هل المسيح إله أم هو إنسان مثل آدم خُلق من تراب؟

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

1-المسيح والنقاد غير المؤمنين بلاهوته:

2- المسيح وناسوته الكامل (إنسانيّه الكاملة):

3- الإله وابن الله:

4- أخلي نفسه وتجسّد:

‏(1) صورة الله " الذي إذ كان في صورة الله ": ‏

(2) أخلى نفسه:

‏(3) هل تغير من كونه إله إلى إنسان؟‏

(4) كان كاملاً في لاهوته وكاملاً في ناسوته: ‏

1-المسيح والنقاد غير المؤمنين بلاهوته:

يسأل البعض هذه الأسئلة الجوهريّة بالنسبة للمسيحيّة: ‏

-‏ هل المسيح إله أم إنسان؟ ‏

-‏ هل هو إله قويّ أم إنسان ضعيف اجتاز كل الضعفات البشريّة؟

-‏ وإذا كان هو الله فكيف تحبل به وتلده امرأة؟‏

- ‏ كيف تكون له أم وهو الذي لا يلد أو يُولد مثل المخلوقات؟‏

- هل هو الإله الخالق أمّ أنَّه مُجرّد إنسان مخلوق خُلق مثل آدم؟ ‏

- هل هو الإله الكليّ الوجود، الموجود في كل مكان وزمان، غير ‏المحدود بالزمان أو المكان، الأبديّ الأزليّ الذي لا بداية له ولا نهاية‏، أم أنَّه المولود في بيت لحم ومن العذراء في زمن معلوم ومكان محدد، والذي كان له بلد ووطن؟

-هل هو الإله الواحد غير المولود الذي لا أب له ولا أم ولا نسب؟ ‏أم أنَّه الإنسان الذي وُلد من أم وله سلسلة أنساب تصل إلي آدم؟

-هل هو الإله الذي لا يجوع ولا يعطش ولا يأكل ولا يشرب ولا ‏يتعب ولا ينام، أم أنَّه الإنسان الذي جاع وعطش وأكل وشرب وتعب ‏واستراح ونام؟

-هل هو الإله الحيّ الأبديّ الذي لا يموت، أم أنَّه الإنسان الذي ‏مات ودُفن في القبر ثلاثة أيام؟

-هل هو الإله المعبود أم إنسان يعبد الله وله ديانة هي اليهوديّة؟‏

قال بعض الكتاب المعروفين بنقد المسيحيّة في عدّة كتب ونبذات ‏تحت عناوين مثل ؛ " ‏The God That Never Was‏ "، والذي ‏ترجم إلي العربيّة تحت عنوان " الإله المفتري " و " الإله الذي لم يكن ‏أبدًا " و " أدلّة تفنيد ألوهيّة المسيح عليه السلام من الإنجيل " و " أسئلة ‏عن إلوهيّة المسيح تنتظر الجواب من النصاري " و " تفنيد عقيدة التثليث ‏‏" و " أدلّة نبوّة المسيح عليه السلام من الإنجيل " و " الرد علي ‏النصارى في إدّعاء بنوّة المسيح وألوهيّته " و " المسيح في الإنجيل ‏بشر " و " هل المسيح هو الله؟ "، وغيرها من الكتب والنبذات التي ‏تحاول تفنيد عقيدة لاهوت المسيح من خلال آيات الإنجيل.‏

وفيما يلي أهم النقاط التي أثيرت والتي وردت في هذه الكتب ‏والنبذات بأسلوب تهكّمي!! ظّنًا من هؤلاء الكتّاب أنَّهم بهذا يهدمون ‏العقيدة المسيحيّة في، ألوهية، لاهوت، المسيح من أساسها!! ‏فيقولون في سخرية!!‏

ميلاد الرب: لقد خُلق الرب من نسل داود.." عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ" (رو1/3).‏

‎‎كان الرب من ثمرة صلب داود: " فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ " (أع2/30).‏

‏ يقول أحدهم؛ هذه أمور تنطبق علي بشر وليس إله لأنَّ الله يعطيه، ‏كما أنَّ المسيح عليه السلام لم يجلس علي كرسي حكم(1) ولم يملك بيت يعقوب عليه السلام بل إنَّ بني إسرائيل (يعقوب عليه السلام) عادوه ‏وتآمروا علي قتله.‏

سلسلة نسب الرب: " كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ." (مت1/1).‏

جنس الرب: " وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ." (لو2/21). ويعني ‏هذا أنَّ مريم عليها السلام مرّت بكل مراحل الحمل الطبيعيّة التي تمر ‏بها أي امرأة من حمل ومخاض وولادة، ولم يكنْ في ولادتها أي ‏اختلاف عن أيَّة امرأة أخري منتظرة لوليدها! ‏

ويعلق آخر ؛ حملته أمه ووضعته كسائر البشر فالله سبحانه وتعالي ‏لم يلد ولم يُولد. أيحتاج الله لأنْ يُولد من بشر؟

أم الرب وعبدة الرب: " فَقَالَتْ مَرْيَمُ هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ." (لو1/38) ‏، أي أنَّ أُمُّه كانت عَبْدَتَه! أليست الأم عادة من جنس ابنها؟ ألا تكون ‏إلهة؟!‏

الرب رضع من ثدي امرأة: "وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهَذَا رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَوْتَهَا مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَتْ لَهُ: طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضَعْتَهُمَا‏ " (لو11/27).

البلد الذي نشأ فيه الرب: " وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ" (مت2/1). ‏

عمل الرب: " أَلَيْسَ هَذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ" (مر6/3). ‏

وسائل تنقل الرب وتجواله: " قُولُوا لاِبْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" (مت21/5).‏

‏ ويعلق أحدهم ؛ أيحتاج الله سبحانه وتعالي لجحش للتنقل؟!‏

الرب يأكل ويشرب الخمر: " جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ" (لو7/34؛ مت11/19). قالوا إنَّه ‏إنسان كما أنَّ هذه الصفات لا تليق بالله سبحانه وتعالي؟

فقر الرب ‏: " فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ.... وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ»." (مت8/20). ‏

ويقول البعض ؛ لقد تكرّر لفظ "ابن الإنسان" علي لسان عيسي عليه ‏السلام 83 مرة في الإنجيل فإنْ فُسِّرَت علي أنَّه يتكلم عن نفسه فهو ‏إذن بشر(2).‏

ممتلكات الرب: حذاء ليسوع " أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ" (لو3/16)، " ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. " (يو19/23). ‏

كان الرب يهوديًا، ومتعبدًا، ومؤلهًا لقيصر!!(3): " وَفِي الصُّبْحِ بَاكِراً جِدّاً قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ " (مر1/35)، كان يسوع مواطنًا صالحًا فكان مؤلهًا لقيصر يقول ‏يسوع " أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ" (مت22/21). ‏

كان الرب يدفع الضريبة بانتظام كبقية الرعية: " وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرِنَاحُومَ تَقَدَّمَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: «أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟ " (مت17/24). ‏

كان الرب ابن يوسف النجار: " وَقَالَ لَهُ: وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ. " ‏‏(يو 1/45). ‏

‏ ويزعم أحدهم قائلاً ؛ هل أوحي الله عزّ وجلّ ليوحنا بذلك؟ لماذا ‏يتنازل الله عزّ وجلّ عن أبوّته للمسيح ليوسف (4)؟ جاء في إنجيل متي الإصحاح 1/18 - 20 " لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.. ابن من المسيح عليه السلام؟؟(5) وهل ينتمي الله عزّ وجلّ لمنطقة محدّدة؟

أخوة الرب: " وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا.... أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ " (مت13/54-55).

ويقول أحدهم ؛ هل لله ‏سبحانه وتعالي إخوة؟هل كانوا أيضًا آلهة؟ أليس الإخوة متماثلين؟ ‏

النشأة الروحية للرب: " وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئاً حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. " (لو2/40). ‏

النشأة الطبيعيّة والذهنيّة والخلقية ل " الرب ": " وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ. " (لو2/52). ‏ويقولون ؛ أيّ أنَّه كان كسائرِ الأطفال ولو كان إلهًا لما احتاج إلي ‏تقوية فهو الأقوى كما أنَّ كلّ ما يحدث له من الله سبحانه وتعالي.‏

كان الرب يتعلم وسط المعلمين: " جَالِساً فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. " (لو2/46

ويقولون ؛ لو كان إلهًا لكان عليمًا لما احتاج للتعلّم من البشر. وهنا يُحَرّف هؤلاء النقاد معني قول الكتاب " ‏ يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ " إلي يتعلّم وسط المعلّمين!! الكتاب لم يقل "يتعلم ‏منهم " بل يقول " وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. " (لو2/47)، ‏فقد كان أكثر فهمًا وعلمًا ومعرفةً من هؤلاء الشيوخ، مع ملاحظة أنَّ ‏عمره في ذلك الوقت، بحسب تجسّده، كان اثنى عشر عامًا!!‏

لقد كان عمر الرب عندما أخذه أبواه إلى أورشليم اثنى عشر ‏عاما: " وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. " (لو2/41-42). ‏

بداية نبوّة الرب: " وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً " ‏‏(لو3/23)، أي أنَّ نبوّته بدأت وهو في سنّ الثلاثين. لو كان إلهًا فماذا ‏كان يفعل خلال تلك الفترة؟

الرب مسلوب القوة!!: " أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. " ‏‏(يو5/30). ‏

وهنا يبتر الكاتب الآية ويقتطعها من سياقها ويتجاهل عن عمدٍ أنَّ ‏المسيح يتحدّث في بقيّة حديثه، هذا، عن كونه الذي يعمل جميع ‏أعمال الله، فيقول في آية سابقة " الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ ‏‏‏(الآب) فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ." (يو5/19). فهل هذا هو العجز الذي يراه أمثال هذا الكاتب؟!!‏

لقد كان الرب يجهل الوقت: " وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ. "‏ ‏ (مر 13/32). ‏

‏ ويُغالط الكاتب هنا ويخلط بين الوقت بشكل عام الذي لا يجهله ‏المسيح، وبين وقت الدينونة ونهاية العالم، الذي لم يُعلنه المسيح(6). ‏

الرب يجهل مواسم المحاصيل: " وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ (يسوع) فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إلاَّ وَرَقاً لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. " ‏‏(مر 11/12-13).‏

‏ يقول أحدهم ؛ إنَّ الجوع والعطش من صفات البشر ولو كان إلهًا ‏لعرف موسم التين. ثم كيف يأكل ممّا لا يملك؟ ‏لم يكن المسيح يجهل المواسم أو الوقت، فهو ربّ الخليقة، وهنا ‏كان يريد أنْ يُعطي تلاميذه درسًا عن الشجرة غير المثمرة. ‏

الرب تعلم من خلال التجربة: " مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ." (عب5/8). ‏

الشيطان يجرب الرب أربعين يوما: " وَلِلْوَقْتِ أَخْرَجَهُ الرُّوحُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَكَانَ هُنَاكَ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْماً يُجَرَّبُ مِنَ الشَّيْطَانِ. " ‏‏(مر1/12-13). ‏

الشيطان جرّب الربّ أكثر من مرّة: " وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ. " (لو4/13). أيستطيع الشيطان أنْ يتسلّط علي ‏الله سبحانه وتعالي؟

الرب يتوب ويندم ويعترف قبل بدء خدمته العلنية(7): ‏

" حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. " ‏‏(مت3/13)، " وَاعْتَمَدُوا (يسوع وأصحابه) مِنْهُ (يوحنا) فِي الأُرْدُنِّ مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ. " (مت3/6).

ويقول أحدهم ؛ إذا كان التعميد ‏رمزًا لطرح خطايا البشر فَلِمَ عَمَّدَ يوحنا عيسي عليه السلام وقد قال ‏أنَّه حمل الله؟(8)

يبدو أنَّ هؤلاء الكتّاب لا يعرفون الحديث الذي يقول أنَّ الشيطان ‏عندما يري المسيح يذوب كما يذوب الملح في الماء!! وأنّ كلّ مولود ‏يستهل صارخًا حين يُولد من نخس الشيطان إيّاه إلاَّ مريم وابنها!!‏

الرب جاء لليهود فقط: " فَأَجَابَ: لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ." (مت15/24).‏

لو كان إلهًا لعمّ نفعه الجميع أمّ أنَّه عنصريّ؟‏

مملكة الرب: " وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ" (لو1/33). ‏

غير اليهود في نظر الرب كلاب!: " فَأَجَابَ: لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ." (9) (مت15/26). ‏

الرب يجوع: " فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً. " ‏‏(مت4/2)، " وَفِي الصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعاً إِلَى الْمَدِينَةِ جَاعَ " ‏‏(مت21/18). ‏

لو كان إلهًا فلمن يصوم؟ كما أنَّ الجوع من خصائص البشر.

الرب ينام: " وَكَانَ هُوَ نَائِماً. " (مت8/24)، " وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ نَامَ. ‏‏" (لو8/23)، " وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً." (مر4/38). ‏

الرب يتعب: " وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ جَلَسَ هَكَذَا عَلَى الْبِئْرِ" (يو4/6). ‏

الرب ينزعج ويضطرب: " انْزَعَجَ (عيسي) بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ " (يو11/33)، " فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ " (يو11/38). ‏

الرب يبكي: " بَكَى يَسُوعُ." (يو11/35). ‏

الرب يحزن ويكتئب: " ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. " (مت26/37)، " فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ." (مت26/38). ‏

الرب يدهش ويهرع: " وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! " (مر14/33-34). ‏

انفعالات بشريّة لا تليق بالله سبحانه وتعالي.‏

الرب ضعيف: " وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. " (لو22/43). ‏

الرب مذهول من الذعر: " وَكَانَ يَسُوعُ يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ لأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ. " ‏‏(يو7/1). ‏

الرب كان يمشي خائفًا من اليهود(10): " فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ علاَنِيَةً" (يو11/53-54).

الرب يفرّ: " فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ " ‏‏(يو10/39) ‏

الرب يخرج متخفيًا من اليهود: "أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازاً فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا." (يو8/59). ‏

خيانة وغدر الصديق، دلّت علي المكان السرّيّ الذي كان يختبئ ‏فيه الرب!: " وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ يَعْرِفُ الْمَوْضِعَ لأَنَّ يَسُوعَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيراً مَعَ تلاَمِيذِهِ. أَخَذَ يَهُوذَا الْجُنْدَ وَخُدَّاماً مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ وَجَاءَ إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ. " ‏‏(يو18/2-3).

قبض على الرب وأوثقت يداه ومضي به: " قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ " (يو18/12). ‏

لقد أهين الرب: " وَالرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا ضَابِطِينَ يَسُوعَ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَهُمْ يَجْلِدُونَهُ " (لو22/63) ‏، " حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ " (مت26/67). ‏

الرب لم يستطع الدفاع عن نفسه: " فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. " (مر15/37). ‏

وما لم يفهمْه أمثال هذا الكاتب أنّ المسيح أسلم نفسه إراديًا، بإرادته ‏وحده، كما يقول " لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. ‏ لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي " (يو10/17-‏‏18). ‏

الرب مات: " لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. " (يو19/33). ‏

جسد الرب بعد موته: " فَهَذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلاَطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى الْجَسَدُ. " (مت27/58)، " فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ " (مت27/59). ‏

الرب المرحوم الذي نِيح عليه: " فَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ مَا كَانَ مَجَّدَ اللهَ قَائِلاً: بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ بَارّاً!" (لو23/47).‏

قائد المئة هنا لا ينوح علي المسيح بل يشهد لِبِرّه بعد الذي رآه من ‏اضطراب للطبيعة لحظة موته بالجسد. ونقول لمثل هؤلاء الكتاب لا ‏يليق أنْ نستخدم تعبير الرب المرحوم، فكل كلمة بطّالة يُعطي عنها ‏حساب يوم الدين، فالمسيح هو الذي بتجسّده رُحِمَتْ البشريّة كلّها ‏وعلي رأسها الأنبياء!! ‏

شهادة المسيح بأنّه إنسان، من أقوال المسيح عليه السلام: " ‏ وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ. " (يو8/40). هذه شهادة ‏عيسي عليه السلام عن نفسه بأنّه بشر ونبي يتلقي التعاليم من الله. ‏

هذه أهم أقوالهم التي اقتبسوها من الإنجيل، بعيدًا عن قرينتها ‏وسياق الكلام، وقد جاءت ناقصة ومبتورة ومقتطعة من مضمونها ‏الحقيقي، محاولين الإيحاء بأنّها تُعطي المعني الذي اقتطعوها من أجله ‏لخداع البسطاء الذين ليس لديهم دراية كاملة بالكتاب المقدس!!!

2- المسيح وناسوته الكامل (إنسانيّه الكاملة):

وبالرغم مما في هذه الأقوال، وغيرها الكثير، من تهكّم بالغ وسخرية ‏لا تليق وعدم فهم لما جاء في الإنجيل والإيمان المسيحي، وعلي ‏الرغم من الأخطاء الكثيرة التي احتوتها فأننا سنُجيب عليها، وعلي ‏الكثير غيرها، ونوضّح معانيها بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس وما ‏سلمته لنا الكنيسة في قرونها وعصورها الأولي. وأوّل شيء نؤكّده ‏هنا هو أنَّ المسيح كان كاملا في ناسوته، كإنسان، فقد حبلت به ‏العذراء وولدته، كإنسان " هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً " (اش7/14)، " ‏ لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً " (اش9/6)، " وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ" (لو1/31)، " أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. " (لو1/35)، وقالت لها ‏القديسة أليصابات بالروح القدس " مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! " (لو1/42)، وقال القديس بولس بالروح "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ،" ‏‏(غل4/4)، وكان من اليهود بحسب الجسد " وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. " (رو9/5). ‏

إنّه مولود المرأة، العذراء، وثمرة بطنها، حُبلت به مثل سائر ‏المواليد ولما "تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. " (لو2/6) ولدته وخرج من رحمها الذي ‏تكوّن فيه ومنه ونما فيه، وكان هو ابنها البكر والوحيد (لو2/7). اتخذ ‏جسدًا منها، جسدًا حقيقيًا تكوّن من أحشائها ونما في رحمها. إنّه جسد ‏من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ، كما يقول الكتاب " فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا.... مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (عب2/14 و 17). وقال هو لتلاميذه بعد القيامة " ‏ جُسُّونِي وَانْظُرُوا فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي" ‏(لو24/39). وتنبّأ المرنّم أنَّ عظامه ستظلّ سليمة عند صلبه وموته لن ‏تكسر " يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ. وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ يَنْكَسِرُ. " (مز34/20). وأكّد ‏القدّيس يوحنّا الإنجيلي بالروح إتمام ذلك " لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ" (يو 19/2336). ‏

لقد اتّخذ جسدًا حقيقيًا مكونًا من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ، وبالتالي فقد كان ‏كاملاً من الناحية الفسيولوجيّة (الجسميّة)، فكان يجوع ويعطش ويأكل ‏ويشرب ويتعب وينام ويتألم، فبعد أنْ صام أربعين يومًا وأربعين ليلة " ‏جَاعَ أَخِيرًا " (مت4/2) وأيضًا " جَاعَ " (مت11/21) بعد أنْ خرج مع ‏التلاميذ من بيت عِنْيَا، وعطش علي الصليب وقال " أَنَا عَطْشَانُ " ‏‏(يو19/28)، وذلك لفقدانه لكميّة كبيرة من الدمِ والسوائلِ من جسده. ‏وكان يأكل ويشرب، ومن أبرز ما يذكره الكتاب هو أكله مع تلاميذه ‏الفصح (لو22/15)، وأكله معهم " سَمَكٍ مَشْوِيٍّ وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ." ‏‏(لو24/42-43) بعد القيامة. كما أكل في بيت لعازر ومريم ومرثا ‏‏(يو12/1-2)، وفي بيت متي العشار (مت9/911) الذي صار له تلميذًا ‏ورسولاً وإنجيليًا. وأكل في بيت سمعان الفريسيّ حتي اتّهمه الكتبة ‏والفرّيسيّون أنّه " أَكُول وَشَرّيب " (مت11/19)، وأنه " يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟" (مر2/16؛لو15/2)، وطلب من السامريّة أنْ تعطيه ‏ليشرب " أَعْطِنِي لأشْربَ" (يو4/7)، وقال هو عن نفسه " جَاءَ ابْنُ ‏الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ " (لو7/34)، ونام علي ظهر السفينة وأيقظه ‏تلاميذه (مر4/3840).‏

كما تعب وجلس علي بئر يعقوب (يو4/6) وأنّه تألم ومات ‏علي الصليب (يو19). وكذلك أيضًا كان يفرح ويتهلّل ويحزن ويبكي، ‏أي كان كاملاً من الناحية السيكولوجيًة (النفسيًة)، فقد بكي علي قبر ‏لعازر (يو11/35)، كما بكي علي أورشليم (لو19/41)، كما حزن حزنًا ‏شديدًا في البستان "ابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ " (مت26/37)، " وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ " (مر14/33)، " فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. " ‏‏(مت26/38) وفرح قبل إقامة لعازر وقال لتلاميذه " وأَنَا أَفْرَح لأجْلِكُم " ‏‏(يو11/15)، وتهلّل بعد عودة السبعين رسولا من إرساليتهم " تَهَلَّل ‏يَسُوعُ بِاَلرُوحِ " (لو10/21). وهكذا يقول الكتاب: " مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (عب2/ 17)..‏

كما جُرّبَ من إبليس (مت4/1-3)، وانتصر عليه وجاءت ملائكة ‏لتخدمه (مت4/11)، كما جرّبه الكهنة والكتبة والفرّيسيون مرّات عديدة ‏لكي يوقعوا به أمام اليهود فيُظهرونه وكأنّه مُجَدّف وناقض لناموس ‏موسي أو لكي يوقعوا به في قبضة الرومان كثائر ضد الاستعمار ‏الروماني لفلسطين (مت16/1). وكثيرًا ما كان يقول لهم " لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي" (مر12/15)، " لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ " ‏(مت22/18)، وكان دائما يجتاز التجربة بقوّة وعظمة وإنْ كانت تترك أثرًا نفسيًا ‏عليه فقد جاء إلي خاصته وخاصته لم تقبله (يو1/11). وكان كما قال ‏بولس الرسول بالروح " مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ." ‏‏(عب4/15).‏

كان كاملاً في ناسوته، إنسانيّته، إذ قد تَكَوّن جسده من لحمٍ ودمٍ ‏وعظامٍ وأيضًا من روحٍ ونفسٍ. أي كان جسدًا كاملاً بنفسٍ وروحٍ ‏إنسانيّة عاقلة. وقد استخدم الكتاب في النصوص والآيات الدالة علي ‏تجسّده، اتّخاذه جسدًا، كلمة "σαρζ‏ ‏sarx "، أي جسد ‏Flesh، ‏الطبيعة البشرية. فقد استخدم الكتاب عبارات: " صَارَ جَسَدًا "، " ‏جَاءَ فِي اَلجَسَدِ "، " مِنْ جِهَةِ اَلجَسَدِ "، " حَسَب اَلجَسَدِ " للتعبير عن ‏تجسّده واتّخاذه الجسد الكامل أو الإنسانيّة الكاملة " وَاَلكَلِمَة صَارَ جَسَدًا ‏‏" (يو1/14). ‏

‏ " الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ (‏σαρζ‏ ‏sarx)" (أع2/30).‏

‏ " مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ " (‏σαρζ‏ ‏sarx) (رو1/3).‏

‏ " أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ (σαρζ‏ ‏sarx) الْخَطِيَّةِ " (رو8/3).‏

‏ " وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ (σαρζsarx)" (رو 9/5).‏

‏ " عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ (‏σαρζ‏ ‏sarx)" (2كو5/16).‏

‏ " قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ (‏σώματιasom) بَشَرِيَّتِهِ ‏

(‏σαρκός‏ ‏της‏ ‏Tis sarxos‏) " (كو1/2122). ‏

‏ " مُمَاتاً فِي الْجَسَدِ (‏σαρζsarx‏)" (1بط3/18).‏

‏ و (σαρζ‏ ‏sarx) يقابلها في العبرية كلمة " بسر basar‏ " أي ‏إنسان، ويقابلها في العربية " بَشَر "(11)، وتعني الإنسان، الإنسانية، ‏وقد استخدمها العهد الجديد عن المسيح للتعبير عن إنسانيّته الكاملة مع ‏الإشارة إلي تجسّده بشكل ظاهرٍ ومحسوسٍ ومُدْرَكٍ.

كما استخدمها في ‏أحوال كثيرة متضمّنة النفس والروح(12).‏

وهي عكس كلمة (‏σώματι‏ ‏soma‏)، أي جسم، ‏body‏، ‏وتترادف مع كلمة " أنثروبوس -ανθρωπος‏ ‏ anthropos"، ‏أي إنسان، بشر، رجل، والتي استخدمها السيّد عن نفسه باعتباره ‏كامل في ناسوته فقال " أَنَا إِنْسَانٌ ( ανθρωπος‏ ‏ anthropos‏) قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ" (يو8/40). وكما رآه اليهود كإنسان فقط فقالوا له ‏معترضين علي قوله أنَّه ابن الله " فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ (ανθρωποςanthropos ‏) تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً " (يو10/33). وقالوا عنه أيضا " لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ (‏ανθρωπος anthropos ‏) هَكَذَا مِثْلَ هَذَا الإِنْسَانِ (‏ανθρωποςanthropos ‏)‏ " (يو7/46). وقال القديس بولس الرسول " لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ (‏ανθρωποςanthropos ‏)‏ يَسُوعُ الْمَسِيحُ،" (1تي2/5)، فهو ‏الوسيط كإنسان وكإله. وكإنسان كامل في ناسوته، إنسان كامل. ‏

ومنه أيضًا لقب ابن الإنسان ‏)ανθρωπος ό υίος ‏ ‏anthropos‏ ‏uihos ho) الذي استخدمه الربّ يسوع المسيح كثيرًا. ‏

والكتاب لم يكتفِ بهذا الكلام فقط عن إنسانيّة المسيح الكاملة بل أكّد ‏أنَّ له نفسًا روحًا إنسانيّة عاقلة. فعندما مات علي الصليب قال " يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي " (لو23/46)، ثم " أَسْلَمَ الرُّوحَ. " (مت27/50)‏، أي خرجت روحه الإنسانيّة من جسده الإنسانيّ وهو يستخدم نفس ‏التعبير الذي استخدمه القدّيس استيفانوس لحظة وفاته " أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي " (أع7/29). وعن نفسه الإنسانيّة قال " نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ " (مر14/34). ‏

3- الإله وابن الله:

٭ ‎‎والسؤال الآن ؛ هل المسيح هو الله؟‏

والإجابة ؛ نعم المسيح هو الله(13) فقد نسب إليه الكتاب المقدس‏ كل أسماء الله وألقابه وصفاته وأعماله، ودعي اسمه " يسوع " (مت1/21؛ ‏لو1/31) وأصله العبري " يهوشاع " ومعناه الله المخلّص أو الله يخلّص ‏‏(يهوه يخلص) كما دعي " عمانوئيل " في سفر إشعياء وإنجيل متي ‏وتفسيره " اَللَّه مَعَنَا " (اش7/14؛ مت1/23) كما دعاه الكتاب " الله " أو " ‏الإله ". فقد أكّدت نبوّات أنبياء العهد القديم ألوهيّته وأنَّه الإله القدير ‏والأزليّ الأبديّ الذي لا بداية له ولا نهاية، وأكّد العهد الجديد أنَّه الإله ‏الأبديّ الأزليّ، الأوّل والآخر، الذي لا بداية له ولا نهاية. فهو ‏يقول عن نفسه: ‏

‏ " أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبَِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. " (رؤ1/8). ‏

‏ " أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. " (رؤ1/11). ‏

‏ " أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ " (رؤ22/13). ‏

‏ " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ " (يو8/58)، أي أنا أكون ‏دائمًا، أنا الكائن دائمًا، في كل زمان، بلا بداية ولا نهاية.‏

‏ " يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. " (عب13/8).

٭ ‏ س 2: هل المسيح ابن مريم أيضا؟

نعم الرب يسوع المسيح هو ابن العذراء القديسة مريم، فقد كرذر ‏الكتاب المقدّس في آياتٍ كثيرةٍ أنَّ المسيح بالجسد حُبِلَ به ووُلد من ‏العذراء القدّيسة مريم بالروح القدس، يقول الكتاب: " مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ. " (مت1/16)، وقالت الجموع عنه "ألَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ " (مت13/55)، " كَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ " (يو19/25)، وُصفت ب " مَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ " ‏‏(أع1/14)، كما وصفتها أليصابات بالروح القدس ب " أُمُّ رَبِّي " ؛ " ‏ فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ " (لو1/43).‏

٭ س 3: فإذا كانت مريم هي أمه فكيف يكون هو الله؟ ‏وهل الله يلد أو يولد؟ هل هو مولود أو والد؟

مبدئيًا نقول أنَّ الله فوق الحس أو الجنس، فالله بطبيعته وجوهره ‏غير مولود أو والد، لم يلدْ ولم يُولد، فالله نور " إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. " (1يو1/5)، " الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ. " (1تي 6/16)، والله روح " اَللَّهُ رُوحٌ. " (يو4/24)، ‏والله واحد، كائن في الكون وحده، ليس معه أو مثله أو شبيه به أحد ‏ولا إله آخر معه ولا غيره ولا قبله أو بعده هو الأول والآخر وليس ‏إله غيره ؛ " الرَّبَّ هُوَ الإِلهُ. ليْسَ آخَرَ سِوَاهُ. " (تث4/35

" أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي. " (اش44/6)، " هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرِي؟ " (اش44/8)‏، " أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلَهَ سِوَايَ. " (اش45/5)، " إِلَيْكِ يَتَضَرَّعُونَ قَائِلِينَ: فِيكِ وَحْدَكِ اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. لَيْسَ إِلَهٌ " (اش45/14)، "أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلَهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلَهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ " (اش45/21)، " أَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلَهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. " (اش 46/9)." لَيْسَ إِلَهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً. " (1كو8/4). " أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلَهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. " (اش43/10). فالله أزليّ أبديّ لا ‏بداية له ولا نهاية. ولم يُوجد أصلاً بالتوالد إنما هو الموجود الذاتيّ، ‏الموجود بذاته دون أنْ يُوجده أحد لأنَّه هو واجب الوجود ومُوجِد كلِّ ‏الخليقة، خالقها ومدبّرها. ‏

هو موجود كامل في ذاته ولا يحتاج إلي غيره، فيه الحياة وفيه ‏العقل، فهو موجود بذاته عاقل بعقله حيّ بروحه، وخاصيّة الوجود ‏الذاتيّ في الذات الإلهيّة هي ما يسمّيها الله بالآب، وخاصيّة العقل في ‏ذات الله يسمّيها بالكلمة، كلمة الله والذي هو أيضًا صورة الله، فالله ‏ناطق بكلمته، ويسمّيها أيضًا بالابن، ابن الله، وخاصيّة الحياة في ‏الذات الإلهيّة يسمّيها بالروح ؛ الروح القدس أو روح الله، روح الله ‏القدّوس.‏

إذًا فالله موجود بذاته، الآب، ناطق بكلمته وعاقل بعقله، وكلمته، ‏ابنه، موجود في ذاته، في حضنه " اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ. " (يو1/18)، وهو حيّ بروحه، وروحه القدّوس من ذاته ‏وفي ذاته، منبثق منه، خارج عنه " الرُوحُ الْقُدُس الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ" (يو15/26). ‏

كلمة الله خارج من ذات الله وفي ذاته ومن ثمّ يسمّي بالابن، خارج ‏من ذاته أي مولود من ذاته وفي ذاته ولادة أبديّة، مثل ولادة النور من ‏النور، كما نقول في قانون لأيمان " مولود من الآب قبل كل الدهور، ‏نور من نور إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق ". وهذه ‏الولادة فوق الحسّ والجنس، مولود من الآب وغير منفصل عنه، ‏فهذه صفات الإله الواحد الكامل في ذاته. ولكن هذا غير ولادته من ‏العذراء، أي تجسّده في ملء الزمان.

٭ س 4: إذا كان هو الله الأزلي الأبدي، الذي لا بداية له ‏ولا نهاية، غير المحدود في الزمان والمكان فكيف تكون ‏العذراء مريم هي أمه، وهي مخلوقة ولها بداية؟ كيف ‏يكون للأزلي أم حادثة ومخلوقة؟ ‏

نعم العذراء مريم هي أمُّه بحسب الناسوت (بالجسد) ولكنها ‏دُعِيَت بوالدة الإله لأنَّها ولدت الإله المتجسّد ودعتها أليصابات بالروح ‏القدس " أُمُّ رَبِّي " (لو1/43). ولكن أمومة العذراء للمسيح وحبلها به وولادتها له لا يعني أنَّها أسبق منه في الوجود كإله أو أنَّها أصله ‏ومصدره كإله، حاشا! فهو بلاهوته أصلها وخالقها، فهو الموجود ‏دائمًا قبل العذراء بل وقبل الخلائق " اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ ‏‏" (كو1/17)، فوالدته العذراء مريم مخلوقة بواسطته هو، فهو خالقها ‏وأصلها!! ‏

٭ س 5: إذا كان المسيح هو ابن الله وفي نفس الوقت هو ‏ابن مريم، فكيف يُولد الإله وهو الذي لم يلد ولم يُولد؟ ‏وكيف يُولد من امرأة مخلوقة وهو الخالق؟

نحن نؤمن أنَّ الله ليس مولودًا ولا يلد ولا يتوالد، مثل البشر ‏ليس له ذرية كما أنَّه ليس له أبّ أو أمّ فهو الذي لا بداية له ولا نهاية‏، الموجود الدائم الوجود وعلة كل وجود ولم يُوجده أحد وإنما هو ‏الموجود بذاته، الموجود دائمًا بلا بداية ولا نهاية إذ يقول هو عن ‏نفسه، وقد شاءت إرادته الإلهيّة، منذ الأزل، أنْ يظهر للإنسان علي ‏هذه الأرض وفي هذا العالم بأنْ يتجسّد ويظهر له عيانًا، في الجسد، ‏في مكان معيّن وزمان معيّن ومن ثمّ إختار أمّ معيّنه ليتجسّد منها " في ‏ملء الزمان "، يظهر علي الأرض كإنسان، فحلّ في بطن هذه الأمّ، ‏العذراء مريم، واتّخذ منها جسدًا وظهر علي الأرض كإنسان، اتّخذ صورة العبد وصار في الهيئة كإنسان، وُجد في هيئة إنسان، ظهر ‏في الجسد الكامل، اتّخذ كلّ ما للإنسان، وُلِدَ من أمّ، وهو الخالق الذي ‏لم يخلقه أحد، وُلِدَ في الزمان وهو خالق الزمان، الأبديّ الأزليّ، ‏وُلِدَ وهو الذي بطبيعته لا يَلِد ولا يُولد مثل سائر المخلوقات، نزل ‏علي الأرض، نزل من السماء وظهر علي الأرض في هيئة إنسان ‏وسار بين البشر وعاش بينهم ثلاث وثلاثين سنة وثلث!! ‏

٭ س 6: هل كان ميلاده منها مجرّد مرور أو عبور، حلّ ‏فيها ومرّ من خلالها دون أنْ يأخذ منها شيئًا، كعبور الماء ‏من القناة أو عبور السفن من القنوات؟ ‏

كلا وحاشا، فقد كان ميلاده من العذراء ميلادًا حقيقيًا كاملاً وليس ‏مرورًا. فقد حلّ فيها بلاهوته، غير المحدود، واتّخذ منها جسدًا ‏حقيقيًا، كاملاً، إنسانًا كاملاً، ومكث في أحشائها تسعة أشهر كجنين ‏حتي ولدته عندما تمّت أيامها. لقد كان هو ثمرة بطنها، أي أنَّ ‏ناسوته، جسده، طبيعته الإنسانيّة، مُكَوّن من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ، ‏وأيضًا من روحٍ ونفسٍ وجسدٍ، داخل أحشائها ومن أحشائها ذاتها فهو ‏بالحق والحقيقة ثمرة بطنها " ولد منها ودعيت هي أمه " أُمُّ رَبِّي " (لو1/43). بالرغم من أنَّه، هو خالقها. نعم وُلِدَ من امرأة ولكن باتخاذه جسدًا منها. فهو مع كونه الإله الأبديّ الأزليّ إتّخذ منها جسدًا ‏، احتجب به وسكن فيه، وفي نفس الوقت كان موجودًا في كل مكان ‏ويملأ الكل بلاهوته غير المحدود، واتحد به فكان هو جسده: ‏

" اِحْتَرِزُوا اذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ... لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ." (أع20/28)، " الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ " (1بط2/24). وللتعبير عن هذه الحقيقة يستخدم القديس يوحنا ‏تعبير ؛ " أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ " (1يو4/2-3)، و " الْمَسِيحِ آتِياً فِي الْجَسَدِ. " (2يو1/7).‏

‏ " وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ." (1تي3/16). ‏

ظهر في الجسد في مكان محدود وكان بلاهوته موجودًا في كل مكان ‏بلا حدود، دخل في الزمان وهو غير الزمني وظهر بحجم محدود ‏بالأبعاد الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع) وهو الغير محدود علي ‏الإطلاق. صارت العذراء مريم أمه مع أنَّه خالقها. نعم فالعذراء ‏حبلت به وولدته مع أنَّه هو الأزليّ الأبديّ، غير المحدود، القدّوس. ‏كما دُعِي أيضًا ب " ابن داود "، ومع ذلك يؤكّد هو أنَّه ربّ داود وخالقه، ‏يقول في سفر الرؤيا " أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ." (رؤ22/16). كما سأل اليهود قائلاً " مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ».قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ " (مت22/4245)، وهنا عجز الكتبة ‏والفرّيسيون عن الإجابة علي سؤاله! ‏

‏ كما دُعِي أيضًا ابن يهوذا لأنَّه جاء من سبط يهوذا " فَإِنَّهُ وَاضِحٌ أَنَّ رَبَّنَا قَدْ طَلَعَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا " (عب7/14) ومع ذلك يقول الكتاب أنَّه " أَصْل يَهُوذَا " (اش11/1)، إنّه من نسل يهوذا وفي نفس الوقت رب ‏وأصل يهوذا! ‏

‏ كما دعي أيضًا ب " ابن إبراهيم " ومع ذلك قال هو نفسه لليهود: "‏قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ (أكون) " (يو8/58)، أي قبل أنْ يُوجد ‏إبراهيم أنا موجود، أنا أكون دائمًا، أنا كائن من الأزل وإلي الأبد. ‏

مما سبق يتّضح أنَّ المسيح هو ابن العذراء وخالقها، وابن داود ‏وربه وخالقه، وابن يهوذا وأصله، وابن إبراهيم مع أنَّه الكائن الأزليّ ‏الأبديّ الدائم الوجود.‏

4- أخلي نفسه وتجسّد:

وقد جاءت الإجابة القاطعة على كل ما سبق في قول الكتاب بالروح ‏

" فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. " (في2/5-11).‏

٭ فما معنى قوله بالروح " الذي إذ كان في صورة الله "؟ ‏

٭ ما معنى قوله " لم يحسب خلسة أن يكون مساويا لله "؟

٭ وما معنى قوله أنه " أخلى نفسه "؟

٭ وما معنى قوله " أخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، وإذ ‏وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب ‏‏"؟

وهل يعني هذا أنَّ المسيح أخلي نفسه من لاهوته ومن مجده ‏وعظمته ومن كونه الإله كليّ القدرة والوجود والعلم وأصبح مقيدًا ‏ومحدودًا بحدود الجسد؟ هل تغيّر من إله وصار مجرّد إنسان؟

(1) صورة الله " الذي إذ كان في صورة الله ": ‏

‏ يستخدم الرسول بالروح في قوله " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، " ‏

النصّ اليونانيّ " مورفي - 'mor-fay - ‏μορφή‏ - ‏morphe‏ " والذي يُعَبّر عن ‏طبيعة الكيان وشخصه(14)، والذي يشير إلي الظهور الخارجيّ الذي ‏يوصل للجوهر(15)، وهنا يُعبّر عن الكيان الجوهريّ للَّه(16)، ولذا ‏فالتعبير " صورة اللَّّه " في هذه الآية مترجم في ‏NIV‏ " في نفس طبيعة ‏الله

" In The Very Nature Of God‏" أي " الذي إذ كان في نفس ‏طبيعة الله"(17).‏

ويسبق قوله " صورة الله - ‏μορφή θεός ‏ - ‏ morphe theos‏ " ‏عبارة " الذي إذ كان - ος ἐν‏ - ‏ hos en "، و " كان " هنا ليست ‏في الماضي البسيط، بل في الزمن المستمر والذي يعني هنا الوجود ‏من البدء، أسبقيّة الوجود، الذي كان موجودًا دائمًا، بصفة مستمرّة ‏في حالة الاستمرار، مثل قوله: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ". ويلي ذلك ‏أيضًا قوله أنَّه، المسيح، " مُسَاوِيًا لِلَّه " الآب. ولا يساوى الله إلا الله‏، كلمة الله، صورة الله، الذي له نفس طبيعة وجوهر الله. هو الذي ‏كان دائمًا ويكون دائمًا وسوف يكون أبدًا، الأزليّ الأبديّ، الذي لا ‏بداية له ولا نهاية.

وقوله " لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً (ee'-sos -isos ‏ ‏ ἰσος ‏) لِلَّهِ " ‏يوضّحه ما سبق أنْ قاله الرب يسوع المسيح لرؤساء اليهود " أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ " وفهم رؤساء اليهود من قوله أنَّه يعمل ‏مثل الله أنَّه يعني المساواة المطلقة لله، يقول الكتاب " فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً (‏ison ‏ - ίσοv) نَفْسَهُ بِاللَّهِ ". وقد ‏استخدم الكتاب في كلا الآيتين نفس التعبير " مساوٍ أو معادلٍ من ‏الفعل " إيسوس - ‏isos ‏ - ‏‏ ἰσος " والذي يعني مساوٍ أو معادلٍ. ‏أي أنًَه وهو صورة الله المُعَبّر عن الكيان الجوهريّ للذات الإلهيّة " ‏اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ " (كو1/15)، الذي هو الله، الله الكلمة ‏المساوي لله الآب " الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ " (عب1/3)، لم تُحْسَبْ هذه المساواة التي له مع الآب خلسة ‏بل هي من صميم ذاته لكنّه مع ذلك حجبها في ناسوته متخذًا صورة ‏عبد.

(2) أخلى نفسه:

‏ " لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. ‏‏"، فما معني " أَخْلَى نَفْسَهُ " هنا؟ يستخدم الكتاب هنا الفعل اليوناني ‏"‏ekenosen ‏ - ‏εκένωσεν‏ " من الفعل " ‏ kenoo- ‏κενόω " ‏والذي يعني يُخلي. وتُرجمت في بعض الترجمات بمعني:

" أصبح بلا ‏شهرةreputation of no، وفسّرها الآباء عبر تاريخ الكنيسة ‏بمعني " حجب لاهوته، أخفى لاهوته " في ناسوته، حجب مجده ‏السماويّ في ناسوته بإرادته، أفتقر وهو الغني، كما يقول الكتاب " ‏ فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ. " (2كو8/9). وهذا واضح من مخاطبة الرب ‏يسوع المسيح للآب " وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ. " (يو17/5).‏

لقد أخلي الرب يسوع المسيح نفسه بمعني حجب مجده، فهو مع ‏كونه كلمة الله (يو1/1)، الله الكلمة، عقل الله الناطق ونطق الله العاقل، ‏صورة الله غير المنظور (كو1/15)، صورة الله المساوي لله الآب ‏‏(في2/6)، بهاء مجد الله الآب ورسم جوهرة (عب1/3)، ابن الله الوحيد ‏الذي هو في ذات الله ومن ذات الله، " أخلى نفسه وحجب مجده، ‏أخفي لاهوته في ناسوته، حجب لاهوته في ناسوته، قبل علي نفسه ‏الحدود، حدود البشرية، حدود الإنسان المحدود بالزمان والمكان، ‏ظهر في الهيئة كإنسان وهو في ذاته، بلاهوته، صورة الله المساوي ‏لله كلّي الوجود، غير المحدود بالمكان أو الزمان! ظهر في زمن ‏معين " جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ " (غل4/4)، ومكان معيّن علي الأرض هو سنة (1) ميلادية، في فلسطين، وهو، بلاهوته، الذي بلا بداية له ولا ‏نهاية! ظهر علي الأرض متخذًا صورة الإنسان المحدود بالطول ‏والعرض والارتفاع، وهو بلاهوته، الذي لا يَحُدّه مكان أو زمان. ‏

قبل الرب يسوع المسيح تطوعًا وباختياره أنء يُخلي نفسه بأنْ يَحْجُبَ ‏مجد لاهوته، بأنْ يَحْجُبَ لاهوته في ناسوته، أنْ يُخْفِي عظمته الإلهيّة ‏ومجده وجلاله الإلهيّ في إنسانيّته التي إتّخذها من القدّيسة مريم ‏العذراء.‏

(3) هل تغيّر من كونه إله إلي إنسان؟‏

‏ الله بطبيعته لا يتغيّر يقول الكتاب ؛ " مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. " (مز102/25-27)، " لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ " (ملا3/6). ونفس هذا الكلام الإلهيّ قيل أيضًا عن ‏الرب يسوع المسيح، حتي بعد التجسّد، يقول الكتاب في مقارنة بين ‏المسيح والملائكة؛ " لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ؟ وَأَيْضاً: أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْناً؟ وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ. وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ. وَأَمَّا عَنْ الاِبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ.‏ أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِزَيْتِ الاِبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ. ‏ وَ أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ.‏ هِيَ تَبِيدُ وَلَكِنْ أَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، وَكَرِدَاءٍ تَطْوِيهَا فَتَتَغَيَّرُ. وَلَكِنْ أَنْتَ أَنْتَ، وَسِنُوكَ لَنْ تَفْنَى.‏" (عب1/5-12). وأيضا يقول " يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. " (عب13/8). أي أنَّه بلاهوته ‏هو هو لم ولن يتغيّر، سواء قبل التجسّد أو بعده.‏

لم يتغيّر ولم يتحوّل من إله إلي إنسان، ولم يتغيّر عن كونه الإله ‏القدير إلي إنسان محدود، بل ظل كما هو الإله الكائن علي الكل، ‏خالق الكون ومدبّره، وإنما إتّخذ جسدًا، إتّخذ صورة العبد، حجب ‏فيه لاهوته وظهر في الهيئة كإنسان " عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ،" (1تي 3/16)، حلّ اللاهوت في الناسوت، الجسد، الإنسان ‏‏" لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ انْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ،" (كو1/19)، " فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً. " (كو2/9).

(4) كان كاملاً في لاهوته وكاملاً في ناسوته: ‏

‏ كانت نتيجة إخلائه لنفسه بحجب لاهوته في ناسوته، واتّخاذه جسدًا ‏وحلول اللاهوت في الناسوت، أنْ أصبح الرب يسوع المسيح إله ‏وإنسان في آنٍ واحدٍ، له كل صفات الطبيعة الإلهيّة وكل خواص اللاهوت باعتباره الإله القدير، وله، أيضّا، كل صفات الطبيعة ‏الإنسانيّة وخواص الناسوت، الجسد، الإنسان، لاتّخاذه جسدًا. ومن ‏ثمّ كان يبدو ويتكلّم ويتصرّف ويعمل كإله ويؤكّد أنَّه يعمل كل ما يعمله ‏الله الآب من أعمال وعلي رأس هذه الأعمال الخلق " لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ (الله الآب) فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ. " (يو5/19)، ويؤكّد أنّه كائن ‏وموجود قبل إبراهيم وقبل الخليقة بلا بداية، وأنَّ له كل ما لله من ‏طبيعة وصفات، كما كان يتكلّم ويتصرّف ويعمل أيضًا كإنسان في ‏نفس الوقت. بل أنَّ شخصه حيّر كل من تعاملوا معه حتي كان ‏سؤالهم الدائم هو " أَيّ إِنْسَانٍ هَذَا " (مت8/27)، "وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضاً وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!" (مر4/41)، ولما سئُل هو ‏هذا السؤال " مَنْ أَنْتَ؟. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِهِ. " (يو8/25)، ولكن بعد القيامة يقول الكتاب؛ "وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التّلاَمِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ." (يو21/12).‏

كان يتصرّف كإله وكإنسان في آنٍ واحدٍ، كالله غير المحدود ‏وكإنسان محدود، كالله غير الزمني وكالإنسان الزمني، فكإله موجود ‏في كل مكان وزمان يقول " لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ " (مت18/20)، " وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (مت28/20)، " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ. ‏" (يو3/13)، " أَنَا الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ " (رؤ22/13). ‏ وكإنسان ‏يقول " أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً يَسِيراً بَعْدُ ثُمَّ أَمْضِي إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يو7/33)‏، " قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لَكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ". (يو11/11)، " أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً " (يو14/2)، " أَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي " ‏‏(يو16/5)، وذلك علي الرغم من ذهابه إلي السماء هنا يعني بالأكثر ما ‏سبق أن قاله " وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ. ‏" (يو3/13)، بحسب قوله هو " ‏ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ وَأَيْضاً أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ" (يو16/28).‏

هو الله كما أنَّه هو إنسان في آنٍ واحدٍ، رب إبراهيم ونسل إبراهيم ‏في آنٍ واحدٍ، قال للجموع " أَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ. " (يو8/40)، وقال لهم أيضًا " قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ " ‏‏(يو8/58). وأكّد أنَّه ابن داود وربّ داود في آنٍ واحدٍ، سأل هو رؤساء ‏اليهود قائلا " " مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ».قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً." (مت22/4246)،كما أكّد أنَّه هو "أَصْل ‏دَاوُد " (رؤ5/5)، وفي نفس الوقت هو ذريته " أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ." (رؤ22/16).. ‏‏

هو الإله القدير الكائن علي الكل، وفي نفس الوقت هو ابن مريم ‏المولود التي من بني إسرائيل، يقول الروح القدس بلسان اشعياء النبي ‏‏" لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا (نحن، أي بنو إسرائيل) وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ. "(اش9/6)، ويقول القديس بولس بالروح " وَلَهُمُ (بنو ‏إسرائيل) الآبَاءُ وَمِنْهُمُ(بنو ‏إسرائيل) الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ." (رو9/5). وقالوا عنه " أَلَيْسَ هَذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ" (مر6/3)، وقالوا عنه أيضًا " مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الرِّيَاحَ أَيْضاً وَالْمَاءَ فَتُطِيعُهُ! " (لو8/25؛ مر4/41). ‏

هو الإله كلي القدرة خالق الكون ومحركه ومدبره " كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ‏‏" (يو1/3)، " فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. " (كو1/16)، " الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ،" (عب1/3). وهو أيضًا الذي قال عن ‏نفسه " لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ. لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ." ‏‏(يو5/19-20)، كما قيل عنه أنَّه " انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ " (يو11/33)، ‏‏" فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ " (يو11/38)، " اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ" ‏‏(يو13/21)، " فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ جَلَسَ هَكَذَا عَلَى الْبِئْرِ" ‏‏(يو4/6). " وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ!‏‏" (مر14/33-34).‏

هو الذي له السلطان علي كل ما في السماء وعلي الأرض، كل ما ‏في الكون " فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ " (مت28/18)، وفي نفس الوقت هو ابن الإنسان الذي ‏قال عن نفسه " لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ " (مت8/20). ‏

هو ملك الملوك ورب الأرباب كإله " لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ‏‏" (رؤ17/14)، " وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ" (رؤ19/16)، والذي تخضع له كل الخليقة " أُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. " (دا 7/14)، " لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ " (في2/10). ‏وهو أيضًا الذي دفع الضريبة كإنسان (مت17/27) ووقف يُحاكم أمام ‏الولاة الرومان، بيلاطس وهيرودس (لو23/11-12)، كإنسان، وذلك ‏علي الرغم من أنَّه لم يُخْفِ ملكوته هذا عندما قال لبيلاطس " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا" ‏‏(يو18/36)، وحُكم عليه بالموت بناء علي رغبة رؤساء اليهود وحكام ‏الرومان.‏

هو الحيّ الذي لا يموت كإله، الذي له الحياة في ذاته ومعطي الحياة ‏‏" فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ " (يو1/4)، " إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ. " (يو14/19)، " كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ " ‏‏(يو6/57)، " وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ." (رؤ1/18)، والذي مات كإنسان " وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا أَبَتَاهُ فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ" (لو23/46).‏

هو رب الناموس ومعطي الناموس والشريعة كإله " ‏قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: ‏ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى إمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.... ‏وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ إمْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَقٍ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ إمْرَأَتَهُ إِلاَّ لِعِلَّةِ اَلْزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.... أَيْضاً سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ.‏ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ.... سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ.‏ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا اَلشَّرَّ " (مت5/27-39). وهو أيضًا المولود ‏تحت الناموس كإنسان " وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ" (غل4/4)، والذي تمّم الناموس ‏‏" وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ. وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا (مريم ‏العذراء) حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ " ‏‏(لو2/21-22).‏

هو " اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ." (يو 1/18) " أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو10/30)، " أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ... صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ" (يو 14/10-11)، وفي نفس الوقت كان خاضعًا ‏للآب بحسب ناسوته فيقول، " يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ" (مت26/39). كما قال عن ‏خضوعه كالابن للآب " وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ" (يو8/29)، " وَلَكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هَكَذَا أَفْعَلُ. قُومُوا نَنْطَلِقْ مِنْ هَهُنَا" (يو14/31). ‏

‏هو رب الطبيعة والذي تخضع له كل عناصر الطبيعة فقد حوّل الماء ‏إلي خمر (يو2/1-10)، ومشي علي مياه البحر الهائج ‏‏(مت14/25؛مر6/49؛يو6/19)، " فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «اسْكُتْ. ابْكَمْ». فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. ... فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضاً وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!" ‏‏(مر4/39-41). ومع ذلك فقد مات كإنسان علي الصليب بحسب الطبيعة ‏البشريّة التي له، بناسوته، يقول الكتاب " مُمَاتًا فِي اَلجَسَدِ " (1بط3/18) ‏، " تَأَلَّمَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا بِالْجَسَدِ " (1بط4/1). ومع ذلك يقول " لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ. " (1كو2/8).‏

قال " أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو10/30)، وقال أيضًا " أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي" ‏‏(يو14/28). والواحد مع الآب تعني أنَّه واحد مع الآب في الذات ‏والجوهر والطبيعة وأنَّ كل ما هو للآب هو للابن ولكنه قال " أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي " بسبب تجسّده، تنازله وإخلاء نفسه وتواضعه، صار ‏الآب أعظم منه بالتجسّد، لكنه لم يقلْ " أنا والآب واحد بلاهوتي " ولا ‏أبى أعظم من ناسوتي، أو أعظم مني بحسب الناسوت، بل قال " أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ "، و " أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي "، ناسبًا ما للاهوت للناسوت وما ‏للناسوت للاهوت كالإله المتجسّد.

‏ وكما قال الكتاب أنَّ ابن ربّ المجد صُلِبَ وأنَّ الله سُفِكَ دَمَه علي ‏الصليب، قال أيضًا أنَّ ابن الإنسان هو الربّ والديّان وغافر الخطايا ‏وأنَّه الحيّ والذي له الحياة في ذاته، وفي معظم المرّات التي ذكر فيها ‏لقب " ابن الإنسان " كان يَظْهَر مرتبطًا بصفة من صفات اللاهوت.‏ فهو الإله كلّي العلم، العالم بكلّ شيء، وفي نفس الوقت الإنسان ‏المحدود في المعرفة والذي يبدو وكأنَّه يجهل بعض الأمور "،

يقول ‏الكتاب عن معرفة المسيح المطلقة بالإنسان " فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَ" ‏‏(مت9/4؛مت12/25)، " فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ " (مت22/18)، " لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ. " (يو2/24)، " لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ. " (يو2/25)، وقد كشف ما ‏سيحدث في المستقبل لتلاميذه " هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. " (مت24/25)‏، " أَقُولُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ. "(يو13/19)، "وَقُلْتُ لَكُمُ الآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ. " ‏‏(يو14/29). ووصف لهم كل ما سيحدث لهم بعد صعوده وما سيحدث ‏للكنيسة حتي وقت مجيئه الثاني في مجد " سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلَّهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هَذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي. لَكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهَذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ. " (يو16/2-4). وكان يَعْلَم من سيؤمن به ومن لا يؤمن ؛ ‏

" لأَنَّ يَسُوعَ مِنَ الْبَدْءِ عَلِمَ مَنْ هُمُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَمَنْ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُهُ " (يو6/64).‏

وكان يعلم ساعته المحتومة ليصلب " وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا: «قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ. " (يو12/23)، " أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ " ‏‏(يو13/1)، " فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ " (يو18/4)، ‏وكان يعلم من هو الذي يسلمه " لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ " (يو13/11)، ‏وبالتجربة عرف تلاميذه أنَّه يعلم كل شيء " اَلآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَلَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَكَ أَحَدٌ. " (يو16/30). ولذلك يقول الكتاب ‏عنه " الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ. " (كو2/3). ‏

ومع ذلك فكإنسان يقول الكتاب أنَّه نما في الحكمة والمعرفة والقامة، ‏أي الجسد، " وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ مُمْتَلِئاً حِكْمَةً وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. ... وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ." (لو2/40، 52)، " وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. " ‏‏(اش11/2). وبدا في بعض الأحيان وكأنَّه يجهل بعض الأمور مثل ‏المكان الذي دفن فيه لعازر " وَقَالَ: أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟. قَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ تَعَالَ وَانْظُرْ " (يو11/34)، كما بدا وكأنَّه يجهل اليوم والساعة الذي سينتهي ‏فيه العالم، عندما قال لتلاميذه " وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ إلاَّ الآبُ. " (مر13/32)‏، " لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ " (أع1/7).‏

فهو الإله المتجسّد الذي يجمع في ذاته اللاهوت والناسوت، هو كلمة ‏الله وحكمه الله وقوة الله، الله معنا، وهذه حقيقة لاهوته، وهو أيضًا ‏ابن الإنسان وهذه حقيقة ناسوته. أي أنَّه كإله فهو الله ذاته، كلمة الله‏، ابن الله، وكإنسان فهو ابن مريم. فقد كان كاملاً في لاهوته وكاملاً ‏أيضًا في ناسوته، له كل ما لله الآب، وله أيضًا كل ما للإنسان، لأنَّه ‏الإله المتجسّد، كلمة الله الذي صار جسدًا، صورة الله الذي إتّخذ ‏صورة العبد، الله الذي ظهر في الجسد، الذي جاء إلينا في الجسد، ‏حلّ بملء لاهوته في الجسد، ومن ثمّ فقد صار مجربا مثلنا في كل ‏شيء بلا خطية!! ‏

هو الله غير المرئي بلاهوته والذي صار مرئيًا بتجسّده، يقول ‏القديس يوحنا بالروح " اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. " (1يو1/12).‏

---

(1) المسيح لم يجلس علي كرسي حكم حرفي‏ لأنَّ مملكته كما قال لبيلاطس " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ.... لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا"(يوحنا18/36). إنما كانت مملكته مملكة روحية في العالم الروحي، بيت يعقوب الروحي الذي يجلس علي كرسيها إلي الأبد، مملكته كما تنبّا عنها دانيال النبي ستحكم علي العالم كله " كنت كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ. " (دا 7/13-14). ولأن مملكته روحية فقد رفض ان يكون ملكًا أرضيًا " وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكاً انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ. " (يو 6/15).

(2) أنظر كتابنا " لقب ابن الإنسان هل يدل علي أنّ المسيح مجرّد إنسان فقط؟ ".

(3) وهنا مغالطة واضحة وكذب متعمّد!! فهل يعني نصح المسيح بدفع الضريبة للحاكم عبادة الحاكم وهو الذي قال للشيطان " اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ " (مت4/10)؟!!

(4) يبدو أنّ هذا الكاتب يتجاهل عن عمد، أو جهل، أنّ يوسف كان خطيب مريم العذراء وكان الأب المعروف لليهود للمسيح. يقول الكتاب " لَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَهُوَ عَلَي مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ بْنِ هَالِي " (لو 3/23).

(5) لم يقل الكتاب أنّ المسيح كان ابنا ليوسف، وإنّما هذا مافهمه الناس، فقد كان يوسف خطيبًا لمريم العذراء التي حبلت به " المسيح " من الروح القتدس كقول الكتاب: " أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. " (مت 1/18)، " وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ (يوسف) فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ " (مت 1/20).

(6) أنظر كتابنا " هل كان المسيح يجهل يوم وساعة نهاية العالم ".

(7) لم يقلْ الكتاب أبدًا أنَّ المسيح ندم وتاب واعترف بخطاياه بل علي العكس تمامًا، وهذا ما سجّله الكتاب، قال يوحنا المعمدان للجموع: "أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ وَلَكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعدِي (المسيح) هُوَ أَقْوَى مِنِّي الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ.... حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلَكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً: أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ! فَقَالَ يَسُوعُ لَهُ: اسْمَحِ الآنَ لأَنَّهُ هَكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ. حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعتَمَدَ يَسُوعُ صَعدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ فَرَأَى رُوحَ اللَّهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ." (مت 3/11-17).

(8) وهنا يُغالط الكاتب ويكذب متعمّدًا لأنّ هذه الآية لم تكن لا عن المسيح ولا عن تلاميذه فهي تقول: " حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنّ. وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ. " (مت 3/5-6).

(9) لم يقصد المسيح هنا إهانة غير اليهود، وإنّما العكس تمامًا فقد أكد من خلال حواره مع المرأة الكنعانية أنّ هؤلاء الأمم، غير اليهود، الذين يصفهم اليهود بالكلاب، هم الذين يدخلون الملكوت في حين اليهود سيُطرحون خارج الملكوت.

(10) يستخدم هؤلاء الكتاب هنا تعبيرات لا وجود لها في كلمة الله ولا تليق بجلال المسيح، مثل" يهرع، مذهول من الذعر، خائفا من اليهود، يفرّ، يختبئ في مكان سرّيّ"!! فقد واجه المسيح رؤساء اليهود دائمًا وكانوا هم الذين يخشونه وقد حاولوا قتله أكثر من مرة ولكنه في كل مرة كان يمضي من وسطهم دون أن يقدروا أن يفعلوا شيئًا؛ " فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ (الناصرة) مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى. " (لو 4/29-30)، " فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازاً فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا. " (يوحنا 8/59) وعندما جاؤوا للقبض عليه ليُصلب سلّم لهم نفسه بإرادته " فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ تَطْلُبُونَ؟. أَجَابُوهُ: يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ. قَالَ لَهُمْ: أَنَا هُوَ.... فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَي الأَرْضِ. " (يو 18/4-6).

(11) كما تعني في العبرية أيضًا " اللحم " (حز 37/6) والقرابة الجسدية، النسب (تك 8/23-24)، كما تعني كلمة " بشر" في العربية أيضًا " البشرة " أي ظاهر جلد الإنسان، مختار الصحاح ص 54.

(12) The Pulpit vol. 17: 17

(13) أنظر كتابنا " هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر " وانظر كتابنا " المسيح هو الإله القدير" و " هل تنبًأ العهد القديم عن لاهوت المسيح " و " هل قال الكتاب المقدس أنّ المسيح هو الله؟".

(14) Marvin R. Vencent's Word Study in New Testament Vol. 3P. 431.

(15) Frank A. Gaebelein the Expositors Bible Commentary Vol. 11 p.123.

(16) Vencent's Vol. 3P. 431

(17) New International Version.

الصفحة الرئيسية