدع عقيدة من عنده أو يؤيِّد عقيدة مضادَّة للمسيحيَّة يخترع ويلفِّق لها كتابًا جديدًا!! فكما لفَّق الرواية التي زعم فيها أنَّ، الراهب المزعوم "فرامرينو" وجد إنجيل برنابا، الذي إدَّعي أنَّه الإنجيل الحقيقيّ، في مكتبة البابا، فقد لفَّق أيضًا رواية أخري مثيلة ووضعها الكاتب المزيِّف والمزوِّر علي لسان نيقوديموس قال فيها أنَّه، أي نيقوديموس، شاهد " كتيِّبًا قديمًا مكتوب بيد موسي ويشوع " (ف3:191)!! وزعم أنَّه " كتاب موسي الحقيقيّ ففيه مكتوب أنَّ إسماعيل هو أب لمسيَّا وإسحق أبّ لرسول مسيّا " !! وهكذا يقول الكتاب إنَّ موسي قال " أيَّها الربّ إله إسرائيل القدير الرحيم أظهر لعبدك في سناء مجدك، فأراه اللَّه من ثمَّ رسوله علي ذراعي إسماعيل وإسماعيل علي ذراعي إبراهيم، ووقف علي مقربة من إسماعيل إسحق وكان علي ذراعيه طفل يشير بأصبعه إلي رسول اللَّه " (ف191) !!

والعجيب بل والغريب أنَّه يزعم أنَّ الكاتب الذي يتكلَّم عن هذا الكتيِّب لم يقرأه " لم أتمكن من قراءة هذا الكتاب كلَّه لأنَّ رئيس الكهنة الذي كان في مكتبته نهاني قائلاً أنَّ إسماعيليّا قد كتبه " (ف4:192)!!

كيف يجزم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر بما جاء في هذا الكتيِّب المزعوم دون أنْ يتمكَّن من قراءته كلَّه؟! إنَّها عادة هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر أنْ يروي روايات كاذبة وملفَّقة يخترعها من وحي خياله المريض ليحاول بها إيهام قرَّاء كتابه المزيَّف أنَّ ما يقوله هو الصدق! فكما لفَّق مصطفي العرندي المورسكيّ الأندلسيّ رواية الراهب المزعوم الخرافيَّة الساذجة في مقدِّمة الترجمة الأسبانيَّة التي تزعم رواية وجود هذا الكتاب المزيَّف في مكتبة البابا سكتس الخامس، لفَّق هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر هنا رواية مثيلة عن وجود كتاب موسي الحقيقيّ في مكتبة رئيس الكهنة ليوهم القراء أيضًا أنَّ ما يزعمه عن نسل إسماعيل ونسل إسحق حقيقيّ!! ولكن كما يقولون الكذب ليس له رجلان!!

7- الراهب المزعوم والمترجم المورسكو مصطفى العرندي:

والسؤال الآن هو؛ ألا يدلّ ذلك علي وحدة الأسلوب، سواء فيما زعمه مصطفى العرندي عن الراهب المزعوم أو ما زعمه الراهب المزعوم من روايات أخري لحصوله علي بعض كتب الآباء، وأسلوب كاتب هذا الكتاب المزيَّف في روايته لوجود عدد من الكتاب التي ذكرناها أعلاه؟!! ألا يدلّ ذلك علي وحدة الكتب في

ــــــــــــــــــــــ

- 65 -

الحالات الثلاث؟!! كما أنَّ هناك علاقة غامضة بين الراهب المزعوم والمترجِم المورسكي مصطفي العرندي وأنَّ فكرهما وفكر كاتب هذا الكتاب المزيَّف واحد ؟! فهل كان هناك فعلاً راهبًا بهذا الاسم وبهذه الصفات، أم أنَّ ذلك من خيال مصطفي العرندي؟! وإنْ وُجد فهل هما يمثِّلان شخص واحد أم إثنَين، راهب منحرف ترك المسيحيَّة وكتب هذا الكتاب انتقامًا منها وعاونه في ذلك مصطفي العرندي الذي يزعم أنَّه مترجم النصّ إلي اللغة الأسبانيَّة، أم أنَّهما أكثر من واحد؟! فمصطفي هذا من المفروض أنَّه يُجيد الإيطاليَّة التي يُفترض أنَّه ترجم منها، كما يُجيد الأسبانيَّة التي يزعم أنَّه ترجم إليها، كما أنَّه من الواضح من الهوامش أنَّه يجيد اللغة العربيَّة أيضًا؟! فالأسلوب هو هو ورواية الراهب المزعوم التي زعم فيها وجود هذا الكتاب المزيَّف في مكتبة البابا مثيلة برواية الكاتب التي زعم فيها أيضًا وجود كتاب موسي الحقيقيّ في مكتبة رئيس الكهنة، وأسلوب الراهب المزعوم الذي يزعم حصوله علي بعض الكتب القديمة !! الفكر واحد والأسلوب واحد والهدف واحد والتلفيق أيضًا واحد !!

كما أنَّ مصطفي هذا هو الوحيد الذي روي هذه الرواية المزعومة! ولا تُوجد مثل هذه الرواية في مقدِّمة النصّ الإيطاليّ! ولم يُقال أي شيء عن لغة النصّ المزعوم الذي قيل أنَّ الراهب المزعوم سرقه من مكتبة البابا! كما بُنِيَت هذه الرواية الوهميَّة علي كذبة، وهي زعمه أنَّ القديس إريناؤس كان لديه إنجيل برنابا واستعان به ضد القدِّيس بولس!! لذا فالرواية كاذبة وملفَّقة من أساسها، ولكنَّنا مضطرِّين لدراسة الاحتمالات الناتجة عنها:

فهذه الرواية هي رواية خياليَّة صبيانيَّة مُلفَّقة مثل بقيَّة الروايات المذكورة أعلاه وهذا الرجل، مصطفى العرندي، يُتقن اللغتَين الإيطاليَّة والأسبانيَّة إلي جانب اللغة العربيَّة بآدابها وأساطيرها وديانته، كما يبدو للوهلة الأولي من قراءة هذا الكتاب المزيَّف أنَّ لكاتبه إلمامًا عجيبًا بالعلوم الدينيَّة الإسلاميَّة من آيات وأحاديث نبويَّة إلي جانب الأساطير الدينيَّة والعلميَّة، حتى أنَّ كثيرًا من نصوصه هي عبارة عن ترجمة حرفيَّة أو معنويَّة لأحاديث نبويَّة وآيات قرآنيَّة، بل ويندر أنْ يخلو فصلٌ واحدٌ من فصول هذا الكتاب المزيَّف من بُعْدٍ إسلاميٍّ، كما يذكر الكثير من الأساطير الدينيَّة التي رفضها العلماء المتخصِّصين، يقول د.علي عبد الواحد: " وإن كان بعض ما يشتمل عليه هذا الكتاب نفسه يحمل علي الظنَّ بأنَّه موضوع، وخاصَّة ما يقرِّره من أمور تمثِّل روايات ذكرها بعض المتأخِّرين من مؤلِّفي المسلمين ولا يطمئن إلي مثلها المحقِّقون منهم "(6) .

وهناك علي المخطوط الإيطاليّ كثير من الهوامش العربيَّة التي تدلّ علي إتقان كاتبها للغة العربيَّة وعلومها الدينيَّة، وكثير من الهوامش سقيمة التركيب التي تدلّ علي أنَّ كاتبها غير عربيّ، أوربيّ، وغير مُتقن للغة العربيَّة وإن كان له معرفة بديانتها، وذلك يدلّ علي تناول المخطوط بأكثر من يد غير مسيحيَّة قبل ظهوره .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة على الإسلام ص 113 .

ــــــــــــــــــــــ

- 66 -

أثبتت الدراسات إلمام، كاتب هذا الإنجيل المزيَّف، بالترجمة اللاتينيَّة العاميَّة للكتاب المقدَّس والمعروفة بالفولجاتا vulgateوالتي ترجمها القديس جيروم (347 –420م) في القرن الخامس والمعتمدة عند الكاثوليك، وذلك إلي جانب معرفته للمصطلحات اللاهوتيَّة المدرسيَّة الكاثوليكيَّة، وبما أنَّ البابا سكستس الخامس وُجد في نهاية القرن السادس عشر (1585-1589م)، وإنْ كان للراهب المزعوم أيَّة وجود يكون قد وُجد في نفس زمن البابا سكستس، كما يؤكِّد العلماء أنَّ زمن نسخ النصّ الإيطاليّ لهذا الكتاب المزيَّف هو، أيضًا، نهاية القرن السادس عشر، أي نفس الزمن الذي زعم فيه مترجم النسخة الأسبانيَّة، مصطفى العرندي، أنَّ الراهب المزعوم اختلس فيه الكتاب من مكتبة البابا!

ترجع كلٌّ من النسخة الإيطاليَّة والنسخة الأسبانيَّة إلي زمنٍ واحدٍ تقريبًا، فالإيطاليَّة نُسخت في نهاية القرن السادس عشر أو بداية السابع عشر وكذلك والأسبانيَّة التي عند ظهورها في بداية القرن الثامن عشر كانت قديمة" وقد جرَّ الدهر عليها ذيل العفاء، فطمست آثارها ودرست رسومها "، وهذا يدلّ علي وجود الراهب المزعوم، إنْ كان له وجودًا من الأصل، والأندلسيّ مصطفي العرندي في زمنٍ واحدٍ ووقتٍ واحدٍ.

كما أنَّ هناك ملحوظة هامَّة ذكرها المترجم في مقدِّمته ولم يُعٍيرها أحدٌ اهتمامٌ يُذْكَر وهي قوله أنَّه طالع بعض شذرات من الترجمة الأسبانيَّة " وقابلتها بالترجمة الإنجليزيَّة المنقولة عن النسخة الإيطاليَّة 000 ولم أرَ بينهما فرقًا يستحقّ الذِكر إلاَّ في أمرَين " وهذَين الأمرَين هما أنَّ الرواية الأسبانيَّة تقول أنَّ التلاميذ عندما رأوا يهوذا في صورة يسوع لم يشكُّوا " إلاَّ بطرس " أي أنَّها استثنت " بطرس " من عداد التلاميذ الذين لم يشكُّوا في أنَّ " يهوذا " هو "يسوع "، ويقول أيضًا " ثمَّ ذكرت اسم أحد الملائكة الذين احتملوا " يسوع " من النافذة "عزرائيل "، وهو في الإيطاليّة " أوريل ". وهناك بعض اختلافات أخري طفيفة اضربنا عن ذكرها".

ولكنا نري أنَّ هذا يدلّ علي دور هذا المترجم في كتابة هذا الكتاب المزيَّف فهو يُعَدِّل هنا ما يري أنَّه أنسب من وجهة نظره!!

والحقيقة التي تظهر من وراء ذلك، هي أنَّ كاتب هذا الإنجيل المزيَّف لا يخرج عن الدائرة التي يُوجد فيها مصطفي العرندي هذا، هو والراهب اللاتينيّ المزعوم إن كان له وجودًا، فكاتب هذا الكتاب المزيَّف مُلِمّ بصورةٍ واضحةٍ بمصطلحات اللاهوت الكاثوليكيّ والترجمة اللاتينيَّة العامِّيَّة (الفولجاتا - Vulgate) للكتاب المقدَّس، والذي يحتمل أنَّه كان مهتمًّا بمقارنه الأديان، مثل جوان ألونسو الذي تكلَّمنا عنه في الفصل الأوَّل، وذلك بعد تركه للمسيحيَّة وإطِّلاعه علي العلوم الدينيَّة للأديان السماويَّة الثلاثة، سواء الصحيح منها أو المبتدع والموجود عند أصحاب البدع من أساطير دينيَّة. وربما يكون الراهب هو نفسه مصطفي العرندي

ــــــــــــــــــــــ

- 67 -

بعد تركه للمسيحيَّة. ولكن الأرجح أنَّ مصطفي العرندي كان شريكًا ومساعدًا للراهب المزعوم، إنْ كان له وجودًا، أو للجماعة التي قامت بهذا التزييف، في هذا العمل.

علمًا بأنَّ الأندلس، في ذلك الوقت، كانت تضمّ خليطًا من أصحاب الأديان الثلاثة، المسيحيَّة واليهوديَّة والإسلام، يُتيح لكلٍّ منهم الإطِّلاع علي ديانة الآخرين، فقد كان بها وقت سقوط غرناطة سنة 1492م ثلاثة مليون مسلم ومليونيّ يهودي وذلك إلي جانب المسيحيِّين. كما كان يموج الوسط الأوربيّ في العصور الوسطي بالخرافات والأساطير وظهور المزيَّفات والمجادلات الدينيَّة بين الشرق والغرب وبوادر الثورات الدينيَّّة، أيضًا إلي جانب المعلومات الدينيَّة البدائيّضة والاجتماعيَّة التي عاد بها البحَّارة والتجَّار الأوربِّيِّين من آسيا وأفريقيا، فكان الكتاب عبارة عن وعاء يحوي في داخله هذا الخليط غير المتجانس ونسبه كلَّه للربِّ يسوع المسيح !! ولذلك لم يستطعْ أحد أنْ يستسيغه أو يقبله. وحقًا قال الأستاذ العقاد: " تتكرَّر في الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهوديّ المطِّلع علي كتب قومه، ولا يردِّدها المسيحيّ المؤمن بالأناجيل 000ولا يتورَّط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن ".

ــــــــــــــــــــــ

- 68 -

درس العلماء، علماء الآثار وعلماء الكتاب المقدَّس، المخطوطة الإيطاليَّة لهذا الكتاب المزيَّف، وبعد البحث والدراسة إتَّضح لهم أنَّها لا يمكن أنْ ترجع لما قبل نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر بأيَّة حالٍ من الأحوال. فنوع الورق إيطاليّ مميَّز، والحبر المستخدم لم يُعرف قبل النصف الثاني من القرن السادس عشر، ونوع الخطّ المستخدم، وهو إيطاليّ، لا يرجع لأبعد من القرن السادس عشر، كما أنَّ أسلوبه إنشائيّ ولا يتَّفق مع أسلوب السيِّد المسيح السامي في البساطة، ولغته هي الإيطاليَّة، لغة أهل توسكانيا مع تعابير من لغة فينسيا، وهذه اللغة وهذا الأسلوب لم يُستخدما ولم يُشيعا في الكتابة قبل استخدام الشاعر الإيطاليّ " دانتي ألريجييري المتوفى سنة 1321م، علمًا بأنَّ الأناجيل القانونيَّة (الصحيحة) كُتِبَت باليونانيَّة والآراميَّة، والكتابات الأبوكريفيَّة كُتِبَتْ باليونانيَّة والآراميَّة واللاتينيَّة والسريانيَّة والقبطيَّة، وهي اللغات التي كانت سائدة في القرون الأربعة الأولي للميلاد، ولم يكنْ للإيطاليَّة أيّ وجود قبل بداية القرن الرابع عشر الميلاديّ.

وهناك ملحوظة هامَّة وهي: أنَّ كاتب النصّ الأصليّ الإيطاليّ إستخدم كلمة ديناريوس Denarius(1)الأسبانيَّة في قوله " لأن من يأخذ بالصرافة قطعة ذهب (golen denarius) يجب أن يكون معه ستون فلسُا " (ف22:54). وهذا يدلّ علي البيئة الأسبانيَّة والأصل الأسبانيّ لهذا الكتاب!!

أمَّا النصّ الأسبانيّ فمن الواضح أنَّه لا يرجع لما قبل القرن السادس عشر وهو أقرب تاريخ للنصِّ الإيطاليّ ويري أغلب الدارسين أنَّه مكتوب في نفس وقت وزمن النصّ الإيطاليّ، وقد خرج كلاهما من بين جماعات المورسكوس وأنَّ كاتبه كان يعرف الإيطاليَّة جيدًا ويبدو أنَّه عاش لفترة راهبًا بعد تحوُّله إلي المسيحيَّة وهذا يُفسِّر لنا الأفكار والأحاديث النسكيَّة الرهبانيَّة الكثيرة في هذا الكتاب. ويذكر لنا تاريخ المورسكوس أنَّ الكثيرين منهم، خاصَّةً الذين اعتنقوا المسيحيَّة برغبتهم، بعد سقوط الأندلس وقبل سقوط غرناطة، دخلوا الأديرة وصاروا رهبانًا ونساكًا واختير منهم عددًا من الكهنة والكرادلة. وربما يكون من دعي بـ "فرا مارينو" أحد هؤلاء وارتدَّ عن المسيحيَّة وعاش في إيطاليا، إنْ كان له وجود أصلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) John Gilchrist. Origin and Sources of the Gospel of Barnabas. Ch. 4.6.

ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل السادس : من هو كاتب هذا الكتاب ؟ أين ومتى كتب ؟

  • فمن هو كاتب هذا الكتاب المزيف ؟

    يري النقَّاد والدارسون الذين درسوا هذا الكتاب المزيَّف والمدعو زورًا بإنجيل برنابا أنَّ الكاتب هو أحد الفئات الثلاث الآتية:

    أولاً: جماعة المورسكوس الأندلسيِّين:

    يرى أكثر الدارسين حالياً، خاصَّة المتخصِّصين في الدراسات الأندلسيَّة الخاصَّة بالمورسكوس Moriscos(2)أو المورسكيِّين، بعد تقديم الكثير من الأدلَّة والبراهين التي تثبت أنَّ كاتب هذا الكتاب المزيَّف، سواء بنصِّه الإيطاليّ أو الأسبانيّ، هو أحد المسلمين الأندلسيِّين، العرب المتنصِّرين - المورسكوس، الذين أُجبروا علي الارتداد عن الإسلام والدخول في المسيحيَّة بعد سقوط غرناطة سنة 1492م وانتهاء الحكم الإسلاميّ في الأندلس نهائيًا. وقد كتبه في نهاية القرن السادس عشر أو بداية القرن السابع عشر. ويقف علي رأس هؤلاء الدارسين:

    البروفيسور مايكل دي إبالزا de Epalza, Prof.ولويس برنابي L.Bernabé, ود. جيرارد ويجرز Dr. Gerard Wiegers وجارسيا جوميه E.Garcia Gomez وفان كونينجزفيلدP.S.van Koningsveld وجان سلوب J.Slomp ود. سوكس D.Sox, و Christine Schirrmacher 00إلخ(3)

    ويري هؤلاء أنَّ البيئة الأندلسيَّة التي عاش فيها هؤلاء المورسكوس هي الوسط الذي كُتب فيه هذا الكتاب المزيَّف. ومن أهم الأدلَّة علي ذلك:

    (1) وجدت إشارة في مخطوطة كتبها أحد هؤلاء المورسكوس ويُدعي إبراهيم الطيبيلي أو الطيب على Al - Taybili، في تونس، وهو أندلسيّ المولد من توليدو بأسبانيا وله اسم أسبانيّ هو جوان بريه Juan Perez. وترجع لحوالي سنة 1634م، تتكلَّم عن إنجيل برنابا الذي يُبَشِّر بمجيء محمد.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (2) كلمة مورسكوس Moriscos من كلمة Moors الأسبانية وتعني المسلمين الذين بقوا في أسبانيا بعد سقوط الأندلس وقد ظلوا يتمتعون بكامل حريتهم الدينية حتى سقوط غرناطة سنة 1492م . وبعد ذلك ولأسباب كثيرة على رأسها خوف الملك والملكة من خطر تعاونهم مع الدول الإسلامية لعودة الحكم الأندلسي مرة ثانية ، كما خشيا أيضا من خطر تحالفهم مع أمراء الغال بفرنسا الذين كانت لهم أطماع في أسبانيا ، وذلك إلى جانب ضغط الكثيرين من رجال الكنيسة ، تنصر جميع المسلمين الذين بقوا في غرناطة وبقية أسبانيا إجباريا , ومع ذلك فأن الكثيرين منهم بقوا مسلمين في روحهم وسريرتهم . وقد دعوا منذ ذلك التاريخ (1492م) بالموريسكوس (المورسكيين) أي العرب المتنصرين . ونتيجة لاحتفاظهم بالروح الإسلامية وممارسة بعضهم للشعائر الإسلامية سراً فقد طاردتهم محاكم التفتيش الأسبانية وعاملتهم معاملة قاسية جداً ولم تفرق في ذلك بين أحد منهم ، سواء الذين عاشوا المسيحية التي تحولوا إليها مثل بقية المسيحيين الآخرين أو الذين كانوا يحتفظون بمظهرهم العربي والإسلامي وكانوا يمارسون شعائرهم الأصلية سراً . (أنظر محمد عبد الله عنان " دولة الإسلام في الأندلس ج 7 : الكتاب الثاني نهاية دولة الإسلام في الأندلس ، والكتاب الثالث مراحل الاضطهاد والتنصير من ص 188- 376 " ).

    (3) See the Gospel of Barnabas in the Recent Research /BARNABAS/barnarom.htm

    ــــــــــــــــــــــ

    - 70 -

    وهي محفوظة الآن بمكتبة مدريد بأسبانيا تحت رقم (BNM MS 9653) وكان قداأكتشفها لويس كارديلاك Louis Cardaillac.

    وقد كان إبراهيم الطيبيلي هذا، والذي كتب عددًا من الأعمال الإسلاميِّة التي ظهرت في أرجوان هو أوَّل من أشار إلي إنجيل برنابا وشاركه في ذلك محمد روبيو Muhammad Rubio، إلي جانب مصطفي العرندي.

    (2) وفي مقالة بعنوان " أصل أسبانيّ " كتب كلٍّ من جارسيا جوميه ودي إبالزا يقولان؛ وكان هؤلاء المورسكوس قد برعوا في القرن السادس عشر في المزيَّفات الإسلاميَّة - المسيحيَّة، والمسمَّاة (Jofores) أي النبوَّات والتي نسبوها لمسلمين قدماء وبعض قدماء المسيحيَّين، وهي تتنبَّأ عن عودة المسلمين ثانية إلي الأندلس وإعادة غزوها من جديد. وقد جاء إنجيل برنابا كجزء من هذه المزيِّفات التي تحتوي علي ثقافة مزدوجة (إسلاميَّة - مسيحيَّة) لإدخالها في المجتمع الأسبانيّ.

    (3) كما قدَّم دي إبالزا الكثير من الأدلَّة التي تُبرهن علي أنَّ المكان الذي وُجد فيه وخرج منه إنجيل برنابا المزيَّف هو بين جماعة المورسكوس في أسبانيا وفي الأغلب في غرناطة حيث كُتبت هناك كلٍّ من النسختَين الإيطاليَّة والأسبانيَّة. كما يذكر دي إبالزا أيضًا أسماء العديد من العلماء والرحَّالة والديبلوماسيِّين الذين كانوا وسيلة لنقل كلاً من النسختَين الأسبانيَّة والإيطاليَّة إلي إنجلترا وNetherlands .

    (4) ويجب أنْ لا يغيب عن بالنا شخصيَّة مصطفي العرندي أحد هؤلاء المورسكوس والذي كان له دورٌ هامٌّ في خروج وظهور هذا الكتاب المزيَّف، فهو الذي زعم في مقدِّمة المخطوطة الأسبانيَّة أنَّه الذي قام بترجمتها في استانبول من الإيطاليَّة إلي الأسبانيَّة، ومن الواضح أنَّه يتميَّز بمعرفة جيِّدة للثقافتَين الأسبانيَّة والإيطاليَّة فضلاً عن الإسلاميَّة وروايته لرواية الراهب المزعومة ودوره في كتابة هذا الكتاب المزيَّف وتأليفه.

    (5) ويذكر دي إبالزا ظهور الكثير من الكتب المسيحيَّة المزيَّفة في غرناطة في تلك الفترة والتي سُمِّيَت برسائل القدِّيس يعقوب، وأعمال سيِّدنا يسوع والعذراء مريم، وكتاب حقيقة الإنجيل برواية العذراء مريم عن القدِّيس يعقوب، وفيه تجيب عن أسئلة تلاميذ المسيح. وكانت هذه النصوص المزعومة تُعَدّ لظهور هذا الإنجيل المزعوم الذي وصفوه بالإنجيل الحقيقيّ الذي سينطلق من أسبانيا. وقد اِنتقلت هذه المزيَّفات إلي شمال أفريقيا بواسطة أندلسيّ من غرناطة، كان يعرف العربيَّة والأسبانيَّة وله علاقات مع الأندلسيِّين في المنفي بالمغرب ومصر وتونس واستنبول، اسمه أحمد الهاجري.

    (6) وقد برهن البروفيسور دي إبالزا، سنة 1987م في دراستَين إحداهما بالأسبانيَّة والأخري بالألمانيَّة عن المورسكوس، من خلال تحليله لقصيدة إسلاميَّة هامَّة لإبراهيم الطيبيلي أشار فيها إلي محمد رسول الإسلام كالمسيَّا، وأيضًا في بحث مكَوَّن من 834 صفحة في خمسة أجزاء قُدِّم إلي جامعة Alicant سنة

    ــــــــــــــــــــــ

    - 71 -

    1992م، علي أنَّ مصدر إنجيل برنابا هو جماعة المورسكوس وأنَّه كُتب بواسطتهم وخرج من عندهم ولا يُوجد له أيّ مصدر مسيحيّ.

    ويتَّفق مع دي إبالزا علي أنَّ كلَّ الأفكار اليهوديَّة والمسيحيَّة الموجودة في هذا الكتاب المزيَّف ترجع لتراث يهوديّ مسيحيّ إسلاميّ مشترك في أسبانيا.

    (7) ويذكر لويس برنابي أنَّ كاتب الإسلاميَّات الهولنديّ إدريان ريلاند Adriaan Reeland كان قد سمع سنة 1705م عن تأليف إنجيل جديد في مخطوطة عربيَّة أسبانيَّة

    المورسكوس ولقب المسيَّا:

    ثم يقول برنابي لماذا إختار الكاتب المزيَّف لقب المسيَّا لمحمد ونزعه من يسوع؟ ويُجيب لأنَّ لقب المسيَّا كان يُقدَّم لهؤلاء المورسكوس عند تعليمهم العقيدة المسيحيَّة باعتباره، كما جاء في نبوَّات العهد القديم، اللقب الذي يتعلَّق به كلّ ما يختصّ بالمسيح كالفادي والمخلِّص ومشتهي كلّ الأمم والإعلان النهائيّ وختام النبوَّات الذي تمَّت فيه جميع النبوَّات. وهذا ما لم يقبلْه هؤلاء المورسكوس مثل الطيبيلى!! ومن ثمَّ انتزعوا اللقب من المسيح وأعطوه لمحمد لأنَّ محمد في الإسلام هو خاتم الأنبياء الذي جاء للعالمين، أمَّا المسيح، من وجهة نظرهم، فقد جاء لليهود فقط، لذا فمحمد يستحق اللقب أكثر من يسوع من وجهة نظر بعض هؤلاء المورسكوس!!

    ويتساءل د . جيرارد ويجرز Dr. Gerard Wiegers عن وضع لقب المسيَّا لمحمد وليس ليسوع وإنْ كان هنالك أي أثار على ذلك عند المورسكوس؟ ويُجيب متَّفقًا مع كلِّ من دي إبالزا ولويس برنابي، كانت فكرة نسب لقب المسيَّا لمحمد كامنة عند جماعة صغيرة من المورسكوس في بداية القرن السابع عشر. وقد وجد الدارسون للفترة وكتابات المورسكوس ذلك في المخطوطة "BNM MS 9655 " والمحفوظة بمكتبة مدريد. هذه المخطوطة والمعروفة برقم " 9655 " كتبها، هي وعدة كتابات أخري، شخص يُدْعَي جوان ألونسو Juan Alonso من أراجون بأسبانيا فيما بين سنة 160-1612م ضد اليهوديَّة والمسيحيَّة في هجومه علي عقائد الكنيسة الكاثوليكيَّة الرومانيَّة. وكانت هذه الكتابات بين أيدي بعض المورسكوس. وكان جوان هذا مسيحيًا ودارسًا للاهوت ثم ترك المسيحيَّة وارتد إلي الإسلام.

    وقد كُتبت هذه المخطوطة بالأسبانيَّة وكُتب علي هوامشها تعليقات باللغة العربيَّة بالخطّ العربيّ المغربيّ. وعند دراستها وجد الدارسون (وعلي رأسهم د . جيرارد ويجرز ودي إبالزا ولويس برنابي) عدد من النصوص المتماثلة بشكلٍ ملحوظٍ بينها وبين إنجيل برنابا المزيَّف، ومن أهمِّ هذه النصوص والأفكار المتماثلة :

    (1) إعطاء لقب " المسيَّا " لمحمد ونزعه من يسوع، فقد زعم كاتب المخطوطة أنَّ يسوع هو "مسيَّا الإنجيل – Evangelico mesias " الذي كانت رسالته لليهود فقط! وأنَّ محمد هو " المسيَّا العام – mesias general " الذي جاء للعالم كلّه!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 72 -

    وهذا ما قاله كاتب هذا الكتاب المزيَّف بالتفصيل في (ف16:82) ووضعه علي لسان المسيح نفسه في حواره مع المرأة السامريَّة " أجاب يسوع: " حقًا أنِّي أُرسلت إلي بني إسرائيل نبيّ خلاص، ولكن سيأتي بعدي مسيَّا المرسل من اللَّه لكلِّ العالم الذي لأجله خُلق كلّ العالم ".

    (2) حديث هذه المخطوطة المتكرِّر عن فساد وتحريف كلٍّ من العهد القديم والعهد الجديد !! هذا الموضوع الذي كرَّره إنجيل برنابا كثيرًا.

    (3) قام كاتب المخطوطة بعمل مقارنة بين شعائر الديانات التوحيديَّة الثلاث مثل الصلاة والوضوء (الاغتسال) والصوم إ0الخ ثمَّ يقول إنَّ من أهم علامات فساد الكنيسة هو معاقبتها للذين يختنون أولادهم مثل المورسكوس والمارانوس (Marranos– اليهود المتحوَّلين إلي المسيحيَّة مثل المورسكوس) والذين كانوا يمارسونها سرًا. ويمثِّل موضوع الختان هذا قضيَّة كبري في هذا الكتاب المزيَّف.

    قال في مقدِّمة إنجيله المزيف " أيَّها الأعزاء إنَّ اللَّه العظيم العجيب قد افتدانا هذه الأيام الأخيرة بنبيِّه يسوع المسيح برحمةٍ عظيمةٍ للتعليم والآيات التي إتَّخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوي التقوي مبشِّرين بتعليمٍ شديدِ الكفر داعين المسيح اِبن اللَّه ورافضين الختان الذي أمر اللَّه به دائمًا ". وفي (ف23) يذكر رواية خرافيَّة طويلة عن أصل الختان.

    (4) كما تتحدَّث المخطوطة عن الشعائر الإسلاميَّة بتعبيرات مسيحيَّة! وعلي سبيل المثال يدعو الكاتب قراءة الفاتحة بالصلاة الربانيَّة!! وهذا ما يفعله كاتب هذا الكتاب المزيَّف دائمًا. ويقول جان سلوب Jan Slomp " وقد رأيت بنفسي استخدام كاتب المخطوطة لكلمة " سينوفيجا – Cenophega " لعيد المظال " وهذا ما فعلة كاتب إنجيل برنابا المزيَّف في (ف30) .

    (5) كما لاحظ الدارسون أخطاء ألونسو في وصفه للأفكار الإسلاميَّة والمسيحيَّة أيضًا. وهذا ما يتكرَّر كثيرًا في إنجيل برنابا المزيَّف.

    أخيرًا يقول ويجرز أنَّ هذه المتماثلات بين المخطوطة (BNM MS no 9655) وإنجيل برنابا المزيَّف لا يمكن أنْ تكون مُجَرَّد مصادفة بحتة، لكنَّها توضِّح تأثير المخطوطة علي الكتاب المزيَّف لأنَّها الأقدم ولا يمكن أنْ يكون العكس لسببٍ بسيطٍ هو أنَّ المخطوطة يُذكر بها عبارة " يسوع ملك دمشق " وليس " يسوع ملك اليهود " كما في هذا الكتاب المزيَّف، وقت الصلب، ومن ثمَّ فقد صحَّح كاتب الكتاب ما جاء في المخطوطة.

    ويقول برنابي أنَّ المزيِّفون خطَّطوا لنشر هذا الكتاب في أسبانيا ولكن ذلك لم يتحقَّق لأنَّ الحكومة الأسبانيَّة قامت بإجلائهم فيما بين سنة 1609 و1614م وذهبوا حاملين هذا الكتاب إلي شمال أفريقيا ومنها إلي تونس وتركيا.

    ثم يتساءل مع دي إبالزا لماذا اختاروا البابا سكتس الخامس بالذات ليزعموا أنَّ الكتاب خرج من المكتبة البابويَّة في عهده ؟ ويُجيبان: هذه حيلة أدبيَّة للخداع وخلط

    ــــــــــــــــــــــ

    - 73 -

    الأكاذيب بالحقيقة، فهذا البابا هو الذي أعطي الإذن للتحقيق في أصل المكتشفات التي اكتُشفت في غرناطة سنة 1588و1595م، ولأنَّ هؤلاء المورسكوس أرادوا أنْ يُعطوا للنسخة الإيطاليَّة مصداقية لذا زعموا قصَّة سرقة الراهب لها من مكتبة هذا البابا!!

    ويتساءلان أيضًا لماذا اِختاروا اسم "فرا مارينو"؟ ويُجيب لويس برنابي أنَّ اسم "فرا مارينو" هو نموذج لعالم الشرقيَّات الراهب العظيم "فراي ماركو ماريني Fray Marko Marini "(1542-1594م) الذي كان في خدمة البابا سكتس الخامس والذي أعاد كتابة تاريخ الكنيسة بإيجاد مخطوطات قديمة جدًا، ومن ثمَّ وضعوا اِسم "فرا مارينو" كنموذج له وجعلوه في موضع الذي أعاد اكتشاف الإنجيل!!

    ثانياً: أحد المسيحيِّين الذين ارتدُّوا عن المسيحيَّة:

    ويرى البعض، خاصَّة من الذين درسوا الكتاب في النصف الأوَّل من القرن العشرين وما قبل ذلك وقبل ظهور الدراسات الخاصَّة بالمورسكوس والوثائق الأندلسيَّة مثل لونسدال ولورا راج مترجمَا الكتاب من الإيطاليَّة إلي الإنجليزيَّة الذَيْن قالا " يمكننا الجزم بأنَّ كتاب برنابا الإيطاليّ إنما هو كتاب إنشائيّ وسواء قام به كاهنٌ أو علمانيٌّ أو راهبٌ أو أحدُ العامَّة، فهو بقلم رجلٍ له إلمام عجيب بالكتاب المقدَّس اللاتينيّ، يقرب من إلمام دانتي وأنَّه نظير دانتي متضلِّع في المزامير، وهو من صنع رجلٍ معرفته للأسفار المسيحيَّة تفوق كثيرًا إطِّلاعه علي الكتب الإسلاميَّة فيُرَجَّح إذاً أنَّه مرتدّ عن النصرانيَّة ".

    كما يقول وليم تمبل جاردنر فيقول في كتابة الذي كتبه بعد صدور الترجمتَين الإنجليزيَّة والعربيَّة مباشرة " إنَّ الكاتب كان واسع الإطِّلاع علي تعاليم الديانة المسيحيَّة، وعلي الإنجيل الصحيح، قد حذا في أوائل فصوله حذو البشيرَين متَّي ولوقا ولكنَّه يدلّ علي أنَّه لم يكنْ مسلمًا في الأصل، وأنَّ معرفته بالديانة الإسلاميَّة كانت حاصل ما سمعه من أقوال الشُرَّاح والمفسِّرين وما عَلِمَه من الأحاديث والتقاليد، مما يدلّ علي أنَّ الكاتب نصرانيّ من العصور الوسطي، أسلم وأخذ قدح في النصرانيَّة وينصر الإسلام "(4).

    ويقول الأب الحداد أيضًا، في بداية الخمسينات " فإنجيل برنابا في تفكيره وتعبيره، ومواضيعه وأسلوبه، الذي يذخر بالرواسب المسيحيَّة والمقالات الإسلاميَّة يدلّ علي أنَّ واضعه مسيحيَ أسلم. فمن هو يا تُري؟ لاشكّ عندي أنَّ واضع إنجيل برنابا هو الراهب الإيطاليّ الأخ مارينو المسلم الذي تذكره مقدِّمة الترجمة الأسبانيَّة التي قام بها مصطفي العرندي الأندلسيّ كما نقلتها الترجمة الإنجليزيَّة وعرَّبها صاحب الترجمة العربيَّة 000 إنَّ الأخ مارينو الراهب الذي أسلم هو واضع إنجيل برنابا المنحول بمساعدة مصطفي العرندي الأندلسيّ مترجمه إلي الأسبانيَّة، لا مكتشفه في مكتبة البابا في أواخر القرن السادس عشر، وقصته الملفَّقة تدلّ عليه "(5).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (4) وليم تمبل جاردنر " إنجيل برنابا " ص 58و59 .

    (5) الأب الحداد " إنجيل برنابا شهادة زور على القرآن " ص 41-42.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 74 -

    ثالثاً: يهوديّ ترك اليهوديَّة إلي المسيحيَّة ثم إعتنق الإسلام:

    وهذا الرأي قال به بعض الكتَّاب العرب سواء المسيحيِّين منهم أو المسلمين مثل الدكتور خليل سعادة المسيحيّ اللبنانيّ مُترجم الكتاب من الإنجليزيَّة إلي العربيَّة الذي قال " الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب يهوديّ أندلسيّ اِعتنق الدين الإسلاميّ بعد تنصُّره وإطِّلاعه علي أناجيل النصاري، وعندي أنَّ هذا الحلّ هو أقرب إلي الصواب من غيره، لأنَّك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه إلمامًا عجيبًا بأسفار العهد القديم لا تكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصاري 000 ومما يؤيِّد هذا المذهب ما ورد في هذا الإنجيل عن وجوب الختان والكلام الجارح الذي جاء فيه من أنَّ الكلاب أفضل من الغلف، فإنَّ مثل هذا القول لا يصدر من نصرانيّ الأصل 000 ومما يقرِّر هذا الرأي أنَّ هذا الإنجيل يتضمَّن كثيرًا من التقاليد التلموديَّة التي يتعذَّر علي غير يهوديّ معرفتها وفيه أيضًا شيئًا من معاني الأحاديث والأقاصيص الإسلاميَّة الشائعة علي ألسنة العامَّة 000 فالرأي الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب الأصليّ يهوديّ أندلسيّ اِعتنق الإسلام ".

    وقال بذلك أيضًا كلاً من الأستاذ عوض سمعان والقسّ صفاء داود(6) استنادًا إلي إشارة الكتاب لبعض الأمور التي لا يعرفها غير اليهوديّ مثل إشارته إلي قصَّة سوسنة والشيخَين (ف50: 25)، وإسناد قبض الأرواح إلي ملاك يُدعَي روفائيل (ف25: 4-5) وتركيزه علي أهمِّيَّة الختان، وقوله الجارح أنَّ الكلب أفضل من رجل غير مختون (ف22: 2)، وزعمه أنَّ غير المختون محروم من دخول الفردوس (ف23: 17)، وقد كتبه للانتقام من المسيحيِّين لاضطهادهم الشديد لليهود قبل فتح العرب للأندلس.

    كما قال بذلك أيضًا الكاتب السوري يحيى الهاشمي في جريدة تحالف العالم الإسلاميّ والذي يري أنَّ الكاتب يهوديّ أراد أنْ يخلق عداوة بين المسيحيِّين والمسلمين.

    وقال بذلك أيضًا الأستاذ أحمد جبريل " والحقيقة المؤكَّدة من خلال تلك الأخطاء الفادحة أنَّ كاتب إنجيل برنابا 000 يهوديّ اِعتنق الإسلام ودرس ما يتَّصل به من قرآن ولغة وأحاديث نبويَّة وقدسيَّة وعلوم وفلسفة. ثمَّ ألَّف هذا الإنجيل ونسبه إلي برنابا "(7).

    ولكن يقول دي إبالزا علي أنَّ كل الأفكار اليهوديَّة والمسيحيَّة الموجودة في هذا الكتاب المزيَّف ترجع لتراث يهوديّ مسيحيّ إسلاميّ مشترك في أسبانيا.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (6) عوض سمعان " إنجيل برنابا إنجيل مزيف " ص 148 ؛ والقس صفاء داود " إنجيل برنابا المزور " ص 14 .

    (7) جريدة المساء الصادرة في 19/1/1970 الصفحة الأخيرة .

    ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل السابع : إنجيل برنابا والأناجيل الأبوكريفية

  • قال ناشر الترجمة العربيَّة الشيخ محمد رشيد رضا في مقدِّمته لطبعة 1908م: " إنَّنا نري مؤرِّخي النصرانيَّة قد أجمعوا علي أنَّه كان في القرون الأولي للمسيح عليه السلام أناجيل كثيرة وأنَّ رجال الكنيسة قد اِختاروا منها أربعة أناجيل ورفضوا الباقي. فالمقلِّدون لهم من أهل ملَّتهم قبلوا اختيارهم بغير بحث وسيكون ذلك شأن أمثالهم إلي ما شاء اللَّه ".

    ثمَّ يقول أنَّه " لو بقيت تلك الأناجيل كلَّها لكانت أغزر ينابيع التاريخ في بابها ما قُبل منها أصلاً للدين وما لم يُقبل ولرأيت لعلماء هذا العصر من الحكم عليها والاستناط منها بطرق العلم الحديثة المصونة بسياج الحريَّة والاستقلال في الإرادة ما لا يأتي مثله من رجال الكنيسة الذين اختاروا تلك الأناجيل الأربعة ورفضوا ما سواها " !!

    وهو يتكلَّم هنا، بغير علمٍ ولا دليلٍ، ويزعم أنَّ رجال الكنيسة اِختاروا الأناجيل الأربعة دون بحث ‍‍‍‍‍!! ورفضوا بقيَّة الأناجيل بلا سندِ أو دليلِ !! ولذا يتصوَّر‍‍ ويتخيَّل أنَّه لو ظهرت هذه الأناجيل التي رفضها رجال الكنيسة، ودرسها العلماء بطرقٍ حديثةٍ وبحرِّيَّة إرادة، لأظهروا ما لم يُظهره رجال الكنيسة!!

    والغريب أنَّه وغيره يتكلَّمون فيما لا يعلمون ويزعمون ويدَّعون معرفة ما ليس لهم به من علمٍ أو معرفةٍ؟‍‍‍ ‍‍!! فلا الكنيسة اِختارت الأناجيل الأربعة دون سندٍ، ولا رفض رجالها الكتب الأخري دون دليلٍ!! وكلّ ما زعموه يدلّ علي عدم معرفة. أولاً: لأنَّ الغالبيَّة العُظمي من هذه الكتب اِكتُشِفَتْ وظهرت خلال الثلاث قرون الأخيرة (ق18و19و20)، كما تمَّ اِكتشاف مكتبة غنوسيَّة كاملة في نجع حمادى سنة 1926م تضمّ معظم هذه الأناجيل المفقودة وغيرها من الكتب الغنوسيَّة الأخري. وهي موجودة بالمتاحف وأغلبها في مصر!! وتُرجمت إلي عدَّة لغات، وهي موجودة في متناول من يريد قراءتها أو بحثها سواء بلغاتها الأصليَّة أو مُترجمة إلي اللغات الحيَّة كالإنجليزيَّة مثلاً!! والذي لم يُوجد منها أشار إليه وإقتبس منه آباء الكنيسة في قرونها الأولي.

    ثانيًا: لأنَّ العلماء لم يتركوا هذه الفرصة، بل درسوا هذه الكتب وحلَّلوها وأثبتوا فسادها وأنَّ الكنيسة كانت علي حقٍّ عندما رفضتها!!

    ثالثًا: أنَّه لا يُوجد أيّ وجهٍ للمقارنة بين هذه الكتب وإنجيل برنابا المزيَّف!! فهذه الكتب تتَّفق مع الكنيسة في عدَّة حقائق جوهريَّة مثل ألوهيَّة المسيح وصلبه وعالميَّة

    ــــــــــــــــــــــ

    - 76 -

    الدعوة المسيحيَّة، ولا تتَّفق مع إنجيل برنابا سوي في حقيقة واحدة ألا وهي أنَّ كلَّها مزوَّرة وليست من وضع تلاميذ المسيح ورسله وإنْ كانت تختلف معه في حقيقة جوهريَّة، وهي أنَّ هذه الكتب كُتِبَ معظمها في القرون الخمسة الأولي، فجاءت عبارة عن خليط بين المسيحيَّة واليهوديَّة، أو بين المسيحيَّة والغنوسيَّة " الوثنيَّة " أمَّا هذا الكتاب فقد كُتب في أواخر العصور الوسطي فجمع بين اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام إلي جانب خرافات وأساطير الشعوب الوثنيَّة.

    أولا : فقرات من كتابات إنجيليَّة أبوكريفيَّة(1)غير معروفة المصدر:

    (1) تُوجد مخطوطة(Papyrus) في متحف لندن(2) ترجع إلي القرن الثاني جاء فيها هذا الحوار: " فإلتفت يسوع إلي حكَّام الشعب وقال لهم: فتِّشوا الكتب التي تظنُّون أنَّ فيها لكم حياة، فهذه التي تشهد لي (يو5/29). لاتظنُّوا أنِّي جئت لأشكوكم لأبِي !! يُوجد من يشكوكم موسي الذي تضعون عليه رجاءكم " (يو5/45). وعندما قالوا " نحن نعرف أنَّ اللَّه تكلَّم إليى موسي، أمَّا أنت فلا نعرف من أين تكون؟ " (يو9/29).

    أجاب يسوع وقال " الآن قام الاتهام علي عدم إيمانكم " (يو12/37)(3).

    (2) جاء في بردية رقم 654× O من مخطوطات البهنسا التي اكتُشفت سنة 1897م وترجع إلى القرن الثاني أو بداية القرن الثالث : " هذه الكلمات التي 000 يسوع الواحد الحي تكلَّم"(4).

    وهذه الكلمات تقابل بداية إنجيل توما في اللغة القبطيَّة والتي تقول " وهذه الكلمات السريَّة التي تكلَّم بها يسوع الواحد الحيّ والتي كتبها ديديموس يهوذا توما "(5).

    (3) وجاء في برديَّة رقم 1× O من برديَّات البهنسا " يقول يسوع : " أنا أقف في وسط العالم، وفي الجسد أنا ظهرت لهم "(6).

    (4) وجاء في نفس البرديَّة أيضًا " يقول يسوع 000 حينما يكون أحد وحده أنا أقول: أنا معه. أرفع الحجر وهناك تجدني، اشطر الخشب فأنا هناك "(7).

    (5) وجاء في إحدي برديَّات الفيُّوم (اكتُشفت سنة 1885م ومحفوظة بفيِّينَّا) وترجع إلي القرن الثالث " وبينما هو (يسوع) خارج معهم قال: كلُّكم ستنزعجون الليلة كما هو مكتوب سأضرب الراعي فيتشتت القطيع.عندما قال بطرس: حتَّي لو تركك الكلّ، فأنا لا. قال يسوع: قبل أنْ يصيح الديك مرتَين ستنكرني ثلاث مرات "(8)..

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) كلمة أبوكريفا Apocrypha كلمة يونانية تعني السرية وقد استخدمت في المسيحية لتعني الكتب المزيفة .

    (2) Papyrus Egreto 2.

    (3) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 96.

    (4) Ibid. 100.

    (5) The Gospel of Thomas L.1.

    (6) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 106.

    (7) Ibid. 106.

    (8) Ibid.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 77 -

    ثانيا : فقرات من أناجيل أبوكريفيَّة يهوديَّة مسيحيَّة:

    وهي الإنجيل أو الأناجيل(9) التي استخدمها الأبيونيِّين(10) والناصريِّين(11) وهي إنجيل الناصريِّين وإنجيل الأبيونيِّين وإنجيل العبرانيِّين، وهي قريبة الشبه جدًا بإنجيل متَّي، بل هي إنجيل متَّي مع حذف الإصحاحَين الأوَّل والثاني(12)، مع إضافة عبارات تفسيريَّة ونصوص تلائم أفكارهم اليهوديَّة. وترجع هذه الأناجيل إلي أوائل القرن الثاني. وقد إحتفظ لنا آباء الكنيسة بفقرات عديدة منها.

    (1) فقرات من إنجيل الناصريِّين: جاء في تفسير أشعياء 53: 2 لهيمو الاكسيري Haimo of Auxerre (850م): " قيل في إنجيل الناصريِّين عند كلمة الربّ هذه " يا أبتاه أغفر لهم (صالبي المسيح) 000 أصبح آلاف عديدة من الذين كانوا واقفين حول الصليب مؤمنين به "(13).

    وجاء في كتاب Historia Passionis Domini من القرون الوسطي: " نقرأ في إنجيل الناصريِّين أنَّ اليهود أعطوا رشوة لأربعة جنود ليجلدوا الربَّ بقسوةٍ لدرجة أنَّ الدمّ سال من كلِّ جزءٍ في جسده "(14).

    وجاء في نفس الكتاب أيضًا: " نقرأ أيضًا في إنجيل الناصريِّين أنَّه فى الوقت الذي مات فيه المسيح إنشطرت عتبة باب الهيكل العليا ذات الحجم الضخم "(15).وهذا نفس ما قاله المؤرِّخ اليهوديّ يوسيفوس الذي عاش فى أواخر القرن الأوَّل الميلاديّ، ويُضيف أنَّ أصوات علويَّة مرعبة سُمعت تقول: لنرحل من هذا المسكن "(16)أي الهيكل.

    (2) فقرات من إنجيل الأبيونيِّين: قال القدِّيس إبيفانيوس أسقف سلاميس من آباء القرن الرابع فى كتابه ضد الهرطقات: " انَّه جاء فى الإنجيل الذي يستخدمه

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (9) أختلف العلماء في ذلك فيبدو أنه كان لديهم إنجيل واحد وهو مأخوذ عن الإنجيل للقديس متى وقد تسمى بإنجيل الناصريين وإنجيل الأبيونيين لاستخدام هاتين الفئتين له ، وسمي بإنجيل العبرانيين لكتابته باللغة العبرية ، كما يبدو أن الإنجيل الأبيوني كان مكتوبا باليونانية ، وبذلك يكون هناك إنجيل عبري وآخر يوناني . 10

    (10) الأبيونية فرقة من اليهود المسيحيين الذين تمسكوا بحرفية الممارسات الطقسية الجسدية للناموس اليهودي ، وحافظت على يوم السبت كيوم الرب إلى جانب الأحد ، وحافظت على سائر النواميس والطقوس اليهودية . ويشتق اسمهم من كلمة " أبيونيم " العبرية وتعني الفقراء . (أنظر تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري ف 27 : 1 و2) .

    (11) شيعة الناصريين . أنظر أع 24 : 5 .

    (12) Irenaeus against Heresies b. 3.2,5.

    (13) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 150.

    (14) Ibid. 152.

    (15) Ibid. 153.

    (16) Ibid. 153.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 78 -

    الأبيونيِّين والمسَمَّي بالإنجيل حسب متًّي(17)، والذي يُسَمُّونه الإنجيل العبريّ، " ولما اعتمد الشعب جاء يسوع أيضًا واعتمد من يوحنا (لو3/21). وبينما هو صاعدٌ من الماء انفتحت السموات ورأي الروح القدس فى شكلِ حمامةٍ نزلت ودخلت فيه (مت3/16)(18). وصوت من السماء يقول: " أنت اِبني الحبيب بك أنا سُررت (مر1/11وأيضًا اليوم أنا ولدتك. وفي الحال ظهر نورٌ عظيمٌ حول المكان. وعندما رأى يوحنَّا ذلك، قيل، قال له: من أنت يا ربّ؟ (فرنَّ) صوتٌ من السماء ثانية له: هذا هو ابني الحبيب الذى به سررت (مت3/7). ثمَّ، قيل، أنَّ يوحنَّا سقط أمامه وقال: أتوسَّل إليك ياربّ،عمِّدني أنت، ولكن منعه وقال: دَعْ هذا، لأنَّه يليق أنْ يكمل كلّ شيء"(19).

    (3) فقرات من إنجيل العبرانيِّين: ترجم هذا الكتاب القدِّيس جيروم في القرن الرابع ونقل فقرات عديدة في كتاباته. يقول : " الإنجيل المسَمَّي بحسب العبرانيِّين الذي ترجمته حديثا إلي اليونانيَّة واللاتينيَّة والذي يستخدمه أوريجانوس تكرارًا يُسجِّل بعد قيامة المخلِّص " وعندما أعطي الربّ رداء الكتَّان لخادم الكاهن ذهب ليعقوب وظهر له (1كو5/7). لأنَّ يعقوب أقسم أنَّه لن يأكل خبزًا من الساعة التي شرب فيها كأس الربّ (مر14/25) حتَّي يراه قائمًا من بين الراقدين. وبعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ قال الربُّ: أحضر مائدة وخبز ! وفي الحال أضيف: وأخذ الخبز وباركه وكسره (مر14/22) وأعطاه ليعقوب البار وقال له: " أخي كلّ خبزك لأنَّ اِبن الإنسان قام من بين الراقدين "(20).

    ثالثًا – فقرات من الأناجيل الغنوسيَّة(21):

    وهي الأناجيل التي كتبها واستخدمها زعماء وأفراد هذه الهرطقة(22) وأعطوها أسماء رسل المسيح، وأسماء مستخدميها كإنجيل المصريِّين، وأسماء زعماء الغنوسيَّة، كإنجيل ماركيون. وبرغم أنَّ هذه الكتب تحمل شهادة قويَّة للاهوت المسيح وصلبه وقيامته ألاَّ أنَّها تمتلئ بالأفكار الهرطوقيَّة الخياليَّة والأسطوريَّة. فهي مزيجٌ بين الفكر المسيحيّ واليهوديّ والوثنيّ.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (17) يقال أنهم لم يستخدموا الإنجيل للقديس متى كاملاً بل مبتوراً .

    (18) يدل قوله عن الروح القدس " دخلت فيه " ثم قوله " اليوم ولدتك " على عقيدتهم التي تقول " أن المسيح الإله نزل على يسوع في العماد وحل فيه واتحد به " .

    (19) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 157.

    (20) Ibid. p.165.

    (21) الغنوسية ومعناها " دعوة للمعرفة " هي عبارة عن مزيج من الأفكار المسيحية والإغريقية واليهودية والزردشتية والفلسفة والأسرار والديانات الثيوصوفية ، وتتضمن فكرة الفداء بالمسيح ولاهوته . The International Standard Bible Encyclopedia Vol. 2 p. 484.

    (22) كلمة هرطقة Heresy (Heiresis) ومعناها " اختيار " استخدمت للتعبير عن المدارس الفكرية الهيلينية ، كما استخدمت للتعبير عن الجماعات الدينية اليهودية (أنظر أع7:5؛5:15؛5:26) . واستخدمت في الكنيسة الأولى بنفس المعنيين السابقين ، خاصة ، للتعبير عن الجماعات التي دعيت بعد ذلك بأصحاب البدع لخروجها عن تعاليم الكنيسة . ثم اصبح معنى هرطقة بعد ذلك بدعة .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 79 -

    (1) إنجيل المصريِّين اليونانيّ: ويرجع إلي القرن الثاني(23)، وكان أوَّل من أشار إليه هو القدِّيس إكليمندس الإسكندري(24)من القرن الثاني. وجاء فيه: " لأنَّه (يسوع) يقول: ليس كلّ من يقول لي، يارب يارب يخلص، بل الذي يفعل البرّ "(25). وقال القدِّيس إبيفانيوس عن أصحاب هرطقة سابيليوس(26) أنَّ " كلّ خطأهم وقوَّته هو أنَّهم يأخذون (يستخرجون) عقائدهم من بعض الأبوكريفا، خاصَّة المسَمَّي إنجيل المصريِّين، كما يُسَمِّيه البعض، لأنَّه مكتوبٌ فيه مثل هذه الأشياء الناقصة كأنَّها جاءت سرًا من المخلِّصِ، كالتي كشفها للتلاميذ أنَّ الآب والابن والروح القدس واحد ونفس الشخص والأقنوم"(27).

    (2) إنجيل المصريِّين القبطي: ويختلف عن اليونانيّ وقد اِكتُشف في نجع حمَّادي سنة 1945م. ويقول عن المسيح " القوَّة التي لا تُقْهَر الذي هو المسيح العظيم ". ويختم بالقول : " يسوع المسيح اِبن اللَّه "(28).

    (3) إنجيل بطرس: ويرجع إلي القرن الثاني وقد وُجِدَتْ نسخته في إخميم في شتاء 1886-1887م، وهو الآن في متحف القاهرة. ويبدأ الجزء الموجود منه بغسل أيدي بيلاطس وهو يُبَرِّئ نفسه من دمِ المسيح ويشتمل علي محاكمة المسيح وصلبه وموته وقيامته وينتهي بعد القيامة بحديث يدلّ علي أنَّ له بقيَّة مفقودة والعبارة الأخيرة منه مبتورة وقد جاء فيه:"أسلمه (بيلاطس) 000 وهكذا أخذوا الربَّ ودفعوه بشدَّةٍ وقالوا: فلنسوق الآن اِبن اللَّه فقد أعطينا سلطانًا عليه. ووضعوا عليه ثوبًا أرجوانيًا وأجلسوه علي كرسي القضاء وقالوا: " اِحكم بالبرِّ ياملك إسرائيل"! (يو19/13). وأحضر واحد منهم إكليلاً من الشوك ووضعه علي خدَّيْه، وآخرين ضربوه بقصبةٍْ (مر14/65؛15/16-20والبعض جلدوه قائلين: فلنُكْرِم اِبْن اللَّه بمثلِ هذه الكرامة. واحضروا مذنبَين وصلبوا الربًّ وسطهما (مر15/24) 000 وعندما نصبوا الصليب كتبوا عليه "هذا هو ملك إسرائيل " (مر15/26 ووضعوا ملابسه أمامهم واقتسموها بينهم مقترعين عليها " (مر15/24).

    " وفى الليلة التي بزغ فيها يوم الربِّ، بينما كان الحرَّاس يحرسون حراساتهم، اِثنين في كلِّ ساعةٍ، رنَّ صوتٌ عالٍ في السماء ورأوا السموات مفتوحة ونزل منها رجلان في بهاء عظيم ونزلا مباشرة إلي القبر.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (23) ويختلف عن الإنجيل الذي أكتشف حديثا في نجع حمادى سنة 1945م .

    (24) See Clement Alex. Strom. 3, 42.

    (25) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 170.

    (26) ظهرت هذه البدعة في أوائل القرن الثالث ونادت بوحدة الأقنوم في الذات الإلهية وقالت أن الآب والابن والروح القدس هم ثلاث تجليات للذات الإلهية المكونة من الأقنوم الواحد .

    (27) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 170.

    (28) James M. Robinson, Director the Nag Hammadi Library in English p. 197,205.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 80 -

    وبدأ الحجر الموضوع أمام القبر يتدحرج عن ذاته إلي جانب القبر، وفُتِحَ القبر، ودخل الشابَّان. وعندما رأى الجنود ذلك أيقظوا قائد المائة والشيوخ لأنَّهم كانوا أيضًا هناك للمساعدة في الحراسة. وبينما كانوا يسترجعون ما حدث رأوا ثانيةً ثلاثة رجال خارجين من القبر 000 والصليب يتبعهم 000 وسمعوا صوتًا خارجًا من السماء يصيح: أنت بَشَّرْت الراقدين"(29).

    (4) إنجيل الحقيقة: ويرجع للقرن الثاني، وقد اِكتُشِف في نجع حمادى سنة 1945، جاء فيه عن لاهوت المسيح: " إنجيل الحقيقة بهجة لأولئك الذين قبلوا من أبي الحقيقة هبة، معرفته خلال قوة الكلَّمة (المسيح) الذي جاء من البليروما (ملء اللاهوت ) (أنظر كو9/2الواحد الذي في فكر الآب وعقله، الذي هو الواحد المخاطب بالمخلَّص الذي هو اِسم العمل قام به الفداء أولئك الذين كانوا يجهلون الآب "(30).

    وجاء فيه صلب المسيح " لهذا السبب ظهر يسوع 000 وسُمِّرَ علي الشجرة وأعلن أمر الآب علي الصليب 000 فقد وضع نفسه للموت برغم أنَّ الحياة الأبديّضة ترتديه "(31).

    (5) حكمة يسوع المسيح: وترجع أقدم مخطوطاته إلي القرن الثالث أو بداية الرابع(32) ويبدأ هكذا: " بعد أنْ قام (يسوع) من الأموات تبعه تلاميذه الإثنا عشر وسبعة نساء اللواتي تبعنه كتلميذات، عندما جاءوا إلي الجليل 000 وهناك ظهر لهم المخلِّص، ليس في شكله الأصليّ ولكن في الروح غير المرئيّ، كان ظهور ملاك عظيم من نور. أمَّا شكله فلا أستطيع وصفه 000 وقال سلام لكم، سلامي أنا أعطيكم "(33).

    (6) حوار المخلص: وُجِدَتْ هذه الوثيقة في اللغة القبطيَّة الصعيديَّة فقط في مكتبة نجع حمادي 1945. وجاء فيها سؤال التلاميذ للمسيح، هكذا: " يا رب قبل أنْ تظهر هنا (علي الأرض) من كان هناك (في السماء) ليُعْطِيك المجد؟ لأنَّه فيك (خلالك) كلّ الأمجاد، ومن كان هناك ليباركك حيث منك تأتي كلّ البركة؟ "(34).

    وجاء فيه هذه الطِلبة: " استمع إلينا أيَّها الآب البار كما استمعت لابنك الوحيد وأخذته إليك "(35).

    (7) إنجيل فيلبس: ويرجع إلي القرن الثاني وقد وُجدت له مخطوطة ترجع إلي القرن الثالث ضمن مجموعة نجع حمادي مُترجمة إلي القبطيَّة الصعيديَّة. وجاء فيه قول منسوب للربِّ يسوع المسيح علي الصليب: " إلهي إلهي لماذا يا رب تركتني؟ قال هذه الكلمات علي الصليب، لأنَّه انقسم هناك 000 قام الرب من الموت "(36).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (29) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 184.

    (30) The Nag Hammadi Library in English p. 37.

    (31) Ibid. 39.

    (32) واكتشفت له مخطوطة في أخميم وبيعت لقسم المصريات في متحف برلين سنة 1896م وترجع للقرن الخامس .

    (33) The Nag Hammadi Library in English p. 207-209.

    (34) Ibid. 234.

    (35) Ibid. 230.

    (36) Ibid. 141.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 81 -

    (8) إنجيل توما (مجموعة أقوال منسوبة للربِّ يسوع المسيح)(37) ويرجع إلي القرن الثاني وقد ذكره كلٍّ من القدِّيس هيبوليتوس (230م) والعلامة أوريجانوس (233م)، وقد اِكتُشفت نصوصه كاملةً ضمن مجموعة نجع حمادي.

    جاء في القول28(Logia 28):" أنا وقفت في وسط العالم وظهرت لهم في الجسد ووجدتهم كلَّهم سكاري ولم أجد بينهم أحدٌ عطشان. وكانت نفسي حزينة علي بني البشر لأنَّهم عميان في قلوبهم لا يبصرون "(38).

    وجاء القول77 " قال يسوع أنا هو النور. أنا هو الكلُّ. الكلُّ جاء منِّي والكلُّ يعود إلَيّ. أشطر (قطعة) الخشب: أنا هناك. ارفع الحجر وستجدني هناك "(39).

    (9) أبوكريفا يوحنَّا: ويرجع إلي القرن الثاني(40). وهو عبارة عن مجموعة أقوال جاء فيه أنَّ أحد الفرِّيسيِّين شكَّك يوحنَّا بن زبدي في حقيقة الربِّ يسوع المسيح، فمضي يوحنَّا حزينًا إلي مكانٍ منعزلٍ في الجبل تدور في ذهنه أسئلة عديدة فرأي المسيح نازلاً من السماء " وبدت الخليقة كلها في نور، ليس أرضيًا، وبدأ العالم يضطرب كلُّه، وقال له : يوحنَّا لماذا أنت في شكٍّ؟ أنا هو الذي معك دائمًا. أنا هو الآب، أنا هو الأم، أنا هو الابن، أنا هو الموجود الأبديّ، غير الدنس"(41).

    (10) أبوكريفا يعقوب: وُجِدَ هذا العمل الأبوكريفيّ في نجع حمادي 1945 وقد جاء به: "فأجاب الرب (يسوع) وقال الحق أقول لكم لن يخلُص أحدٌ إلاَّ إذا آمن بصليبي. والذين آمنوا بصليبي لهم ملكوت اللَّه 000 سأحضر إلي المكان الذي منه جئت 000 استمعوا إلي التسابيح التي تنتظرني في السموات لأني اليوم سآخذ مكاني علي يمين الآب 000 مباركين أولئك الذين ينادون بالابن قبل نزوله "(42).

    (11) الإنجيل بحسب مريم المجدليَّة: ويرجع إلي القرن الثالث وتُوجد له ترجمة إلي القبطيَّة ترجع للقرن الخامس، ويُوجد ضِمْن مجموعة جون رايلانذ بمنشتسر. وقد جاء فيه: " ولماَّ قال الواحد المبارك (يسوع) هذا حيَّاهم كلُّهم قائلاً: سلامٌ لكم، إقبلوا سلامي. إعلموا إذًا أنَّه لن يُضلِّكم أحدٌ بالقول " أنظروا هنا " أو " أنظروا هناك " لأنَّ ابن الإنسان داخلكم. اتبعوه. الذين يبحثون عنه سيجدونه "(43).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (37) وهو عبارة عن مجموعة من الأقوال القريبة جداً من الأناجيل الأربعة ، خاصة الموعظة على الجبل (مت5-7).

    (38) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 514.

    (39) Ibid.519.

    (40) يوجد له أربع مخطوطات ترجع إلى ما بين القرن الثالث والخامس ، وقد وجدت الأولى في أخميم والباقين في نجع حمادى .

    (41) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 322.

    (42) Ibid. 333-337.

    (43) Ibid. 431.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 82 -

    (12) حديث بعد القيامة: Epistula Apostolorum ويرجع هذا العمل إلي القرن الثاني(43)(وقت المعركة بين المسيحيَّة والغنوسيَّة). جاء فيه ما يُسَمَّي بتعليم التلاميذ الإثنى عشر فيما يختصّ بربِّنا يسوع المسيح: " نحن نعرف هذا، أنَّ ربّنا ومخلِّصنا يسوع المسيح إله. اِبن اللَّه الذي أرسل من اللَّه، حاكم العالم كلّه 000 ربّ الأرباب وملك الملوك وحاكم الحكام. السماويّ الذي هو فوق الشاروبيم والسرافيم ويجلس عن يمين عرش الآب "(44).

    (13) كتاب الحكمة: The Pi‎stis Sophiaويرجع للقرن الثالث(45). يبدأ الكتاب الأوَّل منه بالحديث عن قيامة السيد المسيح من الموت " بعد أنْ قام يسوع من الموت ". ويتحدِّث في الثاني عن صعود السيِّد المسيح إلي السموات ويروي أفراح السماء بصعوده إليها واضطراب كلّ قوَّات السماء. ثمَّ يتحدَّث عن ظهوره لتلاميذه " ثم انفتحت السموات 000 ورأوا يسوع وقد نزل وبهاؤه (إشرافه) ساطع جدًا وكان نوره لا يُقاس 000 ولم يستطعْ البشر في العالم أنْ يصفوا النور الذي كان عليه "، ثمَّ يروي خوف التلاميذ واضطرابهم لرهبة هذا المنظر " ولما رأي يسوع، الرحيم والحنان أنَّ التلاميذ في غاية الاضطراب. قال لهم: تهلَّلوا أنا هو لا تخافوا 000 ثمَّ سحب بهاء نوره، عندئذ تشجَّع التلاميذ ووقفوا أمام يسوع وخرُّوا معًا وسجدوا له بفرحٍ وابتهاجٍ عظيمٍ "(46).

    (14) اللوجوس العظيم: The Tow Books of Jeu: أو كتاب " اللوجوس العظيم بحسب السرِّ" ويرجع للنصف الأوَّل من القرن الثالث(47).وقد جاء فيه هذا الحديث: "أجاب الرسل بصوت واحد 000 قائلين: يا ربّ يسوع أنت الحيّ الذي إنتشر خلاصه علي الذين وجدوا حكمته وهيئته التي يضيء بها - أيَّها النور الذي في النور الذي يُضيء قلوبنا حتَّي نأخذ نور الحياة - أيَّها الكلمة (اللوجوس) الحقيقيّ الذي بالمعرفة تعلِّمنا 000 أجاب يسوع الحيّ وقال مبارك الرجل الذي يعرف هذا "(48).

    (15) إنجيل نيقوديموس: ويرجع للقرن الثاني ويُقَسَّم إلي جزأَين:

    (أ) أعمال بيلاطس: ويروي محاكمة السيد المسيح وصلبه موته وقيامته من بين الأموات! وهذه بعض الفقرات منه: " قال يسوع: موسي والأنبياء تنبَّأوا عن موتي وقيامتي (لو24/44-46)" (ف4:3) .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (43) اكتشف هذا العمل كارل سكمت Carl Schmidt سنة 1895م في نص قبطي بالقاهرة .

    (44) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 227.

    (45) يوجد نص هذا الكتاب على مخطوطة من الورق ترجع للقرن الرابع ومحفوظة في المتحف البريطاني منذ سنة 1773م .

    (46) New Testament Apocrypha Vol. 1. P.261-263.

    (47) بيعت مخطوطته في طيبة أو في مدينة هيبو Habu عام 1769م وحفظت في أكسفورد منذ عام 1948 .

    (48) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 262.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 83 -

    قال السيَّد المسيح للصِّ اليمين: " اليوم تكون معي في الفردوس (لو23/43) " (ف10:2) . وقال الربُّ يسوع المسيح لتلاميذه بعد القيامة وقبل الصعود مباشرة " اذهبوا إلي العالم أجمع وأكرزوا بالأناجيل للخليقة كلِّها، من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدَنْ، وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يُخرجون الشياطين باسمي، ويتكلَّمون بألسنة جديدة، يحملون حيَّات وإن شربوا شيئًا مميتًا لن يضرَّهم ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون (مر16/15-18). وبينما كان يسوع يتكلَّم مع تلاميذه رأيناه يصعد إلي السماء(49).

    (ب) نزول المسيح إلي الجحيم: يروي نزول المسيح إلي الجحيم أثناء خروج روحه من جسده وإخراجه للأرواح المنتظرة علي الرجاء: " صاح صوتٌ عظيمٌ مثل الرعد قائلاً: افتحوا أيَّها الحكَّام أبوابكم وارتفعي أيَّتها الأبواب الداهريَّات فيدخل ملك المجد " (ف1:5) .

    " ومدَّ الملك يده اليُمني وأمسك أبينا آدم وأقامه، إتجه إلي الباقين وقال: تعالوا معي يأكل الذين ذقتم الموت بالشجرة التي لمسها الإنسان لأنِّي أقمتكم ثانية بشجرة الصليب 000 قال الأنبياء والقدِّيسون نقدِّم لك الشكر أيَّها المسيح مخلِّص العالم لأنَّك خلَّصت حياتنا من الفساد " (ف1:8)(50).

    (16) إنجيل برثولماوس: ويُسَمَّي في النصِّ القبطيّ " كتاب قيامته يسوع المسيح بحسب برثولماوس الرسول". جاء فيه هذه الصلاة " وسقط برثولماوس علي وجهه ونثر ترابٌ علي رأسه ثم بدأ " أيَّها الربّ يسوع المسيح، الاسم المجيد والعظيم. كلّ طبقات الملائكة تسبِّحك. وأنا أيضًا، الغير مستحق بشفتيّ، أسبِّحك يا ربِّ. استمع إليّ أنا خادمك استمع إليّ أيَّها الربِّ يسوع المسيح، وارحم الخطاة "(51).

    (17) إنجيل ماني " الإنجيل المتوافق ": استخدم ماني الهرطوقي " المبتدع(52)الأناجيل الأربعة الصحيحة إلي جانب دياتسرون تاتيان(53)والأناجيل الأبوكريفيَّة مثل إنجيل فيلبُّس وكتاب طفولة الربّ وجمعها في مجلدٍ واحدٍ، متوافق، شبيه بدياتسرون تاتيان، وهذه فقرة منه عن محاكمة السيِّد المسيح: " بالحقيقة هو اِبن اللَّه. وأجاب بيلاطس هكذا، أنا بريء من دم اِبن اللَّه 000 ". وفي فجر الأحد ذهبت النسوة إلي القبر حاملات الطيب " واقتربن من القبر 000 ولما كلَّمهن الملاكان قائلين: لا تبحثن عن الحيّ بين الأموات! تذكرن كلام يسوع كيف علَّمكم في الجليل: سوف يُسَلِّموني ويَصْلِبُوني وفى اليوم الثالث أقوم من الموت "(54).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (49) Anti Nicene Fathers Vol. 8. pp. 435-450.

    (50) Anti Nicene Fathers Vol. 8. pp. 450- 458.

    (51) Ibid.

    (52) ماني (حوالي216-274م) ظهر في فارس وكان قد تعلم في مصر وأدعى أنه الباراقليط الذي وعد به الرب يسوع المسيح تلاميذه وإرساله بعد صعوده إلى السماء (يو16:14-26؛36:15) . وقال أنا رسول المسيح .

    (53) دياتسرون Diatesstaron كلمة سريانية ومعناها رباعي ، فقد جمع تاتيان السوري (110-172م) الأناجيل الأربعة في كتاب واحد متوافق أسماه رباعي Diatesstaron .

    (54) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 352.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 84 -

    (18) إنجيل ماني "الإنجيل الحيّ": وإلي جانب الإنجيل المتوافق، كتب ماني كتابًا أسماه " الإنجيل الحيّ " وأيضًا " إنجيل الحيّ " و "الإنجيل العظيم"(55) وإدَّعي أنَّه نزل عليه من السماء، وقد جاء فيه " مسبح هو وسيكون مسبح اِبن الحبّ العزيز " يسوع مُعطي الحياة 000 أنا ماني، رسول يسوع الصَدِيق (Friend) في حبِّ الآب"(56).

    (19) مزامير المانيِّين: كان لأتباع ماني (المانيِّين) كتاب مزامير وتسابيح وترانيم جاء فيه:"يسوع هو الذي يُعطي التوبة للذي يتوب. فهو يقف في وسطنا. هو الذي يومض لنا سرًا قائلاً: توبوا لكي اغفر لكم خطاياكم" . " إنَّه (يسوع) ليس بعيدًا عنَّا يا إخوتي كما قال في كرازته: أنا أقرب منكم مثل ملبس جسدكم "(57).

    رابعًا : فقرات من أناجيل الطفولة:

    تروى هذه الكتب قصص وأساطير خياليَّة عن ميلاد المسيح وطفولته وذهابه إلي مصر وعودته منها، وقد كُتِبَتْ هذه الكتب لتُشبع فضول البسطاء عن بقيَّة أحداث حياة المسيح التي لم تذكرها الأناجيل الصحيحة(58).

    (1) إنجيل يعقوب الأوَّل: ويرجع إلي القرن الثاني(59)،ويروي روايات عديدة عن الحبل بالعذراء مريم وميلادها وطفولتها وبشارة الملاك لزكريَّا والحبل بيوحنَّا المعمدان، وبشارة الملاك للعذراء وميلاد الربِّ يسوع المسيح بعد ميلاد المعمدان وقتل أطفال بيت لحم، وينتهي بقتل زكريَّا بين الهيكل والمذبح(60).

    (2) إنجيل توما الإسرائيلي: ويرجع للقرن الثاني(61)، ويروي عدَّة روايات عن طفولة المسيح من سنِّ الخامسة إلي الثانية عشر، وينسب له معجزات عديدة كشفاء الأمراض وإحياء الموتي وخلق طيور من طين(62).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (55) وجدت أقسام هذا الكتاب ضمن المكتبة المانية التي اكتشفت في الفيوم سنة 1930م .

    (56) Ibid.359.

    (57) Ibid.354.

    (58) لم يذكر الإنجيل بحسب ما دونه القديس مرقس والقديس يوحنا شيئاً عن ميلاد المسيح وطفولته وصبوته وشبابه إلى سن الـ 30 سنة ، كما لم يذكر الإنجيل بحسب ما دونه متى ولوقا سوى بعض أحداث الحبل به وميلاده وختانه في الهيكل وزيارة كل من الرعاة والمجوس له ورحلة الهروب إلى مصر ، دون تفصيل لما حدث بين هذه الأحداث والفترات ، ثم ذهابه للهيكل في سن الثانية عشر .

    (59) ترجع مخطوطاته والموجودة في مجموعة بودمير Bodmer إلى القرن الثالث .

    (60) Anti Nicene Fathers Vol.8 p.366.

    (61) كانت لهذا الكتاب شهرة كبيرة في الغرب حتى العصور الوسطى وتوجد له نسخ عديدة يونانية ولاتينية .

    (62) Anti Nicene Fathers Vol.8 p.353 – 68.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 85 -

    (3) إنجيل الطفولة العربي: ويرجع إلي القرن الخامس وما قبله وهو مُتَرجم إلي العربيَّة من السريانيَّة وتُوجد فصوله الأولي من (1-9) في أناجيل متي ولوقا وإنجيل يعقوب الأوَّل، كما توجد الفصول من (36-55) في إنجيل توما، وبقيَّة الفصول من (10- 35) شرقيَّة في أسلوبها مثل روايات فرسان العرب. وقد جاء فيه عن خلقة المسيح لعصافير وطيور من الطين " وصنع أشكالاً من الطيور والعصافير، التي طارت حينما أخبرها أنْ تطير، ووقفت ساكتة عندما أمرها أنْ تقف وأكلت وشربت عندما أعطاها طعامًا وشرابًا "(63).

    (4) إنجيل متَّي المنحول: كُتب في القرن السابع ويزعم في مقدِّمة ومخطوطته اللاتينيَّة أنَّه كُتِبَ باللغة العبريَّة علي يدِ متَّي الرسول ثمَّ تُرجم إلي اللاتينيَّة علي يدِ القدِّيس جيروم. يحكي ميلاد العذراء وطفولتها وميلاد السيد المسيح وطفولته إلي سن الثانية عشر، ويروي العديد من المعجزات والروايات الخياليَّة التي، يقول أنَّها حدثت أثناء طفولة السيِّد المسيح وأثناء رحلة الهروب إلي مصر مثل تحطيم أوثان مصر وإنحناء النخلة العالية للعذراء لتعطيها من ثمرها لتشبع به جوعها وتحويل النهر الجاف إلي نهر جاري يروي ظمأ يوسف، فيقول في (ف20) " حينئذ فأنَّ الصبيّ يسوع بملامح سارَّة، استراح في حضن أمِّه، قائلاً للنخلة " يا شجرة، أحني أغصانك، وأنعشي أمِّي بثمارك. وفي الحال عند تلك الكلمات أحنت النخلة قمَّتها إلي أسفل عند أقدام القدِّيسة مريم وجمعوا منها ثمارًا، انتعشوا بها كلّهم. وبعد أنْ جمعوا كلّ ثمارها بقيت منحنية لأسفل، منتظرة الأمر لترتفع من الذي أمرها بالإنحناء. حينئذ قال لها يسوع: " ارتفعي بذاتك يا نخلة وكوني قوية ورفيقة أشجاري، التي في فردوس أبي وإفتحي من جذورك مجري من الماء الذي كان مختبئًا في الأرض ودعي المياه تنساب حتَّي نكون راضين عنك. وفي الحال ارتفعت وعند جذورها تدفق نبع من الماء رائقًا جدًا وباردًا ولامعًا. فحينما رأوا نبع الماء ابتهجوا بفرحٍ عظيمٍ وكانوا راضين هم ذاتهم وجميع أبقارهم ودوابهم "!!

    كما جاء فيه عن خلقة المسيح لعصافير من طين (ف27) " أخذ يسوع طين صلصال من الأحواض التي صنعها ومنها صنع إثني عشر عصفورًا. وكان السبت حينما فعل يسوع ذلك 000 وعندما سمع يوسف ذلك إنتهره قائلاً " لماذا تفعل أنت في السبت، تلك الأمور التي لا يحلّ لنا فعلها؟ " . وعندما سمع يسوع يوسف خبط يديه سويًا وقال لعصافيره: " طيري ! ". وعلي صوت أمره بدأت في الطيران. وعلي مرأي ومسمع من جميع الواقفين جانبًا، قال للطيور: "إذهبي وطيري خلال الأرض وخلال كلّ العالم وعيشي "(64).

    كما جاء فيه أيضًا أنَّ العذراء مريم ولدت بدون ألم " لم يكن هناك سفك دم في إنجابه ولا ألم في ولادته . عذراء حبلت . عذراء أنجبت . عذراء ظلت " (ف13).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (63) Ibid. p.368.

    (64) Ibid.368.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 86 -

    خامسًا: الكتابات والأعمال المنسوبة للرسل:

    وقد كُتِبَت لتروي - من وجهة نظر كتَّابها - أعمال الرسل أثناء كرازتهم بالبشارة المسيحيَّة. ويتَّفق بعض ما جاء فيها مع التقليد الصحيح والكثير منها يحتوي علي فكر غنوسيّ وفكر أبيونيّ .

    (1) كرازة بطرس kyrygma petru: ويرجع هذا العمل للنصف الأوَّل من القرن الثاني وقد اقتبس منه إكليمندس الإسكندري ونسبه للقدِّيس بطرس تلميذ المسيح. وننقل هنا بعض مما اقتبسه: " يقول الرب في " كرازة بطرس " بعد القيامة : أنا اخترتكم اثنا عشر ورأيت أنكم مستحقُّون أنْ تكونوا تلاميذي. وأرسلت الذين اقتنعت أنَّهم سيكونون رسلاً حقيقيِّين إلي العالم 000 ليعرفوا أنَّه يُوجد إله واحد وليُعلنوا أحداث المستقبل التي ستكون بالإيمان بي (المسيح)، إلي النهاية حتَّي أولئك يسمعون ويؤمنون يخلصون "(65).

    ويتحدَّث بطرس أيضًا في " الكرازة " عن الرسل كالآتي: " لقد فتحنا كُتب الأنبياء التي لدينا ووجدنا اسم يسوع المسيح ومجيئه وموته وصلبه وبقيَّة العذابات الأخري التي أنزلها به اليهود وقيامته وصعوده إلي السماء، البعض بأمثال والبعض بألغاز والبعض بكلماتٍ واضحةٍ ومُؤكَّدة "(66).

    (2) كيريجماتا بطرس:The Kerygmata Petrou ، وهو عمل أبيونيّ ويرجع حسب رأي غالبيَّةالعلماء إلي نهاية القرن الثاني (200م) أو بداية القرن الثالث(67). وقد جاء فيه هذا القول المنسوب للقدِّيس بطرس: " أنِّي مُتَيَقِّن أنَّ العيون الماديَّة لا يمكن أنْ تري الكيان الروحيّ للآب والابن لأنَّه مُغَلَّف بنور لا يُدنَي منه (1تي6/16) 000 والذي يراه يموت (خر33/21) 000 ولا يوجد من يقدر أن يري القوة الروحية للابن لما سأل الرب - ماذا يدعوه الناس – مع أنى سمعت الآخرين يعطوه اسمًا آخر – فقد ثار قلبي في الأقوال، ولا أعرف كيف قلت ذلك: أنت هو اِبن اللَّه الحيّ " (مت16/16-17)"(68).

    (3) الرسالة إلي لاوديكيا المنحولة: وترجع إلي القرن الثاني(69)وهي عبارة عن مجموعة من الفقرات المأخوذة من رسائل بولس، وخاصَّة الرسالتان إلي فيلبي والي غلاطية. وتبدأ هكذا: "بولس الرسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح إلي الاخوة الذين في لاوديكيا 000 أشكر المسيح في كلِّ صلاتي لأنَّكم ثابتون فيه ومحفوظون في عمله". ويختم بالقول: "نعمة الرب يسوع تكون مع روحكم "(70).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (65) Strom. 6:6, 48.

    (66) Ibid. 6:16.

    (67) ويبدأ الكتاب بمقدمة عبارة عن رسالة منسوبة لبطرس الرسول Epistula Petrou ، ثم حوار بين بطرس ويعقوب أسقف أورشليم وشيوخ أورشليم Contestatio .

    (68) New Testament Apocrypha Vol. 2. pp. 131,132.

    (69) ذكرت في قانون موراتوري (The Muratori Canon) ، الذي كتب في روما قيل سنة 200م ونصه ما جاء عنها " يوجد أيضاً " رسالة " للودوكيين وأخرى للإسكندريين زيفا باسم بولس لشيعة ماركيون " Ibid. 44.

    (70) Ibid. 131,132.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 87 -

    (4) رسالة تيطس المنحولة: وتُنسب لتيطس تلميذ بولس الرسول وقد اكتُشفت لها مخطوطة لاتينيَّة ترجع للقرن الثامن، وهي مترجمة عن اليونانيَّة، ومتأثِّرة بالكتب الأبوكريفيَّة الأخري، ومليئة بالإقتباسات المباشرة من العهد الجديد والعهد القديم. تبدأ بالقول: " يقول الربُّ في الإنجيل 000 ". وتُخْتَم بالنصِّ التالي المأخوذ عن إنجيل متَّي وسفر الرؤيا: " يقول المسيح الرب 000 سأعطيهم نجم الصبح الأبدي (رؤ2/28) 000 وأيضًا سيهب الغالبين أنْ يلبسوا ملابس باهية ولن يُحذف اسمهم من سفر الحياة. فهو يقول سأعترف بهم أمام أبي وملائكته، في السماء (مت20/22). لذلك مباركين أولئك الذين يثابرون إلي المنتهي، كما يقول الرب: من يغلب فسأعطيه أنْ يجلس علي يميني في عرشي، كما غلبت أنا وجلست عن يمين أبي في عرشه كلّ الدهور (رؤ3/21) من الأبد وإلي الأبد "(71).

    (5) أعمال يوحنَّا: شهد لها إكليمندس الإسكندري في القرن الثاني وتُوجد لها مخطوطات عديدة بلغات متعدِّدة آخرها برديَّات البهنسا، يصف الكاتب تجلِّي الربُّ يسوع المسيح علي الجبل هكذا: " أخذني أنا ويعقوب وبطرس إلي الجبل حيث اعتاد أنْ يصلِّي ورأينا " عليه " نورًا لا يستطيع إنسان أنْ يصفه بكلامٍ عاديٍّ ماذا كان يشبه 000 ثم رأيت رجليه وكانت أبيض من الثلج حتَّي أنَّها أضاءت الأرض هناك، وامتدت رأسه إلي السماء، ولذا كنت خائفًا وصرخت "(72).

    وفي رؤيا الصليب يقول: " وعندما كان معلقًا (علي الصليب) يوم الجمعة في الساعة السادسة حدثت ظلمة علي الأرض "(73).

    (6) أعمال بطرس: وترجع إلي ما قبل سنة 190م، اقتبس منها إكليمندس الإسكندري وأوريجانوس ويوسابيوس القيصري. جاء فيها هذا القول منسوبًا للقدِّيس بطرس: " أيَّها الواحد الوحيد القدُّوس، أنت ظهرت لنا، أنت الإله يسوع المسيح، باسمك اعتمد هذا الرجل وتعلَّم بالعلامة (علامة الصليب) المقدَّسة "(74). وهذا الاعتراف قبل المعمودية " أؤمن بك يا ربي يسوع المسيح 000 أؤمن باسمك القدُّوس لذا آخذ ماء في يدي وباسمك أنثر هذه الأحجار (الأوثان) "(75).

    وقول أريستون لبطرس: " أخي وسيِّدي وشريك الأسرار المقدَّسة ومُعلِّم طريق الحقّ الذي في يسوع المسيح إلهنا "(76).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (71) Ibid. 225.

    (72) Ibid. 230.

    (73) Ibid. 232.

    (74) Ibid. 258.

    (75) Ibid. 294.

    (76) Ibid.284.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 88 -

    (7) أعمال بولس: وترجع إلي القرن الثاني وقد أشار إليها ترتليان (198- 200م). جاء فيها هذا القول منسوبًا للقدِّيس بولس " إلهي يسوع المسيح الذي خلَّصني من شرور كثيرة (2تي3/11) يهبني ذلك أمام أعين أريتميلا وأيوبولا "(77).لانخاريس " أؤمن يا إخوتي أنَّه لا يُوجد إله آخر سوي يسوع المسيح اِبن المبارك "(78). ولتريفاينا " إلهي وإله هذا البيت، حيث أضاء النور علي، المسيح يسوع اِبن اللَّه مُعيني في السجن ومُعيني أمام الحكَّام، ومُعيني في النار، ومُعيني وسط الوحوش، أنت الإله ولك المجد إلي الأبد "(79).

    (8) أعمال إندرواس: وترجع إلي ما قبل القرن الرابع، من عمل الهراطقة أشار إليها يوسابيوس القيصريّ. وقد جاء فيها هذه الصلاة التي يُقال، حسب هذا العمل، أنَّها لإندراوس قبل استشهاده مباشرة " لا تسمح يا ربِّ أنَّ إندراوس الذي إلتصق بصليبك يُطلق حرًا، لا تُطلقني أنا الذي تعلَّقت بسرِّك (صليبك) 000 أنا المتعلِّق بنعمتك 000 يا يسوع المسيح الذي أنا رأيته والذي أنا ملكه والذي أحبه والذي فيه أنا كائن وأكون. إقبلني بسلامٍ في مساكنك الأبديَّة "(80).

    (9) أعمال توما: يقول تقليد أنَّها من أصل مانويّ وقد أشار القدِّيس ابيفانيوس (ق4) لاستخدام الشيع الغنوسيَّة لها، كما أشار أغسطينوس إلي استخدامها بين المانيِّين(81). جاء فيها هذه الفقرة التبشيريَّة: " آمنوا يا أبنائي بهذا الإله الذي أنادي به، آمنوا بيسوع المسيح الذي أبشِّر به، آمنوا بمُعطي الحياة ومُعين خدَّامه، آمنوا بمخلِّص المتعبين في خدمته "(82).

    (10) أعمال بطرس وبولس: وترجع أقدم مخطوطات هذا العمل إلي القرن التاسع وإنْ كان الكتاب نفسه يرجع لتاريخ أقدم من ذلك فقد أشار أوريجانوس (185 –245 م) إلي إحدى قصصه، السيدة كوفاديس Domine quovadis(83).وقد جاء في نهايته أنَّه لما أمر نيرون بقطع رأس بولس وصلب بطرس " ولما جاء بطرس إلي الصليب قال: لأنَّ ربِّي يسوع المسيح الذي نزل من السماء إلي الأرض رُفع علي الصليب ورأسه لأعلي، وتلطَّف ودعاني إلي السماء أنا الذي من الأرض، لذا يُثَبَّت صليبي ورأسي لأسفل لأوجه قدميَّ للسماء، لأنِّي لست أهلاً أنْ أُصلب مثل ربِّي، فقلبوا الصليب وسمَّروا رجليه لأعلي "(84).

    (11) أعمال بولس وتكلا: أشار إلي هذا العمل تريايان (145 –220م) وقال إنَّ كاتبه هو قسّ أسيويّ كتبه تمجيدًا للقدِّيس بولس. جاء فيه إلي جانب اعتراف تريفاينا، السابق ذكره في أعمال بولس هذه الصلاة المنسوبة لبولس وتكلا " أيَّها المسيح المخلِّص لا تدعْ النار تلمس تكلا، بل قف إلي جانبها فهي لك. وَوَقَفَتْ هي إلي جواره وصاحت: أيَّها الآب يا من صنعت السماء والأرض، أبو اِبنك القدّوس، أباركك لأنَّك أنقذتني "(85).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (77) Ibid. 371.

    (78) Ibid.353.

    (79) Ibid. 472.

    (80) Ibid. 422.

    (81) Ibid. 472.

    (82) Ibid. 521.

    (83) Ante Nicene Fathers Vol.8 pp.355-485.

    (84) Ibid.484.

    (85) Ibid. 489.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 89 -

    (12) أعمال فيلبُّس: ذُكر هذا العمل في قانون البابا جلاسيوس ضمن الكتب الأبوكريفيَّة، وتُرجع التقاليد عنه إلي تاريخ مبكِّر(86). جاء فيه أنَّ فيلبُّس " صلَّي قائلاً: يا ربِّي يسوع المسيح، أبو الدهور وملك النور، الذي جعلتنا بحكمتك حكماء 000 لم تتركنا في أي وقت أبدًا 000 أنت اِبن اللَّه الحيّ 000 الذي توَّج هؤلاء الذين غلبوا العدوّ 000 تعال الآن يا يسوع وأعطيني تاج النُصرة الأبديّ "(87).

    (13) أعمال إندراوس: أشار إليها أبيفانيوس (403م) وترجع إلي ما قبل ذلك، جاء فيها قول إندراوس لغريمه: " إنْ آمنت بالمسيح اِبن اللَّه الذي صُلب سأشرح لك كيف أنَّ الحمل الذي ذُبح سيحيا بعد أنْ صُلِبَ "(88).

    (14) أعمال إندراوس ومتياس: وترجع إلي عصر مبكِّر جدًا من نفس المواد الحقيقيَّة التي كُتبت في العصر الرسولىّ(89).جاء فيه هذا القول لإندراوس عن الربِّ يسوع المسيح: " الحقّ يا أخي لقد بيَّن لنا (يسوع) أنَّه إله، لا تظنّ أنَّه إنسان لأنَّه صنع السماء والأرض والبحر وكلّ ما فيها "(90).

    (15) رؤيا بطرس: وترجع إلي ما قبل 180م. جاء فيها إعلان المجيء الثاني هكذا: " أجاب ربِّنا (يسوع ) وقال: 000 لأنَّ مجيء اِبن اللَّه لن يكون مبينًا ولكن مثل البرق الذي يظهر من الشرق إلي الغرب، هكذا سيأتي علي سحاب السماء مع جمهورٍ عظيمٍ في مجدي، وصليبي ذاهبًا أمام وجهي. سآتي في مجدي مع كلِّ قدِّيسيّ وملائكتي، عندما يضع أبي إكليلاً علي رأسي لأدين الأحياء والأموات وأجازي كلّ واحدٍ بحسب أعماله "(91).

    (16) رؤيا بولس: ذُكِرَت في قانون البابا جلاسيوس (496م) وأشار إليها القدِّيس أغسطينوس (430م). جاء فيها " ثمَّ رأيت اِبن اللَّه نازلاً من السماء وإكليلاً على رأسه وعندما رآه الذين وضعوا في العذاب، صرخوا جميعهم معًا: ارحمنا يا اِبن اللَّه العليّ ، فأنت الذي منحت الراحة للكلِّ في السماء وعلي الأرض. ارحمنا نحن أيضًا، فقد حصلنا علي راحة منذ رأيناك. وجاء صوت اللَّه في كلِّ مكانٍ في العذابات قائلاً: ما الذي فعلتموه لتسألوني عن الراحة؟ لقد سال دمي لأجلكم ولم تتوبوا. لبست تاجًا من الشوك علي رأسي لأجلكم. لأجلكم لُطمت علي خدِّي، ومع ذلك لم تتوبوا. عُلِّقت علي الصليب وطلبت الماء فأعطوني خلاً ممزوجًا بمرٍّ، فتحوا جنبي الأيمن بحربةٍ. لأجل إسمي قتلوا خدَّامي، الأنبياء والأبرار، أعطيتكم الفرصة في كلِّ هذا للتوبة ولم تريدوا "(92).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (86) وتوجد له مخطوطتان واحدة فارسية وترجع للقرن الحادي عشر ، وأخري فينيقية.

    (87) Ibid. 503.

    (88) Ibid.512.

    (89) Ibid.356.

    (90) Ibid.519.

    (91) New Testament Apocrypha Vol. 2. p. 668.

    (92) Ibid. 788.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 90 -

    (17) رؤيا توما: ذكرها القدِّيس جيروم في أواخر القرن الرابع وذُكرت في قانون البابا جلاسيوس. تبدأ هكذا: " اسمع يا توما لأنِّي أنا اللَّه الآب وأنا أبو كلّ الأرواح، إسمع منِّي العلامات التي ستكون في نهاية هذا العام عندما تتمّ نهاية العالم قبل أنْ يأتى مختاري من العالم "(93).

     

    أنَّ هذه الكتب تتَّفق مع العهد الجديد في عدِّة أمور جوهريَّة، مثل لاهوت المسيح وصلبه وقيامته ومجيئه الثاني ودينونته للأحياء والأموات وجلوسه علي العرش في يمين العظمة في السماء، وصحَّة الأناجيل الأربعة وبقيَّة العهد الجديد وعالميَّة الدعوة المسيحيَّة ولا تتَّفق مع إنجيل برنابا المزيَّف في أي شيءٍ بالمرّة.

    وقد أشارت هذه الكتب، جميعها إلي لاهوت المسيح كإلهٍ واِبن اللَّه ووحيد الآب أو أنَّه قوَّة علويَّة والحاكم علي كلِّ مخلوقات اللَّه. كما أشارت إلي حقيقة آلامه وصلبه وموته وقيامته وصعوده إلي السماء وجلوسه عن يمين العظمة في السماء ومجئيه الثاني وكونه ديَّان الأحياء والأموات. كما أنَّها أكَّدت صحَّة الأناجيل الأربعة وبقيَّة العهد الجديد من خلال إقتباسها منها أو انطلاقها منها ومن أحداثها، فكانت خير شاهدٍ لها. كما أشارت إلي عالميَّة الدعوة المسيحيَّة وإعطاء المسيح الأمر لتلاميذه ورسله للكرازة بالإنجيل للخليقة كلِّها في العالم أجمع. وأكَّدت أنَّه لا حياة أبديَّة بدون المسيح.

    .

     

     

     

    كان للكنيسة، منذ البدء، تعليمها الذي تسلَّمته من الرُسل والذي تسلَّموه بدورهم من الربِّ يسوع المسيح، كقول الرسول:"لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً" (1كو11/23). فكان تعليمهم، والذي تَسَلَّمته الكنيسة منهم، هو تعليم الرب نفسه " وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ." (2بط3/2). سلَّم الرُسل التعليم أولاً شفاهةً، وقبل رحيلهم تركوا للكنيسة الأناجيل الأربعة وبقيَّة كتب العهد الجديد، وذلك بيد تلاميذهم وخلفائهم من الذين أقاموهم وعيَّنوهم كأساقفةٍ وقسوسٍ، وهؤلاء سلَّموها بدورهم لمن تسلَّم منهم هذه الأمانة، فظلَّوا محافظين عليها في موضعها في كلِّ كنيسة في العالم. أمَّا هذه الكتب، الأبوكريفيَّة، فلم يتسلَّمها أحدٌ لا من الرسل ولا من غيرهم ممن خلفوهم. وإنَّما خرجت من دوائر أخري خارج حظيرة الكنيسة، وهى دوائر الهراطقة التي، كما يقول القديس ترتليان (145-220م)،

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (93) Ibid.801.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 91 -

    " لا تمتّ للرُسل أو من خلفوهم بصلةٍ"(94). والتي كانت شديدة الخصوبة في إصدار مثل هذه الكتب. وبرغم معرفة علماء الكنيسة، وفى القرون الأولي، بمصدر هذه الكتب وأهدافها إلاَّ أنَّهم درسوها وفحصوها ولم يتردُّدوا، بعد ذلك، في رفضها ووصفها بأنَّها كاذبة ومزوَّرة ولا تستحق مجرد الاهتمام بها. قال القدٍّيس اريناؤس (120-202م) " إنَّ الهراطقة الماركونيِّين أصدروا عددًا لا يُحصي من الكتابات الأبوكريفيَّة والمزوَّرة والتي زيَّفوها بأنفسهم ليُذهلوا عقول الحمقي" (95).

    وقال يوسابيوس القيصريً (264-240م) : " إنَّها معروفة عند مُعظم الكتَّاب الكنسيِّين، وأنّضه في مقدورنا أنْ نميِّز بين هذه الكتب القانونيَّة وتلك التي يُصدرها الهراطقة بأسماء الرُسل مثل إنجيل بطرس وإنجيل متى (المنحول) وغيرها، أو مثل أعمال إندراوس، ويوحنَّا، وغيرهما من الرسل، التي لم يحسب أي واحد من كتَّاب الكنيسة أنَّها تستحق الإشارة إليها في كتاباتهم. وفى الحقيقة أنَّ أسلوبها يختلف إختلافًا بيِّنًا عن أسلوب الرُسل، كما أنَّ أفكارها ومفاهيمها بعيدةً جدًا عن الأفكار القويمة الصحيحة، وهذا دليل علي أنَّها من صُنع خيال الهراطقة، ومن ثمَّ وجب ألاَّ تُحسب بين الكتابات المزيَّفة فحسب، بلّ يجب أنْ تُرفض كليَّةً بإعتبارها سخيفة ونجسة "(96).

    وقال فوتيوس، بطريرك القسطنطينيَّة في النصف الثاني من القرن التاسع: " أنَّ لغتها خالية تمامًا من النعمة التي تتميَّز بها الأناجيل وكتابات الرُسل، وغاصَّة بالحماقات والمتناقضات ". ثم يختم بقوله أنَّها تحوي " عشرات الآلاف من الأشياء الصبيانيَّة التى لاتُصدَّق، السقيمة الخيال، الكاذبة، الحمقاء، المتضاربة، الخالية من التقوي والورع، ولا يُجافي الحقيقة من ينعتها بأنَّها نبع وأمّ الهرطقات "(97).

    (أ) خرافيَّة: تمتلئ هذه الكتب بالأفكار الخرافيَّة والخياليَّة فتنسب للمسيح والرُسل أعمالاً خياليَّة لا مُبَرِّر لها كسجود التنانين والأسود والنمور والثيران والحمير للطفل يسوع! وجعل بطرس سمكة مشويَّة تعوم! وكلب يعظ بصوت آدمي بليغ! وطفل عمره سبعة شهور يتكلَّم كرجلٍ! وكطرد يوحنَّا للبقِّ من أحد البيوت بمعجزة! وسقوط معبد آرطاميس الضخم في أفسس بصلاة يوحنَّا (98).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (94) On Persecution.

    (95) Against Her. 32.

    (96) يوسابيوس ك3 : 52 .

    (97) قرأ 280 كتابا مختلفا وكتب عنها تقريراً في مؤلفه "بيليوتيكا " أثناء إرساليته في بغداد .

    (97) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 : 43 .

    (98) دمر القوط هيكل أرطاميس سنة 262م .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 92 -

    وقصَّة مُهْر يتكلَّم وشاب وتنِّين يرغبان في فتاة فيقتل التنِّين الشاب ثم يمتصّ التنِّين السمّ، بناء علي أمر توما، ويموت ويحيا الشاب! ونري الطفل يسوع، طفلاً مشاكسًا متقلِّبًا ذا طبيعة تدميريَّة يُؤذي معلِّميه ويتسبَّب في موت رفقائه بصورةٍ إعجازيَّة لا مُبَرِّرٍ لها، تمزج قدرة اللَّه بنزوات طفلٍ مشاكسٍ! وتنسب، هذه الكتب، للمسيح ظهورات عديدة بأشكالٍ متنوِّعةٍ كطفلٍ أو فتي أو رجلٍ عجوز وفى أغلب الأحيان في صورة أحد الرسل! كما تنسب للرُسل أعمال خارقة، بدون داعٍ، مثل فتك الصواعق بأعدائهم ! ورعب الفجَّار من قوَّات الطبيعة المخيفة كالزلازل والرياح والنيران! وغير ذلك من الأفكار الأسطوريَّة الخرافيَّة المتأثَّرة بالفكر الإغريقيّ الهيلينسيتىّ والتى تُشبع فضول البسطاء والعامَّة الذين اعتادوا سماع مثلها في دياناتهم الوثنيَّة السابقة لاعتناقهم المسيحيَّة.

    يقول وستكوت: " في المعجزات الأبوكريفيَّة لا نجد مفهومًا سليمًا لقوانين تدخُّلات العناية الإلهيَّة، فهي تجري لسد أعواز طارئة، أو لإرضاء عواطف وقتيَّة، وكثيرًا ما تُنافي الأخلاق، فهي استعراض للقوَّة بدون داعٍ من جانب الربِّ أو من جانب من عُمِلَتْ معه المعجزة "(99).

    (ب) الزهد الجنسي والامتناع عن الزواج: تركِّز هذه الكتب، خاصَّة الأعمال، علي الزهد الجنسيّ والإمتناع عن الزواج وذلك كردِّ فعل للإباحيَّة الجنسيَّة التى كانت سائدة في الديانات الوثنيَّة وتُصوِّر هذه الكتب كفاح الرُسل من أجل طهارة الحياة الزوجيَّة وإقناع الزوجات بالإمتناع عن معاشرة أزواجهن جنسيًا، وتذكر أعمال إندراوس أنَّ المسيح ظهر لعريسَين، في هيئة توما، وربحهما لحياة الإمتناع عن الجنس، وكأنَّ عدم الزواج هو الشرط الأسمي لدخول السماء، جاء في إنجيل المصريِّين، أنَّه عندما سألت سالومي الربّ: " إلي متي يسود الموت ؟ " قال لها الرب " إلي أنْ تكفُّوا أنتُّن النساء عن ولادة الأطفال لأنِّي جئت لأقضي علي وظيفة المرأة"(100).

    (ج) التعاليم الهرطوقيَّة:تمتلىءهذه الكتب بالأفكار الهرطوقيَّةالأبيونيَّة(101)والغنوسيِّة(102) يقول إنجيل الأبيونيِّين أنَّ الروح القدس حلَّ علي المسيح في شكل حمامة ودخل فيه.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (99) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 : 58 .

    (100) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 167.

    (101) آمن الأبيونيين أن يسوع لم يولد من عذراء ، إنما ولد ولادة طبيعية من يوسف ومريم ، ولكنه فاق كل البشر في البر والحكمة وحل عليه المسيح الإله في شكل حمامة ودخل فيه (Iren.Against Her. 1: 16) ، كما يقولون أن المسيح "لم يولد من الآب ، ولكنه خلق كواحد من رؤساء الملائكة 000 وهو يحكم على الملائكة وكل مخلوقات القدير" (أنظر: New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 158).

    (102) أما الغنوسيون فيعتقدون فيه اعتقادات كثيرة أهمها في نهاية القرن الأول وبداية الثاني :

    أ – كيرنثوس : كان معاصراً ليوحنا الإنجيلي واعتقد مثل الأبيونيين أن المسيح نزل على يسوع من السماء (Iren.Against Her. 1: 26).

    ب – سترينيوس : قال أن " المخلص كان بلا ميلاد وبلا جسد وبدون شكل وكان مرئيا افتراضا ، وأنه جاء ليدمر إله اليهود ، الذي كان واحدا من الملائكة ، ويخلص الذين يؤمنون به (Iren.Against Her. 1: 24).

    ج – باسيليدس : اعتقد بسلسلة من الآلهة وأن المسيح هو عقل الآب الغير مولود وقد أرسله الآب ليخلص الذين يؤمنون به (Iren.Against Her. 1: 3).

    د – جماعة السيزيان أوفايت : قالوا أن يسوع ولد من العذراء بعمل الله ثم أتحد المسيح مع الحكمة ونزلا عليه من السماء وهكذا أصبح المسيح (Iren.Against Her. 1: 30).

    ــــــــــــــــــــــ

    - 93 -

    ويقول إنجيل العبرانيِّين أنَّ مريم أمّ المسيح هى الملاك ميخائيل " عندما أراد المسيح أنْ ينزل علي الأرض، اِستدعي الآب الصالح قوَّة قديرة من السماء كانت تُدعي الملاك ميخائيل، وعهد له من ذلك الوقت بالعناية بالمسيح وجاءت القوَّة إلي العالم ودُعِيَت مريم وكان المسيح في رحمها سبعة أشهر "(103).كما يقول إنجيل العبرانيِّين أيضًا، أنَّ الروح القدس أمّ المسيح. قال أورجانوس في تفسيره لإنجيل يوحنَّا: " إذا كان هناك من يقبل الإنجيل بحسب العبرانيِّين حيث المخلِّص نفسه يقول: أمِّي الروح القدس أخذتني بواسطة شعرة من شعري وحملتنى إلي جبل تابور"(104).

    وتصوِّر الأبوكريفا الغنوسيَّة الربّ يسوع المسيح كواحدٍ من سلسلة الآلهة المولودين من البليروما (ملء اللاهوت) وأنَّه عقل الآب غير المولود، كما تصوِّر المسيح الإله وقد حلَّ علي يسوع الإنسان، أو المسيح والحكمة وقد حلا علي يسوع، وتصوِّر بعضها الآب والابن، أو الآب والابن والروح القدس كأقنومٍ واحدٍ وشخصٍ واحدٍ، كإنجيل المصريِّين اليونانيّ. أمَّا غالبية الأعمال – عدا أعمال بولس – وإنجيل بطرس، وبصفة خاصَّة أعمال يوحنَّا، فتُصوِّر الربُّ يسوع بصورة دوسيتيَّة، خياليَّة، فهو بلا ميلاد! بلا جسد وبدون شكلٍ ويُري افتراضًا! وعندما كان يسير لم يكنْ يترك أثرًا لقدميه! وعندما كان يوحنَّا يحاول الإمساك به كانت يد يوحنا تخترق جسده بلا أيّ مقاومة! إذ لمْ يكنْ له جسد حقيقيّ! وكانت طبيعة جسده متغيِّرة عند اللمس فمرَّة يكون جامدًا وتارةً لينًا وأخري خاليًا تمامًا! كما أنَّ آلامه وصلبه وموته كانت مُجَرَّد مظاهر وهميَّة! فبينما كان معلقًا علي الصليب والجموع محتشدة حوله كان هو نفسه في نفس الوقت يتقابل مع يوحنَّا علي جبل الزيتون! لقد كان مُجَرَّد شبح وحياته علي الأرض لم تكنْ إلاَّ خيالاً! وكان يظهر بأشكالٍ متعدِّدةْ ويُغيِّر شكله كيفما يشاء ووقتما يشاء!

    (د) التعليم السرية: زعمت معظم هذه الكتب الأبوكريفيَّة أنَّها أقوال المسيح السرِّيَّة التي إخْتَصَّ بها أحد أو بعض أو كلّ تلاميذه، والغريب أنَّ أكثر من إنجيلٍ منها يزعم أنَّ كاتبه، والذي يزعم أنَّه أحد الرسل، قد خصَّه المسيح وحده بتعاليمه وأقواله السرِّيَّة. وهذه الأقوال السرِّيَّة موجَّهة للخاصَّة فقط، وهذا عكس تعليم الربِّ يسوع المسيح الذي قال " لأَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. اَلَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ فِي الظُّلْمَةِ قُولُوهُ فِي النُّورِ وَالَّذِي تَسْمَعُونَهُ فِي الأُذُنِ نَادُوا بِهِ عَلَى السُّطُوحِ " (مت10/26-27).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (103) New Testament Apocrypha Vol. 1. p. 163.

    (104) Orig. Com. on John b. 2: 26.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 94 -

    المصدر الأوَّل لهذه الأبوكريفا هو العهد الجديد نفسه، فقد اِستقت الأناجيل الأبوكريفيَّة مصدرها واِعتمدت بالدرجة الأولي علي الأناجيل الأربعة القانونيَّة، فشرحت ما غمض فيها وأضافت إليها عبارات وأفكار تؤيِّد معتقداتها. قال وستكوت عن الأجزاء الباقية من إنجيل الأبيونيِّين " هي تبيِّن أنَّ قيمته ثانويَّة، وأنَّ المؤلِّف قد إستقي معلوماته من الأناجيل القانونيَّة وبخاصَّة الأناجيل الثلاثة الأولي بعد أنْ جعلها تتَّفق مع أراء وممارسات الأبيونيَّة الغنوسيَّة "(105).

    وكان سفر أعمال الرسل هو السند الأوَّل لأسفار الأعمال الأبوكريفيَّة، وعلى سبيل المثال فقد إتَّخذ كاتب أعمال بولس من سفر أعمال الرسل، إطارًا له، ويفتتح القسم الرومانيّ من أعمال بطرس برحلة بولس الرسول إلي أسبانيا بعد أحداث سفر أعمال الرسل إصحاح 28. واعتمد كاتب الرسالة إلي اللاودكيِّين علي رسائل بولس خاصَّة الرسالة إلي غلاطية والرسالة إلي أفسس.

    وإلي جانب ذلك فقد تأثَّرت هذه الكتب، بالروح الأسطوريَّة النابعة من البيئة الهيلينيَّة التي كُتِبَتْ واِنتشرت فيها، فقد ساد بعضها روح أدب الرحلات التي كانت سائدة في القرن الثاني كأعمال توما، وحوي إنجيل الطفولة العربيّ عددًا من القصص الشرقيَّة. وكانت أغلب الأعمال المنسوبة للرُسل من إختراع الروح الهيلينيَّة التي كانت تجد لذَّتها في الخوارق والكتابات الرومانسيَّة عن الرحلات. كما إحتوت هذه الأعمال علي تقاليد كثيرة لها أساس تاريخيّ صحيح، احتفظت بها الجماعات المسيحيَّة، وكتبوا هذه الأعمال، الأبوكريفيَّة، لتقديم هذه التقاليد بكلِّ تفصيل، ولكن هذه البذور القليلة من الحقيقة تاهت ودُفعت في أكوام من الأساطير.

     

    كُتِبَت هذه الكتب، في الأصل ، لتأييد هرطقة من الهرطقات والإدعاء بأنَّ تعليمها رسوليّ، أو لتفصيل الأناجيل القانونيَّة بإضافة إضافات أسطوريَّة لإعطاء أهمّيّة لبعض المفاهيم التي سادت بعض الدوائر الهرطوقيَّة ولنشر وتأكيد أفكار هذه البدع، فأعمال يوحنَّا مثلاً، تستخدم إسم الرسول العظيم لتبرير وتأييد وجهة النظر الدوسيتيَّة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (105) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 : 55 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 95 -

    كان كُتَّاب هذه الكتب الأبوكريفيَّة، في الأغلب، هم زعماء أو بعض أفراد الفرق الأبيونيَّة والغنوسيَّة، وقد نسبوا بعض هذه الكتب لمستخدميها، كإنجيل العبرانيِّين وإنجيل المصريِّين، أو لكُتَّابها كإنجيل ماركيون وإنجيل ماني، ونسبوا جزءًا كبيرًا منها للرُسل لتلقي رواجًا عند العامَّة من المؤمنين. وكان علماء الكنيسة من آبائها في القرون الأولي يعلمون ذلك جيدًا، فقال إريناؤس أنَّ الماركونيِّين قد أصدروا عددًا لا يُحصي من الكُتب الأبوكريفيَّة المزوَّرة، وقال اغسطينوس أنَّ المانيِّين يستخدمون هذه الكتب الأبوكريفيَّة، وأنَّها من تأليف " ملفِّقي الخرافات"، وأشار عدد كبير من الآباء إلي شخص من القرن الثاني يُدعي " لوسيوس " علي أنَّه كاتب بعض هذه الكتب الأبوكريفيَّة، خاصَّة أعمال يوحنا وتوما وإندراوس وبطرس فيلبُّس. وقد أدان مرسوم البابا جلاسيوس (496م) عددًا كبيرًا من هذه الكتب، وفي آخر المرسوم يُدين كلّ الكتب التي كتبها لوسيوس تلميذ الشيطان ". وقال تريليان أنَّ قسًّا من آسيا هو الذي ألَّف أعمال بولس وذلك بقصد تعظيم هذا الرسول بإضافات من عنده فعزلته الكنيسة من رتبه بعد اعترافه بذلك.

    درس علماء العصر الحديث هذه الكُتب بروح العلم الحديث وطرقه العصريَّة الحديثة "المصونة بسياج الحريَّة والاستقلال في الإرادة " كما أراد الناشر وغيره، وكانت أخصب فترات بحثهم ودراستهم هي الفترة من 1886 –1945م والتي تمَّ فيها اكتشاف كميَّات ضخمة من المخطوطات، في أخيم والبهنسا والفيُّوم ونجع حمادي، والتي تحوي هذه الكتب والتي ترجع إلي ما بين القرن الثاني والقرن الرابع الميلادي. وبعد الدراسة التحليليَّة الدقيقة، أقرَّ العلماء بزيف هذه الكُتب وأيَّدوا آباء الكنيسة الذين رفضوا إقرارها أو قبولها في القرون الأولي، كما أقرُّوا بصحَّة الأناجيل القانونيَّة الأربعة وبقيَّة أسفار العهد الجديد القانونيَّة لسِمُوَّها وبساطتها وعظمتها. كما أقرُّوا بأنَّ المصدر الأوَّل لهذه الكتب الأبوكريفيَّة هي الكتب القانونيَّة.

    قال د. سويت، في تعليقه علي إنجيل بطرس (لندن 1893) " إنَّه حتى التفاصيل التي تبدو جديدة تمامًا أو التي تتعارض مع الأناجيل القانونيَّة، يمكن أنْ تكون مأخوذة عنها". وختم بقوله " أنَّه بالرغم من الجديد فيها فليس هناك ما يضطرنا لاستخدام مصادر خارجيَّة عن الأناجيل القانونيَّة "(106).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (106) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 : 56 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 96 -

    وقال بروفيسور أور عن إنجيل بطرس، أيضًا: " أنَّ الأصل الغنوسيّ لهذا الإنجيل يبدو واضحًا في قصَّة القيامة والمعالم الدوسيتيَّة فيها"(107).

    وقال ر. هوفمانR.Hofmann عن كيفيَّة كتابة هذه الكُتب الأبوكريفيَّة " أنَّ الطريقة المستخدمة هي نفسها دائمًا، سواء كان قصد الكاتب أنْ يجمع ويُرتِّب ما كان طافيًا في التقليد العام، أو كان قصده أنْ يُوجد أثرًا عقيديًا محدَّدًا، لقد إنهمك في عمله حقيقة، وبصفةٍ عامّةٍ فقد صوَّر ما ألمحت إليه الأناجيل القانونيَّة، أو حوَّل كلمات يسوع إلي أعمال، أو صوَّر إتمام توقُّعات اليهود الحرفيَّة عن المسيَّا، أو كرَّر عجائب العهد القديم في شكلٍ آخرٍ 00إلخ. لقد أتم العمل وحرص على أن يخفي اسمه ويدمغ كتابه باسم أحد الرسل أو التلاميذ ليعطيه سندٌ رسوليٌّ "(108).

    أخيرًا يقول أ. روبرتس و. ج. دونالدسن أحد محرِّري موسوعة " ما قبل نيقية ":" أنَّه بينما تقدِّم لنا الأناجيل الأبوكريفيَّة لمحات غريبة عن حالة الضمير المسيحيّ وأساليب التفكير في القرون الأولي من العصر المسيحيّ، فإنَّ الانطباع الدائم الذي تتركه في أذهاننا، هو شعور عميق للسمو الذي لا يُقاس والبساطة التي لايمكن بلوغها والعظمة التي للكتابات القانونيَّة "(109).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (07) المرجع السابق جـ 1 : 56 .

    (108) Ante Nicene Fathers Vol. 8 p. 349.

    (109) the International Standard Bible Encyclopedia Vol. 1 p. 181.

    ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل الثامن : من هو المسيح في إنجيل برنابا ؟

  • من أغرب ما وقع من تزييف في هذا الكتاب المزيَّف هو ما زعمه الكاتب المزيَّف من أنَّ المسيح ليس هو المسيح؟! وأنَّ المسيَّا غير المسيح؟! وأنَّ المسيح ليس " نبيًا ما "؟! إنَّما هو مُجَّرد صوت جاء ليُعِدَّ الطريق لآخر لا أكثر ولا أقلّ؟! ومن ثمَّ يتمادي الكاتب في تزويره وضلاله فحذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان الثابتة دينيًا وتاريخيًا؟! وحرَّف وبدَّل آيات ونصوص إنجيل يوحنَّا ووضع إضافات أخري أخذها من مصادر غير مسيحيَّة، ليصنع شخصيَّة أخري للربِّ يسوع المسيح تختلف تمامًا عن مسيح الدين والتاريخ؟! واقتبس الحوار الذي دار بين المعمدان وكهنة اليهود (يو1/19-30) وحوَّله إلي حوار بين الربِّ يسوع المسيح واليهود وجاء الحوار كالآتي :

    " لما رأى كثيرون من الذين جاءوا يفتِّشون عليه (يسوع)، فإنَّ رؤساء الكهنة تشاوروا فيما بينهم ليسقطوه بكلامه، لذلك أرسلوا اللاويِّين وبعض الكهنة يسألونه قائلين: من أنت ؟

    فاعترف يسوع وقال: " الحق أني لست مسيًّا " ؟

    فقالوا : " أنت إيليَّا أو أحد الأنبياء القدماء ؟ "

    أجاب يسوع : " كلا " !

    حينئذ قالوا : " من أنت لنشهد للذين أرسلونا ؟ " .

    فقال حينئذ يسوع : " أنا صوت صارخٌ في اليهوديَّة كلِّها يصرخ: أعدوا طريق رسول الربِّ ، كما هو مكتوب في أشعياء " !!

    قالوا : " إذا لم تكنْ المسيح أو إيليَّا أو نبيًّا ما فلماذا تبشِّر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنًا من مسيَّا ؟ " !!

    أجاب يسوع : " إنَّ الآيات التي يضعها اللَّه علي يدي تُظهر أنِّي لست أهلاً أنْ أحلّض رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول اللَّه الذي تسمونه مسيَّا " !!

    كما حرَّف الحوار الذي دار بين الربِّ يسوع المسيح والمرأة السامريَّة (يو4) وحذف منه وأضاف إليه بما يتناسب مع تزويره فجاء كالأتي :

    " سألت المرأة السامريَّة الربّ يسوع المسيح: أيُّهما أحقّ السجود في هيكل سليمان في أورشليم كما يقول اليهود، أم علي جبال السامرة، كما يقول السامريُّون ، فأجاب يسوع في أورشليم لأنَّ عهد اللَّه إنما أُخذ في أورشليم في هيكل سليمان لا في موضع آخر !!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 98 -

    أجابت المرأة : " إننا ننتظر مسيَّا فمتي جاء يعلِّمنا " .

    أجاب يسوع : " أتعلمين أيَّتها المرأة أنَّ مسيَّا لابدّ أنْ يأتي ؟ "

    أجابت : " نعم يا سيِّدي " .

    حينئذ تهلَّل يسوع وقال: " يلوح لي أيَّتها المرأة أنَّك مؤمنة، فإعلمي أذًا أنَّه بالإيمان بمسيَّا سيخلِّص كلّ مختاري اللَّه، أذًا وجب أنْ تعرفي مجيء مسيَّا " .

    قالت المرأة : " لعلك أنت مسيَّا أيها السيِّد " ؟

    أجاب يسوع : " أنِّي حقًا أُرسلت إلي بني إسرائيل نبيّ خلاص ولكن سيأتي بعدي مسيَّا المرسل من اللَّه إلي العالم الذي لأجله خلق اللَّه العالم، حينئذ يُسجد للَّه في كلِّ العالم وتنال الرحمة حتَّي أنَّ سنة اليوبيل التي تجيء الآن كل مائة سنة سيجعلها مسيَّا كلّ سنة في كلِّ مكان " (ف82) !!

    ثمَّ يزعم الكاتب في حوالي 14% من كتابه المزيَّف (30 فصلاً) أنَّ " المسيَّا سيُعلن للعالم أنَّ يسوع ليس هو اللَّه ولا اِبن اللَّه وأنَّه لم يُصلبْ وأنَّ إنجيله قد تدنَّس وتحرَّف!! أو كما يزعم " يجيء ليُطَهِّر كلّ ما أفسده الفجَّار من كتابي " (ف10:124) !!

    ولكن هذا الكاتب المزوِّر والمزيِّف الخرافيّ التفكير يقع في أخطاء عديدة تكشف عن جهله وهويَّته ونيَّاته وتزويره " فالمجرم دائمًا يترك دليلاّ علي جريمته " !!

    أولاً : حذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان (يحيي بن زكريا) نهائيًا:

    فيوحنَّا المعمدان بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس جاء ليُعِدَّ طريق الربِّ يسوع المسيح، والكاتب المزيَّف يريد أنْ يجعل من المسيح مُعِدًا لطريق آخر، ولما وجد أنَّه لا يصحْ أنْ يكون للمُعِدَ مُعِدًّا آخر، حذف شخصيّضة المعمدان تمامًا ووضع الربَّ يسوع المسيح في نفس مكانته ودرجته كمُعِدٍّ لطريق الآخر بعد أنْ نفي عن المسيح كونه المسيح!! وجعل المسيح ليس المسيح، أنَّما مُجَرَّد صوت وأعطي لقب المسيح لنبيّ الإسلام الذي لم يقلْ عن نفسه ولا قيل عنه أبدًا أنَّه المسيح بل قال أنَّ المسيح هو عيسي بن مريم " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ " (النساء:4) ، " إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " (آل عمران :45) .

    وشخصيَّة يوحنَّا المعمدان (يحيى بن زكريا) ثابتةٌ دينيًا وتاريخيًا، في المسيحيَّة والإسلام والتاريخ، وقد قال عنه الإنجيل أنَّه جاء ليُعِدَّ طريق الربِّ يسوع المسيح وقال عنه القرآن أنَّه جاء مُصَدِّقًا بالمسيح عيسي بن مريم " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء . فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ " (آل عمران 38و39) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 99 -

    وقال المفسِّرون " (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ) كائنة (من اللَّه) أي بعيسي أنًّه روح اللَّه "(1).

    وقال عنه المؤرِّخ اليهوديّ يوسيفوس معاصر تلاميذ المسيح (35 - 100م): " يوحنَّا الذي يُدعي المعمدان، الذي قتله هيرودس بالرغم من أنَّه كان رجلاً صالحًا ودعي اليهود لممارسة الفضيلة 000 ودعاهم للمعموديَّة "(2).

    ثانيًا: إدَّعي أنَّ المسيح يسوع ليس هو المسيح ؟!!

    مناقضًا بذلك الكتاب المقدَّس بعهديه (الجديد والقديم) والقرآن والتاريخ، كما بينَّا أعلاه. والأغرب بل والأعجب من ذلك أنَّه يُناقض نفسه أيضًا !! فقد قال في أوَّل جملة له: " إنَّ اللَّه 000 افتدانا في هذه الأيام الأخيرة بنبِيِّه يسوع المسيح " !! (ف1:1). وفي قصَّة ميلاد المسيح قال أنَّ هيرودس لما سمع من المجوس عن ميلاده " جمع من ثم هيرودس الكهنة والكتبة قائلا : أين يولد المسيح ؟ فأجابوا أنَّه بيت لحم لأنَّه مكتوب في النبيّ 000 " !! (ف6:4و5). وقال أنَّه عندما كان يسوع في عُرس قانا الجليل أنَّ أمّ يسوع قالت للخدم: " أنْ يُطيعوا يسوع المسيح في كل ما يأمرهم به " !! (ف6:15) !!

    وفي هذه النصوص وغيرها يُقِرّ الكاتب المزيَّف أنَّ المسيح هو يسوع اِبن مريم العذراء والمولود في بيت لحم بحسب ما سجله هو نفسه!! وبحسب ما نقله من شهادة الكتبة والفرِّيسيِّين ونبوَّات أنبياء العهد القديم !! ومع ذلك يقول أنَّ المسيح ليس هو يسوع المسيح؟!!

    ألا يدلّ ذلك علي تخبُّط هذا الكاتب المزيِّف وتزويره للحقائق؟!!

    ثالثًا: جهل الكاتب وفهمه الخاطئ لكلمتيّ المسيح والمسيَّا:

    ومن الواضح هنا جهل الكاتب المزيِّف والمزوِّر الخرافيّ التفكير وفهمه الخاطئ وتصوّره أنَّ هناك فرقًا بين لفظيّ " المسيح " و" المسيَّا ": وقد سايره في ذلك المترجم د . خليل سعادة ثمَّ شاع ذلك عند الكثيرين بعد ترجمة هذا الكتاب إلى العربيَّة!! ولكن هذا خطأ فاحش فلفظيّ " المسيح " و " المسيا " هما في حقيقتهما وجوهرهما كلمةٌ واحدةٌ ولقبٌ واحدٌ واسمٌ واحدٌ. إذ أنَّ كلمة مسيح في العبريَّة هي " ماشيحا - mashiah " وتُنْطق بالآراميَّة " ماشيح " وبالعربيَّة " مسيح " ومعناها الشخص الممسوح بالدهن المقدَّس، وعندما تأتي الكلمة معرَّفة بالألف واللام " المسيح " لا تعني سوي شخص الربّ يسوع المسيح. ولما نُقِلَتْ هذه الكلمة من العبريَّة إلي اليونانيَّة نُقِلَتْ بحروف يونانيِّة نقلت هكذا " ماسياس " Massias "، ثم نُقِلَتْ إلي اللاتينيَّة القديمة " Messias " ومنها اِنْتَقَلَت إلي الفرنسيَّة القديمة " Messie "

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي جزء 11 .

    (2) The NT Background 197.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 100 -

    ثمَّ الإيطاليَّة Massie والإنجليزيَّة Messiah. وقد تُرجِمَت الكلمة العبريّضة أيضًا من العهد القديم العبريّ إلي الترجمة اليونانية (المعروفة بالسبعينية LXX) في الـ 39 مرَّة التي وردت فيها " خرستوس - christos - c r i s t ός " بمعناها الحرفيّ المسيح أو الممسوح anointed من الفعل اليونانيّ " خريو –Chriw " يمسح والذي يقابل الفعل العبريّ " مشح ". ثم اِنتقلت الكلمة إلي اللاتينيَّة " كريستوس - Chrestus " والإيطاليَّة " كريستو - Christo " والإنجليزيَّة والفرنسيّضة كرايست وكريست - Christ " والتي تُتَرْجَم في العربيَّة أيضًا " مسيح ".

    والخلاصة: أنَّ مسيَّا ومسيح هما لفظان لكلمةٍ واحدةٍ ومعني واحدٍ ولقبٍ واحدٍ هو المسيح، وهذا ما جاء في إنجيل يوحنَّا: " قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا، الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ" (يو1/41)، " أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي " (يو4/25).

    رابعاً: حرَّف نصّ الآية الذي جاء في سفر أشعياء والأناجيل الأربعة:

    والذي يقول: " صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. (يهوه) "(3). فسقط في خطأين: الأول هو قوله: " في اليهوديَّة كلِّها " بدلاً من النصِّ الأصليّ " فِي الْبَرِّيَّةِ " والذي ترجع أقدم وثائقه الخطِّيَّة إلي ما قبل الربّ يسوع المسيح بمائتي سنة(4). والثاني هو قوله : " أعدوا طريق رسول الرب " بدلاً من " أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. (يهوه)" ويهوه هو اسم اللَّه (اش42/8)، وليس في نصّ آية سفر أشعياء كلمة رسول. وقد أراد بالتحريف الأوَّل قصر رسالة المسيح علي اليهود فقط مناقضًا بذلك ما جاء في الإنجيل الحقيقيّ(5)، والثاني أراد به جعل المسيح مُجَرَّد صوت لأعداد طريق " رسول الربِّ "!! ولكن النصوص والوثائق القديمة الأثريَّة والتي ترجع إلي القرن الثاني ق. م تكذِّب إدِّعاءه وتزويره وتقف حجر عثرة أمام كذبه وتزييفه.

    خامسًا: زعم أنَّ المسيح غير مُستحقّ وليس أهلاً أنْ يحلّ سيور حذاء المسيَّا!!

    وهذا ما لم يقلْه أحدٌ علي الإطلاق! فقد شهد أنبياء العهد القديم للربِّ يسوع المسيح أنَّه الأزليّ (ميخا5/2)، والإله القدير والجالس عن يمين العظمة في الأعالي والذي تتعبَّد له جميع الشعوب والأمم والألسنة (أش7/14؛دا7/14) .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (3) (أش40/3؛ مت3/3؛ مر1/3؛ لو3/4؛ يو1/23) .

    (4) مخطوطات وادي قمران التي اكتشفت سنة 1946م، أنظر كتابنا " الوحي الإلهي وإستحالة تحريف الكتاب المقدس " ف 8 .

    (5) ولكن الرب يسوع المسيح أكَّد مرَّات عديدة علي حتميَّة انتشار بشارة الإنجيل في المسكونة كلِّها " وينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم" (مر13/10)، " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت19/28)، " وقال لهم اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر16/15)، " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض" (أع1/8).

    ــــــــــــــــــــــ

    - 101 -

    وقال عنه المتصوِّفون أنَّه الوليّ علي الإطلاق والمولود من روح اللَّه، وهو وحده الذي لا نظير له بين الخلق صدقًا واتحادًا باللَّه، وقال عنه العقلانيُّون مثل جان جاك روسو " حياة يسوع المسيح وموته هما حياة إله وموته ". ورأي فيه غيرة الإنسان الكامل علي الإطلاق والسوبرمان الذي لا مثيل له، علي الإطلاق، في صفاته وشخصه وأخلاقه، وفي نظر أصحاب الأديان هو نبيٌّ عظيمٌ، وروح اللَّه وكلمته، وفي نظر الفرق الدينيَّة الحديثة هو أحد تجليَّات اللَّه، وتجسُّد اللَّه، والروح الأعظم، وفي نظر علماء الأرواح والروحيَّة هو الروح السامي الأعظم. كما قال عنه القرآن " وَيُعَلِّمُهُ (الله) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ . وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " (آل عمران48و49). وقيل عنه في الحديث " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه ، إلا مريم وابنها "، كما قيل عنه أنَّه الوحيد الذي سيقف يوم الدينونة بلا خطية. فقد فاق في شخصه وأعماله جميع الأنبياء(6).

     

    سادسًا: جهله بتاريخ بني إسرائيل وكشفه للزمن الذي زيّف فيه كتابه المزيَّف:

    ففي الحوار الذي يزعم أنَّه دار بين المرأة السامريَّة والمسيح وقع في خطأين كشف الأوَّل عن جهله بتاريخ بني إسرائيل الدينيّ، وكشف الثاني عن الفترة الزمنيَّة التي زوَّر فيها كتابه.

    أولاً: قال أنَّ عهد اللَّه أخذ في أورشليم في هيكل سليمان : وهذا غير صحيح وخطأ دينيّ وتاريخيّ لأنَّ عهد اللَّه تمَّ مع إبراهيم أبي الآباء في حاران وعمره 75 سنة (تك12/1-5)، وتجدَّد في كنعان وعمره 99 سنة (تك17/11)، وكان عهدًا أبديًا لا يُنقض (تك17/9)، وكان الختان علامته (تك17/10)، وليس في هيكل سليمان بأورشليم، كما زعم هذا الكاتب المزيِّف المزوِّر في كتابه المزيَّف أنَّ هيكل سليمان بني بعد إبراهيم بحوالي 1000 (ألف) سنة!!

    ثانياً: قال أنَّ سنة اليوبيل " التي تجيء الآن كل مائة سنة"، وسنة اليوبيل كانت تأتي منذ زمن موسي وحتَّي مجيء الربّ يسوع المسيح وخراب أورشليم سنة 70م كلّ خمسين(7)، ولكن لما احتفلت الكنيسة الكاثوليكيَّة بسنة مقدَّسة عام 1300م(8) قرَّر البابا بونيفاس أنْ يكون اليوبيل كلّ 100 سنة ثم جعله البابا كليمندس السادس يقع كلّ 50 سنة فوقع اليوبيل الثاني سنة 1350م، ثم قرَّر البابا أربانوس السادس سنة 1389م أنْ يكون اليوبيل كلّ 33 سنة تذكارًا لعمر المسيح، ثم صار الاحتفال كلّ 25 سنة منذ سنة 1450م.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (6) أنظر كتابنا " ما الفرق بين المسيح والأنبياء ومن هو الأعظم " .

    (7) أنظر لا10:25و28؛17:27؛عدد4:36؛خر17:46 .

    (8) منح فيها البابا من يحج إلى روما ويزور الباسيليكا " كاتدرائية ضخمة ذات امتيازات " الغفران .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 102 -

    مما سبق يتَّضح لنا أنَّ الزمن الوحيد الذي يمكن التكلّم فيه عن يوبيل يقع كلّ 100 سنة هو الفترة من سنة 1300م إلي ما قبل سنة 1350م. وهذا يدلّ علي أنَّ هذا الكتاب المزيَّف والمزوَّر لم يكنْ له وجود قبل بداية القرن الرابع عشر.

    وهناك تعليق علي ذلك لكلٍّ من المترجم والناشر:

    1- يقول المترجم: " غير أنَّك إذا أعملت النظر في ما كان عليه الكاتب من سعة الإطِّلاع علي أسفار العهد القديم تعذَّر عليك أنْ تفقه كيف يقع مثله في غلطٍ لايخفي علي البسطاء، ولعلَّ الصواب أنَّ هناك خطأ في النسخ أسقط الناسخ فيه بعض حروف من كلمة خمسين الإيطاليَّة فصارت مائة لأنَّ في رسم الكلمتَين ما يسهل الوقوع في مثل هذا الخطأ " !!

    ولكن هذا الافتراض الذي افترضه المترجم ينفيه ويُبطله أنَّ الكاتب وقع في أخطاء عديدة أهمّ وأخطر من ذلك، سواء من الناحية التاريخيَّة أو الجغرافيَّة أو الدينيَّة وقد بيَّنَّا معظمها، في هذا الكتاب، وقول السيِّد المترجم باحتمال سقوط بعض حروف من كلمة خمسين "Cinquento" الإيطاليَّة لتصير مئة " Cento " هو قول غير دقيق ورأي غير سديد، لأنَّ معني ذلك إسقاط نصف الكلمة، أربعة حروف من تسعة " inqu " ، " Cinquento "، وهذا غير ممكن لأنَّه لا أثر لذلك ولا دليلٌ عليه، وإنما مُجَرَّد افتراض ظنِّي مبنيٌ علي أساسٍ باطلٍ.

    2- وقال الناشر: " كانت مسألة اليوبيل من أقوي الشبهات عندي علي كون كاتبه من أهل العصور المتوسطة لا من قرن السيد المسيح حتَّي بيَّن الدكتور سعادة ضعفها بدقَّة نظره فلم يبقَ للباحثين دليل يُعّوَّل عليه في هذا المقام ".

    غريب حقًا أنْ يري الناشر أنَّ هذه المسألة لم تعد دليلاً لمجرد أنَّه رأي " ضعفها " ! لماذا لا يكون العكس هو الصحيح أيضًا ؟! وقد بيَّنَّا أنَّ افتراض المترجم الذي استند إليه الناشر مبني علي غير أساس وليس فيه دقَّة نظر كما يري سيادته. كما أنَّ هذه المسألة ليست هي الفيصل في تحديد صحَّة الكتاب من تزويره وإنما هي دليلٌ من أدلة عديدة قاطعة علي زيف هذا الكتاب وتزويره.

    ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل التاسع : شخصية المسيح في إنجيل برنابا

  • زيَّف هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر الكتاب المدعو زورًا بإنجيل برنابا وكان غرضه الأساسيّ من الكتابة، هو إعادة كتابة تاريخ المسيح وأعماله لمحو جميع العقائد المسيحيَّة الخاصَّة به! وأراد بصفةٍ خاصَّةٍ أن ْينفي عقيدة لاهوت المسيح وعقيدة الفداء " المبنيَّة علي صلب المسيح " وحصر رسالة المسيح في بني إسرائيل فقط!! وأراد له أنْ يكون مُجَرَّد بشرٍ فانٍ ضعيفٍ ومهزوزٍ ومريضٍ نفسيًا! بل ومحروم من رؤية اللَّه!! وأنَّ كلّ رسالة المسيح وهدف دعوته هو أنْ يقول للناس أنَّه ليس إله ولا اِبن اللَّه! وأنَّه لم يُصْلَب وإنَّما سيُصْلَب غيره ويمكث هو في عار الصليب عقابًا له علي دعوة الناس له إلهًا!! وانتقامًا منه بسبب حبّ أمِّه وتلاميذه له!! وأنَّه لم يأتِ إلاَّ لأعداد طريق آخر غيره فقط! بل ومن أهمّ ما جاء من أجله هو أنْ يقول للناس أنَّ إنجليه سيُدَنَّس ويُحَرَّف ويُنْسَخ!! وأنَّ من يؤمنون به سيعيشون في ضلالٍ وكفرٍ!! أي أنَّه ما جاء إلاَّ ليترك ديانة ضالَّة وشعوب ضالَّة نهايتها العذاب الأبديّ؟!! أي أنَّه لم يأتِ بالهُدي والنور كبقيَّة الأنبياء وكما يقول القرآن " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " (المائدة 46-47). وإنَّما كاتب هذا الكتاب المزيِّف والمزوِّر لا يريد للمسيح سوي العار والخزي والعقوبة وأنْ تكون رسالته هي أنْ يترك ديانة ضالَّة وشعوب محكوم عليها بالهلاك الأبديّ!!

    ومن أجل هذا الغرض سلك هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والخرافيّ التفكير بكلَّ السبل غير المشروعة من تزييف وتزوير وتحريف وتبديل وتشويه ومسخ لحقائق الكتاب المقدَّس والتاريخ!! ورسم للمسيح صورة ممسوخة ومشوَّهة لا صلة لها بشخصِ الربِّ يسوع المسيح علي الإطلاق!! فجاء مسيحه، مسيح إنجيل برنابا المزيَّف، إنسانًا ضعيفًا ومهزوزًا ومريضًا نفسياً، وخائفًا ومرتعبًا ومتردِّدًا دائمًا!! يزعم دائمًا بسبب وبدون سبب أنَّه مُجَرَّد بشر، تراب، كتلة من الطين، فانٍ وزائلٍ، نظير كلِّ الناس بل وأقلّ من أي إنسان!! وأنَّه ليس المسيح ولا النبيّ!! ولعازر أعظم منه!! والشيطان أشرف منه!! وهو أقلّ من أنْ يكون خادمًا للشيطان ولا يستحق ذلك!! ويرجو بل ويتمنَّي أنْ يكون المسيَّا الآتي شفيعه يوم الدين!! ويطلب من تلاميذه أنْ يُصلُّوا لأجله كي يرحمه اللَّه ويُنقذه من العقاب!! كما أنَّه مضطرب

    ــــــــــــــــــــــ

    - 104 -

    نفساً وفكريًا وأبعد ما يكون عن الهدوء النفسيّ!! فهو يلطم خَدَّيْه دائمًا لأي سببْ ويخبط رأسه بالأرض مئات المرَّات!! ويخشي دائمًا أنْ تفتح الأرض فاها وتبتلعه!! وأنَّه سيُجَلَّل بالعار والخزي، عار الصليب وخزيه إلي الأبد!!

    وبالأجمال فقد جاء مسيح هذا الكتاب المزيَّف والمسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا، إنسانًا غير سوي بالمرَّة يعاني من أمراض نفسيَّة خطيرة ومستعصيَّة كالاضطرابات الفصاميَّة(1)والقلق المرضي(2)!! وهو متحامل دائمًا علي الناس يسبُّهم ويشتمهم بسبب وبدون سبب!! ويتَّهمهم دائمًا بالحمق والجهل والغباء وفقدان العقل والجنون!! ويختار له دائمًا ألفاظ قذرة في أمثاله: كالبراز والمراحيض والقمل والنتانة والحذاء!!

    أول القصيدة: وقد بدأ هجومه علي العقيدة المسيحيَّة منذ سطوره الأولي " أيَّها الأعزاء إنَّ اللَّه العظيم العجيب افتدانا في هذه الأيام الأخيرة بنبِيَّه يسوع المسيح ".

    ثمَّ زعم أنَّ الشيطان إتَّخذ آياته كذريعةٍ " لتضليل كثيرين 000 مُبَشِّرين بتعليم شديد الكفر داعين المسيح اِبن اللَّه ورافضين الختان 000 ومجوزين كلّ لحمٍ نجسٍ " !!

    1 - المسيح المرتعب والخائف من أي شيء وكل شيء !!

    Ë ففي (ف12) يصوِّر المسيح، بعد أوَّل خطابٍ له، خائفًَا ومرتعبًا من رؤساء الكهنة ومن الموت علي أيديهم!! " الكهنة مصمِّمون علي قتلي 000إسمع برحمةٍ صلوات عبدك وأنقذني من حبائلهم "!!

    Ë وفي (ف52) يُصَوِّر المسيح خائفًا ومرتعبًا من يوم الدينونة، بسبب دعوة الناس له إلهًا، حتَّي أنَّه يبكي بالدموع والتلاميذ يبكون ويصلُّون إلي اللَّه لأجله كي يصفح عنه!! " إنِّى أقشعرّ لأنَّ العالم سيدعوني إلهًا وعليّ أنْ أقدِّم لأجل هذا حسابًا 000 إنِّي رجلٌ فانٍ كسائرِ البشر 000وبعد أنْ تكلَّم يسوع هكذا أذرف الدموع، فبكي تلاميذه بصوتٍ عالٍ ورفعوا أصواتهم قائلين :إصفح أيَّها الربّ الإله وارحم خادمك البريء" !!

    Ë وفي (ف53) يُصَوِّر المسيح خائفًا ولاطمًا علي خدَّيْه!! يضرب الأرض برأسه كالمجانين والتلاميذ في حالة رعبٍ مميتٍ!! " ولما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا يديه ثم ضرب الأرض برأسه، ولما رفع رأسه قال: ليكن ملعونًا كلّ من يدرج في أقوالي أنِّي اِبن اللَّه، فسقط التلاميذ عند هذه الكلمات كالأموات" !!

    Ë وفي (ف58) يُصَوِّر المسيح باكيًا وحزينًا بعد حديثه المرعب عن الدينونة " بكي التلاميذ بمرارة وأذرف يسوع عبرات كثيرة " !! ويكمِّل في (ف61) " ولما رآه التلاميذ حزينًا بهذا المقدار لم يكلِّموه في ذلك اليوم مطلقًا بل لبث كلٍّ منهم جذوعًا من كلامه "!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) Schizophrenic disorder وأعراضه هي : " التفكير المشتت والتشوه الانفعالي والأوهام والهلوسة وغرابة السلوك " . مدخل علم النفس لندال . دافيدوف ، دار ماكجرهيل للنشر ص 678 - 680 .

    (2) فهو يبدو ، دائما ، خائفا وغير مستقر نفسيا تتملكه الوساوس والأوهام !!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 105 -

    Ë وفي (ف93) يُصَوِّر المسيح وهو يلطم علي خديه بسبب دعوة الناس له إلهًا!! " ولما قال هذا صفع يسوع وجهه بكلتا كفَّيْه فحدث علي إثر ذلك نحيبٍ شديدٍ "!!

    Ë وفي(ف100) يُصَوِّر المسيح خائفًا من غضب اللَّه " أخشي أنْ يغضب اللَّه عَلَيّ "!!

    Ë وفي (ف131) يُصَوِّر المسيح خائفًا من الطرح في الهاوية!! " لأنِّي أخشي أنْ يطرحنا اللَّه في الهاوية 000 فارتعد التلاميذ خوفًا من كلام يسوع فعاد وقال : لنخشي اللَّه لكي لا يطرحنا في الهاوية " !!

    هل هذا هو المسيح الذي عظَّمه وأجَّله الجميع وعلي رأسهم الفلاسفة والمفكِّرون؟ والذي قيل عنه أنَّه سيكون الحكم يوم الدين؟ والعالم بالساعة؟ والذي قال عن نفسه " وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ" (مت 25/31-32) ؟. والجواب، كلا!! فهذا المسيح الذي صَوَّره خيال كاتب هذا الكتاب المزيَّف المسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا هو صورة رسمها خيال شخصٌ مريضٌ ومعقَّدٌ نفسيًا، ترك المسيحيَّة، سواء كان قد إعتنقها أولاً بإختياره أو مُجبر عليها، وهذا هو الأرجح، وحاول تحطيم عقائدها، فزيَّف هذا الكتاب المزيَّف والمزوَّر ورسم هذه الصورة الممسوخة التي لا يمكن أنْ يرسمها سوي خيال إنسانٍ مريضٍ نفسيًا ومعقد جدًا منها!!

    2- المسيح ليس المسيح ولا نبيّ وأدني شرفًا من الشيطان؟!!

    وقد تطرَّف هذا الكاتب المزيِّف والحاقد علي المسيحيَّة في تشويهه لصورة المسيح حتَّي زعم أنَّه ليس المسيح ولا نبيّ وأنَّ الشيطان أشرف منه!!

    Ë فزعم في (ف42) أنَّ المسيح أنكر أنَّه المسيح (المسيَّا) ولا حتَّي النبيّ، وزعم أنَّه مُجَرَّد صوت جاء ليُعِدَّ طريق المسيَّا الحقيقيّ رسول اللَّه الذي لا يستحق، يسوع، أنْ يحلّ سيور حذائه!! " فاعترف يسوع وقال الحق أنِّى لست مسيَّا 000 فقالوا أنت إيليَّا أو أحد الأنبياء القدماء؟ أجاب " كلا 000 أنا صوت صارخ في اليهوديَّة كلِّها يصرخ: أعدُّوا طريق رسول الربِّ لأنِّي لست أهلاً أنْ أحلَّ رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول اللَّه الذي تُسَمُّونَه مسيَّا، الذي خُلِقَ قبلي وسيأتي بعدي "!!

    Ë وفي (ف55) يزعم أنَّ المسيح في حاجة إلي شفاعة المسيَّا !! وأنَّه ضمن الموهوبين له !! وفي (ف22) يزعم أنَّه كان يتشفع بالمسيَّا في صلاته !!

    Ë وفي (ف96) يُعيد تأكيد أنَّ يسوع المسيح ليس هو المسيح، المسيَّا " لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي 000 أني لست مسيَّا " !!

    Ë وفي (ف97) يزعم أنَّ رؤية يسوع للمسيَّا نعمة من اللَّه!! وانَّه نال هذه النعمة!! " ومع أني لست مستحقا أنْ أحلَّ سيور حذائه قد نلت نعمة ورحمة من اللَّه لأراه" !! ويزعم في نفس الفصل أنَّ المسيَّا سوف يكشف للناس أنَّ يسوع ليس إله وأنَّ إنجيله مُدَنَّس وفاسد وأنَّه لم يُصْلَب!! وأنَّ ما جاء به باطلٌ !!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 106 -

    Ë وفي (ف206) يزعم أنَّ يسوع المسيح يتمنَّي ويرغب في خدمة المسيَّا الأتي " أنا عبد اللَّه وراغب في خدمة رسول اللَّه الذي تُسَمُّونه مسيَّا "!!

    Ë وفي (ف212) يزعم أنَّ المسيح صلَّي كي ينال شرف الإنضمام لأمَّة رسول اللَّه يوم الدين!! "امنح خادمك أنْ يكون ضِمْن أمَّة رسولك يوم الدين، وليس أنا فقط، بل كلّ الذين أعطيتني "!! ليس هو فقط!! بل وكلّ المؤمنين به أيضًا؟!!

    ويصل الكاتب بالمسيح إلي أدني درجة أرادها له فيُصَوِّره أقلّ شرفًا من الشيطان!! " أجاب الشيطان ( ليسوع ) 000 أَنِّي أشرف منك، فأنت لست أهلاً أنْ تخدمني أنت يامن هو من طين أمَّا أنا فروح " !!

    هل يُوجَد كفرٌ أو تجديفٌ أو تزييفٌ أكثر من هذا؟!! يقول الوحي الإلهي : " كَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ " (عب10/29).

    وقد أجمعت الأديان وأجمع الفلاسفة والعلماء والمفكِّرون علي أنَّ يسوع المسيح هو المسيح، وأنَّه الوجيه في الدنيا والآخرة. وقال العلماء الوجاهة في الآخرة هي الشفاعة. كما أنَّه الحكم العادل يوم الدين " لا تقوم الساعة حتى يقوم فيكم اِبن مريم حكمًا مقسطًا " ، " أنَّ المسيح ابن مريم خارج يوم القيامة، ويستغني به الناس عن سواه ".

    قال الحلاج أحد المتصوفين: " عيسي اِبن مريم هو آدم الثاني الذي سوف يرأس الحكم يوم القارعة، فهو وحده ليس له نظير بين الخلق صدقًا واتحادًا باللَّه ".

    وقال الوحي الإلهي " إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً. " (1يو2/1-2) .

    " فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ" (عب7/25) .

    كما لم يصلْ أحدٌ في الكفر والتجديف مثل هذا الكاتب المزيِّف في زعمه أنَّ الشيطان أشرف من المسيح!! بل أجمع الكلُّ علي أنَّ الشيطان كان يخاف دائمًا ويرتعب من السيِّد المسيح، جاء في الصحيح " الشيطان عندما يري عيسي اِبن مريم يذوب كما يذوب الملح في الماء "، وقال هذا الكاتب المزيِّف نفسه أنَّ الشياطين كانت تصرخ من المسيح؟!!

    فقال في (ف21:2) " فصرخت الشياطين (من المسيح) يا قدُّوس اللَّه لماذا جئت قبل الوقت لتزعجنا" !! وهو يحرِّف قول الوحي " آهِ مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ" (لو4/34).

    نعم فالشيطان لا يجرؤ علي الوقوف أمام الربِّ يسوع المسيح بل يرتعب ويصرخ ويذوب كالملح في الماء.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 107 -

    3 - تصوير جنود الرومان كمصدر ألوهيَّة المسيح!!

    حاول هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر تصوير الجنود الرومان علي أنَّهم مصدر عقيدة لاهوت المسيح ليُوحي لمن يقرأ كتابَه المزيَّف أنَّها عقيدة وثنيَّة نابعة من وثنيِّين، وزعم أنَّهم كانوا يتدخَّلون في الشئون الدينيَّة لليهود وبالغ في ذلك حتَّي أدخل مجلس الشيوخ الرومانيّ في هذا الأمر؟ !!

    Ë إتَّخذ من معجزة إقامته لابن أرملة نايين من الموت ذريعة لتدخُّل جنود الرومان وإظهارهم كأوَّل من نادي بألوهيَّة المسيح!! فقال في (ف48) " كان جيش الرومان في ذلك الوقت في اليهوديَّة لأنَّ بلادنا كانت خاضعة لهم بسبب خطايا أسلافنا، وكانت عادة الرومان أنْ يدعوا كلّ من فعل شيئًا جديدًا فيه نفع للشعب إلهًا ويعبدوه، فلمَّا كان بعض هؤلاء الجنود في نايين وبخوا واحدًا بعد آخر قائلين لقد زاركم أحد آلهتكم وأنتم لا تكترثون له، فوسوس الشيطان بهذا الكلام حتَّي أنَّه أثار شغبًا بين شعب نايين " !!

    وهنا وقع الكاتب في خطأ تاريخيّ بقوله " كان 000 في ذلك الوقت 000 بلادنا كانت خاضعة " !! فكشف أنَّه لم يكنْ معاصرًا للمسيح وأنَّه يكتب عن أحداث لم يكنْ معاصرًا لها، بل كتب بعد حدوثها بمئات السنين! إنَّه يتحدَّث عن الرومان الذين " كانوا " يحتلُّون اليهوديَّة في الأزمنة الماضية!! والرومان خرجوا من فلسطين علي يدِ العرب في القرن السابع الميلاديّ!!

    Ë وزعم في (ف69) أنَّ الجنود الرومان أشاعوا ذلك في أورشليم بين العامَّة!! " فعظَّمته العامَّة لأنَّهم أحضروا المرضي الذين تمكَّنوا من جمعهم فصلَّي يسوع ومنحهم جميعًا صحَّتهم، لذلك أخذت الجنود الرومانيَّة أورشليم بوسوسة الشيطان تُثير العامَّة في ذلك اليوم قائلين أنَّ يسوع إله إسرائيل قد جاء يفتقد شعبه " !!

    Ë وزعم في (ف128) أنَّ الربَّ يسوع المسيح قال " إنَّ الشيطان ضلَّلكم بواسطة الجنود الرومانيَّة عندما قلتم أنتم أنا اللَّه " !!

    ولكن ما زعمه ودعاه هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر يتنافي تمامًا مع حقائق التاريخ والدين ويدلّ علي أنَّه لم يعشْ في عصر المسيح ولم يعرفْ أي شيء عنه:

    (1) لأنَّ الرومان تركوا للبلاد التي احتلُّوها حريَّة العبادة ولم يتدخَّلوا في الشئون الدينيَّة لليهود بصفةٍ خاصَّةٍ، لاختلافهم عن بقيَّة الشعوب في عبادتهم للإله الواحد " يهوه " وكانت السلطة الدينيَّة لليهود في يَدِ رئيس الكهنة ومجلس السنهدرين، ولم يكنْ للوالي الرومانيّ الحقَّ في التدخُّل في ذلك مطلقًا(3).

    (2) ولم يسمحْ اليهود لأنفسهم بالاحتكاك بالأجانب، ولم يسمحوا للأجانب بالتدخُّل في شأنهم، خاصَّة الدينيَّة، يقول القدِّيس بطرس الرسول" كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُلٍ يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. " (أع10/28).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (3) وهذا واضح في محاكمة السيد المسيح أمام رئيس لكهنة ومجلس السنهدرين وتقرير الحكم علية حسب ناموسهم " لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت " (يو19/7)

    ــــــــــــــــــــــ

    - 108 -

    (3) كما لم يكنْ مسموحًا لغير اليهود بدخولِ الهيكل، كما حاول أنْ يُصَوِّر الكاتب حدوث اقتتال داخل الهيكل بين الرومان وغيرهم، وبسبب ذلك كادوا يقتلون القدِّيس بولس بتهمة أنَّه " أَدْخَلَ يُونَانِيِّينَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ وَدَنَّسَ هَذَا الْمَوْضِعَ الْمُقَدَّسَ" (أع21/28). وكان للأمم دار خارجيَّة تُسَمَّي دار الأمم وكانت تقع خارج الهيكل.

    Ë وزعم في (ف91) أنَّه " حدث في هذا الزمن اضطراب عظيم في اليهودية كلِّها لأجل يسوع لأنَّ الجنود الرومانيَّة أثارت بعمل الشيطان العبرانيِّين قائلين أنَّ يسوع هو اللَّه قد جاء يفتقدهم. فحدث بسبب ذلك فتنةً كبري حتَّي أنَّ اليهوديَّة كلَّها تدجَّجَت بالسلاح مدَّة الأربعين يومًا 000 فترتَّب علي رئيس الكهنة تسكينًا للشعب أنْ يركب مركبًا لابسًا ثيابه الكهنوتيَّة واسم اللَّه القدُّوس التتغراماتن علي جبهته وركب كذلك بيلاطس وهيرودس، فاجتمع في مزيَّة علي إثر ذلك ثلاثة جيوش كل منها 200 ألف رجل متقلِّدِي السيوف " ؟!!

    ثم يزعم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر أنَّ هذه الجماهير مع رئيس الكهنة الذي سجد المسيح، وبيلاطس وهيرودس، طلبوا من المسيح أنْ يقول لهم إنْ كان هو اللَّه ؟!!

    (أ) وهذا الزعم لا مثيل له في تاريخ تجسُّد المسيح علي الإطلاق!! إذ لم يقلْ أحدٌ سواء من عامَّة اليهود أو الكتبة أو الفرِّيسيِّين أو رؤساء الكهنة أنَّ يسوع المسيح إله أو اِبن اللَّه!! ولم يحدثْ مثل هذا الحوار أبدًا!! بل علي العكس تمامًا، فقد حاول اليهود رجمه، المسيح، وقتله عدَّة مرَّات لقوله عن نفسه أنَّه " اِبن اَلْلَّه " لأنَّهم رأوا في ذلك مساواة مع اللَّه. يقول الكتاب " فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ." (يو5/18). " أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً»" (يو10/33). كما كان هذا اللَّقب، أيضًا علَّة الحكم عليه بالموت صلبًا " فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! 000 فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ!" (مت26/63-65).

    (ب) كما أنَّ زعم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر بأنَّ اليهوديَّة كلَّها تدجَّجت بالسلاح مدَّة "الأربعين يومًا " وقوله أنَّ يسوع وتلاميذه وذهبوا إلي جبل سيناء مدَّة " الأربعين يومًا " يكشفان أنَّه لم يكن يهوديًا من عصر المسيح لأنَّ المسيح لم يذهبْ إلي سيناء بالجسد نهائيًا، ولأنَّ "الصوم الأربعيني " هو صوم مسيحيّ صامته الكنيسة المسيحيَّة بعد حلول الروح القدس ولم يصمْه اليهود ولا التلاميذ!! والتعبير الذي استخدمه الكاتب " الصوم الأربعيني " ونصَّه الإيطالي Allaquadragisima هو اصطلاح مدرسيّ لاهوتيّ مسيحيّ لم يُعرف إلاَّ في القرن الرابع الميلادي!!

    (ج) أمَّا زعمه بأنَّ رئيس الكهنة " ركب مركبًا " مُبْحِرًا من أورشليم وكذلك بيلاطس وهيرودس، يدلّ علي أنَّه لم يعشْ في فلسطين ولم يرَ أورشليم كما يدلّ

    ــــــــــــــــــــــ

    - 109 -

    علي جهله المطبق بجغرافيَّة البلاد!! لأنَّه ليست هناك آيَّة طرق بحريَّة بين أورشليم وبقيَّة فلسطين، إذ أنَّها تقع علي مجموعة من التلال التي ترتفع عن سطح البحر المتوسِّط بحوالي 500 متر، وعن سطح نهر الأردن حوالي 700 متر(4)، وعن سطح البحر الميت بحوالي 900 متر(5)! وتبعد عنها وعن بحيرة طبرية بعشرات الأميال !!

    (د) وكذلك زعمه أنَّ اِسم اللَّه الذي كان مكتوبًا علي جبهة رئيس الكهنة هو "التتغراماتن - tetagramaton "، والذي نقله خطأ، لم يضعه رئيس الكهنة علي جبهته إطلاقًا، فالاسم أصلاً، في اليونانيَّة، هو " تيتراجراماتون tetragrammaton "، ويعني الاسم ذو الأربعة أحرف والذي يُستخدم بديلاً لاسم اللَّه يهوه יהדה في العبريَّة، والمكوَّن من أربعة أحرف (Yode, Hay,Waw, Hay)، والذي كان اليهود يخشون من نطقه، ولذا كانوا يسمُّونه الاسم ذو الأربعة أحرف " tetragrammaton "، ولكنَّه كان يُكتب كما هو بالعبريَّة في كتاباتهم وطقوسهم. وكان رئيس الكهنة يضع علي جبهته هذا الاسم القدُّوس بالعبريَّة، كما هو " يهوه " كقول الله " يهوه هذا اسمي " (اش42/8)، كما كان يضع علي جبهته صفيحة من ذهبٍ منقوش عليها نقش خاتم " قدس ليهوه " (خر28/38) بالعبريَّة. وهذا يدلّ علي أنَّ هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر لم يرَ رئيس الكهنة ولم يعشْ في عصر المسيح بالمرَّة!!

    (هـ) وزعمه وجود ثلاثة جيوش مسلَّحة أيَّام المسيح، في اليهوديَّة، تتكون من 000ر600 (ستمائة ألف) جندي متقلِّدي السلاح يدلّ علي عدم معرفته بالظروف التاريخيَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة، أيَّام المسيح وبعدها، في فلسطين!! لأنَّ فلسطين بما فيها اليهوديَّة كانت واقعة تحت الاحتلال الرومانيّ الذي لم يسمحْ لها بتكوين جيش بالمرَّة، كما لم يضعْ فيها أكثر من لواء واحد مكوَّن من حوالي ستة آلاف جندي تحت سيطرة الوالي الرومانيّ! وتقول جميع المراجع التي تؤرِّخ لهذه الفترة أنَّ الجيش الرومانيّ كلّه في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانيَّة، التي كانت تضمّ جميع البلاد المحيطة بالبحر المتوسط، بلّ وكان البحر المتوسط بالنسبة لها بحيرة رومانيَّة، كان يتكون من 300،000 (ثلاثمائة ألف) جندي، وأنَّها كانت تضع في كلِّ منطقة سوريا وفلسطين بما فيها اليهودية 20،000 (عشرون ألف) جنديّ فقط!! فمن أين أتي هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والخرافيّ التفكير بكلِّ هذا العدد الذي هو ضعف كلِّ الجيوش الرومانيَّة في الإمبراطوريَّة الرومانيَّة كلِّها ؟!!

    (و) وما يدلّ أيضًا علي أنَّ الكاتب لم يكنْ معاصرًا للسيِّد المسيح هو زعمه أنَّ هيرودس الذي صلب المسيح في زمنه (هيرودس انتيباس) كان ملكًا وكان أجنبيًا وغريبًا عن شريعة اليهود، وأنَّه كان من الأمم عبدة الآلهة الكاذبة!! وهذا زعمٌ كاذبٌ يدلّ علي جهل مُطبق بتلك الفترة لأنَّ هيرودس هذا لم يكنْ ملكًا بل " رَئِيس رُبْع " (لو3/1) بلقب أمير " تتررخسا " ولما دفعته زوجته للمطالبة بلقب ملك، ذهب إلي روما وهناك غضب عليه الإمبراطور كاليجولا ونفاه إلي ليون (بفرنسا حاليًا) وإنتهي حكمه سنة 39م.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (4) وينخفض نهر الأردن عن مستوى البحر المتوسط ب 200 م

    (5) وينخفض البحر الميت عن المتوسط ب 395 م .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 110 -

    كما أنَّ هيرودس أنتياس هذا كان اِبن هيرودس أنتيباتر (هيرودس الكبير) الذي بني هيكل أورشليم(6)، وحفيد أنتيباتر اليهودي الآدوميّ، وهو مولود علي أرض فلسطين وعمل بشريعة موسي مثل أبيه، وهو الذي وبَّخه يوحنَّا المعمدان لزواجه من هيروديَّا زوجة أخيه، فيلبُّس، فقطع رأس يوحنَّا المعمدان (مت14/10؛لو3/29).

    كما زعم هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر أنَّ مجلس الشيوخ الرومانيّ مقدَّس وأنَّه أصدر قرارَين يُحدِّد فيهما أنَّ يسوع نبيّ وليس اللَّه أو اِبن اللَّه!!

    Ë فقال في (ف97) أنَّ الوالي وهيرودس ورئيس الكهنة قالوا ليسوع " إنَّنا سنكتب إلي مجلس الشيوخ الرومانيّ المقدَّس بإصدار أمر ملكيّ أنْ لا أحد يدعوك فيما بعد اللَّه أو اِبن اللَّه"؟!!

    Ë وقال في (ف157) " لأنَّه صدر أمر من مجلس الشيوخ الرومانيّ أنَّه لا يجوز لإنسانٍ أنْ يتحزَّب ليسوع نبيّ اليهود وإلاَّ فالعقاب الموت وهو أمر إستصدره الوالي "؟!!

    Ë وقال في (ف210) " إنَّ مجلس الشيوخ الرومانيّ أصدر أمرَين بشأن يسوع، يتوعَّد أحدهما بالموت من يدعو يسوع الناصريّ نبيّ اليهود اللَّه ويتوعَّد في الآخر بالموت من يشاغب في شأن يسوع الناصريّ نبيّ اليهود " ؟!

    فهل كان مجلس الشيوخ الرومانيّ الوثنيّ مقدَّسًا كما زعم هذا الكاتب المزيِّف؟!! وهل حدَّد هذا المجلس الوثنيّ السياسيّ صفة يسوع الدينيَّة وقرَّر أنَّه نبيّ وليس اللَّه أو اٍبن اللَّه؟!! والجواب بالنفي طبعًا وقطعًا!! لأنَّه لم يكنْ مجلس الشيوخ الرومانيّ الوثنيّ مقدَّسًا ولم تكنْ تعنيه مسألة كهذه ولم ينظر الرومان إلي المسيحيَّة ،َّ في أواخر القرن الأوَّل وبعد صعود المسيح بأكثر من نصف قرن، إلاَّ كبدعةٍ ظهرت في اليهوديَّة، وهذا ما عبَّر عنه المؤرِّخ الرومانيّ تاسيتوس (55-120م) فقال " أنَّ نيرون ألصق تهمة حريق روما بجماعة دعوا مسيحيِّين نسبة إلي المسيح الذي حكم عليه بيلاطس البنطي بالموت في عهد طيباريوس. وانتشرت هذه البدعة الخبيثة انتشارًا غريبًا، ليس في اليهوديَّة مصدر الشرِّ الأوِّل فحسب، بل حتَّي في روما حيث كلّ شيء بشعٍ ومخزٍ من كلّ جزء من العالم مركزًا ويصبح منتشرًا"(7).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (6) والذي قتل أطفال بيت لحم ( ملك من 37 – 4 ق م) .

    (7) Tacitus AnnaI xv. 44 see C. K. Marrett the N. T. Back PP. 15, 16.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 111 -

    4 - لعازر أعظم من المسيح !!

    وفي محاولات هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر الدائبة للإقلال من شأن المسيح زعم أنَّ بعض تلاميذه أعظم منه! ففي (ف196) زعم أنَّ يسوع قال أنَّه يجب أنْ يُستمع لتلميذه يوحنا عشرة أضعاف ما استمع إليه !! وفي (ف198) زعم أنَّ لعازر أكثر نبؤةً وعلمًا من المسيح، بل وأكثر معرفةً منه!! " فقال حينئذ يسوع لتلاميذه: تدعونني معلمًا وتعملون حسنًا لأنَّ اللَّه يعلِّمكم بلساني، ولكن كيف تدعون لعازر؟ حقًا إنَّه لمعلِّم كلّ المعلِّمين الذين يبثون تعليمًا في هذا العالم، نعم إنَّني علَّمتكم كيف يجب أنْ تعيشوا حسنًا، أمَّا لعازر فيُعلِّمكم كيف تموتون حسنًا، لعمر اللَّه أنَّه قد نال موهبة النبوَّة، فأصغوا إذًا لكلامه الذي هو حقّ " ؟!! هل يتصوَّر إنسان عاقل أنَّ لعازر هو مُعلِّم المسيح ؟!! بل وأعظم من المسيح !!

    ويزيد الكاتب من تجديفه علي الربِّ يسوع المسيح ويزعم أنَّ لعازر قال للمسيح " يعطيك اللَّه أجرًا عظيمًا " !! لعازر يطلب للمسيح أجرًا عظيمًا؟!! ولكن هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر يستكثر حتَّي هذا الأجر ولا يرضي للمسيح سوي بالعقوبة والقصاص والعار !! " حينئذ قال الذي يكتب هذا " أي برنابا المزيِّف " يا معلِّم كيف يقول لعازر الحقّ بقوله لك " ستنال أجرًا " مع أنَّك قلت لنيقوديموس أنَّ الإنسان لا يستحق شيئًا سوي العقوبة " إنَّه لا يرضي للمسيح سوي بالعقاب !! ثم يزعم أنَّ المسيح لم يخدمْ اللَّه بإخلاص!! وأنَّه مستحق للعقاب والقصاص !! وأنَّه سيظلّ في العار إلي الأبد، عار الصليب !! فهل يُوجد حقد علي المسيح أكثر ضراوة من هذا الكفر والتجديف؟!!

    5 - سخرية الناس والشياطين بالمسيح !!

    ويتمادي هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر في محاولته الإقلال من شأن المسيح وتحقيره حتَّي جعل منه مُجَرَّد منبوذ يمكث في العار الأبديّ!! يسخر منه الناس ويهزؤون به؟! فقال في (ف220) إنَّ اللَّه عاقب المسيح، بسبب دعوة الناس له إلهًا، بأنْ يهزأ به الناس في هذا العالم!! حتَّي لا تهزأ به الشياطين يوم الدينونة!! وذلك بأنْ يعتقد الناس أنَّه هو الذي صُلب وليس يهوذا؟!! أي أنَّ اعتقاد نصف سكَّان الكرة الأرضيَّة الآن وفي الأجيال السابقة واللاحقة بصلب المسيح هو نوع من الإستهزاء به كعقوبةٍ وقصاصٍ له حتَّي لا يهزأ به الشياطين يوم الدينونة؟!!

    فهل يقبل إنسان به ذرَّة عقلٍ هذا الكفر والتجديف الذي تجرَّأ هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر علي كتابته؟!!

    6 - الكاتب المزيِّف يكشف عن كذبه وإدِّعائه:

    ففي (ف112) يكشف هذا الكاتب المزيِّف والمزوِّر والمجدِّف علي اللَّه وعلى مسيحه عن كذبه وتزويره وضلاله وإدِّعاءاته الكفريَّة الكاذبة ويحاول أنْ يغطِّي علي تزويره وتزييفه، فيخلق كذبة جديدة يعترف فيها بجريمته ويقول: أنَّ يسوع بقي

    ــــــــــــــــــــــ

    - 112 -

    مع الذي يكتب وحده " فقال يسوع باكيًا: يا برنابا يجب أنْ أكاشفك بأسرار عظيمة يجب عليك مكاشفة العالم بها بعد انصرافي منه " لماذا برنابا وحده؟!! ألا يدلّ ذلك علي محاولة الكاتب زورًا، أنْ يُبَرِّر كتابته هو وحده الذي تنفرد بهذا الكفر والتجديف ؟!!

    ثم يقول مجدفًا ومتفوِّهًا بأقوالٍ كفريَّة " أجاب يسوع: صدقني يا برنابا أنني لا أقدر أنْ أبكي قدر ما يجب علي لأنَّه لو لم يَدْعُنِي الناس إلهًا لكنت عاينت هنا اللَّه كما يُعاين في الجنَّة ولكنت آمنت خشية يوم الدين " ؟!!

    هل يُحرم المسيح الذي هو كلمة اللَّه وصورة اللَّه، بهاء مجده ورسم جوهره الذي يكشف عنه لأنَّه منه وفي حضنه وواحد معه في الجوهر، والذي يوصف أيضًا بروح اللَّه، من رؤية اللَّه؟!! وهل يخشي يوم الدين وهو الديَّان وملك يوم الدين ؟!!

    ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل العاشر : من هو المصلوب يهوذا أم يسوع ؟!!

  • هدف الكاتب المزوِّر منذ البداية لهدم أركان المسيحيَّة وعقائدها الأساسيَّة بشدَّةٍ وبأيَّة وسيلة، بمبدأ الغاية تُبَرِّر الوسيلة، مهما كانت هذه الوسيلة كاذبة ومضلِّلة!! خاصَّةً موضوع صلب المسيح. وفي هذا الفصل نناقش القضيَّة الوهميَّة التي أثارها، هذا الكاتب المزوِّر، وزعم أنَّ الذي صُلِبَ هو يهوذا وليس يسوع!! وإختلق المواقف ولفَّق الأكاذيب وإخترع الروايات الخرافيَّة، كعادته، وبما يتناسب مع فكره الخرافيّ المتخلِّف، لهذا الغرض:

    (1) فقد زعم أنَّه لما خاف المسيح من الكهنة كشف له الملاك جبريل أنَّه لن يموت قبل نهاية العالم، فقال في (ف10:13و11) أنَّه لما خاف يسوع من الكهنة قال له جبريل " لا تخفْ يا يسوع لأنَّ ألف ألف من الذين يسكنون فوق السماء يحرسون ثيابك ولا تموت حتَّي يكمُل كلّ شيء ويمسي العالم علي وشك النهاية" !!

    (2) وزعم في (ف6:140) أنَّ يسوع قال " أنِّي عالمٌ بأنِّي سأحيا إلي نحو مُنْتَهَي العالم " !!

    (3) وزعم في (ف3:43) أنَّ يهوذا شكَّ في يسوع ولم يؤمنْ بشيءٍ ولأنَّه كان سارقًا للصندوق فقد تَصَوَّر أنَّ المسيح لا يعلمْ شيئًا عن سرقاته وبالتالي تَصَوَّر أنَّه ليس نبيًا، لذا فقد كان يتبع المسيح، فقط، علي أمل أنْ يصير المسيح ملكًا ويكون له هو منصبٌ كبيرٌ ولما رفض يسوع المُلك يئس وقرَّر الإستفادة الماليَّة من الموقف بتسليمه للكهنة. فقال في (ف1:142-6) " لما رأي يهوذا الخائن أنَّ يسوع هرب يئس من أنْ يصير عظيمًا في العالم 000 فهو قد رجا أنْ يصير يسوع ملكًا علي إسرائيل وأنَّه هو نفسه يصبح رجلاً عزيزًا، فلمَّا فقد هذا الرجاء في نفسه قال: لو كان هذا الرجل نبيًا لعرف أنِّي أختلس نقوده ولكان قد حنق وطردني من خدمته إذ يعلم أنِّي لا أؤمنْ به، ولو كان حكيمًا لما هرب من المجد الذي يريد اللَّه أنْ يُعطيه إيَّاه، فالأجدر بِي أذًا أنْ أتَّفق مع رؤساء الكهنة والكتبة والفرِّيسيِّين ونري كيف أسلِّمه إليهم فبهذا أتمكن من تحصيل شيءٍ من النفع " !!

    (4) وزعم في (ف1:205-18) أنَّه لما سكبت مريم أخت لعازر الطيب علي رأس يسوع ولم تذعنْ ليهوذا لتبيعه بـ 300 قطعة من الفضَّة حقد يهوذا وقرَّر تسليمه " حنق (يهوذا) لأنَّه علم أنَّه خاسر ثلاثين قطعة من النقود 000 لأنَّه كان يختلس العُشر من كلِّ ما كان يُعطي ليسوع " !! ومن ثمَّ ذهب إلي رئيس الكهنة في مجلس مشورة من الكهنة والكتبة والفرِّيسيِّين. فكلَّمهم (يهوذا) قائلاً:

    ــــــــــــــــــــــ

    - 114 -

    " ماذا تعطوني وأنا أسلِّم إلي أيديكم يسوع الذي يريد أنْ يجعل نفسه ملكًا علي إسرائيل000 أجاب رئيس الكهنة إذا سلَّمته ليدنا أعطيناك ثلاثين قطعة من الذهب"!! وقال في (ف5:214و6) أنَّه لما ذهب يهوذا ليتَّفق علي تسليم يسوع، سأله رئيس الكهنة " كم تطلب؟ قال يهوذا ثلاثين قطعة من الذهب " !!

    وواضح هنا أنَّ الكاتب المزوِّر يبذل جهدًا خارقًا ليُناقض الأناجيل التي إقتبس منها فكرة بعض هذه الأحداث!! ومع ذلك سقط في الكثير من الأخطاء بسبب إعتماده لا علي الحقائق بل علي بعض التفاسير الخاصَّة بموقف يهوذا ومحاولته الدءوبة لتصوير أنَّ الذي صُلِبَ هو يهوذا وليس المسيح!! وقد زعم أنَّ يهوذا كان يسرق العشور؟! فلماذا كان يختلس العُشر بالذات؟!! هل كان يسرق حقّ اللَّه فقط؟!! جاء في الإنجيل للقدِّيس يوحنَّا أنَّ يهوذا لم يكنْ " لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقاً وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ. " (يو12/6).

    كما أخطأ عندما قال أنَّ رئيس الكهنة أعطاه ثلاثين من الذهب لسببَين؛ أولاً: لأنَّ زكريَّا النبيّ سبق وتنَبَّأ أنَّ المسيح سيُباع بثلاثين من الفضة وليس من الذهب " فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَامْتَنِعُوا. فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ " (زك11/12)، " فَقَالَ لِي الرَّبُّ: أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ]. فَأَخَذْتُ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ الرَّبِّ." (زك11/13). ثانيًا: أكَّد ذلك الإنجيل القانونيّ (الصحيح) "وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ." (مت26/15). " حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ" (مت27/3). كما أنَّ الثلاثين من الفضة كانت ثمن عبد حسب الشريعة " إِنْ نَطَحَ الثَّوْرُ عَبْدا اوْ امَةً يُعْطِي سَيِّدَهُ ثَلاثِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ وَالثَّوْرُ يُرْجَمُ." (خر21/32). لذا أعطي رؤساء الكهنة ليهوذا ثمن عبد حسب الشريعة!!

    1– أسباب الصلب في رأي الكاتب المزوِّر:

    (1) قال في (ف8:112-22) أنَّ يسوع كشف لبرنابا وحده أنَّه سيُعاقب بالحرمان من رؤية اللَّه ومن دخول الجنَّة وبِعار الصليب بسبب دعوة الناس له إلهًا" أجاب يسوع صدِّقني يا برنابا إنني لا أقدر أنْ أبكي قدر ما يجب عليّ لأنَّه لو لم يدعني الناس إلهًا لكنت عاينت هنا اللَّه كما يُعاين في الجنَّة ولكنت آمنت خشية يوم الدين 000 إنني لو لم أُدعَ إلهًا لكنت حُمِلت إلي الجنَّة عندما أنصرف من العالم أمَّا الآن فلا أذهب إلي هناك حتَّي الدينونة 000 لأجل هذا يجب عليّ التحفُّظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من نقود وعليه فأنِّي علي يقين أنَّ من يبيعني يُقتل بإسمي لأنَّ اللَّه سيُصعدني من الأرض وسيُغَيِّر منظر الخائن حتَّي يظنَّه كلّ أحد إيَّاي، ومع ذلك لما يموت شرَّ ميتة أمكث في ذلك العار زمنًا طويلاً " !!

    ثمَّ يُضيف الكاتب المزوِّر أنَّ يسوع قال له " ولكن متي حلَّت هذه النازلة بأمِّي فقلْ لها الحقّ لكي تتعزَّي. حينئذ أجاب من يكتب: إنِّي لفاعلٌ ذلك يا مُعَلِّم إنْ شاء اللَّه " (ف21:112و22).

    ــــــــــــــــــــــ

    - 115 -

    والسؤال هنا هو؛ هل يُعقل أنْ يُعاقِب اللَّه أحدًا بسبب ما يقوله الناس عنه دون أنْ يكون له ذنب فيما يُقال عنه؟!! هل هذا منطق؟!! وهل تقرَّرت عقوبة الصلب بسبب ذلك؟!! وهل تخدع الملايين، بل البلايين من البشر في كلِّ زمان ومكان لسبب غير معقول وغير منطقى؟ حاشا للَّه! إنما يحاول الكاتب المزوِّر جاهدًا أنْ يُبَرِّر أسباب الصلب بعيدًا عن فكر الكتاب المقدَّس والإيمان المسيحيّ فوقع في اللامعقول وسقط في الخرافة والحماقة!!

    (2) وزعم في (ف12:198-16) أنَّ اللَّه عاقب يسوع بعارِ الصليب لأنَّه، يسوع، لم يخدمْ اللَّه بإخلاص!! وبسبب دعوة الناس له إلهًا!! ولكن لأنَّه، يسوع، إعترف بأنَّه ليس إلهًا ولا هو المسيَّا فقد رفع اللَّه العقوبة، عقوبة الصلب عنه وجعل آخر يُكابدها بدلاً منه " أجاب يسوع عساني أنْ أنال من اللَّه قصاصًا في هذا العالم لأنِّي لم أخدمه بإخلاص كما كان يجب عليّ أنْ أفعل ولكن اللَّه أحبَّني برحمته حتَّي أنَّ كلّ عقوبة رُفِعَت عنِّي بحيث أنْ أعذَّب في شخصٍ آخرٍ، فأنِّي كنت أهلاً للقصاص لأنَّ البشر دعوني إلهًا ولكن لما كنت قد إعترفت له بأنِّي لست إلهًا فقط كما هو الحقّ بل إعترفت أيضًا أنِّي لست مسيَّا، فقد رفع اللَّه لذلك العقوبة عنِّي، وسيجعل شريرًا يكابدها بإسمي حتَّي لايبقي لي منها سوي العار " !!

    فهل كان المسيح مُقَصِّرًا ولم يخدم اللَّه كما يجب، بإخلاص، وهو الذي قال مخاطبًا الآب "الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ" !؟ (يو17/4). وهل كلّ من لم يخدمْ اللَّه بإخلاصٍ يُعاقب بمثل هذه العقوبة، أم أنَّ هذا خاصٌّ بالمسيح فقط من وجهة نظر هذا الكاتب المزوِّر المُضّطِهد للمسيح؟!! وإذا كان المسيح، من وجهة نظر هذا الكاتب المزوِّر، يُعاقَب بمثل هذه العقوبة الشنيعة ويُضِلّ بسببه البلايين من البشر لأنَّه، حسب زعمه لم يخدمْ اللَّه كما يجب، بالرغم من إجماع الكلّ علي أنَّه هو وحده الذي بلا خطيئة وأنَّه الوحيد الذي نفَّذ إرادة اللَّه بالكامل، فما هي عقوبة من يقتل ويسرق ويزني ويحرق ويدمِّر ويُخالف كلّ وصايا اللَّه؟!!

    (3) ومن أعجب ما زعمه هذا الكاتب المزوِّر هو زعمه أنَّ المسيح عُوقب بعارِ الصليب بسبب حبّ أمِّه وتلاميذه له!! فقال في (ف17:220-18) " صدِّقني يا برنابا أنَّ اللَّه يُعاقب علي كلّ خطيَّة مهما كانت طفيفة عقابًا عظيمًا لأنَّ اللَّه يغضب من الخطيَّة، فلذلك لما كانت أمِّي وتلاميذي الأمناء الذين كانوا معي أحبُّوني قليلاً حبًا عالميًا أراد اللَّه البار أنْ يُعاقب علي هذا الحبّ بالحزن الحاضر حتَّي لايُعاقب عليه بلهب الجحيم " !!

    هل يُعقل أنَّ اللَّه يُعاقب علي الحبِّ بلهب الجحيم، وبعار الصليب بالنسبة للمسيح، والكتاب المقدَّس يقول أنَّ اللَّه محبَّة " وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ " (1يو4/8)، "وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" (1يو4/16). وكانت أعظم وصايا الكتاب المقدَّس

    ــــــــــــــــــــــ

    - 116 -

    هي " تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ" (مت22/37-40)، وقال الربُّ يسوع المسيح " وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً" (يو13/34). بل وكانت دعوته هي محبَّة الجميع، الأحبَّاء والأقرباء والأصدقاء والأعداء، " سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (مت5/43-45). هذه هي دعوة المسيح وليست دعوة هذا الكاتب المزوِّر الذي لا يعرف سوي التزوير والتزييف والحقد والكره والإنتقام!!

    (4) وفى (ف11:142-20) يُضيف أسبابًا جديدةً فيزعم أنَّ الكهنة قرَّروا قتل يسوع خوفَا من أنْ يملك عليهم ويُصلح الديانة اليهوديَّة، وأيضًا بسبب ما يزعمه هذا الكاتب المزوِّر بأنَّ المسيَّا لن يأتي من نسل داود بل من نسل إسماعيل!! وخوفًا من أنْ يأتي الإسماعيليُّون ويأخذون المملكة من بني إسرائيل!! " كيف يكون مصيرنا تحت سلطان رجلٍ كهذا، حقًا إنَّنا نهلك نحن وأولادنا، لأنَّنا إذا طُردنا من وظيفتنا اضطررنا أنْ نستعطي خبزًا. أمَّا الآن فالحمد للَّه لنا ملك ووالٍ أجنبيَّان عن شريعتنا ولا يباليان بشريعتنا 000 وأنكي من ذلك أنَّه يقول أنَّ مسيَّا لا يأتي من نسل داود 000 بل يقول أنْ يأتي من نسل إسماعيل وأنَّ الموعد صُنع بإسماعيل لا بإسحاق. فماذا يكون الثمر إذا تركنا هذا الإنسان يعيش؟ من المؤكَّد أنَّ الإسماعيليِّين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيِّين فيعطونهم بلادنا ملكًا " !!

    فهل يعقل أنْ يكون سبب قتل المسيح هو حرصه وإصراره علي تطبيق ناموس موسي؟!! الغريب أنَّ السبب الحقيقيّ الذي ذُكر في العهد الجديد، من وجهة نظر الكهنة، لصلب يسوع، هو أنَّه لا يُبالي بالناموس ودعوته لنفسه باِبن اللَّه!! ولكن الكاتب كعادته يعكس كلّ شيء لنقيضه!! كما أنَّ هيرودس، كما بيَّنَّا سابقًا، لم يكنْ ملكًا بل أميرًا، ولم يكنْ أجنبيًا بل كان يهوديًا من سلالة أدوميَّة ومولود في فلسطين!!

    (5) كما زعم وجود صراع يهوديّ إسماعيليّ حول " النسل الموعود " وذلك دون مُبَرِّر أو سند تاريخيّ، فلا يُذكر في التاريخ أنَّه كان هناك من يُسَمُّون بالإسماعيليِّين أيَّام المسيح!! واستمرارًا لهذا الزعم يقول في (ف7:208-8) " إنَّ اِبن إبراهيم هو إسماعيل الذي يجب أنْ يأتي من سلالته مسيَّا الموعود به لإبراهيم لتتبارك كلّ قبائل الأرض. فلمَّا سمع رئيس الكهنة حنق وصرخ: لنرجم هذا الفاجر لأنَّه إسماعيليّ وقد جَدَّف علي موسي وعلى شريعة اللَّه " !!

    والثابت في الكتاب المقدَّس، بعهديه، وكما هو أيضًا ثابت في التقليد اليهوديّ والمسيحيّ، أنَّ إسحق هو اِبن الموعد ومنه سيأتى النسل الموعود، المسيح

    ــــــــــــــــــــــ

    - 117 -

    المنتظر !! قال اللَّه لإبراهيم " وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ" (تك12/3)، وأيضًا " وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ امَمِ الارْضِ مِنْ اجْلِ انَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تك18/18؛22/18)، ثمَّ أكَّّد له " أَنَّهُ بِاسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ" (تك21/13)، " سَارَةُ امْرَاتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنا وَتَدْعُو اسْمَهُ اسْحَاقَ. وَاقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدا ابَدِيّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ000 وَلَكِنْ عَهْدِي اقِيمُهُ مَعَ اسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الآتِيَةِ" (تك17/18-21). وكرَّر اللَّه نفس الوعد لإسحق وقال له مثلما قال لأبيه " وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ امَمِ الارْضِ" (تك26/4)، ثمَّ كرَّره أيضًا ليعقوب " وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ" (تك28/14). وقال بطرس الرسول بالروح أنَّ هذا النسل الموعود هو المسيح (أع3/25)، وقال بولس الرسول بالروح " وَالْكِتَابُ إِذْ سَبَقَ فَرَأَى أَنَّ اللهَ بِالإِيمَانِ يُبَرِّرُ الأُمَمَ، سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ «فِيكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ الأُمَمِ 000 لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ 00 وَ«فِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ." (غل3/8 و14و16). وجاء في القرآن عن إبراهيم قوله " وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ " (العنكبوت 26).

    2 – خرافة صلب يهوذا بدلاً من المسيح:

    (1) يُصَوِّر الكاتب المزوِّر عمليَّة إلقاء شِبْه المسيح علي يهوذا برواية خرافيَّة خياليَّة، فيقول في (ف1:215-5) " ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحلِّ الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دُنُوّ جمعٌ غفيرٌ، فلذلك اِنسحب إلي البيت خائفًا، وكان الأحد عشر نيامًا، فلمَّا رأى اللَّه الخطر علي عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأوريل (عزرائيل في النسخة الأسبانيَّة) سفراءه أنْ يأخذوا يسوع من العالم. فجاء الملائكة الأطهار وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة علي الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة" ! ثم يقول في (ف1:216-5) " ودخل يهوذا بعنفٍ إلي الغرفة التي أُصعد منها يسوع وكان التلاميذ كلهم نيامًا فأتي اللَّه العجيب بأمر عجيب فتَغَيَّر يهوذا في النُطق وفي الوجه فصار شبيهًا بيسوع من كلِّ وجهٍ"!! ثم يزعم في الفصل التالي أنَّ يهوذا صرخ أمام الجنود ورئيس الكهنة وأمام بيلاطس أنَّه ليس يسوع بلّ يهوذا الإسخريوطيّ، حتَّي سخر منه الجنود وظنُّوا أنَّه يَدَّعِي الجنون لينجو من الموت، وقال بيلاطس " إنَّ هذا الإنسان يقول أنَّه ليس يسوع بل يهوذا الذي قاد الجنود ليأخذوا يسوع. ويقول أنَّ يسوع الجليليّ قد حوَّله هكذا بسحره، فإذا كان هذا صدقًا يكون قتله ظلمًا كبيرًا لأنَّه يكون بريئًا، ولكن إذ كان هو يسوع وينكر أنَّه هو فمن المؤكَّد أنَّه قد فقد عقله ويكون من الظلم قتل مجنون " !!

    (2) ثمَّ إختلق رواية خرافيَّة، كعادته كلَّما تكلَّم بأكاذيبٍ، وزعم في (ف119و120) أنَّ الملائكة الذين يحرسون مريم أمّ يسوع صعدوا إليه في السماء الثالثة " حيث كان يسوع في صحبة الملائكة وقصُّوا عليه كلّ شيء. لذلك ضرع يسوع إلي اللَّه أنْ

    ــــــــــــــــــــــ

    - 118 -

    يأذن له بأنْ يري أمَّه وتلاميذه فأمر حينئذ الرحمن ملائكته الأربعة المقرَّبين الذين هم جبريل وميخائيل ورافائيل وأوريل أنْ يحملوا يسوع إلي بيت أمِّه وأنْ يحرسوه هناك مدَّة ثلاثة أيام متوالية، وأنْ لا يسمحوا لأحد أنْ يراه خلا الذين آمنوا بتعليمه. فجاء يسوع محفوفًا بالنساء إلي الغرفة التي أقامت فيها مريم العذراء مع أختيها ومرثا ومريم المجدليَّة ولعازر والذي يكتب ويوحنَّا ويعقوب وبطرس، فخرُّوا من الهلع كأنَّهم أموات، فأنهض يسوع أمَّه والآخرين عن الأرض قائلاً: " لا تخافوا لأنِّي أنا يسوع ولا تبكوا فإنِّي حيّ لا ميِّت فلبث كلٍّ منهم زمنًا طويلاً كالمخبول لحضور يسوع لأنَّهم إعتقدوا إعتقادًا تامًا بأنَّ يسوع مات، فقالت حينئذ العذراء باكيةً: " قل لي يا اِبني لماذا سمح اللَّه بموتك ملحقًا العار بأقربائك أخلائك وملحقًا العار بتعليمك؟ وقد أعطاك قوَّة علي إحياء الموتي فإنَّ كلّ من يحبَّك كان كميِّت.

    أجاب يسوع معانقًا أمِّه: " صدِّقيني يا أمَّاه لأنِّي أقول لك بالحق أنِّي لم أمتْ قطّ لأنَّ اللَّه قد حفظني إلي قرب إنقضاء العالم ولما قال هذا رغب إلي الملائكة الأربعة أنْ يظهروا ويشهدوا كيف كان الأمر"!! ألم تكنْ أقوال يسوع المزعومة هذه كافية أم أنَّ الكاتب المزوِّر، كعادته، يسند أكاذيبة بتأليف المعجزات الخارقة. ثم يضيف الرواية الخرافيَّة التالية، كعادته عندما يريد أنْ يُوهم القرَّاء بصحَّة أكاذيبه " فظهر الملائكة كأربع شموس متألِّقة حتَّي أنِّ كلّ أحد خرَّ من الهلع ثانية كأنَّه ميِّت فأعطي حينئذ يسوع الملائكة أربع ملاء من كتان ليستروا بها أنفسهم لتتمكَّن أمّه ورفاقه من رؤيتهم وسماعهم 000 ثمَّ قصّ الملائكة الأربعة علي العذراء كيف أنَّ اللَّه أرسل إلي يسوع وغيَّر " صورة " يهوذا ليُكايد العذاب"!!

    (3) وزعم في (ف220) أنَّ يسوع كشف لتلاميذه ورسله علي جبل الزيتون أنَّ يهوذا الذي صُلب وليس هو !!

    (4) وزعم في (ف3:218-5) أنَّ " التلاميذ الذين لم يخافوا اللَّه ذهبوا ليلاً وسرقوا جسد يهوذا وخبَّأوه وأشاعوا أنَّ يسوع قام، فحدث بسبب ذلك اضطراب"!!.

    (5) ثمَّ يختم كتابه المزيَّف بقوله أنَّ بعض التلاميذ " بشَّروا أنَّ يسوع مات ولم يقمْ وآخرون بشَّروا أنَّه مات بالحقيقة وقام 000 أمَّا نحن فإنما نُبَشِّر بما كَتَبْت "!!

    وفي رواية الكاتب المزوِّر هنا عدَّة أخطاء تاريخيَّة ودينيَّة ومنطقيَّة ومزاعم مرتبطة بحقيقة المصلوب هي:

    1- كعادة الكاتب المزوِّر في مناقضة ما سبق أنْ قاله عاد وناقض نفسه هنا، فبعد أنْ زعم أنَّ يسوع كشف له كيف أنَّ غيره سيُصلب بدلاً منه وطلب منه أنْ يُخبر أمّه العذراء بذلك لكي تتعزَّى، ناقض نفسه في (ف14:120) وقال أنَّه بعد أنْ نزل يسوع من السماء، بعد أحداث الصلب، سأله برنابا قائلاً " إذا كان اللَّه رحيمًا فلماذا عذَّبنا بهذا المقدار بما جعلنا نعتقد أنَّك كنت ميتًا؟ ولقد بكتك أمَّك حتَّي أشرفت علي الموت"؟!! فكيف يزعم أنَّه إعتقد أنَّ يسوع مات وهو يزعم أنَّ

    ــــــــــــــــــــــ

    - 119 -

    يسوع كشف له أنَّ غيره سيموت بدلاً منه وطلب منه أنْ يُخبر أمّه مريم بذلك حتَّي تتعزَّي وأنَّه هو وعد بتنفيذ ذلك؟!! كيف يزعم ذلك وهو الذي يزعم أنَّ يسوع كشف له أسراره ومن ضمنها هذا السرّ بما فيها ما يزعمه هنا؟!!

    2– زعم أنَّ أحد الملائكة الأربعة يُدْعَي " أوريل " وهذا الاسم لا وجود له لا في الكتاب المقدَّس أو التقليد المسيحيّ ولا في كلّ الكتب الإسلاميَّة، إنما هو اِسم ورد فقط في التقليد اليهوديّ فقط، خاصَّة فيما يُسَمَّي بسفر أخنوخ الأبوكريفي(1) أساطير التلمود (خاصَّة الترجوم) التي تقول أنَّ رؤساء الملائكة الأربعة " ميخائيل وجبرائيل وأوريل ورافائيل " يجلسون حول عرش اللَّه في السماء(2) هم نفس الأربعة الذين ذكرهم هذا الكاتب المزوِّر!! الذي خلط بين الأساطير والخرافات والأكاذيب مع قليلٍ مما جاء في الكتب القانونيَّة للأديان!!

    3– استخدامه لتعبير المخبول والذي كرَّره أكثر من مرَّة والذي لا يتَّفق مع سِمُوّ وجلال ما جاء في الأناجيل القانونيَّة (الصحيحة) يدلّ علي شخصيَّته غير المتَّزنة!!

    4– تكلَّم عن العذراء القدِّيسة مريم أكثر من مرَّة بلقب " العذراء " وهذا اللَّقب لم تُنادي به القدِّيسة مريم، بعد ولادتها، في كلِّ العهد الجديد، إنما اُستخدم بعد ذلك في الكنيسة الأولي وكتابات آباء الكنيسة. وهنا خلط الكاتب بين ما كانت تُنادى به القدِّيسة مريم قبل صعود المسيح " كأمِّه"، " أمّ يسوع " وما لُقِّبَت به من الكنيسة الأولي بعد ذلك، بسبب دوام بتوليَّتها، لأنَّ المسيح، قبل صعوده، كان معروفًا كاِبن يوسف النجَّار.

    5– زعم أنَّ المسيح ألقي بملاء علي الملائكة لكي يظهروا للتلاميذ ويتكلَّموا معهم!! فهل يعجز اللَّه عن إظهار الملائكة بصورة يحتمل رؤيتها البشر حتَّي يلقي عليهم يسوع بملاءات؟!! يذكر الكتاب المقدَّس ظهور الملاك جبرائيل لزكريَّا الكاهن والعذراء القدِّيسة مريم وظهرت ملائكة للنسوة تلميذات الربّ يسوع المسيح بعد قيامته ومع ذلك رأوهم كشباب لابسين ثيابٍ بيض ومناظرهم كانت برَّاقة وتحدَّثوا معهم(3) كانت الملائكة تهدِّىء خوفهم بعبارت " لا تخف 00 لا تخافي 00 لا تخافا "، وذلك دون الحاجة لملاءات أو غيرها مما يتوهَّمه ويَتَصوَّره خيال هذا الكاتب المزوِّر الخرافيّ التفكير.

    6– زعم أنَّ المسيح خاف عندما جاءوا للقبض عليه!! فهل خاف المسيح؟!! وممن، من الجنود أم من الموت؟!! وهل يخشي الربّ يسوع المسيح أحدًا ما أو شيئًا ما؟! يقول الوحي في الإنجيل للقدِّيس يوحنَّا أنَّهم لما جاءوا للقبض علي يسوع " فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ» رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ.فَسَأَلَهُمْ أَيْضاً: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» فَقَالُوا: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». أَجَابَ: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا هُوَ.". ثم سلَّم لهم نفسه بإرادته (يو18/4-8). وكان في إمكانه في تلك اللحظة أنْ يتركهم ويمضي دون الحاجة إلي الحيل والخدع التي لا تليق بجلال اللَّه وعظمته.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) مخظوطات البحر الميت جـ 2 :32و39 مع The Apocryphal OT pp.192,208

    (2) David Brauce, Michael the Archangel P. 5.

    (3) أنظر لو12:1و13و26؛ 4:24؛مت3:28؛مر5:16؛يو12:20) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 120 -

    7– زعم أنَّ المقبوض عليه، يهوذا، كرَّر أمام الجميع أنَّه يهوذا وليس يسوع، حتَّي أنَّ الجنود سخروا من كلامه وبيلاطس رأي أنَّه من الظلم قتله!! كما زعم أنَّ بعض التلاميذ سرقوا جسد يهوذا وقالوا أنَّ يسوع قام فحدثت بلبلة!! وقال أنَّ يسوع والملائكة كشفوا للتلاميذ والرُسل أنَّ الذي صُلِبَ هو يهوذا‍‍!! كما قال أنَّ بعض الرسل نادوا بأنَّ يسوع مات ولم يقمْ وبعضهم نادي أنَّه مات وقام والبعض الآخر نادي أنَّه لم يُصلبْ ولم يمتْ!!

    وهذه الإدعاءات والأكاذيب لو كانت قد حدثت حقيقة لشاعت وانتشرت بين الناس وتواترت عبر التاريخ وكان لها أنصار عديدون، وكان قد حدث انقسام في صفوف التلاميذ والرسل وبين جميع المسيحيِّين، ولعرفها عنهم غير المسيحيِّين من كلِّ دينٍ وجنسٍ، وكان التاريخ المسيحيّ واليهوديّ والرومانيّ قد سجَّلها، ومن ثمَّ سُجِلَّتْ في كتبٍ مسيحيَّة وغير مسيحيَّة، وكانت سبب تندُّر وسخرية من الكثيرين.

    ولكن هذا لم يحدث ولم يُنقل عن المسيحيَّة ولا عن غير المسيحيَّة، بل أنَّ حقيقة صلب المسيح وموته وقيامته هي حقيقة من الحقائق أو قاعدة الإيمان التي لم يختلف عليها المسيحيُّون في كلِّ مكانٍ وزمانٍ، وكانت شعارًا للمسيحيَّة منذ فجرها، فقد روت الأناجيل القانونيَّة وبقيَّة أسفار العهد الجديد أحداث الألم والصلب والموت والقيامة بالتفصيل، وتنبَّأت التوراة وبقيَّة أسفار العهد القديم عن أدق التفاصيل والأحداث المرتبطة بصلب المسيح وموته وقيامته، وشرحت كُتب الآباء وتاريخ الكنيسة ذلك بإسهابٍ، ويُردِّد المسيحيُّون في كلِّ مكانٍ وزمانٍ وبكلِّ لغةٍ، بجميع طوائفهم وفرقهم، كلّ يوم، قانون الإيمان الذي يقولون فيه عن المسيح "وصلب عنا علي عهد بيلاطس البنطي تألَّم وقُبِر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث" .

    كما أجمعت جميع الكتب الأبوكريفيَّة، كما بيَّنَّا في الفصل السابع، علي هذه الحقيقة، حقيقة صلب المسيح، ولم يشذّْ كتاب واحد أو فرقة واحدة في ذلك.

    ومن العجيب أنَّ إحدي الفرق كتبت كتابًا في القرن الثاني (قبل سنة 180م) أسمته " إنجيل يهوذا " يروي قصَّة آلام المسيح وصلبه وموته وقيامته، ويشرح كيف أنَّ يهوذا بخيانته جعل الخلاص ممكنًا لكلِّ البشريَّة، لأنَّه منع تخريب الحقّ الذي أعلنه المسيح أو لأنَّه عوَّق علامة القوَّات الشرِّيرة، والرؤساء، الذين أرادوا منع صلب المسيح الذي به جلب الخلاص للبشريَّة، وأضعف قوَّتهم "(4)!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (4) New Testament Apocrypha Vol. 1 pp. 313,314.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 121-

    3– شهادة التاريخ المدنيّ والدينيّ لحقيقة صلب المسيح:

    سجَّل الكتاب المقدَّس بعهديه، القديم والجديد، حقيقة صلب المسيح بالتفصيل، كما شهد بذلك التلمود اليهوديّ وكُتّاب اليهود عبر العصور، كما شهد بذلك سجلات الإمبراطوريَّة الرومانيَّة وكْتب مؤرِّخيها في القرنَين الأوَّل والثاني للميلاد، ولم يشرْ أحد من بعيد أو من قريب لما يُسَمَّي بنظريَّة الشِبْه!!

    (1) شهادة التقليد اليهودي:

    أشار التاريخ والأدب اليهوديّ لهذه الحقيقة في أكثر من سجلّ:

    (1) يوسيفوس المؤرِّخ والكاهن المعاصر لتلاميذ المسيح (35 - 100م): قال في عادياته التي كتبها بعد دمار الهيكل عن صلب الرب يسوع المسيح " في ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعي يسوع اشتهر بحسن السلوك وبالتقوي، فتبعه عددٌ غفيرٌ من بين اليهود والأمم الأخري. غير أنَّ بيلاطس البنطي حكم عليه بالموت صلبًا. أمَّا الذين تبعوه فلم يتخلُّوا عن تلمذتهم له. وإدَّعوا أنَّه قد ظهر لهم بعد ثلاثة أيام من صلبه وأنَّه حيّ. وبناء عليه فقد يكون هو المسيح الذي عزا إليه الأنبياء أشياء عجيبة "(5).

    (2) التلمود: جاء في نسخته التي نُشرت في أمستردام عام 1943، ص 42 قوله " لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيومٍ واحدٍ. وقبل تنفيذ الحكم فيه، ولمدة أربعين يومًا خرج منادٍ ينادي: إنَّ (يسوع) سيُقتل لأنَّه مارس السحر وأغري إسرائيل علي الإرتدادر، فعلي من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والاستعطاف من أجله أنْ يتقدَّم. وإذ لم يتقدَّم (أحد) للدفاع من أجله في مساء (ليلة) الفصح. وهل يجرؤ أحد عن الدفاع عنه؟ ألم يكن مفسدًا؟ وقد قيل في الأنبياء إنَّ شخصًا مثل هذا: " لا تَسْمَعْ لَهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلا تَرِقَّ لَهُ وَلا تَسْتُرْهُ ، بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ " (تث13/8-9) (6).

    (2) وجاء في مخطوطة توليدوث أيسو(7) Toledoth Jesu أنَّ تلاميذ المسيح حاولوا أنْ يسرقوا جسده فعرف بذلك بستانيّ اِسمه يهوذا. فجاء خفية ونقل جثمان المسيح من قبر يوسف الرامي إلي قبرٍ جديدٍ آخر حفره له. وعندما جاء التلاميذ إلي القبر الأصلي وجدوه فارغًا فإدَّعوا أنَّه قام من بين الأموات. ولكن حين أقبل رؤساء اليهود إلي الضريح وشاهدوه أيضًا فارغًا أخذهم البستانيّ إلي القبر الجديد وأراهم جثة يسوع". وهذا ما أشاعه اليهود بعد قيامة المسيح وسجَّله القدِّيس متَّي بالروح حيث يقول " وَبَعْدَ السَّبْتِ عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (5) Antiquities 18. 3, 3 (63-64).

    (6) Josh McDowell & Bill Wilson. He Walked Among Us p. 64.

    (7) Ibid. 63, 64.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 122-

    فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ. فَقَالَ الْمَلاَكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ: «لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ هَهُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعاً قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا». فَخَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ. وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَا». فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لاَ تَخَافَا. اذْهَبَا قُولاَ لِإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي». وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ وَتَشَاوَرُوا وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ». فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ فَشَاعَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. " (متى 28/1-15).

    (3) وقال يوحنا بن زكَّا تلميذ هليل المعلِّم الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصريّ " إنَّ الملك وحاخامات اليهود قد حكموا علي يسوع بالموت لأنَّه جَدَّف حين إدَّعي أنَّه اِبن اللَّه 000 وأنَّه اللَّه". ثم قال بعد ذلك: " ولما كان المسيح في طريقه إلي الموت كان اليهود يصرخون أمامه: فلتهلك كلّ أعدائك يا ربّ "(8).

    (4) وقال الحاخام اليهودي جوزيف كلاونز الذي عاش في القرن التاسع عشر في كتابه يسوع الناصريّ بعد فحص الإشارات إلي يسوع في التلمود معترفًا دون محاباة قائلاّ " لم ينكرْ شيء في الأناجيل!! فقد جري تحريفها (في التلمود) فقط إلي مصدر لومٍ واستهزاءٍ "(9).

    (2) شهادة التاريخ الرومانيّ والوثائق الوثنيَّة:

    (1) كورنيليوس تاسيتوس (55-125م)، وهو مؤلِّف رومانيّ عاصر ستَّة أباطرة ولُقِّب بمؤرِّخ روما العظيم. وقال عنه ف. ف بروس F.F.Bruce أنَّه، تاسيتوس، كان، بحكم علاقته بالحكومة الرومانيَّة، مطَّلعًا علي تقارير حكَّام أقاليم الإمبراطوريَّة وسجلات الدولة الرسميَّة. وقد أشار إلي المسيح في كتابَيه " الحوليَّات والتواريخ " ثلاث مرَّات أهمَّها قوله في الحوليَّات الجزء الثالث " لكي يتخلَّص نيرون من التهمة (أي حرق روما) ألصق هذه الجريمة بطبقة مكروهة معروفة باسم المسيحيِّين، ونكَّل بها أشدَّ تنكيل. فالمسيح الذي إِشتُقَّ المسيحيُّون منه اِسمهم، كان قد تعرَّض لأقصي عقاب في عهد طيباريوس علي يد أحد ولاتنا المدعو بيلاطس البنطي. وقد راجت خرافة من أشدّ الخرافات إيذاء، وإنْ كانت قد شُكِمَت لفترةٍ قصيرةٍ، ولكنَّها عادت فشاعت ليس فقط في اليهوديَّة المصدر الأوَّل لكلِّ شرٍّ، بل انتشرت أيضًا في روما التي أصبحت بؤرة لكلِّ الأشياء الخبيثة والمخزية التي شرعت ترد إليها من جميع أقطار العالم "(10).

    واضح أنَّ الخرافة أو الإشاعة التي ألمح إليها هي قيامة المسيح من الأموات.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (8) عوض سمعان " قضية الغفران " ص 108 وبقولا يعقوب غبريال " مباحث المجتهدين " ط 6 ص 76 .

    (9) W.T. Bib. Is The Bible The Word of God? p. 65

    (10)The Verdict of History, by Gary R. Habermas, pub. By Thomas Nelson Publication, Nashville, TN, 1982, pp. 87-88.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 123-

    (2) ومن مؤرخي الرومان الذين كتبوا عن موت المسيح ثللوس: (توفي 52م) في تاريخه الذي فُقد ولم يبقَ منه سوي شذرات مبعثرة في مؤلَّفات الآخرين، ومن جملتهم يوليوس الإفريقي الذي كان مطَّلعًا علي هذا التاريخ. ففي سياق حديثه عن صلب المسيح والظلام الذي خيَّم علي الأرض عندما اِستودع المسيح روحه بين يدَي الآب السماويّ، أشار يوليوس إلي عبارة وردت في تاريخ ثللوس تدور حول هذه الحادثة قال " إنَّ ثللوس في المجلَّد الثالث من تاريخه، يُعَلِّل ظاهرة الظلمة أنَّه كسوف الشمس، وهذا غير معقول كما يبدو لي"(11).

    وقد رفض يوليوس الإفريقي هذا التعليل (سنة 221م) بناء علي أنَّ الكسوف الكامل لا يمكن أنْ يحدث في أثناء إكتمال القمر، ولا سيَّما أنَّ المسيح قد صُلب ومات في فصل الاحتفال بالفصح وفيه يكون القمر بدرًا مكتملاً(12).

    ولم يكنْ ثللوس وحده هو الذي تحدَّث عن حدوث هذا الظلام، فقد أشار إليه كثيرٌ من القدامي مثل فليفون الفلكيّ في القرن الثاني وقال " إنَّ الظلام الذي حدث عند صلب المسيح لم يحدثْ في الكون مثله من قبل"، كما أشار إليه أيضًا الإمام الحافظ ابن كثير المؤرخ الإسلاميّ في كتابه " البداية والنهاية " ج 1 :182. (13)

    (3) لوسيان اليوناني: كان هذا أحد مؤرِّخي اليونان البارزين في مطلع القرن الثاني الميلاديّ. وقد علَّق في مقال نقديّ ساخر علي المسيحيِّين والمسيح. وإذ كان ينتمي إلي المذهب الأبيقوري فقد عجز عن استيعاب طبيعة الإيمان المسيحيّ واستعداد المسيحيِّين للاستشهاد في سبيل عقيدتهم، وحسبهم شعبًا مخدوعًا يتعلَّق بأوهام عالم ما بعد الموت بدلاً من التمتُّع بمباهج العالم الحاضر وملذاته وأبرز ما قاله " إنَّ المسيحيِّين، كما تعلم، ما زالوا إلي هذا اليوم يعبدون رجلاً - وهو شخصيَّة متميِّزة، إستنّ لهم طقوسهم الجديدة وصُلب من أجلها 000ومنذ اللحظة التي اهتدوا فيها (إلي المسيحيَّة) وأنكروا آلهة اليونان وعبدوا الحكيم المصلوب، استقرّ في عرفهم أنَّهم إخوة "(14).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (10)The Verdict of History, by Gary R. Habermas, pub. By Thomas Nelson Publication, Nashville, TN, 1982, pp. 87-88.

    (11) Ibid. 93, 94.

    (12) فارس القيرواني " هل صلب المسيح حقاً ؟ " ف 2 مع كتاب " كيف تنتفع بكفارة المسيح؟ " ص 17.

    (13) المرجع السابق مع نوّه ابن الأثير (1160 - 1232م) في تاريخه الكامل ، ج 1 ص 319 منشورات دار صادر، دار بيروت، 1965 نقلاً عن الرواة والمحدّثين.

    (14) The Verdict of History, p. 100 & He Walked Among Us p. 53, 54...

    ــــــــــــــــــــــ

    - 124-

    (4) تقرير بيلاطس البنطي: وهذا التقرير ذكره القدِّيس يوستينوس الشهيد عام 150م في أثناء دفاعه الأوَّل حيث أكَّد أنَّ صلب المسيح يثبته تقرير بيلاطس، كما يلمح في نفس الدفاع إلي طائفة من العجائب وأعمال الشفاء، ثم يقول: " إنَّه حقًا قد صنع هذه ويمكنك التأكُّد منها من تقرير بيلاطس " وأشار ترتليان أيضًا إلي نفس هذا التقرير(15).

    (5) كلسوس الفيلسوف الأبيقوري (مولود 140م): وكان من ألدِّ أعداء المسيحيَّة، وقد هاجمها في كتابه " الخطاب الحقيقيّ " بشدّة وعنف وزعم أنَّ المسيح كان شخصيَّة ساحرة إستحقّ أنْ يُعلَّق علي الصليب ويموت علي خشبة العار، وقال ساخرًا عن صلب المسيح "احتمل المسيح آلام الصلب لأجل خير البشريَّة "(16)

    (6) الرواقي مارا السوري(73 – 160): كتب في رسالة له لابنه سيرابيون، كتبها من السجن، عن يسوع بإعتباره ملك حكيم كسقراط وفيثاغورس قائلاً " أيَّة فائدة جناها اليهود من قتل ملكهم الحكيم لم يمتْ هذا الملك الحكيم إلي الأبد لأنَّه عاش من خلال تعاليمه التي علَّم بها"، ولكن اللَّه إنتقم له " بتدميرهم وتشتيتهم في كلِّ مكان "(17).

    وهكذا شهد أيضًا التاريخ اليهوديّ والرومانيّ واليونانيّ لحقيقة صلب المسيح. ولم يُشِرْ أحدٌ قط لما زعمه هذا الكاتب المزوِّر من مزاعم وإفتراءات علي المسيح.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (15) Ibid. & He Walked Among Us p. 53, 54.

    (16) عوض سمعان " قضية الغفران " 109 .

    (17) He Walked Among Us p. 54.

    ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل الحادي عشر : الكاتب والأحوال السياسية والتاريخية والجغرافية والدينية في فلسطين أيام المسيح

  • في حديث الكاتب عن أحوال فلسطين السياسيَّة والتاريخيَّة والجغرافيَّة والعسكريَّة والاجتماعيَّة والدينيَّة، أيَّام المسيح، سقط في أخطاءٍ عديدةٍ تدلّ علي أنَّه لم يكنْ لا من تلاميذ المسيح ولا من أتباع تلاميذه، ولم يكنْ من أبناء عصره ولا هو من فلسطين أساسًا! إنَّما هو أوروبِّي، أسبانيّ أو إيطاليّ، عاش فيما بين 1350 إلي 1600م، وهذه بعض أمثلة للأخطاء التي سقط فيها غير التي ذكرناها في بقيَّة فصول الكتاب:

    1- قال في (ف 3): أنَّه عندما وُلِدَ المسيح " كان بيلاطس حاكمًا في زمن الرياسة الكهنوتيَّة لحنَّان وقيافا "! وهذا خطأ تاريخيّ ودينيّ لأنَّ أيًّا منهما لم يكنْ في موقعه وقت ميلاد المسيح، فقد كان حنَّان رئيسًا للكهنة في المدَّة من 6 - 15م وكان قيافا رئيسًا للكهنة في المدَّة من 18- 36م وكان بيلاطس واليًا علي اليهودية في المدة من 26- 36م.

    2- قال في (ف1:10) أنَّ يسوع " صعد إلي جبل الزيتون مع أمِّه ليجني زيتونًا ". وهذا غير صحيح لأنَّه كان نجارًا وقد تربَّي في الناصرة (1)ولم يكنْ جنيًا للزيتون!

    3- قال في (ف12: 2؛ 127: 3) أنَّ يسوع كان يرتقي الدِكَّة ويعظ في الهيكل " إرتقي إلي الدِكَّة التي كان يرتقيها الكتبة "، والكلمة الإيطاليَّة التي تُرجمت في العربيَّة دِكَّة هي "Pinculdo di Temple " أي " جناح الهيكل! وقد نُقِلًت إلي الإنجليزيَّة " Ascend to the pinnacle " أي وصعد إلي البرج أو قمَّة عالية، وجناح الهيكل يُطِلّ علي وادي قدرون ويرتفع عن الأرض حوالي 30 مترًا، ويقول يوسيفوس المؤرِّخ والكاهن اليهوديّ، الذي كان معاصرًا لتلاميذ المسيح (35 – 100م)، عن ارتفاعه: " أنَّ النظر الإنسانيّ لا يستطيع أنْ يصل من قمَّته إلي قاع الوادي أي المنحدر الذي يقف علي حافته(2)"! فهل يُعقل أنْ يعظ المسيح والكتبة من علُّو بمثل هذا الارتفاع؟!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) متى 13/55 ، مر ق 6/ 3 .

    (2)The pulpit Com. VoI .15: 105.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 126-

    4- قال في (ف13) أنَّ الملاك قدَّم ليسوع كبشًا فقدَّمه ذبيحة عن نفسه علي الجبل! ويسوع لم يكنْ في حاجة لتقديم ذبيحة عن نفسه لأنَّه قدُّوس وبار، فقد تحدَّي اليهود وقادتهم قائلاً "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" ؟ (يو8/46)، وقال عنه الوحي الإلهيّ " لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هَذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عب7/26).

    كما أنَّ الذبائح كانت تُقَدَّم، في عصر المسيح، بواسطة الكهنة في هيكل سليمان!! وهذا يدلّ علي جهل الكاتب بشريعة موسي وبعادات اليهود.

    5- قال في (ف6:20) أن َّالمسيح خاطب اللَّه قائلاً " O Elohim Sabaoth- يا إلوهيم الصباؤوت"!! وهذا التعبير لم يُستخدم في العبريَّة، لأنَّ " إلوهيم" اِسم جمع ومعناه "المقتدرون" ويُترجم آلهة لغير اللَّه، ويُترجم " اللَّه " عندما يكون المقصود هو اللَّه بقدرته الكليَّة، وهنا يكون فعله مُفرد وصفته مُفردة(3)، و"إلوهيم الصباؤوت" معناها " المقتدرون الجنود " أو " اللَّه الجنود " ولا تُعطِي المعني المقصود! وأنَّما اِستخدم اليهود تعبير " يِهْوَه صباؤوت " وترجمته " ربّ الجنود أو ربّ القوَّات " .

    6- قال في (ف1:20،9) " وذهب يسوع إلي بحر الجليل ونزل في مركب مسافرًا إلي الناصرة مدينته 000 ولما بلغ مدينة الناصرة أذاع النوتيَّة في المدينة كلّ ما فعله يسوع"! ولا تقع الناصرة علي بحر الجليل أو غيره من البحار أو البحيرات!! وإنَّما تقع " علي بعد نحو عشرة أميال إلي الشمال من سهل إسدرالون (مرج بن عامر) علي التلال الجيريَّة في الطرف الجنوبيّ لجبال000 وهي على بعد 15 ميلاً من بحر الجليل، 20 ميلاً إلي الشرق من ساحل البحر المتوسِّط، وتقع علي بعد 70 ميلاً إلي الشمال من أورشليم. وتدل البقايا الأثريَّة علي أنَّ المدينة القديمة كانت أكثر ارتفاعًا علي التلّ الغربيّ عن موقع قرية الناصرة الآن " (دائرة المعارف الكتابية ) ويقول القدِّيس لوقا أنَّ أهل الناصرة لما أرادوا قتل المسيح " فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ" (لو4/29).

    7- قال في (ف4:69) أنَّ يسوع خاطب رجال اليهود بتعبير الفقهاء " أيَّها الفقهاء (O doctors) والفرِّيسيُّون وأنتم أيَّها الكهنة "!! وكلمة " فقهاء " ومفردها " فقيه " عربيَّة ولم تًستخدم في العبريَّة!!

    8- قال في (ف25:46) أنَّ يسوع قال " ما أكثر الذين يخشون النملة ولا يبالون بالفيل؟"!! وكلمة فيل لم تُذكر في الكتاب المقدَّس ولا في أمثال المسيح وإنَّما اِستُخْدمت كلمة الجمل التي تدلّ علي بيئة فلسطين؛ كقوله " أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ!" (مت23/24).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (3) تك 1: 1 " في البدء خلق الله السموات والأرض " .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 127-

    9– وفى (ف12:74) صوَّر العداء بين هيرودس وبيلاطس بالعداء بين اللَّه والشيطان! وهذه مبالغة وفهم خاطئ لواقع الأمور، فلم يصلْ العداء بينهما قطّ إلي هذا الحدّ، كما ناقض الكاتب نفسه وزعم أنَّهما جاءا معَا للبحث عن يسوع (ف91: 90).

    10- قال في (ف4:69-9) " أيَّها الفقهاء والفرِّيسيُّون وأنتم أيَّها الكهنة، إنَّكم الراغبون في الخيل كالفوارس ولكنكم لا ترغبون في المسير إلي الحرب، إنَّكم الراغبون في الألبسة الجميلة كالنساء ولكنكم لا ترغبون في الغزل وتربية الأطفال 000 إنَّكم لراغبون في المجد كالجمهوريِّين ولكنكم لا ترغبون في عبء الجمهوريَّة "!! وهذا الكلام لا ينطبق علي واقع فلسطين أيَّام المسيح، ولم يكنْ هناك حرب مطلوب منهم الاشتراك فيها! ولم يكنْ هناك من يفكِّر في الجمهوريَّة أو يحلم بها! كما لم يكنْ المسيح مُحَرِّضًا علي الحرب(4)! وهذه الأوصاف جميعًا تنطبق علي الوسط الأوربِّي الغربيّ في عهد الإقطاع حيث الفروسيَّة Chivalries والفرسان والحروب وتقليد رجال الكهنوت (الكاثوليك) للنبلاء وحيث أحلام الثورات والجمهوريَّة.

    11- قال (ف5:63-7) أنَّ يونان النبيّ " حاول الهرب إلي طرسوس خوفًا من الشعب، فطرحه اللَّه في البحر، فإبتلعته سمكة وقذفته علي مقربة من نينوي "! كيف تقذف السمكة بيونان بالقرب من نينوي التي تقع علي نهر دجلة، بينما سقط هو في البحر ناحية طرسوس التي تقع في كليكية شرقيّ آسيا الصغري والقريبة من البحر المتوسِّط؟!! ولا صلة بين هذا أو ذاك! ألا يدلّ هذا علي جهله المطلق بجغرافيَّة المنطقة؟ فما هي الصلة بين البحر المتوسِّط ونهر دجلة؟!!

    12- سَمَّي عيد المظال في (ف1:15) باسمه الآرامي وتُرجم في الإنجليزيَّة (the feast of tabernacles )، واسماه في (ف30:1) " سينوفاجيا " وتُرجم إلي الترجمة الإنجليزية " the Senofegia " وهذا اسمه اليونانيّ، وهذا يجعل القارئ الإيطاليّ يَتَصَوَّر أنَّهما عيدان مختلفان! وقد أضاع مُترجم العربيَّة الفرق بينهما!

    13- قال في (ف12:83) أنَّ السيِّد المسيح قال " نحن (المسيح والتلاميذ) وموسي وإيليَّا وواحد آخر لبثنا أربعين يومًا وأربعين ليلة بدون شيء من الطعام" ؟!! ولم يصمْ التلاميذ مدَّة خدمة المسيح علس الأرض (مت9/14-15؛مر2/17-18؛لو5/33)؟!! والكتاب المقدَّس لم يذكرْ سوي هؤلاء الثلاثة فقط، المسيح (مت4/2) وموسي (خر24/18؛34/28؛تث9/9) وإيليَّا (1مل19/8)، صاموا أربعين يومًا. فمن هو هذا الذي يصفه بقوله " وواحد آخر " ؟؟ هل يتصوَّر الكاتب المزوِّر أنَّ المسيح نسي ذلك الشخص ولم يتذكَّر اسمه ؟! أم أنَّه هو، الكاتب الكاتب المزوِّر، الذي اعتقد أنَّه هناك آخر صام أربعين يومًا ولكنه لم يتذكَّر اسمه؟!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (4) كان المسيح داعية سلام وليس حرب يو 16: 33، 14: 27 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 128-

    14- اِستخدم في (ف18:129) لفظ " المومسة " عن المرأة الخاطئة! وتُرجم هذا اللفظ في الإنجليزية مخففًا " a public sinner "، وهذا اللفظ غير المهذَّب لم يستخدمه المسيح أبدًا، إنَّما استخدم لفظ " خَاطِئِةٌ " (لو7/39).

    15- زعم في (ف3:131-6) أنَّ هيرودس كان يشتري بنفسه سمكًا من يوحنَّا! وأنَّه دعا يوحنَّا للأكل معه علي مائدته! وأنَّ المسيح قال ليوحنَّا " كيف أكلت خبزًا مع الكفَّار؟ "!! ولم يكنْ هيرودس كافرًا بل كان من سلالة يهوديَّة آدوميَّة! ولم يستخدم السيِّد المسيح لفظ " كافر " أو " كفَّار " مطلقًا، وكذلك اليهود! إنَّما استخدم تعبير " الأمم " و " أمميّ " لغير المؤمنين من غير اليهود ولم يكنْ من عادة أميرًا مثل هيرودس أنْ يشتري بنفسه سمكًا أو أنْ يدعو بائع سمك للأكل علي مائدته!

    16- زعم في (ف12:139وف1:143) أنَّ يسوع ذهب مع تلاميذه إلي دمشق! وهذا لم يحدث مطلقًا ولم تُذْكَر كلمة دمشق أبدًا في الأناجيل الأربعة! وقد كانت وصيَّة المسيح لتلاميذه أنْ يشهدوا له، بعد صعوده، " وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أع1/8). وقد بشَّر التلاميذ في دمشق بعد صعود المسيح وليس قبل الصعود.

    17- زعم في (ف6:151) أنَّ المسيح صنع معجزة إشباع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتَين في قرية نايين! والصواب أنَّه فعل ذلك في موضعٍ خلاءٍ بمدينة بيت صيدا (لو9/10).

    18- زعم (ف4:125) أنَّه يُوجد في رومية وحدها 28 ألف إلهٍ منظورٍ !! وهذا مبالغة خرافيَّة لأنَّه لم يزدْ عدد الآلهة في روما عن مئة إله بل ولم يصلْ عدد التماثيل التي صُنعت لهذه الآلهة لمثل هذا العدد الخرافيّ!

    19- قال في (ف152و155) أنَّ يسوع كان يُجادل جنود الرومان داخل الهيكل وأنَّه نادى " أدوناي صباؤوت " فتدحرج الجنود في الحال من الهيكل كما يدحرج المرء براميل من خشب لتُملأ ثانية خمرًا. وهنا يسقط الكاتب المزوِّر في عدَّة أخطاء خطيرة:

    (1) لم يحدث أنَّ الرومان جادلوا المسيح في الأمور الدينيَّة نهائيًا لأنَّهم كانوا يعبدون الأوثان وكان هو في نظرهم يهوديّ يعبد اللَّه الواحد، وكان الرومان يعرفون نظرة اليهود للأمم، كما قال القديس بطرس لكرنيليوس " أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُلٍ يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ." (أع10/28).

    (2) كما أنَّه لم يكنْ مسموحًا لغير اليهود بدخول الهيكل نهائيًا، وكان مخصَّصًا لهم دار تُسَمَّي دار الأمم وتقع خلف داري إسرائيل والنساء ومساكن الكهنة، والتي كانت تقع خلف بعضها علي أطراف الهيكل، وبالتالى فلم تحدث المعجزة من الأصل!

    (3) ولم يكنْ من عادة اليهود أنْ يضعوا الخمر في براميل خشب بل كانوا يضعونها

    ــــــــــــــــــــــ

    - 129-

    في زقاقات من جلد سواء في العهد القديم أو في أيَّام المسيح(5)أمَّا الأوروبيون فهم الذين كانوا يضعون الخمر في براميل من خشب.

    20- قال في (ف8:153) أنَّ الجنود كانو يشنقون اللصوص! وقال في (ف1:154) " فالرجل الذي له شرف وحياة ومال إذا سرقت أموإله شنق السارق "! وقال في (ف63:217) أنَّ هيروس أمر أنْ يلبس يهوذا " ثوبا أبيض كما يلبس الحمقي" وهو يظنّ أنَّه المسيح قبل صلبه! وهنا سقط كعادته في عدَّة أخطاء:

    (1) لم يكنْ الشنق معروف في فلسطين أيَّام المسيح! كما لم يكنْ هناك نبلاء ذو شرف وحياة ومال في أيديهم سلطة شنق أو إعدام السارق!! بل كان النبلاء ذو الشرف في أوروبا في عصر الإقطاع وكانوا يملكون الأرض ومن يعمل بها.

    (2) كما أنَّ إرتداء المحكوم عليه بالإعدام " ثوباً أبيضًا " لم تكنْ عادة يهوديَّة أو فلسطينيَّة بل كانت عادة أندلسيَّة!

    وكانت عقوبة السارق بحسب شريعة موسى هي ردّ ضعف ما سرقه، ودفع أربعة أو خمسه أمثاله إذا كان قد باعه(6)، ثمَّ يقدِّم ذبيحة عن خطيئته تجاه اللَّه(7).

    21- زعم في (ف162) أنَّه حدث زلزال عنيف تأييدًا لأقوال كاذبة نُسِبَت للسيِّد المسيح " وبعد أنْ قال يسوع هذا حصل توًا زلزال عظيم إلي حدّ سقط معه كلّ أحد كأنَّه ميِّت"!! وفى (ف189) زعم أنَّ يسوع جعل الشمس تقف مكانها اِثنتي عشر ساعة ليُبرهن صحَّة أقوال كاذبة أيضًا " إنَّ هذا لصدق لأنَّ اللَّه قد أكَّده لي ولتقف الشمس ولا تتحرَّك برهة اِثنتي عشرة ساعة لكي يؤمن كلّ أحد أنَّ هذا صدق "!! وزعم في (ف10:208) إنَّه مات ألف رجل في الهيكل أثناء محاولتهم رجم يسوع فجعلهم يتخبَّطون ويضربون بعضهم بعضًا ودنَّسوا الهيكل المقدَّس!! وهذه المعجزات المزعومة لم تحدثْ ولم يكن هناك مُبَرِّر لحدوثها، فالأقوال المنسوبة ليسوع أقوال كاذبة اِبتدعها خيال هذا الكاتب المزوِّر!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (5) أنظر يش9:13 " وهذه زقاق الخمر التي ملأناها جديدة " ، ومت9:17 " ولا يجعلون خمرا جديدة في زقاق عتيقة.لئلا تنشقّ الزقاق فالخمر تنصب والزقاق تتلف.بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعا " أنظر أيضاً ) مر 2:22؛ لو5:37؛ 5:38) .

    (6) " اذا سرق انسان ثورا او شاة فذبحه او باعه يعوّض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاة باربعة من الغنم .ان وجد السارق وهو ينقب فضرب ومات فليس له دم . ولكن ان اشرقت عليه الشمس فله دم.انه يعوّض.ان لم يكن له يبع بسرقته .ان وجدت السرقة في يده حيّة ثورا كانت ام حمارا ام شاة يعوّض باثنين . اذا رعى انسان حقلا او كرما وسرّح مواشيه فرعت في حقل غيره فمن اجود حقله واجود كرمه يعوّض . اذا خرجت نار واصابت شوكا فاحترقت اكداس او زرع او حقل فالذي اوقد الوقيد يعوّض . اذا اعطى انسان صاحبه فضة او امتعة للحفظ فسرقت من بيت الانسان فان وجد السارق يعوّض باثنين . وان لم يوجد السارق يقدم صاحب البيت الى الله ليحكم هل لم يمدّ يده الى ملك صاحبه . في كل دعوى جناية من جهة ثور او حمار او شاة او ثوب او مفقود ما يقال ان هذا هو تقدم الى الله دعواهما.فالذي يحكم الله بذنبه يعوّض صاحبه باثنين .اذا اعطى انسان صاحبه حمارا او ثورا او شاة او بهيمة ما للحفظ فمات او انكسر او نهب وليس ناظر فيمين الرب تكون بينهما هل لم يمدّ يده الى ملك صاحبه.فيقبل صاحبه.فلا يعوّض . وان سرق من عنده يعوّض صاحبه .ان افترس يحضره شهادة.لا يعوّض عن المفترس . واذا استعار انسان من صاحبه شيئا فانكسر او مات وصاحبه ليس معه يعوّض . وان كان صاحبه معه لا يعوّض.ان كان مستأجرا اتى باجرته " (خر1:22-15) .

    (7) لا ص 1-7 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 130-

    كما أنَّه لم يكنْ من عادة المسيح أنْ يُحدث ضررًا بمن حاولوا قتله سواء بالرجم أو بإلقائه من علي الجبل أو بصلبه، فقد حاول أهل الناصرة أنْ يطرحوه من علي الجبال " فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لو4/30) دون أن يمسُّوه أو يمسَّهم بشيءٍ، ولما حاول اليهود رجمه في أورشليم "أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازاً فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا" (يو8/59)(8). دون أنْ يمسَّهم!! وبينما كانوا يصلبونه بتسمير يدَيه ورجلَيه في خشبة صلَّي للآب قائلاً " يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لو23/34) ! إنَّه لم يأتِ ليُهلك بل ليُخلِّص.

    22- زعم في (ف14:200) أنَّ حجارة أورشليم صرخت عند دخول يسوع بصوتٍ عظيمٍ قائلة "تبارك الآتي باسم الربّ إلهنا"!! وهذه مبالغة لا مُبَرِّر لها ومفهوم خرافيّ وخاطئ لقول المسيح " إِنْ سَكَتَ هَؤُلاَءِ (من يهتفون فرحًا بدخوله أورشليم) فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ! " (لو19/40).

    23- زعم في (ف1:184) أنَّ اللَّه هو مُنشئ الخطيئة؟! ولكن الخطيئة هي عدم إطاعة اللَّه والتعدِّي علي وصاياه، كما يقول الكتاب " كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي." (1يو3/4). إنَّها لفظ معنويّ لفعلٍ يصدر من الإنسان ضدّ إرادة اللَّه وضدّ شرائعه، فهل خلق اللَّه ذلك ؟! وهل يجعل اللَّه الإنسان يفعل ما هو ضدّ إرادته ونواميسه؟!! كلا، فاللَّه " يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تي2/4) .

    24- زعم في (ف92و93) أنَّ الشعب كلّه ورئيس الكهنة وهيرودس وبيلاطس قدَّموا ليسوع كلّ احترامٍ، وأنَّ الشعب صرخ أمام المسيح ساجدين " إنَّ إلهنا آتٍ يا أورشليم تهيَّئي لقبوله"!! وقالوا له " مرحبًا بك يا إلهنا "!! وأنَّ رئيس الكهنة حاول السجود له فسبَّه المسيح وإتَّهمه وكلّ الشعب بالجنون!! وهذا ضد الواقع، بل إنَّه من قُبَيْل الفكر الخرافيّ للكاتب، فرئيس الكهنة وهيرودس وبيلاطس لم يقابلوا المسيح إلاَّ وقت المحاكمة فقط(9)، ولم يعترفْ اليهود مطلقًا بلاهوت المسيح بل حاولوا رجمه واتهامه بالتجديف كلَّما ألمح إلي ذلك، وكانت تهمته الرئيسيَّة التي صُلب من أجلها أنَّه جَدَّف بقوله أنَّه اِبن اللَّه، يقول الكتاب " وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ». " (مت26/63-66).

    25- زعم في (ف213) أنَّ نيقوديموس أرسل حمل الفصح سرًا إلي يسوع في البستان حيث أكله مع تلاميذه!! والمسيح لم يأكلْ الفصح في البستان بل في المدينة في عُلِّيَّة كبيرة مفروشة، كما أنَّ نيقوديموس لم يرسلْ شيئًا إلي المسيح إنَّما اللذان أعدَّا الفصح هما بطرس ويوحنَّا تلميذا المسيح (لو22/7-13).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (8) أنظر أيضا ( يو5/30؛10/31؛12/36) .

    (9) متى 26/37- 66، 14/ 1 ، لو 31/13، 38/11، متى 27/2- 65 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 131-

    26- قال في (ف7:214-10) أنَّ رئيس الكهنة أرسل فرّيسيًّا إلي الوالي وهيرودس ليُحضر جنودًا للقبض علي المسيح، فأرسلا إليه كتيبة كاملة من الجند بسبب الخوف من الشعب!! فهل يُعقل أنْ يُقبض علي شخصٍ أعزلٍ بكتيبةٍ عسكريَّةٍ مسلَّحةٍ؟!!

    27– زعم في (ف34:193-36) أنَّ الذين آمنوا بيسوع بعد قيامة لعازر من الموت " صاروا ناصريين "!! وقال في (ف12:117) أنَّ اليهود قالوا ليهوذا وهم يظنُّون أنَّه المسيح مستهزئين " يا يسوع نبيّ الناصريِّين " ويشرح ذلك بقوله " أنَّهم هكذا كانوا يدعون المؤمنين بيسوع " !! وقد دُعي يسوع نفسه بيسوع الناصريّ لأنَّه تربَّى في مدينة الناصرة "(10). ولكن لم يُدْعَ أحدٌ من أتباعه بالناصريّ ولم يُدعي أتباعه أبدًا بالناصريِّين إلاَّ بعد القيامة وحلول الروح القدس بعِدَّة سنوات، إنَّما كان كلّ من يؤمن به، يُدعي له تلميذًا " فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا " (يو4/1)(11) كما دُعِي أتباع المسيح، أيضًا، بلقب إخوة " وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ" (مت23/8)، ثمَّ صار لهم لقب مسيحيِّين بعد الصعود بعِدَّة سنوات " وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً." (أع11/26). ولم يُستخدم لقب ناصريِّين إلاَّ مرَّةً واحدةً علي القدِّيس بولس الرسول إذ قيل عنه أنَّه " مِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ " (أع24/5)، وهذا حدث بعد صعود المسيح بسنينٍ كثيرةٍ، ولكن لم يُطلق قبل صعود المسيح بصفةٍ عامَّةٍ ولم يُطلق علي الكنيسة مطلقًا إلاَّ في هذه المرَّة.

    28- قال في (ف3:194) أنَّ لعازر وأختَيه كانوا يمتلكون قريتيّ المجدل وبيت عنيا!! " كان قويًا (لعازر) وله أتباع في أورشليم وممتلكًا مع أختيه المجدل وبيت عنيا "!! ولم يكنْ نظام امتلاك الأفراد لقري بأكملها بما فيها ومن عليها سائدًا في فلسطين بلّ كان هذا النظام معروفًا في أوروبا في العصور الوسطي، ويقول المترجم د .خليل سعاده في الهامش " هذه الإشارة لإمتلاك أشخاص قري برمَّتها هي من الأغلاط التاريخيَّة (لكاتب) لبرنابا وهى تظهر أننا في العصور الوسطي لأوروبا لا في القرن الأوَّل لفلسطين "(12)كما أنَّ لعازر وأختَيه من سكَّان بيت عنيا ولم يكن لهم علاقة بمجدل أو بمريم المجدليَّة.

    29- قال في (ف 9:76و19-21) أنَّ صاحب الكروم وضع كرَّامه المهمل " في السجن تحت سيطرة خادمٍ جافٍ كان يضربه كلّ يوم، ولم يردْ مطلقًا أنْ يُطلقه لأجل شفاعة أصدقائه" !! وهذه الصورة لما كان يحدث في عصر الإقطاع في أوروبا لا في فلسطين في عهد المسيح.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (10) أنظر مت26/71؛ مر1/24؛10/27؛ لو24/19؛ يو18/5؛أع2/22؛6/6؛4/10؛6/14؛22/8؛26/9) .

    (11) أنظر أيضا ( مت9/14؛ مر2/8؛ لو5/33؛ يو9/27، 28؛18/17؛أع9/1؛19/1) .

    (12) إنجيل بر نابا ص 286 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 132-

    30- وتحدَّث في (ف5:17-18) عن اللَّه قائلاً " أنَّ اللَّه صلاح، بدونه لا صلاح، أنَّ اللَّه موجود بدونه لا وجود، أنَّ اللَّه حياة بدونه لا أحياء، هو عظيم حتَّي أنَّه يملأ الجميع وهو في كلِّ مكان 000 لا أب ولا أم له، لا أبناء ولا إخوة ولا عشراء له، ولما كان ليس للَّه جسم فهو لا يأكل ولا ينام ولا يموت ولا يمشى ولا يتحرك 000 إنَّه غير ذي جسد وغير مركَّب وغير ماديّ وأبسط البسائط". وقال في (ف13:161و14) " لما كان اللَّه غير مركَّب وغير مُتَغَيِّر فهو أيضًا غير قادر أنْ يُريد وأنْ لا يُريد الشيء الواحد، لأنَّه بذلك يصير تضاد في نفسه يترتَّب عليه ألم ولا يكون مباركًا إلي ما لا نهاية "!! وهذا الأسلوب الفلسفيّ المبنيّ علي علم الكلام وعلم اللاهوت لا مثيل له في أسلوب المسيح البسيط الذي يُعلن عن الحقائق بأسلوبٍ بسيطٍ. أمَّا هذا الأسلوب فقد شاع بعد المجادلات اللاهوتيَّة والمجامع المسكونيَّة، ولا يوجد له مثيل إلاَّ في الكتابات التي كُتِبَت إبتداءً من القرن الرابع وما بعده.

    31- وتحدَّث في (ف32) عن كيفيَّة دخول عبادة الأصنام إلي العالم هكذا " أنَّ كلّ شرٍّ دخل إلي العالم بوسيلة الشيوخ، قولوا لي من أدخل عبادة الأصنام في العالم إلاَّ طريقة الشيوخ، إنَّه كان ملكًا أحبَّ أباه كثيرًا وكان اسمه بعلاً، فلمَّا مات الأب أمر اِبنه بصنع تمثالٍ شبه أبيه تعزيةً لنفسه، ونصبه في سوق المدينة " وراح يُعَدِّد فوائد هذا التمثال وتقديم الهدايا له " ثم تحوَّلت هذه الهدايا في زمنٍ قصيرٍ إلي نقودٍ وطعامٍ حتَّي سَمُّوه إلهًا تكريمًا له، وهذا الشيء تحوَّل من عادةٍ إلي شريعةٍ حتَّي أنَّ الصنم بعلا إنتشر في العالم كلّه، وقد ندب اللَّه علي هذا بواسطة أشعياء قائلا " حقا هذا الشعب يعبدني باطلاً، لأنَّهم أبطلوا شريعتي التي أعطاهم إيَّاها عبدي موسي ويتبعون تقاليد شيوخهم " !!

    وهذه القصة الخياليَّة الخرافيَّة خلط فيها الكاتب بين تقليد الشيوخ النابع من شريعة موسي نفسها وبين عبادة الأصنام، ولا علاقة بين تقليد الشيوخ وعبادة الأصنام، وزعم أنَّ عبادة " بعل " إنتشرت في العالم كلّه، وروي قصَّة خرافيَّة عن أصل عبادته وعبادة الأوثان! وقد كشفت حفريَّات رأس شمرا ونصوصها عن أنَّ بعلا كان هو إله الطبيعة فهو المتحكِّم في المطر والريح والسحب وبالتالي في الخصوبة، وقد عبده الكنعانيُّون وقد تأثَّر بعبادته بعض بني إسرائيل وإنتهى ذلك بسبي بابل سنة 586 ق. م. وكلّ ما زعمه الكاتب هو من نسيج خياله الخرافيّ !!

    32- وقال في (ف27:105و 28) " يتألَّف الإنسان من ثلاثة أشياء أي النفس والحسّ والجسد كلٍّ منها مستقلّ بذاته، ولقد خلق إلهنا النفس والجسد كما سمعتم "!!

    وقال في (ف9:103-12) أنَّ " الإنسان إنَّما يفقد الحياة متي فارقته النفس لأنَّ النفس لا ترجع إلي الجسد إلاَّ بآية، ولكن الحسّ يذهب بسبب الخوف الذي يعرض له أو بسبب الغمّ الشديد الذي يعرض للنفس لأنَّ اللَّه خلق الحسّ لأجل الملذَّة ولا يعيش إلاَّ كما أن الجسد يعيش بالطعام والنفس تعيش بالعلم والحب "!!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 133-

    وقال في (ف3:123-7) أنَّ اللَّه صنع الإنسان " مركَّبًا من أربعة أشياء متضاربة ووحَّدها في شبحٍ واحدٍ نهائيٍ هو الإنسان وهي التراب والهواء والماء والنار ليعدل كلٍّ منها ضده، وصنع من هذه الأشياء الأربعة إناء هو جسد الإنسان من الجسم وعظام ودم ونخاع وجلد مع أعصاب وأوردة وسائر أجزائه الباطنيَّة، ووضع اللَّه فيه النفس والحسّ بمثابة يدَين لهذه الحياة، وجعل قوي الحسّ في كلِّ جزءٍ من الجسد لأنَّه إنتشر هناك كالزيت، وجعل مثوي النفس القلب حيث تتَّحد مع الحسّ فتتسلَّط علي الحياة كلِّها "!!

    وهذه الأقوال كلُّها ليست من أقوال المسيح ولا هذا الأسلوب الفلسفيّ هو أسلوبه! فقد كانت أقواله سهلة، وكان أسلوبه ساميّ بسيط، وكان يشرح للجموع أقواله بأمثالٍ من البيئة المحيطة بهم (مت13/3)، وكانت أمثاله بسيطة وسهلة، ولم يلجأ للفلسفة أو الأسلوب الفلسفيّ نهائيًا.

    أما هذا الفكر فهو نابعٌ ومأخوذٌ من الفلسفة التي كانت منتشرة في أوروبا في العصور الوسطي والمتأثِّرة بالفلسفة اليونانيَّة خاصَّة فلسفة أرسطوطاليس وكتابه في النفس(13) الذي ترجمه إلي العربيَّة إسحق اِبن حنين المتوفى سنة 298 هجرية – 878م، ودخل إلي أوروبا عن طريق العرب، والذي تأثَّر بفكره كاتب برنابا هذا إلي حدٍ كبيرٍ !!

    الفردوس والفرِّيسي في إنجيل برنابا

    تكلَّم كاتب هذا الكتاب المزيَّف، المسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا، بإستفاضة عن الفرِّيسيِّين وزعم أنِّ أصلهم يرجع إلي أيَّام أخنوخ النبيّ !! وزعم أنّ كلمة فردوس هي من أصل كنعانيّ!! وابتدع معاني لا صلة لها بالكلمتَين!! وزعم لها تاريخ لاوجود له!! فسقط في أخطاء لغويَّة وتاريخيَّة جسيمة!!

    قال في (ف4:144-8) أنَّ الربّ يسوع المسيح شرح للفرِّيسيِّين أصلهم قائلاً " أنَّ أخنوخ خليل اللَّه الذي صار مع اللَّه بالحقِّ غير مكترثٍ بالعالم نُقِلَ إلي الفردوس 000 فلمَّا علم الناس بذلك شرعوا يطلبون خالقهم طمعًا في الفردوس، لأنَّ معني الفردوس بالحرف في لغة الكنعانيِّين " يطلب الله " ، لأنَّ هناك ابتدأ هذا الاسم علي سبيل الإستهزاء بالصالحين 000 وعليه كان الكنعانيُّون عندما يرون أحدًا ممن كان منفصلاً من شعبنا عن العالم قالوا سخرية " فرِّيس " أي طلب اللَّه " !!

    وهنا يزعم الكاتب المزوِّر أنَّ كلمة فردوس من أصل كنعانيّ وأرجع الكلمة ووجود الكنعانيِّين إلي أيَّام أخنوخ النبيّ!! وزعم أنَّ معني كلمة فردوس " يطلب اللَّه "، وأنَّ معني كلمة فرِّيسيّ أيضًا في لغة الكنعانيِّين " يطلب الله "!! أي أنِّ معني كلمتَي فرِّيسيّ وفردوس واحد وهو "يطلب اللَّه "!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (13) انظر كتاب أر سطو طاليس في النفس ، مراجعة وشرح عبد الرحمن بدوي من ص 1- 88 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 133-

    وهذه كلها أخطاء لغويَّة وتاريخيَّة جسيمة!!

    أولاً: لأنَّ كلمة " فردوس " من أصل فارسيّ، وهي مأخوذة من الفارسيَّة القديمة Pairidaeza وتُنطق Paridaiza ومعناها حديقة أو جنينة لها سور، واستخدمها المؤرِّخ اليونانيّ زينفون Xenopon للمرِّة الأولي في اللغة اليونانيَّة في القرن الثالث قبل الميلاد وذلك في وصف حدائق ملوك ونبلاء الفُرس، ثم اُستخدِمَت في أوَّل ترجمة للكتاب المقدَّس إلي اليونانيَّة سنة 282 ق.م. تقريبًا لترجمة كلمة " جنَّة عدن"(14). وظهرت الكلمة في العبريَّة " بارديس pardes"(15) الآراميَّة " باراديسا paradesa " أيضًا بمعني جنينة أو منتزه (16).

    ثانيًا: أرجع وجود الكنعانيِّين إلي أيَّام أخنوخ!! وهذا خطأ جسيم لأنَّ أخنوخ هو السابع من آدم (يه4) بينما الكنعانيُّون هم نسل كنعان اِبن نوح (تك10/1و6) والذين جاءوا بعد الطوفان !! ونوح كان الثالث من أخنوخ : نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ (تك5/21-29). وبالتالي لا صلة علي الإطلاق بين من كانوا أيَّام أخنوخ والذين هلكوا وفنوا وهلك الجيل الثاني والثالث منهم بالطوفان ولم يبقَ من أثارهم شيء، وبين الكنعانيِّين الذين جاءوا بعد الطوفان بجيلَين!! والذين تحوَّلوا إلي عبادة الأوثان بعد ذلك بأجيالٍ عديدةٍ !!

    ثالثًا: زعم أنَّ الفرِّيسيِّين موجودون منذ أيَّام أخنوخ، أي قبل الطوفان بأربعة أجيال!! كما زعم أنَّهم كانوا موجودين أيَّام إيليَّا النبيّ بكثرةٍ، فقال في (ف1:145-3) " كان في زمن إيليَّا خليل اللَّه ونبيَّه اثنا عشر جبلاً يقطنها سبعة عشر ألف فرِّيسيّ 000 أمَّا الآن ففي إسرائيل نيف ومائة ألف"!! وزعم أيضًا في(ف148) أنَّه في زمن إيليَّا وحده وفي سنةٍ واحدةٍ ذبحت الملكة إيزابل عشرة آلاف فرِّيسيّ!! وروي قصَّة طويلة عن فرِّيسيَين عاشا مدة خمسة عشر سنة متوحدَين في الجبال دون أنْ يعرف بعضهما البعض!! وهذه الرواية اِستغرقت أكثر من ثلاثة فصول!! كما زعم أنَّه " كان لإليشع (النبي) عدد وافر من الفرِّيسيِّين جعله اللَّه يتنبَّأ لهم " (ف5:185) !!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (14) The New Bib Dic. p. 934.

    (15) Ibid and Theological Dic. Of The N. T. voI. V .PP. 765-766.

    (16) وردت كلمة فردوس ثلاث مرات في العهد الجديد:(1) عندما قال الرب يسوع للص اليمين : " الحق أقول لك : اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 42 و43). وواضح من هذا أن الرب استخدم كلمة " فردوس " للدلالة على المكان الذي تذهب إليه أرواح المؤمنين عقب الموت مباشرة 000 (2) ويقول الرسول بولس: " إنه اختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها " (2كو 12: 4). وقد ذكر قبل ذلك مباشرة أن هذا الاختطاف كان " إلى السماء الثالثة " (2كو 12: 2). (3) ويقول الرب لملاك كنيسة أفسس: " من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله " (رؤ 2: 7) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 135-

    وكل هذه المزاعم خرافيَّة وكاذبة ولا أساس لها علي الإطلاق، فلم يُوجد أيّ ذِكْر لكلمة فرِّيسيّ في الكتاب المقدَّس قبل العهد الجديد!! وقد أشارت مخطوطات قمران وبعض مخطوطات دمشق والتي ترجع إلي القرن الثاني ق.م إلي وجود جماعة بمفهوم فرِّيسيّ الناموس ولكن دون ذكر لكلمة " فرِّيسيّ " علي الإطلاق !! وأشار المؤرِّخ اليهوديّ يوسيفوس إلي أوَّل وجود لهم كجماعة أو نزعة تحت قيادة يوحنَّا هيركانوس الأوَّل (135 104 ق.م)(17)، وبالتالي لم يكنْ لهم أي وجود قبل ذلك علي الإطلاق!! وكلّ ما زعمه الكاتب المزوِّر مُجَرَّد خرافات وأوهام ابتدعها كما ابتدع غيرها من خرافات!!

    رابعًا: زعم أنَّ معني " فرِّيسيّ " يطلب اللَّه، وهذا دليل علي جهله! فالكلمة معناها المنفصل أو المفرز(18)، والغريب أنَّه هو نفسه أشار إلي ذلك أيضًا!! كما زعم أنَّه كان يُوجد أيَّام المسيح أكثر من مائة ألف فريسي (000ر100)!! وهذا الرقم الخياليّ يدلّ علي خياله الواسع لأنَّ عدد الفرَّيسيِّين لم يصلْ قط إلي مثل هذا الرقم الخياليّ لشعب لا يزيد تعداده حوالي 2 مليون نسمة!!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (17) The Intr .Stand. Bib. Encyc .voI. 3pp .822 F .and N. B. Dic. pp. 675- 166 and the NT. Back pp. 124, 144 191, 231.

    (18) كلمة فريسى في العبرية perasign من الاصل prs وتعنى " ينفصل " وهكذا كان الفريسيون " الأفراد المنفصلين " والكلمة perusism تشير إلى تداريب دينية لجماعة انفصلت عن الشعائر غير الطاهرة . Ibid. ودائرة المعارف الكتابية (جـ 6: 48)

    ــــــــــــــــــــــ

  • الفصل الثاني عشر : الآخرة في إنجيل برنابا الدينونة ، الجنة ، السموات ، الجحيم ، المطهر

  • أولاً: الدينونة:

    وصف الكاتب المزوِّر، الخرافيّ التفكير، يوم الدين بصورةٍ خياليَّةٍ خرافيَّةٍ خلط فيها بين ما أعلنته الإناجيل القانونيَّة وبقيَّة الكتاب المقدَّس وبين ما كُتب في العصور الوسطي وما جاء في التلمود اليهوديّ وما جاء في بقيَّة الأديان إلي جانب مجموعة من خرافات الشعوب والقبائل البدائيَّة، فجاءت الصورة التي رسمها مشوَّهة وممسوخة ولا ترضي سوي أصحاب الفكر الخرافيّ!! السذَّج!! بل وقد ناقض فيها كلّ ما جاء في هذه الأديان وشوَّهه!!

    أ– فقد زعم في (ف1:52-8) أنَّ يوم الدين سيكون مهول ومُخيف حتَّي أنَّ الأنبياء سيكونون في حالةٍ من عدم التمييز والثقة والرعب والفزع " إنَّ يوم دينونة اللَّه سيكون رهيبًا بحيث أنَّ المنبوذين سيفضِّلون عشر جحيمات علي أنْ يسمعوا اللَّه يكلِّمهم بغضبٍ شديدٍ 000 ليس المنبوذين وحدهم الذين يخشون اللَّه فقط، بل القدِّيسون إبراهيم وأصفياء اللَّه (كذلك) حتِّي أنَّ إبراهيم لن يثقْ في بِرِّه، ولا يكون لأيُّوب ثقة في براءته، وماذا أقول؟ بل أنَّ رسول اللَّه سيخاف لأنَّ اللَّه إظهارًا لجلاله سيُجَرِّد رسول اللَّه من الذاكرة " ؟!! وهنا نسأل؛ هل في تجريد نبيّ من الذاكرة فيه إظهارًا لجلال اللَّه؟!! ألا يدلّ ذلك علي جهل الكاتب بقدرة اللَّه الكليَّة، وفكر الكاتب الخرافيّ ؟!!

    وهذا الكلام عن حالة الأنبياء والأبرار والقدِّيسين يوم الدين يُناقض ما جاء في الكتاب المقدَّس تمامًا الذي يقول أنَّه في يوم الدينونة سيقف الأبرار عن يمين الديَّان والأشرار عن يساره، فيقول الديَّان للذين عن يمينه " تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناًفَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ الْمَلِكُ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هَؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ فَبِي فَعَلْتُمْ " (مت25/34-40). كما يقول الكتاب أيضًا " لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ." (1تس4/16-17). بل ويصف الكتاب المقدَّس هذا اليوم بالنسبة للأبرار بالعرس السماويّ (رؤ19/7و 9) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 137-

    ب- وزعم في (ف53) أنَّ الشمس ستتألَّم وتئنّ!! والقمر سينزف دمًا!! والنباتات والعُشب الأخضر ستبكي وتنزف دمًا!! والملائكة وجميع الأرواح ستموت!! " متى أخذ ذلك اليوم في الإقتراب تأتي كلّ يوم علامة مخوفة علي سكَّان الأرض:

    Å " ففي اليوم الأول تسير الشمس في مدارها في السماء بدون نور، بل تكون سوداء كصبغ الثوب، وستئنّ كما يئنّ أبّ علي اِبن مشرف علي الموت "،

    Å " وفى اليوم الثاني يتحوَّل القمر إلي دمّ وسيأتي دمّ علي الأرض كالندي "،

    Å " وفى اليوم الثالث تُشاهد النجوم آخذة في الإقتتال كجيشٍ من الأعداء "،

    Å " وفى اليوم الرابع تتصادم الحجارة والصخور كأعداءٍ ألدَّاءٍ " ،

    Å " وفى اليوم الخامس يبكي كلّ نبات وعُشب دمًا 000 "،

    Å "وفى اليوم الخامس عشر تموت الملائكة الأطهار ولا يبقي حيًا إلاًّ اللَّه وحده ".

    ثُم يزيد في تخاريفه فيقول " ولما قال يسوع هذا صفع وجهه بكلتا يديه ثم ضرب الأرض برأسه" !!

    فكيف تتألَّم الشمس وتئنّ كالإنسان وهى كرة من الغاز المضغوط وتتكوَّن أساسًا من الهيدروجين والهيليوم وتصل درجة الحرارة وسط فرنها وقرصها إلي 14 مليون درجة؟!! وكيف يقطر القمر دمًا وهو المكوَّن من الصخور والرمال والمعادن؟!! وكيف تتقاتل النجوم وهى مثل الشمس عبارة عن غازات ملتهبة، ويبعد كلّ نجم منهم عن الآخر بملايين الأميال، ولماذا ؟!! وكيف تتصادم الحجارة كأعداء؟!! وكيف تبكي النباتات والأعشاب الخضراء دمًا؟!! ولماذا؟!! ومن أين ستأتي بالدم وهى التي تحتوي على مادة الكلوروفيل الخضراء؟!! وهل يَتَصَوَّر هذا الكاتب الخرافيّ التفكير أنَّ هذه المواد، الجماد، غير العاقلة، ستتحوَّل إلي كائنات حيَّة عاقلة؟!! وكيف تموت الملائكة والشياطين والأرواح وهى أرواح خالدة؟!!

    ويبدو أنَّ هذا الكاتب المزوِّر قد بني هذه الخرافات التي تتناقض مع أبسط الحقائق العلميَّة علي فهمٍ خاطيءٍ لقول السيد المسيح " وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ000 وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ."(1).

    وما قاله السيِّد المسيح لا يتعارض مع الواقع والحقيقة العلميَّة، فيمكن أنْ يحدث إظلام للشمس بإنطفائها(2) أو بإحتراق الأرض وما عليها، وتصاعد الغازات والأبخرة والدخان الكثيف،

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) متى 24: 29 و30 ، مر 13: 25- 26 ، لو 21: 25- 27 .

    (2) الشمس عبارة عن كرة ضخمة من الغاز المضغوط قطرها مليون و300 ألف ك . م . وهى معلقة في الأثير على بعد 150مليون ك .م. من الأرض ، وتتكون أساسا من الهيدروجين والهيليوم . وهى تعطى الأرض الضوء والحرارة والطاقة ، أي الحياة . وأي تغيير في حرارتها المرسلة الى الأرض يكفى لأنهاء الحياة على الأرض ، فتصل درجة الحرارة وسط فرنها الى 14 مليون درجة ، وينطفئ فيها كل ثانية 600 طن هيدروجين ، أي أنها تنطفئ ببطء . ويقدر العلماء أنهاء ستحترق وتستهلك كل الطاقة المخزونة فيها بعد حوالي 8 ألاف مليون سنة .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 138-

    نتيجة لهذا الإحتراق، فتحتجب الشمس ويحتجب نورها تمامًا، وبالتالي لا يُعطى القمر ضوء للأرض. وهذا ما قاله القدِّيس بطرس الرسول بالروح " وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا. فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ." (2بط3/10-12). أمَّا تساقط النجوم فيعني دائمًا، في الكتاب المقدَّس، سقوط القادة، سواء الروحيِّين أو العالميِّين أو العسكريِّين أو المدنيِّين(3)، وقد يعني تساقط شُهب ونيازك وكرات ناريَّة علي الأرض كما حدث عام 1833(4) فوق أمريكا والمحيط الأطلنطي وغرب أوروبا. وهذا ما لم يُدركه عقل كاتب هذا الكتاب المزوِّر، الخرافيِ التفكير، فغرق في الخرافة والجهل.

    ويواصل الكاتب المزوِّر خرافاته فيزعم أنَّ اللَّه سيمسخ الأشرار والشياطين ويجعل مناظرهم قبيحة ومهولة فيقول في (ف19:54)؛ " فمتي مرَّت هذه العلامات تغشي العالم ظُلمة أربعين سنة ليس فيها من حيّ إلاَّ اللَّه وحده 000 ثم يُحيي بعد ذلك المنبوذين كلّهم الذين عند قيامهم يخاف سائر خلق اللَّه بسبب قبح منظرهم 000 وبعد هذا يُقيم اللَّه الشيطان الذى سيصير كلّ مخلوق عند النظر إليه كميتٍ خوفًا من هيئة منظره المريع. ثمّ قال يسوع أرجو أنْ لا أري هذه الهولة في ذلك اليوم ؟!!

    حتَّي المسيح، الذي يرتعب منه الشيطان بحسب ما قاله هذا الكاتب المزوِّّر نفسه، يخشي من هول منظر الشيطان يوم الدين!!

    ثم يُخرج الكاتب المزوِّر ما بداخله من خرافات ويقول في (ف55) " أنَّ الشياطين والمنبوذين مع الشيطان يبكون حينئذ حتَّي أنَّه ليجري من الماء من عين الواحد منهم أكثر مما في الأردن " !! فكيف تذرف الأرواح الدموع؟!! وإذا كان المنبوذون والشياطين يُعدّون في ذلك اليوم بالمليارات، وإذا كانت عين الواحد منهم ستنزف دموعًا أكثر مما في نهر الأردن، فهذا يعني أنَّهم سينزفون ماء أكثر مما في الأنهار والبحار والمحيطات؟!! فمن أين سيأتون بكلِّ هذا المياه التى تفوق ما في الأنهار والبحار والمحيطات؟!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (3) أنظر (1كو41:15) " لأن نجماً يمتاز عن نجم في المجد " والمقصود هنا درجات الأبرار في السماء ، و(د110:8) " وتعظم حتى الى جند السموات وطرح بعضا من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم " والمقصود هنا الكهنة وقادة الأمة الروحيين .

    (4) حدث في 13 نوفمبر 1833 سقوط ملايين الكرات النارية التي كان بريقها يسطع على الأرض ، ويصف أحد العلماء منظرها " كان بريقها يسطع ويلمع كثيرا متواصلا وهى تتساقط متواصلة وكأنها متلامسة كندف ثلوج ديسمبر الباكرة " جغرافية السموات لبرت ط 1854 ص 163 حتى ظن الناس في أمريكا والأطلنطي وغرب أوربا أن هذا ما جاء في أقوال السيد المسيح وسفر الرؤيا عن نهاية العالم . أنظر كتاب " ظهوره المجيد حسب الوعد والوعيد " ص 59- 65 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 139-

    ثم يصل هذا الكاتب المزوِّر إلي قمَّة التجديف علي اللَّه، والخرافة، ويزعم أنَّ اللَّه سيمزح، يُهَرِّج، يوم الدين !! فيقول في (ف20:55) " فيُكَلِّم اللَّه رسوله 000 كخليلٍ يمازح خليله ويقول أعندك شهود علي هذا (أي ما سبق أن وعد به) ياخليلي " أيوجد فكر خرافيّ أكثر خرافة وسذاجة من هذا؟!! اللَّه يمزح ؟!!

    جـ- ويزعم الكاتب المزوِّر الخرافيّ التفكير في (ف1:57-6) أنَّ الملاك ميخائيل سيضرب الشيطان بسيفه بما يوازى مليون جحيم " فيأتي حينئذ ذلك الشقيّ ويشكوه كلّ مخلوق بإمتهانٍ شديدٍ، حينئذ ينادي اللَّه الملاك ميخائيل فيضربه بسيفِ اللَّه مائة ألف ضربة، وتكون كلّ ضربة يُضْرَب بها الشيطان بثقلِ عشر جحيمات 000 ثمَّ ينادي الملاك أتباعه فيُهانون ويُشكون مثله وعند ذلك يضرب الملاك ميخائيل بأمر اللَّه بعضًا مئة وبعضًا خمسين وبعضًا عشرين وبعضًا عشرًا وبعضًا خمسًا " !!

    فما هو حجم الجحيم وثقله؟ وكيف سيضرب الملاك الشيطان بما يوازي مليون جحيم؟ ويضرب أتباعه بما يوازي الجحيم مليارات المرّات!! وما هي قوَّة هذا الملاك الذي يقدر أنْ يقوم بهذه المهمَّة؟ وما هو حجم الشيطان وما هي قدرته التي تتحمَّل الضرب بسيفِ اللَّه بما يوازي مليون جحيم، وكذلك أتباعه؟!! إنَّ ما زعمه هذا الكاتب المزوِّر يفوق كلّ ما كُتب في أساطير اليونان والرومان والهند والصين وألف ليلة وليلة وبقيَّة أساطير جميع الشعوب، فله عقليَّة خرافيَّة لا مثيل لها !!

    د- ثمَّ يُصَوِّر بفكره الخرافيّ أنَّ الذباب والكلاب والحيوانات الدنيا والنجسة، بل والحجارة والرمل ستصرخ شاهدة علي الفجَّار!! ويُمجِّد القذارة والقمل!! فيقول في (ف8:57-19) " ثمَّ يُدعي بعد ذلك إلي الدينونة الكافرين والمنبوذين، فيقوم عليهم أولاً كلّ الخلائق التي هي أدني من الإنسان شاهدةً أمام اللَّه كيف خدمت هؤلاء الناس 000 الحق أقول لكم أنَّ قصّ الشعر سيشرق كالشمس وكلّ قملة كانت علي إنسان حبًا في اللِّه تتحوَّل إلي لؤلؤة 000 إنَّه لو علم العالم هذا لفضَّل قصّ الشعر علي الأرجوان والقمل علي الذهب"!! ألا يدلّ هذا علي تفكيره الخرافيّ وميله للقذارة وحبَّه للقمل والبيئة التي تربَّي فيها ؟!

    ثانياً: الجنَّة ملذَّاتها ومسرَّاتها:

    ويُصَوِّر الكاتب مُتع الجنَّة والفردوس، علي أنَّها المتع الحسيَّة والماديَّة من أكلٍ وشربٍ لأشهي المأكولات وألذَّ المشروبات ولم ينسي حتي البراز هناك!! فيقول في (ف2:174-11) " فأي شئ يأكل إذًا أطعمة الجنَّة إذا كان الجسد لا يذهب إلي هناك؟ هل النفس؟ لا البتَّة، لأنَّها روح، فأجاب بطرس: أيأكل إذًا المباركون في الفردوس؟ ولكن كيف يبرز الطعام دون نجاسة؟. أجاب يسوع: أي بركة ينالها الجسم إذا لم يأكل ولم يشرب؟ من المؤكَّد أنَّه من اللائق أنْ يكون التمجيد بالنسبة إلي الشيء الممجَّد، ولكنك تُخطئ يا بطرس في ظنِّك أنَّ طعامًا كهذا يبرز نجاسة. لأنَّ هذا الجسم في الوقت الحاضر يأكل أطعمة قابلة للفساد، لهذا يحصل الفساد.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 140-

    ولكن الجسم يكون في الجنَّة غير قابلٍ للفساد وغير قابلٍ للألم وخالدًا وخاليًا من كلِّ شقاءٍ، والأطعمة التي لا عيب فيها لا تحدث أدني فساد " !!

    Å وقال في (ف175) " هكذا يقول اللَّه علي لسان أشعياء النبيّ ساكبًا إزدراء علي المنبوذين "يجلس خدمي على مائدتي في بيتي ويتلذَّذون بابتهاجٍ مع حبور ٍ".

    Å وقال في (ف1:176-6) " قال يسوع لتلاميذه: " ماذا يُجدي نفعًا قوله يتلذَّذون. حقًا إنَّ اللَّه يتكلَّم جليًّا. ولكن ما فائدة الأنهر الأربعة(5) من السائل الثمين في الجنَّة مع ثمار وافرة جدًا. فمن المؤكَّد أنَّ اللَّه لا يأكل والملائكة لا تأكل والنفس لا تأكل والحسّ لا يأكل، بل الجسد الذي هو جسمنا فمجد الجنَّة هو طعام الجسد. أمَّا النفس والحسّ فلهما اللَّه ومحادثة الملائكة والأرواح المباركة " !!

    وهذا الفكر الذي كتبه هذا الكاتب المزوِّر يختلف تمامًا عمَّا قاله السيِّد المسيح وما جاء في كلِّ أسفار الكتاب المقدَّس، حيث يتمثَّل نعيم الفردوس في كتابة الاسم في سفر الحياة (رؤ3/5)، والحياة الملائكيَّة بدون زواج كقوله " لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ" (مت22/30)، والوجود الدائم مع اللَّه وتسبيحه دائمًا(6)، بدون الحاجة إلي إلاكل أو الشرب " لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ، لأَنَّ الْحَمَلَ [ المسيح ، حَمَلُ اللَّهِ (يو1/29) ] الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ،" (رؤ7/16-17). وكقول القدِّيس بولس بالروح " لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْباً بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رو14/17). فليس في السماء أكلٌ ولا شربٌ ولا زواجٌ ولا تزاوجٌ بل يكونون كملائكة اللَّه. لأنَّ أجسادنا ستتحوَّل إلي أجساد روحيَّة غير قابلةٍ للفساد(7).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (5) جاء في سورة محمد 15 ما يلي " مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ" ويلاحظ أن ما كتبه كاتب برنابا المزيف هو ترجمة حرفيَّة لهذه الآية !! مما يدل أنة كتب هذا الكتاب المزور في القرون الوسطى .

    (6) رؤ 13:5؛9:21 .

    (7) يقول القديس بولس بالروح " لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «كَيْفَ يُقَامُ الأَمْوَاتُ وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟» يَا غَبِيُّ! الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ. وَالَّذِي تَزْرَعُهُ لَسْتَ تَزْرَعُ الْجِسْمَ الَّذِي سَوْفَ يَصِيرُ بَلْ حَبَّةً مُجَرَّدَةً رُبَّمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ أَحَدِ الْبَوَاقِي. وَلَكِنَّ اللهَ يُعْطِيهَا جِسْماً كَمَا أَرَادَ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبُزُورِ جِسْمَهُ. لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَداً وَاحِداً بَلْ لِلنَّاسِ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ وَلِلسَّمَكِ آخَرُ وَلِلطَّيْرِ آخَرُ. وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لَكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ. مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْماً يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ. هَكَذَا أَيْضاً قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضُعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْماً حَيَوَانِيّاً وَيُقَامُ جِسْماً رُوحَانِيّاً. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ. هَكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضاً: «صَارَ آدَمُ الإِنْسَانُ الأَوَّلُ نَفْساً حَيَّةً وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً». لَكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلاً بَلِ الْحَيَوَانِيُّ وَبَعْدَ ذَلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هَكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضاً وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هَكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضاً. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ سَنَلْبَسُ أَيْضاً صُورَةَ السَّمَاوِيِّ. فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ. هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هَذَا الْفَاسِدَ لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ وَهَذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ»." (1كو15/35-54) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 141-

    وقال في (ف8:176-16) " قال برتولوماوس (برثلماوس): يا مُعلِّم أيكون مجد الجنَّة لكلِّ واحدٍ علي السواء؟ فإذا كان علي السواء فهو ليس من العدل. وإذا لم يكنْ علي السواء فالأصغر يحسد الأعظم. أجاب يسوع: لا يكون علي السواء لأنَّ اللَّه عادل وسيكون كلِّ واحدٍ قنوعًا، إذ لا حسد هناك. قلّ لي يا برتولوماوس: يُوجد سيِّد عنده كثيرون من الخدم ويُلبس جميع خدمه هؤلاء لباسًا واحدًا. أيحزن إذًا الغلمان اللابسون لباس الغلمان لأنَّه ليس لهم ثياب البالغين. بلّ علي العكس لو أراد البالغون أنْ يُلبسوهم ثيابهم الكبيرة لتغيَّظوا لأنَّه لما لم تكن الأثواب موافقة لحجمهم يزعمون أنَّهم سخرية. فارفع إذًا يا برتولوماوس قلبك للَّه في الجنَّة فتري أنَّ للجميع مجدًا واحدًا، ومع أنَّه يكون كثيرٌ لواحدٍ وقليلٌ للآخر فهو لا يُولِّد شيئًا من الحسد " !!

    ونلاحظ في قوله هنا أنَّ درجات المجد في الجنَّة متفاوتة ومع ذلك فلا يحسد أحدهم الآخر. وهذا الوصف مأخوذ من الأنشودة الثالثة من الفردوس لدانتي أليجييري، حيث يري دانتي أنَّ الحبّ الخالص يجعل الإنسان راضيًا قانعًا بما لديه غير متطِّلع إلي سواه(8)، فيقول " إنَّ رغائبنا لترضي، يا أخي، بما في المحبَّة من الفضل الذي يجعلنا نشتهي ما هو لدينا فحسب، ولا يُثير ظمأنا سواه "(9).

    ثالثًا: السموات، عددها وقياس المسافات بينها!!

    زعم هذا الكاتب المزوِّر أنَّ عدد السموات تِسع وعاشرها الجنَّة، وأنَّها الواحدة فوق الأخري وأعلي منها، وتقع الأولي فوق الأرض! وحدَّد المسافة بين كلٍّ منها بـ 500 سنه سفر رجل!! والمسافة بين الأرض وأعلي سماء بـ 500 ,4سنة!!

    Å فقال في (ف3:105-8) " إنَّ السموات تِسع وأنَّ بعضها يبعد عن بعض كما تبعد الأولي عن الأرض سفر خمس مئة سنة، وعليه فإنَّ الأرض تبعد عن أعلي سماء مسيرة أربعة ألاف وخمسمائة سنة 000 الواحدة منها أسفل ما يليها، ولكن حجم كلّ الأرض مع حجم كلّ السموات بالنسبة إلي الجنَّة كنقطة بل كحبَّة رمال" !!

    Å وقال في (ف6:178-10) " السموات تِسع موضوعة بينها السيارات التي تبعد إحداها عن الأخرى مسيرة رجل خمس مائة سنة، وكذلك الأرض علي مسيرة خمس مائة سنة من السماء الأولي " !!

    وهو هنا يتكلَّم عن السموات كموقع ماديّ ويُصَوِّر المسافة بين كلِّ سماء والسماء الأخري بمسيرة رجل 500 سنة!! وإذا كانت المسافات تُقاس، في القرن الأوَّل كما هو مفترض، بسرعة الحصان أو الجمل، في قافلة، في اليوم الواحد، وكان متوسِّط المسافة التي يقطعها الحصان أو الجمل في قافلة في اليوم الواحد 50 كم × 365 يوم ×500 سنة = 9,125.000 كم، ولو قسنا المسافة من الأرض إلي السماء التاسعة، بحسب ما جاء في هذا الكتاب المزيَّف، نجد أنَّها 9,125,000 × 9 = 82,125,000 كم، أي 82 مليون كم، في حين أنَّ المسافة بين الأرض المريخ هي 90 مليون كم، معني هذا أنَّنا نصل من الأرض إلي السماء التاسعة قبل أنْ نصل إلي المريخ!! وهذا يضاد كل الحقائق الكتابيَّة والعلميَّة وكلّ مقاييس المسافات الخاصة بالمجموعة الشمسيَّة(10)!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (8) جـ3 :112 .

    (9) أنشودة 70:3 .

    (10) Barnabas Is It Genuine? Ch. 3.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 142-

    كما أنَّ هذا يُخالف أيضًا ما جاء في المسيحيَّة والإسلام، حيث تقول المسيحيَّة بوجود ثلاث سموات(11)، ويقول الإسلام أنَّ عدد السموات سبع فقط بما فيها الجنَّة(12). وإنَّما يتَّفق ما كتبه هذا الكاتب المزوِّر مع ما كتبه الشاعر الإيطالي دانتي أليجييري، الذي توفي سنة 1321م، في الجزء الثالث، الفردوس، من الكوميديا الإلهيَّة(12+).حيث صوَّر، دانتي، الفردوس، الجنَّة، بأنَّها تتكوَّن من تسع سموات يليها سماء السموات أو سماء العرش الإلهيّ، " الإمبريوم "؛ السماء الأولي وهي سماء القمر(13)والسماء الثانية سماء مركيوري (Mercury) أو عُطارد(14)، والسماء

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (11) عدد السموات المعروفة في المسيحية ثلاث : " سماء الطيور أو الغلاف الجوى (تك 1: 20) سماء الكواكب والنجوم (إي 22: 12- 14) سماء السموات أو السماء الثالثة (2 كو 12: 2-4 ) .

    (12) " تُسَبِّحُ لَهُ السَّماوَاتُ السَّبْعُ " (الأسراء44) ، " رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ " (المؤمنون86) ، " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ " (فصلت12) ، " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ " (الطلاق12) .

    (12+) الكوميديا الإلهية جـ 3 : 30-32 . كتب دانتي أليجييري (1265-1321) ملحمته " الكوميديا الإلهية " في ثلاثة أجزاء ، هي ؛ الجحيم والمطهر والفردوس. وذلك باللغة الإيطالية وقد صور فيها الحياة في العالم الآخر بحسب المفهوم الكاثوليكي، وبحسب ما كان سائداً في عصره وفي العصور الوسطى عموماً. يقول حسن عثمان مترجم الكوميديا الإلهية من الإيطالي إلى اللغة العربية " كان علم الفلك السائد في العصور الوسطى، من الأسس التي إعتمد دانتي عليها في بناء الكوميديا، وهو في ذلك يرجع إلى أصول يونانية وشرقية وسكندرية وأوروبية وعربية، ومن ذلك ما نراه من قول أرسطو بأن عالمنا يتكون من ثماني سماوات أعلاها السماء الأثيرية والتي سماها أفلاطون بسماء النجوم الثابتة. وأضاف بطليموس السكندري التاسعة، سماء المحرك الأول التي تدور بعكس سائر السموات من الشرق إلى الغرب، وإتخذ علماء العصور الوسطى سماء " الإمبريوم " أو سماء السموات عن أرسطو، واعتبروها السماء العاشرة (ج 3 : 29). وقد ترجمها إلى العربية الأستاذ حسن عثمان سنة 1968م. See also:

    1 - The Divine Comedy and Kabala Dante Alighieri 1265 - 1321 by Jack Courts.

    2 - The Divine Comedy translated by Henry Wadsworth Longfellow.

    3- The Divine Comedy of Dante Alighieri Volume 2: Purgatorio Edited and Translated by ROBERT M. DURLING Introduction and notes by RONALD L. MARTINEZ, ROBERT M. DURLING, and Illustrations by ROBERT TURNER .

    4 -Dante Alighieri, Divine Comedy and Divine Spirituality Spirituality by Robert Royal - published by Crossroad, l999.

    5 - The Divine Comedy Dante Alighieri Translated by C. H. Sisson With an introduction and notes by David H. Higgins, Head of the School of Modern Languages, University of Bristol

    6 - Guido Mazzoni Collection Rare Book, Manuscript, and Special Collections Library - Duke University Dante Alighieri, 1265-1321

    7 - THE DIVINE COMEDY OF DANTE ALIGHIERI (1265-1321) Translated by HENRY WADSWORTH LONGFELLOW (1807-1882)

    (13) أنشودة 2-5 .

    (14) أنشودة 5-7 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 143-

    الثالثة سماء فينوس (Veneus) أو الزهرة(15)والسماء الرابعة،سماء الشمس(16)والسماء الخامسة، سماء مارس (Mars) أو المريخ(17)والسماء السادسة، سماء جوبيتر (Jupiter) أو المشتري(18)والسماء السابعة، سماء ساتورن(Saturn) أو زُحل(19)والسماء الثامنة، سماء النجوم الثابتة(20)والسماء التاسعة السماء البلورية(21) الإمبريوم، أو سماء السموات(22)وهي مقر اللَّه والقدِّيسين.

    رابعًا: الجحيم، أصله ومصدره:

    وصف هذا الكاتب المزوِّر، الخرافيّ التفكير، الجحيم بصورةٍ لا مثيل لها في الكتاب المقدَّس وكُتب الأديان الأخري إذ رسم لها طبقات أو دركات متربة ترتيبًا أفقيًا يتدرَّج فيه العقاب من الدركة الأولي إلي السابعة وكلَّما ذهب المعذَّب إلي دركةٍ أبعد يناله عقابٌ أشدّ.

    والغريب أنَّه حصر دخول الجحيم علي فاعلي خطايا معيَّنة هي الكبرياء والحسد والطمع والشهوة والكسل والنهم والغضب، وهذه الخطايا تدلّ علي فكر صوفيّ رهبانيّ! وتجاهل الخطايا الأخري والتي نصَّت عليها الوصايا العشر(23) والتي قال سفر الرؤيا أنَّ فاعليها لن يدخلوا السماء بل يُطرحون في البحيرة المتَّقدة بالنار والكبريت، مثل عدم الإيمان وعبادة الأوثان والشِرك باللَّه والقتل والسرقة والكذب وعقوق الوالدين والسحر وشهادة الزور وغيرها من الخطايا " وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي " (رؤ21/8).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (15) أنشودة 8-9 .

    (16) أنشودة 10-13 .

    (17) أنشودة14-18 .

    (18) أنشودة18-20 .

    (19) (أنشودة 21و22 .

    (20) أنشودة 22-26 .

    (21) أنشودة 27-29 .

    (22) أنشودة30-33 .

    (23) " لا يكن لك آلهة اخرى امامي . لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مّما في السماء من فوق وما في الارض من تحت وما في الماء من تحت الارض . لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ 000 لا تنطق باسم الرب الهك باطلا لان الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلا . اذكر يوم السبت لتقدسه . ستة ايام تعمل وتصنع جميع عملك . واما اليوم السابع ففيه سبت للرب الهك 0000 اكرم اباك وامك 000 لا تقتل . لا تزن . لا تسرق . لا تشهد على قريبك شهادة زور . لا تشته بيت قريبك.لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا امته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك " (خر1:-19) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 144-

    وهذا أهم ما ذكر من فقرات عن الجحيم:

    Å قال في (ف1:59-3) " إنَّ الجحيم واحدةٌ وفيها يُعَذَّب الملعونون إلي الأبد، إلاَّ أنَّ لها سبع طبقات أو دركات الواحدة منها أعمق من الأخري ومن يذهب إلي أبعدها يناله عقابٌ أشدّ " !

    Å وقال في (ف3:135-29) " إعلموا إذًا أنَّ الجحيم هي واحدةٌ ومع ذلك فإنَّ لها سبع دركات، الواحدة منها دون الأخري. فكما أنَّ الخطية سبعة أنواع إذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب الجحيم كذلك يُوجد فيها سبعة أنواع من العذاب. لأنَّ المتكبِّر 000 سيُزجّ في أسفل درجة مارًا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدًا فيها جميع الآلام الموجودة فيها 000 والحسود 000 يهبط إلي الدرجة السادسة 000 أمَّا الطماع فيهبط إلي الدركة الخامسة 000 أمَّا الدركة الرابعة فيهبط إليها الشهوانيُّون 000 ويهبط إلي الدركة الثالثة الكسلان 000 ويهبط إلي الدركة الثانية النهِم 000 ويهبط المستشيط غضبًا إلي الدركه الأولي " !!

    وقد أخذ وصف الجحيم من حيث الدركات وأنواع الخطايا وأنواع العقاب من الجزء الثالث من الكوميديا الإلهيَّة لدانتي، الجحيم، حيث يتكوَّن جحيم دانتي من تسع دركات أو حلقات(24)، الحلقة الأولي منها خارج الجحيم وتحيط بالهاوية يُسَمِّيها باللمبو، وهي حجرة إنتظار يمكث بها غير المعمَّدين من أخيار الناس من جميع الأمم والذين عاشوا قبل ميلاد المسيح والأطفال غير المعمَّدين(25)والحلقة الثانية يمكث فيها الشهوانيين " هكذا هبطت – أسفل - من الحلقة الأولي من الثانية(26)، التي تحيط بمكان أصغر وآلامٍ أعظم، وتلهب حتي العويل "(27). وهذه الدركة يمكث فيها الشهوانيون " فهمت أنَّه قُضي بمثل هذا العذاب علي مرتكبي خطايا الجسد، الذين يُخضعون العقل للشهوات "(28)، والحلقة الثالثة للشرهين(29)، والحلقة الرابعة للبخلاء والمسرفين(30)، والحلقة الخامسة للغاضبين والكسالي(31)، والحلقة السادسة للهراطقة(32)، والحلقة السابعة لمرتكبي العنف(33)، والحلقة الثامنة للمخادعين المحتالين، الدجالين(34)، والحلقة التاسعة، بئر المردة والتي تضمّ أمثال يهوذا، ويُوجد إبليس في أسفلها ويقسِّمها إلي عشرة أقسام(35).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (24) يقول الأستاذ حسن عثمان " نأتي إلى حلقات الجحيم التسعة . والحلقة الأولى هو اللمبو ، الذي يعتتبر كمقدمة للجحيم الحقيقي ، ويشغل الأنشودة الرابعة . وتبدأ الجحيم الحقيقية من الحلقة الثانية " .

    (25) أنشودة 4 .

    (26) يقول المترجم الأستاذ حسن عثمان في الهامش " هنا يبدأ الجحيم الحقيقي عند دانتي ، وما سبق يعتبر مقدمة له " ص135 .

    (27) أنشودة 1:5 .

    (28) أنشود37:5 .

    (29) أنشودة 5 .

    (30) أنشودة 7 .

    (31) أنشودة 8 .

    (32) أنشودة 9 . وهؤلاء لم يذكرهم كاتب برنابا المزوّر .

    (33) أنشودة 11 .

    (34) أنشودة 18 .

    (35) أنظر حسن عثمان جـ 1 : 437 و 438.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 145-

    وقد حذف كاتب هذا الكتاب المزيَّف الدركتين الخاصَّتين بغير المعمدين، من الأمم والأطفال المسيحيِّين، والهراطقة لأنَّهما لا يتَّفقان مع فكره وما هدف إليه في كتابه المزيَّف هذا !!

    كما صوَّر هذا الكاتب المزوِّر عقاب الجحيم وأدواته علي أنَّها تتكوَّن من البرد القارس والريح والثلج والجليد والجمر والصواعق والبرق والجنون والهلع، وذلك إلي جانب النار واللهب والحرارة والكبريت!! وزعم أنَّ الشيطان أنشأ الخطايا سبعة أنواع نظير أبواب الجحيم السبعة!!

    Å فقال في (ف16:60-19) " فما أشدّ الذي سيصلونه الخطاة الأشقياء، ما أشدّ البرد القارس الذي لا يخفف لهبهم، ما أشدّ صرير الأسنان والبكاء والعويل، لأنَّ ماء الأردن أقلّ من الدموع التي ستجري كلّ دقيقة من عيونهم "!!

    Å وقال في (ف15:106) " إنَّ اللَّه لما خلقه (الحسّ) حكم عليه بالجحيم والثلج والجليد اللذين لا يطاقان "!!

    Å وتابع في (ف135) " ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كلّ الدركات كمزيج من حبوب عديدة يُصنع منه رغيف لأنَّه ستتَّحد بعدل اللَّه النار والجمر والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع علي طريقة لا يخفف فيها البرد والحرارة ولا النار بل يُعذب كلّ منها "!!

    ووصف الجحيم علي هذه الصورة كان شائعًا في أوروبا في العصور الوسطي في الكتابات الرؤويَّة التي كانت منتشرة جدًا خاصَّة في القرنين 11و 12(36)، وأيضًا في كُتب الشعر التي كُتبت في أواخر العصور الوسطي. وقد تأثَّرت هذه الكتابات بما كان منتشرًا جدًا في الكتب الأبوكريفيَّة(37).وعلي رأس هذه الكتابات: " رؤيا بولس " التي كُتبت في القرن الخامس(38)، والتي كانت منتشرة جدًا ولها شهرةٌ عظيمةٌ(39)وكانت بين يدي الشاعر الإيطالي دانتي أليجييري عندما كتب رائعته الكوميديا إلالهيَّة في بداية القرن الرابع عشر(40).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (36) قال أ . حسن عثمان في مقدمة ترجمته جـ 1 من الكوميديا الإلهية " وكذلك نجد تراث العصور الوسطى مليئاً برؤى القديسين وقصص المغامرين ، الذين تناولوا عالم ما بعد الحياة . ومن هؤلاء مثلاً القديس يوحنا 000 ورؤيا القديس بولس التي وضُعت في القرن الرابع ثم نمت حتى القرن الثالث عشر ، قد وصفت عذاب الآثمين في الجحيم بين النيران والأفاعي والزمهرير 000 ومن ذلك رحلة الفارس أوين ، التي تعرف باسم مطهر القديس باتريك ، وزار فيها الجحيم وشاهد الأفاعي والوحوش والنيران ونهر المعدن السائل بالغليان ، ورأى الشياطين على شاطئه تطعن الآثمين بخطاطيفهم ، ورأى بركة الكبريت ، والمعذبين المصلوبين على الأرض ، وعذاب الزمهرير 000 ومنها رحلة الجندي الراهب تونجدال ، الذي زار العالم الآخر ورأى عذاب النار والثلج 000 وقد ترجمت هذه الرحلات إلى أكثر من لغة أوربية في القرن الثاني عشر 000 وتكلم الراهب البريجو عن عذاب الجليد والأفاعي 000 وكذلك تناول القديس توماس الأكويني الجحيم والمطهر والسماء " ص 56 و57 .

    (37) تعنى كلمة " ابوكريفا " في اليونانية الكتب السرية وأصبح معناها في المسيحية المزيفة .

    (38) ذكرت في قانون البابا جلاسيوس سنة 496م ضمن الكتب الأبوكريفية المحرم تداولها

    (39) N.T Apocrypha. Vol2p. 758.

    (40) أطلق دانتي لفظ " الكوميديا " على قصيدته الخالدة ، وهو لفظ مأخوذ من اليونانية القديمة ، بمعنى أغنية تغنى بلغة العامة ، وتجرى على اللسان دون تكلف وتصنع . وكذلك قصد بهذا اللفظ أنها تبدأ في غابة موحشة مظلمة وتنتهي إلى السعادة الأبدية . جـ 3 : 61 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 146-

    فيصف كاتب " رؤيا بولس " عذاب الجحيم المكوَّن من النار والثلج والجليد والبرد القارس بقوله " ورأيت هناك رجالاً ونساءً مقطوعي الأيدي وعريانين في مكان الثلج والجليد " (ف39) "000 في البرد وصرير الأسنان(41)000 في هذا المكان لا يُوجد شيء آخر سوى البرد والجليد. وقال الملاك أيضًا حتَّي لو أشرقت الشمس عليهم فلن يُصبحوا دافئين بسبب برودة المكان الشديدة والجليد " (ف42).

    وكذلك ذُكر عذاب الزمهرير والثلج والجليد في كتاب مطهر القديس باتريك وكتاب رحلة الجندي الراهب تونجدال و جحيم الراهب الإيطالي البريجو في القرن الحادي عشر، كما ذكر الأستاذ حسن عثمان في مقدِّمته للجزء الأوَّل.

    كما ذكر الشاعر إلانجليزي وليم شكسبير سنة 1604 الصقيع المروع في مسرحية " عين بعين"(42) فقال علي لسان كلاوديو " والروح الناعمة يجرفها عباب يتلطي، أو تستقر في صقع مروع من صقيع، تكثف طبقات فوق طبقات ".

    وكذلك الشاعر إلانجليزي جون ميلتون في ملحمته " الفردوس المفقود " 1642- 1655 الذي قال " وبعد هذا النهر تقع قارة متجمِّدة، بريَّة مظلمة، تنهال عليه عواصف من دوامات الريح ولافع البرد يسقط علي اليابسة 000 وليس من عواصف من دوَّامات الريح ولافع البرد يسقط علي اليابسة 000 وليس من حوله إلا الثلج والجليد"(43).

    وبرغم أنَّ مصادر هذا الكاتب المزوَّّر ومصادر دانتي أليجييري تكاد تكون واحدة عن الجحيم، كما هو الرأي الغالب والسائد، إلاَّ أنَّه من الواضح أنَّ هذا الكاتب المزوِّر كان يملك بين يديه، إلي جانب بعض هذه الكُتب، جحيم دانتي إذ جاء جحيمه أكثر مطابقةً مع جحيم دانتي!!

    فالجحيم عند كليهما يتكوًَّن من درجات أو دركات أو طبقات مرتَّبة فوق بعضها البعض كلِّ درجة منها لإحدي الخطايا، ويتمّ ترتيب الخطايا عند كليهما علي قدر ما تحمله من شرور، وكلَّما كانت خطيئة المعاقب أكبر كلَّما نزل إلي درجات الجحيم السفلي، ويتكوَّن عذاب الجحيم عند كليهما من النار والبرد والصقيع والجليد والثلج. وعلى سبيل المثال يقول دانتي:

    " أنا في الحلقة الثالثة، حلقة المطر الأبديّ، اللعين، البارد الثقيل؛ لا يتجدَّد عنفه أبدًا ولا يتغيَّر نوعه. بردٌ كبير ومياهٌ مسودَّة ، وثلجٌ يهطل خلال الهواء المظلم "(44).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (41) ) ترجمة د . زاخر غبريال .

    (42) مشهد 4: 220- 223، ويعلق المترجم قائلا : " أن وصف كلاوديو للجحيم مستقى من الوصف الكلاسيكي لها " هامش 215.

    (43) ك 2: 587- 592 ويعلق المترجم د. محمد عناني بقوله : " كان الاعتقاد بأن عذاب الجحيم يتضمن البرودة إلى حد التجمد إلى جانب الحريق سائدا في العصور الوسطى " ج 1 هامش ص 197.

    (44) أنشودة 6: 7 – 10 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 147-

    " عندما استدرت ورأيت أمامي وتحت القدمين بحيرة كان لها من التجمد صورة الزجاج لا الماء 000 كان الشبحان المعذبان منغمسين في الثلج 000 سماء الزمهرير000 وقد إزرقَّ لونهما 000الزمهرير من الفم 000 فجمَّده الزمهرير بينهما 000 وواحد كان الزمهرير قد أفقده كلتا الأذنين 000 فلن تجد شبحًا أجدر منهما أنْ يستقرّ في الجمد 000 بعد ذلك رأيت ألف وجه جعلها البرد مثل الكلاب؛ ومن ذلك يعروني الرعب، وسيعروني دائمًا من الغدران المتجمدة"(45)

    " وبينما كنَّا نسير في الوسط، الذي يتجمَّع عنده كلّ ثِقل، كنت ارتعد في الزمهرير الأبديّ"(46).

    من هذا يتَّضح أنَّ كاتب برنابا المزيِّف إطَّلع علي جحيم دانتي وإستعان به، فهما قد اتَّفقا في أغلب النقاط الرئيسيَّة ولم يختلفا إلاَّ في عدد الدركات التي هي عند دانتي تسع بينما هي عند هذا الكاتب المزوِّر سبع، ولكن عند التأمُّل يتَّضح لنا أنَّ كاتب برنابا حذف دركتين يختلفان عن فكره، وهما الخاصَّتان الأطفال غير المعمَّدين(47) والدجَّالون أو الهراطقة(48).

    وهنا نعلِّق علي قول الناشر " أنَّ موافقة بعض ما جاء في إنجيل برنابا لبعض ما ورد في شعر دانتي يُمكن أنْ يُعلَّل بأنَّ دانتي إطَّلع عليه وأخذ منه إذا لم يكنْ ذلك من قُبيل توارد الخواطر "!!

    ويبدو من هذا الكلام قصور في المعرفة عن دانتي وعصره، فقد كان، هذا الفكر، شائعًا في عصره وقبل عصره، يقول الأستاذ عباس محمود العقاد " الشاعر دانتي قد نقل صورة الجحيم في قصَّته من مصادر معروفة له ولغيره، ومنه ما يرجع إلي هوميروس وقصائد شعر الرومان وأساطير التلمود "(49). كما أنَّ الكتاب لم يُعرف ولم يُسمع عنه شيئًا إلاَّ بعد دانتي بحوالي 250 سنة علي الأقلّ، وكما هو واضحٌ فالكتاب لم يُكتبْ قبل سنة 1575م، كما برهنت الدراسات الأثريَّة للمخطوطة الإيطاليَّة، وما قيل عن المخطوطة الأسبانيَّة، وعلي ذلك. وبالتالي فلا يُمكن أنْ يكون دانتي قد إطَّلع عليه أو عرفه وكذلك أهل زمانه.

    خامسًا: المطهر:

    ثمَّ يتكلّضم الكاتب عن العذاب المؤقَّت في الجحيم! وهو ما يُسَمَّي عند الكاثوليك بالمطهر فيقول في (ف136): " أمَّا المؤمنون فسيكون لهم تعزية لأنَّ لعذابهم نهاية، فذعر التلاميذ لما سمعوا هذا وقالوا: أيذهب المؤمنون إلي الجحيم؟ فقال يسوع يتحتَّم علي كلِّ أحدٍ أيًّا كان أنْ يذهب إلي الجحيم، بيد أنَّه مالا مشاحة فيه أنَّ الأطهار وأنبياء اللَّه إنَّما يذهبون إلي هناك ليشاهدوا لا ليكابدوا عقابًا، أمَّا الأبرار فإنَّهم لا يكابدون إلاَّ الخوف 000 أمَّا ما يختصّ بالمؤمنين الذين لهم إثنان وسبعون درجة مع أصحاب الدرجتَين الأخيرتَين الذَين كان لهم إيمان بدون أعمال صالحة، إذ كان الفريق الأوَّل حزينًا علي الأعمال الصالحة والآخر مسرورًا بالشرَّ - فسيمثكون جميعًا في الجحيم سبعين ألف سنة " !!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (45) أنشودة 32: 22- 26 .

    (46) أنشودة 32 :73 ، 74 .

    (47) لم يذكر هذا الكاتب المزوّر العماد نهائياً ، كما حزف شخصية يوحنا المعمدان نهائياً !!

    (48) أنظر مجلة عالم الفكر م 15 عدد 3 .

    (49) الأخبار في 26 / 10 / 1959 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 148-

    وهو هنا يتكلَّم عن حتميَّة دخول الجميع الجحبم للتطهير من الخطايا، سواء بمشاهدة العذابات وبالتالي مكابدة الخوف أو بأنْ يمكث البعض في الجحيم سبعين ألف سنة!! وهذا ما يُسَمَّي عن الكاثوليك بالمطهر، والذي تقوم فكرته علي أساس تطهير النفوس من الآثام بالنيران والعذاب في الآخرة إذا لم تُكَفِّر النفس عن آثامها في هذه الدنيا!! أي تظلّ النفس في مكانٍ ما في الجحيم يُسَمَّي بالمطهر إلي أنْ يتمّ تطهيرها تمامًا ثمَّ تُغادر بعد ذلك المطهر!! ويقولون أنَّ النفس البارَّة لا تدخل السماء حالاً بعد الدينونة وإنَّما غالبًا تدخل المطهر، وهو عذاب أليم به تقي النفس ما تبَّقي عليها من عذاب زمنيّ " إنَّ الذين يخرجون من هذه الحياة وهم نادمون حقيقة، وفي محبَّة اللَّه، ولكن قبل أنْ يكفِّروا عن خطاياهم وإهمالاتهم بأعمال توبة وافية، تتطهَّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهِّرة "(50).

    وقد إنتشرت قصص المطهر في النصف الثاني من القرن الثاني عشر في أوروبا. وتحدَّد المطهر كعقيدة عند الكاثوليك في مجمع ليون سنة 1247م، ثمّ تأكَّد، بعد عهد دانتي، في مجمع فلورنسا سنة 1439م، ثم في مجمع ترنت في الفترة من 1545م إلى سنة 1563م(51).

    وهذا يدلّ علي أنَّ هذا الكاتب المزوِّر كتب كتابه المزيَّف هذا بعد الشاعر الإيطالي دانتي أليجييري المتوفي سنة 1321م بمدَّةٍ طويلةٍ، أو علي الأقلّ في العصور الوسطي، وأنَّه لم يكنْ أبدًا لا من تلاميذ المسيح ولا من عصره ولا من فلسطين، وإنَّما هو أوروبِّي عاش في القرون الوسطي وبعد المسيح بأكثر 1400 سنة علي الأقلّ.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (50) أنظر كتاب قداسة البابا شنودة الثالث " لماذا نرفض المطهر ؟ " ص 10 .

    (51) أنظر مقدمة الجزء الثاني من الكوميديا الإلهية ، المطهر ، ترجمة حسن عثمان ص 15و16 .

    ــــــــــــــــــــــ

    الفصل الثالث عشر : خرافة خلقة الإنسان وسقوط الشيطان

    أولاً: خرافة خلقة الإنسان والكلب:

    وصف الكاتب خلقة الإنسان وصوَّرها بأسلوبٍ خرافيٍّ خياليٍّ ساذجٍ يختلف عمَّا جاء في الكتاب المقدَّس وما جاء في إلاسلام ويتَّفق مع الأفكار الخرافيَّة للديانات الوثنيَّة والبدائيَّة!!

    1- جاء في (ف6:35-8) " لما خلق اللَّه كتلة من التراب وتركها خمسًا وعشرين ألف سنة بدون أنْ يفعل شيئًا آخر، علم الشيطان الذي كان بمثابة كاهن ورئيس للملائكة لما كان عليه من الإدراك العظيم أنَّ اللَّه سيأخذ من تلك الكتلة مائة وأربعة وأربعين ألفًا موسومين بسمة النبوَّة 000 ولذلك غضب الشيطان فأغري الملائكة قائلاً: " أنظروا، سيُريد اللَّه يومًا ما أنْ نسجد لهذا التراب، وعليه فتبصروا في أننا روح وأنَّه لا يليق أنْ نفعل ذلك " !

    2- وجاء في (ف26:35-37) " وبصق الشيطان أثناء إنصرافه علي كتلة التراب فرفع جبريل ذلك البصاق مع شيء من التراب فكان للإنسان بسبب ذلك سرَّة في بدنه " !!

    3- وجاء في (ف3:39-12) " لما طرد اللَّه الشيطان وطهَّر الملاك جبريل تلك الكتلة من التراب التي بصق عليها الشيطان 000 فاقترب الشيطان يومًا من أبواب الجنَّة، فلمَّا رأى الخيل تأكل العشب أخبرها أنَّه إذا تأتى لتلك الكتلة من التراب أن يصير لها نفس أصابها ضنك، ولذلك كان من مصلحتها أنْ تدوس القطعة من التراب علي طريقة لا تكون بعدها صالحة لشيء، فثارت الخيل وأخذت تعدو بشدة على تلك القطعة من التراب التي كانت بين الزنابق والورود، فأعطى اللَّه من ثمَّ روحًا لذلك الجزء النجس من التراب الذي وقع عليه بصاق الشيطان الذي كان قد أخذه جبريل من الكتلة وأنشأ الكلب فأخذ ينبح فروَّع الخيل فهربت " !!

    4- وجاء في (ف3:123) " أنَّ إلهنا 000 صنع مركبًا من أربعة أشياء متضاربة ووحَّدها في شبحٍ واحدٍ نهائيٍ هو الإنسان، وهى: التراب والهواء والماء والنار ليعدل كلٍّ منها ضدَّه. وصنع من هذه الإشياء الأربعة إناءً وهو جسد الإنسان "!!

    وتتلخَّص هذه الرواية الخرافيَّة الساذجة والتي توضِّح فكر الكاتب المزيِّف والمزوِّر والخرافيّ التفكير في:

    (أ) ترك كتلة التراب مدة 25,000 سنة: فهو يقول أنَّ اللَّه خلق كتلة التراب ثم تركها مدَّة 25,000 سنة دون أنْ يفعل بها شئ !! لماذا ؟! لماذا ترك اللَّه كتلة التراب طوال هذه المدة ؟!!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 150-

    (ب) كان الشيطان كاهنًا وعلامًا للغيوب؟! وكان ذا إدراك عظيم؟! لذلك علم بما ستصير إليه كتلة التراب؟! ماذا يقصد الكاتب بقوله أنَّ الشيطان " كان بمثابة كاهن"؟! هل يقصد الكهانة أم الكهنوت، وكلاهما لم يُوجد إلاَّ بعد خليقة الإنسان؟!! .

    وهل كان الشيطان علامًا للغيوب مثل اللَّه وعنده نفس علم اللَّه فيعرف ما سيصير إليه الإنسان وما سيفعله في المستقبل؟!! والإجابة هي بالقطع، كلا وحاشا، فلم يكنْ الشيطان يومًا ما كاهنًا، ولم يكنْ يومًا ما علامًا بالغيوب والمستقبلات ومصير المخلوقات. فهذا يخصّ اللَّه وحده لا سواه .

    (ج) خروج المادة من الروح: بصق الشيطان علي كتلة التراب ورفع جبريل البصاق مع شيء من التراب!! والشيطان روح والبصاق مادة، فكيف تخرج المادة من الروح ؟!!

    (د) تعليل سبب وجود السرَّة في بطن الإنسان: تصوَّر الكاتب بفكره الخرافيّ الساذج أنَّ سبب وجود السرَّة في بطن الإنسان راجع لرفع جبريل لبصاق الشيطان من علي كتلة التراب؟! دون أنْ يدري أنَّ آدم لم يكنْ له سرَّة إطلاقًا، فالسرَّة هي من بقايا الحبل السرِّيّ الذي كان يمدّ الجنين بالغذاء في رحم الأمّ من خلال المشيمة، ولم يكن آدم يومًا ما جنينًا في بطن أمّ !

    (ر) الشيطان يحرِّض الخيل لتفسد كتلة التراب حتَّي لا يُخلق آدم: صوَّر هذا الكاتب المزوِّر الشيطان وهو يحرِّض الخيل لتفسد كتلة التراب بحُجَّة ما سيصيبها من ضنكٍ علي يدِ الإنسان الذي سيخلق من هذه الكتلة من التراب، وهيجان الخيل عليها ومحاولته إفسادها! فهل يقبل العقل هذا الهراء؟! وهل لو كان الخيل قد أفسد كتلة التراب، كما يتصوَّر هذا الكاتب المزوِّر الخرافيّ التفكير ، يجعل اللَّه يعجز عن خِلقة الإنسان ؟!!

    (ز) خِلقة الكلب من بصاق الشيطان والتراب النجس: زعم أنَّ اللَّه خلق الكلب من ذلك الجزء النجس، التراب الملوث ببصاق الشيطان، ليُخيف الخيل حتَّي لا تفسد كتلة التراب؟! فهل يتَّفق هذا الهراء وهذه الخرافات مع عظمة اللَّه وجلاله وقدرته الكليَّة ؟!!

    (س) أنَّ الإنسان مخلوق من أربعة مواد متناقضة هي: التراب والهواء والماء والنار!! وهو ينقل هنا فكر بعض القدماء وقول المنجِّمين الذين حاولوا بهذا الفكر تعليل طبائع البشر! فقالوا أنَّ لكلِّ إنسان إمَّا طابع ترابيّ أو هوائيّ أو مائيّ أو ناريّ وربطوا ذلك بيوم ولادته واسم أمِّه !

    وهذا الخليط أو المزيج من الأفكار الخرافيَّة الساذجة نجد مصدره في أساطير القبائل البدائيَّة المتخلِّفة التي نقلها الرحَّالة والبحَّارة والتجَّار العائدين من بلاد الشرق

    ــــــــــــــــــــــ

    - 151-

    والأمريكتين(1)، إلي جانب تراث قبائل شمال أوروبا، وتتلخَّص أفكار هذه الأساطير الخرافيَّة لهذه القبائل في محاولة الشيطان إفساد كتلة التراب التي يقول أنَّ اللَّه أراد أنْ يخلق منها الإنسان الأوَّل وبصاق الشيطان عليها وهياج الخيل لإفسادها وخلقه الكلب لحراستها. وفيما يلي بعض هذه الخرافات التي تَكَوَّن منها فكر هذا الكاتب المزوِّر لإنجيل برنابا المزيِّف الخرافيّ التفكير :

    1- يحكي " الشريميون " في روسيا وهم قوم من أصل فنلندي: أنَّ الإله شكَّل جسم الإنسان من الطين ثم صعد إلي السماء ليحضر الروح الذي يُحيي به الإنسان، بعد أنْ ترك الكلب يحرس التمثال في غيابه، فخُدع الكلب من الشيطان الذي بصق علي التمثال فلوَّثه بطريقةٍ قذرةٍ جدًا لدرجة لم تًمَكِّن الإله من تنظيفه، فإضطرّ أنْ يقلب الإنسان ظهرًا لبطن وهذا هو السبب في أنَّ باطن الإنسان قذر كل القذارة "(2).

    2- ويروي سكان " أسام ": أنَّ اللَّه خلق الإنسان في بادئ الأمر ووضعه علي الأرض فحطَّمه الروح الشرير ولما حدث ذلك مرّضة أخري خلق الإله الكلب أوَّلاً والرجل ثانيًا، فسهر الكلب علي حراسة الرجل ومنع الروح الشرير من أنْ يصيبه بأذي "(3).

    3- وتروي قبيلة " الكوركوس " التي تقطن الأقاليم الوسطي في الهند: " أنَّ الإله صنع تمثالَين للرجل والمرأة من التربة الحمراء، فبزغ حصانان ناريَّان من الأرض أرسلهما " أندرا " فأحالا التمثالين إلي تراب ولما تكرَّر ذلك مَرَّتَين صنع الإله تمثالاً للكلب ونفس فيه نفس الحياة فاستطاع الكلب أنْ يُبعد حصانيّ " أندرا " الناريَّين عن التمثال، فصنع الإله الرجل والمرأة دون إزعاج "(4).

    4- وهناك رواية أخري شبيهة ترويها قبيلة " موندا " البدائيَّة في " شوتانجبور "، تقول " أنَّ إله الشمس سنجبونجا شكَّل تمثالَين لرجلٍ وامرأةٍ وقبل أنْ يمنحهما الحياة داسهما الحصان بحوافره ناظرًا بعين المستقبل إلي ما يمكن أنْ يلقاه منهما من متاعب "(5).

    وفي هذه الخرافات البدائيَّة نجد كلّ عناصر رواية كاتب إنجيل برنابا المزيِّف، الخرافيَّة !!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) قال ول ديورانت في موسوعته قصة الحضارة مجلد 6 جـ 1 : 37 أزاح كشف أمريكا وارتياد بلاد الشرق ارتيادا في الاتساع 000 الستار عن مائة أمة كانت ترفض الأيمان بالمسيح 000 وكانت لها أديان أخرى 000 وجاء

    الرحالة العائدون من بلاد " الكفرة " ببعض العقائد التي أخذت تنازع العبادات والعقائد المسيحية فأخذت هذه العقائد المتنافسة تصطرع في الأسواق الثور " .

    (2) الفلكلور في العهد القديم ، جيمس فر يزر ترجمة د . نبيلة إبراهيم جـ 1 : 29 .

    (3) المرجع السابق ص 38 .

    (4) السابق ص 38 ،39 .

    (5) السابق ص 39 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 152-

    ثانيًا: وصف الشيطان وسقوط آدم وحواء:

    رسم هذا الكاتب المزوِّر صورة خرافيَّة خياليَّة للشيطان تجمع بين ما جاء في الكتاب المقدَّس وما يُروي من خرافات خياليَّة ساذجة نابعة من أساطير الأوَّلين كالأغريق الرومان وقبائل شمال أوروبا والهنود، فجاءت الصورة خرافيَّة خياليَّة ساذجة ومتخلِّفة.

    1- كبرياء كوكب الصبح: أخذ الكاتب بعض الأفكار من سفري أشعياء وحزقيال ونسبها لأشعياء فقط وقال: " أنَّ الشيطان لم يُخذلْ إلا بخطيئة الكبرياء، كما يقول النبي أشعيا موبِّخًا إيَّاه بهذه الكلمات: كيف سقطت من السماء يا كوكب الصبح يا من كنت جمال الملائكة وأشرقت كالفجر " (ف11:34-13) .

    والنص هنا خليط بين ما جاء في سفر أشعياء وما جاء في سفر حزقيال، ولكنَّه نسبه خطأ لأشعياء فقط(6)، وهذه عادته دائمًا الخلط والتحريف والتبديل!

    2- التحدِّي الأعظم بين اللَّه والشيطان!! وفي (ف 35) يصوِّر الشيطان وهو يحرِّض الملائكة ويثيرهم ضدّ اللَّه، حتَّي يعصوه ولا يطيعوا أمره، فيقول : " ثم قال اللَّه يومًا لما إلتأمت الملائكة كلّهم: " ليسجد توًا كلّ من إتَّخذني ربًا لهذا التراب ". فسجد له الذين أحبُّوا اللَّه، أمَّا الشيطان والذين كانوا على شاكلته فقالوا : " يا رب، إننا روح ولذلك ليس من العدل أنْ نسجد لهذه الطينة"!! والتراب هنا هو الكتلة التي خُلق منها آدم، وهو هنا يصوِّر الملائكة تقف في صفِّ الشيطان وتتجرأ علي الله وتنسب له الظلم وتتهمه بعدم العدل !!

    ثم يكشف الكاتب عن فكره الخرافيّ الساذج ويقول أنَّ " الشيطان مُسِخَ وأصبح كائن مخوف ومهول النظر وأزال اللَّه جمال أتباعه فصاروا مقبحين، ولما رأي الملائكة الباقين شدَّة قبح الهول " التي تحوَّل الشيطان إليها، خرُّوا علي الأرض خائفين ومذعورين !! فيقول في (ف35) أيضًا " ولما قال الشيطان ذلك أصبح هائلاً ومخوف النظر وأصبح أتباعه مقبوحين لأنَّ اللَّه أزال بسبب عصيانهم الجمال الذي جمَّلهم به لما خلقهم، فلمَّا رفع الملائكة الأطهار رؤوسهم رأوا شدَّة قبح الهولة التي تحوَّل الشيطان إليها، وخرَّ أتباعه علي وجوههم إلي الأرض خائفين، حينئذ قال الشيطان: " يا رب إنَّك جعلتني قبيحًا ظلمًا، ولكنني راضٍ بذلك لأنِّي أروم أنْ أبْطل كل ما تفعل " وقالت الشياطين الأخري : لا تدعه ربًا يا كوكب الصبح لأنَّك أنت الربّ " !!

    وما يرويه هنا فهو صورة صبيانيَّة، خرافيَّة، خياليَّة ساذجة، فيقول أنَّ الشيطان وقف أمام الله متحديًا ومجدِّفًا ومتهمًا إيَّاه بالظلم " أنَّك جعلتني قبيحًا ظلمًا ولكنِّي راضٍ بذلك لأنِّي روم أنْ أبْطل كلّ ما فعلت ". ثمَّ يقول بشكلٍ صبيانيٍّ ساذجٍ: " وقال الشياطين الآخرون:لا تدعه ربًا يا كوكب الصبح لأنَّك أنت الربّ "! يقول هذا أمام اللَّه!! ثم يستكمل خرافته قائلاً: " حينئذ قال اللَّه لأتباع الشيطان توبوا واعترفوا بأنني أنا اللَّه خالقكم أجابوا " أننا نتوب عن سجودنا لك لأنَّك غير عادلٍ وبريء وهو ربّنا " ؟!! هل هذا كلام يرويه السيِّد المسيح؟!! وهل يستجدي اللَّه سجود مخلوقاته له؟!! وهل اللَّه كائن محدود في كلِّ شيء وضعيف ومهزوز وعاجز بهذه الصورة؟!! وهل يجرؤ مخلوق ما علي الحديث في حضرة اللَّه بهذه الصورة الكفريَّة التي لا يعادلها كفر؟!! وهل يجرؤ الشياطين علي تحدِّي اللَّه وسبِّه في حضرته ونزع لقب ربّ منه وإعطاؤه للشيطان؟!!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (6) أنظر أشعياء 14: 12- 13 وحزقيال 28 : 12 - 17 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 153-

    إنَّ هذا الفصل وحده كافٍ لإثبات أنَّ هذا الكاتب المزوِّر الخرافيّ التفكير لا يعرف اللَّه ويستحيل أنْ يكون أحد تلاميذ المسيح، وإنَّما هو كافرٌ ومجدِّفٌ علي اللَّه وعلي مسيحه وعلي كتابه المقدَّس!

    يذكر الوحي الإلهي في الكتاب المقدَّس هذه الصفات عن اللَّه، الكائن السامي وليس إله كاتب إنجيل برنابا المزيِّف، المجدِّف علي اللَّه!

    " اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ" (يو1/18).

    " الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ، مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ" (1تي6/15-16).

    " أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! " (يع2/19). إنَّهم يؤمنون باللَّه ويقشعِّرون، فاللَّه ساميٌّ وغير مدركٍ بحواس المخلوقات أيًّا كانت " وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ مَنْ هُوَ الاِبْنُ إِلاَّ الآبُ وَلاَ مَنْ هُوَ الآبُ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ " (لو10/22).

    وكان سبب سقوط الشيطان، ليس ما زعمه كاتب إنجيل برنابا المزيَّف، بل أنَّه تكبَّر وأراد أنْ يصير مثل اللَّه في عيون الملائكة وأنْ يرفع كرسيه فوق كواكب اللَّه فسقط في الإثم برغم كماله وجماله وحكمته التي خُلق فيها(7)، فلم يشفقْ اللّه عليه بل طرحه في الظلام. يقول الكتاب المقدَّس " وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ." (يه6)، " لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ" (2بط2/4).

    ثالثًا: الشيطان وسقوط الإنسان:

    1– تحريم التفاح والحنطة: وفي الفصول 39 إلي 41 يصوِّر الكاتب السقوط الإنسانيّ بصورة أكثر خرافيَّة وسذاجة مما سبق، فيقول أنَّ اللَّه لما خلق آدم وحواء وسمح لهما بالأكل من كلِّ ثمار الجنَّة خلا التفاح والحنطة " وقال لهما الله: أنظرا إنِّي أعطيكما كلّ ثمر لتأكلا منه خلا التفاح والحنطة، إحذرا أنْ تأكلا شيئًا من هذه الأثمار لأنَّكما تصيران نجسَين، فلا أسمح لكما بالبقاء هنا بلّ أطردكما ويحلّ بكما شقاءٌ عظيمٌ " (ف36:39-39)!! ولماذا التفاح والحنطة بالذَّات؟!! ولماذا يسمح اللَّه لنا بأكلهما باستمرار؟!!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (7) أنظر التصوير الرمزي في أشعياء 12:14-13 ، . والمقصود به أصلاً ملك بابل ، وحزقيال 12:28-17 والمقصود به ملك صور .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 154-

    وهذه الكلمات تضعنا أمام عدَّة أسئلة: هل يُمكن أنٍ يكون اللَّه قد حرَّم عليهما أكل التفاح والحنطة؟! وهل كان التفاح والحنطه يومًا ما من المحرَّمات؟! وهل أكلهما ينجسّ؟! وهل يُمكن أنٍ يكون مجرَّد الأكل منهما يُسّبِّب لهما الطرد من الجنَّة وحلول الشقاء العظيم؟!

    والإجابة بالقطع كلا، وغير مقبولة دينيًا وعقليًا ولا أثر لها في الأديان السماويَّة، إنَّما هي مجرَّد أفكار أخذها الكاتب المزوِّر من خرافات وأساطير الأوَّلين، فقد جاء في كتاب " اليزيديَّة بقايا دين قديم " : " وفي اليوم التالي كانت أوامر الباري تقضي بخلق آدم من نارٍ وهواءٍ وترابٍ. فقام طاووس ملك بتشكيل ذلك، ثم نفخ في أذن آدم بصرنابه ثلاث مرَّات وبعد ذلك قاده فأدخله الفردوس حيث بقي هناك أربعين سنة بعد أن خُلقت حواء من إبط آدم الأيسر. وجاءت الأوامر الإلهيَّة لآدم أنْ يأكل من جميع ثمار الفردوس عدا الحنطة فلا يجوز أنْ يأكل منها، غير أنَّ نسل لآدم إن لم يأكل من الحنطة، فسمح اللَّه لطاووس ملك أنْ يتصرَّف بما يراه طاووس ملك فاتح اللَّه تعالي في موضوع تناسل الجنس البشري وأنَّه لن يكون هناك أصلح "(8).

    وقد جاء في الكتاب المقدَّس أنَّ اللَّه نهي آدم وحواء عن الأكل من ثمار شجرة معرفة الخير والشر (تك2/16-17)(9) التي غرسها لاختبار أمانة الإنسان وطاعته وخضوعه لإرادة اللَّه ومشيئته، ولم يحدِّدْ نوع ثمارها. وهنا يختلف فكر الوحي الإلهيّ الساميّ عن أفكار الكاتب المزيِّف الخرافيّ التفكير .

    2– كيفيَّة دخول الشيطان الجنة: وعندما يصف الكاتب دخول الشيطان الجنَّة يروي رواية خرافيَّة تتناسب مع فكره الخرافيّ، فزعم أنَّ حارس الجنَّة عبارة عن حيَّة خرافيَّة " حيَّة مخوفة لها قوائم كجمل وأظافر أقدامها محدَّدة من كلِّ جانب كموس "!! وهذه صورة مستوحاة من أساطير الأغريق والفُرس وروايات ألف ليلة وليلة العربيَّة !! ولما أراد أنْ يدخل الجنَّة قال للحيَّة "إفتحي فاك فأدخل بطنك، فمتي دخلت إلي الجنَّة ضعيني بجانب هاتين الكتلتين من الطين اللتين تمشيان حديثًا"!! ففعلت الحيَّة ذلك لأنَّه قال لها واعدًا " فإذا أدخلتني الجنَّة أجعلك رهيبة حتَّي أنَّ كلّ أحدٍ يراك يهرب منك "!!

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (8) جورج حبيب . دار بترا للطباعة والنشر . دمشق . سوريا ط2 سنة 1996 ص 16 و إنجيل برنابا بين المؤيدين والمعارضين هامش ص 266 .

    (9) ويقزل القرآن أيضاً " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ( البقرة 35) ، " فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( الأعراف 20) ، " فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ( الأعراف 22).

    ــــــــــــــــــــــ

    - 155-

    ووضعت الحيَّة الشيطان إلي جانب حوَّاء بينما كان زوجها آدم نائمًا، وبعد أنْ سألها عمَّا قاله اللَّه لهما وأجابته قال لها " أنَّه (الله) لم يقلْ الصدق، فيجب أنْ تعرفي أنَّ اللَّه شرِّير وحسود ولذلك لا يحتمل أندادًا ولكنَّه يستعبد كلَّ أحدٍ "!!

    فهل يجرؤ الشيطان أنْ يتَّهم اللَّه صراحةً وعلانيةً بالكذب؟!! وهل يجرؤ أنٍ يقول عن اللَّه أنَّه حسودٌ وشرِّير ٌ؟!! وهل يقبل إنسان عاقل هذا الفكر وهذا التجديف علي اللَّه ؟!! فقط كاتب برنابا المزوِّر الخرافيِ التفكير هو الذي يتخيَّل هذا الهراء ؟!!

    3– سبب وجود البروز الناتيء في حنجرة الإنسان: ويكشف الكاتب المزوِّر عن جهله وفكرة الخرافيّ فينسب وجود الغضروف في حلق الإنسان المعروف عند العامَّة بـ " تفَّاحة آدم " لوضع آدم يده في حلقه لمنع نزول الطعام إلي جوفه؟!! فيقول في (ف24:40-28) " فأخذت حوَّاء حينئذ وأكلت من هذه الأثمار، ولما إستيقظ زوجها أخبرته بكلِّ ما قاله الشيطان، فتناول منها ما قدَّمته له وأكل، وبينما كان الطعام نازلاً ذكر كلام اللَّه فلذلك أراد أنْ يُوقف الطعام، فوضع يده في حلقه حيث كلّ إنسان له علامة " !!

    وهو هنا يتصوَّر أنَّ هذا البروز في حنجرة الإنسان (كرجل) ناتج من وضع آدم ليده في حلقه ليمنع نزول الطعام؟!! ولايُدرك أنَّ هذا البروز موجود أيضًا في المرأة التي لم تحاول منع نزول الطعام؟!! فهو يعلِّل وجود الإشياء وظواهرها بأسلوبٍ خرافيٍّ يدلّ علي عقليَّته الخرافيَّة!! فهذا الغضروف البارز في حنجرة الإنسان والمعروف عند العامَّة بتفاحة آدم هو أحد الغضاريف التسعة التي تتكوَّن منها الحنجرة وهو أكبرها وبرغم أنَّه أكثر بروزًا في الرجل إلاَّ أنَّه موجود في المرأة كما هو في الرجل، ويُشبه الكتاب المفتوح للداخل، وقد خُلق هكذا ليُحدث، مع العضلات والأعصاب والأوتار التي تتحرَّك تحت تأثير هواء الزفير الصاعد من القصبة الهوائيَّة، الصوت.

    4– سبب زحف الحيَّة: كما يتصوَّر، الكاتب، أيضًا أنَّ زحف الحيَّة راجعٌ إلي تقطيع أرجلها بسيف الملاك ميخائيل، فيزعم أنَّ اللَّه قال للملاك ميخائيل " أطرد أوَّلاً من الجنَّة هذه الحيَّة الخبيثة ومتي صارت خارجًا فإقطع قوائمها فإذا أرادت أنْ تمشي يجب أنْ تزحف " !!! فهل تزحف الحيَّات لأنَّ الملاك ميخائيل قطع أرجل الحيَّة حارسة الجنَّة!! كلا، يقول الكتاب المقدَّس لأنَّ اللَّه لعنها قائلاً : " عَلَى بَطْنِكِ تَسْعِينَ" (تك3/14)، ولم يقطع أرجلها !!

    يقول العلم أنَّ قطع أيّ جزء من جسم الكائن الحيّ لا يُؤثِّر علي مولوده، فلو افترضنا جدلاً أنَّ وجود السرَّة في بطن الإنسان راجع لرفع جبريل لبصاق الشيطان وأنَّ الغضروف البارز في حنجرة آدم وُجد بسبب وضع يده في حلقه وأنَّ الحية صارت تزحف لأنَّ الملاك قطع أرجلها فمن الطبيعي أنْ لا يُؤثِّر ذلك علي نسلهما، لأنَّ جميع المعلومات الوراثيَّة للكائن الحيّ مخزونة في الأحماض النوويَّة DNA داخل الخليَّة، وعندما يتَّحد الحيوان المنويّ للذكر ببويضة الإثني تظهر صفات وخصائص الكائن الحيّ ونوعه(10).

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (10) أنظر كتاب " مبادئ علم الوراثة " أ . ج. جارد نر ، د . ب . سنستاه . ترجمة مجموعة من أساتذة علم الوراثة

    ــــــــــــــــــــــ

    - 156-

    5– الختان: والكاتب كعادته يُناقض نفسه ويزعم في (ف3:23-11) أنَّه " لما أكل آدم الإنسان الأوَّل الطعام الذي نهاه اللَّه عنه في الفردوس مخدوعًا من الشيطان عصي جسده الروح فأقسم قائلاً تالله لأقطعنَّك فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطعه بحدِّ الشظية فوبَّخه الملاك جبريل على ذلك " فأجاب (آدم) لقد أقسمت باللَّه أنْ أقطِّعه فلا أكون حانثًا "!! "حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها فكما أنَّ جسد كلّ إنسان من جسد آدم وجب عليه أنْ يراعي قسم آدم ليقومن به، وحافظ آدم علي فعل ذلك في أولاده، فتسلسلت سُنَّة الختان من جيلٍ إلى جيلٍ " !!

    ومع ذلك لم يُولد كلّ إنسان مختونًا ولم يرثْ أحد الختان لأنَّ آدم قام بختان نفسه، كما يزعم!! بل يزعم أنَّه بسبب ذلك وجب علي كلّ بني آدم الختان " فتسلسلت سنة الختان من جيل إلى جيل "!! وبالرغم من أنَّ هذه خرافة أخري من خرافاته، فهي تكشف عن تناقضه وتخبّطه الدائم.

    6– جآر الشيطان: ثمَّ يرسم الكاتب صورةً أخري خرافيَّة خياليَّة مستوحاه من الخرافات التي يمتلئ بها فكره للشيطان عندما حان دوره للعقاب يقول " فجأر الشيطان جآرًا مخوفًا وقال (لله): لما كنت تريد أنْ تصيِّرني أردأ مما أنا عليه فأنا سأجعل نفسي كما أقدر أنْ أكون" (ف21:41-42)!! وهذه الصورة وجآر الشيطان المخوف يشبهان جآر الحيوانات الخرافيَّة التي حاربها السندباد البحريّ في روايات ألف ليلة وليلة!!

    والسؤال هنا: لماذا أتي الشيطان أمام اللَّه يجأر بهذه الصورة؟!! هل يتصوَّر الكاتب أنَّه يفعل ذلك ليُخيف اللَّه وهو الذي يؤمن به ويقشعر؟!! وهل يجرؤ الشيطان أو أي مخلوق أنْ يتحدَّي اللَّه ويسخر منه هكذا ؟!!

    والجواب: حاشا للّه وكلا!! إنَّما هو فكر الكاتب المزيِّف، الخرافيّ التفكير، والعجيب بل والغريب حقًا أنَّه يقول " فبكي التلاميذ بعد هذا الخطاب وكان يسوع باكيًا " (ف1:42)!! لماذا هذا البكاء ؟!!

    رابعًا: محاولة المسيح عقد صلح بين اللَّه والشيطان!!

    ويزعم هذا الكاتب المزوِّر أنَّ السيِّد المسيح أشفق علي الشيطان وأراد أنْ يصنع صلحًا بينه وبين اللَّه!! فإستجاب اللَّه ليسوع ووعده بأنْ يصفح عن الشيطان إذا قال للَّه " أخطأت فإرحمني " ففرح المسيح بذلك ودعا الشيطان، ولكنَّه يزعم أنَّ الشيطان رفض هذا العرض وسخر منه ومن المسيح!! فيقول في (ف51) " أجاب يسوع: الحق أقول لكم إنِّي عطفت علي الشيطان لما علمت بسقوطه، وعطفت علي الجنس البشريّ الذي يفتنه ليُخطيء لذلك صلَّيت وصُمْتُ لإلهنا الذي كلَّمني بواسطة ملاكه جبريل: ماذا تطلب يا يسوع وما هو سؤالك؟

    ــــــــــــــــــــــ

    - 157-

    أجبت يا ربّ أنت تعلم أيّ شرٍّ كان الشيطان سببه وأنَّه بواسطة فتنته يُهلك كثيرون وهو خليقتك يا رب الذي خلقت، فأرحمه يا رب، أجاب اللَّه: يا يسوع أنظر فأنِّي أصفح عنه، فأحمله علي أنْ يقول فقط " أيَّها الربّ إلهي أخطأت فإرحمني " فأصفح عنه وأُعيده إلي حالته الأولي" قال يسوع: " لما سمعت هذا سررت جدًا موقنًا أنِّي قد فعلت هذا الصلح لذلك دعوت الشيطان فأتى قائلاً: " ماذا يجب أنْ أفعل لك يا يسوع؟ أجبت: " إنَّك تفعل لنفسك أيَّها الشيطان، لأنِّي لا أحبّ خدمتك، وإذا دعوتك لما فيه صلاحك ". أجاب الشيطان: " إذا كنت لا تود خدمتي فإنِّي لا أود خدمتك لأنِّي أشرف منك، فأنت لست أهلاً لأنْ تخدمني أنت يا من هو طين وأمَّا أنا فروح". فقلت لنترك هذا وقل لي أليس حسنًا أنْ تعود إلي جمالك الأوَّل وحالتك الأولي، وأنت تعلم أنَّ الملاك ميخائيل سيضربك في يوم الدينونة بسيفِ اللَّه مئة ألف ضربة وسينالك من كلِّ ضربة عذاب عشر جحيمات. أجاب الشيطان: " سنرى في ذلك اليوم أيُّنا أكثر فعلاً، فإنَّه سيكون لي أنصار كثيرون من الملائكة ومن أشدّ عبدة الأوثان قوَّة الذين يُزعجون اللَّه، وسيعلم أي غلطة عظيمة إرتُكِبَتْ بطردي من أجل طينة نجسة". حينئذ قلت: " أيَّها الشيطان إنَّك سخيف العقل فلا تعلم ما أنت قائل ". فهزَّ حينئذ الشيطان رأسه ساخرًا وقال: " تعال الآن ولنُتمّ هذه المصالحة بيني وبين اللَّه، وقل أنت يا يسوع ما يجب فعله لأنَّك أنت صحيح العقل ". أجبت: " يجب التكلُّم بكلمتَين فقط ". أجاب الشيطان: " وما هما؟ " أجبت: " هما أخطأت فإرحمني ". فقال الشيطان: " إنِّي بمسرَّةٍ أقبل هذه المصالحة إذا قال اللَّه هاتين الكلمتَين لي "!!

    وفي هذا القصة الخرافيَّة غير المنطقيَّة واللامعقولة التي تُظهر مدي سخافة فكر هذا الكاتب المزوِّر نري عدَّة أمور لا يمكن لإنسانٍ فيه قُدرة علي التفكير أنْ يَقْبَلَها:

    1- الزعم بأنَّ الشيطان أشرف من المسيح: فيزعم أنَّ الشيطان قال للمسيح " أنِّي اشرف منك، فأنت لست أهلاً أنْ تخدمني أنت يا من هو من طين أمَّا أنا فروح "!! أيّ كفرٍ أو تجديفٍ أكثر من هذا؟!! الشيطان في نظر كاتب إنجيل برنابا المزيِّف أشرف من المسيح؟!! والمسيح لا يستحق وليس أهلاً أنْ يخدم الشيطان؟!! أيّ فكرٍ شيطانيٍّ دعاه يكتب هذا الكفر والتجديف؟!! والأعجب من ذلك أنَّه يُصوِّر المسيح وكأنَّه يُقِرّ كلام الشيطان هذا فلا يجيب عليه، بل يقول له " دعك من هذا " !!

    فهل يجرؤ الشيطان أنْ يزعم أنَّه أشرف من المسيح وهو الذي كان يصرخ أمامه قائلاً: " مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللَّهِ الْعَلِيِّ! أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ أَنْ لاَ تُعَذِّبَنِي! " (مر5/7)!!

    والكاتب كعادته يُناقص نفسه دائمًا، فيقول أنَّ الشياطين كانت تصرخ مرتعبة أمام المسيح وتقول " يا قدوس الله لماذا جئت قبل الوقت لتزعجنا " (ف2:21) .

    2– الزعم بأنَّ الشيطان سيجعل اللَّه يندم!! فيقول أنَّ الشيطان قال متحدِّيًا " فأنَّه سيكون لي (أنصار) كثيرون من الملائكة ومن أشرّ عبدة الأوثان قوَّة الذين

    ــــــــــــــــــــــ

    - 158-

    يزعجون اللَّه، وسيعلم (الله) أي غلطة ارتُكبت بطردي من أجل طينة نجسة"!! هل يقدر مخلوق ما علي إزعاج اللَّه؟!! وهل يمكن أنْ يفكِّر الشيطان أنَّ اللَّه أخطأ، وأنَّه سيجعله يندم ؟!! وهل يجرؤ الشيطان علي التفوُّه بهذه الأقوال الكفريَّة والتجديفيَّة وهو الذي يرتعب أمام اللَّه؟!!

    3– الشيطان يطلب من اللَّه أنْ يقول له " أخطأت فإرحمني "!! ومن أسوأ ما وصل إليه هذا الكاتب المزوِّر من كفرٍ وتجديفٍ هو قوله أنَّ الشيطان رفض أنْ يقول للَّه " أخطأت فإرحمني " والأسوأ هو ما يزعمه من أنِّ الشيطان قال " أنِّي بمسرِّةٍ أقبل هذه المصالحة إذا قال اللَّه هاتَين الكلمتَين لي"!! الشيطان يريد أنْ يقول اللَّه له " أخطأت فارحمني " !! أي كفرٍ أو تجديفٍ هذا ؟!! هل يقبل عقلٌ جاهلٌ أو متعلِّمٌ هذا الكفر والتجديف الذي سطرته يد هذا الكاتب المزوِّر والمزيِّف، الخرافيّ التفكير ، المجدِّف علي اللِّه وعلي مسيحه؟!!

    وهل يتصوَّر عقل أنَّ المسيح يطلب عقد صلح بين اللَّه والشيطان وهو القاتل عنه " ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو8/44).

    وهل يجرؤ الأشرار أنْ يتَحدُّوا اللَّه وهم الذين سيصرخون يوم الدينونة " وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: «اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْحَمَلِ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟»" (رؤ6/16-17)؟!! والكاتب نفسه أيضًا، كعادته، يُناقص نفسه ويقول " إنَّ الشياطين والمنبوذين مع الشيطان يبكون حينئذ حتَّي أنَّه ليجري من عين الواحد منهم أكثر مما في إلاردن ومع هذا فلا يرون الله " (ف14:55-15) !!

    وهذه أيضًا خرافة أخري من خرافاته، إذ كيف تنبع الماء من أعين الشياطين وهم الأرواح؟!! ومن أين سيأتي الأشرار بهذه المياه التي ستجري من عين كلِّ واحدٍ منهم؟!! وكيف يجري من عين الواحد ماء أكثر مما في نهر الأردن؟!! أليست هذه الخرافات تفوق خرافات ألف ليلة وليلة وخرافات الهنود الأغريق الرومان؟!!

    هذا هو ما يكتبه كاتب إنجيل برنابا المزيِّف.

    ــــــــــــــــــــــ

    الفصل الرابع عشر : إنجيل برنابا المزيف والعهد القديم

    إقتبس كاتب إنجيل برنابا المزيِّف آياتٍ كثيرةٍ ونصوصٍ عديدةٍ من كلِّ أسفار العهد القديم، ولكنَّه بدَّل وحذف وحرَّف أكثر مما نقله واستعان به وكالعادة سقط في أخطاءٍ لا حصر لها بسبب ميله الدائم للخيال والمبالغة، وربما أيضًا بسبب إعتماده علي الذاكرة في أغلب الأحيان دون الرجوع للنصِّ المكتوب! كما خلط بين ما هو شائع بين العامَّة والبسطاء والجهلاء، بسبب تحريم الكاثوليك قراءة الكتاب المقدَّس علي الشعب في العصور الوسطي، وبين ما هو مكتوب ثم ذكر كُتب لا وجود لها في كلِّ أسفار الكتاب المقدَّس!! وفيما يلي أهم الأخطاء التي سقط فيها:

    1- قال في (ف13:12) " وأحرق اللَّه ثلاث مدن شرِّيرة " ولم يذكر أسماء هذه المدن الثلاث، ولكن سفر التكوين يذكر أنَّ اللَّه أحرق، فقط، مدينتي " سدوم وعموره " وكل الدائرة المحيطة (تك19).

    2- وقال في (ف25:16) أنَّ عدد شعب بني إسرائيل الذين كانوا في البريَّة هو " ستمائة وأربعين ألف رجل خلا النساء والأطفال "، بينما يذكر سفر الخروج أنَّ عددهم التقريبيّ هو "سِتِّ مِئَةِ الْفِ مَاشٍ" (خر 12/37)، ويذكر سفر العدد أنَّ عددهم الدقيق هو " سِتَّ مِئَةِ أَلفٍ وَثَلاثَةَ آلافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ." (عد1/46)، أي أنَّ هذا الكاتب المزيِّف أضاف 40,000 للعدد التقريبيّ، و 450 ,36 للعدد الدقيق !!

    3- قال في (ف5:18) " قتلت إيزابل عشرة آلاف نبيّ حتَّي بالجهد نجا إيليَّا المسكين وسبعة آلاف من أبناء الأنبياء الذين خبأهم رئيس جيش أخاب " وهذا الرقم مبالغ فيه جدًا! فلم يذكر الكتاب المقدَّس عدد الذين قتلتهم إيزابل من الأنبياء (1مل18/4)، ولا يُمكن أنْ يصلْ عددهم إلي هذا الرقم الخياليّ! كما أنَّ الذين خبَّأوهم رئيس جيش أخاب مائة "100 " واحدٍ فقط من أبناء الأنبياء! (1مل18/4، 13).

    4- وقال في (ف33:23) أنَّ إيليَّا هرب من وجه إيزابل وعاني الإضطهاد وشظف العيش مدَّة سبع سنين! ولم يهرب إيليَّا بسبب اضطهاد إيزابل له! بل هرب بناء علي طلب اللَّه بعد أنْ تنبَّأ بأنَّه لن يكون طلّ ولا مطر إلاَّ عند قوله، وقد أغلقت السماء ولم تعطِ مطرَا مدَّة " مُدَّةَ ثَلاَثِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ" (لو4/25؛يع5/17). كما أنَّه لم يعانِ شظف العيش، كما يزعم هذا الكاتب المزوِّر، بل كان اللَّه يعوله عن طريق الغربان التي كانت " تَأْتِي إِلَيْهِ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ صَبَاحاً وَبِخُبْزٍ وَلَحْمٍ مَسَاءً، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنَ النَّهْرِ" (1مل17/6). ثم عاله اللَّه أيضًا عن طريق الأرملة التي بارك لها في كوار الدقيق وكوز الزيت اللذّين لم يفرغا حتَّي نزل المطر (1مل17/14-16).

    ــــــــــــــــــــــ

    - 160-

    5- ذكر الكاتب في الفصول من 26-30 قصَّةً طويلةً عن صناعة والد إبراهيم للأصنام وعبادته لها، وتحطيم إبراهيم لأصنام الهيكل، ومحاولة والده إبراهيم أنْ يحرقه، وكذلك محاولة عباد الأصنام، ونجاة إبراهيم علي يد ملاك! وهذه القصَّة غير موجودة بالكتاب المقدَّس!! ويبدو أنَّ الكاتب أخذ فكرتها من القرآن وأضاف إليها الكثير مما في التلمود!!

    6- وقال في (ف5:27) " إنَّ الله في زمن موسي مسخ ناسًا كثيرين في مصر حيوانات مخوفة لأنَّهم ضحكوا واستهزأوا بالآخرين"!! وهنا يُظهر تأثُّر الكاتب، كعادته دائمًا، بالخرافات الساذجة! فلم تردْ فكرة المسخ نهائيًا في الكتاب المقدس!!

    7- وقال في (ف22:33) أنَّه " لما صنع آباؤنا العجل وعبدوه أخذ يشوع وسبط لاوي السيف بأمر اللَّه وقتلوا مائة ألف وعشرين ألفًا"!! أي حوالي 20% من رجال إسرائيل، فهل هذا معقول؟!! بينما يذكر سفر الخروج عدد القتلي " الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاثَةِ الافِ رَجُلٍ " (خر32/28) فقط!! أي ضاعف العدد 40 مرة!! ولم يكنْ هناك ذِكْرٌ ليشوع في الحادث!!

    8- وقال في (ف11:44) " كيف يكون إسحق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل بن سبع سنين؟". ولكن إسماعيل لم يكن عمره سبع سنين لما ولد اسحق، بل أربعة عشر سنة (تك17/25) !! أي حذف سبع سنين!!

    9- وقال في (ف14:45) " الإنسان (كما يقول أيوب نبي الله) غير ثابت فلا يستقر علي حالٍ، فإذا مدحك اليوم ذمَّك غدًا"!! وهو هنا حرَّف وبدَّل نصّ أيُّوب النبيّ وغيَّر معناه تمامًا!! فأيُّوب النبيّ يقول: " اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ قَلِيلُ الأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَباً. يَخْرُجُ كَالزَّهْرِ ثُمَّ يَذْوِي وَيَبْرَحُ كَالظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ." (أي14/1-2). وهناك فرقٌ شاسعٌ بين ما يقصده أيُّوب النبيّ وبين ما زعمه الكاتب المزيِّف!!

    10- وقال في (ف1:49) " يقول داود: متي وجدت وقتًا أقضي بالعدل " وهذا تحريف لنصِّ المزمور الذي يقول علي لسان اللَّه لداود " لأَنِّي أُعَيِّنُ مِيعَاداً. أَنَا بِالْمُسْتَقِيمَاتِ أَقْضِي000 وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ الْقَاضِي "(مز75/2 و7) وليس داود!! ويقضي في وقتٍ معينٍ ومحدَّدٍ وليس بحسب الظروف كما يزعم كاتب برنابا المزيِّف!!

    11- وقال في (ف21:5) " قضي فرعون علي موسي وشعب بني إسرائيل بالكفر"!! وهل يقضي فرعون الوثنيّ علي نبيّ اللَّه بالكفرِ ؟!!

    12- وقال في (ف50: 36) " قضي كورش أنْ يكون دانيَّال طعامًا للأسود " والذي قضي علي دانيال النبيّ هو داريوس وليس كورش (دا6/16) وهذا خطأ تاريخيّ ودينيّ !!

    13- وقال في (ف3:66 ،4) أنَّ أيُّوب النبيّ قال " الطفل الذي عمره يوم وليس نقيًا بل أنَّ الملائكة ليست منزَّهة عن الخطأ أمام اللَّه "!! وأيضًا " الجسد يجذب الخطية ويمتصّ الإثم كما تمتصّ الإسفنجة الماء " ! وهذا تحريف لقول أيُّوب النبي:

    ــــــــــــــــــــــ

    - 161-

    " مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو أَوْ مَوْلُودُ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ وَالسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ - فَبِالْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ الإِنْسَانُ الشَّارِبُ الإِثْمَ كَالْمَاءِ! " (أي15/14-16) . والفرق كبيرٌ وواضحٌ بين النصَّين، ويبدو أنَّ الكاتب فهم عبارة " مولود المرأة " والتي قُصد بها الإنسان بصفةٍ عامَّةٍ علي أنَّها " المولود الذي عمره يوم "!! ولم يذكر أيَّوب النبيّ عبارات "الملائكة ليست منزَّهة عن الخطأ " و " والجسد يجذب الخطية " و " الإسفنجة " بل " السماء غير طاهرة بعينيه " و " الإنسان الشارب الإثم كالماء " والفرق شاسع بين ما ذكره أيُّوب النبيّ وما فهمه كاتب إنجيل برنابا المزيِّف !!

    14- وقال في (ف9:66) " باللسان بارك الشيطان أبوينا الأوَّلَين"؟! أين ومتي وكيف؟ وهل هناك بركة تخرج من الشيطان وهو ملعون كما ذكر الكاتب نفسه؟!

    15- وقال في (ف19:68) أنَّ إسرائيل هزم " مائة وعشرين ملكًا من الكنعانيِّين والمديانيِّين " ولا يذكر سفر يشوع سوي واحد وثلاثين ملكًا (يش12/24) هُزموا علي يدِ بني إسرائيل، أي أنَّ الكاتب ضاعف العدد 4 مرات!!

    16- وقال في (ف3:74) أنَّ سليمان فكَّر أنْ يدعو كلّ خلائق اللَّه لوليمةٍ " فأصلحت خطأه سمكة إذ أكلت كلّ ما كان قد هيَّأه " !!هل يقبل العقل مثل هذه الخرافة الصبيانيَّة الساذجة؟!!وأين المكان الذي كان سيجمعهم فيه؟!! وكيف تأكل سمكةٌ واحدةٌ طعام كلِّ مخلوقات اللَّه؟!!ما شكلها وما هو حجمها؟!! أليس هذا تفكير إنسان فاقد العقل والحسّ؟!

    17- وقال في (ف74: 5) أنَّ داود قال " استعلان الإنسان في نفسه يهبط في وادي الدموع"وهو هنا يحرِّف نصّ المزمور " طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعاً. أَيْضاً بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ " (مز 84/5-6) ولا علاقة بين فكر النصَّين لأنَّ داود يتكلَّم عن دموع أولاد اللَّه، قدِّيسيه، بينما كاتب برنابا يتكلَّم عن سقوط المتكبِّرين!!

    18- وقال في (ف80: 7) أنَّ نبوخذ نصَّر أسر دانيال وعزريا وميشائيل وحنانيا وهم أطفال في سن سنتَين؟!! بينما يذكر سفر دانيال أنَّهم كانوا فتيانًا حكماء وأصحاب علم ومعرفة ولديهم قوَّة علي الوقوف في قصر نبوخذ نصَّر (دا1/4). حوَّل الكاتب المزوِّر الحكماء والعلماء إلي أطفال رُضَّع!!

    19- وقال في (ف99: 13) أنَّ اللَّه دفع أيُّوب إلي يد الشيطان لأنَّه أحبَّ أولاده وبناته. فأخذهم منه في يومٍ واحدٍ وضربه بداءٍ عضَّالٍ وكانت الديدان تخرج من جسده سبع سنين!! وهذا زعم باطل وغير منطقيّ لأنَّ الله محبَّة (1يو4/8) ودعوته هي الحب، فهو القائل: " أَحِبّ قَرِيبَكَ كَنَفْسَكَ " (لا19/18). وقد سمح اللَّه بتجربة أيُّوب لإثبات برَّه واستقامته (أي1). ولا يذكر سفر أيَّوب مدًّة سبع سنين، بل سبعة أيام وسبع ليال فقط " (أي2/3مع 42/7- 10) ؟!!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 162-

    20- وقال في (ف115: 7) أنَّ نوحًا نجا هو وثمانون شخصًا بشريًا من الطوفان. ولا يذكر الكتاب المقدَّس سوى ثمانية أفراد هم نوح وزوجته وأبناؤه الثلاثة وزوجاتهم (تك26/18؛1بط2/ 5). وأضاف الكاتب 73 شخصًا من خياله!!

    21- وقال في (ف115: 16) أنَّ اللَّه قال علي لسان أشعياء النبيّ " إنَّك (يا إسرائيل). وقد زنيت بعشَّاقٍ كثيرين ولكن إرجعي إليَّ أقبلك "! وهذا خطأ لأنَّ هذا القول جاء علي لسان أرميا (أر3/1) النبيّ وليس أشعياء !!

    22- وقال في (ف145: 1) أنَّه كان في زمن إيليَّا النبيّ " إثنا عشر جبلاً يقطنها سبعه عشر ألف فرِّيسيّ "!! وقد عاش إيليًّا في القرن الثامن ق. م. ولم يكن للفرِّيسيِّين أي وجود لأنَّهم لم يوجدوا إلاَّ بعد لك بحوالي 700 سنة!!

    كما أنَّه لم يُوجدْ أبدًا إثنا عشر جبلاً في إسرائيل سواء في زمن إيليَّا أو بعده وذلك برغم كثرة تلالها وأرضها الجبليَّة. وقوله " كان يوجد في زمن إيليا " يدل علي فكرٍ خرافيٍّ ومناقض لجغرافية الأرض بهذه البساطة!!

    23- وقال في (ف8:154) أنَّ " الأفاعي قتلت نحو سبعين ألفًا من شعبنا " وهذا رقم مبالغ فيه جدًا وخياليّ ولا يذكر سفر العدد، الذي ذكر هذا الحادث، سوي أنَّه " فَمَاتَ قَوْمٌ كَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيل " (عد21/ 6) ولم يذكرْ أي رقم معيَّن، فمن أين أتي الكاتب بهذا الرقم الخياليّ؟!!

    24- وقال في (ف1:160) أنَّ دانيَّال النبيّ هو كاتب تاريخ ملوك إسرائيل، بينما يقول التلمود ومعظم الباحثين أنَّ كاتب سفريّ الملوك هو أرميا النبيّ، ولم يذكر دانيال في سفره تواريخ ملوك! وإنَّما تكلَّم عن حياة بني إسرائيل وحياته هو شخصيًا في الأسر البابليّ إلي جانب نبوَّات تخصّ شعوب الأرض ومجيء الربّ يسوع المسيح.

    25- وقال في (ف11:181) أنَّ اللَّه قال علي لسان دواد النبيّ : " أنَّ الصديق يسقط سبع مرات" وهذا خطأ لأنَّ الآية جاءت علي لسان سليمان الحكيم في سفر الأمثال (أم 24/16) !!

    هذه بعض الأخطاء التي سقط كاتب برنابا المزيِّف فيها والتي تدلّ علي تزويره وتحريفه وعدم درايته الدقيقة والكافية بالعهد القديم.

    ــــــــــــــــــــــ

    الفصل الخامس عشر : أسلوب الكاتب وتشبيهاته

    من يقرأ هذا الكتاب المزيَّف المسَمَّي زورَا بإنجيل برنابا للوهلة الأولي يدهش من أسلوب الكاتب المزوِّر غير المتَّزن وتشبيهاته وأفكاره الخرافيَّة وفكره الصوفيّ الرهبانيّ المتطرِّف وتطرُّفه في الهجوم علي العقائد المسيحيَّة الذي دفعه للإنفعال الشديد ومبالغته في كلِّ شيءٍ وخلطه بين كلِّ شئٍ !

    1- أمثلته وتشبيهاته:

    (1) المقارنة بين الإنسان والحذاء ! قال في (ف10:18) " أيتَّفق وجود إنسان أشد إعتناء بحذائه منه بابنه؟"، وقال في (ف20:125) متسائلاً " أم إنَّكم تحسبون أحذيتكم أكرم من نفسكم لأنَّه كلَّما انفتق حذاؤكم أصلحتموه؟"!! فما هي العلاقة بين الإنسان وحذائه؟ وما العلاقة بين النفس والحذاء؟!

    (2) الكسل والمراحيض! وقال في (ف10:75) " الكسل مرحاض يتجمَّع فيه كلّ فكر ٍنجسٍ "!! وقال في (ف5:84-7) " هل رأيتم مرة البراز ممزوجًا بالبلسم؟ 000 لأنَّ كلّ كلمة عالميَّة تصير براز الشيطان علي نفس المتكلِّم "!!

    (3) براز الإنسان وبراز الشيطان!! وقال في (ف20:135) " أمَّا الدركة الرابعة (في الجحيم) فيهبط إليها الشهوانيُّون حيث يكون الذين عبروا الطريق التي أعطاهم اللَّه إيَّاها كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق "!!

    1- فهل يُعقل أن يستخدم المسيح، الذي هو أسمي وأبرّ وأنقي وأطهر من ظهر علي الأرض، أمثلة وتشبيهات بهذه القذارة ؟! " الحذاء والمراحيض والبراز " ؟!

    2- وهل يتبرَّز الشيطان وهو روحٌ؟! وكيف يتبرَّز والبراز هو فضلات الأكل؟! ألا تدلّ أمثلة الكاتب وتشبيهاته وأسلوبه علي حقيقة البيئة التي نشأ وتربَّي فيها؟! يقول الربّ يسوع المسيح "اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ " (لو6/45).

    (4) غرامه بالقمل! قال في (ف14:57) أنَّ " كلّ قملة كانت علي إنسان حبًّا في اللَّه تتحوَّل إلي لؤلؤة " يوم الدينونة!! وقال في (ف19:57) " الحق أقول لكم أنَّه لو علم العالم هذا لفضَّل قميص الشعر علي الأرجوان والقمل علي الذهب"؟!! وهنا يبدو غرام الكاتب بالقمل! بل ويدعو لإقتناء أكبر كمٍّ ممكن منه! أي يدعو إلي القذارة!! متصوِّرًا أنَّ الأعلي مكانةً في الجنَّة هو الأعلي درجة في القذارة والذي بجسده أكبر كمّ ممكن من القمل؟!!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 164-

    (5) النتانة والأوساخ والقذارة والزناخة! وتحدَّث في (ف23:132-24) عن صاحب الينبوع ذو الثياب المنتنة والجيران الذين يزيلون وسخهم بماؤه! فقال " ها هوذا ينبوع لأحد الأهالي يأخذ منه الجيران ليزيلوا به وسخهم ولكن صاحب الماء يترك ثيابه تنتن "!! كما تحدَّث في (ف16:139) عن " الطريق القذرة"! وفى (ف151) عن نتانة الجسد وعن الزيت الزنخ والملح المنتن!!

    ويدلّ أسلوب الكاتب وأمثلته هنا علي اعتياده علي استخدام ألفاظ مثل القمل والبراز والمراحيض والزناخة والنتانة والقذارة، مما يدلّ على شخصيَّته ذات الألفاظ المنحطَّة وبيئته الموجود فيها.

    أين هذا من أسلوب المسيح السامي وأمثلته السامية الطاهرة والبسيطة؟!!

    2- السبّ والشتيمة والحلفان:

    قال الربُّ يسوع المسيح " مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا (أي فارغ) يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ 000 لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ 000 بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ لاَ لاَ " (مت5/22و34و37). لقد نهي تمامًا عن السبِّ والشتيمة والحلفان. يقول الكتاب المقدَّس عنه " الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ " (1بط2/23)، " هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ " (مت12/18-21).

    وكان أسلوبه أسلوب صاحب السلطان علي كلِّ المخلوقات الذي أذهل كلَّ مستمعيه، يقول الكتاب " فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «مَا هَذَا؟ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ! " (مر1/27)، " فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ " (لو4/32)، " فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هَذِهِ الأَقْوَالَ بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ " (مت7/28-29)، " فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ " (مر1/22)، " وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ لأَنَّهُمْ خَافُوهُ إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ" (مر11/18).

    أمَّا هذا الكاتب المزوِّر فقد ناقض ذلك ونسب للمسيح أنَّه سبَّ كلّ واحدٍ، كما سبق ونسب إليه الحقد والكره والمرض النفسيّ واللطم وخبط رأسه بالأرض وتعفير وجهه بالتراب!! لقد جعل المسيح، مسيح برنابا المزيَّف، يسبّ ويشتم ويلعن ويحلف في كلِّ مناسبة ولأيّ سببٍ وبدون سببٍ!!

    فقد سب البُرص الذين تقدَّموا إليه للشفاء " أيَّها الأغبياء أفقدتم عقلكم " (ف15:19)، وسبَّ الجموع بسبب من يسمِّيهم بالكفَّار " إنَّ الكلب أفضل من رجلٍ غير مختون 000 أيَّها الجهَّال ماذا يفعل الكلب الذي لا عقل له لخدمة سيِّده " (ف2:22و40) هل الكلب أفضل من الإنسان؟!!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 165-

    وفي (ف24:26) يسبّ التلاميذ " أنكم تكونون مجانين إذا كنتم لا تعطون حواسكم للَّه " !! وفي (ف27) سبّ الكتبة " أيَّها الكتبة الكاذبون "!! وشتم بطرس " إنَّك لغبيّ " (ف5:42)، والعالم كلّه " أيَّها العالم المجنون " (ف18:74)، والذين تضرَّعوا إليه لأجل إقامة اِبن أرملة نايين من الموت " العالم مجنون وكادوا يدعونني إلهًا " !! (ف10:47)، مع أنَّه يقول إنَّهم طلبوا منه ذلك باِعتباره نبيّ لا إله !! وفي (ف27:51) سبَّ الشيطان بقوله له " أنت سخيف العقل " !! وفي (ف6:77) يقول " قولوا لي إذ كان أحد جالسًا علي المائدة ورأي بعينيه طعامًا شهيًا ولكنه اختار بيديه أشياء قذرة فأكلها ألا يكون مجنونًا "!! وشتم برنابا " صرت غبيًا يابرنابا " (ف18:88)، وسبّ كلّ الجموع " انصرفوا عني أيَّها المجانين "!! (ف 19:92)، وشتم يوحنَّا " أيَّها الغبي"!! (ف8:104)، ومتَّي " إنَّك لفي ضلالٍ يا متَّي "!! (ف9:104)، ودعا أبو إبراهيم " الوالد الغبي !! (ف27:26)، ووصف الابن الضال بالخسيس " لما جاء هذا الخسيس " !! (ف7:147) ، وقال:" من يسهر بالجسد وينام بالنفس لمصاب بالجنون " !! (ف7:108).

    ولم يتَّهم الربّ يسوع المسيح أحدًا بالجنون ولم يسبّْ كلّ أحد هكذا بسبب وبدون سبب بل قال:"إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ" (مت12/36).

    وجعل المسيح يحلف في كلِّ مناسبةٍ ولأي سببٍ لكي يصدِّقه الناس، وهذا عكس ما قاله الرب يسوع المسيح " لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ " (مت5/35) !! ويذكر الكاتب حوالي 50 مرة زعم فيها أنَّ الربّ يسوع المسيح حلف(1)!!

    وكانت أهم العبارات التي نطق وحلف بها هي؛ " لعمر اللَّه " و" لعمر اللَّه الذي تقف نفسي في حضرته " و" لعمر اللَّه الذي أقف في حضرته " و" لعمر اللَّه الذي في حضرته تقف نفسي " و" لعمر اللَّه الذي نحن في حضرته " !! وفضلاً عن أنَّ الربَّ لم يحلفْ إطلاقَا ونهي عن الحلفان تمامًا، فلا نعرف لماذا اختار الكاتب " عمر اللَّه " ليحلف به؟!! وهل للَّه عمر ؟!! إنَّ العمر يحسب بالسنين التي عاشها الكائن الحيّ، فهل للَّه عدد سنوات تحدِّد بداية عمره ليحلف بها؟!! اللَّه أزليّ أبدىّ لابداية له ولا نهاية ولا يتأثَّر بالزمن، ويقول عن نفسه " أَنَا اَلأَوَّلُ وَأَنَا الآَخِرُ " (اش48/12)، " اَلَّذِي كَانَ وَاَلْكَائِنُ وَاَلَّذِي يَأْتِي " (رؤ4/8). أمَّا تعبيره " الذي تقف نفسي في حضرته " فهو أسلوب عربيّ تمتلئ به كتب الأحاديث الدينيَّة والسِيَر وليس له مثيل في الكتاب المقدَّس عمومًا.

    3- الرهبنة والنسك والتقشف:

    ويبدو واضحًا من الكتاب أنَّ الكاتب كان أقرب ما يكون إلي الراهب أو متأثِّر بالفكر النسكيّ الرهبانيّ بدرجةٍ كبيرةٍ، لأنَّ كتابه يمتلئ بنصوصٍ عديدةٍ تدلّ علي فكر رهبانيّ نسكيّ متقشِّفٍ ولكنَّه متطرِّفٍ في دعوته للجميع ليعيشوا بهذا الأسلوب!! بل ويبالغ جدًا في دعوته للتقشُّف إلي درجة القذارة وإقتناء القمل!! وفي دعوته للنوم ساعتَين فقط!! وفي دعوته لرفض الحياة في المدن!! وإمتهان الجسد والنوح والبكاء والحزن وبغض النفس!!

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (1) أنظر على سبيل المثال ف 36: 16؛ 38: 3و 5؛ 45: 8- 20؛ 50: 14؛58: 21؛61: 14؛62: 19؛68: 5؛69: 1؛69: 21؛71: 6؛74: 8؛77: 3؛8: 8؛81: 4؛84: 30؛94: 30؛105: 10؛106: 2 ؛107: 8 .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 166-

    Å يقول في (ف10:16) " اعبدوا اللَّه واحتقروا العالم "

    Å وفي (ف22) " يجب أنْ يُمتهن الجسد، ويُداس كالطين 000 أمَّا ماهيَّة الجسد الآن فواضح من رغائبه أنَّه العدو الأوَّل لكلِّ صلاح فإنَّه وحده يتوق إلي الخطية 000 أذكروا إليشع الذي أكل خبز الشعير ولبس أخشن الأثواب "

    Å وفي (ف25) " إحفظ جسدك كفرسٍ تعشْ في أمن لأنَّ القوت يُعطَي للفرس بالمكيال والشغل بلا قياس ويوضع اللجام في فيه ليسير بحسب إرادتك ويُربط لكي لا يزعج أحدًا ويُحبس في مكان حقير ويُضرب إذا عصي، فهكذا أفعل أذًا أنت يا برنابا تعشْ دوما مع اللَّه " !!

    Å ويقول في (ف57) " إنَّ قصّ الشعر سيشرق كالشمس وكل قملة كانت علي إنسان حبًّا في اللَّه تتحوَّل لؤلؤة 000 لو علم هذا لفضل قصَّ الشعر علي الأرجوان والقمل علي الذهب والصوم علي الولائم "!!

    Å ويقول في (ف11:59) " إنَّ الراحة في هذا العالم إنَّما هي سمّ التقوى والنار التي تأكل كلّ صالح

    Å ويدعو في (ف14:62) للإمتناع عن أكل اللحوم!!

    Å ويقول في (ف2:109) " يجب تجنُّب الرقاد الجسديّ جهد الطاقة

    Å ويقول في (ف28:110) " السهر والصوم من حيث النفس لازمان دومًا لنا ولسائر الناس"!!

    Å ويقول في (ف2:101و3) " يجب النوح عوضًا عن المسرَّة والبكاء عوضًا عن الضحك "، وفي (ف1:103و4) يقول " إنَّ بكاء الخاطئ يجب أنْ يكون كبكاء أبّ علي اِبن مشرف علي الموت 000 إنَّ الإنسان يُُخطئ في البكاء علي أي شئ إلاَّ علي خطيئته فقط "، وفي (ف1:107) يقول" أوَّل شئ يتبع الحزن علي الخطية الصوم"، وفي (ف109) يقول " يجب أنْ ينقلب الضحك بكاء والولائم صومًا والرقاد سهرًا "!! ويقول في (ف5:124) " إنَّ أهمّ شئ هو " بغضك لنفسك التي أغضبت اللَّه وتغضبه كلّ يوم "!!

    Å ويقول في (ف41:145-43) " متي أكلوا عليهم أنْ يقوموا عن المائدة دون شبع 000 ليكن ثوبًا واحدًا من جلد الحيوانات كافيًا. علي كتلة التراب أنْ تنام علي الأديم (الترب)، ليكفْ كلّ ليلة ساعتان من النوم، عليه أنْ لا يُبغض أحد إلاَّ نفسه ".

    Å أخيرًا يقول في (ف119) " من ينظر إلي النساء وينسي اللَّه الذي خلق المرأة لأجل خير الإنسان يكون قد أحبَّها وإشتهاها وتبلغ منه شهوته مبلغًا يحبّ معه كلّ شئ شبيه بالشيء المحبوب فتنشأ عن ذلك الخطية التي يخشي ذكرها، فإذا وضع الإنسان لجامًا لعينيه يصير سيِّد الجنس الذي لا يشتهي ما لا يقدم له " !!

    وهذه الأفكار والأقوال والأحاديث الرهبانيَّة النسكيَّة والتقشُّفيَّة هي نقل شبه حرفيّ

    ــــــــــــــــــــــ

    - 167-

    لما جاء في كتب الرهبنة اللاتينيَّة بل والقبطيَّة مثل كتاب " بستان الرهبان "!! والتي لم يكنْ لها وجود – بهذه الصورة – قبل تأسيس الرهبنة القبطيَّة في أواخر القرن الرابع الميلادي. وتدلّ علي أنَّ الكاتب كان أقرب ما يكون إلي الرهبان، وغالبًا هو الراهب اللاتينيّ فرامرينو الذي زوَّر هذا الكتاب سنة 1575م وإدَّعي كذبًا أنَّه إختلسه من مكتبة البابا سكستس!!

    4- الدعوة للنوح والبكاء وتحريم الضحك والحبّ!!

    يدعو الكاتب في هذا الكتاب للنوح والبكاء وتحريم الضحك!! ويُصَوِّر المسيح وتلاميذه دائمي البكاء علي أيّ شئٍ وبدون سببٍ!

    Å يقول في (ف13:16) " طوبى للذين ينوحون علي هذه الحياة

    Å ويزعم أنَّ آدم وحواء بكوا لمدة " مائة سنة بدون انقطاع " !! (ف16:34) كيف؟!! وهل يقبل عقل مثل هذه الخرافة؟!

    Å ويزعم أنَّه بعد عظة ليسوع بكي تلاميذه بسبب كلامه وتضرَّعوا إليه قائلين " يا سيد علمنا أن نصلي " (ف1:37) ماذا يستوجب البكاء هنا؟!

    Å كما يزعم أنَّهم بكوا بعد سماع قصَّة آدم وطرده من الفردوس " فبكى التلاميذ بعد هذا الخطاب " !! (ف1:42).

    Å وبعد حديثه عن الدينونة " وبينما كان يتكلم يسوع بكى التلاميذ بمرارة ، وأذرف يسوع عبرات كثيرة " (ف1:58) !!

    Å ولأنه سينصرف عنهم !! (ف7:72

    Å ويزعم أنَّ يسوع بكي في حديثه مع المرأة السامرية!! (ف1:82

    Å وبكي وهو يكاشف برنابا بأسراره!! (ف5:112

    Å وزعم أنَّ يسوع يطلب النوح والبكاء بدلاً من الضحك والمسرَّة!! (ف1:101

    Å ويطلب من الخاطئ أنْ يبكي بمرارة علي خطيئته (ف1:103

    Å ويبكي الكاتب عند الكلام عن الإتضاع !! (ف11:184

    Å كما بكي وهو يتكلم عن مثل حجي وهوشع !! (ف1:187).

    لقد كان البكاء والحزن والنوح هو دعوة هذا الكتاب !!

    وهاجم الضحك ومن يضحكون واخترع لذلك أسبابًا ومواقف خياليَّة لامبرِّر لها !! فزعم أنََ يسوع قال " الضحك العاجل نذير البكاء الأجل"، وأيضًا، " لا تذهب إلي حيث الضحك بل إجلس حيث ينوحون 000 ألا تعلمون أن الله في زمن موسى مسخ ناسا كثيرين في مصر حيوانات مخوفة لأنهم ضحكوا واستهزأوا بالآخرين "!! وهذه القصَّة الخرافيَّة لا أساس لها ولا وجود لمثلها ولا وجود لفكرة المسخ من الأساس في الكتاب المقدَّس!! ولا تسمح حكمة اللَّه ومحبَّته بمسخ البشر لمثل هذا السبب أو غيره، ولو فعل اللَّه ذلك لمسخ كلّ البشريَّة !!

    وهاجم الحبّ أيضًا:

    Å فزعم أنَّ اللَّه عاقب إبراهيم بذبح اِبنه لأنَّه أحبَّ اِبنه " وأحب إبراهيم ابنه اسماعيل أكثر قليلا مما ينبغي لذلك أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه ليقتل المحبة الأثيمة في قلبه" (ف10:99)!! Å وزعم أنَّه لما أحبَّ داود اِبنه أبشالوم حبًّا شديدًا، "جعل اللَّه اِبنه يثور عليه ويتعلَّق من شعره ويموت"!! وأنَّه لما أحبَّ أبشالوم شعره، جعله اللَّه حبلاً عُلِّقَ عليه ومات!!"وأحب داود ابشالوم حباً شديداً لذلك سمح الله أن يثور الابن على أبيه فتعلق بشعره وقتله يواب ، ما أرهب حكم الله أن أبشالوم أحب شعره أكثر من كل شيء فتحول حبلاً علق به" (ف11:99).

    ــــــــــــــــــــــ

    - 168-

    Å كما زعم أنَّه لما أوشك أيُّوب أنْ يُفّرِّط في حبِّ أبنائه وبناته " دفعه الله إلى يد الشيطان فلم يأخذ منه أبناءه وثروته في يوم واحد فقط بل ضربه أيضاً بداء عضال حتى كانت الديدان تخرج من جسمه مدة سبع سنين " (ف12:99)!!

    Å وأنَّه لما أحبَّ " يعقوب ابنه يوسف أكثر من أبنائه الآخرين لذلك قضي اللَّه ببيعه وجعل يعقوب يُخدع من هؤلاء الأبناء أنفسهم حتَّي أنَّه صدَّق أنَّ الوحش إفترس اِبنه فلبث عشر سنوات نائحًا " (ف14:99) !!

    هل يعقل هذا أنْ يُعاقب اللَّه الأنبياء بسبب الحبّ ؟!! والغريب أنَّ الكاتب، كعادته، يُناقض نفسه ويقول: " أحب 000 قريبك كنفسك " (ف6:30)!! كيف يُحِبّ الإنسان قريبه كنفسه بينما يزعم أنَّ اللَّه يُعاقب علي مثل هذا الحبّ ؟!!

    5- الاغتسال والصلاة وطقوس الكاتب الدينيَّة:

    يقول الكاتب أنَّ يسوع وتلاميذه كانوا يغتسلون قبل الصلاة وأنَّهم كانوا يؤدُّون خمسة صلوات يوميَّة إلي جانب صلاة الجمعة !! وقد حاول تأييد ذلك بأفكارٍ خياليَّة خرافيَّة ‍‍!!

    (1) الاغتسال (الوضوء): يقول الكاتب أنَّ الأغتسال أو الوضوء قبل الصلاة فريضة إستنَّها اللَّه وعلَّمها لإبراهيم عن طريق الملاك " قال إبراهيم ماذا يجب عليّ أنْ أفعل لأعبد إله الملائكة والأنبياء الأطهار؟ فأجاب الملاك: إذهب إلي ذلك الينبوع وإغتسل لأنَّ اللَّه يريد أنْ يكلِّمك. فأجاب إبراهيم كيف ينبغي أنْ أغتسل؟ فتبدَّي له حينئذ الملاك شابًا يافعًا جميلاً وإغتسل من الينبوع قائلاً " إفعل كذلك بنفسك يا إبراهيم "!!

    Å وزعم في (ف10:138) أنَّ يوحنَّا قال ليسوع " يا معلِّم لنغتسل كما أمرنا اللَّه علي لسان موسي ".

    Å وفي (ع11و12) يقول أنَّه " لا يقدم أحد صلاة مرضية للَّه إنْ لم يغتسل، ولكنَّه يحمِّل نفسه خطية شبيهة بعبادة الأوثان "!! ،

    Å وفي (ف1:61و2) يقول أنَّ يسوع " إغتسل هو وتلاميذه طبقًا لشريعة اللَّه المكتوبة في كتاب موسي، ثم صلُّوا " !!

    Å وفي (ف10:84) يقول " قولوا لي أتحذرون متَّي إغتسلتم للصلاة من أن يمسَّكم شئٌ نجسٌ ؟ نعم بكل تأكيد ".

    Å وقال في (ف13:92) أنَّهم وجدوا يسوع " وقت الظهيرة إذ كان يتطهَّر هو وتلاميذه للصلاة حسب كتاب موسي "!!

    (2) الصلوات الخمس وصلاة الجمعة!! زعم الكاتب أنَّ يسوع كان يصلِّي الصلوات الخمس يوميًا وهي: الفجر والظهر والمساء والليل والعشاء إلي جانب صلاة الجمعة!! علمًا بأنَّ هذا الترتيب في الصلاة وصلاة الجمعة وُجد في بداية القرن السابع الميلاديّ مع ظهور الإسلام، والصلوات الخمس مرتبطة بقصَّة الإسراء والمعراج والتي تقرَّرت علي أساسها صلوات المسلمين بخمس صلوات هي، صلوات؛ الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.

    ولم يكن الربّ يسوع المسيح يصلِّي في مواعيد محدَّدة بلّ كان يصلِّي في كلِّ وقت، وكانت دعوته هي الصلاة في كل حين " يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ"(لو 18/1)، وأيضًا دعوة رسله " صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ"(1تس5/17-18) .

    ــــــــــــــــــــــ

    - 169-

    Å قال الكاتب المزوِّر في (ف20:89) " أجاب يسوع: قد حان لنا أنْ نصلِّي صلاة الفجر ".

    Å وفي (ف1:106) " ولما فرغ يسوع من صلاة الفجر

    Å وقال في (ف3:13) " وبعد صلاة الظهر كان منتظرا في الهيكل ليصلي صلاة الظهيرة". (أنظر 1:156؛9:163

    Å وفي (ف2:133) يقول " اقتربت ساعة الصلاة فمني انتهت صلاة المساء أفيدكم

    Å ويقول في (ف1:131) " وبعد صلاة الليل اقترب التلاميذ من يسوع

    Å وفي (ف3:61) يقول " ثم فتح يسوع فاه بعد " صلاة العشاء " !!

    Å ويقول في(ف1:123) " فلما كان صباح الجمعة جمع يسوع تلاميذه باكرًا للصلاة "!!

    (3) ملاكا الخير والشر! قال في (ف4:121) " لأنَّ اللَّه أعطي لكلِّ إنسانٍ ملاكَين مسجلين أحدهما لتدوين الخير الذي يعمله الإنسان والآخر لتدوين الشر ". وهذا الفكر لا مثيل له في تعاليم الربّ يسوع المسيح، وإنَّما هو فكرٌ إسلاميٌّ يدلّ علي ديانة الكاتب قبل دخوله المسيحيَّة وارتداده عنها وكذلك ديانة مصطفي العرندي المورسكي الذي يعرف حقيقة هذا الكتاب المزيِّف بنصَّيه الأسبانيّ والإيطاليّ.

    (4) الختان: رفضت المسيحيَّة الختان كضرورةٍ للخلاص بحسب الفكر اليهوديّ، ولكن لم ترفضه كطهارة للجسد، أو كضرورةٍ صحيَّة، وكان عدم ختان المسيحيِّين في أوروبا سببًا لمشاحنات بينهم وبين اليهود، ولما دخل العرب الأندلس وكانوا متمسِّكين بالختان انضمُّوا مع اليهود في مطالبة الأوروبيِّين بضرورة الختان، فتأثَّر الكاتب بذلك، ويبدو أنَّ مساعدة مصطفي العرندي كانت ديانته الأولي اليهوديَّة، فبالغ في تمجيد الختان حتَّي أنَّه قال إنَّ الكلب أفضل من غير المختون !! واِعتبر أنَّ غير المختونين نجسين ومحرومين من دخول الفردوس!! وكعادته حاول بيان أصل الختان بالخرافات غير المنطقيَّة !!

    Å قال في (ف24:21) أنَّ يسوع رفض شفاء اِبنة المرأة الكنعانيَّة " لأنَّهم كانوا من غير أهل الختان "! وقال " لا يحسن أنْ يأخذ الخبز من أيدي الأطفال ويطرح للكلاب، إنَّما قال يسوع هذا لنجاستهم لأنَّهم كانوا من غير أهل الختان"!!

    Å وقال في (ف2:22) " إنَّ الكلب أفضل من رجل غير مختون " !! ثم زعم أنَّ أصل الختان هو عصيان جسد آدم عليه وروي هذه الرواية الخياليَّة الخرافيَّة " أنَّه لما أكل آدم الإنسان الأوَّل الطعام الذي نهاه اللَّه عنه في الفردوس مخدوعًا من الشيطان عصي جسده الروح، فأقسم قائلاً : باللَّه لأقطعَّنك ! فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطع بحد الشظية فوبخه الملاك جبريل علي ذلك فأجاب: لقد أقسمت باللَّه أنْ أقطعه فلا أكون حانثًا، حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها، فكما أنَّ جسد كل إنسان من جسد آدم وجب عليه أنْ يُراعي كلّ عهد أقسم آدم ليقومن به، وحافظ آدم علي فعل ذلك في أولاده، فتسلسلت سنَّة الختان من جيل إلي جيل " وزعم أنَّ " الذي لم يقطع غرلته " محروم من الفردوس !! وهكذا يوصل أفكاره دائمًا بالروايات الخرافيَّة !! وهكذا يكشف عن فكره الخرافيّ !!

    ــــــــــــــــــــــ

    - 170-

    6- الخرافات:

    امتلأ الكتاب بالخرافات والأفكار الخياليَّة الساذجة الممتلئة بخرافات بدائيَّة متخلِّفة ، والتي ذكرنا معظمها في الفصول السابقة، والتي استحسنَّا أنْ نُذكِّر القارئ بها هنا مقرونة بأرقام فصولها في إنجيل برنابا حتَّي يسهل الرجوع إليها في مصدرها، وهي ؛

    (1) خرافة خِلقة الإنسان من كتلة الطين التي تُركت مدة 25 ألف سنة وبصق عليها الشيطان وخرافة خلقة الكلب والخيل (ف35و54و55،188).

    (2) خرافة خطيئة آدم وطرده من الفردوس وما جاء بها عن الحية المخوفة ومسخ إبليس (ف49و40و41و155)،خرافة ختان آدم بعد عصيان جسده عليه (ف23و31 ).

    (3) خرافة بداية عبادة الأوثان وعبادة بعل (ف32).

    (4) خرافة تألّم الشمس وأنينها وتحول القمر إلي دم وبكاء النبات والعشب ونزفهم الدم وصراع الصخور والحجارة وموت الملائكة والأرواح، وشهادة صراخ الذباب والقاذورات والكلاب والحيوانات الدنيا والنجسة ضد الإنسان، وفضل القمل علي الذهب وتحوُّله إلي لؤلؤ علي صدر القذرين يوم الدينونة ( ف53 و 54 و 55 ).

    (5) خرافة وليمة سليمان الذي أعدَّ طعامًا لجميع الكائنات والمخلوقات التي علي وجه الأرض، والسمكة التي أكلت كلّ ما كان قد أعدَّه سليمان (ف74) .

    (6) خرافة مسخ الشيطان وجلده يوم الدينونة بما يوازي مليون جحيم (ف51) .

    (7) خرافة براز الشيطان (ف84).

    (8) خرافة الحجارة التي تكلَّمت عند دخول الرب يسوع المسيح أورشليم (ف58).

    (9) خرافة مسخ المصريِّين إلي حيوانات مخوفة بسبب الضحك، فقال في (ف5:27) " ألا تعلمون أن الله في زمن موسى مسخ ناساً كثيرين في مصر حيوانات مخوفة لأنهم ضحكوا وأستهزؤا بالآخرين " .

    7- الأخطاء العلميَّة:

    كما امتلأ الكتاب بالأخطاء العلميَّة الناتجة من هذا الفكر الخرافيّ؛

    (1) كقوله أنَّ الغضروف البارز وجد في حنجرة آدم والإنسانيَّة كلِّها لأن آدم وضع يده في حلقه ليمنع نزول الطعام في جوفه (ف24:42-28) .

    (2) وقوله أنَّ السرَّة وجدت في بطن الإنسان بسبب بصاق الشيطان علي كتلة التراب ونزع جبريل لهذا الجزء النجس للإنسان (ف10:41) .

    (3) وزعمه أنَّ الحيّضات تزحف علي بطنها لأنَّ اللَّه قطع أرجل الحيَّة حارسة الجنَّة (ف41) !!

    (4) وقوله أنَّ الجمل لا يشرب ألاَّ الماء العكر حتَّي لا يري وجهه القبيح(ف15:77)!!

    (5) وزعمه أنَّ كلّ حيوان مفطور علي الحزن بفقده ما يشتهي من الطيِّبات (ف1:102) !! وهذا خطأ دينيّ وعلميّ، لأنَّ اللَّه خلق كلّ حيوان كجنسه (تك1) وخلق له الطعام المناسب لحياته، كما أنَّ الحيوان غير عاقل وبالتالي لا يُدرك إنْ كان وجهه جميلاً أو قبيحًا.

    ــــــــــــــــــــــ

    - 171-

    (6) وزعمه أنَّ الإنسان خُلق من أربعة عناصر هي؛ التراب والماء والهواء والنار (ف3:123-5).

    (7) كما زعم أنَّ الأرض مستقرَّة علي الماء، فقال في (ف3:167) " لماذا لا يمكن الحجر أن يستقر على سطح الماء مع أن الأرض برمَّتها مستقرة على سطح الماء ؟ " !! وهذا خطأ علميّ فاحش فالأرض معلَّقة في الفضاء علي لا شيء كما يقول العلم والكتاب المقدَّس " يَمُدُّ الشَّمَالَ عَلَى الْخَلاَءِ وَيُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ" (أي26/7). وهي أصلاً معلَّقة في الفضاء ضمن المجموعة الشمسيَّة وتدور حول الشمس دورة كلّ سنة وتدور حول نفسها مرَّة كل أربع وعشرين ساعة.

    (8) وزعم أيضًا أنَّ الشمس أكبر من الأرض ألف مرة، إذ يقول في (ف10:179) " الشمس التي هي أكبر من الأرض بألوف من المرات " ولكن الترجمة الإنجليزيَّة، وهي الأدقّ، والتي تُرجمت العربيَّة عنها، تقول " ألف مرة " فقط " a thousand times ". وهذا خطأ من المترجم يضاف إلي خطأ الكاتب !! في حين أنَّ حجم الشمس مثل حجم الأرض مليون و264,000 مرة!!

    (9) كما ذكر المسافات بين كلٍّ سماء من السموات التسع الأخري بمسافة سفر رجل 500 سنة، أي 4,500 سنة (ف3:105-6؛6:178-17)، بما يُساوي 80 مليون كم!! في حين أنَّ المسافة الفعليَّة بين الأرض والمريخ فقط هي 90 مليون كم! أي أنَّ الوصول إلي سماء السموات أقرب من الوصول إلي المرِّيخ بـ 10 مليون كم!!

    8- المبالغات والأرقام الخياليَّة:

    وكما امتلأ الكتاب بالخرافات والمتناقصات والأخطاء الدينيَّة والإجتماعيَّة والتاريخيَّة والجغرافيَّة والعلميَّة وخلط بين جميع الأديان السماويَّة والبدائيَّة، فقد امتلأ أيضًا بالأرقام الخياليَّة والخرافيَّة التي كان يلقيها متأثرًا بما غرق فيه من أوهام وخرافات مثل زعمه أنَّ عدد الملائكة الذين كانوا يحرسون ثياب يسوع مليون ملاك (ف10:13) ؟!! وأنَّ عدد الأنبياء الذين أرسلهم اللَّه إلي العالم هم 144,000 (ف21:17) ؟!! ولا تذكر الكتب الدينية أكثر من 1 % "واحد في المائة " من هذا العدد الخياليّ !! وأنَّ عدد الشياطين التي كانت في المجنون " ستة آلاف وستة مئة وستة وستون (6666) !! ولا نجد في هذا الرقم سوي تكرار خيالي لرقم 6 !! وأنَّ آدم وحواء استمرا في البكاء بصورة متواصلة لمدة " 100 " مائة عام "(ف14:34-17)، كيف استمرَّا في البكاء بدون إنقطاع طيلة هذه المدة؟! وأنَّ الملاك ميخائيل سيضرب الشيطان " 100,000 ضربة" (ف1:57و2)، أي سيضربه بما يوازي " 100,000" مليون جحيم !! كيف؟!! وأنَّ يوحنَّا سمع من يسوع " 100,000 " مائة ألف كلمة !! وأنَّه علي يسوع أنْ يستمع إلي يوحنَّا عشرة أضعاف ذلك أي " 100,000 " مليون كلمة (ف11:196)!! وأنَّ عدد آلهة الرومان هو (28,000) إله منظور!!وأنَّ عدد الذين قُتلوا من بنى إسرائيل بسبب عبادة العجل الذهبىّ " مئة ألف وعشرين ألفاً (ف22:33)!! في حين لا يذكر الكتاب المقدَّس سوي ثلاثة آلاف فقط !!