لماذا وُلدَّت مُسلِما؟

قائمة المحتويات:
( أ ) خلاصة
(ب) الإنتشار السلمي للمسيحية في قرونها الأولى تناقض مع ضغوط الأسلمة

(ج) طرق الأسلمة: الإضطهاد الإسلامي للمسيحية
( د) طرق الأسلمة: هجرة
( ه ) طرق الأسلمة: معدلات التناسل
( و) طرق الأسلمة: عدم الإستقرار السياسي
( ز) ثورات مصرية ضدّ الإمبريالية العربية الإسلامية
(ح) الأسلمة والإسلام في مصر اليوم

( أ ) خلاصة

لماذا وُلدَّت مُسلِما؟

لإجابة هذا السؤال الأساسي نقدّم التحليل التالي الذي يستند على حقائق تأريخية واقعية. الحقائق التاريخية في هذا التحليل مأخوذة من تاريخ الإسلام في مصر، الذي هو نموذج لانتشار الإسلام في البلاد المسيحية المحتلة تحت الإضطهاد الإسلامي للمسيحية.

إنّ الجواب الفوري علي هذا السوًال أنّك وُلدّت مسلما لأن أبويك كانا مسلمين عند ولادتك. علي الرغم من أنّ الإيمان لا يُورّث، للمعتقدات الدينية للعائلة المباشرة تأثير قوي يوجّه ويشكّل معتقدات الشخص الدينية، وموقفه تجاه الأنظمة الدينية الأخرى. هذا التاثير أقوي في الإسلام لأن سلطة الحكومة الإسلامية في البلد الإسلامي تفرض قاعدة الشريعة الإسلامية التي تجعل الشخص المولود لأبوين مسلمين يُسجّل كمسلم في سجلات الولادة الرسمية. لكن هذا فقط بداية الطريق. بعد ذالك، تقوم الدولة الإسلامية ببرنامج مُركّز من تلقين الإسلام للصغار بواسطة المساجد، المدارس العامّة، وأجهزة الإعلام (راديو، تلفزيون، صحافة، ومنشورات مختلفة). تقوم الحكومة الإسلامية بتمويل، والسيطرة علي، كلّ هذه الأجهزة.

لنفس هذه الأسباب، وُلد أبويك وأجدادك مسلمين. وهكذا إلي أن نصل إلي أجداد أجدادك الذين لم يولدوا مسلمين. هم كانوا مسيحيين. كانوا مسيحيين وُلِدوا لآباء مسيحيين. كان الشعب المصري بكامله مسيحي عشية الغزو العربي الإسلامي في عام 640 ميلادية. هذا يعني أن تراثك القديم مسيحي، ليس إسلامي. هؤلاء الأجداد القدماء الذين كانوا ضعفاء في إيمانهم المسيحي، إعتنقوا الإسلام تحت ضغوط كثيرة. تغيير الديانة تحت ضغوط لا يُعتبر تغييرا شرعيا، لأنه ليس مؤسسا على إعتقاد عميق والتزام حقيقي بدين أو عقيدة مختلفة. وإنّما يتم لتجنّب إمّا إضطهاد إقتصادي أو تعذيب جسدي، أو للحصول علي منفعة مادية، أوبدافع الزواج.

بعد عصر الفاطميين، لم يكن الإرتداد عن الإسلام مسموحا بعد إعتناقه. طبّقوا الشريعة الإسلامية التي تقضي بعقاب الإعدام للمرتد عن الإسلام. يقول لنا تاريخ العصر الفاطمي أن كثيرين من أجدادك عادوا إلي المسيحية عندما سُمِح بهاذا بدون إضطهاد. ربّما أنك تفكّر في هذا لنفسك في المستقبل.

لذالك، إذا أمكن إعادة عقارب الزمن للماضي، وأُزيلت عوامل الضغط والإضطهاد من التاريخ الحزين لمصر تحت الحكم الإسلامي، لكنت قد وُلِدت لأبوين مسيحيين. وعلى الأرجح كنت تختار أن تبقى مخلصا وأمينا لحبيبك المسيح للأسباب نناقشها في هذا الموقع على الشبكة العالمية.

ترْك أجدادك القدماء للمسيحية واعتناقهم للإسلام حدث تحت ضغوط وإضطهادات، لهذا لم يكن قانونيا صحيحا. إعتناقهم الإسلام تحت ضغوط كان السبب أنك مسلما اليوم، لذلك فإنه من واجبك ومن حقك كشخص مسؤول حرّ أن تتسائل وتعيد النظر في وضعك كمسلم، وتلقي نظرة جديدة للمسيح بعقل مفتوح محايد غير متحيّز خالي من روابط أيّ أفكار سابقة، وتقرّر وتختار أذا كنت تريد أن تبقى مسلما، أو ترجع إلى مسيحك المتروك، وبذلك تستعيد خلاصك الأبدي، وتستردّ تراث آبائك المفقود وشخصيتك الوطنية لمصر الخالدة. "ثم ان طلبت من هناك الرب الهك تجده اذا التمسته بكل قلبك وبكل نفسك" (تثنية 29:4). "هانذا واقف على الباب واقرع.ان سمع احد صوتي وفتح الباب ادخل اليه واتعشى معه وهو معي" (رؤيا يوحنا 20:3).

(ب) الإنتشار السلمي للمسيحية في قرونها الأولى تناقض مع ضغوط الأسلمة

من المهم تأكيد الإختلاف الكبير بين إنتشار المسيحية في مصر في العصر المسيحي القديم، وبين وسائل الأسلمة تحت ضغوط واضطهادات مختلفة أثناء القرون الثلاثة عشرة الماضية. على خلاف الإسلام، المسيحية في القرون الأولى لم تعتمد على إمبراطورية أرضية لنشرها بالتوسّع المسلّح. ألإسلام إنتشر باغزو المسلح (الفتح) وقوة السيف. رفض السيد المسيح مملكة دنيوية في هذا العالم (إنجيل يوحنا 15:6؛ 36:18). لم ياتي المسيح لتأسيس إمبراطورية دنيوية في هذه الحقبة الزمنية، لكنه أتى ليؤسس مملكة الله الروحية ، بداية الخليقة الجديدة. أجدادك القدماء الذين تحوّلوا إلى المسيحية من الوثنية لم يفعلوا هذا تحت ضغوط. إعتنقوا المسيحية بسبب إقتناع فكري، إيمان عميق، إلتزام، ومحبة قوية للمسيح. السيد المسيح ورسله لم يرسلوا جيشا غازيا لفتح مصر ، ليستولى على الحكم والسلطة، ويحوّل البلاد إلى المسيحية. بدلا من ذلك، أرسلوا مبشرين مسالمين غير مسلّحين لتعليم إنجيل السيد المسيح. من أشهر أولئك المبشرين القديس مرقس الذي إستشهد في الإسكندرية على يد الوثنيين في سنة 68 ميلادية. كان المسيحيون المصريين في القرون الأولى للمسيحية ثابتيين في إيمانهم المسيحي ومحبتهم للمسيح لدرجة أنّ كثيرين منهم فضلّوا العذاب والموت تحت نير الإضطهاد الروماني الدامي على ترك المسيح، كان إضطهاد الإمبراطور الروماني دقلديانوس في القرن الرابع الميلادي (303-311) أكثر هذه الإضطهادات وحشية. لكنه فشل في منع المسيحية من الإنتشار. تجاوز عدد المسيحيين المصريين الذين ضحّوا بحياتهم واستشهدوا في هذا الإضطهاد 800000 شهيدا (ثمانمائة ألف) . بسبب شدّة هذا الإضطهاد، السنة الأولى في التقويم القبطي هى سنة تتويج الإمبراطور الروماني دقلديانوس في عام 284 ميلادية. تغيير الديانة المؤسس على الإختيار المسئول للإرادة الحرة للشخص والإعتقاد القوى والإقتناع الكامل بالمسيح هو تغيير صحيح وشرعي.

 

حقا إنها لمأساة أن كثيرا من المسيحيين في تلك القرون القاسية من الحكم العربي الإسلامي تحوّلوا إلى الإسلام بسبب الإضطهاد الإسلامي الدائم من قبل العرب المسلمين الغزاة للمصريين الذين رفضوا في البداية أن يتحوّلوا إلى الإسلام. بينما كانت هذه الإضطهادت أحيانا عنيفة ودامية، معظم الوقت كانت إضطهادات إقتصادية على هيئة ضرائب مختلفة مثل ضرائب الخراج على الأراضي والجزية (سورة التوبة 29:9). هذا بالإضافة إلى فديات ثقيلة دورية فرضها الحاكم المسلم لتمويل حروبه وحكمه. العائلات الفقيرة التي لم تكن قادرة على دفع الجزية أجبرت على تسليم أطفالها الأبرياء إلى الحكّام المسلمين كوسيمة لدفع الجزية. فكان الحكّام المسلمون يبيعون بعضهم كعبيد إلى عائلات مسلمة تجبرهم على إعتناق الإسلام. وكانوا يرغمون البعض الآخر من هؤلاء الأطفال الأبرياء على إعتناق الإسلام ثم يجعلونهم يحاربون حروبهم. كان الإضطهاد الإقتصادي أيضا يؤدي إلى طرد مسيحيين مصريين من وظائفهم الحكومية إذا رفضوا إعتناق الإسلام. هذه هي الطرق والوسائل التي جعلت مسلمي مصر يعتنقوا الإسلام.إذ لم يعتنقوا الإسلام إختيارا وطوعا.

إنّ المسلمين المصريين اليوم ولدوا في عائلات مسلمة لأن أجدادهم القدماء إمّا أُرغموا علي إعتناق الإسلام بالإضطهاد والإجبار ، أو إعتنقوا الإسلام للحصول على مكسب مادي (للحصول على عمل حكومي، الخ)، أو للإحتفاظ بالثروة العائلية (الشريعة الإسلامية تقضي بأنه إذا إعتنق شخص الإسلام، تئول ثروته بعد وفاته إلى شخص آخر من عائلته يكون قد إعتنق الإسلام أيضا. لا يمكن أن يرثه شخص مسيحي من العائلة)، أو أخذوا كعبيد عندما كانوا أطفالا ونشأوا في عائلات إسلامية، أو جدّاتهم القدماء أُغتُصبن بواسطة جنود أو رجال قبائل عرب مسلمين من الغزاة وأُجبرن أن يصبحن محظياتهم. من المعروف أن محمد سمح للرجال المسلمين بأخذ محظيات (سورة الأحزاب 50:33؛ سورة النساء3:4, 24)، وهو نفسه قد إتخذ عددا من المحظيات بالإضافة إلى زوجاته. هذا النظام الغير إنساني يحتقر ويهين المرأة.

هذه الطرق ذاتها استعملتها الحكومة الإسلامية للسودان ضدّ مسيحيي جنوب السودان. طرق مشابهة تُستعمل في مصر اليوم على مدى أقل ضراوة لإجبار المسيحيين للتحوّل إلى الإسلام (تفضيل المسلمين على المسيحيين في الأعمال والترقيات، إختطاف البنات المسيحيات القاصرات واغتصابهن، الخ. ). التاريخ يكرّر نفسه. كما تعرف، نتيجة هذا أنّ وجه مصر قد تغيّر وتشوه من أمة مسيحية إلى أمة إسلامية بها أقلية مسيحية مضطهدة.

إنتهى الحكم الإستعماري العربي الإسلامي منذ زمن طويل لكنه ترك خلفه الإسلام واللغة العربية. إغتصب الإستعمار العربي الإسلامي روح مصر وشخصيتها. بالطبع هذه الحقائق التأريخية لا تُعلّم في مدارس مصر حيث يعطون صورة مزيفة مشرقة بهية للحكم العربي الإسلامي. الحقيقة مخفية لأسباب سياسية ودينية. إنه جزء هام من برنامج الأسلمة في محاولة تلقين عقول مسلمين مخدوعين حسني النيّة. هذا التلاعب هو جريمة إنتهاك إنسانية الشخص الذي خلقه الله علي صورته (التوراة تكوين 26:1-27).

(ج) طرق الأسلمة: الإضطهاد الإسلامي للمسيحية

ما يلي هو مناقشة قصيرة لطرق الإجبار والضغط التي إستعملها الحكّام المسلمين لمصر على مدى القرون الماضية لإدخال الإسلام في مصر وأسلمة سكان مصر.

تميّز العصر الإسلامي المبكّر بدرجة من التسامح الديني، والعدالة الإجتماعية (إتمسكن لغاية ما تتمكن) . لكن حلقات إضطهادات شديدة حدثت اثناء أثناء حكم الأمويين، وبعض الحكّام العباسيين، والخليفة الفاطمي الحاكيم بأمر الله (سجن، تعذيب، تشويه، قتل، تدمير وتحطيم كنائس).

الإضطهاد الإقتصادي إستمرّ طوال الحكم الإسلامي من العصر الإسلامي المبكّر إلى أن توقّف في القرن التاسع عشر.

نظر الغزاة العرب إلى مصر كبقرة سمينة أرادوا حلبها. كان مطلوب من كلّ المسيحيين الذكور البالغين سن الرشد السليمي الجسم، بإستثناء رجال الدين والرهبان، دفع ضريبة الجزية (سورة التوبه 29:9). أُجبرت العائلات الفقيرة التي لم تكن قادرة على دفع ضربة الجزية على تسليم أطفالها للحكام المسلمين لوفاء الجزية. فرض حاكم مصر الأموي عبد العزيز إبن مروان (685-705) ضريبة الجزية على رجال الدين والرهبان المسيحيين أيضا. تحوّل المسيحيون الضعيفوا الإيمان إلى الإسلام لكي يتجنّبوا العبء المالي لهذه الضريبة. أدّى هذا إلى هبوط دخل الحكام المسلمين. كان الحاكم المسلم يرفع الضريبة لدرجة أكبر على المسيحيين الذي رفضوا ترك إيمانهم بالسيد المسيح لكي يعوّض النقص في دخل الحكومة الإسلامية. وهكذا حتى وصل الأمر إلى أن حاكم مصر الأموي عبد الله إبن عبد الملك (705-709) أمر بعدم السماح بدفن أي شخص مصري مسيحي بعد وفاته إلى أن تدفع عائلته ضريبته. لم يسمح الحاكم العثماني لمصر بدفن الأب البطريرك القبطي ماتاؤس الرّابع في سنة 1675 إلى أن جمع مبلغ كبير من المال من المسيحيين. بالإضافة إلى الجزية، كان المطلوب من الفلاح المصري دفع الخراج (ضريبة الأرض) ليحصل على حقّ زراعة أرضه التي إستولى على ملكيتها الحاكم المسلم. حينما إحتاج الحاكم المسلم إلى أموال إضافية لتمويل حروبه، أو لأيّ هدف آخر، لجأ إلى الإبتزاز من المصريين المسيحيين (أهل الذمة). كان يقوم بسجن وتعذيب زعماء الكنيسة حتى يحصل على الفدية من المسيحيين. من البديهي أن نظام الضرائب الثقيلة، والغرامات الثقيلة الدورية، ومصادرة أملاك الكنيسة أدت إلى فقر المسيحيين تحت الحكم العربي الإسلامي، وجعل حياتهم اليومية صعبة، مما أدّى إلى ضعف في الكنيسة.

فيما عدا بضعة إستثناءات، خصوصا في العصر الفاطمي، لم يكن مسموحا للمسيحيين أن يقوموا ببناء كنائس جديدة تحت الحكم الإسلامي. بإستثناء بضعة سنوات في عهد الحاكم بأمر الله، تمييز عصر الفاطميين (972-1171) بإضطهادات أقلّ كثيرا من العصور الإسلامية الأخرى. فقد سادت فيه العدالة الإجتماعية. لذالك يعتبر العصر الذهبي للمسيحية الوطنية في مصر تحت الحكم الإسلامي. سمح الفاطميون للمسيحيين بالإحتفال بأعيادهم الدينية علنا في الشوارع. واعتاد المسلمون أن يشاركون في مواكب الإحتفالات الدينية المسيحية في مصر -- فهذا كان تراثهم الوطني. كما سمح الفاطميون للمسيحيين بإعادة بناء كنائسهم. وسمحوا لأولئك الذين أنكروا إيمانهم المسيحي تحت ضغوط الإضطهادات بالرجوع إلى الإيمان المسيحي بدون عقاب. كما سمحوا للمسلمين باعتناق المسيحية بدون العقاب. قام الحاكم بأمر الله (996-1021) بإضطهاد مسيحيي مصر والشام لمدّة تسعة سنوات في عهده. أمر بتدمير أكثر من 30000 كنيسة، ولم يسمح للمسيحيين بإقامة شعائرهم الدينية في كنائسهم . كما أنه قتل عدد عظيم من الكهنة، وصادر أملاك الكنائس والمسيحيين. وضع البطريرك القبطي زكريا في جب أسود جائعة لقتله، لكنّهم لم يفتكوا به لأن الرب قد حماه. فأفرج عنه. أصدر أمرا بإحراق كنيسة القيامة بالقدس. بالإضافة إلى هذا، فرض قواعد مُذلّة على المسيحيين: فكان عليهم أن يرتدوا الملابس السوداء، وكان على كل رجل مسيحي أن يعلق حول عنقه صليب خشبي يزن خمسة أرطال، وكان على المسيحيين أن يركبوا الحمير بدلا من الخيول، إلخ. هذا كان أشد إضطهاد عانته المسيحية في مصر والشام تحت الحكم الإسلامي العربي. غير الحاكم بأمر الله سياسته نحو المسيحيين قبل موته بسنوات قليلة. فأعاد لهم الأملاك المصادرة وسمح لهم بإعادة بناء كنائسهم وأديرتهم. كانت صداقته الجديدة مع راهب قبطي يدعى بيمين سبب هذا التغيير الجذري. كان هذا الراهب قد تحوّل إلى الإسلام تحت ضغط الإضطهاد. إلا أن ضميره قد أنبه لخيانته لمسيحه. فاقترب من الخليفة وأعلن إليه بأنّه سيعود إلى السيد المسيح حتى إذا أدى هذا لقتله. بدلا من أن يأمر الحاكم بأمر الله بقتله إحترم شجاعته وإخلاصه، فصادقه، وسمح له ببناء دير، حيث كان يزوره ويقضي وقتا مع الرهبان للحديث والأكل والشرب معهم.

إزداد إضطهاد المسيحيين في عصر الحملات الصليبية والمماليك. بدأت الحملات الصليبية (1096-1292) بهدف السيطرة على الأراضي المقدّسة لحماية الحجاج المسيحيين والأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين. لكن رغم أن دافعها في البداية كان الدفاع عن المسيحية، أدت إلى إضعاف المسيحية الشرقية. كان المسيحيون الشرقيون يشكلون أغلبية السكان في بعض المناطق في القرن الحادي عشر. بعد الحملات الصليبية، إنخفضت المسيحية الشرقية إلى ديانة الأقلية في وطنها الأصلي. وهكذا كانت الحملات الصليبية من الكوارث الأعظم التي حلت بالمسيحيين الشرقيين في أوطانهم. نظر المسلمون بارتياب إلى المسيحيين المحليين، إذ خافوا أنهم قد يساعدوا الصليبيين. لم يفهموا الإختلافات بين المسيحية الشرقية والغربية. لذا، إشتدّ إضطهاد المسيحية الوطنية كثيرا. فازدادت الضرائب وعنف الغوغاء من المسلمين ضدّ المسيحيين. من الناحية الأخرى، إضطهد الصليبيون المسيحيين المحليين لدرجة أنهم منعوا المسيحيين المصريين من زيارة الأراضي المقدّسة التي سيطروا عليها. لكن الأيوبيين، الذين كانوا قد حطّموا الكاثدرائية القبطية الكبيرة للقديس مرقس في الأسكندرية، أعطوا الكنيسة القبطية دير السلطان في القدس بعد إسترداد القدس في عام 1187. عندما غزا الصليبيون مصر، قتلوا عشوائيا مسلمين ومسيحيين على حدّ سواء. كانت غزوات الصليبيين للفتح والقهر، ليس لتحرير المسيحيين المضطهدين.

المصادرة المتكرّرة لأملاك وأوقاف الكنيسة وإغلاق الكنائس، ماعدا كنائس الأديرة، حدثت في عصر المماليك. كثر تدمير الكنائس وطرد المسيحيين من وظائفهم الحكومية لإسترضاء الغوغاء من المسلمين، وللضغط على المسيحيين المصريين لأسلمتهم. سجن وتعذيب الأبّ البطريرك القبطي حدث من وقت لآخر. من أشد الإضطهادات الإضطهاد الذي حدث في عهد السلطان قلاوون في أوائل القرن الرابع عشر. إرتكب الغوغاء من المسلمين مدعمين بأمراء المماليك أعمال عنف وحشية ضدّ المسيحيين المصريين بتحطيم الكنائس، ونهبها، وقتل المسيحيين. ولعجز السلطان عن حفظ الأمن أصدر قرارا بأنّ من يقتل مسيحيا يحصل على ممتلكاته؛ وأمر بنظام الملابس المختلفة لتمييز المسيحيين واليهود من المسلمين. هذا النمط من الإضطهاد الذي تميز بالعنف الفوضوي للغوغاء من المسلمين مدعوم بأمراء المماليك إستمر في فترة حكم المماليك لمدة أكثر من 250 سنة (1250-1517). وصل هذا العنف الفوضوي الشديد للغوغاء من المسلمين إلى درجة مهاجمة مقابر المسيحيين وأخذ منها بقايا جثث الموتى لإستعمالها كوقود للنار. كرهت الطبقات الإسلامية السفلى المسيحيين بدافع الحسد لأن العديد من المسيحيين إرتفعوا لمراكز عالية في الحكومة نتيجة لعملهم الشاق؛ وبعضهم كانوا أغنياء؛ وبعضهم عملوا في جباية الضرائب. المسيحية المحلية في كلتا مصر والشام عانت بشدّة في عصر المماليك. إنتشر إعتناق الإسلام تحت ضغط الإضطهاد المستمر؛ وفقد المسيحيون رخائهم الإقتصادي. عند نهاية القرن الخامس عشر قلّ عدد المسيحيين حتى أصبحوا أقلية في وطنهم.

الإضطهاد المُتقطّع أثناء العصر العثماني الذي دام حوالي أربعة قرون شابه إضطهاد عصر المماليك. كام التركيز على الإضطهاد الإقتصادي بواسطة الضرائب العالية والغرامات. نظام الملابس والتنقل المختلفة (ركوب حمير، ليس خيول) فُرض أحيانا. الإستيلاء على الكنائس وتحويلها إلى مساجد إستمرّ. قبضوا على الأطفال المسيحيين الأبرياء وحوّلوهم بالقوّة إلى الإسلام، وأدرجوهم في ألقوات الإنكشارية التركية. قتل الأتراك مئات آلاف من المسيحيين الأرمن من سنة 1895 إلى سنة 1920

(د) طرق الأسلمة: هجرة

بدأ الخلفاء المسلمون الراشدون سياسة الإستعمار العربي الإسلامي للمناطق المحتلة. هاجرت قبائل عربية إسلامية بأكملها من شبه الجزيرة العربية إلى الأراضي المحتلة بحثا عن أراضي خصبة. صادر العرب المسلمون المستعمرون أفضل الأراضي الخصبة من الفلاحين المحليّين، الذين أصبحوا خداما للمهاجرين العرب المسلمين الواصلين حديثا. سلب المهاجرين العرب قرى بكاملها وسيطروا عليها. كان الإستعمار العربي الإسلامي مصحوبا بترحيل بعض السكان الأصليين إلى مناطق مهجورة مسلوبة مخربة حيثما وُجد إحتياجا لأيد عاملة. هذا أدى إلى إقتلاع ونفي بعض المسيحيين من وطنهم. أدى هذا إلى تحطيم النسيج الإجتماعي لطبقة الفلاحين. كان المهاجرون العرب المسلمون أقلية مميزة في مصر إختلطت في النهاية بالشعب المصري.

هجرة البدو المسلمين الناطقين بالعربية والأسلمة الناتجة عن ذالك كانت من أهم العوامل في تغيير اللغات المحليّة الأصلية القديمة للأراضي المحتلة إلى اللغة العربية. التغيير كان تدريجيا. التغيير بشكل ملحوظ من اللغة القبطية إلى العربية حدث في مصر في حوالي القرن الثالث عشر. جيوب من المسيحيين الوطنيين المحليين المتكلّمين القبطية إستمرت في بعض قرى صعيد مصر حتى القرن السابع عشر. مرحلة التغيير اللغوي سبّبت صعوبات في الطقوس الكنسية المسيحية حتى تم ترجمتها إلى العربية بعد أن ظهرت الحاجة إلى ذلك. في سني تغيير اللغة كان هناك جزء من المسيحين الوطنيين لم يفهم بعض الصلوات الكنسية. هذا أضعف الكنيسة. أصدر الحاكم الأموي عبد الله إبن عبد الملك أمرا في عام 706 يقضي بأنّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية للحكومة في مصر بدلا من اللغة القبطية المحلية. هذا أجبر المسيحيين الذين أرادوا الحصول على وظائف في الحكومة على تعلّم اللغة العربية. قرر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996-1021) أن أي واحد يستعمل اللغة القبطية في البيت أو الشارع، حتى النساء والأطفال، يُعاقب بقطع لسانه. نتيجة لاضمحلال اللغة المحلية القبطية أمر الأبّ البطريرك القبطي غبريال الثّاني (1131-1145) بأنّ تكون كلّ قراءات العبادة المسيحية باللغة العربية.

بالأضافة إلى الترحيل الإجباري، هاجر بعض المسيحيين الوطنيين هربا من الإضطهاد الإسلامي. هاجر سكان شمال أفريقيا، واليونانيون المسيحيون بمصر إلى أوروبا. كما هاجر بعض الأقباط إلى الحبشة. كثير من الأرمن هربوا إلى الخارج. هرب أغلب سكان غرب آسيا الصغرى إلى الجزر اليونانية وإستانبول. السكّان اليونانيون للساحل الآسيوي للبسفور عبروه إلى الأرض الأكثر أمانا في أوروبا.

(ه) طرق الأسلمة: معدلات التناسل

معدل التناسل الإسلامي كان أعلى بكثير من معدل التكاثر المسيحي. كان هذا بسبب تعدد الزوجات الإسلامي (يسمح القرآن بأربع زوجات للرجل، وطلاق لأيّ سبب)؛ وإتخاذ المحظيات (سُمِح للرجل المسلم بعدد غير محدود من المحظيات من السجناء والعبيد وأسرى الحروب). كما سُمح للرجل المسلم بالزواج من نساء مسيحيات ويهوديات. كان هؤلاء النساء يحتفظن بأديانهن الأصلية. لكن أصبح أطفال هذه الزيجات المختلطة مسلمين بحسب الشريعة الإسلامية. على العكس من ذلك، كان الرجل المسيحي يتزوج إمرأة واحدة؛ لم يُسمح له بمحظيات؛ ولم يُسمح له بالزواج بنساء مسلمات. كان لابدّ أن يعتنق الرجل المسيحي الإسلام لكي يتزوّج إمرأة مسلمة. بحسب الشريعة الإسلامية، أطفال المتأسلم يصبحون مسلمين إجباريا. عدم التكافؤ الضخم هذا في معدلات الخصوبة أدى إلى تزايد عدد المسلمين بكثير بالنسبة لعدد المسيحيين الوطنيين في الأراضي المحتلة.

السبب الآخر لمعدلات الخصوبة الإسلامية العالية، خصوصا بين الطبقة الغير متعلمة التي كانت تشكل الأغلبية، أن زوجة رجل مسلم تريد إرهاقه بأطفال أكثر حتى يصبح من الصعب له أن يتخذ زوجات أخرى عليها، لأنه لا يستطيع أن يتحمّل العبء المالي الإضافي. لا تقبل زوجة زوجة أخرى لزوجها في حالة تعدّد الزوجات، حتى لو كانت زوجته الأخرى أختها، كما نتعلّم من قصة يعقوب مع زوجتيه راحيل وليئه (تكوين 16:29-24:30). كما أن العائلة الكبيرة تضمن الأمن الإقتصادي للزوجة المسلمة لأنها تحميها من الطلاق. فزوجها محتاج إليها أكثر للإعتناء بكلّ هؤلاء الأطفال. وهكذا نرى أن تأمين الزواج، وتأمين الحالة الإقتصادية للمرأة المسلمة، ومركزها الإجتماعي (تحتلّ المطلّقات مركز إجتماعي منخفض في المجتمعات الإسلامية) أدت إلى أن تطالب بأطفال أكثر وعائلة أكبر.

(و) طرق الأسلمة: عدم الإستقرار السياسي

حكم الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين تميّز بعدم الإستقرار السياسي في الأراضي المحتلة. أثناء 225 سنة (642-868) عيّن الخليفاء 111 حاكم على مصر. ببعض الإستثناءات النادرة، كانت متوسط مدّة حكم الوالي لمصر حوالي سنتين. إنتاب الخليفاء قلق خشية أنه إذا طالت مدة حكم الحاكم المسلم في مصر قد يُقوّي قاعدة سلطته وينفصل من الإمبراطورية ويعلن إستقلاله بمصر. هذا أدى إلى تدهور الإقتصاد المصري. إذ كان الإهتمام الرئيسي لؤلئك الحكّام المسلمين القصيري الأمد هو كيفية إستغلال البلاد وجمع ثروة شخصية بأسرع ما يمكن. لم يكن لديهم الوقت أو الإهتمام لتطبيق خطط تنمية إقتصادية طويلة الأجل.

حدثت قلاقل سياسية في القرن الثاني عشر عندما تدهورت الإمبراطورية الفاطمية بسبب صراع على السلطة بين الخليفة الضعيف ورؤساء الوزارات الأقوياء. ميّز عدم الإستقرار السياسي عصر المماليك (1250-1517) بسبب الصراع على السلطة بين أمراء المماليك. وأيضا ميّز عدم الإستقرار السياسي الحكم العثماني في مصر (1517-1870) خاصة في القرن الثامن عشر بسبب صراع على السلطة بين الحاكم التركي وأمراء المماليك المحليّين، حتى تم إبادة المماليك في مذبحة قلعة القاهرة في عام 1811 الذي دبّره ونفّذه محمد علي. عانى المسيحيون أكثر من المسلمين بسبب هذه القلاقل السياسية. كان الحاكم المسلم يطالبهم بأموال أكثر. كما أدّى عدم الإستقرار السياسي إلى الفوضى التي أدت إلى أعمال العنف للغوغاء من المسلمين ضدّ المسيحيين وممتلكاتهم. إنتشرت الفوضوي في الإمبراطوريات العربية والعثمانية.

(ز) ثورات مصرية ضدّ الإمبريالية العربية الإسلامية

تمرّد المصريون ضدّ الحكم العربي الإسلامي لمصر عدّة مرات بسبب الضرائب الباهظة والإضطهاد الديني. هذه الثورات المسلّحة ضدّ الظلم العربي الإسلامي حدثت أثناء فترة أكثر من قرن (725-831). وعلى الرغم أنّ بعض هذه الثورات حققت نجاحا عسكريا في بدايتها، إنتهت جميعها بالفشل. تبع فشل هذه الثورات دمار منتشر، وأعمال وحشية، وسلب، وأسلمة بالقوة. نستشهد هنا بإثنان من هذه الثورات كأمثلة:

1. في عام 751 الميلادي، رفض البشموريون المصريون المسيحيون دفع الضرائب المتزايدة التي حاول جمعها الحاكم المسلم. فقتلوا جباة الضرائب، وبدأوا تمرّدا مسلّحا في شمال الدلتا. بناء على طلب آخر خليفة أموي مروان إبن محمد، حثّ الأبّ البطريرك القبطي خائيل الثوّار على الإستسلام إلى الحاكم المسلم. رفض الثوّار المصريون طلب الأبّ البطريرك، وهزموا قوّات الحاكم العربي المسلم في المعركتين الأوليتين بزعامة مينا إبن بوقيره. لكنّهم خسروا المعركة الثالثة. لم تستطع القوّات العربية الإسلامية أن تتبعهم في مستنقعات شمال الدلتا. إستأنف الثوّار المصريون ثورتهم المسلّحة باستخدام وسائل حرب العصابات.

2. في 829-31 ميلادية، قام المصريون المسيحيون في كل الدلتا بثورة ضدّ السلطات الإسلامية بسبب الضرائب الباهظة والإضطهاد الديني. إنتشرت الثورة إلى صعيد مصر. كانت هذه أعظم ثورة مصرية في تأريخ مصر تحت الحكم الإسلامي. طلب الخليفة العباسي المامون من الأبّ البطريرك القبطي يوساب أن يهدئ الثوّار. طلب الأبّ البطريرك من الناس الهدوء والطاعة للحاكم المسلم الظالم. أطاعه الجميع ماعدا البشموريين في شمال الدلتا الذين رفضوا نصيحته. أخيرا أخمد المأمون الثورة بمساعدة قواد جيشه الأتراك. تبع الهزيمة حمام دمّوي ودمار واسع الإنتشار في شمال الدلتا. كلّ السكان الباقين على قيد الحياة في تلك المنطقة أزيلوا بالقوة إلى سوريا.

(ح) الأسلمة والإسلام في مصر اليوم

إن التالي هو ملخص لنتائج تقرير مؤسسة بيت الحرّية الأمريكي الصادر في عام 1999 بشأن الوضع الراهن في مصر حيث يزداد التطرف الإسلامي:

الأقباط مضطهدون من قبل جماعات إسلامية متطرفة وأحيانا من قبل الشرطة المحليّة ومسؤولي الأمن الآخرين. الحكومة المصرية تعوق حرّيتهم في العبادة وتفرق ضدّهم:

1. ليس لدى الحكومة المصرية سياسة لإضطهاد المسيحيين. لكنها تتحيّز ضدّهم، تتحامل عليهم وتعيق حرّية عبادتهم، وتضطهد أجهزتها ومؤسساتها المختلفة المسلمين الذين يعتنقوا المسيحية:
• تفرض الحكومة المصرية قيود ثقيلة على بناء وإصلاّح الكنائس. لا تفرض هذه القيود على المساجد.
• تُطبق حكومة مصر قوانين وممارسات تفرق دينيا بخصوص تغيير الديانة، الزواج، الأبوّة، التعليم، ورواتب رجال دين.
• تمنع حكومة مصر المسيحيين من المناصب العليا في الحكومة، في السياسية، في الجيش، وفي التعليم. وهناك تفريق متزايد في القطاع الخاصّ.
• تدعم حكومة مصر ماديا أجهزة الإعلام التي تهاجم المسيحية وتحدّد نشاط المسيحيين فى أجهزة الإعلام التي تضبطها الحكومة.
• لا تتّخذ حكومة مصر إجراءات كافية لمنع الإضطهاد والإساءة للأقباط علي المستوى المحليّ، سواء كان الجناة إرهابيين، من العامة، أو من قوّات أمن الحكومة.

2. تضايق الشرطة علي المستوى المحليّ المسيحيين وأحيانا تضطهدهم، خصوصا المسلمين الذين يعتنقون المسيحية. وذلك بسبب التعاطف مع، أو الخوف من ، الإسلاميين المتطرفين. في عدّيد من الحالات تواطئت الشرطة المحليّة مع الإسلاميين في الأسلمة القسرية للفتيات القبطيات القاصرات.

3. الإرهابيون الإسلاميون المتطرفون يضطهدون ويخيفون الأقباط بتهديدهم للإبتزاز، بالهجوم عليهم، وأحيانا بقتلهم، خصوصا في المناطق المسيحية بصعيد مصر.

الفهرس