أم المؤمنين تأكل أولادها

نبيل فياض

 

http://kitabat.com/um_almuamenen.htm

ملاحظة 1:

عنوان هذا الكتاب مستمدّ من الحكاية التالية:

دخلت أم أوفى العبدية على عائشة بعد وقعة الجمل، فقالت لها: يا أم المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار! قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صعيد واحد. قالت: خذوا بيد عدوة الله!!!

ابن عبد ربه، العقد الفريد ، ذكر خاتمة وقعة الجمل.

عيون الأخبار لابن قتيبة 1 : 202

ملاحظة 2:

لقد آثرنا أن نستعين ببعض المراجع الشيعية الاثني عشرية في تحضيرنا لهذا الكتاب؛ لكن بما أن عملنا موجه للسنّة أولاً، كان استئناسنا بالشواهد الشيعية يقتصر على الهامش ليس إلا. وهذه المراجع أساساً هي: بحار الأنوار ، الكافي ، من لا يحضره الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار ، وسائل الشيعة ، مستدرك الوسائل ، الميزان في تفسير القرآن .

كلما ازدادت الفكرة هشاشة

كلما ازداد إرهاب أصحابها، في الدفاع عنها

هذا الكتاب ليس ردّاً على ما جاء في كتاب البوطي عائشة أم المؤمنين ، الذي أشار فيه صاحبه، مرات كثيرة، إلينا، دون ذكر الاسم - بأسلوبه الباطني البالي. وهكذا، فنحن لن نذكر البوطي في كتابنا، لا من قريب ولا من بعيد، لأنه لا يستحق أن يذكر في كتاب أخذ من الجهد «العلمي» و «البحثي» ما لا طاقة - ولا وقت - للبوطي على تحمله.

إن من يقرأ كتاب البوطي « عائشة أم المؤمنين » ويلاحظ كم الشتائم ² والألفاظ غير المهذبة والاتهامات غير الموثقة الواردة فيه، لن يندهش أبداً إذا ما عرف أن هذا البوطي إنما يأخذ مثالاً له وقدوة أم المؤمنين السيدة عائشة التي لا تقلّ عنه شتائماً وسباباً واتهامات وافتراءات: هذا ما تخبرنا به - على الأقل - تلك الأعمال الصفراء التي يعتبرها البوطي مصادره ومراجعه : نحن لا تعنينا بأي شيء، بل كنا نتمنى لو أن شاة عائشة - أو دويبتها أو دجاجتها، بحسب المرجع المعتمد - التي أكلت آية رضاع الكبير أكلتها كلها: فارتاحت وأراحت.

بقي أن نذكر، أن الذين اخترعوا أسطورة البوطي وسوقوها بين العامة والحشوية، سيسألون ذات يوم حين يكتشف هذا الوطن ذاك الكم من الدجل والتزييف والتطرّف والباطنية الذي دلف من هذه الأسطورة. والزمن لا يرحم! والتاريخ لا يرحم.

نبيل فياض

صفحة لابد منها

قبل الدخول في « ساحة وغى » هذا الكتاب الشائك، لابد من التوقف عند بعض التوضيحات الذاتية لإزالة كل لبس أو شك أو ريبة من نفوس الموضوعيين، وإغلاق أبواب الدّس على المغرضين، الذين نالنا ما يكفي من سهامهم بعد كل كتاب نقدم عليه أو نقترفه؛ ونبدأ ذلك بسرد الحادثة الشخصية التالية: فقبل سنوات، وكنت أعمل على تلخيص مايهمني من أمهات كتب التراث الإسلامي في واحدة من أشهر المكتبات العامة في دمشق ، تفاجأت بأحد القائمين على العمل في تلك المكتبة ممسكاً بأحد أعمالي، محاولاً التأكد من صدقية مصادري. تعرفت بالرجل، الذي ينتمي الى التيار السلفي؛ دارت بيننا حوارات غير مطولة، لكنها مفيدة، أوحت إلي بضرورة الاستمرار في نبش التراث الإسلامي لأنه المسؤول الأول والأخير عن تشويهنا ديناً وحضارة ونفوساً وتاريخاً؛ وفي أحد تلك الحوارات، أبديت استغرابي من الإساءات التي تلحقها كتب التراث بالنبي محمد وأهله وأصحابه، وأشرت تحديداً إلى حوادث من نمط قتل العرنيين بعد سمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم أو قتل بعض الاشخاص رغم تعلّقهم بأستار الكعبة أو التصرفات الأخلاقية أو الجنسية المشينة - المعزوة كلها زوراً، برأينا، للنبي! وكان رد السلفي المثقف بأنكم، معشر اليسار، تريدون نبيّاً على شاكلة جماعات الخضر والبيئة والديمقراطية وحقوق الإنسان!! ونبيّنا لم يكن كذلك !! نبيّنا كان يقتل ويسمل الأعين ويحب النساء ... نبيّنا ليس كما ترون!!! وراح الرجل يكيل التهم بأن ما نقوله هو ادعاء حق يراد به باطل!! فنحن، برأيه، لا نريد الدفاع عن النبي بقدر ما نريد الطعن بالتراث الإسلامي!!

الآن، ومع تزايد الخبرة وتراكم الإطلاع، يمكننا القول، إن البحث عن إبرة حقيقة في جبل القش الذي يسمونه التراث الإسلامي ضرب من الخيال!! وتصوّرنا للمسألة يمكن إيجازه بالقول إن المؤامرة الوحيدة الكبيرة التي هزت الإسلام هي وصول الأمويين إلى الحكم، فهؤلاء لم يكونوا مسلمين بأية حال: بل كانوا، بمعنى ما، أعداء للإسلام!! ومنذ أن تلقفها معاوية تلقف الكرة، راح وسلالته، يعمل على الإنتقام من محمد وهاشم بكل حقد القبلي وعنفه. وزمن الأمويين كانت بدايات التدوين لما يسمى بالتراث الإسلامي وازدهار تجارة الحديث، وهكذا بدأت صيرورة الاختلاق التشويهية لكل رموز الإسلام العظيمة: إذا كان أبو سفيان فشل في القضاء على الدعوة المحمدية خارجياً، فلا بأس من نسف سلالته لها داخلياً، عبر تقزيم كل ما هو عملاق فيها - صار مؤسس أول دولة عربية في التاريخ ذكراً لا هم له إلا النساء والطعام؛ صار الذي جاء لاتمام مكارم الأخلاق زوجاً يحرّض زوجاته على بعضهن بالسباب والشتائم؛ صار النبي الذي لا ينطق عن الهوى رجلاً يمكن للشيطان أن يلقي على لسانه بآياته؛ صار الذي عصمه الله كائناً يستطيع حتى اليهود أن يسحروه...وكانت السيدة عائشة الضحية الأولى للحملة الأموية. فقد حاول هؤلاء الإفراط في إضفاء القداسة على أم المؤمنين لأكثر من غاية: فمن جهة يمكن لأنوار هالة القداسة إعماء البصيرة عن تفعيل العقل في ما ينسبه الأمويون للسيدة عائشة من أحاديث مختلقة؛ ومن جهة أخرى يمكن لهكذا إفراط في القداسة أن يكسف أنوار قداسة فعلية لأكبر أعداء التوجه الأموي والذي حاربته أم المؤمنين ذاتها : علي بن أبي طالب!! ولعب الزمن والعباسيون الدور الأسوء في تقديس الأكاذيب وإسقاط الحقائق!

وهكذا، فنحن لا نؤمن بحرف واحد مما تحبل به التراثيات الإسلامية، بما في ذلك ما يرد في هذا الكتاب؛ أما تقديمنا لهذه الأكاذيب، بحسب اعتقادنا على الأقل، في عمل نأمل أن يكون باكورة لأشياء بعده، فهو يدخل أولاً وأخيراً تحت عنوان : إما تقديس النبي والجماعة الإسلامية الأولى أو تقديس التراث؛ وما لهجتنا المفعمة بالسخرية والنقد إلا لتحريض أعنف مشاعر السخط عند المتلقي!!!

 

كلمة البداية

هل الإله، كما تصوّره تلك الأديان التي نشأت في منطقة الشرق الأدنى، في كلّ تجلّياته ومفاهيمه التي لا نملك دليلاً «مادياً» على ما هو الأكثر منطقية بينها: أقوى أم الإنسان؟

هل الإله، كما تعارفت على تصويره تلك الأديان، هو الذي يحمي الإنسان: أم العكس؟ وهل يحتاج إلى وصاية بشرية عليه، ككائن ضعيف، قاصر، لا حول له ولا قوة؟

الإله، كما نتلمّسه في مفاهيم غالبية الإسلاميين الحاليين وتصوراتهم، أضعف من أي كائن بشري، مسلماً كان أم غير مسلم - لذلك فهو بحاجة إليهم كي يدافعوا عنه، بحميتهم المعهودة، وعنفهم التقليدي، وصيحات انتصارهم المخيفة.

الإسلاميون عموماً على استعداد الآن لأن يقصّوا كلّ لسان يتحدّث عن إلههم بما لا يعجبهم - أن يكسروا كلّ يد، يقطعوا كلّ رقبة، يحطّموا كلّ قلم، يمزقوا كلّ صفحة!

الإسلاميون عموماً يبيحون لأنفسهم شتم كلّ المعتقدات - وليس هذا بغريب، إذا كان فعلاً اعتيادياً شتم أمهات المؤمنين، زوجات النبي، إحداهن الأخرى - والآراء التي لا تنتمي إلى دوائرهم؛ لكنهم يصادرون على الآخر أدنى حق بانتقادهم، بما في ذلك الإشارة إلى ما في ركامهم الأصفر الورقي من فضائح ومؤامرات وإرهاب ممنهج: لا يحق للباطل، أي الآخر، الاقتراب من الحق الإسلامي، حتى من داخله.

الإله، في نهاية الأمر، فكرة تتجسد على نحو مختلف بحسب الزمان والمكان. وإيمان المرء بهذا التجسيد دون غيره يعتمد أولاً وأخيراً على ظروف هذا المرء الحياتية. فهل يعقل أن يُنحر الإنسان على مذبح الفكرة؟ وهل توجد فكرة في هذا العالم، مهما بدت عظيمة ورائعة، أهم من الإنسان؟ وكيف - ومتى، وأين - أعطى الإله إسلامييه هذا الحق؟ من الذي وكّلهم، عن الإله، كي ينفذوا تلك الأحكام التي يعتقدون أنه أعطاها، بطريقة ما، للبشرية؟

الصحوة الإسلامية... وقوة الصورة المتداولة للإسلام:

في وسائل الإعلام المموّلة بنقود أكبر كارثة عرفها العرب في تاريخهم، النفط، يُتداول مصطلح تفوح منه رائحة الإرهاب والمصادرة: «الصحوة الإسلامية». وكثيراً ما نرى رموز الإسلاميين - خاصة المصريين الذين اشتهروا على مرّ العصور بتسويق أفكار من يدفع جيداً - في محطات التلفاز النفطية تسوّق، بنوع من الاهتياج غير المعقلن، هذا المصطلح، لترفع سوية الذاتية عند مستمعيهم، في وطن أمّي، مستلب، مقهور، مقموع - داخلياً وخارجياً- إلى درجتها القصوى! وغالباً ما تربط تلك الرموز بين الصحوة المزعومة وقوة الصورة المتداولة للإسلام أيديولوجياً. بالمقابل، هنالك حديث مملّ في تكراريته، مزعج في لا علميته، حول تراجع الأديان الأخرى وانكماشها عالمياً، نتيجة لضعفها أيديولوجياً وتضعضعها بنيوياً. لكن: هل قوة الصورة المتداولة للإسلام في أيديولوجيتها، أم في أشياء أخرى؟

كلّ المؤشرات في ما يسمّى بالعالم الإسلامي تدلّ على أن قوة الصورة المتداولة للإسلام تكمن في سيفها وإرهابها: وبالتالي فإن أي حديث عن قوتها الأيديولوجية هو «حديث خرافة يا أم عمرو»! وإلا: فكيف نفسّر هذه المصادرات - للأفكار - المنتشرة كالسرطان في كلّ العالم الإسلامي:

مثال شخصي أول:

هل يوجد علم دين مقارن في الأدبيات الإسلامية؟ لا! بل إنّ محاولاتنا البسيطة في هذا الحقل قوبلت باهتياج شديد في الكويت، واتهمت أعمالي الثلاثة المتعلقة بالموضوع بالمسّ بالذات الإلهية! لكن لماذا يتهمون كتب الدين المقارن بالمس بالذات الإلهية؟ الدين المقارن لا يمسّ الذات الإلهية لأنها، مفاهيمياً، عصية على المسّ؛ وهم يصادرونها لأنها، في اعتقادنا، تكشف، دون لبس، أن الغالبية العظمى مما يقدسونه من أفكار جاء من الخزانة الحاخامية التي لا ينفكون يسيئون إلى سمعتها ويلطخون تاريخها ويشتمونه. ولا نقصد بالخزانة الحاخامية التوراة، بل التلمود أولاً والمدراش ثانياً. وحين يشتم الإسلامي الصغير حاخامه الأعظم، فذلك لن ينجيه من مأساة واقع أنه لو نُخز إصبعه بدبوس، لما تقطّر من ذاك الإصبع إلا الدم الحاخامي.

مثال شخصي ثان:

هل يمكن أن أنسى شخصياً ما حدث لكتابي « يوم انحدر الجمل من السقيفة » في أقطار عربية، مع أن العمل لا يعدو كونه أكثر من جمع، من هنا وهناك - كلّها مصادر إسلامية من الدرجة الأولى - لأخبار حول الصراعات الإسلامية الداخلية التي أعقبت وفاة محمد حتى معركة الجمل؟ ولماذا يتهمون الأعمال التي تتناول التاريخ الإسلامي بالتآمر على الإسلام وأهله، إذا كانت مصادر أصحاب تلك الأعمال هي التراث الإسلامي ذاته، وإذا كانت الصورة المتداولة للإسلام تنضح بالمؤامرات بحق؟ ومن أحاط هؤلاء المقدّسين بتلك الهالات الملائكية، إذا كانوا هم أنفسهم، كما يخبرنا بذلك التراث الإسلامي ذاته، في تعاملهم بين بعضهم، أبعد ما يكونون عن القداسة وهالات الملائكة؟

لقد ضاعت الحدود: امتزج الإله، بأنبيائه، بأصحابهم، بأتباعهم، بمشايخهم على مر العصور - حتى صار مسّ أغبى رجل دين مسّاً بالذات الإلهية، يستحق صاحبه القتل أو الزجر أو ما شابه! رموز التيار الإسلامي الفاعلة على الساحة الآن، تعرف أفضل من غيرها بكثير، مصائب تاريخها وفضائحه ومآسيه - لذلك فهي تحيط بالسيوف هذا التاريخ وتحاول، بكل ما لديها من وسائل، قطع أيّ يد تمتد إليه بغير الطريقة التي ترغب بها تلك الرموز، كي لا تشكّك العامة والحشوية بالأسس التي تعتمد عليها هذه الرموز في بناء مجدها المادي أولاً والمعنوي ثانياً.

السيوف في كلّ مكان - والعقل وحده هو المطلوب! الدين المقارن محظور حتى لا يُلقى بالشك على مصادر العقيدة والشرع وقصص الأنبياء..!!! النقدية التاريخية ممنوعة حتى لا يُلقى بالشك على حيوات أولئك الملائكة المقدسين..!!! الآراء والتيارات الجديدة محظورة، أو تقدّم بما يشوهها في عيون العامة، حتى لا ينجذب إليها المؤمنون - والشيطان حاضر! فهل القوة في العقيدة: أم في السيف الذي يحميها؟

الإسلاميون... والتاريخ:

في ظل الخرافية العمياء التي يعيشها المجتمع العربي، ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين - هل هي ردّة فعل على جنون التقدم التقني والحضاري في دول العالم الأول؟- صار رجال الدين المسلمون مرجع العامة في كلّ الأمور. فلو أراد العاميّ السؤال في الطب، رجع إلى شيخه؛ ولو أراد التفقه في الفلسفة، سأل شيخه؛ ولو أراد التبحّر في علم الفلك، عاد إلى شيخه؛ بل لقد تفاجأنا بتزاحم الشيوخ، وكأنهم على أبواب الجنّة ورضوان يحاول تنظيمهم، للإدلاء بآرائهم في مسألة الاستنساخ: تحوّلوا كلهم، بقدرة قادر، إلى مراجع في الهندسة الوراثية بكافة ضروبها وفروعها. فهل يعقل، إذاً، أن يتركوا لغيرهم «فسحة أمل» في إمكانية مقاربة عقلانية للتاريخ الإسلامي، الذي يعتبرونه ملكهم أصلاً؟!

«ما دام رجل الدين هو المعيار في مسألة الصح والخطأ - لن تكون هنالك إمكانية لمعرفة الإجابة على سؤال: ما هي الحقيقة؟».

رجال الدين المسلمون لا يكتبون في علم التاريخ، بل يستخدمون التاريخ لتسويغ عقائدهم وتوزيعها، كالخبز، بين العامة والحشوية. التاريخ عند رجال الدين المسلمين ليس غرضاً للدراسة بحدّ ذاته، بل وسيلة تمرّر عبرها أفكار بعينها، تساعد في ترسيخ قبضة هؤلاء الرجال على رقاب العامة والحشوية.(هل قرأتم كيف تقدّم كلية الشريعة في جامعة دمشق العقائد المخالفة لتلاميذها، الذين ، كما يُفترض، سيصبحون قادة شعبيين مستقبليين ذات يوم؟ اقرأوا إذاً كتاب الشتائم الأكاديمي العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر )! لا يوجد علم تاريخ عند المسلمين: توجد دفاعيات عقائدية؛ مع ذلك، وكي نكون منصفين، فالسنّة، في مقاربتهم للتاريخ، يختلفون تماماً عن الشيعة.

السنّة... ومقاربة التاريخ!

منذ أن سقط المعتزلة وساد التيار الأشعري بين السنّة، استشهد العقل على مذبح الخرافة، وصار التفكير التهمة الأبرز التي يمكن أن تودي بصاحبها إلى التهلكة. وهكذا فالسنّة، عموماً، يتحاشون التفكير، لأنه أقوى أعدائهم. لذلك فهم يقمعون أية محاولة لإعمال العقل في أية مسألة، ويجدون مبرّرات لكلّ الأخطاء والجرائم والمؤامرات والتناقضات التي تتحاشد في كتب التراث الإسلامي - حتى لو كانت بمستوى الجمل أو صفين أو الحرّة أو كربلاء! التاريخ كلّه سنّي؛ فالتاريخ، بالنسبة للسنّة، كلّه جيد. ورجال التاريخ، بالنسبة للسنّة، كلّهم قديسون وملائكة تمشي على الأرض - حتى لو كانوا من نمط يزيد بن معاوية أو الوليد الثاني أو الأمين أو المتوكل حتى آخر تلك السلسلة السيئة السمعة، النتنة الرائحة! اقطعوا اليد التي تمتد اليوم إلى يزيد بن معاوية والمتوكل «على الله» والوليد الثاني والأمين - حتى لا تمتد غداً إلى معاوية وهارون، وبعد غد إلى الزبير وطلحة، والأسبوع القادم إلى عمر بن الخطاب وعائشة...!!! . هذا هو منطق رجل الدين السنّي، الذي ينصّب ذاته أيضاً باحثاً في علم التاريخ - ويحظر على غيره ذلك! اقطعوا اليد التي تهزّ رموز هذا التاريخ، لأنها ستهزّ بالتالي أسسنا نحن. إرمٍ بعقلك... وامضِ!

Credo quia absurdum esse

الشيعة.. ومقاربة التاريخ:

يصدم الشيعة، بقدراتهم الجدلية الفائقة التي اكتسبوها عبر الزمان كأقلّية مستضعفة تصارع أغلبية إرهابية، السنّي العامي التقليدي بأدلتهم الدامغة وحججهم القوية: يعتقد المرء، للوهلة الأولى، أن مساحة العقل في الدائرة الشيعية أوسع منها في الدائرة السنّية - يفرح المرء!!!

يجد المرء الشيعة يكدّون ويجتهدون ويطاردون الزمان في البحث عن أدلّة تؤكّد صحة آرائهم واعتقاداتهم، وتؤكّد عمق مفاهيمهم ومعانيهم- يفرح المرء!!

يتفاجأ المرء بالشيعة يكفرون يزيد بن معاوية ويجرّمون الحجاج ويطعنون في شرف أم معاوية وأم عمرو بن العاص وينتقدون طلحة وعثمان والزبير وعائشة، وينتقصون من خلافة أبي بكر وعمر- يفرح المرء!

لكن الفرحة لا تدوم : فالزمن، وحده، كاف لأن يجتثها من جذورها؛ فهؤلاء الشيعة الذين ينقّبون التاريخ باحثين عن خبر صغير يدين خصومهم العقائديين - فيلمّعونه ويكبّرونه ويقدّمونه لعامتهم لحمايتهم عقائدياً من المعسكر الآخر - يتفهمون ذلك الركام الكبير من النصوص التي تدين رموزهم وتشير إليها بالاتهامات ذاتها التي يشيرون بها إلى رموز أعدائهم العقائديين ويحاولون الطعن به، بأسلوبهم الكلامي الجدلي الشهير، الذي لا تنطلي حيلة هشاشته على أحد؛ بل إنّ الشيعة يستخدمون بعض الأحاديث التي كانت في الأصل لإدانة بعض رموزهم، في إدانة رموز أعدائهم العقائديين. من ذلك، مثلاً، استخدام حديث محمد، «فاطمة بضع مني فمن أغضبها فقد أغضبني»، والذي قيل أساساً بحق علي، للطعن على أبي بكر حين أغضب فاطمة - مادياً - حين رفض إعطاءها فدك..!

«إذا كان السنّة يكرهون الاقتراب من الحقيقية ويحرّمون ذلك، فالشيعة يقدّمون وهم الحقيقة على أنه جوهر الحقيقة».

لقد أظهرت الوقائع التي أفرزتها ثورة الخميني وتجلّياتها في لبنان والعراق وغيرهما، أنّ الحرية التي كان الشيعة يندبونها - وهم سادة الندب - حين كانوا مقموعين من السنّة، صارت بحاجة إلى ندّابين أكثر خبرة من الشيعة في ظلّ تلك الأنظمة أو شبه الأنظمة ذات النَفَس الشيعي: التكفير السنّي الاعتباطي الشهير، صار تكفيراً منهجياً مثقفاً عند الشيعة؛ اعتقال حرية المرأة، بكافة أشكاله، السنّي الشهير، صار اعتقالاً للأنوثة في ظل الثيوقراطية الشيعية الصارمة؛ المركزية الدينية المهلهلة عند السنّة، صارت كهنوتية محاكم - تفتيشية، تقحم أنفها في كلّ شيء، عند الشيعة - كلّ ذلك مغلّف بقشرة وهم عقلانية زائفة حفاظاً على تماسك المضمون في عيون العامة والحشوية ¯ .

لكن العلمانية تتفشى، وإن ببطء، في صفوف السنّة!! - صرخ الشيوخ في مصر والسعودية، قارعين أجراس الخطر على المستقبل. ما هو الحل؟ أعيدوا إخراج التاريخ! كيف؟ قصّوا من كتب التراث كلّ تلك الحوادث التي قد تشكّك الشخص العادي بتاريخه ورموزه؛ عقموه؛ طهروه! لكن: ماذا سيتبقى أخيراً؟!!!

إن عمليات «المونتاج» المدروسة التي تتمّ على كتب التاريخ عموماً في مصر والسعودية هي أكبر عملية تزييف عرفها التاريخ - لكنها غير مفيدة، ما دام أعداء هؤلاء العقائديين يمتلكون نصوصاً أصلية ومطابع ونقود ونفط!!!

محمد البراغماتي... وعلي الدوغماتي!

كما أشرنا، وكما قالت كتب التاريخ، فقد اعترض محمد على عليّ بشدّة، حين حاول الأخير، وكان شاباً يتفجّر حيوية وجنساً، أن يتزوج امرأة ثانية - وكانت الزوجة الأولى فاطمة بنت محمد ذاته. وتعدّد الزوجات، كما هو معروف، كان تقليداً شائعاً في ذلك الزمن. بالمقابل، فقد سمح محمد لذاته، وكان آنئذ يقارب الستين، أن يتزوج كلّ من وصفت له بالجمال أو الصبا، حتى تجاوز عدد اللواتي دخل بهن، خمس عشرة امرأة.

قَبِل عليّ اعتراض محمد لأنه دوغماتي. وحلّل محمد لنفسه ما حرّمه على غيره لأنه براغماتي. وبراغماتية محمد هي التي أدّت به، في نهاية الأمر، إلى وضع أسس أول دولة عربية في التاريخ؛ في حين أوصلت الدوغماتية عليّاً - مقابل ميكافيلية معاوية - إلى الاستشهاد «في سبيل العقيدة».

تحكي المصادر التاريخية أيضاً، أنّ محمداً قطع يد إحدى النساء من بني أسد لأنها سرقت، بغض النظر ما إذا كانت سرقتها قد تمّت تحت وطأة مرض نفسي أو حاجة مادية، وقال جملته الشهيرة حين حاول بعضهم مراجعته في ذلك: «لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها». وتخبرنا المصادر التاريخية أيضاً، أنّ قوماً أغاروا على لقاح لمحمد، فأخذهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ورماهم تحت الشمس حتى ماتوا.

بالمقابل، فحين أغار خالد بن الوليد على بني جذيمة وقتل منهم الكثير، وكانوا آنئذ مسلمين، لا لسبب، إلا لأنهم قتلوا عمّه الفاكه بن المغيرة زمن الجاهلية، اكتفى محمد بأن رفع يديه إلى السماء، حتى «بان بياض إبطيه» - يبدو أن هذه المسألة هامة جداً إسلامياً - وقال: «اللهم إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد!!!»، قالها ثلاثاً.

لماذا قطع محمد يد تلك المرأة المسكينة التي سرقت، ومثّل بالعرنيين وقتلهم صبراً لأنهم أغاروا على لقاحه، في حين اكتفى فقط بأن تبرّأ إلى الله مما فعل خالد، الذي قتل بعض المسلمين، دون أدنى ذنب، سوى أن تلك القبيلة - بنو جذيمة - قتلت عمّه في الجاهلية؟

كان خالد بن الوليد قائداً هاماً جداً في جيش محمد. والبراغماتية، عند الأخير، فوق الدوغماتية. لذلك، لا بأس من تقريع بسيط لسيف الله المسلول، دون غمده.

عليّ لم يكن كذلك. - وهذا سر إعجابنا بهذا الرجل، الذي لا يمكن مقارنته، شخصاً وفكراً ونتاجاً أدبياً بكل ما عرفه الإسلام الأولي من شخوص وأفكار ونتاجات أدبية - دون أدنى استثناء. والذين لا يفهمون لبّ إعجابنا، يخلطون بين عليّ والتشيع، فيشيعون علينا تهمة التشيع. عليّ، برأينا، شيء: والتشيع شيء آخر! عليّ، برأينا، شيء: والإسلام الذي يتداول في السوق هذه الأيام، كالمسواك وكتب الجن: شيء آخر.

كان محمد ، كما يصفه التراث الإسلامي، براغماتياً - وليس هذا بغريب. فالإسلام لم يأته إلا بعد أن بلغ الأربعين ¯ . في حين أن عليّ بن أبي طالب، الذي رضع حليب الإسلام منذ الطفولة - فرسخ في قلبه ولاوعيه منذ البداية الأولى - لم يعرف حقيقة غير الإسلام: وهو ما أهّله لأن يكون الدوغماتي بلا منازع، في جماعة الإسلام الأولى. عليّ بن أبي طالب: المؤمن الأول والأخير. وحين دفن عليّ، دفن معه الإيمان في الإسلام، وظلّ وجه معاوية القبيح وسلالته المبتذلة، المعادية للإسلام، يزين جدران المساجد وأبواب التكايا! وللأسف، فنسخة الإسلام الأموية وحدها التي تباع الآن في أروقة الأزهر وشوارع قم وبسطات الجامع الأموي.

القسم الأول

عائشة في البيت النبوي

I

الزوجة - الطفلة

ولدت عائشة في السنة الرابعة ، بعد البعثة. وأبوها، أبو بكر، أوّل خليفة، كان اسمه عبد الله بن أبي قحافة بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم القرشي. أمّا أمّها فهي أم رومان بنت عامر بن عويمر. لا يوجد اتفاق شامل حول تاريخ زواج محمّد منها، وربما أنّه تزوجها قبل هجرته بسنتين (1) .كذلك فالأرجح أنّه بنى بها في شهر شوال، في الشهر الثامن عشر بعد الهجرة، بعد معركة بدر. وهكذا، فقد عاشت معه ثمانية عشر عاماً تقربباً. وكانت وفاتها ليلة الثلاثاء، لسبع عشر خلون من رمضان. لكن سنة وفاتها مختلف فيها: سبع وخمسون أو ثمان وخمسون (2) أو تسع وخمسون للهجرة. وصلّى عليها أبو هريرة، وكان قد خلف مروان بن الحكم، والي المدينة آنذاك، في إحدى غيباته عن ذاك المصر.ودفنت في البقيع بوصية منها مع غيرها من نساء محمد (3) .

زواجها:

لانمتلك معلومات كثيرة (4) حول عائشة قبل دخولها البيت النبوي - وهذا طبيعي: لأنّها لم تكن قبل ذلك سوى طفلة. لكن الأخبار تتزاحم فجأة عند ذكر نبأ زواجها وبعده. ورغم بعض التناقضات البسيطة بين خبر وآخر، إلاّ أنّها تتفق جميعاً في أنّ التي ذكرتها للنبي هي خولة بنت حكيم (5) ؛ وأنّ أبا بكر رفض الفكرة في البداية، متذرعاً ، من ناحية، بأنّه وعد بها المطعم بن عدي لابنه؛ وبأنّ النبي أخوه، من ناحية أخرى. لكنّ محمداً رفض كلّ ذلك، وأصرّ على زواجه من عائشة. يقول الطبري: «لم يتزوج رسول الله على خديجة حتى مضت لسبيلها. فلمّا توفيت، تزوج بعدها؛ فاختلف فيمن بدأ بنكاحها منهن بعد خديجة. فقال بعضهم: كانت عائشة بنت أبي بكر؛ وقال بعضهم: بل كانت سودة بنت زمعة... فأمّا عائشة، فكانت يوم تزوجها صغيرة لا تصلح للجماع، وأمّا سودة فإنّها كانت امرأة ثيباً، قد كان لها قبل النبي (ص ) زوج، وكان زوجها السكران بن عمرو... من مهاجرة الحبشة... مات، فخلف عليها رسول الله (ص) وهو بمكّة... ولا خلاف أنّ رسول الله (ص) بنى بسودة قبل عائشة» (6) .

في مسنده ، يفصّل أحمد نبأ زواج النبي من عائشة وسودة، فيقول: «لمّا هلكت خديجة، جاءت خولة بنت حكيم (7) ، إمرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله! ألا تزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكراً وإن شئت ثيباً! قال: فمن البكر (8) ؟ قالت: ابنة أحب خلق الله - عزّ وجل - إليك! عائشة بنت أبي بكر! قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول! قال: فاذهبي. فاذكريهما علي!.

فدخلتْ بيت أبي بكر، فقالت: ماذا أدخل الله - عزّ وجلّ - من الخير والبركة! قالت[أم عائشة]: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله (ص) أخطب عليه عائشة! قالت: انتظري أبا بكر.

فجاء أبو بكر، فقالت: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله (ص) أخطب عليه عائشة! قال: وهل تصلح له (9) ؟! إنما هي ابنة أخيه! فرجعت إلى رسول الله (ص)، فذكرتْ له ذلك، قال: ارجعي فقولي له: أنا أخوك، وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي.

فرجعتْ، فذكرت ذلك له؛ قال: انتظري! وخرج. قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد موعداً قط فأخلفه...

فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي، وعنده امرأته، فقالت: يابن أبي قحافة! لعلك مصب صاحبنا [ابنها] مدخله في دينك الذي أنت عليه إذا تزوج إليك! قال أبو بكر للمطعم ابن عدي: أقول هذه تقول؟ قال: إنها تقول ذلك! فخرج من عنده، وقد أذهب الله - عزّ وجل - ما كان في نفسه من عدته التي وعده. فرجع، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله! فدعته، فزوجها إياه، وعائشة يومئذ بنت ست سنين!.

ثم خرجتْ، فدخلتْ على سودة بنت زمعة، فقالت: [كما قالت لأبي بكر وزوجته]؛ فقالت [سودة]: وددت ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له! وكان شيخاً كبيراً قد أدركه السن، قد تخلّف عن الحج. فدخلت عليه، فحيته بتحيّة الجاهلية، فقال: من هذه؟ فقالت: خولة بنت حكيم! قال: فما شأنك؟! قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة! قال: كفء كريم؛ ماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذاك! قال: ادعها لي! فدعيتها؛ قال: أي بنيّة؛ إن هذه تزعم أن محمد... قد أرسل يخطبك، وهو كفء كريم - أتحبين أن أزوجك به؟! قالت: نعم! قال: ادعيه لي! فجاء رسول الله (ص) إليه، فزوجها إياه، فجاءها أخوها عبد بن زمعة من الحج، فجعل يحثي في رأسه التراب! فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني سفيه! يوم أحثي في رأسي التراب أن تزوج رسول الله (ص) سودة بنت زمعة!.

قالت عائشة (10) : فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج في السنح. فجاء رسول الله (ص)، فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء. فجاءتني أمي، وإني لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة ولي جميمة، ففرقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني، حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهج، حتى سكن من نفسي. ثم دخلت بي، فإذا رسول الله (ص) جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك، فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك! فوثب الرجال والنساء، فخرجوا، وبنى بي رسول الله (ص) في بيتنا، ما نحرت (11) عليّ جزور ولا ذبحت عليّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد ابن عبادة بجفنة، كان يرسل بها إلى رسول الله (ص) إذا دار إلى نسائه (12) ، وأنا يومئذ بنت تسع سنين» (13) .

من مكة إلى المدينة:

يقول المنتظم (14) ، إنه في السنة الهجرية الأولى، «بعث النبي (ص) إلى بناته وزوجته (15) سودة بنت زمعة، زيد بن حارثة وأبا رافع، فحملاهن من مكة إلى المدينة».

يروي ابن سعد (16) الحديث، نقلاً عن عائشة ذاتها، فيقول: «لما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة، خلّفنا وخلّف بناته؛ فلما قدم المدينة، بعث إلينا زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم، أخذها رسول الله (ص) من أبي بكر، يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهر، وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الديلمي ببعيرين أو ثلاثة؛ وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر، يأمره أن يحمل أهله: أمي أم رومان، وأنا، وأختي أسماء، امرأة الزبير! فخرجوا مصطحبين، فلما انتهوا إلى قديد، اشترى زيد بن حارثة بتلك الخمسمئة ثلاثة أبعرة، ثم رحلوا من مكة جميعاً. وصادفوا طلحة بن عبيد الله، يريد الهجرة بآل أبي بكر، فخرجنا جميعاً، وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة. وحمل زيد أم أيمن وأسامة بن زيد؛ وخرج عبد الله بن أبي بكر بأم رومان وأختيه؛ وخرج طلحة بن عبيد الله، واصطحبنا جميعاً؛ حتى إذا كنّا بالبيض من منى، نفر بعيري وأنا في محفّة معي فيها أمي، فجعلت أمي تقول: وابنتاه! واعروساه! حتى أدرك بعيرنا، وقد هبط من لَفْت، فسلّم الله عز وجل! ونزل آل رسول الله، ورسول الله (ص) يومئذ يبني المسجد وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله. ومكثنا أياماً في منزل أبي بكر، ثم قال أبو بكر: ما يمنعك من أن تبني بأهلك؟ قال رسول الله (ص): الصداق! فأعطاه أبو بكر اثنتي عشرة أوقية ونشاً، فبعث بها رسول الله (ص) إلينا، وبنى بي رسول الله في بيتي هذا الذي أنا فيه، وهو الذي توفي فيه رسول الله (ص)، وجعل رسول الله لنفسه باباً في المسجد، وجاه باب عائشة. وبنى رسول الله (ص) بسودة في أحد تلك البيوت التي إلى جنبي، فكان رسول الله (ص) يكون عندها».

المرأة الطفلة:

كانت عائشة في علاقتها بالنبي، أقرب ما تكون إلى طفلة وجدّها. ويبدو أنه أدرك ذلك جيداً، فتركها تمارس طفولتها كما تشاء - وكان لهذا نتائجه الخطيرة على نفسيتها لاحقاً.

تحدّثنا عائشة عن أيام زواجها الأولى، فتقول (17) : «دخلت عليه وإني لألعب بالبنات [الدمى] مع الجواري، فيدخل، فينقمع منه صواحبي، فيخرجن. فيخرج رسول الله (ص)، فيسرّبهن علي» (18) . وتقول أيضاً: «إنها كانت مع النبي في سفر؛ قالت: فسابقته، فسبقته على رجلي؛ فلما حملتُ اللحم، سابقته، فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة» (19) . ويروي أبو داود (20) عن عائشة، قولها: «قدم رسول الله (ص) من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت الريح، فكشفت ناحية الستر من بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي! ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع؛ فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قال: فرس! قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان! قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ فضحك حتى رأيت نواجذه».

عن عائشة أيضاً، يروى الحديث التالي (21) : «دخل عليّ رسول الله (ص)، وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث (22) ، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه؛ ودخل أبو بكر، فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي (ص)؟! فأقبل عليه رسول الله (ص)، فقال: دعها! فلما غفل، غمزتهما، فخرجتا. وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي، وإما قال: تشتهين تنظرين؟! فقلت: نعم! فأقامني وراءه، خدّي على خدّه، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة! حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم! قال: فاذهبي». وفي صحيح مسلم (23) ، تقول: «رأيت رسول الله (ص) يسترني بردائه، وأنا إنظر إلى الحبشة وهم يلعبون - وأنا جارية». وفي رواية أخرى (24) ، تقول: «جاء حبش يزفنون في المسجد، في يوم عيد، فدعاني النبي (ص)، فوضعت رأسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم، حتى كنت أنا التي انصرفت» (25) .

الزوجة الأثيرة:

تتحدّث روايات كثيرة - كلّها تقريباً منقولة عن عائشة - عن حب النبي الكبير لعائشة، وتفضيله إياها على سائر زوجاته. فهي تقول، على سبيل المثال: «كان رسول الله إذا سافر، يسهم بين نسائه، فكان إذا خرج سهم غيري، عرف فيه الكراهية؛ وما قدم من سفر قط، فدخل على أحد من أزواجه، أوّل مني، يبتدئ القسم فيما يستقبل من عندي» (26) . ويذكر الزمخشري (27) أن النبي «كان يقسم بين نسائه، فيعدل (28) ، ويقول: هذه قسمتي (29) فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك - يعني المحبة - لأن عائشة كانت أحبهن إليه». ويقال إن عمرو بن العاص سأل النبي مرة: « أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطاب » (30) .

وهكذا، فحين «جعله نساؤه في حلّ: يؤثر من يشاء منهن على من يشاء - كان يؤثر عائشة وزينب» (31) . وكان يقول عنها: «كمل في الرجال كثير، ولم يكمل في النساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد - وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام» (32) .

II

أخلاق عائشة... والنبي

يبدو أن فارق السن بين النبي وعائشة، وإمكانيات هذه المرأة على كافة الأصعدة، جعلها الأثيرة عنده والأقرب إلى قلبه، وجعلته بالمقابل متساهلاً معها؛ يقال: «كان رسول الله (ص) رجلاً سهلاً، فإذا هويت [عائشة] شيئاً، تابعها عليه.. أخرجه مسلم» (1) . لكن هذا لم يكن ينطبق على سائر نسائه. فقد قال عمر بن الخطاب، ذات يوم، لابنته حفصة: «لا يغرنّك حب رسول الله عائشة وحسنها أن تراجعيه بما تراجعه به عائشة» (2) ، أو: «لعلّك تراجعين النبي بمثل ما تراجعه عائشة - إنه ليس لك مثل حظوة عائشة، ولا حسن زينب» (3) . - وهذا التساهل أدّى بعائشة إلى التطاول على النبي، ووصل الأمر أحياناً إلى حدود لا تليق بإنسان عادي: فكيف بنبي؟

ففي إحدى المناسبات، «قال رسول الله (ص) لأبي بكر: يا أبا بكر، ألا تعذرني في عائشة؟ فرفع أبو بكر يده، فضرب صدرها ضربة شديدة. فجعل رسول الله، يقول: غفر الله لك، يا أبا بكر، ما أردت هذا» (4) . وفي مناسبة أخرى- ربما تكون الروايتان تتعلقان بالحدث ذاته- تروي عائشة أنها قالت للنبي: «أليس تزعم أنك رسول الله؟ فتبسّم، وقال: أوفي شك أنت يا أم عبد الله؟ فقلت: ألستَ تزعم أنك رسول الله؟ فهلا عدلت! فسمعني أبو بكر، وكان فيه عرب، أي: حِدَّة، فأقبل عليّ، ولطم وجهي! فقال رسول الله (ص): مهلاً يا أبا بكر، إنّ الغيران لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه... أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي» (5) .

تروي نصوص كثيرة، عن عائشة، أنها قالت للنبي: «أقصد! فرفع أبو بكر يده، فلطمني، قال: تقولين، يا بنت فلانة! لرسول الله (ص): أقصد» (6) . وفي مناسبة أخرى. قيل إنه «كان بينها وبين النبي (ص) كلام، فقال لها: من ترضين بيني وبينك؟ أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضى - عمر قط! عمر غليظ! قال: أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم! فبعث إليه رسول الله (ص)، فقال: إن هذه من أمرها كذا ومن أمرها كذا! فقلت: اتقِ الله ولا تقل إلا حقاً... فرفع أبو بكر يده، فرثم أنفها» (7) . ويروى أنها قالت له: «أنت الذي تزعم أنك نبي الله! » (8) . ويذكر ابن ماجة (9) ، عن عائشة، «أن رسول الله (ص)، إنما آلى لأن زينب ردّت عليه هدية، فقالت عائشة: لقد أقمأتك! فغضب، فآلى منهن». ومرّة، «جاء أبو بكر يستأذن على النبي (ص)، فسمع عائشة (رض)، وهي رافعة صوتها على النبي (ص)، فأذن له، فدخل، فقال: يا بنت أم رومان! أترفعين صوتك على رسول الله؟ وتناولها أبوها (رض)، فحال النبي (ص) بينه وبينها، فلما خرج سيدنا أبو بكر (رض)، جعل رسول الله (ص) يقول لها، يترضاها: ألا ترين أني حلت بينك وبين الرجل؟ ثم جاء سيدنا أبو بكر (رض)، فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، فأذن له، فقال: يا رسول الله، أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما» (10) . وكثيراً ما كانت عائشة تغضب من النبي: يذكر مسلم (11) نقلاً عنها: «قالت: قال لي رسول الله (ص): إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية، وإذا كنتِ عني غضبى! فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنتِ عني راضية؛ فإنك تقولين: لا وربّ محمد؛ وإذا كنتِ غضبى، قلت: لا ورب ابراهيم. قلت: والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك». ولم يذكر بعضهم جملتها الأخيرة (12) .

وفي نص هام آخر، يقال: «إن رسول الله (ص)، كان يقول لها: إني أعرف غضبك إذا غضبتِ، ورضاك إذا رضيت! قالت: وكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا غضبتِ، قلت: يا محمد!. وإذا رضيتِ، قلت: يا رسول الله» (13) .- فهل كان غضبها يحجب عنها ايمانها بنبوته؟ بالمقابل، كان النبي بدوره يغضب منها. يذكر ذكوان مولى عائشة، عنها قولها: «دخل عليّ النبي (ص) بأسير، فلهوت عنه، فذهب. فجاء النبي (ص)، فقال: ما فعل الأسير؟ قالت: لهوت عنه مع النسوة، فخرج! فقال: مالكِ، قطع الله يدك أو يديك!!! فآذن به الناس، فطلبوه، فجاءوا به، فدخل عليّ وأنا أقلّب يديّ، فقال: مالك، أجننت! قلت: دعوتَ عليّ! فأنا أقلّب يديّ، أنظر أيهما يقطعان! فحمد الله، وأثنى عليه، ورفع يديه مدّاً، وقال: اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه، فاجعله له زكاة وطهوراً» (14) .

ظل سوء الخلق والحدّة يلازمانها، في علاقتها مع النبي، حتى أيامه الأخيرة. تقول عائشة: «رجع إليّ رسول الله (ص) ذات يوم من جنازة بالبقيع، وأنا أجد صداعاً في رأسي، وأقول: وارأساه! قال: بل أنا، ورأساه! قال: ما ضرّكِ لو متِ قبلي، فغسلتك وكفنتك، ثم صليت عليك، ودفنتك؟! قلت: لكأني بك - والله - لو فعلت ذلك، لقد رجعت إلى بيتي، فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسّم رسول الله (ص)، ثم بدئ بوجعه الذي مات فيه» (15) .

الله... يسارع في هواك:

في إشارتها إلى غيرة عائشة العنيفة، حين تزوج النبي زينب بنت جحش، ذكرت بنت الشاطئ، أن عائشة قالت له، بعدما صدّق القرآن على هذا الزواج من زينب، التي كانت اشترطت بدورها أن يتدخل الله بذاته حتى توافق: «ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك»!. لكن، والحقّ يقال، لم نجد ما يؤكد صحة مزاعم بنت الشاطئ هذه في المصادر الإسلامية المعروفة. لقد وجدنا قول عائشة للنبي: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك»، لكننا لم نجد ربطاً بينه وبين حدث زواج النبي من زينب بنت جحش. وهنالك احتماليتان: إما أن تكون بنت الشاطئ وجدت هذا الربط في عمل لم نحظ بمصادفته حتى الآن، الأمر الذي يعني أن جملة عائشة الشهيرة تلك كانت ردة فعل اعتيادية لها على أي زواج لا يعجبها؛ أو أن تكون بنت الشاطئ أخطأت في تقديرها، فالروايات الشهيرة في التراث الإسلامي تربط هذه الجملة حصراً باللواتي كن يمنحن أنفسهن للنبي. وتبقى غيرة عائشة العارمة القاسم المشترك بين الاحتماليتين. - أي: المضمون واحد- ينزل القرآن يأمر بتلبية إحدى رغبات النبي الجنسية، فتفسّر ذلك عائشة، بأن الله يسارع له في هواه. وهكذا، يروي صحيح البخاري (16) ، نقلاً عنها : «كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله (ص)، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟! فلما أنزل الله تعالى: «ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك»، قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» (17) . وفي نص صحيح مسلم (18) ، تقول: «والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك» (19) . وفي نص آخر، من المرجع ذاته (20) : «كانت [عائشة تقول]: أما تستحي من امرأة تهب نفسها لرجل؟» أو: «أوتهب الحرة نفسها» (21) ؛ أو: «ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق» (22) .

أخلاقها مع الآخرين... والنبي

كانت حدّة عائشة، على ما يبدو، محطّ نقد النبي باستمرار. وإذا ما غضينا الطرف عن تلك الحدّة في تعاملها مع نسائه الأخريات لأننا سنناقش المسألة تفصيلياً لاحقاً، يمكن لنا أن نتلمّ‍س بوضوح أنّ أحداً لم ينج من تلك الحدّة - بما في ذلك الحيوانات.

يذكر مسلم في صحيحه (23) ، على سبيل المثال، أن عائشة، قالت: «أتى النبي (ص) أناس من اليهود، فقالوا: السام عليك، يا أبا القاسم! قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السام والذام! فقال رسول الله (ص): يا عائشة! لا تكوني فاحشة! فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا - قلت: وعليكم». وفي نص آخر (24) : «ففطنت بهم عائشة، فسبتهم!!! فقال رسول الله (ص): مه، يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش! وزاد: فأنزل الله عز وجل: «وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله» ، إلى آخر الآية؛ وفي نص ثالث (25) ، نجدها تقول: «وغضب الله إخوان القردة والخنازير - أتحيون رسول الله بما لم يحيه به الله».

بالمقابل، يروي أبو داود (26) عن عائشة الحديث التالي: «إن رجلاً استأذن على النبي (ص)، فقال النبي (ص): بئس أخو العشيرة! فلما دخل، انبسط إليه رسول الله (ص)، وكلّمه. فلما خرج، قلت: يا رسول الله، لمّا استأذن، قلت: بئس أخو العشيرة! فلما دخل انبسطت إليه! فقال: يا عائشة، إن الله لا يحب الفاحش المتفحش؛ [أو]: إن من شرار الناس الذين يكرمون اتقاء ألسنتهم» (27) .

وفي مسند أحمد (28) ، «أنه سرق ثوب لها، فدعت على صاحبها، فقال [النبي]: لا تسبخي عليه».

وركبت عائشة جملاً مرة، «فلعنته، فقال لها النبي (ص): لا تركبيه» (29) . وفي رواية أخرى (30) ، تقول: «كنت على بعير صعب، فجعلت أضربه، فقال لي رسول الله (ص): عليك بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».

سلوك النبي بحسب عائشة:

كانت اليهود تقول عن النبي «انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من طعام، ولا والله ماله همة إلا النساء» (31) . وإذا كنا سنحكي عن مسألة شغف النبي بالجنس، كما تصوّر ذلك أحاديث عائشة، في فصل «عائشة... والجنس»، فسوف نحاول الآن أن نظهر أن عائشة، في أحاديث لها كثيرة، صوّرت النبي شغوفاً بالطعام أيضاً. من ذلك، قولها: «كان رسول الله (ص) يعجبه من هذه الدنيا ثلاثة: الطعام والنساء والطيب» (32) . ومن ثم تؤكّد: «كان النبي (ص) يحب الحلواء والعسل» (33) ؛ وتقول: «كان رسول الله (ص) يأتي القدر، فيأخذ الذراع منها، فيأكلها!!!، ثم يصلّي ولا يتوضأ» (34) . وتخبرنا أيضاً أنه «كان يأكل البطيخ بالرطب» (35) ، و «كان لا يجد اللحم إلا غباً» (36) .

إضافة إلى ما سبق، نجد أن النبي في أحاديثها، قابل لأن يُسحر: «سحر رسول الله، فمكث كذا وكذا يوماً يخيل إليه أنه يأتي أهله، ولا يأتي؛ قال سفيان: هذا أشدّ ما يكون من السحر» (37) . وفي نصّ لها آخر، تقول: «سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه» (38) . والغريب أن يهود بني زريق هم الذين كانوا قد سحروه (39) .

وهو كثير الشتم: تروي عائشة أنّ رجلين دخلا على « النبي (ص)، فأغلظ لهما وسبّهما، فقلت: يا رسول الله، لمن أصاب منك خيراً، ما أصاب هذان منك خيراً! فقال: أوما علمت ما عاهدت عليه ربي عز وجل، قلت: اللهم أيما مؤمن سببته أو جلدته أو لعنته، فاجعلها له مغفرة وعافية وكذا وكذا» (40) .

وتؤكّد عائشة على مسألة اللعن، فتقول: «إنّ أمداد العرب كثروا على رسول الله (ص) حتى غمّوه، وقام إليه المهاجرون والأنصار، يفرجون دونه، حتى قام على عتبة عائشة فرهقوه، فأسلم رداءه في أيديهم، ووثب على العتبة، فدخل وقال: اللهم العنهم! فقالت عائشة: يا رسول الله، هلك القوم! فقال: كلا والله يا بنت أبي بكر! لقد اشترطت!!! على ربي - عز وجل - شرطاً لا خلف له، فقلت: إنما أنا بشر أضيق بما يضيق به البشر، فأي المؤمنين بدرت إليه مني بادرة، فاجعلها له كفارة» (41) .

وهو ينشغل عن صلاته بأبسط الأمور؛ تروي عائشة: «صلّى رسول الله (ص) في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية» (42) .

كانت عائشة تقول: «اشربوا ولا تسكروا» (43) . وتقول أيضاً: «كنا ننبذ للنبي (ص) في سقاء، فنأخذ قبضة من زبيب أو قبضة من تمر، فنطرحها في السقاء، ثم نصبّ عليها الماء ليلاً، فيشربه نهاراً، أو نهاراً، فيشربه ليلاً» (44) .

أخيراً، تحدثنا عائشة عن سلوك للنبي، قبيل وفاته، لم نجد سبيلاً إلى فهمه أو تبريره؛ تقول: «إن رسول الله (ص) كانت تأخذه الخاصرة، فيشتد به جداً، فكنا نقول: أخذ رسول الله (ص) عرق الكلية! لا نهتدي أن نقول: الخاصرة! ثم أخذت رسول الله (ص) يوماً، فاشتدت به جداً، حتى أغمي عليه، وخفنا عليه، وفزع الناس إليه فظننا أن به ذات الجنب، فلددناه، ثم سري عن رسول الله (ص) وأفاق، فعرف أنه قد لُدّ، ووجد أثر اللدود، فقال: ظننتم أن الله عز وجل سلّطها عليّ؟ ما كان الله يسلّطها عليّ! والذي نفسي بيده، لا يبقى أحد في البيت إلاّ لُدّ - إلاّ عمي! فرأيتهم يلدّونهم رجلاً رجلاً... وبلغ اللدود أزواج النبي (ص)، فلددن امرأة امرأة، حتى بلغ اللدود امرأة منا؛ قال ابن أبي الزناد: لا أعلمها إلا ميمونة؛ وقال بعض الناس: أم سلمة! قالت: إني والله صائمة! فقلنا: بئسما ظننت أن نتركك، وقد أقسم رسول الله (ص)! فلددناها والله... وإنها لصائمة» (45) .

كل هذا التناقض!!!

ظلت هذه الحدة متمكنة من عائشة حتى مراحل متأخرة من حياتها. فقد روي، على سبيل المثال، أن «ابن أبي عتيق، دخل على أم المؤمنين عائشة، وهو مشتمل على قرد، وقال لها: يا أمه، بركي مني! فقالت: بارك الله فيك! قال: وفيما معي! قالت: وفيما معك! فتكشف لها عنه، فقالت: لقد هممت أن أدعو عليك بدعوة تدخل معك قبرك» (46) .

إن كلّ ما سبق، وغيره كثير، يدفعنا حتماً إلى التساؤل: هل يمكن أن تكون عائشة بالفعل أحب الناس إلى قلب النبي، أو أن يكون أمر حقاً أن يأخذ المسلمون شطر دينهم عنها؟ وهل قال في الواقع: إنّ فضلها على النساء، كفضل الثريد على الطعام؟

سنروي هنا بعض الأخبار التي تشكك في ما هو متعارف عليه من أن النبي كان يحبها - ويفضّلها - على سائر أهل عصره. تقول إحدى الروايات، نقلاً عن عائشة ذاتها، «إن رسول الله (ص) أهديت له قلادة جزع، قال: لأدفعنها إلى أحب أهلي إليّ ! فقالت النساء: ذهب بها إلى ابنة أبي قحافة [عائشة]. فعلّقها في عنق أمامة بنت زينب بنت رسول الله (ص)» (47) .

أما بشأن ما يُنظر إليها كأحد أهم مراجع الدين، فقد ورد في صحيح البخاري: «قام النبي (ص)، فأشار إلى مسكن عائشة، فقال: ههنا الفتنة! ههنا الفتنة! حيث يطلع قرن الشيطان» (48) ؛ وورد في صحيح مسلم: «خرج رسول الله (ص) من بيت عائشة، فقال: رأس الكفر من ههنا حيث يطلع قرن الشيطان» (49) ؛ وروي عن أبي حاتم أن النبي، «قال: أطعمينا يا عائشة؟ قالت: ما عندنا شيء! فقال أبو بكر: إن المرأة المؤمنة لا تحلف أن ليس عندها شيء وهو عندها. فقال النبي: وما يدريك أنها مؤمنة!!! إن المرأة المؤمنة كالغراب الأبقع بين الغربان» (50) .

III

أخلاق عائشة... ونساء النبي

إذا كانت عائشة بهذه الحدّة وتلك الأخلاق في تعاملها مع النبي، فكم بالحري أن تزداد تطرفاً في حدّتها وعنفها في التعامل مع زوجاته، اللواتي كن ينافسنها في كلّ شيء. ولما كانت أخبار عائشة مع نساء النبي الأخريات كثيرة وهامة، ارتأينا أن نقدّمها بشيء من التفصيل والتصنيف، فنجعل لكل زوجة من زوجاته الهامات فصلاً مستقلاً، ثم نجمل الباقيات الثانويات في فصل واحد.

يذكر اليعقوبي في تاريخه أن النبي تزوج بإحدى وعشرين امرأة، وقيل ثلاثاً وعشرين. وهن: خديجة، سودة، غزية أم شريك، حفصة، زينب بنت خزيمة، أم حبيبة، زينب بنت جحش، أم سلمة، جويرية بنت الحارث، صفية، ميمونة بنت الحارث، مارية أم ابراهيم؛ أما اللواتي لم يدخل بهن فهن: خولة بنت الهذيل وشراف أخت دحية الكلبي وسنا بنت الصلت اللواتي متن قبل وصولهن اليه، ريحانة بنت شمعون، أسماء بنت النعمان، قتيلة بنت قيس، عمرة بنت يزيد، العالية بنت ظبيان، وجونية أخرى غير أسماء.

آ

عائشة وخديجة

رغم أن عائشة لم ترَ خديجة قط ولم تدركها، إلاّ أن ذكر النبي إياها كان غالباً ما يجعلها محط غيرة عائشة، وبالتالي تعابيرها القاسية. ورد في أسد الغابة (1) عن عائشة، قولها: «ما غرت على أحد من أزواج النبي، ما غرت على خديجة [نلاحظ تكرار هذا القول بالنسبة لأكثر من واحدة من نساء النبي]، وما بي أن أكون أدركتها، وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله (ص) لها... ذكرها يوماً من الأيام، فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، أبدلك الله خيراً منها؟ فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب». وفي مسند أحمد (2) ، ورد قولها عن خديجة: «لقد أعقبك الله، يا رسول الله، من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين... فتغير وجه رسول الله (ص) تغيراً لم أره إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب». وفي نص آخر (3) من المرجع ذاته ، نجد النبي يقول عن خديجة: «ما أبدلني الله خيراً منها؛ آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله - عز وجل - ولدها، إذ حرمني أولاد النساء». - ويبدو أن الجملة الأخيرة تختصر أحد أسباب غيرة عائشة، غير المبرّرة (4) !.

في السمط الثمين (5) ، نصادف عائشة تقول: «ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة... وذلك أن رسول الله (ص) بشّرها ببيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب». ويضيف ابن ماجة (6) ، «من قصب، يعني من ذهب». وفي سياق حديثها عن غيرتها، تذكر عائشة أيضاً، أن النبي «كان يذبح الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة، فيهديها لهن» (7) ؛ وتضيف: «ربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد» (8) .

يبدو أن سبباً آخر لغيرة عائشة من خديجة هو أن النبي لم يتزوج عليها حتى ماتت! فكثيراً ما نجدها تكرر هذه المقولة: «لم يتزوج النبي (ص) على خديجة حتى ماتت» (9) .

أخيراً، تذكر عائشة أنه حين «استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله (ص)، فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، وقال: اللهم هالة! فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، وأبدلك الله خيراً منها» (10) . «وقال ابن التنين في سكوت النبي على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة، إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن» (11) . ويبدو أن ابن التنين لم يصادف إلا هذا النص الذي لم نجد فيه ردّاً للنبي على تلفظات عائشة!!!

ب

عائشة وسودة

رغم اتفاق الروايات على أن زواجي النبي من سودة وعائشة لم يفصل بينهما زمن طويل، فالاختلاف بين تلك الروايات كبير في تحديد التواريخ على نحو دقيق. مع ذلك، يمكن أن نستشف من أخبارة سودة في التراث الإسلامي أن تلك المرأة كانت مجرّد أرملة أقرب إلى السذاجة، متقدّمة في السن، مقارنة بعائشة أو جويرية أو صفية، لكنها ليست أكبر من النبي، ضخمة، غير جميلة إلى حد ما. وقد تزوجها النبي في مرحلة صعبة، حرجة من حياته - إضطرارياً ربما - قبيل انتقاله من مكة إلى المدينة؛ أي: في مرحلة التحول من الدوغماتية إلى البراغماتية.

لا نمتلك سوى معلومات ضئيلة عن سودة، مقارنة بغيرها من نساء النبي البارزات. وأهم ذلك أنها كانت ضمن حزب عائشة، المواجه للحزب الآخر الذي تزعمته الزوجة البارزة الاخرى ، أم سلمة. من الأمور المعروفة عن سودة، أن النبي، لما أسنّت، طلقها، أو أراد طلاقها، فوهبت «ليلتها» لعائشة، فراجعها. يذكر المنتظم (12) ، على سبيل المثال، «أن رسول الله (ص) طلّق سودة، فجعلت يومها لعائشة، فراجعها». أما المحلّى (13) ، فيذكر أن سودة «وهبت يومها وليلتها، لما أسنّت، لعائشة (رض). وجاء أنه - عليه الصلاة والسلام - أراد فراقها، فلما رغبت إليه - عليه الصلاة والسلام - في إمساكها، وتجعل يومها وليلتها لعائشة، لم يفارقها». لكن هداية الباري (14) يزعم أنها «وهبت يومها وليلتها لعائشة، تبتغي بذلك رضا رسول الله (ص)».

روي أيضاً، أن النبي «كان يسوّي مع ما أطلق له وخيّر فيه، إلاّ سودة، فإنها وهبت ليلتها لعائشة، وقالت: لا تطلّقني حتى أحشر في زمرة نسائك» (15) . وفي حديث ابن عبّاس، أن «سودة خشيت أن يطلّقها رسول الله (ص)، فقالت: يا رسول الله، لا تطلّقني، وامسكني واجعلني حتى أحشر في زمرة نسائك» (16) . وفي حديث عائشة: «ما كان رسول الله (ص) يفضّل بعضنا على بعض في القسم. وكان قلّ يوم إلاّ وهو يطيف بنا ويدنو من كلّ واحدة منا من غير مسيس، حتى ينتهي إلى التي هي يومها، فيبيت عندها. ولقد قالت له سودة بنت زمعة، وقد أراد أن يفارقها: يومي منك ونصيبي لعائشة! فقبل ذلك منها» (17) . يقدّم ابن سعد (18) ، تفاصيل أخرى، نقلاً عن عائشة: «كانت سودة بنت زمعة قد أسنّت، وكان رسول الله (ص) لا يستكثر منها، وقد علمت مكاني من رسول الله (ص)، وأنه يستكثر مني، فخافت أن يفارقها، وضنّت مكانها عنده، فقالت: يا رسول الله، يومي الذي يصيبني لعائشة، وأنت منه في حلّ. فقبله النبي (ص)، وفي ذلك نزلت: «وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً» (نساء 128)» (19) . يذكر المرجع ذاته تفاصيل أخرى، فيقول: «قال رسول الله (ص) لسودة بنت زمعة: اعقدي! فقعدت له على طريقه ليلة، فقالت: يا رسول الله! مابي حب الرجال، ولكني أحب أن أبعث في أزواجك، فأرجعني. فأرجعها رسول الله (ص)» (20) . وفي رواية أخرى أن «النبي (ص) بعث إلى سودة بطلاقها، فلما أتاها، جلست على طريقه لبيت عائشة، فلما رأته، قالت: أنشدك بالذي أنزل عليك كتابه واصطفاك على خلقه! لم طلقتني؟ ألموجودة وجدتها فيّ؟ قال: لا! قالت: فإني أنشدك بمثل الأولى، أما راجعتني، وقد كبرت، ولا حاجة لي في الرجال، ولكني أحب أن أبعث في نسائك يوم القيامة. فراجعها النبي (ص). قالت: فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة، حبة رسول الله (ص)» (21) . وفي نصّ آخر يقال: «لما أسنت سودة عند رسول الله (ص)، همّ بطلاقها؛ قالت: لا تطلّقني، وأنت في حلّ من شأني» (22) . وهكذا، «كان رسول الله (ص) يقسم لعائشة يومين: يومها ويوم سودة» (23) . فكانت عائشة تقول: «ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة: امرأة فيها حدّة، فلما كبرت، جعلت يومها من رسول الله (ص) لعائشة» (24) . وفي رواية أخرى، تقول عائشة عن سودة: «إنها امرأة فيها حسد» (25) .

فلماذا طلّق(أو أراد طلاق) النبي سودة، وهل كانت بالفعل مسنّة؟

من المتعارف عليه أن سودة بنت زمعة «توفيت سنة أربع وخمسين بالمدينة، في خلافة معاوية» (26) . هذا يعني أنها عاشت بعد النبي أربعين عاماً على الأقل: ونعرف أن النبي توفي في السنة الحادية عشرة للهجرة. ولو أنها توفيت وعمرها مئة عام، فالنتيجة الحتمية التي لا مفر من الوصول إليها هي أنها لم تكن تتجاوز الستين من العمر حين توفي النبي - أي: كانت أصغر منه. إذن، لم تكن سودة مسنة مقارنة بالنبي، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار زواجه الطويل من خديجة التي كانت تكبره بحوالي خمسة عشر عاماً - فلماذا طلقها؟

إضافة إلى «الحدّة» و «الحسد»، اللذين وصمتها بهما عائشة - ولا يوجد في ما بين أيدينا من أحاديث ما يشير إلى شيء من ذلك - يمكن أن نستنتج من الروايات القليلة المتعلقة بسودة صفات أخرى في هذه المرأة، لا تجعلها مرغوبة من رجل عادي، فكيف برجل قوي متنفذ متمكّن!؟

مشكلة سودة، كما أشرنا، أنها كانت زوجة من مرحلة انتقالية صعبة، وكان لا بد من التخلص منها مع زوال تلك المرحلة.

عن صفات سودة الأخرى غير المرغوبة، تتحدّث إحدى الروايات، نقلاً عن
عائشة - الحديث هنا عن سبب نزول آية الحجاب، والأمر غير متفق عليه -
فتقول: «كان أزواج رسول الله (ص) يخرجن بالليل، إلى حوائجهن بالمناصع. فكان عمر [بن الخطاب] يقول لرسول الله: أحجب نساءك!!! فلم يكن يفعل!!! فخرجت سودة ليلة من الليالي، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة! حرصاً!!! على أن ينزل الحجاب» (27) .

كانت سودة «امرأة يفرع الناس من جسمها» (28) ، وكانت «ثبطة، ثقيلة»، لطالما استأذنت النبي «في الإفاضة قبل الصبح من جمع» (29) .

إضافة إلى ضخامة سودة التي، على ما يبدو، لم تكن طبيعية، فالمصادر الإسلامية توحي أيضاً بأنها كانت تمتلك صفات أخرى جعلتها غير مرغوبة: من ذلك البساطة التي قد تلامس السذاجة أحياناً. يروي أسد الغابة الحدث التالي: «أن عائشة وحفصة (رض) كانتا جالستين تتحدثان، فأقبلت سودة زوج النبي (ص)، فقالت إحداهن للأخرى: أما ترين سودة ما أحسن حالها! لنفسدنّ عليها! وكانت من أحسنهن حالاً! كانت تعمل الأديم الطائفي. فلما دنت منهما، قالتا لها: يا سودة، أما شعرت؟ قالت: وما ذلك؟ قالتا: خرج الأعور الدجال! ففزعت، وخرجت حتى دخلت خيمة لهم، يوقدون فيها، وكان في مائتيها زعفران، فأقبل النبي (ص) فلما رأتاه استضحكتا، وجعلتا لا تستطيعان أن تكلماه، حتى أومأت إليه، فذهب حتى قام على باب الخيمة، فقالت: يا نبي الله! خرج الأعور الدجال؟! فقال: لا، ولا كان قد خرج! فخرجت، وجعلت تنفض عنها نسيج العنكبوت» (30) . - لا بد أن نلاحظ هنا جملة «كانت من أحسنهن حالاً».

وتقول رواية أخرى، نقلاً عن عائشة: «أتيتُ رسول الله (ص) بحريرة، طبختها له، فقلت لسودة، والنبي (ص) بيني وبينها: كلي! فأبت، فقلت لها: كلي، وإلا لطخت وجهك! فأبت، فوضعت يدي على الحريرة فطليت بها وجهها، فضحك النبي (ص)، ووضع فخذه لها، وقال لسودة: ألطخي وجهها! فلطخت وجهي، فضحك النبي» (31) . - لا بد أن نلاحظ هنا أيضاً فرق السن المفترض بين الاثنتين.

صراعات لا بد منها:

رغم أن سودة كانت من حلف عائشة، فهذا لم يمنع الأخيرة أن تكيد لها وتضايقها - لكن ليس بأسلوب تعاملها مع الحلف المعادي. يحكي أحد المصادر أن عائشة «سمعت سودة تنشد: عدي وتيم تبتغي من تحالف. فقالت عائشة لحفصة: ما تعرّض إلا بي وبك يا حفصة، فإذا رأيتني أخذت برأسها، فأعينيني! فقالت: فأخذت برأسها، وخافت حفصة، فأعانتها. وجاءت أم سلمة، فأعانت سودة. فأتى النبي (ص)، فأُخبر وقيل له: أدرك نساءك يقتتلن! فقال: ويحكن! مالكن؟ فقالت عائشة: يا رسول الله، ألا تسمعها، تقول: عدي وتيم تبتغي من تحالف؟ فقال: ويحكن! ليس عديكن ولا تيمكن؛ إنما هو عدي تميم وتيم تميم» (32) .

لا يبدو أن سودة استطاعت أن تنجو من براثن أسطورة المغافير الشهيرة. ففي إحدى نسخ الأسطورة، نجدها مستهدفة من عائشة وحفصة: «كان رسول الله (ص) يشرب عند سودة العسل، فدخل على عائشة، فقالت: إني أجد ريحاً! حتى دخل على حفصة، فقالت له مثل ذلك، فقال: أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه! فنزلت: «يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك»» (33) .

نسخة ثانية، أكثر أهمية، تقدّمها لنا عائشة، التي تقول: «كان رسول الله (ص) يحب الحلوى ويحب العسل. وكان إذا صلّى العصر، دار على نسائه، فيدنو منهن. فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل، فسقت رسول الله (ص) منه. فقلت: أما - والله - لنحتالن له!!! فذكرت ذلك لسودة، وقلت: إذا دخل عليك، فإنه سيدنو منك، فقولي له: يا رسول الله! قد أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا! فقولي له: ما هذه الريح؟ وكان رسول الله (ص) يشتد عليه أن يوجد منه ريح. فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل. فقولي له: جرست نحله العرفط. وسأقول له ذلك. فقولي له أنت يا صفية. فلما دخل على سودة، قالت سودة: والله الذي لا إله إلا هو، لقد كدت أن أبادئه بالذي قلت لي، وإنه لعلى اللباب، فرقاً منك. فلما دنا رسول الله (ص)، قلت: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: لا! قلت: فما هذه الريح؟ قال: جرست نحلة العرفط. فلما دخل علي، قلت له مثل ذلك. ثم دخل على صفية، فقالت له مثل ذلك. فلما دخل على حفصة، قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي به! قالت: تقول سودة: سبحان الله، والله لقد حرمناه!! قلت لها: اسكتي» (34) .

أسطورة المغافير، رغم تبعثرها في معظم زوايا التراث الإسلامي، مخترعة في اعتقادنا، للتغطية على القصة الحقيقية الكامنة خلف سورة التحريم، والتي سنناقشها لاحقاً في فصل «عائشة ومارية».

ج

عائشة... وحفصة

كانت حفصة بنت عمر بن الخطاب أقرب نساء النبي إلى عائشة، وإحدى أهم ركائز حزبها. لكن يبدو أن محبة النبي لها لم تكن بقدر محبته لنسائه الأخريات.واحتفاظه بها ضمن نسائه، على ما يبدو، كان فقط لانها ابنة الرجل القوي، عمر بن الخطاب. وذكرها القليل نسبياً في التراث الإسلامي، ارتبط على نحو شبه مستمر بقصص مؤامراتها مع عائشة ضد النبي أو ضد نسائه الأخريات. وإذا ما تجاهلنا أسطورة المغافير الشهيرة، فإن نصوص تفاسير سورة التحريم تتضمن أكثر الإشارات إلى حفصة في التراث الإسلامي، حيث الكلام عن تكليف الله «عائشة وحفصة بالتوبة» (35) ، بعد الذي بدا منهما حين اكتشفتا أن النبي يضاجع مارية القبطية، جاريته، في فراش حفصة.(لا يوجد اتفاق شامل في المصادر الاسلامية حول ما اذا كان فعل المضاجعة حدث في فراش حفصة أم في فراش عائشة) - والقصة ستناقش في فصل «عائشة ومارية».

يبدو أن مشاكل حفصة مع النبي كانت كثيرة، حتى أنه طلّقها - على الأرجح - أكثر من مرة. فيقال إن عمر «دخل على حفصة، وهي تبكي. فقال: ما يبكيكِ؟ لعلّ رسول الله (ص) طلقك؟ إن كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي! والله لئن طلقك مرة أخرى، لا أكلمك أبداً» (36) . ويؤكد القرطبي أن النبي « تزوجها ثم طلقها » (37) . وتقول رواية أخرى، إن النبي طلّق «حفصة، فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى: «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن» [طلاق1]؛ فقيل له: راجعها، فإنها صداقة قوامة، وهي من أزواجك ونسائك في الجنة» (38) .

يبدو أن مشكلة حفصة، كانت عائشة: فقد أرادت أن تلعب في حياة النبي ونسائه دور عائشة، دون أن تمتلك ما يؤهلها لذلك. وكما أشرنا، فقد كان عمر، أبوها، يقول لها: «لا يغرنك حب رسول الله عائشة وحسنها أن تراجعيه بما تراجعه عائشة» (39) ؛ أو: «لعلك تراجعين النبي بمثل ما تراجعه به عائشة؛ إنه ليس لك مثل حظوة عائشة، ولا حسن زينب» (40) .

قليلة جداً هي الأخبار حول علاقة عائشة بحفصة: إذا ما استثنينا قصة مارية. من ذلك، ما قالته عائشة: «أهديت لحفصة شاة، ونحن صائمتان، ففطرتني، فكانت ابنة أبيها. فلما دخل علينا رسول الله (ص)، ذكرنا ذلك له، فقال: أبدلا يوماً مكانه» (41) . ومرة أخرى، «دخلت حفصة على عائشة، زوج النبي (ص)، وعلى حفصة خمار رقيق، فشقته عائشة، وكستها خماراً كثيفاً» (42) . - ولا نعرف إذا كان ذلك يوحي برقة الدين عند حفصة: أم بشيء آخر!!

رغم العلاقة الحميمة الشهيرة التي ربطت عائشة بحفصة، فقد كان لا بد من حضور غيرة الأولى، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالتنافس على قلب النبي: «قالت عائشة: كان رسول الله (ص) إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة، فخرجتا معه جميعاً. وكان رسول الله (ص) إذا كان بالليل، سار مع عائشة يتحدّث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك، فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى! فركبت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله (ص) إلى حمل عائشة وعليه حفصة، فسلّم ثم سار معها، حتى نزلوا وادياً، فافتقدته عائشة، فغارت، فلما نزلوا جعلت تجعل رجليها بين الأذخر، وتقول: يا ربّ، سلّط عليّ عقرباً أو حية تلدغني؛ رسولك ولا أستطيع أن أقول شيئاً» (43) .

د

عائشة... وأم سلمة

في السنة الرابعة للهجرة على الأرجح، «تزوج رسول الله (ص) أم سلمة بنت أبي أمية، ودخل بها» (44) . «واسمها هند... وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد... [والذي] شهد بدراً... وأصابته جراح يوم أحد، فمات منها، وكان ابن عمة رسول الله ورضيعه... فتزوجها [النبي] قبل الأحزاب سنة ثلاث» (45) للهجرة.

لقد أحدث زواج النبي بأم سلمة شرخاً في علاقته بعائشة. يذكر المنتظم (46) عن النبي قوله: «إن لعائشة مني شعب ما نزلها مني أحد. فلما تزوج أم سلمة، سئل، فقيل: يا رسول الله! ما فعلت الشعب؟ فسكت، فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده». بالمقابل، تقول عائشة ذاتها: «لما تزوج رسول الله (ص) أم سلمة، حزنت حزناً شديداً، لما ذكر الناس جمالها. فتلطفت حتى رأيتها، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يداً واحدة، فقالت: والله إن هذه إلا الغيرة؛ ما هي كما تقولين! فتلطفت لها حفصة حتى رأتها، فقالت: والله ما هي كما تقولين ولا قريب، وإنها لجميلة» (47) . ويضيف مصدر آخر، أن عائشة قالت، رداً على ما ذكرته لها حفصة: «فرأيتها بعد، فكانت - لعمري - كما قالت حفصة، ولكني كنت غيرى» (48) .

من أبرز سمات الغيرة عند عائشة، تكسيرها لصحف نساء النبي الأخريات. يذكر النسائي (49) ، على سبيل المثال، عن أم سلمة، «أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله (ص) وأصحابه، فجاءت عائشة (رض) مستترة بكساء، ومعها فهر، فتلقت به الصحفة، فكسرتها، فجمع رسول الله (ص) بين فلقتي الصحفة، يقول: غارت أمكم، غارت أمكم». بالمقابل، فإن أم سلمة اعتذرت بادئ ذي بدء عن الزواج بالنبي، متذرعة أيضاً بأنها «غيرى» (50) .

يروي ابن سعد (51) الحكاية التالية، نقلاً عن عائشة: «دخل عليّ يوماً رسول الله (ص)، فقلت: أين كنت منذ اليوم؟ قال: يا حميراء، كنت عند أم سلمة! فقلت: ما تشبع من أم سلمة؟! فتبسم، فقلت: يا رسول الله، ألا تخبرني عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت، أيهما كنت ترعى؟ قال: التي لم ترع. قلت: فأنا ليس كأحد من نسائك». بالمقابل، فعلى ما يبدو لم تكن أم سلمة ترتاح لعائشة. فذات مرّة قال لها النبي: «يا أم سلمة، لا تؤذيني [في عائشة]، والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها» (52) .

وهكذا يذكر البخاري في صحيحه (53) «أن نساء رسول الله (ص) كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة؛ والحزب الآخر، أم سلمة وسائر نساء رسول الله (ص)». وفي الصراع المادّي بين الحزبين، كانت أم سلمة الناطق باسم حزبها ضد عائشة، التي كان المسلمون يخصون النبي بهداياهم في يومها (54) .

المغافير... أيضاً:

يبدو أن أسطورة المغافير، التي لم تنج من براثنها معظم نساء النبي، طاولت أيضاً، في إحدى نسخها، أم سلمة. روى ابن سعد في طبقاته (55) ، نقلاً عن عائشة: «كان رسول الله قلّ يوم إلاّ وهو يطوف على نسائه، فيدنو من أهله، فيضع يده! ويقبّل كلّ امرأة من نسائه! حتى يأتي على آخرهن، فإن كان يومها قعد عندها، وإلا قام! فكان إذا دخل بيت أم سلمة، يحتبس عندها. فقلت [عائشة]، أنا وحفصة، وكانتا جميعاً يداً واحدة: ما نرى رسول الله يمكث عندها إلا أنه يخلو عندها - تعنيان الجماع! - واشتد ذلك علينا حتى بعثنا من يطلع لنا ما يحبسه عندها، فإذا هو صار إليها، أخرجت له عكة من عسل، فتحت له فمها، فيلعق منه لعقاً: كان العسل يعجبه. فقالتا: ما من شيء نكرّهه إليه حتى لا يلبث في بيت أم سلمة. فقالتا: ليس شيء أكره إليه من أن يقال له: نجد منك ريح. فإذا جاءك فدنا منك، فقولي: إني أجد منك ريح شيء؛ فإنه يقول: من عسل أصبته عند أم سلمة. فقولي له: ما أرى نحله إلا جرس عرفطاً! فلما دخل على عائشة، فدنا منها، قالت: إني لأجد منك شيئاً، ما أصبت؟ فقال: عسل من بيت أم سلمة. فقالت: يا رسول الله! أرى نحله جرس عرفطاً. ثم خرج من عندها، فدخل على حفصة، فدنا منها، فقالت مثل الذي قالت عائشة. فلما قالتا جميعاً، اشتد عليه، فدخل على أم سلمة بعد ذلك، فأخرجت له العسل، فقال: أخّريه عني، لا حاجة لي فيه. فقالت[عائشة]: فكنت والله أرى أن قد أتينا أمراً عظيماً - منعنا رسول الله شيئاً كان يشتهيه».

ومضات أخلاقية:

حدث آخر يذكره أحمد في مسنده (56) نقلاً عن عائشة، يلقي بعض الضوء على السوية الأخلاقية الرفيعة التي كانت سائدة في البيت النبوي. قالت عائشة: «كانت عندنا أم سلمة، فجاء النبي (ص) عند جنح الليل فذكرت شيئاً صنعه بيده، وجعل لا يفطن لأم سلمة، وجعلت أومئ إليه، حتى فطن. قالت أم سلمة: أهكذا الآن! أما كانت واحدة منا عندك إلا في خلابة كما أرى! وسبّت عائشة!!! وجعل النبي (ص) ينهاها، فتأبى!!! فقال النبي (ص) [لعائشة]: سبيها!!!! فسبتها!!!! حتى غلبتها (57) !!!! فانطلقت أم سلمة إلى عليّ وفاطمة، فقالت: إن عائشة سبتها، وقالت لكم وقالت لكم. فقال عليّ لفاطمة: اذهبي إليه، فقولي: إن عائشة قالت لنا، وقالت لنا! فأتته، فذكرت ذلك له! فقال لها النبي (ص): إنها حبّة أبيك وربّ الكعبة. فرجعت إلى علي، فذكرت له الذي قال لها فقال: أما كفاك ألا أن قالت لنا عائشة وقالت لنا، حتى أتتك فاطمة فقلت لها: إنها حبة أبيك، ورب الكعبة». - والواقع أن عليّ وفاطمة كانا من أكبر الداعمين لحزب أم سلمة، التي ظلت بجانبه حتى موته.

أخيراً، يبدو أن أم سلمة ظلت تنافس عائشة على قلب النبي حتى لحظاته الأخيرة. إذ لما «همّ رسول الله أن يطلّق بعضهن [نساؤه]، جعلنه في حلّ لما خشي أزواج النبي أن يفارقهن، قلن: إرض لنا من نفسك ومالك ما شئت! فأمره الله، فأرجأ خمساً، وآوى أربعاً» (58) . وكان الأمر في آية: «ترجئ من تشاء منهن» (59) [أحزاب 51]. ورغم الاختلاف في اللاتي عزلهن، إلا أن هنالك شبه إجماع على أنه ظل يأتي «عائشة وأم سلمة» (60) .

هـ

عائشة... وزينب بنت جحش

في السنة الخامسة للهجرة، «تزوج رسول الله (ص) زينب بنت جحش» (61) . و«كانت ممن هاجر مع رسول الله (ص)، وكانت امرأة جميلة (62) » (63) .كانت زينب متزوجة قبل النبي من زيد بن حارثة: فمن هو زيد، وكيف تزوجته زينب؟

زيد بن حارثة هو «رجل من بني كلب سُبي صغيراً. وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون. فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة. فلما تزوجها محمد (ص)، وهبته له. وطلبه أبوه وعمّه، فخُيّر، فاختار رسول الله (ص)، فأعتقه. وكانوا يقولون: زيد بن محمد» (64) . «خطب رسول الله (ص) زينب بنت جحش، بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، على مولاه زيد بن حارثة، فأبت، وأبى أخوها عبد الله، فنزلت! [الآية 36 من الأحزاب: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً»]، فقالا: رضينا يا رسول الله! فأنكحه إياها، وساق عنه إليها مهرها: ستين درهماً، وخماراً وملحفة وإزاراً، وخمسين مدّاً من طعام، وثلاثين صاعاً من تمر» (65) . وتؤكد رواية أخرى الأحداث السابقة، فتقول: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. المؤمن: عبد الله بن جحش؛ والمؤمنة: زينب أخته، في الزواج من زيد» (66) . ويفصّل ابن كثير المسألة في تفسيره (67) ، فيقول: ««وما كان لمؤمن ولا مؤمنة»، وذلك أن رسول الله (ص) انطلق يخطب على فتاه، زيد بن حارثة (رض)، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية (رض)، فخطبها، فقالت: لست بناكحته! فقال رسول الله (ص): بل فانكحيه! قالت: يا رسول الله، أؤامر في نفسي؛ فبينما هما يتحدّثان، أنزل الله هذه الآية على رسول الله... فقالت: قد رضيته لي يا رسول الله منكحاً... [وفي رواية]، قالت: أنا خير منه حسباً. وكانت امرأة فيها حدّة». و «أصدقها عشرة دنانير وستين درهماً، وخماراً وملحفة ودرعاً، وخمسين مدّاً من طعام، وعشرة أمداد من تمر» (68) . ويضيف القرطبي في تفسيره للآية 36 من الأحزاب ما يلي: « أن رسول الله (ص) خطب زينب بنت جحش، وكانت بنت عمته، فظنت أن الخطبة لنفسه. فلما تبين أنه يريدها لزيد، كرهت وأبت وامتنعت، فنزلت الآية، فأذعنت زينب وتزوجته. وفي رواية [أخرى]: فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله لنسبها من قريش، وأن زيداً كان بالأمس عبداً، إلى أن نزلت هذه الآية ». ورغم أن ذلك يتناقض تماماً مع سياق آيات السورة، إلا أن القرطبي يضيف في الموضع ذاته رواية تقول: « إنها نزلت في أم كلثوم بنت أبي معيط (69) ، وكانت وهبت نفسها للنبي (ص)، فزوجها من زيد بن حارثة، فكرهت ذلك هي وأخوها ».

ويذكر الطبري في تفسيره للآية الآنفة الذكر نصاً مطابقاً لنص ابن كثير؛ ونصاً آخر قريباً من نص رواية القرطبي الأولى. دون أن ينسى طبعاً إشارة سريعة لحكاية أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط.

زواجها من النبي:

بعد أن تزوج زيد من زينب، «جاء رسول الله (ص) بيت زيد بن حارثة، وكان زيد ابن حارثة إنما يقال له: زيد بن محمد! فربما فقده رسول الله (ص) الساعة، فيقول: أين زيد؟ فجاء منزله يطلبه، فلم يجده، وقامت إليه زينب بنت جحش فضلاً، فأعرض عنها رسول الله (ص)، فقالت: ليس هو هاهنا! يا رسول الله! ادخل!... فأبى... وإنما عجّلت زينب أن تلبس حين قيل لها: رسول الله (ص) على الباب، فوثبت عجلة، فأعجبت!! رسول الله (ص)، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم، إلا أنه أعلن: سبحان الله العظيم! سبحان الله مصرف القلوب!... فجاء زيد... فقال له: لعل زينب أعجبتك؟... فقال رسول الله (ص): أمسك عليك زوجك... ففارقها زيد، واعتزلها، وحلّت... فبينا رسول الله (ص) يتحدّث مع عائشة، إذ أخذت رسول الله (ص) غشية، فسرّى عنه وهو يبتسم، ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها، يقول: إن الله!!! زوجنيها؟» (70) . وتقول رواية أخرى: «كان النبي (ص) قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله (ص) يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشفت وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)، فلما وقع ذلك، كُرِّهت إلى الآخر... فجاء، فقال: يا رسول الله! إني أريد أن أفارق صاحبتي» (71) . وتقول رواية ثالثة: «إن رسول الله (ص) أبصرها بعدما أنكحها إياه [زيد بن حارثة]، فوقعت في نفسه، فقال: سبحان الله مقلب القلوب! وذلك أن نفسه كانت تجفو عنها قبل ذلك لا تريدها، ولو أرادتها لاختطبها، وسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد، ففطن وألقى الله! في نفسه كراهة صحبتها والرغبة عنها لرسول الله (ص)، فقال لرسول الله (ص): إني أريد أن أفارق صاحبتي! فقال [النبي]: مالك، أرابك منها شيء؟ قال: لا والله، ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعظّم عليّ لشرف وتؤذيني. فقال: أمسك عليك زوجك واتق الله! ثم طلّقها بعد؛ فلما اعتدت، قال رسول الله (ص) [لزيد]: ما أجد أحداً أوثق في نفسي منك، اخطب عليّ زينب! قال زيد: فانطلقت، فإذا هي تخمر عجينتها، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها [هذا يناقض ما قيل حول إيقاع الله لكراهيتها في صدره]، حين علمت أن رسول الله (ص) ذكرها، فوليت ظهري، وقلت: يا زينب! ابشري! إن رسول الله يخطبك. ففرحت، وقالت: ما أنا بصانعة شيء حتى أؤامر ربي [كذا]! فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن «زوجناكها»، فتزوجها رسول الله (ص)، ودخل بها، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها: ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللحم حتى امتد النهار» (72) .

يذكر الطبري أيضاً، «أن زينب بنت جحش، فيما ذُكر، رآها رسول الله (ص) فأعجبته، وهي في حبال مولاه، فألقي في نفس زيد كراهتها» (73) . ويقول المرجع ذاته في رواية أخرى، «كان النبي (ص) قد زوّج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله (ص) يوماً يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشفت، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي (ص)» (74) .

من ناحية أخرى، يضيف القرطبي تفاصيل أخرى، فيقول: «إنه عليه السلام، أتى زينب يوماً يطلبه [زيد]، فأبصر زينب قائمة، وكانت بيضاء جميلة جسيمة، من أتم نساء قريش، فهويها، وقال: سبحان الله مقلب القلوب! فسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد.. وقيل إن الله بعث ريحاً فرفعت الستر، وزينب متفضلة في منزلها، فرأى زينب، فوقعت في نفسه» (75) .

إذن، بحسب القرطبي، فإن النبي «وقع منه استحسان لزينب بنت جحش، وهي في عصمة زيد، وكان حريصاً على أن يطلقها زيد، فيتزوجها هو» (76) . لكن الغريب، أن تقول زينب، بحسب القرطبي ذاته: « ولم يستطعني زيد، وما امتنع منه غير ما منعه الله مني فلا يقدر علي. وفي بعض الروايات: أن زيداً تورّم (!!!) منه ذلك، حين أراد أن يقربها» (77) .

تقول رواية رابعة عن أنس: «لما انقضت عدّة زينب (رض)، قال رسول الله (ص) لزيد بن حارثة: اذهب فاذكرها علي! فانطلق حتى أتاها، وهي تخمّر عجينتها، قال: فلما رأيتها، عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ وأقول: إن رسول الله (ص) ذكرها! فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب! ابشري! أرسلني رسول الله (ص) يذكرك! فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي عز وجلَّ!!! فقامت إلى مسجدها، فنزل القرآن، وجاء رسول الله (ص) فدخل عليها بلا إذن! ولقد رأيتنا حين دخلت على رسول الله (ص) وأطعمنا عليها الخبز واللحم. فخرج الناس وبقي رجال يتحدّثون في البيت بعد الطعام. فخرج رسول الله (ص) واتبعته، فجعل (ص) يتتبع حجر نسائه، يسلّم عليهن، ويقلن: يا رسول الله، كيف وجدت أهلك؟ فما أدري: أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أُخبر؛ فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به: «لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم»» (78) . لكن الطبري (79) يذكر أن التي بشّرتها بتدخّل الله ذاته في الأمر هي «سلمى خادم رسول الله (ص)... فأعطتها أوضاحاً عليها».

أخيراً، تبسّط إحدى الروايات القصة كلها باختصار مفيد، فتقول: «كان النبي خطبها [زينب] أولاً لمولاه زيد بن حارثة، فترفّعت عليه لشرف نسبها وجمالها، وساعدها أخوها، عبد الله بن جحش، فأنزل الله عز وجل فيهما: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً». فلما سمعت بذلك، رضيا طاعة لله ولرسوله، فأنكحها النبي (ص) زيداً، فمكثت عنده ما شاء الله. ثم رآها النبي (ص) يوماً متزينة، فأعجبته، ورغب في نكاحها، لو طلّقها زيد. فأوقع الله كراهيتها في قلب زيد، فجاء إلى النبي (ص) يستأمره في فراقها، فقال له: أمسك عليك زوجك، واتق الله في طلاقها من سبب. فأبى إلا طلاقها، وطلّقها... ولما انقضت عدّتها، بعثه النبي (ص) إليها ليخطبها له. قال زيد: ما أستطيع النظر إليها إجلالاً للنبي (ص)! فوليتها ظهري، وقلت: يا زينب! أرسلني رسول الله (ص) إليك يذكرك. فقالت: ما أنا بصانعة شيئاً.. أو أمر ربي. فقامت إلى مسجدها، تصلّي الاستخارة... وأنزل القرآن: «فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها»» (80) .

نسف التبنّي:

كان طبيعياً بالتالي أن يكمل الله معروفه، بعدما زوّج زبنب مرتين في زمن قياسي، بأن يلغي التبنّي، مرّة وإلى الأبد: حتى لا يقال إن محمداً تزوج زوجة ابنه.يروي النسائي (81) : «تبنّى رسول الله (ص) زيداً، وكان من تبنّى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس ابنه، فورث في ميراثه» ؛ ثم يكمل (82) : «فلما أنزل الله عز وجل : «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» ، ردّ كلّ أحد ينتمي من أولئك إلى أبيه ، فإن لم يكن يعلم أبوه ردّه إلى مواليه». ويروي مسلم (83) عن عائشة، قولها: «لو كان رسول الله (ص) كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية: «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه» - يعني: بالاسلام؛ «وأنعمت عليه» - يعني: بالعتق، فأعتقته؛ «أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه» ؛ إلى قوله: «وكان أمر الله مفعولا». وإن رسول الله (ص) لما تزوجها [زينب]، قالوا: تزوج حليلة ابنه! فأنزل الله: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين». وكان رسول الله تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلاً، يقال له: زيد بن محمد! فأنزل الله: «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم»، فلان مولى فلان وفلان أخو فلان، «هو أقسط عند الله»، يعني: أعدل». ويقول القرطبي إن الآية السابقة نزلت « لما تزوج [النبي] زينب بنت جحش، قال الناس: تزوج امرأة ابنه » (84) .

ويقول ابن كثير (85) في تفسيره للآية 40 من سورة الأحزاب: «وما جعل أدعياءكم أنبياءكم»: «نزلت في شأن زيد بن حارثة (رض)، مولى النبي (ص)، كان النبي قد تبناه قبل النبوة، فكان يقال له: زيد بن محمد! فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة». وبرأي ابن كثير (86) أيضاً، أن الله قال: «لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً»، إنها نزلت حين «تزوج رسول الله (ص) بزينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة (رض)».

هنا، لا بدّ من تقديم الملاحظات التالية:

1 - زينب بنت جحش هذه ليست سوى امرأة بيضاء سمينة، جميلة بمعايير ذلك الزمان - وتلك هي ميزتها الوحيدة. وزواج النبي بها لم تكن له أدنى فائدة إن على الصعيد الاجتماعي أو السياسي.

2 - تدخل الإله مرتين على الأقل في الشؤون العاطفية لهذه المرأة غير المتميزة. بل يقال إنه تدخل ثلاث مرات، إذا ما أضفنا إلى ما سبق، تدخله في مسألة الحجاب، بعد أن تزوجها النبي وأراد الخلو بها، وتابع بعض الثقلاء جلوسهم (87) . لكن المسألة الأخيرة غير متفق عليها بالكامل إسلامياً كعلّة لفرض الحجاب.

3 - كان زواج زينب من زيد وطلاقها منه ثم زواجها من النبي سريعاً للغاية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الآيات المواكبة لتلك الأحداث تنتمي كلها إلى نص موحد، صغير في سورة الأحزاب (36 - 39).

4 - نلاحظ أيضاً أن النبي أرسل زوج زينب السابق إليها كي يخطبها عليه؛ وفي هذا، برأينا، نوع من الإذلال لزيد لا يُضاهى.

5 - يبدو أن زينب كانت متأكدة، بدورها، من أن الله لن يعاند النبي في أي شيء. وهكذا، كان منطقياً أن تشترط، بعناد غريب، أنها لن تتزوجه حتى يأمرها ربها. فكما أمرها بالزواج من زيد، لا بد أن يأمرها بالزواج من والده بالتبني ونبيه وسيده. وهذا ما كان.

صراع الامرأتين:

ما أن أُعْلن أنّ الله بذاته هو الذي يأمر النبي بالزواج من زينب، حتى قالت عائشة كالعادة: «وأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها، ما صنع لها: زوجها الله عزّ وجل من السماء! وقلت: هي تفخر علينا بذلك» (88) . واستدارت عائشة من ثم إلى النبي، قائلة: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك» (89) .

باتت عائشة، ليلة زواج النبي من زينب، «فريسة الغيرة» (90) . وإذا كانت عائشة تفخر دائماً على نساء النبي الأخريات بما اختصت به من صفات، فقد جاءت زينب تتباهى بصفة تفوقت بها على كلّ من عداها من نساء النبي. يروي ابن كثير: «أن زينب بنت جحش (رض) كانت تفخر على أزواج النبي (ص)، فتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله - تعالى - من فوق سبع سماوات» (91) ؛ أو: «إن آباءكن أنكحكن، وإن الله أنكحني إياه» (92) . وهكذا، كانت تختال دائماً، بقولها: «أنا أكرمكن ولياً، وأكرمكن سفيراً» (93) - فوليها هو الله وسفيرها جبريل.

وكانت زينب تقول للنبي: « إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك تدل بهن: إن جدي وجدك واحد، وإني أنكحنيك الله من السماء، وإن السفير لجبرائيل (ع) » (94) .

إذن، كان لدور الإله في حياة أزواج النبي أهميته الفائقة كمصدر للتفاخر: «روينا عن أم المؤمنين زينب وعائشة (رض) أنهما تفاخرتا، فقالت زينب: زوجني الله وزوجكن أهاليكن! وقالت عائشة: نزلت براءتي من السماء [في حادثة الإفك التي سنناقشها لاحقاً]! فسلّمت لها زينب» (95) . ويقدم لنا القرطبي عرضاً آخر للتفاخر، فيقول: « قالت عائشة: أنا التي جاء بي الملك إلى النبي (ص) في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك [أخرجه الصحيح]. وقالت زينب: أنا التي زوجني الله الله من فوق سبع سماوات » (96) ، ثم يضيف: «كانت زينب تفخر على نساء النبي (ص) تقول: إن الله عز وجل أنكحني من السماء، وفيها نزلت آية بحجاب». وكانت عائشة تقول: «لم يكن أحد من نساء النبي (ص) تساميني في المنزلة عنده إلا زينب بنت جحش» (97) .

لقد أدى التنافس على قلب النبي وأموال الجماعة الأولى بين المرأتين إلى حوادث شتى:كانت المادة (98) أهم سبب للصراع بين أزواج النبي، وهو ما تجلّى في الصراع بين عائشة وزينب. وكان عامة الناس، كما أشرنا، «يتحرون بهداياهم يوم عائشة، يبتغون بذلك مرضاة رسول الله (ص)» (99) . بشأن هذه المسألة، يورد البخاري في صحيحه (100) ، نقلاً عن عائشة، الحديث التالي: «إن نساء رسول الله (ص) كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر، أم سلمة وسائر نساء رسول الله (ص). وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله (ص) عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله (ص)، أخّرها حتى إذا كان رسول الله (ص) في بيت عائشة، بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله (ص) في بيت عائشة. فكلّم حزب أم سلمة، فقلن لها: كلّمي رسول الله (ص) يكلّم الناس، فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله (ص) هدية، فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه. فكلمته أم سلمة بما قلن، فلم يقل لهن شيئاً. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً! [ولما كررت فعلتها مرتين]، قال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة. فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله! ثم أنهن دعون فاطمة بنت رسول الله (ص)، فأرسلت إلى رسول الله (ص)، تقول: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر! فكلّمته، فقال: يا بنية، ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى! فرجعت إليهن، فقلن: ارجعي إليه! فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته، فأغلظت (101) وقالت: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي قحافة! فرفعت صوتها، حتى تناولت عائشة وهي قاعدة، فسبتها! حتى أن رسول الله (ص) لينظر إلى عائشة: هل تكلم! فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها». وفي نص النسائي (102) ، تقول عائشة: «فأرسلن زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي (ص)، فقالت: أزواجك أرسلنني، وهن ينشدن العدل في ابنة أبي قحافة. ثم أقبلت عليّ تشتمني!، فجعلت أراقب النبي (ص) وأنظر طرفه: هل يأذن لي من أن أنتصر منها، فاستقبلتها، فلم ألبث أن أفحمتها، فقال لها النبي: إنها ابنة أبي بكر». وفي مسند أحمد (103) ، تقول عائشة: «دخلت عليّ زينب بغير إذن - وهي غضبى - ثم قالت لرسول الله (ص): أحسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذريعيها؟!» (104) . ويروي ابن كثير في تفسيره الحدث السابق بطريقة تختلف قليلاً، نقلاً عن عائشة: «دخل علينا رسول الله (ص) وعندنا زينب بنت جحش (رض)، فجعل النبي (ص) يصنع بيده شيئاً فلم يفطن لها، فقلت بيده حتى فطنته لها فأمسك، وأقبلت زينب (رض) تفحم لعائشة (رض) فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: سبيها! فسبتها!! فغلبتها؛ وانطلقت زينب (رض) فأتت علياً (رض)، فقالت: إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم!! فجاءت فاطمة (رض)، فقال (ص) لها: إنها حبة أبيك، ورب الكعبة» (105) . ونلاحظ، بالمناسبة، أن الحديث ذاته مروي عن أم سلمة وعائشة!.

نقلاً عن عائشة، يقدّم ابن كثير في تفسيره تفاصيل أخرى في رواية، تقول: «ما علمت حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن، وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله (ص): حسبك إذا ما قلبت لك ابنة أبي بكر درعها، ثم أقبلت إليّ فأعرضت عنها، حتى قال النبي (ص): دونك فانتصري! فأقبلتُ عليها حتى رأيتُ ريقها قد يبس في فمها، ما تردّ عليّ شيئاً، فرأيت النبي (ص) يتهلل وجهه!!!» (106) . وفي الكشاف (107) ، يقال: «إن زينب أسمعت عائشة بحضرته، وكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: دونك فانتصري». ويورد ابن سعد (108) عن عائشة، قولها: «إنه أهدي إلى رسول الله هدية في بيتها، فأرسل إلى كلّ امرأة من نسائه بنصيبها، وأرسل إلى زينب بنت جحش، فلم ترض، ثم زاودها مرة أخرى، فلم ترض، فقالت عائشة: لقد أقمأتْ وجهكَ أن ترد عليك الهدية. فقال رسول الله: لأنتن أهون عليّ من أن تقمئني - لا أدخل عليكن شهراً». وتضيف عائشة (109) : «قلت كلمة لم ألق لها بالاً، فغضب علي». وفي ذلك يورد ابن الجوزي (110) الرواية التالية: «قال (ص): ما أنا بداخل عليكن شهراً. قال مؤلف الكتاب: وفي سبب ذلك، قولان: أحدهما - أنه حين حرّم أم ابراهيم، أخبر بذلك حفصة، واستكتمها، فأخبرت بذلك [وهو ما سنناقشه لاحقاً أيضاً]. والثاني، أنه ذبح ذبحاً، فقسمته عائشة بين أزواجه، فأرسلت إلى زينب بنت جحش نصيبها فردته، فقال: زيدوها! فزادوها، ثلاثاً - كلّ ذلك تردّه، فقال: لا أرضى عليكن شهراً. فاعتزل في مشربة له، ثم نزل لتسعِ وعشرين، فبدأ بعائشة (رض)، فقالت: يا رسول الله، كنت أقسمت ألا تدخل علينا شهراً، وإنما أصبحت من تسع وعشرين أعدها عداً! فقال: الشهر تسع وعشرون - وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين». وكانت زينب، برأي عائشة، «فيها سورة من حدّة كانت تسرع فيها الفينة» (111) - وهذا واضح.

لم تترك الاثنتان فرصة تمر، دون أن تنال إحداهما من الأخرى. ومن تلك الحوادث النادرة التي وصلت إلينا، ما أخبرنا به ابن هشام من أنه في حادث الإفك، الذي اتهمت فيه عائشة بالزنا، قامت «حمنة بنت جحش [أخت زينب] فأشاعت من ذلك ما أشاعت، تضاري لأختها، فشقيت [عائشة] بذلك» (112) . وبعدما أنزل الله براءة عائشة من السماء أمر النبي بدوره بضرب حمنة هذه، لأنها كانت «ممن أفصح بالفاحشة» (113) .

المغافير... أيضاً:

لا نعرف مدى أهمية حدث المغافير في التاريخ العربي - الإسلامي حتى دوّن بكل هذه الكثافة في كتب التراث، لكننا نعرف تماماً أن هذا الحدث، وإن اختلف في تفاصيله بين مصدر وآخر، تظل عائشة والعسل قاسماً مشتركاً أعظماً في كلّ رواياته. وكالعادة، أُدخلت زينب في إحدى النسخ. فعلى سبيل المثال، أورد النسائي (114) ، نقلاً عن عائشة: «أن النبي (ص) كان يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت وحفصة، أيتنا ما دخل عليها النبي (ص)، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير! فدخل على إحديهما، فقالت ذلك له، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب؛ وقال: لن أعود له! فنزل: «يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك»، «إن تتوبا»، لعائشة وحفصة، «وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً»؛ لقوله: بل شربت عسلاً» (115) .

وماتت زينب. وكانت - لا كما قال البخاري (116) - أول من توفى من نساء النبي بعده. وفي موتها، يذكر مسلم (117) ، نقلاً عن عائشة، قالت: «قال رسول الله (ص): أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً. قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يداً! قالت: فكانت أطولنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق». ويروي ابن سعد (118) : «قال النبي لأزواجه: يتبعني أطولكن يداً! قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي (ص)، نمدّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب، يرحمها الله، ولم تكن أطولنا، فعرفنا حينئذٍ أن النبي (ص) أراد بطول اليد: الصدقة. قالت: وكانت زينب امرأة صناع اليد، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدّق في سبيل الله».

يُقَال إن النبي قبيل وفاته، جُعل له الخيار في ترك «مضاجعة من يشاء منهن [نسائه] وتضاجع من تشاء. أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء. أو لا تقسم لأيهن شئت، وتقسم لمن شئت. أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك، وتتزوج من شئت» (119) . وذلك تفسيراً لجملة «ترجئ وتؤوي» في القرآن. ويضيف الزمخشري: «كان النبي (ص) إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض: لأنه إما أن يطلق، وإما أن يمسك؛ فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم؛ وإذا طلّق وعزل، فإما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها، أو يبتغيها؛ روي أنه أرجئ منهن: سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة؛ فكان يقسم لهن ما شاء، كما شاء، وكانت ممن آوى إليه: عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب (رض). أرجأ خمساً وآوى أربعاً» (120) .

بعد موت زينب،لم يبق أمام عائشة سوى امتداحها - لكن دون أن تنسى الطعن بها، وإن بأسلوب ملطف. كانت عائشة تقول: «لم ار قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله عز وجل وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدّق به وتقرب به. ما عدا سورة من حدّة (121) كانت تسرع منها الفينة» (122) .

و

عائشة ... وجويرية

جويرية بنت الحارث، شابة ساحرة الجمال، سبيت في السنة السادسة للهجرة، في غزوة بني المصطلق. تحدّثنا عائشة عن هذا الحدث، فتقول: «كان رسول الله (ص) قد أصاب منهم [ بني المصطلق ] سبياً كثيراً، فشا قسمه في المسلمين، وكان فيمن أصيب من السبايا، جويرية بنت الحارث بن ضرار» (123) ؛ وتكمل: «لمّا قسم رسول الله (ص) سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها. وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه (124) . فأتت رسول الله (ص) تستعينه في كتابتها... فوالله ما هو إلا رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها (ص) ما رأيت. فدخلتْ عليه، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيّد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعين على كتابتي! قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي عنك كتابك وأتزوجك! قالت: نعم! يا رسول الله! قال: قد فعلت» (125) . وكان عمر جويرية، آنذاك، عشرين سنة (126) .

حول نظر النبي إلى جويرية، المرأة الغريبة عليه آنذاك، حتى «عرف من حسنها ما عرف»، يجد لنا السهيلي التبرير السهل التالي: «وأما نظره (ع) لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف، فإنما كان ذلك لأنها امرأة مملوكة، ولو كانت حرة، ما ملأ عينه منها، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء» (127) .

ز

عائشة... وصفية بنت حيي

صفية بنت حيي بن أحطب، يهودية، كانت زوجة لسلام بن مكشم، ثم تزوجها بعده كنانة بن أبي الحقيق، فقتل عنها يوم خيبر، فسباها النبي وتزوجها وذلك في العام السابع للهجرة. كان دحية الكلبي يرغب بسبيها قبل أن يأخذها محمد. لكن النبي، حين نظر إليها، وهي الشابة الجميلة، أمر دحية بأن يأخذ جارية من السبي غيرها.

صفية بنت حيي: اليهودية الجميلة، التي لم يُرَ «بين النساء أضوأ منها» (128) . وكان النبي يحب الجميلات فقد «اختار لنفسه عائشة (رض)، وكانت مستحسنة؛ ورأى زينب فاستحسنها وتزوجها؛ وكذلك اختار صفية. وكان إذا وصفت له امرأة، بعث يخطبها» (129) .

«كان مهره لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونش... إلا أم حبيبة، فإنه أمهرها عند النجاشي... أربعمائة دينار، وإلا صفية بنت حيي، فإنه اصطفاها من سبي خيبر، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها؛ وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية، أدّى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس، وتزوجها» (130) .

لما قدم النبي بصفية إلى «المدينة، وقد اتخذها لنفسه زوجة وعرس بها في الطريق (!!)، قالت عائشة (رض): تنكرت وخرجت أنظر، فعرفني، فأقبل إلي، فانقلبت، فأسرع المشي، فأدركني، فاحتضنني، وقال: كيف رأيتها؟ قلت: يهودية بين يهوديات - تعني: السبي» (131) . وفي نص آخر: «لما اجتلى النبي (ص) صفية، رأى عائشة متنقبة في وسط الناس، فعرفها، فأدركها، فأخذها بثوبها، فقال: يا شقيراء، كيف رأيت؟ قالت: رأيت يهودية بين يهوديات! قال: لا تقولي هذا يا عائشة، فإنها أسلمت وحسن إسلامها» (132) . ويهودية صفية، التي أسلمت وحسن إسلامها في وقت قياسي، ظلت عاراً طاردتها به عائشة حتى لحظاتها الأخيرة. وتخبرنا عن ذلك صفية ذاتها؛ فتقول: «دخلت على النبي (ص)، وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت ذلك له، فقال: ألا قلتِ: وكيف تكونان خيراً مني، وزوجي محمد (ص) وأبي هارون وعمي موسى؟ وكان الذي بلغها أنهن قلن: نحن أكرم على رسول الله (ص) وخير منها، نحن أزواجه وبنات عمه. وعن أنس: بلغ صفية أن حفصة، قالت: بنت يهودي! فبكت» (133) .

وتروي عائشة، خبراً آخر، فتقول: «خرجت مع رسول الله (ص) في حجة الوداع، وخرج معه نساؤه... وكان متاعي فيه خف.. وكان متاع صفية بنت حيي فيه ثقل.. فقال رسول الله (ص): حولوا متاع عائشة على جمل صفية، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب... فلما رأيت ذلك، قلت: يا لعباد الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله (ص)... أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي» (134) .
- ونلاحظ هنا أن تلك الرواية تعود إلى زمن حجة الوداع.

غيرة وشتائم وسخرية:

مع ذلك، فقد كانت صفية، كما رأينا، في حزب عائشة مع سودة وحفصة؛ ضد حزب أم سلمة وبقية أمهات المؤمنين الأخريات (135) . لكن هذا لم يمنع، كالعادة، أن تجتاحها غيرة عائشة بين حين وآخر وأن ينسكب عليها غضبها من آن لآن. من ذلك ما ذكرته عائشة ذاتها، حيث قالت: «كنت أستب (‍‍‍!!) أنا وصفية، فسببت اباها (!!)، فسبت أبي (!!)، وسمعه رسول الله (ص)، فقال: يا صفية، تسبين أبا بكر!!! يا صفية، تسبين أبا بكر!!!» (136) - نلاحظ هنا أن النبي لم يهتم لوالد صفية، وأن عائشة هي التي بدأت بالسباب. ويقال أيضاً: «استبت(!!) عائشة وصفية، فقال رسول الله (ص) لصفية: ألا قلت: أبي هارون وعمي موسى؟ وذلك أن عائشة فخرت عليها» (137) .

كان قِصَر صفية محط سخرية عائشة. يذكر أنها قالت للنبي ذات يوم: «حسبك من صفية كذا وكذا [تعني قصيرة] (138) ، فقال لها النبي (ص): لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته - تغيّر بها طعمه، أدركه لشدة نتنها» (139) . وفي نص آخر، يروى عن عائشة قولها: «حكيت للنبي (ص) رجلاً. فقال: ما يسري أني حكيت رجلاً وأن لي كذا وكذا. فقلت: يا رسول الله، إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني قصيرة. فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج» (140) . ويذكر أن «امرأة دخلت على عائشة (رض)، فلما قامت لتخرج، أشارت عائشة (رض) عنها بيدها إلى النبي (ص)، أي أنها قصيرة، فقال النبي: اغتبتها» (141) .

تكسير آنية... ومغافير:

بشأن تكسير الآنية، تروي عائشة أن صفية «أهدت إلى النبي (ص) إناءً فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته» (142) .

كالعادة، لم تخل حكاية المغافير من ذكر لصفية. تقول عائشة: «كان رسول الله (ص) يحب الحلواء والعسل. فكان إذا صلّى العصر دار على نسائه، فيدنو منهن. فدخل على حفصة، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس؛ فسألت على ذلك، فقيل لها: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت رسول الله (ص) منه شربة. فقلت: أما والله لنحتالن له! فذكرت ذلك لسودة، وقلت: إذا دخل عليك، فإنه سيدنو منك! فقولي له: يا رسول الله، أكلتَ مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا! فقولي له: ما هذه الريح؟ وكان رسول الله (ص) يشتد عليه أن توجد منه الريح، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل! فقولي له: جرست نحله العرفط. وسأقول له ذلك، وقولي له أنت يا صفية..» (143) .

أخيراً، فقد كانت عائشة تظهر بعض الودّ حيال صفية كواحدة من حزبها. تقول عائشة: «وجد رسول الله (ص) على صفية بنت حيي، فقالت لي: هل لك أن ترضي رسول الله (ص) عني وأجعل لك يومي؟ قلت: نعم! فأخذت خماراً لها مصبوغاً بزعفران، فرشته بالماء، ثم اختمرت به. قال عفان: ليفوح ريحه! ثم دخلت عليه في يومها، فجلست إلى جنبه، فقال: إليك يا عائشة، فليس هذا يومك! فقلت: فضل الله يؤتيه من يشاء! ثم أخبرته خبري... فرضي عني» (144) . لكنها قبضت سلفاً ثمن ذلك: «أجعل لك يومي»!!!

ح

عائشة... ومارية القبطية

عن مارية القبطية، يُقَال: «بعث المقوقس، صاحب الإسكندرية، إلى رسول الله (ص)، سنة 7هـ، بمارية وأختها سيرين، وألف مثقال من ذهب، وعشرين ثوباً ليناً، وبغلته دلدل، وحماره عفير، ويقال: يعفور؛ ومعهم خصي، يقال له: مابور (145) ، وكان أخاً لمارية... [وبعث بذلك كله مع حاطب بن أبي بلتعة، فعرض حاطب على مارية الإسلام، ورغبها فيه] (146) .. فأسلمت، وأسلمت أختها، وأقام الخصي على دينه، حتى أسلم في المدينة [في عهد رسول الله (ص)] (147) . وكان رسول الله (ص) معجباً بأم ابراهيم [مارية]، وكانت بيضاء جميلة، فأنزلها رسول الله (ص) في العالية، في المال الذي يقال له اليوم: مشربة أم ابراهيم. وكان رسول الله يختلف إليها هناك، وضُرب عليها الحجاب، وكان يطأها بملك اليمين (148) ، فلما حملت، وَضَعت هناك [وقبلتها سلمى، مولاة رسول الله (ص)] (149) ... فجاء أبو رافع، [زوج سلمى] (150) ، فبشّر رسول الله (ص) بابراهيم، فوهب له عبداً، وذلك في [ذي الحجة] (151) سنة 8هـ؛ وتنافست الأنصار في ابراهيم، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي (ص)، لما يعلمون من هواه فيها... وكانت أخت مارية، يقال لها: سيرين. فوهبها النبي (ص) لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن... كان أبو بكر ينفق على مارية حتى توفي، ثم صار عمر ينفق عليها حتى توفيت في خلافته، سنة 16هـ» (152) .

في البداية والنهاية (153) ، تقدّم الرواية تفاصيل أخرى، فتقول: «كانت له عليه السلام سريتان: إحداهما مارية بنت شمعون القبطية، أهداها له صاحب الاسكندرية، واسمه جريج بن مينا، وأهدى معها أختها شيرين [ ذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جوار] وغلاماً خصيّاً اسمه مابور، وبغلته يقال لها: الدلال؛ فقبل هديته واختار لنفسه مارية، وكانت من قرية ببلاد مصر، يقال لها: حفن من كورة أنصنا... وكانت مارية جميلة بيضاء، أعجب بها رسول الله (ص) وأحبها، وحظيت عنده؛ ولاسيما بعد أن وضعت ابراهيم، ولده. وأما أختها شيرين، فوهبها رسول الله (ص) لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن... أما الغلام الخصي، وهو مابور، فقد كان يدخل على مارية وشيرين، بلا إذن، كما جرت به عادته بمصر». وفي رواية أخرى (154) ، منقولة عن عائشة، نعرف تفاصيل أخرى، حيث يقال: «أهدى ملك من بطارقة الروم، ويقال له: المقوقس؛ جارية قبطية من بنات الملوك، يقال لها: مارية؛ وأهدى معها ابن عم لها، شاباً، فدخل رسول الله (ص) منها ذات يوم يدخل خلوته، فأصابها فحملت بابراهيم». «كان رسول الله (ص) يعجب بمارية، وكانت بيضاء جعدة جميلة، فأنزلها وأختها على أم سليم بنت ملحان، فدخل عليها رسول الله (ص)، فعرض عليهما الإسلام، فأسلمتا هناك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية، وكان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف، وفي خرافة النخل» (155) .

الصراع الاعتيادي:

كالعادة، تقول عائشة: «ما غرت من امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة من النساء، جعدة، فأعجب بها رسول الله (ص)، وكان أنزلها أول ما قدم بها، بيت الحارث بن نعمان. وكانت جارتنا. وكان رسول الله (ص) عامّة الليل والنهار عندها. قذعنا لها، فجزعت، فحوّلها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، وكان ذاك أشدّ علينا، ثم رزقه الله منها الولد، وحرمنا منه» (156) .إذن، لقد «ثقلت مارية على نساء النبي (ص)، وغرن عليها، ولا مثل عائشة» (157) .

سورة التحريم :

يقول الزمخشري في الكشاف (158) ، في تفسيره للآيتين الأولى والثانية من سورة التحريم: «روي أن رسول الله (ص) خلا بمارية في يوم عائشة، وعلمت بذلك حفصة، فقال لها: اكتمي عليّ، وقد حرّمت مارية على نفسي، وأبشّرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي!!! فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين.وقيل: خلا بها في يوم حفصة، فأرضاها بذلك، واستكتمها فلم تكتم، فطلّقها واعتزل نساءه، ومكث تسعاً وعشرين ليلة في بيت مارية. وروي أنّ عمر قال لها: لو كان في آل الخطاب خير لما طلّقك! فنزل جبريل (ع)!، وقال: راجعها فإنها صوامة قوامة، وإنها لمن نسائك في الجنة».

وفي رواية تنسب لابن عباس، يقال: «خرجت حفصة من بيتها، وكان يوم عائشة، فدخل رسول الله (ص) بمارية القبطية ببيت حفصة. فجاءت حفصة والباب مجاف (159) ، فدفعته حتى خرجت الجارية! فقالت: أما إني قد رأيت ما صنعت! فقال: اكتمي علي، وهي عليّ حرام! فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأخبرتها، فأنزل الله: «يا أيها النبي لم تحرّم ما أحلّ الله»! فأمر، فكفّر (160) عن يمينه، وحبس نساءه» (161) . ويقال إن النبي «أعتق رقبة في تحريم مارية» (162) .

وتقول رواية منسوبة لأبي هريرة: «دخل رسول الله (ص) بمارية القبطية ببيت حفصة بنت عمر، فوجدتها معه، فقالت: يا رسول الله! في بيتي وتفعل هذا بي من دون نسائك (163) ! فقال: فإنها عليّ حرام أن أمسّها يا حفصة! ألا أبشّرك؟! فقالت: بلى! قال: يلي هذا الأمر من بعدي أبو بكر، ويليه من بعده أبوك، واكتمي هذا عليّ. فخرجت حتى أتت عائشة، فذكرت ذلك كلّه، وفيه قوله: وكان أدى السرور أن حرّمها على نفسه، فأنزل الله تعالى: «يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك»» (164) .

يقدّم ابن سعد في طبقاته (165) الرواية الأولى التالية: «خرجت حفصة من بيتها، فبعث رسول الله إلى جاريته، فجاءته في بيت حفصة [في نص آخر: «أرسل رسول الله إلى مارية، فظلّ معها في بيت حفصة، وضاجعها»] (166) ، فدخلت عليه حفصة وهي معه في بيتها، فقالت: يا رسول الله! في بيتي وفي يومي وعلى فراشي! فقال رسول الله: اسكتي! فلكِ الله لا أقربها ولا تذكريه! فذهبت حفصة فأخبرت عائشة (167) ، فـأنزل الله: «يا أيها النبي لمَ تحرم ما أحل الله لك» [تحريم 1]. فكان ذلك التحريم حلالاً، ثم قال: «قد فرض لكم تحلية إيمانكم» (تحريم 2). فكفّر رسول الله عن يمينه حين آلى، ثم قال: «وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه شيئاً»، يعني: حفصة! «فلما نبأت به»: حين أخبرت به عائشة! «وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به»، يعني: حفصة لما أخبره الله، قالت حفصة: «من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير. إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما»، يعني: حفصة وعائشة! «وإن تظاهرا عليه»، لعائشة وحفصة» (168) .

تقول رواية ثانية (169) لابن سعد: «خرجت حفصة من بيتها، وكان يوم عائشة. فدخل رسول الله بجاريته وهي مخمّر وجهها، فقالت حفصة لرسول الله: أما إني قد رأيت ما صنعت! فقال لها رسول الله: فاكتمي عليّ وهي حرام (170) . فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأخبرتها وبشّرتها بتحريم القبطية؛ فقالت له عائشة: أما يومي فتعرس فيه بالقبطية! وأما سائر نسائك فتسلّم لهن أيامهن! فأنزل الله: «وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً»: لحفصة؛ «فلما نبأت به وأظهره الله عليه، عرّف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت: من أنبأك هذا؟ قال: نبأني العليم الخبير! إن تتوبا فقد صغت قلوبكما»، يعني: حفصة وعائشة! «فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين بعد ذلك ظهير، عسى ربه إن طلقكن» [تحريم 3-4]. فتركهما رسول الله (ص) تسعاً وعشرين ليلة، ثم نزل: «يا أيها النبي لِمَ تحرّم ما أحل الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم» (تحريم 1)! فأمر، فكفّر يمينه وحبس نساءه عليه». لكن القرطبي بعد ذكره لرواية مشابهة، يضيف أن النبي « هم بطلاقها [حفصة]، حتى قال له جبريل: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة! فلم يطلقها» (171) . من ناحية أخرى، يؤكد الطبري أن النبي جازاها « على ذلك من فعلها بأن طلقها » (172) .

يقدّم لنا ابن كثير (173) ، في تفسيره ، رواية تلقي ببعض الضوء على تفاصيل إضافية، فيقول: «بدء الحديث في شأن أم ابراهيم، مارية القبطية، أصابها النبي (ص) في بيت حفصة، في نوبتها، فوجدت حفصة، فقالت: يا نبي الله، لقد جئت إلي شيئاً ما جئت إلى أحد من أزواجك! في يومي وفي دوري وعلى فراشي!! فقال: ألا ترضين أن أحرّمها فلا أقربها‍‍؟ قالت: بلى! فحرّمها، وقال لها: لا تذكري ذلك لأحد! فذكرته لعائشة، فأظهره الله عليه، فأنزل الله تعالى: «يا أيها النبي، لم تحرّم ما أحلّ الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك» (تحريم 1). فبلغنا أن رسول الله (ص) كفّر عن يمينه، وأصاب جاريته». وتقول رواية أخرى من المرجع ذاته (174) : «دخلت حفصة على النبي (ص) وهو يطأ مارية، فقال لها رسول الله (ص): لا تخبري عائشة حتى أبشّرك ببشارة! إن أباك يلي هذا الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت!!! فذهبت، فأخبرت عائشة... فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرّم مارية!!! فحرّمها، فأنزل الله تعالى...».

يقدّم الطبري في تفسيره (175) الحكاية ذاتها بأسلوب مختلف، فيقول: «كانت حفصة وعائشة متحابتين... فذهبت حفصة إلى أبيها، فتحدّثت عنده، فأرسل النبي (ص) إلى جاريته، فظلّت معه في بيت حفصة. وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة. فرجعت حفصة (176) ، فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها. وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول الله (ص) جاريته. ودخلت حفصة، فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سوءتني! فقال النبي (ص): والله إني لأرضينك، فإني مسرّ إليك سراً، فاحفظيه! قالت: وما هو؟! قال: إني أشهدك أن سرّتي هذه عليّ حرام رضا لك. وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي (ص). فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرّت إليها (177) ، أن ابشري، إن النبي (ص) حرّم عليه فتاته. فلما أُخبرت بسر النبي (ص)، أظهر الله عزّ وجل النبي (ص)، فأنزل على رسوله لما تظاهرتا عليه: «يا أيها النبي لم تحرّم» - إلى قوله تعالى - «وهو العليم الحكيم»». ويضيف في رواية أخرى عن أبي عثمان، « أن النبي (ص) دخل بيت حفصة، فإذا هي ليست ثم، فجاءته فتاته [مارية]، فألقى عليها ستراً، فجاءت حفصة، فقعدت له على الباب حتى قضى رسول الله (ص) حاجته، فقالت: والله، لقد سوتني، جامعتها في بيتي...» (178) .

إذن، فالمرأتان اللتان تظاهرتان على رسول الله، كما قال عمر بن الخطاب (179) لابن عبّاس، هما «عائشة وحفصة» (180) . ويدعم ذلك ابن كثير حين يقول، إن آية «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما» [تحريم 4] نزلت في «عائشة وحفصة» (181) . ويؤكد الزمخشري (182) أن الآية العاشرة من سورة التحريم، التي تضرب مثلاً للذين كفروا، امرأة نوح وامرأة لوط (183) ، هي «تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة [أي: عائشة وحفصة]، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله (ص) بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده، لما في التمثيل من ذكر الكفر... والتعريض بحفصة (184) أرجح، لأن امرأة لوط أفشت عليه، كما أفشت على رسول الله». ويقول القرطبي مفسراً الآية: « إن تتوبا: يعني حفصة وعائشة. فقد صغت قلوبكما: أي زاغت ومالت عن الحق، وهو أنهما أحبتا ما كره النبي (ص) من اجتناب مارية واجتناب العسل، وكان (ع) يحب العسل والنساء. وإن تظاهرا عليه: أي تتظاهرا وتتعاونا على النبي (ص) بالمعصية والإيذاء » (185) .

لماذا اعتزل النبي نساءه؟

إذا أسقطنا أسطورة المغافير المتناقضة، والتي تبدو وكأنها لُفّقت للتغطية على أحداث أخرى، فإن اعتزال النبي زوجاته شهراً، كما أشار ابن الجوزي (186) ، له أحد سببين: الأوّل، تصرفات عائشة وحفصة مع النبي بعد انفضاح أمره مع مارية؛ والثاني، رفض زينب لحصتها من ذبيحة عائشة، الذي أشرنا إليه في فصل عائشة وزينب. لكن سياق الحديث يوحي أنّ السبب الأول هو الأقرب للمنطق. مع ذلك، فحتى لو أثبتنا بالدليل القاطع أن السبب الأول هو الباعث على الاعتزال، تبقى لدينا مهمّة التوفيق بين تلك الروايات المتضاربة حول الاعتزال، والتي لا سبيل بأية حال للتوفيق بينها.

فعلى سبيل المثال، أورد الترمذي (187) حديثاً طويلاً مسنداً لابن عباس، يقول فيه الأخير: «لم أزل حريصاً أن أسأل عمر [بن الخطاب] عن المرأتين من أزواج النبي (ص) اللتين قال الله - عز وجل - [عنهما]: «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما... وإن تظاهرا عليه فإن الله مولاه»... فقال: هي عائشة وحفصة... ثم أنشأ يحدثني الحديث، فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما وصلنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضب عليّ امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فقالت: ما تنكر من ذلك، فوالله إن أزواج النبي (ص) يراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل... وكان لي جار من الأنصار... فجاءني يوماً، فقال: طلّق رسول الله (ص) نساءه... انطلقت حتى دخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: أطلّقكن رسول الله؟ قالت: لا أدري، هو ذا معتزل في هذه المشربة... فدخلت... فقلت: يا رسول الله، أطلّقت نساءك؟ قال: لا! قلت: الله أكبر! لقد رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة... فقلت لحفصة: أتراجعين رسول الله (ص)؟ قالت: نعم! وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل! فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت! أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت؟! فتبسّم النبي، فقلت لحفصة: لا تراجعي رسول الله (ص) ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنّك إن كانت صاحبتك [عائشة] أوسم منك وأحب إلى رسول الله (ص)... قالت [عائشة]: فلما مضت تسع وعشرون يوماً، دخل عليّ النبي (ص)، فبدأ بي، قال: إنّي ذاكر لك شيئاً فلا تعجّلي حتى تستأمري أبويك... ثم قرأ هذه الآية: «يا أيها النبي قل لأزواجك»... قالت [عائشة]: علم - والله - أن أبوي لم يكونا يأمراني بغرامته! فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة... يا رسول الله! لا تخبر أزواجك أني اخترتك! فقال النبي (ص): إنما بعثني الله مبلّغاً ولم يبعثني متعنتاً» (188) .

إذن، فقد هجر النبي نساءه شهراً لأنهن كن يراجعنه، في حين وجدناه سابقاً يهجرهن بسبب حكاية مارية وحفصة وعائشة. فهل هجرهن أكثر من مرة؛ أم أن الحكاية السابقة لفّقت - كالعادة - للتغطية على حكايته الشهيرة مع مارية؟.

في نص لابن كثير (189) ، نجد أنّ المال هو لبّ المشكلة. وهنا، يقول النبي لعمر عن نسائه: «هن حولي يسألنني النفقة! فقام أبو بكر (رض) إلى عائشة ليضربها! وقام عمر إلى حفصة! كلاهما يقولان: تسألان النبي ما ليس عنده!!! فنهاهن رسول الله (ص) ، فقلن: والله لا نسأل رسول الله (ص) بعد هذا المجلس ما ليس عنده، وأنزل الله الخيار».

يقدّم ابن سعد (190) نصاً مشابهاً، يقول فيه عمر بن الخطاب: «فخرجتُ فلقيت أبا بكر الصديق، فحدثته الحديث، فدخل على عائشة، فقال: قد علمت أن رسول الله لا يدّخر عنكنّ شيئاً، فلا تسألنه ما لا يجد، انظري حاجتك فاطلبيها إليّ! وانطلق عمر إلى حفصة، فذكر لها مثل ذلكن ثم اتبعا أمهات المؤمنين، فجعلا يذكران لهن مثل ذلك، حتى دخلا على أم سلمة، فقالا لها مثل ذلك، فقالت: ... من نسأل إذا لم نسأل رسول الله؟ هل يدخل بينكما وبين أهليكما أحد؟... فقال أزواج النبي (ص) لأم سلمة: جزاك الله خيراً حين فعلت ما فعلت، ما قدرنا أن نردّ عليهما شيئاً... فأنزل الله في ذلك: «يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً» [أحزاب 28]، يعني: متعة الطلاق؛ ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقاً جميلاً! «وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة تخترن الله ورسوله فلا تنكحن بعده أحداً» [أحزاب 29]». وتستكمل القصة كالسابق. وتنتهي بتعليق عائشة حين دخل النبي عليهن بعد تسع وعشرين يوماً، وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً: «لقد أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً». وكان رد النبي، بأن الشهر تسع وعشرون يوماً (191) .

ونظل نتساءل: هل كان ابتعاده عن نسائه شهراً مرتبطاً بسورة التحريم أم بالأحزاب، وما هو السبب الفعلي لذلك - تظل الأجوبة الإسلامية مشوشة؟!

ابراهيم بين مارية... وعائشة:

رغم أسطول النساء الجميلات الشابات اللواتي كن يملأن حجرات البيت النبوي، فالنبي لم يرزق بولد منهن قط - في حين أنجب، كما تزعم المصادر الإسلامية، عدداً لا بأس به من الأولاد من المرأة الكهلة التي كانت زوجته الأولى: خديجة بنت خويلد. المفاجأة هنا، هو أن تلك الجارية الجميلة الشابة وحدها أنجبت من النبي طفله الأخير: ابراهيم. ففي السنة الثامنة للهجرة، أي بعد وصولها إلى المدينة بعام تقريباً، «ولدت مارية ابراهيم، وغار نساء النبي (ص) وعظم عليهن، حين رزقت مارية منه ولداً» (192) .

رغم معاناة عائشة الهائلة من مأساة الإفك قبل عامين على ولادة ابراهيم، فهي لم تتوان للحظة، بدافع الحسد على الأرجح، عن رمي القبطية به - خاصة وأنها كانت تسكن بعيداً عن المقر النبوي، وأن رفيقها مابور كان يتردّد عليها باستمرار. نقلاً عن عائشة، قدّم ابن سعد (193) الرواية القائلة: «لمّا ولد ابراهيم، جاء به رسول الله إليّ؛ فقال: انظري إلى شبهه بي. فقلت: ما أرى شبهاً!!! فقال رسول الله (ص): ألا ترين بياضه ولحمه؟ فقلت: إنه من قصر عليه اللقاح ابيضّ وسمن. [أو]: من سقي ألبان الضان سمن وابيضّ. وكانت لرسول الله (ص) قطعة غنم تروح عليه، ولبن لقاح له. فكان جسمه وجسم مارية حسناً» (194) .

وفي البداية والنهاية (195) ، يقال: «لمّا استبان حملها [مارية]، جزعت [عائشة] من ذلك، فسكت رسول الله (ص)، فلم يكن لها لبن، فاشترى لها ضأنة لبوناً تغذّى منها الصبي، فصلح إليه جسمه وحسن لونه... فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها، فقال: يا عائشة، كيف ترين الشبه؟ فقلت [عائشة] أنا وغيري: ما أرى شبهاً! فقال: ولا اللحم؟! فقلت: لعمري من تغذى بألبان الضأن يحسن لحمه». وفي نص آخر: «حملني ما يحمل النساء من الغيرة، أن قلت: ما أرى شبهاً» (196) .

إذن! لقد اتهمت عائشة مارية بالزنا، وإن بطريقة غير مباشرة! ولم يكن على الساحة رجل يمكن اتهامه سوى مابور. وكالعادة، جاء النفي حاسماً على يدي علي، عدو عائشة اللدود. روى محمد بن الحنفية عن أبيه علي: «كان قد كثّر على مارية القبطية، أم ابراهيم، ابن عم لها كان يزورها [أو: «كان قبطي يأوي إليها، ويأتيها بالماء والحطب، فقال الناس في ذلك: علج يدخل على علجة! فبلغ ذلك رسول الله (ص)» (197) ]، فقال لي النبي (ص): خذ السيف، فلما اقبلت نحوه، عرف أنّي أريده، فأتى نخلة، فرقي إليها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشفر برجليه، فإذا هو أجبّ أمسح، ماله ممّا للرجال قليل ولا كثير... فغمدت السيف، ورجعت إلى النبي (ص)» (198) . ويروي أنس ابن مالك القصة بتبديل طفيف، فيقول: «ظاهر هذا الحديث أن علياً (رض) أراد قتله؛ وقد روي في حديث آخر صريحاً، وأن رسول الله (ص)، قال له: يا علي! خذ السيف، فإن وجدته عندها فاقتله! فكيف يجوز القتل على التهمة؟!» (199) .

يقدم ابن قيم الجوزية (200) القصة ذاتها، لكنه يستبدل هنا عليّ بن أبي طالب بعمر ابن الخطاب، مسنداً الخبر إلى ابنه عبد الله بن عمر. وينهي المسألة على النحو التالي: «فلما رأى عمر (رض)، رجع إلى رسول الله (ص)، فأخبره، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أنّ الله عز وجل قد برّأها وقريبها مما وقع في نفسي، وبشّرني أنّ في بطنها غلاماً وأنه أشبه الخلق بيّ!!! وأمرني أن أسميه ابراهيم» (201) .

من ناحية أخرى، فالقصة التي بطلها علي، تعطي جبريل أيضاً دوراً مطمئناً حين يأتي النبي، ليقول له: «السلام عليك يا أبا ابراهيم! فاطمأن رسول الله (ص) إلى ذلك» (202) . وربما أن هذا شكّل الأساس الذي اعتمده بعض الشيعة في اعتبار «أن البراءة في سورة النور هي في السيدة مارية القبطية لا في السيدة عائشة» (203) .

تخبرنا عائشة، أخيراً: «لقد توفي ابراهيم، ابن رسول الله، وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فلم يُصل عليه» (204) .

ط

عائشة ...وباقي نساء النبي

عائشة ...وأم حبيبة بنت أبي سفيان

لا نعرف الكثير عن علاقة عائشة بأم حبيبة. لكن حدثاً هاماً، هو قتل معاوية، أخو أم حبيبة، لمحمد بن أبي بكر ، أخي عائشة، وإحراقه إياه في بطن حمار ميت ! فجّر نار الصراعات بين الضرّتين. يقول المنتظم (205) ، على سبيل المثال: «أمرت أم حبيبة بنت أبي سفيان بكبش مشوي، وقالت: هكذا شوي أخوك [ لابد أن نلاحظ - بالمناسبة - أنّ الاثنتين تحملان في التراث الاسلامي اللقب التقديسي «أم المؤمنين»]!!! فلم تأكل عائشة شواء حتى لحقت بالله عز وجل» . وفي رواية أخرى (206) ، قالت لها عائشة: «قاتل الله ابنة العاهرة!!! والله لا أكلت شواء بعده أبداً» .

عائشة ...وزينب بنت خزيمة

يخبرنا الزمخشري (207) أن عائشة «كانت تسخر من زينب بنت خزيمة الهلالية: وكانت قصيرة. وعن ابن عبّاس (رض)، أنّها ربطت حقويها بسبيبة، وسدلت طرفها خلفها، وكانت تجرّه. فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب» .

مكائد عائشة للواتي حاول النبي الزواج بهن

تتبدّى أخلاق عائشة، بأوضح مايمكن، في تعاملها مع النسوة اللواتي أراد النبي الزواج بهن: ولم يتمّ هذا الزواج - لسبب أو لآخر. فقد استعملت عائشة كلّ ما هو مباح وغير مباح لإفشال خططه. وكانت تقول، محذّرة نسائه الأخريات: «قد وضع يده في الغرائب يوشكن أن يصرفن وجهه عنّا» (208) . لقد اختُلف كثيراً، كالعادة، في أسماء هؤلاء النسوة والحوادث المتعلّقة بهن.ومن ركام هذا الخلط المبعثر، استطعنا، بشق النفس، سلّ الأسماء والحوادث التالية:

أسماء بنت النعمان الجونية... وعائشة:

يقول أبو أسيد الساعدي: «تزوج رسول الله (ص) أسماء بنت النعمان الجونية، فأرسلني، فجئت بها، فقالت حفصة لعائشة: أخضبيها أنتِ، وأنا أمشطها! ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي (ص) يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه، أن تقول: أعوذ بالله منك!!!... فلما دخلت عليه، وأغلق الباب، وأرخى الستر، مدّ يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك! فقال رسول الله (ص) لكمّه على وجهه، فاستتر به، وقال: عذت بمعاذ! ثلاث مرات! ثم خرج إلى أبي أسيد، فقال: يا أبا أسيد، ألحقها بأهلها ومعها برازقيتين! يعني: كرباسين. [وطلّقها] فكانت تقول: ادعوني الشقية. وقال ابن عمر: قال هشام بن محمد: فحدثني زهير بن معاوية الجعفي: إنها ماتت كمداً» (209) . «وكانت تقول: خدعت» (210) . وإذا كان صغر سن عائشة وحفصة وغيرتهما يبرران لهما - إلى حد ما - كذبهما ومكائدهما وأخلاقهما، فكيف نبرّر موقف النبي من هذه البريئة التي أودت بها تلك الخديعة إلى الموت كمداً؟!

لم تهتم عائشة لموت هذه البريئة بسبب ما حصل لها - ولم يكن ذلك بالأمر السهل في مجتمع معقد ضد النساء: كلّ ما كان يهمها تسلطها على البيت النبوي. وهكذا، نقل عنها قولها (211) عن أسماء: «كانت من أجمل النساء، فخفن أن تغلبهن عليه، فقلن لها» (212) ما قلن. جمال أسماء قتلها. وكان قد ذكر أنها «لما قدمت المدينة... دخل عليها نساء الحي فرحين بها، وخرجن من عندها، فذكرن جمالها، فشاع بالمدينة قدومها» (213) .

الكلابية... وعائشة:

هنالك عدة نساء من بني كلب، تميّزن أيضاً بالجمال، قيل إن النبي خطط للزواج منهن، لكن مخططاته فشلت كلها. وهؤلاء النسوة، هن: فاطمة بنت الضحاك، عمرة بنت زيد، عالية بنت ظبيان، سنا بنت سفيان، وشراف أخت دحية الكلبي. وهن إما كلابية واحدة اختلف في اسمها؛ أو مجموعة من نساء من بني كلب لكل واحدة قصة غير قصة صاحبتها.

تذكر إحدى الروايات أنه «يوم أراد رسول الله (ص) أن يخطب لنفسه شراف أخت دحية الكلبي، وذلك أنه (ص) بعث عائشة تنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال لها رسول الله (ص): ما رأيتِ؟ فقالت: ما رأيت طائلاً!!! فقال لها رسول الله: لقد رأيت خالاً تجدها أقشعرت منه ذوائبك! فقالت: يا رسول الله، ما دونك سرّ، ومن يستطيع أن يكتمك !» (214) . ويقال أيضاً، «إن الكلابية لما دخلت على النبي (ص)، قالت: أعوذ بالله منك!!! فقال رسول الله (ص): لقد عذت بعظيم - الحقي بأهلك» (215) .

مليكة الليثية... وعائشة:

وكانت هذه - كالعادة - «تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة (رض)، فقالت: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك!! [يعني النبي]! فاستعاذت من رسول الله (ص)، فطلقها، فجاء قومها النبي (ص)، فقالوا: يا رسول الله! إنها صغيرة، وإنها
لا رأي لها، وإنها خدعت، فارتجعها. فأبى رسول الله (ص)» (216) . وكان أبوها قد قتل على يد خالد بن الوليد يوم الفتح. - لكن: من الذي أوحى لها بالاستعاذة؛ ومن الذي خدعها - وكيف؟!!!

أم شريك... وعائشة:

أم شريك، هي إحدى اللواتي وهبن أنفسهن للنبي؛ وكالعادة، «كانت جميلة، وقد أسنت، فقالت: إني أهب نفسي لك، وأتصدق!!! بها عليك! فقبلها النبي (ص). فقالت عائشة: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير! قالت أم شريك: فأنا تلك! فسمّاها الله!!! مؤمنة، فقال: «وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي» [أحزاب 50]. فلما نزلت هذه الآية، قالت عائشة: إن الله يسرع لك في هواك» (217) .

IV

وفاة النبي... وعائشة

تقول إحدى الروايات، إن النبي اشتد مرضه «في بيت ميمونة، فجمع نساءه، فاستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة» (1) «فأذن له» (2) .

رغم أن فاطمة، كما رأينا، كانت حليفة الحزب المناوئ لعائشة وحزبها، فعائشة تزعم، أنه «لما مرض رسول الله مرضه الذي توفي فيه، طافت فاطمة على نسائه، تقول: إن رسول الله يشق عليه أن يطوف عليكن! فقلن: هو في حل. فكان يكون في بيت عائشة» (3) . وتقول رواية أخرى، لا ذكر فيها لفاطمة: «لما ثقل رسول الله (ص) في مرضه الذي توفي فيه، قال: أين أنا غداً؟ قالوا: عند فلانة! قال: أين بعد غد؟ قالوا: عند فلانة! فعرف أزواجه أنه يريد عائشة، فقلن: يا رسول الله، قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة» (4) .

مع ذلك، لدينا نصوص تناقض ماسبق، تؤكد أن النبي كان «قد همّ أن يطلّق من نسائه، فلما رأين ذلك، جعلنه في حلّ يؤثر من يشاء منهن على من يشاء... فكان يؤثر عائشة وزينب» (5) . وفي قول منسوب لعلي، نلاحظ أنه «لم يمت رسول الله (ص) حتى أحلّ له أن يتزوج من النساء ما شاء، وهو قوله «ترجئ من تشاء منهن» [أحزاب 51]» (6) . والحديث ذاته مروي عن عائشة أيضاً (7) .

حول ساعات النبي الأخيرة، تقدّم عائشة روايات كثيرة، سوف نلاحظ لاحقاً أن هنالك من يكذّبها: تقول إحدى الروايات، نقلاً عنها: «كان رسول الله (ص)، إذا مرّ ببابي مما يلقي الكلمة ينفع الله عز وجل. فمرّ ذات يوم، فلم يقل شيئاً، ثم مرّ أيضاً، فلم يقل شيئاً - مرتين أو ثلاثاً. قلت: يا جارية! ضعي لي وسادة على الباب! وعصبت رأسي. فمرّ بي، فقال: يا عائشة ما شأنك؟ فقلت: أشتكي رأسي! فقال: أنا، ورأساه! فلم يلبث إلا يسيراً، حتى جيء به محمولاً في كساء، فدخل علي، وبعث إلى النساء، فقال: إني قد اشتكيت، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن، فأذن لي، فلأكن عند عائشة أو صفية. ولم أمرض أحداً قبله؛ فبينما رأسه ذات يوم على منكبي، إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فيه نطفة باردة، فوقعت على ثغرة نحري، فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غشي عليه، فسجيته ثوباً، فجاء عمر والمغيرة ابن شعبة، فاستأذنا، فأذنت لهما، وجذبت إليّ الحجاب، فنظر عمر إليه، فقال: واغشياه، ما أشد ما غشي رسول الله (ص)! ثم قاما، فلما دنوا من الباب، قال المغيرة: يا عمر، مات رسول الله (ص). قال: كذبت، بل أنت رجل تحوسك فتنة؛ إن رسول الله (ص) لا يموت حتى يفني الله عز وجل المنافقين. ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! مات رسول الله (ص)...» (8) .

تقول رواية أخرى أكثر شهرة، نقلاً عن عائشة أيضاً: «مات رسول الله (ص) في بيتي ويومي، وبين سحري ونحري، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر، ومعه سواك رطب، فظننت أن له فيه حاجة... فأخذته، فمضغته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إليه، فاستن كأحسن ما رأيته مستناً قط، ثم ذهب يرفعه إلي، فسقط من يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدء كان يدعو به جبريل (ع)؛ وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به في مرضه ذلك، فرفع بصره إلى السماء، وقال: الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى! يعني وفاضت نفسه! فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه آخر يوم من أيام الدنيا» (9) .

وفي رواية ثالثة، تقول عائشة أيضاً: «مات في اليوم الذي كان يدور فيه عليّ في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه بين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي» (10) .

كان عمرها، آنذاك، كما أشرنا، «ثمان عشرة سنة» (11) تقريباً

القسم الثاني

عائشة... والخلفاء

1

عائشة... زمن أبي بكر وعمر

كانت خلافتا أبي بكر وعمر، المرحلة الأهدأ في حياة عائشة. - وكان هذا طبيعياً. فقد حقّقت عائشة أثناءها الكثير مما كانت تطمح إليه، معنوياً ومادياً: فأبوها كان يمسك بزمام الخلافة، وهي «استقلت بالفتوى»؛ وتميّزها المادي عن بقية نساء النبي تشهد عليه مصادر كثيرة.

لقد أشرنا في كتابنا، « يوم انحدر الجمل من السقيفة »، إلى الكيفية التي صار بها أبو بكر خليفة. وقد قامت عائشة بدور هام في بث أحاديث، لا نعرف مدى دقتها، تأييداً لخلافة والدها، وانتقاماً - وهذا أهم - من ألدّ أعدائها: عليّ بن أبي طالب.

ففي فضل أبي بكر، تروي عائشة أحاديث كثيرة. من ذلك ، زعمها أنها قالت للنبي، مرّة: «يا رسول الله، أكلّ الناس تقف للحساب يوم القيامة؛ قال: نعم، إلا أبا بكر، فإن شاء مضى، وإن شاء وقف» (1) .

لقد استغلّت عائشة حدث موت النبي أفضل استغلال، لتقديم حكايا غير مؤكّدة داعمة لخلافة أبيها. من ذلك، مثلاً، ما أورده ابن ماجة (2) نقلاً عنها: «لما مرض رسول الله (ص) مرضه الذي مات فيه - وقال أبو معاوية: لما ثقل- جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال: مروا أبا بكر، فليصلّ بالناس؛ قلنا: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف - تعني: رقيق - ومتى ما يقوم مقامك يبكي، فلا يستطيع، فلو أمرت عمر، فصلّى بالناس! فقال: مروا أبا بكر، فليصلّ، فإنكن صواحب يوسف! فأرسلنا إلى أبي بكر، فصلّى بالناس. فوجد رسول الله (ص) في نفسه خفّة، فخرج إلى الصلاة يهادي بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض. فلما أحس به أبو بكر، ذهب ليتأخر. فأومئ إليه النبي (ص) أن مكانك؛ فجاء حتى أجلساه إلى جنب أبي بكر. فكان أبو بكر يأتم بالنبي (ص)، والناس يأتمون بأبي بكر».

وفي رواية أخرى (3) منقولة عن عبد الله بن عمر، نجد عائشة تقول للنبي: «إن أبا بكر رجل رقيق كثير البكاء حين يقرأ القرآن، فمر عمر، فليصلّ بالناس. فراجعته عائشة بمثل مقالتها، فقال رسول الله (ص): ليصلِّ بالناس أبو بكر! إنكن صواحب يوسف».

وتدّعي عائشة، أن النبي قالها لها في مرضه الأخير: «ادعي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ، ويقول قائل: أنا أولى! ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (4) .

ويروى عنها أيضاً، أنه «لمّا ثقل رسول الله (ص)، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف ولوح حتى أكتب لأبي بكر، لا يختلف عليه! فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم، قال: أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك، أبا بكر» (5) . لكن: ألم يكن بين كلّ المسلمين من يستأهل حمل هذه المهمّة المصيرية غير عبد الرحمن الذي لم يكن عطر السمعة اسلامياً بأية حال؟

من أحاديث كهذه، يمكن أن نتلمس محاولة عائشة كي تظهر أنّ النبي هو الذي اختار أبا بكر إماماً بعده، وأنها من ناحيتها كانت معترضة على ذلك!

كما أشرنا، فالكلام عن عائشة شبه نادر في حقبة خلافة أبي بكر: فمن جهة، كانت عائشة ذاتها هادئة وقد تحقق لها أقصى ما تشتهي؛ ومن جهة أخرى، كانت خلافة أبي بكر ملأى بالصراعات الداخلية والمصاعب الكبيرة: حدث السقيفة وخروج سعد بن معاذ على الخليفة؛ والحروب التي شنت ضد كلّ من ارتدّ عن الدين أو رفض خلافة أبي بكر من العرب - وعبّر عن ذلك بامتناعه عن دفع الزكاة.


عمر بن الخطاب... وعائشة

ومات أبو بكر، و «أقامت عائشة عليه النوح، فنهاهن عن البكاء عمر، فابين أن ينتهين، فقال لهشام بن الوليد: ادخل، فأخرج لي ابنة أبي قحافة، أخت أبي بكر! فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إنّي أحرّج عليك بيتي! فقال عمر لهشام: ادخل فقد أذنت لكَ. فدخل هشام، فأخرج إليه فروة بنت أبي قحافة، فعلاها بالدرة ضربات، فتفرّق النوح حين سمعن ذلك» (6) .

كذلك، فمن المتعارف عليه عموماً، أن عمر بن الخطّاب منع زوجات النبي - وضمنهن عائشة - من الحج والعمرة. ولم يسمح لهن بذلك حتى سنته الأخيرة.

مقابل هذا الحزم غير المبرّر الذي أظهره عمر بن الخطّاب تجاه عائشة، فقد استخدم أيضاً الوجه الآخر للعملة فاستطاع استقطاب أم المؤمنين، كما لم يستقطبها أحد قبله. ويبدو أن ابن الخطّاب كان يعرف نقطتي ضعفها الكبيرتين: السلطة والمادة:فمن ناحية، كما أشرنا من قبل، «استقلت [عائشة] بالفتوى في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، وهلّم جرا، إلى أن ماتت» (7) ؛ ومن ناحية أخرى، يخبرنا كثير من المصادر الإسلامية، أن عمر ابن الخطاب «فرض لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين؛ وقال: إنها حبيبة رسول الله (ص)» (8) . أما اللواتي «جرى عليهن الملك، فلم يحظين حتى بالآلاف العشرة» (9) ، «فقد فرض لهما [جويرية وصفية] في ستة آلاف ستة آلاف» (10) - دون أن يكون لديه أي سند شرعي لذلك.

أموال... أموال... أموال!!!

تذكر الروايات أنّه «قدم درج من العراق، فيه جوهر إلى عمر، فقال لأصحابه: أتدرون ما ثمنه؛ فقالوا: لا! ولم يدروا كيف يقسمونه! فقال: أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة، لحبّ رسول الله إياها؟ فقالوا: نعم. فبعث به إليها. فقالت: ماذا فتح الله على عمر بن الخطاب، اللهم لا تبقين عطية لقابل» (11) .

هذا كلّه كان يخلق نوعاً من التذمّر في صفوف الجماعة الإسلامية الأولى. تقول إحدى الروايات، إنّ عمر بن الخطاب «كان يعطي من بيت المال ما لا يجوز، حتى أنه كان يعطي عائشة وحفصة عشرة آلاف درهم، ومنع أهل البيت خمسهم الذي يجري مجرى الواصل إليهم من قبل رسول الله (ص)» (12) . بل يُقال إن عائشة ذاتها احتجت مرة على هذا «اللاعدل» (13) العمري؛ ورد في الكشاف : «روي أنّ عمر بن الخطاب (رض) بعث إلى أزواج رسول الله (ص)، فقالت عائشة (رض): أإلى كلّ أزواج رسول الله (ص) بعث عمر مثل هذا؟ قالوا: لا! بعث إلى القرشيات بمثل هذا وإلى غيرهن غيره. فقالت: إرفع رأسك، فإنّ رسول الله (ص) كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه! فرجع الرسول، فأخبره، فأتمّ لهن جميعاً» (14) . مع ذلك فهذا لم يمنع أن يكون رضى عائشة على خلافة عمر كاملاً. سئلت ذات مرّة: «من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر! فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر! ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح. ثم انتهت إلى هذا» (15) .

الحج الأخير... والأول!

عام وفاته، 23 هـ، استأذن نساء النبي عمر بن الخطاب في الحج، باستثناء سودة وزينب، اللتين لم تحجا بعد النبي، وقالتا: لا يحرّكنا ظهر بعير! وقالت سودة: قد حججت واعتمرت، فأنا أقعد في بيتي (16) كما أمرني الله. فأمر عمر لهن، وأمر بجهازهن، فحملن في الهوادج، عليهم الأكسية الخضر - الطيالسة الخضر - وهن حجرة من الناس، وبعث معهن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفّان.

كان التحريص على نساء النبي، وهنّ في طريقهن إلى الحج، مبالغاً به. - وليس هذا بالأمر غير العادي، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تحايل عائشة على النص الديني لإدخال الرجال عليها - كما سنلاحظ في بحث الحجاب ورضاع الكبير - وتداولها العلني والصريح للأحاديث الجنسية مع الكثير من الرجال.

لكننا نتساءل أيضاً، هل كان ابن الخطاب، في تحريصه المبالغ به هذا، يضع نصب عينيه محنة الإفك وصفوان وقصة طلحة بن عبيد الله مع عائشة (راجع الفصل المتعلق بذلك لاحقاً) - هذا ما وصلنا على الأقل - خاصة وأن إمكانية التبريء انتهت مع توقف الوحي وانفصال الملائكي عن البشري، مرة وإلى الأبد؟! فقد «كان عثمان يسير على راحلة أمامهن، وينادي: ألا يدنو إليهن أحد، ولا ينظر إليهن أحد! فلا يدع أحداً يدنو منهن ولا يراهن إلا من مدّ البصر. فإذا دنا منهن أحد، يصيح: إليك؟! إليك؟! وكان عبد الرحمن [بن عوف] يسير على راحلته من ورائهن، يفعل مثل ذلك» (17) .

وفي رواية المسور بن مخرمة، يقال: «ربما رأيت الرجل ينيخ على الطريق لإصلاح رحل أو بعض ما يصلح من جهازه، فيلحقه عثمان وهو أمام أزواج النبي (ص)، فإذا كان الطريق سعة، أخذ يمين الطريق أو يساره؛ فيبعد عنه؛ وإن لم يجد سعة، وقف ناحية حتى يرحل الرجل أو يقضي حاجته. وقد رأيته يلقي الناس مقبلين في وجهه من مكة على الطريق، فيقول لهم: يمنة أو يسرة! فينيخهم حتى يكونوا مدّ البصر حتى يمضين؛ وكن ينزلن مع عمر كلّ منزل، وكانا ينزلان بهن في الشعاب وينزلان في فيء الشعاب، ولا يتركان أحداً يمر عليهن» (18) . وفي رواية أخرى: «ينزلان بصدر الشعب، وينزلان بذنب الشعب، ولا يصعد إليهن أحد؛ [وفي ثالثة]:ينزلهن في الشعب الذي ليس له منفذ؛ [أو]: وقد ستروا عليهن الشجر من كلّ ناحية» (19) .

وفاة عمر... وعائشة:

بعد أن طُعن عمر، وقبيل وفاته، قال لابنه: «يا عبيد الله... انطلق إلى عائشة، أم المؤمنين، فقل [لها]: يقرأ عليكِ عمر السلام... وقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه [النبي وأبي بكر في حجرتها]. فسلّم، فاستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال، يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كُنت أريده لنفسي، ولأؤثرن به على نفسي. فلما أقبل... قال [عمر] ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أحبّ إلي منه» (20) . وكان عمر قد «استأذن في حياته [من عائشة] فأذنت له، فقال: دعوها، فإني أخشى أن تكون لي لسلطاتي» (21) .

والغريب أن عائشة، وهي التي كانت ترضع الرجال من قريباتها كي يحرموا عليها بزعم الرضاع كما سنلاحظ تفصيلياً لاحقاً، صارت تتحجّب لوجود رجل غريب، هو عمر بن الخطاب، في حجرتها: رغم أن هذا الغريب... ميت!!! تقول عائشة: «ما زلت أضع خماري وأتفضّل في ثيابي في بيتي حتى دفن عمر بن الخطاب فيه، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبر جداراً، فتفضّلت بعد» (22) . وفي رواية أخرى: «كنتُ أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله (ص) وأبي (رض)، وأضع ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر (رض)؛ والله ما دخلته إلاّ مشدودة عليّ ثيابي، حياء من عمر (رض)» (23) .

بيتها بالذات، بيت عائشة، كان الموضع الذي اختاره عمر لانتخاب الخليفة الجديد. «قال عمر لأهل الشورى: اجتمعوا إلى حجرة عائشة، بإذنها، فتشاوروا، واختاروا منكم رجلاً» (24) .

II

عثمان بن عفّان... وعائشة

لا شك أن علاقة عائشة بعثمان بن عفان، الخليفة الثالث، هي واحدة من أصعب العلاقات - ظاهرياً - فهماً وأكثرها عصيّاً على التحليل. فالروايات التي تتحدّث عن علاقتها به في نصف خلافته الأول نادرة. في حين أن الروايات حول تلك العلاقة في نصف خلافته الثاني كثيفة ومتراكمة - وأحياناً: متناقضة - إلى حدٍّ محرج. مع ذلك، فقليل من الغوص في أعماق تلك العلاقة يمكن أن يكشف الكثير من خفاياها وتناقضاتها.

النصف الأوّل من خلافته:

كما سبق وأشرنا، فقد منع عمر بن الخطّاب نساء النبي عن الحج والعمرة، حتى سنته الأخيرة، حيث حججن معه؛ ولمّا توفي عمر وولي عثمان، اجتمع نساء النبي - عائشة وأم سلمة وميمونة وأم حبيبة - وأرسلن إليه يستأذنه في الحج. فقال: قد كان عمر بن الخطاب فعل ما رأيتن، وأنا أحج بكن، فمن أراد منكن أن تحج، فأنا أحج بها. فجمع بهن عثمان جميعاً، إلا امرأتين: زينب بنت جحش، توفيت في خلافة عمر، ولم يحج بها عمر، وسودة بنت زمعة، لم تخرج من بيتها بعد النبي ( 1) .

يقول ابن قتيبة الدينوري: «كان عثمان (رض) ست سنين من ولايته، وهو أحبّ إلى الناس من عمر بن الخطاب (رض) (2) ، وكان عمر رجلاً شديداً (3) قد ضيّق على قريش أنفاسها، لم ينل معه أحد من الدنيا شيئاً، إعظاماً له وإجلالاً، وتأسيساً به واقتداء، فلما وليهم عثمان، ولى رجل لين...[وكان عثمان يخطب بالقوم، فيقول]: أيها الناس، اغدوا على أعطياتكم! فيأخذونها وافية؛ اغدوا على كسوتكم! فيغدون، فيجاء بالكسوة، فتقسم بينهم... يا معشر المسلمين، اغدوا عن السمن والعسل!... يا معشر المسلمين، اغدوا على الطيب!... فلم يزل المال متوفراً، حتى لقد بيعت الجارية بوزنها ورقاً، وبيع الفرس بعشرة آلاف دينار، وبيع البعير بألف، والنخلة الواحدة بألف» (4) .

كان عثمان يقارن نفسه بعمر. ويزعم أن قسوة عمر هي سبب سكوت الناس عنه، في حين أنهم لم يجترأوا على عثمان إلا للينه: «لقد عبتم عليّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولكنه وقمكم وقمعكم ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه» (5) . وفي نص آخر: «ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم» (6) .

في النصف الأول من خلافة عثمان، كانت عائشة تبث أحاديث في مدحه؛ من ذلك، قولها: «استأذن أبو بكر رسول الله (ص)، وأنا معه في مرط واحد... فأذن له! فقضى إليه حاجته، وهو معي في المرط، ثم خرج؛ ثم استأذن عليه عمر، فأذن له، فقضى إليه حاجته على تلك الحال، ثم خرج؛ فاستأذن عليه عثمان، فأصلح عليه ثيابه وجلس، فقضى إليه حاجته، ثم خرج!... فقلت له: يا رسول الله، استأذن عليك أبو بكر فقضى إليك حاجته على حالك تلك؛ ثم استاذن عليك عمر فقضى إليك حاجته على حالك تلك؛ ثم استأذن عليك عثمان فكأنك احتفظت. فقال: إن عثمان رجل حيي، ولو أذنت له على تلك الحال، خشيت ألا يقضي إلي حاجته» (7) . وفي رواية أخرى أنه قال لعائشة، حين أراد عثمان الدخول عليهما: «اجمعي عليك ثيابك!» (8) . وفي رواية أخرى، نجد عائشة تسأله حين اراد عثمان الدخول عليهما: «يا رسول الله، استأذن عليك أبو بكر وعمر، فأذنت لهما، وأنت على حالك، فلما استأذن عثمان، أرخيت عليك ثيابك؟ فقال: يا عائشة، ألا أستحي من رجل - والله! - إن الملائكة تستحي منه» (9) .

لكن أسئلة كثيرة تتدافع ذاتياً، تحيط الروايات السابقة بنوع من الريبة. فقد دخل عمر بن الخطاب على النبي وعائشة - بحسب الرواية - معه في المرط؛ ولما أراد عثمان الدخول عليهما، طلب منها النبي أن تجمع عليها ثيابها: فكيف كانت حالة عائشة حين دخل عمر، وهل يعقل أن يدخل عليها في تلك الحالة، في حين أنها كانت تحتجب منه وهو ميت، كما لاحظنا في الفصل السابق؟!

من ناحية أخرى، فروايات كثيرة تحبل بها التراثيات الإسلامية، تظهر دون أدنى لبس، أن عثمان كان سليط اللسان؛ فقد نقل عنه أنه قال لعمّار بن ياسر: «يا عاض أير أبيه» (10) ؛ وشتمه أيضاً بقوله: «يا ابن المتكاء» (12) - والمتكاء هي البظراء المفضاة التي لا تمسك البول: فهل يعقل أن يكون رجلاً كهذا حيياً إلى درجة أن الملائكة ذاتها كانت تستحي منه؟

خطأ البداية:

رغم كلّ روايات فضائل عثمان وحجزه لموضع في جنة الاسكاتولوجيا الإسلامية، فقد بدأ هذا الرجل خلافته بخطأ كبير لم تغفره له عموماً الجماعة الإسلامية الأولى، مع انه حاول استمالتها بأموال الأراضي الغنية التي غزتها جحافل المسلمين، في عهد عمر بن الخطاب: «كان تعطيل الحد على عبيد الله بن عمر، أول دواعي النقمة على عثمان» (13) . فحين قُتل عمر بن الخطاب، قال عبد الرحمن بن ابي بكر، شقيق عائشة، لعبيد الله بن عمر: «رأيت عشية أمس الهرمزان وأبا لؤلؤة وجفنية... فلما رأوني ثاروا، وسقط منهم خنجر... الذي ضرب به عمر، فقتلهم عبيد الله» (14) . فقال عليّ لعثمان: «أرى أن تقتله» (14) . لكن عثمان رفض ذلك؛ ولما «أكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر، صعد عثمان المنبر، فخطب الناس، ثم قال: ألا إني وليت دم الهرمزان وتركته لدم عمر! فقام المقداد بن عمرو، فقال: إن الهرمزان مولى لله ولرسوله، وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله... ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة، وأنزله داراً، فنسب الموضع إليه: كويفة ابن عمر» (15) . وبالمناسبة، فقد كان عبيد الله في جيش معاوية ضد علي، وكان ممن قتل بصفين (16) . ورغم الصخب الذي صاحب جريمة ابن عمر وسكوت عثمان عنه، فنحن لم نسمع عن اعتراض لعائشة أو تحريض منها للناس على الثورة.

النصف الثاني من خلافته:

تميز النصف الثاني من خلافة عثمان‎ بالصراعات المتعاقبة بينه وبين الجماعة الإسلامية الأولى عموماً، وبينه وبين عائشة بشكل خاص، والتي انتهت بقتله - دون أن يعني ذلك أنها كانت تهدف إلى قتله حتماً. ولا نعتقد أن حرص عائشة على الصالح العام الذي ضرب به عثمان عرض الحائط كان السبب الفعلي لمواقفها السلبية من الخليفة: لأن ذلك لو كان يعنيها بشيء لسمعنا صوتها وإن همساً في مسألة عبيد الله بن عمر المشار إليها آنفاً. لكننا نعتقد أنها استغلت أخطاء عثمان العامة، بذكائها الحاد، لصالحها الشخصي. ويمكن إجمال دواعيها الشخصية للثورة على الخليفة في شقين رئيسين:

1 - الشق المادّي: تذكر الروايات أنه «كان بين عثمان وعائشة منافرة، وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب، وصيّرها أسوة غيرها من نساء رسول الله» (17) . لكن لا يوجد بين أيدينا شيء حول أسباب ذلك النقص؛ ويمكن لنا أن نخمّن أن ملاسنة ما اندلعت بين الاثنين، والإثنان، كما هو معروف، عاطفيان حادّا الطباع، وهكذا قطع عثمان الألفين الزيادة اللذين أمر لها بهما عمر بن الخطاب، وصارت مثلها مثل غيرها من نساء النبي الأخريات.

2 - الشق المعنوي: فكما سنرى في فصل عليّ بن أبي طالب وعائشة، كانت أم المؤمنين تطمح إلى إعادة الخلافة إلى بني تيم - أهلها؛ وتحديداً: إلى طلحة بن عبيد الله ابن عمها الذي سنتحدث عنه في عرضنا لحكاية الإفك.

الأسباب العامّة للثورة على عثمان:

لقد أورث عمر عثماناً أراضٍ مغزوة وشعوباً مقهورة وأموالاً لا تحصى. وكان طبيعياً بالتالي أن يتحوّل أعيان الجماعة الإسلامية الأولى، وعلى رأسهم بعض من أولئك الذين حجزوا أماكنهم في الجنة، إلى طغمة من الرأسماليين الفاحشي الغنى، مقابل أصحاب الأراضي المغزوة - وسائر بقية المسلمين - المدقعي الفقر. ومن تلك الطغمة الرأسمالية، نذكر:

² الزبير بن العوام: «خلّف ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططاً» (18) . وخلّف «إحدى عشر داراً بالمدينة، ودارين بالبصرة، وداراً بالكوفة وداراً بمصر. وكان له أربع نسوة، فأصاب كلّ امرأة، بعد رفع الثلث، ألف ألف ومائتا ألف... فجميع ماله ألف ألف ومائتا ألف» (19) . وقال ابن الهائم: «الصواب أن جميع ماله، حسبما فرض: تسعة وخمسون ألف ألف، وثمانمائة ألف» (20) . ويذكر ابن سعد في طبقاته (21) أنه: «كان للزبير بمصر خطط، وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور؛ وكانت له غلّات تقدم عليه من أعراض بالمدينة». وقد قيّد ابن كثير ثروته بالدرهم في تاريخه (22) .

² طلحة بن عبيد الله: ترك مائة بهار، في كلّ بهار، ثلاث قناطر ذهب. وقيل إنّ البهار جلد ثور. وذكر أيضاً أنّ طلحة خلّف ثلاثمائة جمل ذهباً (23) .

ابتنى طلحة داراً بالكوفة، تعرف بدار الطلحتين؛ وكانت غلّته من العراق، كلّ يوم، ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك. وله بناحية سراة أكثر من ذلك؛ وشيّد داراً بالمدينة، وبناها بالآجر والجص والساج. وكان يغلّ بالعراق مابين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف؛ ويغلّ بالسراة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل. وكان غلته كلّ يوم ألف وافياً، والوافي وزنه وزن الدينار... وترك ألفي ألف درهم، ومائتي ألف درهم، ومائتي ألف دينار. وكان قيمة ما ترك طلحة من العقار والأموال، وما ترك من الناض [درهم ودينار] ثلاثين ألف ألف درهم؛ ترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم، ومائتي ألف دينار، والباقي عروض. وقد قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم، ومائتا ألف درهم، وقوّمت أصوله وعقاره، ثلاثين ألف ألف درهم. ووجدوا في تركته ثلاثمائة بهار من ذهب وفضة (24) . وكان عثمان (25) قد أعطى طلحة في خلافته مائتي ألف دينار. فلما ثار عليه طلحة، قال: ويلي على ابن الحضرمية، أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً، وهو يروم دمي، يحرّض على نفسي (26) .

² عبد الرحمن بن عوف: ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً. وكان فيما خلفه ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه؛ وترك أربع نسوة، فأصاب كلّ امرأة ثمانون الفاً. وقد صولحت امرأة لعبد الرحمن كان طلقها في مرضه من ربع الثمن، بثلاثة وثمانين ألفاً. وقيل إنه ابتنى داراً ووسّعها (30) .

² سعد بن أبي وقاص: ترك سعد يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم؛ ومات في والضياع، بقيمة مائة ألف دينار (32) .

² عثمان بن عفان: «كان قد صار له أموال عظيمة (رض)، وله ألف مملوك» (33) . وكان له «عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسمائة ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهبت وذهبت. وترك ألف بعير بالربذة، وصدقات ببراديس، وخيبر، ووادي القرى، قيمة مائة ألف دينار» (34) . وتقول رواية أخرى إن عثمان «يوم قتل، كان عند خازنه في المال خمسون ومائة ألف دينار، وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما، مائة ألف دينار، وخلّف خيلاً كثيراً وإبلاً» (35) . وتقول رواية ثالثة، إن عثمان بن عفان «كان في نهاية الجود والكرم والسماحة، في القريب والبعيد، فسلك عماله وكثير من أهل عصره طريقته، وتأسّوا به في فعلته، وبنى داره في المدينة، وشيدها بالحجر والكلس، وجعل أبوابها من الساج والوعر، واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة» (36) .

لقد كان وضع عثمان المالي عادياً تماماً بالنسبة لوجوه بني أميّة، الذين ساهم هو ذاته بقسط وافر في إيصالهم إلى هذا الغنى الفاحش. فكان علي، يقول: «إنّ بني أمية ليفوقونني تراث محمد (ص) تفويقاً» (37) ؛ ونلاحظ هنا أن علياً يعتبر تراث محمد، الذي لا يعطيه بني أمية من ماله إلا القليل، ملكاً خاصاً به. لذلك، حين صار عليّ خليفة، قال: «ألا أن كلّ قطيعة أقطعها عثمان، وكلّ مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال... ولو وجدته قد تزوّج به النساء، وفرّق في البلدان» (38) .

إذن: باستثناء عليّ وزيد وعبد الرحمن ومن في حكمهم، ما هو مبرّر المذكورين آنفاً في الثورة على عثمان؟ ألا يبدو أن الطموح إلى ما هو أكثر من الأموال والثروة سبباً وجيهاً للثورة؟

أهم دواعي الثورة:

على ما يبدو، فإن هذا الثراء المادّي الذي ضرب الأمة على حين غفلة، زعزع كيانها، فراحت تفقد شيئاً فشيئاً أسس علّتها الأولى. وظهر ذلك، بادئ ذي بدئ، على شكل تجليات بسيطة. و «كان أول منكر ظهر بالمدينة، حين فاضت الدنيا، طيران الحمام والرمي على الجاهقلات - وهي قوس البندق - واستعم عليها عثمان رجلاً من بني ليث، سنة ثمان من خلافته، فقنص الطيور وكسر الجاهقلات» (39) . لكن هذه المنكرات سرعان ما تطورت إلى فضائح وجرائم، كان لعثمان اليد الطولى في إذكاء نارها. ومن ذلك نذكر:

1 - فضيحة الوليد بن عقبة: وهذا الرجل سيء السمعة إسلامياً. فقد قال القرآن عنه: «إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» (حجرات6) (40) - إذ بعدما أرسله النبي لأخذ صدقات بني المصطلقّ!!! عاد ليقول، كذباً، إنهم رفضوا إعطاءها؛ وكالعادة ، كادت الحرب أن تنشب لولا تدخل عقلاء تلك القبيلة، وشرحهم حقيقة الأمر للنبي (41) .

الوليد هذا هو أخو عثمان لأمّه. وقد عيّنه الخليفة والياً على الكوفة، بعدما عزل (42) عنها مؤسسها سعد بن أبي وقاص. وهو ما أزعج عامة الناس، الذين قالوا: «بئسما ابتدلنا عثمان: عزل أبا اسحق، الهيّن الليّن الحبر، صاحب رسول الله (ص)، وولّى أخاه الفاسق الفاجر الأحمق الماجن» (43) .

حين قدم الوليد الكوفة، كان فيها ابن مسعود، يعلّم الناس القرآن ويفقههم في الدين. وكان أيضاً يتولى مسؤولية بيت المال، وهذا أهم بكثير. ولمّا استقرض الوليد من بيت المال، وأراد ابن مسعود استرداد النقود بعد ذلك،كتب الوليد إلى عثمان، الذي كتب بدوره إلى ابن مسعود، يقول: «إنما أنت خازن لنا، فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال». فترك ابن مسعود رعاية بيت المال، لكنه لم يترك الكوفة (44) .

من الكوفة، راح ابن مسعود يطعن على عثمان، فكتب الوليد إلى الخليفة بذلك. فردّ عليه عثمان بأن يرسل ابن مسعود إليه. ولمّا قدم ابن مسعود المدينة، كان عثمان يخطب على المنبر، فلما رآه، قال: «إلا أنه قد قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي على طعامه يقيء ويسلح! [لابد أن نلاحظ هنا أسلوب التخاطب بين كبار الصحابة، خاصة ذلك الذي تستحي منه الملائكة!]. فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكني صاحب رسول الله (ص) يوم بدر ويوم بيتة الرضوان! [وهو بذلك يعرّض بعثمان الذي غاب عن الحدثين]. ونادت عائشة: أي عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول الله؟... فقال عثمان: اسكتي!!! ثم أمر عثمان به، فأخرج من المسجد إخراجاً عنيفاً، وضرب به عبد الله بن زمعة [أخو سودة زوجة النبي] الأرض؛ ويقال: بل احتمله يحموم، غلام عثمان، ورجلاه تختلفان على عنقه، حتى ضرب به الأرض، فدقّ ضلعاه. فقال علي: يا عثمان! أتفعل هذا بصاحب رسول الله (ص) بقول الوليد بن عتبة؟». ومنع ابن مسعود من مغادرة المدينة، ثلاث سنوات، حتى مات (45) .

هنالك رواية أخرى تورد سبباً مختلفاً للصراع بين عثمان وابن مسعود؛ وربما أنّ السببين اجتمعا معاً: «كان من عمل [عثمان] أنّه عمد إلى جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، فألّفه وصيّره، الطوال مع القصار، وكتب في جميع المصاحف من الآفاق حتى جمعت، ثم سلقها بالماء الحار والخلّ؛ وقيل: أحرقها! فلم يبق مصحف إلا فعل به ذلك، خلا مصحف ابن مسعود بالكوفة؛ فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبد الله بن عامر، وكتب إليه عثمان أن أشخصه... فدخل المسجد، وعثمان يخطب، فقال عثمان، إنه قد قدمت عليكم دابة سوء. فكلّمه ابن مسعود بكلام غليظ، فأمر به عثمان، فجرّ برجليه حتى كسر له ضلعان؛ فتكلّمت عائشة، وقالت قولاً كثيراً» (46) . وتضيف إحدى الروايات أن «ابن مسعود كره جمع عثمان الناس على قراءة زيد [بن ثابت، الذي أوكل إليه عثمان مهمة المصحف الشهيرة]، وإحراقه المصاحف. قال ابن مسعود: لقد أخذت القرآن من في رسول الله (ص) سبعين سورة؛ وإن زيد بن ثابت لغلام يقرأ في الكتاب له ذؤابة» (47) . بعد وفاة ابن مسعود، دفن دون أن يصلّي عليه عثمان، بوصية منه (48) . - أي، من ابن مسعود.

بعودة إلى فضائح الوليد بن عقبة، نقول: إن أكثر ما أثار سخط الناس على هذا الوالي، تصرفاته المنافية لأبسط قواعد الأخلاق والدين. فقد «روي أنّ الوليد بن عقبة كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أوّل الليل إلى الصباح، فلمّا آذنه المؤذنون بالصلاة، خرج متفضلاً في غلائله، فتقدّم إلى المحراب في صلاة الصبح، فصلّى بهم أربعاً، وقال: أتريدون أن أزيدكم؟ (49) وقيل: إنه قال في سجوده، وقد أطال: اشرب واسقني! فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأول: ما تزيد! لا زادك الله من الخير! والله لا أعجب إلا ممن بعثك إلينا والياً وعلينا أميراً» (50) . «فكان أن خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد، فقال: أكلّما غضب رجل منكم على أميره، رماه بالباطل! لئن أصبحت لأنكّلن بكم! فاستجاروا بعائشة، وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتاً وكلاماً فيه بعض الغلظة، فقال: أما يجد مرّاق العراق وفسّاقهم ملجأ إلاّ بيت عائشة! فسمعتْ، فرفعت نعل رسول الله (ص)، وقالت: تركتَ سنّة رسول الله (ص) صاحب هذا النعل! فتسامع الناس، فجاءوا حتى ملأوا المسجد، فمن قائل: أحسنت! ومن قائل: ما للنساء ولهذا! حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال. ودخل رهط من أصحاب رسول الله (ص) على عثمان، فقالوا له: اتق الله ولا تعطّل الحدود، واعزل أخاك عنهم! فعزله عنهم» (51) . وفي نصّ البلاذري، يقال «إن عائشة أغلظت لعثمان، وأغلظ لها، وقال: وما أنتِ وهذا؟ إنما أمرتِ أن تقرّي في بيتكِ! فقال قوم مثل قوله؛ وقال آخرون: ومن أولى بذلك منها؟! فاضطربوا بالنعال، وكان ذلك أول قتال بين المسلمين بعد النبي (ص)» (52) .

لمّا طُلب إقامة الحدّ من الوليد، امتنعت الجماعة عن ذلك «توقياً لغضب عثمان لقرابته منه؛ فأخذ عليّ السوط ودنا منه، فلما أقبل نحوه، سبّه (!!!) الوليد، وقال: يا صاحب مكس... فاجتذبه [علي]، فضرب به الأرض، وعلاه بالسوط» (53) . لكن عثمان، بعث أخاه الوليد، بعد إقامة الحد عليه، على صدقات كلب وبلقين (54) .

2 - مشكلة أبي ذر: كان أبو ذر من أشد الناس على عثمان؛ فرُحِّل إلى الشام. وهناك أثار المتاعب لمعاوية. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك. فأجابه عثمان: «ابعث به إليّ واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها. وابعث معه دليلاً يسير به الليل مع النهار حتى يغلبه النوم، وينسى ذكري وذكرك». فحمله على شارف من الإبل بغير مطاء، وبعث معه دليلاً عنيفاً يعنف عليه. فوصل أبو ذر المدينة، وقد سقط لحم فخذيه. فنفاه عثمان إلى أبغض مكان إلى قلب أبي ذر: الربذة (55) . وفي رواية (56) أن مروان بن الحكم أخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته، فلم يزل أبو ذر بالربذة حتى مات. بالمناسبة، يفترض أن عثمان وأبا ذر صحابيان!!!

3 - مشاكل عمّار بن ياسر: كانت علاقة الصحابيين، عثمان وعمار، سيئة عموماً. وتخبرنا المصادر أنه منذ البداية الأولى في المدينة، حين كان النبي يؤسس مسجده، اصطدم عثمان بعمار، حين ارتجز الأخير:

لا يستوي من يعمّر المساجدا

يدأب فيها قائماً وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا

«فلما أكثر، ظن رجل من أصحاب رسول الله (ص) أنّه إنّما يعرّض به» - كما جاء في سيرة (57) ابن هشام؛ وقال أبو ذر الخشني في شرحه ؛ نقلاً عن ابن اسحق: إنّ هذا الرجل هو عثمان بن عفان. وفي رواية أخرى، يقال إن عثمان ردّ عليه، بقوله: قد سمعت ما تقول منذ اليوم يابن سميّة، والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك! [وكان] في يده عصا!... فغضب رسول الله، ثم قال: مالهم ولعمار؟! يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار! إنّ عماراً جلدة مابين عيني وأنفي، فإذا بلغ ذلك من الرجل، فلم يستبق، فاجتنبوه (58) .

اصطدم الصحابيان بعنف في خلافة عثمان. وتتضارب الآراء حول أسباب ذلك الصدام. وربما أن الصدامات كانت كثيرة، متنوعة الأسباب. على أية حال، يمكن تلخيص ذلك على النحو التالي:

يقال إنه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك. وكان منهم عمار. فقال عثمان: أعليّ يا ابن المتكاء [ - نذكر هنا بضرورة ملاحظة لغة حوار الصحابة -] تجترئ! خذوه! فأخذوه، ودخل عثمان، فدعا به، فضربه حتى غشي عليه، ثم أُخرج حتى أُتي به منزل أم سلمة، زوجة النبي. فقال هشام بن المغيرة المخزومي، وكان عمار حليفاً لبني مخزوم: يا عثمان! أمّا عليّ فاتقيته وبني أبيه، وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف؛ أما والله لئن مات لأقتلن به رجلاً من بني أمية عظيم السرة. وبلغ عائشة ما صُنع بعمار، فغضبت وأخرجت - كالعادة - شعراً من شعر رسول الله (ص) وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله، ثم قالت (59) : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيكم، وهذا ثوبه وشعره ونعله لم يبل بعد! فغضب عثمان غضباً شديداً، حتى ما درى ما يقول (60) .

تقول رواية أخرى ما مفاده أنّ نفراً من أصحاب النبي اجتمعوا وكتبوا كتاباً لعثمان، ذكروا فيه كلّ حدث أحدثه عثمان منذ ولي الخلافة حتى ذلك اليوم، وخوفوه فيه وأعلموه أنه إن لم ينزع عمّا هو عليه، خلعوه واستبدلوا به غيره. ولما أرادوا حمل الكتاب إلى عثمان، تلكأ الجميع باستثناء عمار، الذي ذهب إليه وحده. فدخل عليه، وعنده مروان بن الحكم، الذي قال: إن هذا العبد الأسود(!!!) قد جرّأ عليك الناس! وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه! قال عثمان: اضربوه! فضربوه، وضربه عثمان معهم(!!!) حتى فتقوا بطنه، فغشي عليه، فجرّوه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة فأُدخل منزلها (61) .

عزم عثمان على نفي عمّار. فتدخل بنو مخزوم عند علي، الذي تدخل بدوره مع عثمان، فقال له الأخير: لأنت أحق بالمسير منه، فوالله ما أفسد عليّ عماراً وغيره سواك! فرجع علي، وقال لعمار، اجلس في بيتك، ولا تبرح منه! (62) .

4 - أزمة قرّاء الكوفة: بعد أن عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة، وعيّن مكانه سعيد بن العاص، أُمر الأخير بمداراة أهل ذلك المصر. لكن سرعان ما تفجرت المشاكل بين قرّاء الكوفة والوالي الجديد لأسباب - كالعادة - مادية. ولما عرف عثمان بالأمر، طلب من سعيد أن يسيّرهم إلى معاوية الذي سجنهم. أمر عثمان معاوية بردهم إلى الكوفة، فأطلقوا هناك ألسنتهم في ذمّ الخليفة. فكتب عثمان إلى سعيد بن العاص أن يرسلهم إلى حمص. وهناك مكثوا شهراً، ثم ردّوا إلى الكوفة (63) .

أزمة قرّاء الكوفة، جعلت بعضهم يكتب إلى عثمان، قائلاً: إن سعيداً أكثر على قوم من أهل الورع والفضل والعفاف، فحمّلك في أمرهم ما لا يحل في دين، ولا يحسن في سماع، وإنّا نذكرك الله في أمة محمد (ص)، فقد خفنا أن يكون فساد أمرهم على يديك، أنك قد حملت بني أبيك على رقابهم! وبعثوا بالكتاب مع رجل من عنزة، يدعى أبا ربيعة (64) .

لكن أحدهم، وهو كعب بن عبيدة الهندي، أضاف كتاباً آخر، قال فيه: إني نذير لك من الفتنة، متخوف عليك فراق هذه الأمة، وذلك أنك قد نفيت خيارهم، وولّيت أشرارهم، وقسمت فيئهم في عدوهم، واستأثرت بفضلهم، ومزّقت كتابهم، وحميت قطر السماء ونبت الأرض، وحملت بني أبيك على رقاب الناس، حتى أوغرت صدورهم. واخترت عداوتهم (65) . وعندما جاء العنزي بالكتابين، أراد عثمان جلده، فمنعه عليّ، ومنعه أيضاً عن سجنه (66) .

كتب عثمان إلى سعيد بن العاص أن يرسل إليه كعب بن عبيدة مع سائق عنيف (67) . وما أن وصل كعب، حتى قال مروان بن الحكم لعثمان: حلمك أغرى مثل هذا بك وجرّأه عليك! فأمر عثمان بكعب، فجرّد وضرب عشرين سوطاً، وسيّره إلى دباوند. ثم أن طلحة والزبير وبّخا عثمان في أمر كعب وغيره. فكتب في ردّ كعب، فلما قدم عليه، نزع ثوبه، وقال: يا كعب! اقتصّ ! فعفا عنه (68) .

المصيبة الكبرى: بنو أمية!

تذكر المصادر الإسلامية أن عثمان بن عفان آثر بني أمية وحملهم على رقاب المسلمين، رغم أنهم أخذوا عليه يوم بيعته عهداً بأن لا يفعل ذلك. ولما ازداد النقد على أفعاله، دعا عثمان جماعة من صحابة النبي، فيهم عمّار بن ياسر، وقال لهم: إني سائلكم وأحبّ أن تصدقوني: نشدتكم بالله، أتعلمون أنّ رسول الله (ص) كان يؤثر قريشاً على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟ فسكت القوم! فقال عثمان: لو أن بيدي مفاتيح الجنة، لأعطيتها بني أميّة حتى يدخلوا من عند آخرهم (69) .

وكما رأينا حين تحدثنا عن أزمة عمّار مع عثمان، فإن مجموعة من الصحابة كتبت إلى عثمان كتاباً، ذكرت فيه ما خالف فيه الخليفة سنّة النبي وصاحبيه، أبي بكر وعمر. ويمكن تلخيص تلك المآخذ كما يلي:

1 - إعطاء مروان بن الحكم خمس غنائم أفريقيا (خمسمئة ألف دينار).

2 - تطاول عثمان في البنيان، إذ بنى سبع (70) دور بالمدينة، كانت إحداها لعائشة.

3 - بناء مروان للقصور بذي خشب بأموال من الخمس.

4 - إفشاؤه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني أمية، وهم أحداث وغلمان، لا صحبة لهم ولا تجربة.

5 - مشكلة الوليد بن عقبة.

6 - تركه المهاجرين والأنصار، لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم، واستغناؤه برأيه عن رأيهم.

7 - حمى المراعي كلّها حول المدينة عن مواشي المسلمين جميعاً، عدا بني أمية.

8- إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام ليست لهم صحبة.

9 - كان عثمان أوّل من ضرب ظهور الناس بالسياط! وكانوا قبله يضربون بالدرّة والخيزران (71) .

إضافة إلى كلّ ما سبق، تذكر بعض المراجع مآخذ أخرى، أبرزها:

1 - ردّه الحكم بن أبي العاص إلى المدينة، بعد أن طرده النبي منها؛ وبرّر ذلك بادعائه أنه كلّم النبي في ردّه، فوعده بأن يأذن له، ومات قبل ذلك. والحقيقة أن أبا بكر وعمر رفضا ردّه رغم توسط عثمان له.

2 - إعطاؤه فدك (72) لمروان بن الحكم، وكان زوج ابنته أم أبان؛ وفدك هي التي كانت أشعلت الصراع بين فاطمة وعلي من ناحية، وأبي بكر من ناحية أخرى.

3 - إعطاؤه صدقات قضاعة للحكم بن أبي العاص.

4 - إعطاؤه عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من غزو أفريقيا بالمغرب.

5 - إعطاؤه مئة ألف لمروان من بيت المال؛ وهو ما دفع يزيد بن أرقم، صاحب بيت المال، بأن يأتي بالمفاتيح، ليقول: لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً. فقال له عثمان: ألق بالمفاتيح، فإننا سنجد غيرك.

6 - إعطاؤه ثلاثمائة ألف درهم (أو مئة ألف) للحارث بن الحكم، أخي مروان، وزوج عائشة بنت عثمان بن عفان.

7 - إعطاؤه مئة ألف درهم للوليد بن عقبة بن أبي معيط، أخيه لأمه، كان استقرضها من بيت المال، كما رأينا، يوم جاء إلى الكوفة. وعزله لعبد الله بن مسعود، خازن بيت مال الكوفة، لاعتراضه على عدم رد المال.

8 - إعطاؤه عبد الله بن خالد بن أسيد ثلاثمائة ألف درهم (أو أربعمئة الف)؛ ولكل رجل من قومه، مئة ألف درهم.

9 - إعطاؤه مئتي ألف درهم من بيت المال لأبي سفيان.

10 - إعطاؤه الحارث بن الحكم مهروز (وهي سوق بالمدينة تصدّق بها النبي على المسلمين).

11 - أتاه أبو موسى الأشعري بأموال كثيرة من العراق، فقسمها كلها في بني أمية (73) .

12 - لما أتى عمر بجوهر كسرى، قال لخازنه: ارفعه، فأدخله بيت المال. وقتل عمر وهو بحاله، فأخذه عثمان لما ولي الخلافة، فحلّى به بناته (74) .

13 - أعطى سعيد بن العاص مئة ألف (75) .

مشكلة مصر:

كان عثمان قد عيّن أخاه من الرضاعة، عبد الله بن سعد بن أبي سرح، مكان عمرو بن العاص (76) على خراج مصر، واستخدم عمرو بن العاص على الصلاة، ثم جمع الأمرين بيد عبد الله. وكان النبي قد أهدر دم عبد الله هذا، وأمر بقتله ولو كان معلّقاً بأستار الكعبة، لأنه ارتد عن الإسلام، وهرب من المدينة إلى مكة قبل فتحها؛ وكان يعمل قبل ردته كاتباً للنبي؛ فكان إذا أملى الأخير عليه: عزيز حكيم، يدونها عبد الله: عليم حكيم؛ فيقول النبي: كلّ صواب! وهكذا، اكتشف عبد الله أن لا فارق في مسألة الوحي بينه وبين النبي، فارتد. وكالعادة، كان الله له بالمرصاد. فنزلت بحقه الآيات تتهمه بالافتراء، وتتهدده وتتوعده (أنعام 93).

هذا الرجل، هو الذي فتح أفريقيا بعد أن عيّنه عثمان والياً على مصر عام 25هـ، فأعطاه عثمان خمس ما جنوه من غزوتها الأولى. وظلّ والياً على مصر حتى ثار ابن أبي حذيفة ضده عام 34هـ فهرب إلى فلسطين.

يروي البلاذري (77) أن محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة قدما مصر، بعد أن ازداد الشغب على عثمان في المدينة، وراحا يظهران العيب عليه هناك، وكيف عيّن والياً على مصر رجلاً أباح النبي دمه، ونزل القرآن بكفره، بعدما قال: «سأنزل مثلما أنزل الله» - أي عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وساعدهما في ذلك تذمّر أهل مصر من هذا الرجل وظلمه، الذي بلغ به الحال أن ضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتى الموت. وكان قد جاء وفد منهم إلى المدينة، وذكروا على نحو خاص، استثناء عبد الله بغنائم المسلمين (78) ؛ فكتب إليه عثمان كتاباً يتهددّه فيه، فأبى أن ينتهي عما نهاه عنه، بل ضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتى قتله (79) .

بداية الثورة:

هذا كلّه أدى بجماعة المسلمين الأولى، خاصة من تبقى من صحابة النبي، أن يكتبوا لأخوانهم في البلدان يدعونهم لغزو عثمان. يروي الطبري (80) : «لما رأى الناس ما صنع عثمان، كتب من بالمدينة من أصحاب النبي (ص) إلى من بالآفاق منهم، وكانوا قد تفرّقوا بالثغور: إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزّ وجل، تطلبون دين محمد، فإنّ دين محمد قد أفسده من خلفكم وترك فهلموا، فأقيموا دين محمد (ص)». وفي رواية ابن الأثير، «فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم» (81) . وفي رواية ابن أبي الحديد، «فاخلعوه» (82) .

اجتمع عموم المهاجرين وغيرهم، وأوكلوا إلى عليّ مهمة التحدّث إلى عثمان ووعظه. ودارت بين الاثنين حوارات هامة فعلاً، حاول فيها عثمان أن يدافع عن نفسه بقوله، إن عمر بن الخطاب كانت له تصرفات مماثلة ولم يجرؤ أحد على تحدّيه (83) .

محمد بن أبي بكر: القشة التي قصمت ظهر البعير!

يروى (84) أن أهل الكوفة والبصرة ومصر التقوا في مكّة، لدراسة أمر عثمان. واتفقوا على اللقاء بعد عام لمكاشفة الخليفة في كلّ شيء: فإن قبل، وإلاّ. وكانت مصر أشد الثائرين على عثمان (85) . أرسل الأخير إلى ابن حذيفة بأموال وغيرها لتخفيف حدة ثورة الشعب عليه، فاعتبرها ابن أبي حذيفة رشوة، واستغل الأمر بعكس ما كان يرغب عثمان (86) . وهكذا، خرج المصريون مع محمد بن أبي بكر لموافاة أهل المدن الأخرى بحسب الاتفاق المكّي (87) .

أرسل المصريون بكتاب إلى عثمان مع أحدهم. فاستدعى الخليفة عليّ بن أبي طالب، وطلب منه محاولة تهدئتهم وإرضائهم. فوافق علي، شريطة أن يفي عثمان لهم بكل ما يضمنه لهم عنه. فوافق. فأخذ منه كتاباً بذلك، وقّعه كبار الصحابة (88) .

يبدو أن عثمان كتب للمصريين كتاباً عزل فيه عبد الله بن أبي سرح، وولّى مكانه محمد بن أبي بكر (89) ؛ وذلك بعد أن «قام طلحة إلى عثمان فكلّمه بكلام شديد» (90) ؛ وقالت له عائشة: «قد تقدّم إليك أصحاب رسول الله وسألوك عزل هذا الرجل، فأبيت إلا واحدة، فهذا قد قتل رجلاً، فأنصفهم من عاملك» (91) . «ودخل عليه عليّ بن أبي طالب، وكان متكلّم القوم، فقال: إنما يسألك الناس رجلاً مكان رجل... فاعزله عنهم واقض بينهم» (92) . فقال عثمان: «اختاروا رجلاً أوليه عليهم» (93) . فأشاروا عليه بمحمد ابن أبي بكر.

طلب عليّ من عثمان أن يعتذر من الناس جهاراً، ففعل. ولما عاد إلى منزله، وجد فيه مروان بن الحكم وجمع من بني أمية. فاعترض مروان على خطبة عثمان، وقال له: «والله لإقامة على خطيئة يستغفر الله منها أجمل من توبة تخوّف عليها، وإنك إن شئت تقرّبت بالتوبة، ولم تقرر بالخطيئة؛ وقد اجتمع عليك بالباب مثل الجبال من الناس! فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلّمهم، فإني أستحي أن أكلّمهم... فخرج مروان إلى الباب، والناس يركب بعضهم بعضاً، فقال: ما شأنكم: قد جئتم للنهب! شاهت الوجوه! كلّ إنسان آخذ بإذن صاحبه إلا من أريد! جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! اخرجوا عنا! أما والله لئن رمتمونا ليمرّن عليكم أمر يسؤكم ولا تحمدوا غبه رأيكم! ارجعوا إلى منازلكم، فإن والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا» (94) .

لمّا سمع عليّ بما حصل، ثارت ثائرته. وتفجر أيضاً ضد مروان غضب زوجة عثمان، نائلة بنت الفرافصة. قال علي: «عياذ الله، ياللمسلمين! إني إن قعدت في بيتي، قال [عثمان] لي: تركتني وقرابتي وحقي! وإني إن تكلمت، فجاء ما يريد، يلعب به مروان، فصار سيقة له، يسوقه حيث يشاء، بعد كبر السن وصحبة رسول الله (ص)» (95) . ولما أرسل عثمان إلى عليّ كي يأتيه، رفض الأخير ذلك. فجاءه عثمان، ودارت بين الاثين المحاورة التالية؛ قال عثمان لعلي: « قطعت رحمي وخذلتني وجرّأت الناس علي». فردّ عليه علي: «والله إني أول الناس ذباً عنك، ولكني كلما جئت بشيء أظنه لك رضا، جاء مروان بعده بغيره، فسمعت قوله وتركت قولي» (96) .

لكن ما حصل لمحمد بن أبي بكر، كان القشة التي قصمت ظهر البعير. فبعدما أخذ المصريون، وعلى رأسهم محمد بن أبي بكر، كتاباً من عثمان بعزل عبد الله وتولية محمد مكانه، صادفوا في طريقهم غلاماً، ولما سألوه، قال: أنا غلام مروان، مرة؛ وقال: أنا غلام أمير المؤمنين، مرة أخرى؛ حتى عرفه رجل، هو أبو الأعور بن سفيان السلمي (97) ، أنه غلام عثمان. وكان مع الغلام كتاب لعبد الله بن أبي سرح، يقول: «إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان، فاقتلهم! وأبطل كتابهم! وقر على عملك حتى يأتيك رأيي» (98) . وفي رواية أخرى: «واحبس من يجيء إليك متظلماً منك إن شاء الله» (99) .

عاد الجمع إلى المدينة؛ ولم يبق أحد إلا وحنق على عثمان. فحصره الناس، وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله. وكانت عائشة تقرصه كثيراً.

نفى عثمان أية معرفة له بالكتاب. وزعم أمام عليّ أنه زوّر عليه. وعرف الناس الخط بأنه خط مروان بن الحكم، وأنه كتبه دون علم عثمان. وكان مروان كاتب عثمان، وكان خاتم عثمان في إصبع مروان (100) .

اقتلوا نعثلاً فقد... كفر!!

«كان أشدّ الناس على عثمان طلحة والزبير ومحمد بن أبي بكر وعائشة، وخذله المهاجرون والأنصار، وتكلّمت عائشة في أمره، وأطلعت عائشة شعرة من شعرات رسول الله (ص) ونعله وثيابه، وقالت: سرعان ما نسيتم سنة نبيّكم! فقال عثمان في آل أبي قحافة [أسرة أبي بكر]... وغضب حتى ما كان يدري ما يقول» (101) . وتقول رواية أخرى: «كان عثمان يخطب، إذ دلّت عائشة قميص رسول الله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يبلَ، وقد أبلى عثمان سنته. فقال عثمان: ربّ اصرف عني كيدهن، إن كيدهن عظيم» (102) . وفي رواية ثالثة، إن عائشة قالت له: «أي عثمان، خصّصت بيت مال المسلمين لنفسك، وأطلقت أيدي بني أمية على أموال المسلمين، ووليتهم البلاد، وتركت أمة محمد في ضيق وعسر، قطع الله عنك بركات السماء، وحرمك خيرات الأرض، ولولا أنك تصلّي الخمس لنحروك(!!!) كما تنحر الإبل! فقرأ عليها عثمان: ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا الصالحين، فخانتناهما فلم يغنينا عنهما من الله شيئاً، وقيل ادخلا النار مع الداخلين» (103) .

كانت الآية السابقة، التي أشرنا إليها في فصل مارية وعائشة، أسوأ تعريض بعائشة. هذا كله - وغيره - دفع عائشة إلى القول عن عثمان بصريح العبارة: «اقتلوا نعثلاً فقد كفر» (104) . وكانت عائشة، على ما يبدو، أول من لقبت عثمان نعثلاً (105) (106) . فانتشرت هذه العبارة كالنار في الهشيم، لتصبح على لسان كلّ من يعادي عثمان.

حصار عثمان:

أرسلت عائشة «كتباً إلى البلاد تحرّض المسلمين على الخروج عليه» (107) (108) . وأقبل مالك الأشتر من الكوفة في ألف رجل، وأقبل ابن أبي حذيفة من مصر في أربعمئة رجل، فأقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً ونهاراً. وكان طلحة يحرّض الفريقين جميعاً على عثمان. ثم أن طلحة قال لهم: إن عثمان لا يبالي ما حصرتموه، وهو يدخل إليه الطعام والشراب، فامنعوه الماء أن يدخل عليه (109) . واستولى « طلحة على أمر الناس في الحصار » (110) .

لما اشتد الأمر على عثمان، أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد (111) فأتيا عائشة، وهي تريد الحج - دون أن تطلب أذن الخليفة طبعاً - فقالا لها: لو أقمت، فلعلّ الله يدفع بك هذا الرجل؟ [- وقال مروان: «ويدفع لك بكل درهم أنفقتيه درهمين» (112) -]. فقالت: قد قرنت ركائبي وأوجبت الحج على نفسي، والله لا أفعل! فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول:

وحرّق قيس عليّ البلا

د، فلما اضطرمت أحجما (113)

فقالت عائشة: يا مروان [ «ألعلك ترى أني في شك من صاحبك؟»]، والله لوددت أنه في غرارة من غرائري هذه، وإني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر (114) .

وفي موقف مناقض تماماً لما كان يحصل أيام عمر، الذي منعها من الحج حتى عامه الأخير، خرجت عائشة - حاجة!!! - إلى مكة؛ وخرج أيضاً ابن عباس، أمير عثمان على الحج. ولما التقيا في إحدى ضواحي المدينة، قالت له: يا ابن عباس! أنشدك الله، فإنك أعطيت لساناً ازعيلاً [أو: ازميلاً] أن تخذل هذا الرجل [أو: إياك أن ترد عن هذا الطاغية]. وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ من بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يك يسير بسيرة ابن عمه أبي بكر. فرد عليها ابن عباس: لو حدث بالرجل حدث، ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا - يقصد عليّ بن أبي طالب! فقالت: إيهاً عنك! لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك (115) .

كان عليّ عند حصر عثمان في خيبر. فقدم المدينة، والناس مجتمعون عند طلحة. فذهب عليّ إلى بيت المال، ولما لم يستطع الحصول على المفاتيح، قال: اكسروه! فكُسر باب بيت المال. فقال: أخرجوا المال! فجعل يعطي الناس، فبلغ الذين في دار طلحة ما فعل علي، فتسلّلوا إليه حتى بقي طلحة وحده!!! وبلغ عثمان ما حدث، فسرّ بذلك. فأقبل طلحة إلى دار عثمان، وقال له: يا أمير المؤمنين، أستغفر الله وأتوب إليه! أردت أمراً، فحال الله بيني وبينه! فقال عثمان: إنك والله ما جئت تائباً، ولكنك جئت مغلوباً، الله حسيبك يا طلحة! (116) .

مقتل عثمان:

استمر حصار عثمان أربعين ليلة، كان طلحة يصلّي بالناس أثناءها (117) . ولم يكن أحد من أصحاب النبي أشد على عثمان من طلحة (118) . وكما رأينا، فقد منع دخول الماء عليه (119) ؛ فأرسل عليّ إليه ثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، حتى قال طلحة: ما أنت وهذه! (120) .

كان عليّ يعرف أنهم يريدون قتل عثمان، فأرسل ابنيه، الحسن والحسين، وقال لهما: اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان، فلا تدعا أحداً يصل إليه. وبعث الزبير ابنه على كره، وبعث طلحة ابنه أيضاً. لذلك، تسوّر محمد بن أبي بكر، الذي كان حنقه على عثمان قد بلغ ذروته بعد قصة الكتاب الذي وجّه إلى مصر، واثنان من أصحابه، من دار رجل من الأنصار، حتى دخلوا على عثمان، وما يعلمهم أحد ممن كان معه، لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن معه إلا امرأته؛ فقال محمد بن أبي بكر لصاحبيه: أنا أبدأكما بالدخول، فإذا أنا ضبطته، فادخلا فتوجآه حتى تقتلاه. فدخل محمد، فأخذ بلحيته، فقال له عثمان: لو رآك أبوك لساءه مكانك مني! فتراخت يده. ودخل الرجل، فتوجآه حتى قتلاه (121) . وقد اختلف أهل السير فيمن قتله وفي كيفية قتله (122) .

تقول إحدى الروايات، إنه «لما قتل عثمان (رض)، أرادوا حزّ رأسه، فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعنهم، وصحن وضربن الوجوه ومزقن ثيابهن. وأقبيل عمير بن ضابئ (123) ، وعثمان موضوع على باب، فنزا عليه، فكسر ضلعاً من أضلاعه. وقال: سجنت ضابئاً حتى مات في السجن» (124) .

اتفقت الروايات على أن عثمان ترك ثلاثاً لم يدفن حتى توسط عليّ في دفنه. تقول إحدى الروايات «إنهم كلموا علياً في دفنه، وطلبوا إليه أن يأذن لأهله ذلك، ففعل وأذن لهم علي، فلما سُمع بذلك، قعدوا له في الطريق بالحجارة (125) ، وخرج به ناس يسير من أهله، وهم يريدون حائطاً بالمدينة، يقال له: حش كوكب! كان اليهود تدفن فيه موتاهم» (126) . ويروى أن أحد الأنصار رفض أن يُصلّى عليه (127) ، واسمه الحجاج بن عمرو بن غزية الأنصاري (128) . ورفض أنصاري آخر، هو جبلة بن عمر الساعدي، دفنه في البقيع أو الصلاة عليه؛ فدفنوه، كما أشرنا، في حش كوكب (129) . و «لم يلحدوه بلبن، وحثوا عليه التراث حثواً» (130) .

لما خرجت جنازة عثمان، قام بعض الناس وهموا بطرحها، فبلغ ذلك علياً، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه، ففعلوا. ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه، وابنته؛ ولما ناحت ابنته، ورفعت صوتها تندبه، أخذ الناس الحجارة، وقالوا: نعثل! نعثل! فكادت تُرجم.

III

علي بن أبي طالب... وعائشة

حرب أمير المؤمنين... وأمهم

قال سعد بن أبي وقاص: «قتل [عثمان] بسيف سلّته عائشة وصقله طلحة وسمّه علي» (1) . وقال محمد بن طلحة بن عبيد الله: «دم عثمان على ثلاثة أثلاث: ثلث على صاحبة الهودج [عائشة]، وثلث على صاحب الجمل الأحمر [طلحة]، وثلث على عليّ ابن أبي طالب» (2) .

«لمّا قتل عثمان، كانت عائشة بمكة، وحين بلغها قتله، لم تكن تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر؛ فقالت: بعداً لنعثل وسحقاً!! إيه ياذا الإصبع [طلحة]!! إيه أبا شبل! إيه يابن عم! لكأني أنظر إلى إصبعه وهو يبايع» (3) . وفي رواية أخرى، أن عائشة لمّا بلغها قتل عثمان «وهي بمكّة، أقبلت مسرعة، وهي تقول: إيه يا ذا الإصبع! لله أبوك! أما أنهم قد وجدوا طلحة لها كفوءاً... وقد روى قيس بن أبي حازم أنّه حجّ في العام الذي قتل فيه عثمان، وكان مع عائشة... فسمعها تقول في بعض الطريق: إيه ذا الإصبع! وإذا ذكرتُ عثمان، قالت: أبعده الله! وروي عن طريق آخر أنها قالت، لما بلغها قتله: أبعده الله! قتله ذنبه، وأقاده الله بعمله! يا معشر قريش! لا يسوءنكم قتل عثمان كما ساء أوحيمر ثمود قومه! أحقّ الناس بهذا الأمر لذو الإصبع - يعني طلحة... فلما جاءت الأخبار ببيعة عليّ (ع)، قالت: تعسوا! تعسوا! لا يردون الأمر في تيم أبداً» (4) .- يعني أهلها.

حثت عائشة الخطى باتجاه المدينة. ولما وصلت إلى سرف، ولقيها عبد ابن أم كلاب، وهو عبد أم سلمة، ينسب إلى أمه، فقالت له: مهيم؟ قال: قتلوا عثمان، فمكثوا ثمانياً! قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: أخذها أهل المدينة بالإجماع، فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز - اجتمعوا على عليّ بن أبي طالب! فقالت: والله، ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك، ردوني ردوني! فارتدّت إلى مكّة، وهي تقول : قتل - والله - عثمان مظلوماً! والله لأطلبن بدمه! فقال لها ابن أم كلاب (5) : ولم؟ فوالله إن أوّل من أمال حرفه لأنتِ؛ وقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر! فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل! فقال لها ابن أم كلاب:

فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا إنه قد كفر...

فانصرفت إلى مكة، فنزلت على باب المسجد، فقصدت الحجر، واجتمع الناس إليها، فقالت: يا أيها الناس! إن عثمان قتل مظلوماً، والله لأطلبن بدمه» (6) .

إذن، لقد كان هدف عائشة إعادة الخلافة إلى أسرتها: بني تيم. ورغم أن طلحة (7) ، هذا الذي أرادته خليفة، كان من أشد المؤلبين على عثمان، فقد تبدّلت مواقفها بالكامل من مقتل الخليفة الثالث، حين بويع لعلي بالخلافة: بدأت ترثي عثمان القتيل المظلوم!!!

تحفل الروايات بمبررات وآراء حول هذا التبدل المفاجئ - غير العصي على الفهم - في موقف عائشة. يقول ابن سعد في طبقاته (8) ، إن عائشة رثت عثمان بعد قتله، فقالت: «تركتموه كالثوب النقي من الدنس، ثم قربتموه تذبحونه، كما يذبح الكبش. فقال لها مسروق: هذا عملك، أنتِ كتبتِ إلى الناس تأمرينهم بالخروج إليه! فقالت عائشة: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون، ما كتبت إليهم بسوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا! قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها».

العداء الأصيل!

لماذا كانت عائشة مسكونة، وهي أم المؤمنين والمرجع الكبير في أمور الدين، بكل هذا العداء لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وهو صهر النبي وابن عمه؟

يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج (9) : «أوّل بدء الضغن، كان بينها وبين فاطمة (ع)، وذلك لأن رسول الله (ص) تزوجها عقب موت خديجة... والبنت تكره ميل أبيها إلى امرأة غريبة... وإذا كانت قد ماتت، ورثت ابنتها تلك العداوة... مال [إلى عائشة] زوجها وأحبّها، فازداد ما عند فاطمة بحسب زيادة ميله، وأكرم رسول الله (ص) فاطمة إكراماً عظيماً... فكان هذا وأمثاله يزيد الضغينة عند الزوجة.

ثم حصل عند بعلها [علي] ما هو حاصل عندها... وكانت تكثر الشكوى من عائشة... وكما كانت فاطمة تشكو إلى بعلها، كانت تشكو عائشة إلى أبيها، [أبي بكر]، فحصل في نفس أبي بكر من ذلك أثر ما، ثم تزايد تقريظ رسول الله (ص) لعلي (ع)... فأحدث ذلك حسداً له وغبطة في نفس أبي بكر منه، وهو أبوها، وفي نفس طلحة، وهو ابن عمها؛ وكانت تجلس إليهما، وتسمع كلامهما، وهما يجلسان إليها، ويحادثانها، فأعدى إليها منهما كما أعدتهما...

علي... كان ينفس على أبي بكر سكون النبي (ص) إليه وثناءه عليه، ويحب أن ينفرد هو بهذه المزايا والخصائص دونه ودون الناس أجمعين... ثم كان من أمر القذف (10) [الإفك] ما كان، ولم يكن عليّ (ع) من القاذفين، ولكنه كان من المشيرين على رسول الله (ص) بطلاقها... قال له لما استشاره: إن هي إلاّ شسع نعلك!... ونقل النساء إليها [عائشة] كلاماً من عليّ وفاطمة، وأنهما قد أظهرا الشماتة!!! جهاراً وسراً بوقوع هذه الحادثة لها، فتفاقم الأمر وغلظ...

نزل القرآن ببراءتها... فاشتدت الحال وغلظت، وطوى كلّ من الفريقين قلبه على الشنآن لصاحبه...ثم اتفق أن فاطمة ولدت أولاداً كثيرة... ولم تلد هي ولداً، وأن رسول الله (ص) كان... يسمي الواحد منهم «ابني». ثم اتفق أن رسول الله (ص)، سدّ باب أبيها إلى المسجد، وفتح باب صهره، ثم بعث أباها ببراءة إلى مكة، ثم عزله عنها بصهره، فقدح ذلك أيضاً في نفسها؛ وولد لرسول الله (ص) ابراهيم من مارية، فأظهر عليّ (ع) بذلك سروراً كثيراً، وكان يتعصّب لمارية... وجرت لمارية نكبة مناسبة لنكبة عائشة، فبرّأها عليّ منها... وكان ذلك كشفاً محساً بالبصر، لا يتهيأ للمنافقين أن يقولوا فيه ما قالوه في القرآن، المنزّل ببراءة عائشة - وكل ذلك كان يوغر صدر عائشة عليه، ويؤكد ما في نفسها منه... ثم مات ابراهيم، فأبطنت شماتة، وإن أظهرت كآبة، ووجم عليّ (ع) من ذلك وكذلك فاطمة، وكانا... يريدان أن تتميز مارية عليها بالولد‍...

مرض رسول الله (ص) المرض الذي توفي فيه، وكانت فاطمة (ع) وعلي (ع) يريدان أن يمرض في بيتهما، وكذلك كان أزواجه كلهن(؟)، فمال إلى بيت عائشة، بمقتضى المحبّة التي كانت لها دون نسائه، وكره أن يزاحم فاطمة وعلي في بيتهما... فغُبطت على ذلك، ولم يمرض رسول الله (ص) منذ قدم المدينة مثل هذا المرض، وإنما كان مرضه الشقيقة يوماً أو بعض يوم، ثم يبرأ.

[اتهم عليّ عائشة بأنها] أمرت بلالاً، مولى أبيها، أن يأمره [لأبيها]: فليصلّ بالناس! لأن رسول الله، كما روي، قال: ليصلّ بهم أحدهم!

[ذكر علي، أن النبي لم يقل]: إنكنّ لصويحبات يوسف! إلا... لأنها وحفصة بادرتا إلى تعيين أبويهما...

بايع [علي أبا بكر]، وكان يبلغه وفاطمة عنها ما يكرهانه منذ مات رسول الله (ص) إلى أن توفيت فاطمة، وهما صابران على مضض ورفض؛ واستظهرت بولاية أبيها، واستطالت وعظم شأنها، وانخذل عليّ وفاطمة قهراً، وأخذت فدك، وخرجت فاطمة تجادل في ذلك مراراً (11) فلم تظفر بشيء، وفي ذلك تبلغها النساء... عن عائشة كلّ كلام يسوءها.

ثم ماتت فاطمة (12) ، فجاء نساء رسول الله (ص) كلهن إلى بيت بني هاشم في العزاء، إلا عائشة، فإنها لم تأتِ وأظهرت مرضاً، ونقل إلى عليّ (ع) عنها كلاماً يدلّ على السرور...

واستمرت على هذا مدة خلافة أبيها وخلافة عمر وعثمان، والقلوب تغلي، والأحقاد(!!!) تذيب الحجارة، وكلما طال الزمن على عليّ تضاعفت همومه، وباح بما في نفسه، إلى أن قتل عثمان، وقد كانت عائشة من أشدّ الناس عليه تأليباً وتحريضاً؛ فقالت: أبعده الله! لمّا سمعت قتله، وأملت أن تعود الخلافة في طلحة، فتعود الإمرة تيمية كما كانت أولاً، فعدل الناس عنه إلى عليّ بن أبي طالب، فلما سمعت ذلك، صرخت: واعثماناه! قتل عثمان مظلوماً! وثار ما في الأنفس، حتى تولّد من ذلك يوم الجمل وما بعده».

كانت تلك صورة مختصرة سريعة لرموز ذلك المجتمع الذي يسوَّق الآن «كمجتمع قديسين». فكيف كانت تفاصيل صورة ذلك «المجتمع القديسي»؟!.

صراع قمة الهرم:

لقد كشف الصراع الخفي بين أمير المؤمنين وأمهم عن وجهه السافر بعد وفاة النبي. وكانت الخلافة، قمة الهرم، بؤرة الصراع بين الطرفين. ويبدو أن عائشة، عقب وفاة النبي مباشرة، راحت تبث أحاديث، تنفي فيها على نحو مطلق أن يكون النبي أوصى لعليّ بالخلافة؛ من ذلك، مثلاً: «ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً، فقالت: متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري - أو قالت: في حجري - فدعا بالطست، فلقد انحنث في حجري وما شعرت أنه مات، فمتى أوصى إليه؟» (13) .

بالمقابل، كانت عائشة أحياناً، في بضع أحاديث بثتها، تقول إن النبي لمّح إلى أبي بكر كخليفة بعده (14) : «لمّا كان وجع النبي (ص) الذي قبض فيه، قال: ادعوا لي أبا بكر وابنه، فليكتب لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع، ولا يتمنى متمن! ثم قال: يأبى الله ذلك والمسلمون - مرتين!... قالت عائشة: فأبى الله والمسلمون!... إلا أن يكون أبي، فكان أبي» (15) .

أُدخلت عواطف النبي حيال هذا الطرف أو ذاك في الصراع الدموي بين أمير المؤمنين وأمهم. فمن جهة، كانت عائشة تقول: إن أحبّ الناس إلى قلب النبي هو «أبو بكر ثم عمر» (16) - نقل عنها أيضاً، أنها قالت في المسألة ذاتها: «فاطمة وزوجها» (17) -، ومن جهة أخرى، تم تقديم أحاديث أُقحمت فيها عائشة وأبوها، تجعل علياً أحب الناس إلى قلب النبي: يروي أحمد في مسنده (18) أن أبا بكر استأذن «على رسول الله (ص). فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله لقد عرفت أن علياً أحبّ إليك من أبي ومني - مرتين أو ثلاثاً»؛ ويسند أسد الغابة (19) إلى معاذة الغفارية قولها، إنها سمعت «النبي (ص)، يقول لعائشة: إنّ هذا أحب الرجال إلي، وأكرمهم عليّ، فاعرفي له حقه، وأكرمي له مثواه». - وهذا ما لم يحصل قط! وكل محاولات النبي لم تجدِ نفعاً عند أم المؤمنين: كانت عائشة تكره حتى مجرد ذكر اسم علي. يخبرنا البخاري في صحيحه ، نقلاً عن عائشة، أنه «لما ثقل النبي (ص)، واشتد وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذنّ له! فخرج بين رجلين، تخطّ رجلاه في الأرض. وكان بين العبّاس ورجل آخر‍ قال عبيد الله [بن عمر]: فذكرت ذلك لابن عبّاس ما قالت عائشة؛ فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لاّ! قال: هو عليّ بن أبي طالب» (20) . وفي نص الطبقات (21) ، قال ابن عباس: «هو علي، إن عائشة لا تطيب له نفساً». وفي تاريخ الطبري (22) ، يقول ابن عباس: «لا تقدر على أن تذكره بخير، وهي تستطيع» (23) .

استخدم مكان موت النبي كعنصر أساسي في الصراع الدموي بين أمير المؤمنين وأمهم؛ خاصة وأن مكان موته، كما رأينا، يمكن أن يساهم في تحديد ما إذا كان أوصى لعلي أم لم يوص. فمن جهة، تلمح عائشة على موت النبي بين سحرها ونحرها (24) ؛ ومن جهة أخرى، ينفي ابن عباس ذلك بقوة، قائلاً: «أتعقل! والله لتوفي رسول الله (ص) وهو لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسله وأخي الفضل بن عبّاس، وأبى أبي أن يحضر، وقال: إن رسول الله (ص) كان يأمرنا أن نستتر» (25) . وكانت النتيجة، كالعادة، ركاماً هائلاً من نصوص متناقضة تظهر دون أدنى لبس شيوع التلفيق في ذلك الزمن دعماً لهذا الموقف أو ذاك. وعلى سبيل المثال، نجد في طبقات ابن سعد فصلين، يحمل الأول عنوان: ذكر من قال: إن رسول الله (ص) لم يوصِ، وأنه توفي ورأسه في حجر عائشة (26) ؛ ويحمل الثاني عنوان: ذكر من قال: توفي رسول الله (ص) في حجر عليّ بن أبي طالب (27) .

حرب الجمل:

لمّا كنّا قد ناقشنا «حرب الجمل» في أكثر من عمل لنا، فسوف نكتفي هنا باستعراض سريع لمجريات تلك الحرب، مع بعض التوقف عند مرتكزاتها الأساسية.

فبعد مقتل عثمان، أكثر الناس على طلحة والزبير واتهموهما بقتله. احتدم النقاش بشأن مسألة خلافة عثمان؛ فقال الزبير: قد تشاورنا فرضينا علياً، فبايعوه. فقال علي: ليس ذلك إليكم، إنما هو لأهل الشورى وأهل بدر، فمن رضي به أهل الشورى وأهل بدر فهو الخليفة. لكن ما أمضى عليّ خليفة، هو قول عامة الناس: يمضي قتل عثمان في الآفاق والبلاد فيسمعون بقتله، ولا يسمعون أنه بويع لأحد فيثور كلّ رجل منهم في ناحية، فلا نأمن أن يكون في ذلك الفساد، فارجعوا إلى عليّ (28) .

يتحدث ابن سعد في طبقاته (29) عن بيعة علي، فيقول: «بويع لعلي بن أبي طالب (رض) بالمدينة، الغد من يوم قتل عثمان، بالخلافة؛ بايعه طلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو (30) ... وعمار بن ياسر وأسامة بن زيد وسهل بن حنيف وأبو أيوب الأنصاري ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وخزيمة بن ثابت وجميع من كان بالمدينة من أصحاب رسول الله (ص) وغيرهم، ثم ذكر طلحة (31) والزبير أنهما بايعا كارهين غير طائعين، وخرجا إلى مكة وبها عائشة». ويقال في أسد الغابة (32) عن بيعة علي: «كان أول من بايعه طلحة بلسانه وسعد بيده، فلما رأى عليّ ذلك، خرج إلى المسجد، فصعد المنبر، فكان أول من صعد إليه فبايعه، طلحة، تابعه الزبير». لكن لماذا انضم طلحة والزبير إلى عائشة في مكة في ثورتها ضد علي؟

يبدو أن العامل المادّي هو السبب المباشر لذلك. فقد أراد طلحة إمارة الكوفة، وأراد الزبير إمارة البصرة، فرفض الخليفة؛ تقول إحدى الروايات: «كان الزبير لا يشك في ولاية العراق، وطلحة في اليمن... قال الزبير: هذا جزاؤنا من علي، قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب وسببنا له القتل، وهو جالس في بيته، وكفي الأمر. فلما نال ما أراد، جعل دوننا غيرنا.

[وبرّر عليّ لابن عباس سبب رفضه لطلبيهما، بقوله]: إن العراقين بهما الرجال والأموال، ومتى تملّكا رقاب الناس، يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان» (33) . - ونلاحظ، كالعادة، تضارب الروايات بشأن الأمصار التي طلب الإثنان من عليّ ولايتها.

إضافة إلى ما سبق، زاد عليّ بأن ساوى بينهما وبين سائر المسلمين في العطاء، مخالفاً بذلك سنة عمر، التي يبدو أنه اخترعها دون سند شرعي.

جاء الإثنان إلى عليّ يزعمان أنهما يريدان العمرة في مكة؛ فقال علي: «والله ما أرادا العمرة، ولكن أرادا الغدرة» (34) . ولحق بالإثنين بنو أمية، الذين وافاهم إلى مكة ولاة عثمان الذين عزلهم علي.

الأمويون:

كان الأمويون المستفيد الأول والأخير من حرب الجمل. فهم، من جهة، قتلوا رموزاً إسلامية هامة كان يمكن أن تنافسهم مستقبلياً على الخلافة؛ وأضعفوا، من جهة أخرى، علياً بحيث استطاعوا، مع تراكم الضربات والمؤامرات، إسقاط خلافته وبالتالي خطه - مرة وإلى الأبد.

إن عائشة هي المسؤولة الأولى - وربما الأخيرة - عن هذه السلسلة من المآسي المتراكمة. فقد قادتها عاطفتها القبلية - وربما غير القبلية - إلى الاستماتة في إيصال ابن عمها، طلحة، إلى رأس الهرم في الدولة الفتية. وكانت النتيجة أن خسرت عائشة كلّ شيء: كادت أن تُسبى لولا سماحة أخلاق علي؛ قتل ابن عمها طلحة؛ قتل زوج أختها الزبير؛ ومعهما ألوف مؤلفة من خيار المسلمين. وكان أهم الأمويين في معسكر عائشة:

² مروان بن الحكم:

«لما خرج طلحة والزبير وعائشة من مكة، يريدون البصرة [لحرب علي]، خرج معهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم... [فقال سعيد]: قد زعمتم، أيها الناس، أنّكم إنّما تطلبون بدم عثمان، فإن كنتم تريدون، فإنّ قتلة عثمان على صدور هذه المطى وأعجازها، فميلوا عليهم بأسيافكم وإلاّ فانصرفوا إلى منازلكم ولا تقتلوا في رضى المخلوقين أنفسكم... فقال مروان بن الحكم: بل نضرب بعضهم ببعض، فمن قتل كان الظفر فيه، ويبقى الباقي، فنطلبه وهو ضعيف» (35) .

رغم أن طلحة ومروان كانا في المعسكر ذاته المعادي لعلي، فقد قتل مروان (36) طلحة. تقول رواية الطبقات (37) : « كان مروان مع طلحة في الخيل، فرأى فرجة في درع طلحة، فرماه بسهم فقتله». ويفصّل أسد الغابة (38) المسألة، فيقول: «كان سبب قتل طلحة أن مروان بن الحكم رماه بسهم في ركبته، فجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح، انتفخت رجله، وإذا تركوه جرى. فمات منه. فقال مروان: لا أطلب بثأري [لعثمان] بعد اليوم. والتفت إلى أبان بن عثمان، فقال: قد كفيتك بعض قتلة أبيك» (39) .

في حرب الجمل، «ثبتت عائشة، وحماها مروان في عصابة، فأحدق بهم علي... و[كان] كلمّا وثب رجل يريد الجمل، ضربه مروان بالسيف وقطع يده، حتى قطع نحو عشرين يداً من أهل المدينة والحجاز والكوفة، حتى أتي مروان من خلفه، فضرب ضربة فوقع، وعرقب الجمل الذي عليه عائشة، وانهزم الناس، وأسرت عائشة، وأسر مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان وموسى بن طلحة وعمرو بن سعيد بن العاص. فقال عمّار لعلي: أقتل هؤلاء الأسرى!!! فقال علي: لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع ونزع» (40) .

² يعلى بن أمية:

«استعمله عثمان على صنعاء... وأعان الزبير [في حرب الجمل] بأربعمائة ألف؛ وحمل سبعين رجلاً من قريش، وحمل عائشة على الجمل الذي شهدت القتال عليه، واسم الجمل عسكر» (41) . وفي رواية أخرى: «جهزهم يعلى بن أمية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم» (42) . وفي رواية ثالثة، أن يعلى بن أمية اشترى عسكر «بثمانين ديناراً» (43) . وأخرج الطبري عن الزهراني، قوله: «ثم ظهرا، يعني طلحة والزبير، إلى مكة، بعد قتل عثمان بأربعة أشهر، وابن عامر يجر الدنيا؛ وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير، وزيادة عن أربعمئة بعير، فاجتمعوا في بيت عائشة (رض)، فأداروا الرأي، فقالوا: نسير إلى عليّ فنقاتله. فقال بعضهم: ليس لكم طاقة بأهل المدينة، ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة؛ ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبير بالبصرة هوى ومعونة. فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة، فأعطاهم عبد الله بن عامر مالاً كثيراً وإبلاً، فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة والكوفة، ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل» (44) .

² عبد الله بن عامر:

يحدثنا عنه ابن سعد في طبقاته (45) ، فيقول: «ابن خال عثمان [ - أو: «خال عثمان بن عفان وابن عمة النبي (ص)- (46) ]، ولاّه البصرة، فافتتح خراسان كلها وأطراف فارس وسجستان وكرمان وزابلستان... قدم على عثمان بالمدينة، فقال له عثمان: صل قرابتك وقومك! ففرّق في قريش والأنصار شيئاً عظيماً من الأموال والمكسوات... وظلّ والياً على البصرة إلى أن قتل عثمان؛ فلما سمع ابن عامر بقتله، حمل مافي بيت المال، وسار إلى مكة، فوافى بها طلحة والزبير وعائشة، وهم يريدون الشام؛ فقال: بل ائتوا البصرة، فإن لي بها صنائع، وهي أرض أموال، وبها عدد الرجال». لكن سعيد بن العاص، يقول: «أما الأموال فعنده، وأما الرجال فلا رجل» (47) . وكان عبد الله قد هرب ليلاً من البصرة، بعدما بايع أهلها علياً؛ وقد جهّز الرجل معسكر عائشة، على ما قاله المسعودي (48) ، بألف ألف درهم، ومائة من الإبل، وغير ذلك (49) .

­ نساء النبي الأخريات

باستثناء عائشة، فقاموس حرب أمير المؤمنين وأمهم، لا يذكر سوى اسم أم سلمة المخزومية، زعيمة الحلف المعادي لعائشة وحلفها، وحفصة بنت عمر، يد عائشة اليمنى وصديقتها اللدود - وذلك من بين نساء النبي. وكان طبيعياً بالتالي أن تقف أم سلمة بجانب عليّ وحلفه، وحفصة بجانب عائشة ومعسكرها. فقبيل حرب الجمل، كتبت أم سلمة، وكانت في مكّة، إلى علي، تقول: «أما بعد! فإن طلحة والزبير وأشياعهم، أشياع الضلالة؛ يريدون أن يخرجوا بعائشة، ومعهم عبد الله بن عامر؛ يذكرون أن عثمان قتل مظلوماً؛ والله كافيهم بحوله وقوته! ولولا ما نهانا الله عن الخروج، وأنت لم ترضَ به، لم أدع الخروج إليك والنصرة لك. ولكني باعثة إليك بابني، وهو عدل نفسي، عمر بن أبي سلمة، يشهد مشاهدك كلها، فاستوصِ به، يا أمير المؤمنين، خيراً... فلما قدم على عليّ أكرمه، ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها» (50) . وفي رواية أخرى، يقال: «فلما قدم عمر على عليّ (ع) أكرمه، ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها. ووجهه أميراً على البحرين» (51) . من ناحية أخرى، فقد قالت أم سلمة لعائشة لمّا همت الأخيرة بالخروج إلى حربها مع أمير المؤمنين: «يا عائشة! إنك سدة بين رسول الله (ص) وبين أمته، حجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه، وسكّن الله عقيرك فلا تصحريها، الله من وراء هذه الأمة، قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد فيك عهداً، بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد؛ ما كنت قائلة لو أن رسول الله (ص) قد عارضك بأطراف الفلوات ناصّة قلوصك مقوداً من منهل إلى منهل؟! إن بعين الله مثواك! وعلى رسول الله (ص) تعرضين، ولو أمرت بدخول الفردوس لاستحييت أن ألقى محمداً هاتكة حجاباً جعله الله علي، فاجعليه سترك، وقاعة البيت قبرك، حتى تلقيه وهو عنك راض... فقالت عائشة: يا أم سلمة، ما أقبلني لوعظك، وأعرفني بنصحك، ليس الأمر كما تقولين، ولنعم المطلع مطلعاً أصلحت فيه بين فئتين متناحرتين» (52) . بالمناسبة، فالمصادر الاسلامية لا تذكر شيئاً عن الوسيلة التي تم بها تسجيل هذا الحديث، المفخم للغاية، الخاص للغاية، بين اثنتين من أمهات المؤمنين!!

تخبرنا تلك المصادر أيضاً، أنه لمّا جاءتها عائشة تطلب منها الخروج معها للمطالبة بالثأر لعثمان، ردّت أم سلمة: «إنك كنت بالأمس تحرّضين على عثمان، وتقولين فيه أخبث القول، وما كان اسمه عندك إلا نعثلاً، وإنك لتعرفين مكانة عليّ عند رسول الله (ص)» (53) .

بالمقابل، فقد « أرادت حفصة المسير معهم [ لقتال علي ]، فمنعها (54) أخوها عبد الله » (55) . لكن مشاعر حفصة كانت دائماً مع عائشة. ذكر أبو مخنف أنه لما نزل عليّ ذا قار، كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: « أما بعد! فإني أخبرك أن علياً نزل ذا قار وأقام بها مرعوباً خائفاً لما بلغه من عدتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر: إن تقدّم عقر، وإن تأخر نحر!! فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف؛ فأمرتهن أن يقلن في غنائهن:

ما الخبرِ! ما الخبرِ! عليّ في السفرِ؛

كالفرس الأشقرِ؛

إن تقدّم عقر، وإن تأخر نحر.

وجعلت بنات الطلقاء (56) يدخلن على حفصة، ويجتمعن لسماع ذلك الغناء! فبلغ أم كلثوم بنت عليّ [ زوجة أبيها]، فلبست جلابيبها، ودخلت عليهن في نسوة متنكرات، ثم أسفرت عن وجهها؛ فلما عرفتها حفصة، خجلت واسترجعت؛ فقالت أم كلثوم: لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم، لقد تظاهرتما على أخيه [النبي] من قبل، فأنزل الله فيكما ما أنزل! فقالت حفصة: كفى، رحمك الله! وأمرت بالكتاب فمزّق، واستغفرت الله» (57) .

محمد بن أبي بكر:

قد يكون محمد بن أبي بكر الحلقة الضعيفة الوحيدة في معسكر علي. فهو متهم فعلاً بقتل عثمان. ويبدو أن الأحداث المتلاحقة لم تتح أمام عليّ مجالاً كي يولي مسألة قتل عثمان ما تستحقه من الأهمية. تقول إحدى الروايات: «جاء عليّ إلى امرأة عثمان، فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري؛ دخل عليه رجال لا أعرفهم، إلا أن أرى وجوههم، وكان معهم محمد بن أبي بكر... فقال [محمد]: صدقت! قد والله دخلت عليه، فذكر لي أبي، فقمت عنه، وأنا تائب إلى الله تعالى! والله ما قتلته، ولا أمسكته! فقالت: صدق، ولكن هو أدخلهم» (58) . لكن هذا لا ينفي التهمة، بأية حال، عن محمد ابن أبي بكر. وكثير مما تبقى لنا من شواهد، يؤكد دور محمد في قتل الخليفة. فعلى سبيل المثال، كان الحسن، بسبب دور محمد في قتل عثمان، «لا يسميه باسمه، إنما كان يسميه الفاسق» (59) . كذلك فربما تكون طريقة قتل محمد بن أبي بكر الدليل الأفضل على اعتقاد الناس عموماً، وبني أمية خصوصاً، على أنه قاتل عثمان. ورد في المروج : «أخذه معاوية بن خديج وعمرو بن العاص وغيرهما، فجعلوه في جلد حمار وأضرموه بالنار... وقيل إنه فُعل به ذلك وبه شيء من الحياة؛ وبلغ معاوية [بن أبي سفيان] قتل محمد وأصحابه، فأظهر الفرح والسرور» (60) . وكان معاوية بن خديج قال لمحمد قبل أن يقتله: «قتلت ثمانين من قومي في دم الشهيد عثمان، وأتركك ، وأنت صاحبه» (61) . أخيراً، كانت عائشة ذاتها غاضبة على أخيها محمد لسعيه على عثمان (62) - وربما لوجوده في معسكر عليّ - وكانت تسمّيه مذمماً، وتقول: «قتل الله مذمماً بسعيه على عثمان» (63) .

حرب المبشّرين بالجنة!

«خرج أصحاب الجمل... من مكة، وأذّن مروان... ثم جاء حتى وقف عليهما [طلحة والزبير]، فقال: على أيكما أسلّم بالأمرة وأؤذن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: على أبي عبد الله! وقال محمد بن طلحة: على أبي محمد! فأرسلت عائشة إلى مروان، فقالت: مالك؟ أتريد أن تفرق أمرنا! ليصلّ ابن أختي، [عبد الله بن الزبير]، فكان يصلّي بهم حتى قدم البصرة، فكان معاذ بن عبيد الله، يقول: والله لو ظفرنا لافتتنا، ما خلّى الزبير بين طلحة والأمر، ولا خلّى طلحة بين الزبير والأمر» (64) .

«لما خرج طلحة والزبير إلى البصرة، كتبت أم الفضل بنت الحارث، يعني زوجة العباس ابن عبد المطلب (رض) إلى عليّ بخروجهم؛ فقال: علي: العجب! وثب الناس على عثمان فقتلوه وبايعوني غير مكرهين، وبايعني طلحة والزبير، وقد خرجا بالجيش إلى العراق» (65) .

لمّا اقتربت عائشة من البصرة، أرسل واليها، عثمان بن حنيف، أبا الأسود الدؤلي، ليستعلم منها عن سبب مجيئها، فقالت إنها جاءت تطلب الثأر لعثمان. ولما أجابها بأن قتلة عثمان ليسوا في البصرة، قالت بأنها قادمة كي تستنهض أهل البصرة كي يغضبوا لدم عثمان من قتلته الموجودين ضمن معسكر علي (66) . لكن أبا الأسود زعم بأن خروجها هو خروج على كتاب الله وسنّة نبيه، وأن أبناء عثمان أولى بالثأر لأبيهم منها. وعندما اكتشف الدؤلي أن طلحة والزبير يحملان رأي عائشة ذاته، عاد إلى عثمان ابن حنيف (67) ، وقال له: إنها الحرب، فتأهب لها (68) .

كان كثيرون من أبرز وجوه المجتمع الإسلامي آنذاك يرفضون خروج عائشة لحرب عليّ جملة وتفصيلاً، معتبرين إياه، كغيرهم، خروجاً على الكتاب والسنّة. وكان ضمن هؤلاء: زيد بن صوحان العبدي (69) ، جارية بن قدامة السعدي (70) ، والأحنف بن قيس (71) . في حين استنكر عبد الله بن حكيم على طلحة خروجه مطالباً بدم عثمان وهو الذي خلعه ودعا إلى قتله، وبايع من بعده عليّ بن أبي طالب (72) .

اندلعت الحرب بين جيش عائشة وجماعة عثمان بن حنيف، لكن الطرفين عادا للصلح، وأرجئ الأمر إلى ما بعد وصول عليّ إلى البصرة، وكتب عهد بين المتحاربين (73) . لكن حزب عائشة نقض العهد. فقد خرجوا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر، بعدما تأكدوا من أن ابن حنيف لا يشك فيهم، وقد لبسوا الدروع وظاهروا فوقها الثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر، وكان ابن حنيف سبقهم إلى المسجد، فلما تقدّم ليصلي، أخّره أصحاب طلحة والزبير وقدّموا الزبير، وتشاحن الطرفان حتى كادت الشمس تطلع. ثم غلب الزبير، فصلّى بالناس. ولما فرغ من صلاته، صاح بأصحابه المسلّحين، أن خذوا عثمان بن حنيف، فلما أُسر ضُرب ونُتف شعر وجهه ورأسه، وأخذوا الشرطة وحرّاس بيت المال، وهم سبعون رجلاً، فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة، التي قالت لأبان بن عثمان: اخرج إليه فاقتله فإن الأنصار قتلوا أباك!

لكن عثمان بن حنيف هدّد عائشة وفريقها بأخيه، خليفة عليّ على المدينة، وقال إنهم إن قتلوه، فسيقتل أخوه كلّ أهلهم هناك! فكفّوا عنه! وأمرت عائشة الزبير بقتل الشرطة وحرّاس بيت المال، فذبحهم الزبير كما تذبح الغنم.

بقيت طائفة منهم مستمسكين ببيت المال، وقالوا: لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين! أي علي! فسار إليهم الزبير في جيشه ليلاً، فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيراً، فقتلهم صبراً! فكان هذا الغدر بعثمان بن حنيف أول غدر في الإسلام، وكان قتل الشرطة وحرّاس بيت المال أول قوم ضربت أعناقهم في الإسلام صبراً، وكانوا مئة وعشرين رجلاً (74) ؛ وقيل: كانوا أربعمائة رجل (75) . ثم طردوا عثمان بن حنيف، فلحق بعلي، فلما رآه بكى، وقال له: فارقتك شيخاً وجئتك أمرداً! فقال علي: إنّا لله وإنا إليه راجعون (76) .

الجمل الأصغر:

لما بلغ حكيم بن جبلة، سيّد عبد القيس، ما صنع القوم بعثمان بن حنيف وخُزّان بيت مال المسلمين وغير ذلك، خرج في ثلاثمائة من قومه؛ فتصدّى له جيش عائشة، التي حملوها على جمل، فسمّي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر، مقارنة بيومها مع علي، يوم الجمل الأكبر. وانجلت المعركة عن مقتل كلّ بني عبد القيس، بمن فيهم حكيم بن جبلة وأخوته الثلاثة وابنه.

من الجدير بالذكر، أن طلحة والزبير اختلفا في من يصلّي بالناس هنا أيضاً؛ فأصلحت بينهما عائشة، فجعلت يوماً لعبد الله بن الزبير ويوماً لمحمد بن طلحة. وقيل إنهم لما دخلوا بيت المال، ورأوا ما فيه من الأموال، قرأ الزبير، وقد استفزه الفرح: وعدكم الله مغانم كثيرة فجعل لكم هذه! فنحن أحق بها من أهل البصرة (77) .

حوارات المبشرين... بالجنّة!!

تروي المصادر أن علياً ذكّر الزبير بقول النبي لعلي: ليقتلنّك ابن عمتك [الزبير] هذا، وهو لك ظالم؛ فرجع الزبير رافضاً قتاله. ولما استفزّه ابنه عبد الله، متهماً إياه بالجبن، ردّ الزبير: ويحك! إني قد حلفت له أن لا أقاتله! فقال له ابنه: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه، وقام في الصف الأول معهم (78) .

تذكر رواية أخرى أن علياً قال للزبير: أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟ لسلّط الله على أشدّنا عليه اليوم ما يكره! ودعا عليّ طلحة، فقال: يا طلحة، جئت بعرس رسول الله (ص) تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت؟ أما بايعتني؟ قال: باعيتك وعلى عنقي اللج! وأصر طلحة على الحرب (79) .

الوغى:

حاول عليّ منع الحرب عن طريق الإلتجاء إلى حكم المصحف. لكن يبدو أن حزب عائشة كان مصرّاً على الحرب. ولعبت عائشة الدور الأبرز في تحريض الناس على القتال. «كانت جهورية الصوت» (80) . وظلّت تستفز حميتهم حتى عُقر الجمل، بعد أن قتل على خطامه أربعون رجلاً (81) . وما أن هوى الجمل حتى آواه علي، وفيه عائشة، إلى وارف من ظله منيع، وجعل معها أخاها محمداً، وأطلق سراح الأسرى.

كانت معركة الجمل يوم الخميس، لعشرين خلون من جمادى الآخرة، سنة 36 للهجرة.

كان عدد القتلى، من حزب عائشة، ثلاثة عشر ألفاً، بمن فيهم طلحة والزبير (82) ؛ أما من حزب علي، فقتل نحو من ألف شخص (83) .

ذيول الحرب... وطرائفها:

تخبرنا إحدى الروايات أن علياً «أمر المنادي، فنادى: ما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض الله! فقام رجل، فقال: كيف تحلّ لنا أموالهم، ولا تحلّ لنا نساؤهم ولا أبناؤهم؟ فقال: لا يحلّ لكم ذلك! فلما أكثروا عليه في ذلك، قال: اقترعوا، هاتوا بسهامكم! ثم قال: أيكم يأخذ أمكم عائشة في سهمه؟» (84) .

الطريف، أن عائشة التي أدّت بخروجها هذا إلى فتنة لم تغلق أبوابها قط - بغض النظر عن ألوف القتلى والجرحى من خيار المسلمين - تضايقت للغاية حين «جاء أعين ابن ضبة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج، فقالت: إليك لعنة الله! فقال: والله ما أرى إلا حميراء! فقالت له: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك! فقتل بالبصرة، وسلب وقطعت يده، ورمي به عرياناً في خربة من خرب الأزد» (85) ؛ الأطرف ، أن يستجيب لها الإله بمباشرية مخيفة رغم كلّ أعمالها التي تخالف أبسط أوامر هذا الإله!

رغم كلّ المبررات التي يلفقها الإسلاميون المعاصرون لعائشة، لغسلها من مصائب الجمل وذيولها، فقد كانت هي ذاتها مسكونة بشعور الإثم بسبب فعائلها. تورد إحدى الروايات أنه «ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت: وددّت لو جلست كما جلس صواحبي» (86) ؛ أو: «كان أحبّ إليّ من أن أكون ولدت من رسول الله بضع عشرة رجال كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أو مثل عبد الله بن الزبير» (87) . ويقول أحد الرواة: «حدثني من سمع عائشة (رض)، إذا قرأت هذه الآية، «وقرن في بيوتكن» [أحزاب 33]، بكت حتى تبل خمارها» (88) . يذكر أيضاً، أن عائشة قالت: «إذا مرّ ابن عمر فأرونيه. فلما مرّ، قيل لها: هذا ابن عمر! قالت: يا أبا عبد الله، ما منعك أن تنهاني عن مسيري [يوم الجمل]؟ قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفينه - يعني ابن الزبير! قالت: أما لو أنك نهيتني ما خرجت - تعني: مسيرها في فتنة يوم الجمل» (89) . وقيل: «إن ابن عبّاس دخل على عائشة قبل موتها، فأثنى عليها، فلما خرج، قالت لابن الزبير، أثنى عليّ عبد الله بن عبّاس ولم أكن أحب أن أسمع أحد اليوم يثني علي، لوددّت أني كنت نسياً منسياً» (90) ؛ أو: «وددّت أني إذا مت، كنت نسياً منسياً» (91) ؛ أو: «يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة» (92) ؛ وقيل أيضاً «إن عائشة لما احتضرت جزعت، فقيل لها: أتجزعين يا أم المؤمنين، وابنة أبي بكر الصدّيق؟ فقالت: إن يوم الجمل لمعترض في حلقي! ليتني مت قبله، أو كنت نسياً منسياً» (93) . لذلك طلبت قبيل وفاتها أن لا تدفن مع النبي، قائلة: «إني قد أحدثت بعد رسول الله (ص)، فادفنوني مع أزواج النبي (ص)» (94) ؛ قال الذهبي: «تعني بالحديث: مسيرها يوم الجمل» (95) . - كيف لا، وكانت لعنة الجمل تلاحقها في كلّ الأفواه باستمرار؟ يروى «أن رجلاً نال من عائشة (رض) عند عمار بن ياسر؛ فقال: أغرب مقبوحاً منبوذاً، أتؤذي حبيبة رسول الله (ص)؟» (96) .

لكن كلّ هذا الندم لم يغسل قلبها، وهي أم المؤمنين، من كراهية أميرهم: عليّ بن أبي طالب. فقد ظلّت تكرهه حتى بعد مماته. تحدثنا روايات كثيرة، أن عائشة، لما بلغها «قتل عليّ (رض)، قالت:

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قر عيناً بالإياب المسافر

فمن قتله؟ قيل: رجل من مراد! فقالت:

فإن يك نائياً فلقد نعاه

غلام ليس في فيه التراب» (97)

وفي رواية أخرى، أنها «سجدت لله شكراً، وأظهرت السرور وتمثلت... فقالت زينب بنت أم سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني» (98) . وفي نص مقاتل الطالبيين (99) يقال إن الذي جاءها بنعيه هو سفيان بن أبي أمية.

IV

معاوية بن أبي سفيان... وعائشة

لاشك أن عائشة هي التي مهدت الطريق لوصول الأمويين إلى الحكم، وذلك عبر إضعافها لعلي وإثارتها للقلاقل في وجهه من جهة، وعبر تصفية أبرز منافسين لمعاوية في الأمر، الزبير وطلحة، من جهة أخرى. وبعكس سلوكها في أيام علي، فهي لم تحرك ساكناً في هذه المرحلة، رغم كلّ جرائم معاوية وفظائعه.

كانت أولى جرائم معاوية التي مسّت عائشة شخصياً، قتله لأخيها محمد عام 38هـ، أي قبل تسلّمه الخلافة، بعد حيلة المصاحف في صفين. فقد ولّى عليّ محمداً مصر، فدخلها عام 37هـ؛ لكن معاوية أرسل عمرو بن العاص إلى مصر عام 38هـ، فتغلّب على محمد، ثم قتله معاوية بن خديج، كما أشرنا، صبراً، وأدخلوا جثته في بطن حمار ميت، وأحرقوه (1) . «ولما بلغ ذلك عائشة، جزعت عليه جزعاً شديداً، وقنتت في دبر كلّ صلاة، تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن خديج، وقبضت عيال محمد أخيها إليها، فكان القاسم بن محمد من عيالها... وحلفت عائشة لا تأكل شواء أبداً بعد قتل محمد، فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله، وما عثرت قط حتى قالت: تعس معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن خديج» (2) .

حجر بن عدي:

كان حجر بن عدي متعاطفاً مع علي، وكان ينتقد المغيرة بن شعبة، عامل معاوية ابن أبي سفيان على الكوفة، الذي أمره أمير مؤمني عصره بشتم عليّ من فوق المنابر. وجاء بعده زياد بن أبيه الذي لم يكن أقل سوءاً من سابقه. وتروي الأخبار أن زياداً أطال يوماً الخطبة، وأخّر الصلاة (3) ، فنادى عدي: الصلاة! ولما لم يأبه زياد به وبالناس، ثار الحاضرون. فأُرْسل حجر بطلب من معاوية إلى الشام. وفي مرج عذراء، تم قتله مع مرافقيه.

تضايقت عائشة من قتل حجر، لكنها لم تثر لذلك - خاصة وأنها كانت قد تدخلت لمنع هذه الجريمة . وتروي الأخبار أن عائشة بعثت عبد الرحمن بن الحرث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه، فقدم عليه وقد قتلهم... وكانت عائشة تقول: لولا أنّا لم نغيّر شيئاً إلا آلت الأمور إلى أشد مما كنا فيه، لغيّرنا قتل حجر، أما والله إن كان لمسلماً ما علمته، حاجاً معتمراً (4) .

تقول إحدى الروايات، إن معاوية أقبل «ومعه خلق كثير من الشام... حتى أتى عائشة أم المؤمنين، فأذنت له وحده... وعندها مولاها ذكوان؛ فقالت عائشة: أكنتَ تأمن أن أقعد لك رجلاً فأقتلك كما قتلت أخي محمد بن أبي بكر؟ فقال معاوية: ما كنتِ لتفعلي ذلك... لأني في بيت آمن.. [وتكلّمت عائشة]... فلم يخطب معاوية، وخاف أن لا يبلغ ما بلغت... ثم قام معاوية، فلما قام، قالت عائشة: يا معاوية، قتلت حجراً وأصحابه العابدين المجتهدين؟... فقال: دعينا وإياههم حتى نلقى ربّنا... [ثم أكمل]: تالله إن رأيت كاليوم قط خطيباً أبلغ من عائشة بعد رسول الله (ص)» (5) .

عبد الرحمن بن أبي بكر:

شقيق عائشة. لم تكن سمعة هذا الرجل طيبة إسلامياً حتى مراحل متأخرة من تاريخ الدعوة. ويذكر الزمخشري (6) أن الآية السبعين من سورة الأنعام، «أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون»، «نزلت في أبي بكر الصدّيق (رض)، حين دعاه ابنه، عبد الرحمن، إلى عبادة الأوثان». وفي سيرة (7) ابن هشام، يقال: «نادى أبو بكر الصدّيق ابنه عبد الرحمن، وهو يومئذ [يوم بدر] من المشركين، فقال: أين مالي يا خبيث؟ فقال عبد الرحمن:

لم يبقَ غير مشكة ويعبوب وصارم يقتل ضلال الشيب».

ويذكر الزمخشري (8) أيضاً، أن الآية السابعة عشرة من سورة الأحقاف، «والذي قال لوالديه أفٍ لكما، أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي، وهما يستغيثان الله: ويلك! آمن إن وعد الله حق! فيقول: ما هذا إلا أساطير الأولين»، «نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، وقد دعاه أبوه أبو بكر وأمه أم رومان إلى الإسلام، فأفف بهما، وقال: ابعثوا لي جدعان بن عمرو وعثمان بن عمرو، وهما من أجداده، حتى أسألها عمّا يقول محمد».

ولما أراد معاوية أخذ البيعة ليزيد، وكان مروان عامله على المدينة، «خطب مروان، فقال: إن الله تعال قد أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً، وأن يستخلفه؛ فقد استخلف أبو بكر عمر (رض)! فقال عبد الرحمن بن أبي بكر (رض): أهرقلية؟ إن أبا بكر (رض) - والله - ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده! فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه: أفٍ لكما؟ فقال عبد الرحمن (رض): ألستَ ابن اللعين الذي لعن رسول الله (ص) أباه؟! وسمعتهما عائشة (رض)، فقالت: يا مروان! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟ [ونفت أن يكون كلامه لشقيقها صحيحاً، وأكملت]: ولو شئت أن أسمّي الذي نزلت فيه لسميته؛ ولكن رسول الله لعن أبا مروان، ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله» (9) . وفي نصوص كثيرة نجدها تنفي تهمة التأفف عن شقيقها، وتضيف مقسمة، «والله ما هو به» (10) . لكن الحقيقة أن كثيراً من التفاسير تخبرنا، كما لاحظنا، أن الذي قال لوالديه أفاً، هو عبد الرحمن بن أبي بكر تحديداً.

حاول معاوية شراء ضمير عبد الرحمن بمئة ألف درهم (11) ، فرفض. ومات عبد الرحمن فجأة بموضع شمال مكة، قريب منها.

الحسن بن علي:

بعدما اشترى معاوية الحسن بن عليّ بالمال، اشترى إحدى زوجاته، اللواتي يستحيل إحصاؤهن، بالمال وبوعد زواج من يزيد ابنه إن هي قتلت زوجها. وهذا ما كان - لكنه لم يكمل وعده بتزويجها من ابنه، خوفاً عليه منها (12) .

يروى أن الحسن، «لما حضرته الوفاة، أرسل إلى عائشة يطلب منها أن يدفن مع النبي (ص)، فأجابته إلى ذلك، فقال لأخيه: إذا أنا مت فاطلب إلى عائشة أن أدفن مع النبي (ص)، فلقد كنت طلبت منها، فأجابت إلى ذلك، فلعلها تستحي مني! فإذا أذنت، فادفني في بيتها، وما أظن القوم - يعني: بني أمية - إلا سيمنعونك، فإن فعلوا، فلا تراجعهم في ذلك، وادفني في بقيع الغرقد! فلما توفي، جاء الحسين إلى عائشة، فقالت: نعم وكرامة! فبلغ ذلك مروان وبني أمية، فقالوا: لا يدفن هنالك أبداً. فبلغ ذلك الحسين، فلبس هو ومن معه السلاح، ولبسه مروان. فسمع أبو هريرة، فقال: والله إنه لظلم - يمنع الحسن أن يدفن مع أبيه، والله إنه لابن رسول الله (ص)! ثم أتى الحسين، فكلّمه، وناشده الله، وقال: أليس قد قال أخوك: إن خفت فردني إلى مقبرة المسلمين! ففعل، فحمله إلى البقيع، ولم يشهده أحد من بني أمية إلا سعيد بن العاص، كان أميراً على المدينة، فقدّمه الحسين للصلاة عليه» (13) .

لكن مراجع أخرى تروي الخبر ذاته بطريقة مختلفة. ففي روضة الأوائل لابن شـــحنة، بهامش ابن الأثير، يقال: «كان أوصى أن يدفن عند جده (ص)، فمنعت من ذلك عائشة» (14) . وفي مرجع آخر، يقال إن الحسن طلب «عند وفاته: ادفنوني عند قبر رسول الله (ص)! [فقالت عائشة]: البيت بيتي ولا آذن لأحد أن يدفن فيه... فدفنوه في البقيع» (15) .

وفي رواية ثالثة، يقال: «ركب مروان بن الحكم وسعيد بن العاص، فمنعا من ذلك؛ وركبت عائشة بغلة شهباء، وقالت: بيتي ولا آذن فيه لأحد! فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر، فقال: يا عمّة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر؛ أتريدين أن يقال: يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت، واجتمع مع الحسين بن عليّ جماعة من الناس، فقالوا له: دعنا وآل مروان، فوالله ما هم عندنا إلا كأكلة رأس؛ فقال: إن أخي أوصاني ألاّ أريق فيه محجمة؛ فدفن الحسين في البقيع» (16) .

وورد في مقاتل الطالبيين (14) ، أنهم «لما أرادوا دفنه، ركبت عائشة بغلاً واستنفرت بني أمية: مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم، وهو القائل: فيوماً على بغل ويوماً على جمل».

لكن قصة البغلة هذه تروى أيضاً بطريقة مختلفة؛ يقال: «اقتتل غلمان عبد الله بن عبّاس وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودج على بغلة لها، فلقيها ابن أبي عتيق... فقال: ما انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدين أن تأتينا بيوم البغلة» (18) .

وكان يقال لها:

تجملت تبغلت

ولو عشت تفيلت

لك التسع من الثمن

وفي الكل تصرفت

وربما كان هنالك... بغلتان!!!

السكوت المُشْترى

لقد اشتهر عن عائشة حبها للمال. ويبدو أن معاوية كان يعرف نقطة ضعف أم المؤمنين هذه جيداً. وبين أيدينا روايات كثيرة تثبت ذلك. منها، على سبيل المثال، أن معاوية بعث «إلى عائشة (رض) بطبق من ذهب فيه جوهر، قوّم بمائة ألف» (19) . وأخرج أبو نعيم: «أهدى معاوية لعائشة ثياباً وورقاً وأشياء توضع في أسطوانة» (20) . وروى عروة «أن معاوية بعث إلى عائشة بمئة ألف» (21) . وقيل: «بعث معاوية إلى عائشة، وهي بمكة، بطوق قيمته مئة ألف، فقبلته» (22) . وقيل: «قضى معاوية عن عائشة، أم المؤمنين، ثمانية عشر ألف دينار، وما كان عليها من الدين الذي كانت تعطيه الناس» (23) .

روي أن المنكدر بن عبد الله، دخل «على عائشة، فقالت: لك ولد؟ قال: لا! فقالت: لو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك! فما أمست حتى بعث إليها معاوية بمال، فقالت: ما أسرع ما ابتليت! وبعثت إلى المنكدر بعشرة آلاف درهم، فاشترى منها جارية» (24) .

أورد بن سعد في طبقاته ، أن «معاوية اشترى من عائشة منزلها... بمائة وثمانين ألف درهم [أو] بمائتي ألف درهم، وشرط لها سكناها حياتها، وحمل إلى عائشة المال، فما رامت من حملها حتى قسمته. ويقال: اشتراه ابن الزبير، بعث إليها، يقال: خمسة أجمال بخت تحمل المال، فشرط لها سكناها حياتها، فما برحت حتى قسمت ذلك، فقيل لها: لو خبأت لنا منه درهماً! فقالت عائشة: لو ذكرتموني لفعلت» (25) .

ملحق:

عائشة... وحبّ المال

لقد رأينا كم كانت عائشة تحبّ المال، وكيف كان جوهر ثورتها على عثمان إنقاصه إياها العطاء الذي اعتاد أن يعطيها، عمر بن الخطاب! وتخبرنا الروايات أنها منذ عهد النبي، كانت مجبولة على حب المال. فحين فتحت خيبر، قالت عائشة بفرح: «الآن نشبع من التمر» (1) . وكان النبي قد أعطاها من أموال خيبر، ثمانين وسقاً من التمر، وعشرين وسقاً شعير؛ وقيل: قمح (2) .

يبدو أن حياتها في البيت النبوي لم تكن تقشفية إطلاقاً، بعكس ما يحاول الإسلاميون الحاليون ترويجه الآن. تقول عائشة في إحدى الروايات، على سبيل المثال: «خرجنا مع رسول الله (ص) حتى إذا كنا بالقاحة سال على وجهي من رأسي من الطيب حين خرجت، فقال النبي (ص): إنّ لونك يا شقيراء لحسن» (3) ؛ ويروى أن النبي، قبيل وفاته، «قال لعائشة - وهي مسندته إلى صدرها: يا عائشة، ما فعلت تلك الذهب؟ قالت: هي عندي! قال: فأنفقيها» (4) .

وإذا كان الاستيلاء على خيبر من اليهود أشبع عائشة وقومها التمر أيام النبي، فإنها
- بعد النبي - شبعت من كلّ شيء، خاصة مع تحوّل كبار الصحابة إلى رأسماليين وإقطاعيين، بعد غزو البلاد الغنية المحيطة بجزيرة العرب وقهر أهلها واستعبادهم وسرقة أراضيهم.

يبقى زمن أبي بكر استثناء: فظروف أبي بكر لم تمكنه من غزو البلاد المحيطة، بعد أن تفجرت أمام خلافته مشاكل ما عرف بحروب الردة. مع ذلك، فقد وجد أبو بكر وقتاً وأموالاً - لليهود أيضاً - كي يعطي ابنته، عائشة. تقول إحدى الروايات: «كان المال الذي نحل [أبو بكر] عائشة بالعالية من أموال بني النضير: بئر حجر؛ كان النبي (ص) أعطاه (رض) ذلك المال، فأصلحه بعد ذلك أبو بكر، وغرس فيه ودياً» (5) .

كان الإقطاعي الكبير، طلحة بن عبيد الله، عزيزاً على عائشة، مقرّباً منها. ويذكر أنه كان «يرسل إلى عائشة، إذا جاءت غلته كلّ سنة، بعشرة آلاف» (6) . أما ابن عوف، الإقطاعي الكبير الآخر، فيذكر أنه «باع أرضاً له من عثمان بأربعين ألف دينار.. فأتيت عائشة بنصيبها من ذلك.. فقالت: إن رسول الله (ص)، قال: لا يحسن عليكن بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة» (7) .

وبعد حرب الجمل، « أعطت عائشة من بشّرها بأنّ عبد الله [بن الزبير] لم يقتل... عشرة آلاف درهم » (8) .

ووصل الأمر بها إلى درجة أن عروة، قال: «رأيت عائشة تقسم سبعين ألفاً» (9) ؛ أو: «كانت تتصدّق بسبعين ألفاً» (10) .

كان لعائشة «كساء خزٍّ تلبسه» (11) ؛ و «كانت تلبس المعصفر» (12) ، و «كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر، وهي محرمة» (13) ؛ وقال القاسم بن محمد: «رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم الذهب» (14) . ويذكر البخاري في صحيحه (15) : «لبست عائشة المعصفرات وهي محرمة». وقالت معاذة العدوية: «رأيت على عائشة ملحفة صفراء» (16) ؛ وقيل إنها كانت تلبس «ثياباً حمراء كأنها الشرر - وهي محرمة » (17) ؛ أو «درعاً مضرجة» (18) . وروى عطاء: «كنت آتي عائشة، أنا وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثبير، في قبّة لها تركية، عليها غشاؤها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً - وأنا صبي» (19) .

حين أراد عبد الله بن الزبير أن ينافس على الخلافة، لم يجد أمامه سوى المال وسيلة يكسب بها ودّ خالته. وتروي المصادر أن ابن الزبير بعث «إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، [أو «مائة وثمانين ألف» (20) ]، فجعلت تقسم بين الناس، فلما أمست، قالت: يا جارية: هاتي فطرتي. فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري بدرهم لحماً مما أنفقت؟! فقالت: لا تعنفيني، لو أذكرتني لفعلت» (21) . وقيل أيضاً، إن عائشة «ساقت بدنتين، فضلّتا، فأرسل لها ابن الزبير مكانهما، فوجدت البدنتين الأولين، فنحرتهما أيضاً» (22) .

لكن ابن الزبير كان بخيلاً شحيحاً. فقد روي عنه أنه «قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة (رض): والله لتنتهي عائشة أو لأحجر عليها! فقالت: أهو قال هذا؟! قالوا: نعم! قالت: فلّله عليّ نذر ألاّ أكلم ابن الزبير أبداً. فاستشفع ابن الزبير وكلّم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود... قال: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة (رض) فإنه لا يحلّ لها أن تنذر قطيعتي... فأقبلا... على عائشة، فقالت: ادخلوا كلّكم! ولا تعلم أن معهم ابن الزبير، فاعتنق عائشة (رض) فطفق يناشدها ويبكي.. وطفق المسّور وعبد الرحمن يناشداها ألا ما كلّمته، وقبلت منه، ويقولان: إن النبي (ص) ينهى عما قد عملت من الهجر، وإنه لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث! فلما أكثروا على عائشة (رض) من التذكير والتحريج، طفقت تذكرها وتبكي، وتقول: إني نذرت، والنذر شديد! فلم يزالا بها حتى كلّمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة... أخرجه البخاري» (23) .

امرأة بمثل هذه الذاكرة: كيف نصدّق أنها روت كلّ هذا الكم من الأحاديث؟

القسم الثالث

عائشة... والجنس والمصحف

I

الجنس في البيت النبوي... وعائشة

كانت عائشة عذراء، حين تزوجها النبي، والأمر طبيعي حتماً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سنّها آنذاك. بالمقابل كانت كلّ نسائه الأخريات غير عذراوات حين تزوج بهن - باستثناء مارية القبطية التي لا نمتلك معلومات دقيقة حول بكارتها - وكان لبعضهن أكثر من تجربة. ورغم أنّ زواج رجل بامرأة عذراء مسألة أكثر من عادية، فقد كان ذلك شغل عائشة الشاغل: الشيء الأبرز (وربما الأوحد) التي استطاعت أن تتباهى به على غيرها من نساء النبي.

من هذا الإنشغال الهاجسي بالعذرية، ذلك النص الذي أورده الطبري في تاريخه (1) ، والذي تقول فيه عائشة: «تزوجني بكراً: لم يشركه فيّ أحد من الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في فراش واحد»؛ وفي السمط الثمين (2) يروى عنها قولها: «إنني لأفخر على أزواج النبي (ص) بأربع: ابتكرني ولم يبتكر غيري...». وفي تفسير ابن كثير (3) ، يقال: «لم ينزل على رسول الله (ص) الوحي في فراش امرأة سواها... قال بعض العلماء: لأنه لم يتزوج بكراً سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه». - لكننا لم نفهم سر العلاقة بين جبريل والعذرية!!!

كانت عائشة، كما لاحظنا في فصل أم سلمة، تشبه جسدها بمزرعة - أو حقل أو ما شابه -لم يؤكل منها، وأجساد نساء النبي الأخريات بمزارع رعيت، وتسأل النبي بعدها: أين كنت ترتع بعيرك؟: «قالت: يا رسول الله! أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أُكل منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال: في الذي لم يرتع منها. تعني أن رسول الله (ص) لم يتزوج بكراً غيرها» (4) . - لكن ما الذي تعنيه ببعير رسول الله؟

الميثولوجيا... والجنس!

لقد خصّ التراث الميثولوجي الإسلامي عائشة بنصيب وافر من أساطيره. والكثير من تلك الأساطير يدور حول محور مركزي: الجنس! تقول عائشة، على سبيل المثال: «لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة: لقد نزل جبريل (ع) بصورتي في راحته، حين أمر!!! رسول الله (ص) أن يتزوجني... وإنّ الوحي لينزل عليه في أهله، فيتفرقون عنه، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه... ولقد نزل عذري [ في مسألة الإفك، الجنسية الطابع] من السماء... لقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً» (5) .- لاداع طبعاً للإشارة إلى تناقض الفقرة الأولى من التسع المعطاة لها مع روايات زواجها من النبي المشار إليها آنفاً.

لقد صوِّرت للنبي «قبل أن تصوّر في بطن أمها» (6) . فجبريل، كما تروي هي ذاتها، «أتاه بصورتي مرتين قبل أن يملك عقدي» (7) . ويؤكّد النبي لها: «أريتك في المنام ثلاث ليال، جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك [أو]: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة... فأقول: إن يكن من عند الله، يمضه» (8) .- تناقض آخر.

ورغم أنه في قصة التفاخر بين عائشة وزينب لم تتحدّث الأولى عن تزويج الله إياها حين تفاخرت الثانية بذلك، فبعض المراجع تدعي أنّ الله بذاته (كذا) هو الذي زوجه إياها (9) . وينسب إلى النبي، قوله: «زوجني ربّي عائشة في السماء، وأشهد عقدها الملائكة، وأغلقت أبواب النيران، وفتحت أبواب الجنة أربعين مساء، مسّها مسّ الريح، وريحها ريح المسك» (10) .- لاتعليق!!!

بعد الزواج الإلهي (11) ، كان لعائشة حوادث كثيرة مع جبريل. فحين خاصمها النبي مرّة، جاءه جبريل، وقال له: «إرجع وصالح عائشة» (12) - قاله أيضاً حين طلق النبي حفصة -؛ ولمّا صالحها، عاد جبريل حاملاً صحن حلوى (كذا)، وقال: «الله يقول لك: كان الصلح منا، وطعام الصلح علينا» (13) . كان جريل «يقريها السلام» (14) . لكن بعد محنة الإفك الشهيرة، كفّ الله يد جبريل كي يخبر النبي ببراءتها مما اتهمت به زوراً، فالله بذاته هو الذي أخبره بذلك، لأن الشدّة منه، والفرج منه أيضاً (15) .

من ناحية أخرى، فمن بين كلّ الصحابة والتابعين، لم نصادف أحداً تمكّن من رؤية جبريل سوى عائشة. فقد رأته «من خلل الباب قد عصّب رأسه الغبار» (16) ؛ ورأته مرة أخرى «عند معرفة فرس دحية الكلبي، والنبي يضع يده عليه ويكلّمه» (17) ؛ ورأته أيضاً بصورة «رجل واقف وعليه عمامة بيضاء بين كتفيه» (18) .

تنسب الروايات إلى عمر بن الخطاب، قوله: «إنّ الله عصمها من وقع الذباب على جلدها، لأنه يقع على النجاسة» (19) . - ومعروف أن عمر توفي قبل يوم الدار وحرب الجمل. وقيل إنّ رجلاً ذكرها بسوء، فجاءه النبي في المنام، فأومأ باصبعه إلى عينيه، فأعماه (20) . - لكن المعروف أيضاً أنها انتُقِدَت كما لم يُنْتَقَد غيرها بعد دورها في الفتن التي عرفتها آخر سنوات العهد الراشدي، دون أن تكون هنالك أزمة عميان بين الجماعة الاسلامية الأولى!!

رغم كلّ شيء، فعائشة ضمنت مكانها في الجنة. فقد قال عمار بن ياسر لرجل نال منها أو شتمها بعد حرب الجمل، «إنها زوجته [النبي] في الدنيا والآخرة» (21) ، أي: «في الجنة» (22) . وتزعم عائشة ذاتها، أن النبي قال عنها: «يهون عليّ أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة» (23) . وتقول: إنها سألته مرة عن أزواجه في الجنة، فقال: «أنت منهن».

جنس أم شبق؟

كانت عائشة أقرب إلى الطفلة حين تعرّفت على الجنس للمرّة الأولى، على يد رجل أقرب إلى الكهولة، أمضى بدوره شبابه بجوار امرأة تكبره بخمسة عشر عاماً تقريباً، ولم يكن باستطاعته أن يتزوج عليها أو يطلّقها، لأنها كانت المسؤولة عنه وعن بيته مادّياً. تلك العجوز - كما وصفتها عائشة - الغنية، كما هو معروف، كانت أيضاً صاحبة تجارب سابقة. مع ذلك يبدو أنها رغم عظمتها الأخلاقية والعقائدية، فهي لم تكن كسائر أزواجه الأخريات على الصعيد الجنسي. ففي طبقات (24) ابن سعد، نجد حديثاً منسوباً للنبي، يقول: «كنت أقلّ الناس في الجماع، حتى أنزل الله عليّ الكفيت، فما أريده من ساعة إلا وجدته... [وكانت له] قوة أربعين رجلاً في الجماع». وإذا ما رفعنا العنصر الميثولوجي من الرواية السابقة، أي الكفيت، فتفسيرها السهل، يقول: كان الجماع بالنسبة للنبي عنصراً ثانوياً للغاية في إحدى المراحل، ثم في مرحلة أخرى، صار عنصراً في غاية الأهمية والمحورية. وربما تكون المرحلة الأولى هي الحقبة المكية، حين كان زوجاً لعجوز ترملت مرتين على الأقل: حقبة صراع وفقر وعذاب؛ والمرحلة الثانية هي الحقبة المدينية، حين صار رجل دين ودولة، غنياً، قادراً، لا يكاد يمر عام دون أن يكلّله بزوجة جديدة شابّة، ساحرة الجمال.

لقد دخلت عائشة، ابنة السنوات الثمان أو التسع، فراش هذا الرجل الذي له «قوة أربعين رجلاً في الجماع»: دخلت مبكرة جداً. لكن سرعان ما راحت نساء أخريات يزاحمنها ذاك الفراش. وراح حقدها الجنسي يجد قنوات مختلفة ينفّس عن ذاته عبرها. وهكذا نجدها تصرّح باستمرار بأن أحب نساء النبي إليها سودة (25) ، لأنها أعطتها ليلتها. ونجد أيضاً أنّها أكثر نساء النبي عرضة للشائعات الجنسية الطابع، كقصتها مع صفوان ابن المعطل السلمي أو طلحة بن عبيد الله - هذا ما وصلنا على الأقل. بل إنّ عائشة هي الوحيدة بين كلّ نساء النبي، التي لم تتورع قط عن اتهام مارية القبطية، جارية الرسول، بعلاقة جنسية غير مشروعة - كما رأينا من قبل.هذا الانشغال الهاجسي بالجنس، الذي يلامس أحياناً تخوم الشبق، تعكسه تلك الأحاديث الكثيرة، المتناثرة في كتب التراث الإسلامي، المروية عنها، والتي لا هم لها سوى الجنس:

l مضاجعة الحائض:

عن مضاجعة النبي عائشة وهي حائض، توجد روايات كثيرة؛ من ذلك ما ذكره البخاري (26) في صحيحه ، نقلاً عن عائشة: «كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، فأراد رسول الله (ص) أن يباشرها، أمرها أن تتزر في فور حيضها، ثم يباشرها! قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي (ص) يملك إربه!».في رواية أخرى (27) ، «سئلت عائشة: ما يحلّ للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت: ما فوق الإزار». وفي نص ثالث (28) ، «قالت: كان النبي (ص) يباشرني وأنا حائض، ويدخل معي في لحافي وأنا حائض؛ ولكنه كان أملككم لإربه». قالت عائشة أيضاً: «حضت مع رسول الله (ص) على فراشه، فانسللت، فقال: أحضت؟ فقلت: نعم! قال: فشدّي عليك إزارك ثم عودي» (29) . في المسألة ذاتها، قالت عائشة: «كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تتزر بإزار واسع، ثم يلتزم صدرها وثدييها» (30) . وفي ردها على شخص، سألها: «ما يحلّ للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: كلّ شيء إلا الجماع» (31) . وفي نص غيره يسألها أحدهم: «ما للرجل من أهله وهي حائض؟! فقالت: كلّ شيء إلا فرجها» (32) . وردت على ميمون ابن مهران، حين طرح عليها السؤال ذاته، بقولها: «ما فوق الإزار» (33) . ويذكر السمط الثمين (34) أنها «كانت تنام مع رسول الله (ص) في لحاف واحد، وهي حائض». وفي رواية أخرى، نقل عنها قولها: «كانت إحدانا إذا حاضت، اتزرت ودخلت مع رسول الله (ص) في شعاره، دلّ ذلك على أنه إنما أراد الجماع» (35) . وتخبرنا عائشة ذاتها بالحادثة التالية: «دخل [النبي]، فمضى إلى مسجده - قال أبو داود: تقصد مسجد بيتها - فما انصرف حتى غلبتني عيني، فأوجعه البرد، فقال: ادني مني! فقلت: إني حائض! قال: اكشفي عن فخذيك! فكشفت فخذي، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتى دفئ ونام» (36) .

هنا، نتساءل: هل كانت العاطفة الجنسية عند النبي قوية إلى درجة أنه لم يكن يتمالك نفسه أمام امرأة حتى وإن كانت حائضاً؟

يمكننا تقديم رأيين بشأن هذه المسألة: إما أنّ النبي كان بالفعل مسكوناً بالجنس إلى درجة متطرّفة؛ وهذا ما تدعمه روايات كثيرة؛ من ذلك ما تقوله عائشة: «قلّ يوم إلا ورسول الله (ص) يطوف علينا، فيقبّل ويلمس» (37) . وفي رواية أخرى، أنّ النبي «كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة في الليل والنهار، وهن إحدى عشرة؛ وفي رواية: تسع نسوة. قيل: أو كان يطيق ذلك؟ [قال الراوي]: كنّا نتحدّث أنّه أعطي قوة ثلاثين» (38) . وتتحدّث سلمى، مولاة النبي، فتقول: «طاف رسول الله (ص) على نسائه ليلاً، التسع اللواتي توفي عنهن وهن عنده، كلما خرج من عند امرأة، قال لسلمى: صبّي لي غسلاً! فيغتسل قبل أن يأتي الأخرى. فقلت: يا رسول الله، أما يكفيك غسل واحد؟! فقال النبي (ص): هذا أطيب وأطهر» (31) ؛ أو أنّ كلام عائشة هذا لا صحة له، لأنه يناقض القرآن وتعاليمه، بل يناقض ما قالته عائشة ذاتها في مواضع أخرى. فتعاليم القرآن، تقول: «يسألونك عن المحيض؛ قل: هو أذى! فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله» (2: 222). من ناحية أخرى، تقول عائشة ذاتها: «كنت إذا حضت نزلت عن المثال [الفراش] على الحصير، فلم نقرب رسول الله (ص) ولم ندن منه حتى نطهر» (40) . وفي نص ابن كثير (41) ، بالإشارة إلى النبي، يُضَاف: «فهو محمول على التنزه والاحتياط». وعند الدارمي (42) ، تقول عائشة: «المستحاضة لا يأتيها زوجها».

يمكن أن نجد أحد أشكال التسوية بين الرأيين في رواية منسوبة لعائشة، يسألها فيها أحدهم - لا بد أن نلاحظ صيغة السؤال -: «أكان رسول الله يضاجعك وأنت حائض؟!»؛ فردّت: «نعم! إذا شددّت عليّ إزاري، ولم يكن لنا إذ ذاك غير فراش واحد، فلما رزقني الله - عزّ وجلّ - فراشاً آخر، اعتزلت رسول الله (ص)» (43) .

مع ذلك، هنالك شيء من التناقض في زعم عائشة بأن النبي كان يضاجعها وهي حائض - أقلّه أنه كان بإمكانه تلبية رغبته الجنسية عبر نسائه الأخريات، اللواتي لا يعقل أن يحضن بشكل جماعي، تضامناً مع عائشة!!!

l مصّ اللسان الذي لا يفطّر ولا ينقض الوضوء:

مصُّ النبي لسان عائشة، وهو صائم وهي صائمة، مَعلَم جنسي آخر روّجت له عائشة حول علاقتها بالنبي. يورد أحمد في مسنده (44) عن عائشة، قولها: «كان رسول الله (ص) يقبّلها، وهو صائم، ويمصّ لسانها». وفي نصّ أبي داود (45) : «كان رسول الله (ص) يقبّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملك لإربه».

كما أشرنا، يبدو أنّ النبي لم يكن وحده الصائم حين تقبيل عائشة. فهي تقول: «أراد رسول الله (ص) أن يقبّلني، فقلت: إني صائمة. فقال: وأنا صائم! ثم قبّلني» (46) . وتقول أيضاً: «كان رسول الله (ص) ليظلّ صائماً، فيقبّل أين شاء من وجهي، حتى يفطر» (47) .

من ناحية أخرى، يبدو أنّ قبلة عائشة لم تكن تنقض وضوء النبي. ذكر عروة عنها: «أنّ رسول الله (ص) قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ. فقلت [عروة]: ومن هي إلا أنتِ؟! فضحكت» (48) . وذكر عنها قولها أيضاً: «كان النبي (ص) ينال مني القبلة بعد الوضوء، ثم لا يعيد الوضوء» (49) ، أي، «يتوضأ، ثم يقبّل، ثم يصلّي» (50) .

رغم صراحة عائشة، أم المؤمنين، وجرأتها في الحديث عن الجنس، فقد كان بعض من أولئك المؤمنين يتحرّج من حديث كهذا، معتبراً إياه أحد أنواع الرفث: «خرج علقمة وأصحابه حجاجاً، فذكر بعضهم الصائم: يقبّل ويباشر! فقام رجل منهم، قد قام سنتين وصامهما: هممت أن آخذ قوسي فأضربك بها، فكفّوا حتى تأتي عائشة، فسألوها عن ذلك، فقالت عائشة: كان رسول الله (ص) يقبّل ويباشر، وكان أملككم لإربه! قالوا: يا أبا شبل، سلها! قال: لا أرفث عندها اليوم! فسألوها، فقالت: كان يقبّل ويباشر وهو صائم» (51) . وقالت عائشة، مرّة، لأخيها عبد الرحمن: «ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتقبّلها وتلاعبها؟ فقال: أقبّلها وأنا صائم! قالت: نعم» (52) . وحين سئلت: «ما يجلّ للرجل من امرأته صائماً؟ قالت: كلّ شيء إلا الجماع» (53) .

l تفاصيل أخرى:

تفاصيل جنسية أخرى، توردها عائشة، تملأ صفحات كثيرة من كتب التراث الإسلامي. من ذلك، على سبيل المثال: حديثها عن واجب الاغتسال على الذي يجامع دون أن ينزل (54) : «فعلناه مرة، فاغتسلنا! يعني: الذي يجامع ولا ينزل» (55) . وعنها أيضاً: «قال رسول الله (ص): إذا قعد بين الشعب الأربع، ثم ألزق الختان بالختان، فقد وجب الغسل» (56) ؛ وفي نص آخر: «إذ مسّ الختان الختان» (57) ؛ وفي نص ثالث: «إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله (ص)، فاغتسلنا» (58) . لكن الأمر غير واضح: فنحن لا نعرف على وجه الدقة، هل يتوجب الغسل لمجرد مس الختان الختان، أو لا بد من تجاوز الختان الختان؟ فعائشة تقول: «إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل - فعلته أنا ورسول الله (ص)، فاغتسلنا» (59) .

يبدو، كما أشرنا، أنه كان هنالك بين الجماعة الإسلامية الأولى من يتحرّج من الحديث في مسائل كهذه. لكن عائشة، بجرأتها، كانت تزيل كلّ حرج. روى سعيد بن المسيب «أنّ أبا موسى، قال لعائشة: أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحي منك! فقالت: سل، ولا تستح، فأنا أمك! فسألها عن الرجل ، يغشى ولا ينزل، فقالت: عن النبي (ص)، إذا أصاب الختان الختان، فقد وجب الغسل» (60) .

يبدو أيضاً أنّ هذه المسائل الهامة، كانت تشغل حيزاً كبيراً من تفكير الجماعة الإسلامية الأولى. ويبدو أيضاً، أنّ عائشة كانت المرجع الأول والأخير في مسائل من هذا النوع: «قال زهير: كنت عند عمر، فقيل له: إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد؛ قال زهير: في حديثه الناس برأيه، في الذي يجامع ولا ينزل. فقال: أعجل به! فأتي به، فقال: يا عدو نفسه! أوقد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله (ص) برأيك؟! قال: ما فعلت، ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله (ص)! قال: أي عمومتك؟! قال: أبي بن كعب... قال: كنا نفعله فلا نغتسل... فجمع الناس (!!!!) واتفق الناس على أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا رجلين: عليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل، قالا: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل! فقال علي: يا أمير المؤمنين! إنّ أعلم الناس بهذا أزواج النبي (ص)! فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا علم لي!!! فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز الختان الختان، وجب الغسل!!! فتحطم عمر! يعني تغيّظ! ثم قال: لا يبلغني أنّ أحداً فعله ولا يغسل إلا أنهكته عقوبة» (61) .

الغسل من الجنابة وقضايا الإفرازات الجنسية، أمور أخذت أيضاً حيّزاً لا بأس به من تفكير عائشة. فهي تقول مثلاً: «كنت أغتسل أنا والنبي (ص) من إناء واحد، من جنابة» (62) . إذن، كانت عائشة، حسب قولها، تغتسل من الجنابة، مع النبي، من إناء واحد - ولا ندري أهمية هذا الأمر حتى تناولته كتب التراث بتلك الكثافة. تقول رواية أخرى منقولة عنها: «كنت أغتسل، أنا ورسول الله (ص)، من إناء واحد، بيني وبينه، فيبادرني، حتى أقول: دع لي، دع لي! قالت: وهما جنبان» (63) . وكانت عائشة تغسل سائل النبي المنوي، وتتحدّث عن ذلك بشيء من الاهتمام: «كان همام بن الحارث عند عائشة (رض)، فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه أو يغسل ثوبه، فأخبرت عائشة، فقالت: لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله (ص)» (64) . لكن همام بن الحارث ذاته، يحاول أن ينفي عن نفسه تهمة احتلامه عند عائشة، فيقول مقدّماً رواية أخرى: «نزل بعائشة ضيف، فأمرت له بملحفة، فاحتلم بها، فاستحيا أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام، فغمسها في الماء، ثم أرسل بها! فقالت عائشة: لمَ أفسدَ علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بإصبعه، ربما فركته من ثوب رسول الله (ص) بإصبعي» (65) . وفي المحلّى (66) ، نجدها تقول: «كنتُ أفركه [المني] من ثوب رسول الله». بالنسبة لإفرازات الحيض، تقول عائشة: «كُنت ورسول الله (ص) في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء، غسل مكانه لم يعده، وإن أصابه - يعني: ثوبه - شيء، غسل مكانه، لم يعد، وصلّى فيه» (67) .

l العسيلة:

«العسيلة» واحدة من أطرف الحكايا الجنسية في التراث الإسلامي وأكثرها إثارة للاستغراب! وكالعادة، فإن عائشة هي أشهر من يروي هذه الحكاية. - فما هي العسيلة؟.

باختصار شديد، وكما تنقل عائشة عن النبي، «العسيلة هي الجماع» (68) . ومفادها أنّه إذا طلّق رجل زوجته ثلاث مرات - لا نعرف سرّ قدسية هذا الرقم - لا بد لهذه المرأة أن تتزوج رجلاً آخر، إذا ما أرادت العودة إلى زوجها الأصلي، شريطة أن يذوق هذا الأخير «عسيلتها» - أي: يضاجعها!! وفي صحيح مسلم (69) ، ورد عن عائشة الحديث التالي: «جاءت امرأة رفاعة [أو: رفاعة القرظي (70) ] إلى النبي (ص)، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلّقني، فبتّ طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير: إن ما معه مثل هدبة الثوب [أو: إنما عنده مثل هدبتي (71) ]! فتبسم رسول الله (ص)، فقال:أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؛ لا! حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (72) . ويضيف لسان العرب تفاصيل أخرى، حين يقول: « وقال النبي (ص) لامرأة رفاعة القرظي، وقد سألته عن زوج تزوجته لترجع به إلى زوجها الأول الذي طلقها، فلم ينتشر ذكره للإيلاج: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك! يعني جماعها لأن الجماع هو المستحلى من المرأة، شبّه لذة الجماع بذوق العسل » (73) .

l روايات العري المتناقضة:

رغم زعم عائشة أنّها كانت تغتسل والنبي «من إناء واحد من الجنابة» (74) ، إلا أنّها افتخرت باستمرار ربما بأنها «ما نظرت إلى فرج رسول الله قط» (75) . مع ذلك، تقول إنه «قام ليلة عرياناً، فما رأيت جسمه قبلها» (76) . وتضيف رواية أخرى، ترويها عائشة، تفاصيل أخرى: «قدم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله (ص) في بيتي، فأتاه، فقرع الباب، فقام إليه رسول الله (ص) عرياناً يجر ثوبه - والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده - فاعتنقه وقبّله» (77) .- لا نعرف، طبعا‌ً، ما إذا كان « اعتنقه وقبّله » ، وهو عار، حسب رواية أم المؤمنين، أم لا‍‍‍‍‍ ‍!!

حين قال النبي لعائشة: «إنّكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة غرلاً. قالت عائشة: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: يا عائشة، إن الأمر أشد من أن يهمهم ذاك» (78) .

l إسكاتها لأبي هريرة في الأمور النسائية:

في إحدى المناسبات، قالت عائشة لأبي هريرة: «إنك لتحدّث عن النبي (ص) حديثاً ما سمعته منه؛ فقال أبو هريرة: يا أمة! طلبتها، وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء» (79) . لكن أحمد يروي في مسنده (80) ، «أنّ رجلين دخلا على عائشة، فقالا: إنّ أبي هريرة يحدث، أنّ نبي الله (ص)، كان يقول: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار. فطارت شقة منها [عائشة] في السماء وشقة في الأرض، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم، ما هكذا كان يقول! ولكن نبي الله (ص)، كان يقول: كان أهل الجاهلية، يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة! ثم قرأت عائشة: «ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب» إلى آخر الآية» (81) . وفي رواية أخرى (82) ، يقال: «إنه قد بلغ عائشة عن أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله (ص): يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب. فقالت عائشة: معنّفة مصحّحة: شبهتمونا بالحمير والكلاب! والله لقد رأيت رسول الله يصلّي، وأنا في السرير، بينه وبين القبلة، مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس، فأؤذي رسول الله، فأنسلّ من عند رجليه».

وإذا كانت عائشة قادرة على تكذيب أبي هريرة - وقد كذّبه كثيرون غيرها - في مسائل نسائية عامة، فكم بالحري أن تسكّته - مرّة وإلى الأبد - في تلك الأمور الحميمة؟ ويروي أحمد في مسنده ، أنّ أبا هريرة قال: «من أصبح جنباً فلا صوم له. فأرسل مروان أبا بكر بن عبد الرحمن إلى عائشة، يسألها، فقال لها: إنّ أبا هريرة، يقول: من أصبح جنباً فلا صوم له. فقالت عائشة: قد كان رسول الله (ص) يجنب، ثم يتمّ صومه. فأرسل إلى أبي هريرة، فأخبره أنّ عائشة قالت: إنّ رسول الله (ص) كان يجنب ثم يتمّ صومه! فكفّ أبو هريرة» (83) . لذلك، كان طبيعياً أن يجيب مسروق، حين سئل: «هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال: والذي لا إله غيره، لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمد، يسألونها عن الفرائض» (84) .

l الغيرة... والجنس:

كانت الغيرة تسري في عائشة كالدم. ويبدو أنّ السبب الرئيس لتلك الغيرة هو الجنس. الجنس وحده. وكانت إذا غاب النبي عنها، تلاحقه، تتحسّس شعره وجسده لتتأكد من عدم رطوبته. يروى عنها، قولها: «فقدت رسول الله (ص)، فظننت أنه أتى بعض جواريه، فطلبته، فإذا هو ساجد، يقول: رب اغفر لي [أو]: فتحسّست، فإذا هو راكع» (85) . وفي رواية أخرى، قيل إن رسول الله «خرج من عندها ليلاً، قالت: فغرت عليه! فجاء، فرأى ما صنعت، فقال: مالك يائسة؟ أغرت! فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟ قال رسول الله (ص): أفأخذك شيطانك؟!» (86) . وفي رواية ثالثة، تقول: «التمست رسول الله (ص)، فأدخلت يدي في شعره، فقال: قد جاءك شيطانك! فقلت: أما لك شيطان؟ فقال: بلى، ولكن الله أعانني عليه، فأسلم!» (87) .

رغم كلّ ما سبق، لم تنجب عائشة - ولا غيرها من قافلة النساء الجميلات الفتيات: باستثناء مارية - من النبي. ورغم ادعاء ابن كثير (88) «أنها أسقطت منه ولداً سمّاه رسول الله (ص): عبد الله! ولهذا كانت تكنّى بأم عبد الله»، فالأرجح أنها «كانت تكنى بعبد الله بن الزبير، ابن أختها» (89) .

هذه المرأة المتفجرة، حُرِّم عليها الزواج، إلهياً هذه المرة، بعد النبي - ولم تكن آنذاك قد تخطت الثامنة عشرة!!! فهل يمكن أن يساعدنا ذلك في فهم خلفية ثوراتها العنيفة المتلاحقة؟

سؤال غير مشروع!!!

II

عائشة... والإفك

كان حديث الإفك في السنة السادسة (1) للهجرة، في غزوة بني المصطلق (2) . والقصّة أوردها بنوع من التفصيل، مسلم في صحيحه (3) ، حيث قال، نقلاً عن عائشة: «كان رسول الله (ص) إذا أراد أن يخرج سفراً، أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله (ص) معه... فأقرع بنا في غزوة غزاها (4) ، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله (ص)، وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله (ص) من غزوه ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني، أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقدي من جزع ظفار، قد انقطع، فرجعت، فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فحملوا هودجي، فرحّلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه.

كانت النساء إذ ذاك خفافاً (5) لم يهبلن ولم يغشهن اللحم؛ إنما يأكلهن العلقة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحّلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السن. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيمّمت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني، فيرجعون إلي. فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني، فنمت.

وكان صفوان بن المعطّل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي. ووالله ما يكلّمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة، غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش، بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني (6) .

وكان الذي تولّى كبره عبد الله بن أبي بن سلول. فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله (ص) اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي؛ إنما يدخل رسول الله (ص) يسلّم، ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني، ولا أشعر بالشرّ! حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو مبرزنا، ولا نخرج إلاّ ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا. وأمرنا أمر العرب الأول في التنزّه. وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها بيوتنا. فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمّها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مسطّح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب. فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قِبَل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح (7) ! فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبّين رجلاً قد شهد بدراً؟ قالت: أي هنتاه! أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي.

فلما رجعت إلى بيتي، فدخل عليّ رسول الله (ص)، فسلّم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله (ص).

فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه! ما يتحدّث الناس؟ فقالت: يا بنية، هوّني عليك، فوالله لقلّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها. قلت: سبحان الله! وقد تحدّث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. ثم أصبحت أبكي.

ودعا رسول الله (ص) عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله. فأما أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله (ص) بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما عليّ بن أبي طالب، فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول الله (ص) بريرة، فقال: أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، إن رأيت أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام على عجين أهلها، فتأتي الداجن (8) ، فتأكله. فقام رسول الله (ص) على المنبر، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، فقال رسول الله (ص) وهو على المنبر: يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً! ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي (9) ! فقام سعد بن أبي معاذ الأنصاري، فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أخوتنا الخزرج (10) ، أمرتنا ففعلنا أمرك! فقام سعد بن عبادة، وهو سيّد الخزرج - وكان رجلاً صالحاً ولكن اجتهلته الحمية (11) - فقال لسعد بن معاذ: كذبت! لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله (12) ! وقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت! لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين! فثار الحيّـان الأوس والخزرج، حتى همّوا أن يقتتلوا. ورسول الله قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا.

[وأخيراً... تدخّل الله]

وبكيتُ يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أنّ البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي. فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله (ص)، ثم جلس. ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني بشيء. فتشهد رسول الله (ص) حين جلس، ثم قال: أمّا بعد، يا عائشة، فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب (13) ، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله (ص) مقالته، قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله (ص) فيما قال! فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله (ص)! فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله (ص)! فقلت؛ وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: إني - والله - لقد عرفت أنكم سمعتم بهذا حتى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به؛ فإن قلت لكم: إني بريئة! لا تصدقون بذلك! وإن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني بريئة، لتصدقونني. وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال (14) أبو يوسف: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».

ثم تحوّلت، فاضطجعت على فراشي، وأنا - والله - حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي. ولكن - والله - ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يوحى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عزّ وجلّ فيّ بأمر يتلى. ولكني - والله - كنت أرجو أن يرى رسول الله (ص) رؤيا، يُبرئني الله بها. فوالله، ما رام رسول الله (ص) مجلسه،
ولا خرج من أهل بيته أحد، حتى أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشتات من ثقل القول الذي أنزل عليه. فلما سري عن رسول الله (ص)، وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلّم بها، أن قال: أبشري يا عائشة! أما الله فقد برّأك! فقالت لي أمي: قومي إليه؛ فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي (15) .

فأنزل الله عزّ وجلّ «إنّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم»، عشر آيات (16) . فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات (17) ، براءتي. فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة‍ ؛ فأنزل الله عز وجل «ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى»، إلى قوله، «ألا تحبّون أن يغفر الله لكم» - قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله - فقال أبو بكر: إنّي لأحب أن يغفر الله لي! فرجّع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبداً (18) .

قالت عائشة: وكان رسول الله (ص) سأل زينب بنت جحش، زوج النبي (ص) عن أمري: ما علمتِ؟ أو: ما رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً! قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي (ص)، فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش، تحارب لها، فهلكت فيمن هلك (19) ...

[الإفكيون]

كانت عائشة تكره أن يسبّ عندها حسان [بن ثابت، وهو أحد الذين ساهموا في نشر القصة]، وتقول: فإنه قال:

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

وزاد أيضاً...

قالت عائشة: والله إنّ الرجل الذي قيل له ما قيل، [أي: صفوان بن المعطل]، ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده، ما كشفت عن كنف أنثى قط! ثم قتل بعد ذلك شهيداً، في سبيل الله!...

وكان الذي تكلموا به، مسطح وحمنة وحسان (20) ، وأما المنافق عبد الله بن أبي، فهو الذي يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره، وحمنة (21) » (22) .

ويضيف ابن هشام (23) ، إنّ النبي «خرج إلى الناس، فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه في القرآن من ذلك، ثم أمر بمسطح بن أثانة وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدّهم» (24) .

لكن ألا يحق لنا أن نتساءل: ما هو سرّ تدخل الله الغريب هذا في تهمة تخصّ مراهقة لم تبلغ الخامسة عشر من العمر - تهمة عادية في ذلك الزمان - (وقد صوبتها عائشة بعد ذلك، كما لاحظنا، لمارية ذاتها، لكن الغريب أن النبي لم يضربها الحدّ) نظراً لنوعية العلاقات في المجتمع الإسلامي الأول؟ وهل مسألة الإفك التي يبذل التراثيون الإسلاميون أقصى جهدهم لإزالة كلّ ملابساتها عن عائشة، والتي لا تتعدّى كونها علاقة عابرة بين رجل وامرأة لم تؤذ أحداً، أكثر شناعة من يوم الدار وحرب الجمل حيث قتل ألوف المسلمين وتحطّم النظام الراشدي؟ ولماذا لم يتدخل الإله أيضاً لإزالة الشبهات عن عائشة في تلك الحوادث الرهيبة؟

ذيول إفكية

قال ابن عبّاس: «من أذنب ذنباً، ثم تاب منه، قبلت توبته: إلا من خاض في أمر عائشة! وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك».

وكان النبي يقول عن صفوان بن المعطّل: «إن صفوان خبيث اللسان، طيب القلب» (25) . من ناحيته، كان حسّان، شاعر النبي، قد هجا (26) صفوان بقوله:

«أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا

وابن الفريعة أمسى بيضة البلد» (27)

تقول إحدى الروايات، «إنّ ثابت بن عيسى بن الشماس وثب على صفوان بن المعطّل، حين ضرب حسّان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث ابن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة، فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف؟! والله ما أراه إلا قد قتله؛ قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله (ص) بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله! قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل! فأطلقه. ثم أتوا رسول الله (ص)، فذكروا له ذلك، فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل؛ فقال ابن المعطّل: يا رسول الله، آذاني وهجاني، فاحتملني الغضب، فضربته! فقال رسول الله (ص) لحسان: أحسن يا حسّأن، أتشوهت على قومي إذ هداهم الله للإسلام؟! ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك! قال: هي لك يا رسول الله» (28) .

ويذكر ابن كثير (29) : «ثم أنّ صفوان بن المعطّل اعترض حسّان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما كان يقول فيه، فضربه ثم قال (30) :

تلقَ ذباب السيف عني فإنني

غلام إذا هوجيت لست بشاعر

فذُكر ذلك لرسول الله (ص)، فدعا حسّان وصفوان بن المعطّل، فقال صفوان: هجاني يا رسول الله وآذاني، فضربته؛ فقال رسول الله (ص) لحسّان: أحسن يا حسّان. قال: هي لكَ يا رسول الله؛ فأعطاه رسول الله (ص) عوض عنها بيرحاء، وهي قصر بني حديلة (31) ؛ وأعطاه سيرين، أمة قبطية، وهي أخت مارية، أم ابراهيم ابن رسول الله، فولدت له عبد الرحمن» (32) .

وفي رواية من أسد الغابة (33) ، يقال: «إن رسول الله (ص) جلد الذين قالوا لعائشة ما قالوا، ثمانين جلدة: حسّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش (34) . وكان حسّان ممن خاض في الإفك، فجُلد فيه في قول بعضهم: وأنكر قوم ذلك، وقالوا: إن عائشة كانت في الطواف ومعها أم حكيم بن خالد بن العاص، وأم حكيم بن عبد الله... فذكرتا حسّان، فسبّتاه، فقالت عائشة: إني لأرجو أن يدخله الله الجنّة بذبّه عن النبي (ص) بلسانه! أليس هو القائل:

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

وبرّأته من أن يكون افترى عليها. فقالتا: ألم يقل فيك؟ فقالت: لم يقل شيئاً؛ لكنه الذي يقول:

حسان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فإن كان ما قد قيل عني قلته

فلا رفعت سوطي إلى أناملي»

وفي نص ابن هشام (35) ، «أن امرأة مدحت حسان بن ثابت عند عائشة، فقالت:

حسان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الفوافل

فقالت عائشة: لكن أبوها».

شبق ابن المعطّل:

مقابل أسطورة بتولية ابن المعطّل التي روّجت لها عائشة، تذكر لنا مصادر إسلامية نصّاً معارضاً، يقدّم ابن المعطّل، كائناً مسكوناً بالشبق. يقول ابن منظور (36) ، على سبيل المثال: «جاءت امرأة إلى رسول الله (ص)، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المعطّل... يفطرني إذا صمت... وصفوان عنده... فسأله عمّا قالت، فقال: يا رسول الله... أما قولها يفطرني إذا صمت، فإنها تنطلق فتصوم، وأنا رجل شاب فلا أصبر». ويكمل أبو داود (37) : «فقال رسول الله (ص): لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها».

إدخال الله في تفاخر النساء

كما أشرنا، فإن تدخّل الله في القضايا الشخصية لزوجات النبي، كان موضع تفاخر بينهن. يذكر ابن كثير في تفسيره (38) : «تفاخرت زينب وعائشة (رض)، فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي من السماء!!! وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتاب الله!!! حين حملني صفوان بن المعطّل على الراحلة! فقالت لها زينب: يا عائشة! ما قلت حين ركبتها؟ قالت، قلت: حسبي الله ونعم الوكيل!».

من ناحية أخرى، يبدو أنه كان يحق لعائشة تفاخر إضافي في حديث غير إفكي، لعب فيه ضياع العقد ، الذي كان سبب المشكلة في الحدث الإفكي ، والإله ، الذي حلّ المشكلة الإفكية ، الدورين الرئيسين. يذكر النسائي (39) عن عائشة، قولها: «خرجنا مع رسول الله (ص) في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو ذات الجيش، انقطع عقد لي. فأقام رسول الله (ص) على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فأتى الناس أبا بكر (رض)، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله (ص) وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر (رض) ورسول الله (ص) واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبست رسول الله (ص) والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء... فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فما منعني من التحرّك إلاّ مكان رسول الله (ص) على فخذي. فنام رسول الله (ص) حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم. فقال أسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته» (40) .

رواية أخرى، تقدّم تفاصيل إضافية، نجدها في المرجع ذاته (41) : تقول عائشة «إنّها استعارت من أسماء [أختها] قلادة، فهلكت، فأرسل النبي (ص) أناساً في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي، شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم. فقال أسيد بن حضير: جزاكِ الله خيراً! فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله!!! لكِ مخرجاً وجعل للمسلمين فيه بركة» (42) .

ذَكَر آخر: تدخّل إضافي لله

طلحة بن عبيد الله هو ابن عم لعائشة؛ وهو الذي حاولت إيصاله، بكلّ الطرق، إلى سدّة الخلافة، وحاربت لأجل ذلك، كما لاحظنا، عليّ بن أبي طالب، في حرب الجمل. يروى (43) «أن طلحة، لما نزلت آية الحجاب، قال بمحضر نقل عنه إلى رسول الله (ص): ما الذي يغنيه من حجابهن اليوم؟ فسيموت غداً، فننكحهن». وذكر الزمخشري في الكشاف (44) ، إنّ بعضهم قال بعد نزول آية الحجاب: «أنُنهى أن نكلّم بنات عمنا إلا من وراء حجاب؟! لئن مات محمد لأتزوجن عائشة... [وهو] طلحة، قال: لو قد مات محمد، لأتزوجن عائشة (رض). فأنزل الله تعالى:«وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله» [أحزاب 53]». ويفسّر ابن كثير (45) الآية السابقة، فيقول: «نزلت في رجل [يقول ابن سعد: «نزلت في طلحة بن عبيد الله لأنه قال: إذا توفي رسول الله تزوجت عائشة»]، همّ أن يتزوج بعض نساء النبي (ص) بعده؛ فقال رجل لسفيان: أهي عائشة؟ قال:ذكروا ذلك.. وذكروا بسنده عن السدي أنّ الذي عزم على ذلك طلحة (46) بن عبيد الله».

وتقول رواية أخرى (47) : «إنّ رجلاً أتى بعض أزوج النبي (ص)، فكلّمها وهو ابن عمها، فقال النبي له: لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك هذا. فقال: يا رسول اللّه ! إنّها ابنة عمي، والله ما قلت منكراً ولا قالت لي. قال النبي (ص): قد عرفتَ أنه ليس أغير من الله، وليس أحد أغير مني. فمضى الرجل، ثم قال: يمنعني من كلام ابنة عمّي، والله لأتزوجنها من بعده. وسمّت الروايات الرجل وهو طلحة بن عبيد الله، وسمّت أم المؤمنين عائشة... وبلغ النبي (ص) أن رجلاً، يقول: لو قد توفي النبي (ص)، تزوجت فلانة بعده، فنزلت آية: «وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله». وقال ابن عباس: نزلت في رجل همّ أن يتزوج بعض نساء النبي (ص) بعده. وذكروا أنها عائشة؛ وأخرج عن السدي، قال: بلغنا أنّ طلحة بن عبيد الله، قال: أيحجبنا عن بنات عمّنا ويتزوج نساءنا! لئن حدث به ما حدث، لنتزوجّن نساءه بعده».

III

الحجاب، ورضاع الكبير، ومصحف عائشة

الحجاب، كمعظم القضايا الإسلامية، مسألة لا سبيل إلى استيعابها أو فهمها أو الإحاطة بكافة جوانبها. الحجاب، في الإسلام، هو التناقض بعينه: ولا يبدو أن هنالك مقاربة عقلانية لهذه القضية حتى الآن!

الحجاب، في مذاهب المسلمين الخمسة، ينطبق فقط على المرأة المسلمة «الحرّة»: على كلّ مسلمة «حرّة» أن تغطي سائر جسدها عدا الوجه والكفين. وتتشدّد بعض المذاهب في اعتبار أنه حتى الوجه والكفين «عورة» يفضّل تغطيتهم. بالمقابل، فإن حجاب المسلمة «الأمة»، هو بين السرّة والركبة. بل إنّ بعض المذاهب تجعل عورتها محصورة في فتحتي القبل والدبر. وتزداد المسألة تعقيداً، إذا ما عرفنا أن بعض المذاهب - راجع ابن عابدين في حاشيته (1) ، مثلاً - تفرض الحجاب على الشاب المسلم الجميل. فكيف يمكن حلّ تناقضات الحجاب هذه؟

باختصار شديد، نقول: إن الإسلام، كدين ذكوري بلا منازع ، يهمّه تلبية غريزتي التملّك والجنس عند الذكر إلى الدرجة القصوى - وغالباً ما يكون ذلك على حساب الأنثى. فالأنثى الملفعة بالسواد، الحرّة، التي لا تراها الشمس، هي التلبية المثلى لغريزة التملك عند الذكر؛ بالمقابل، فالجارية العارية، التي تنتقل من ذكر إلى ذكر، والتي تنحصر وظيفتها في إشباع أعمق رغبات الذكر الجنسية، هي التلبية المثلى لغريزة الجنس عند الذكر. المرأة في الإسلام أنثى، متاع، شيء - ولا شيء غير ذلك! لكن: ما هي ظروف فرض الحجاب؟ يقول القرطبي: « لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله (ص) أن يأمرهن بارتداء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن، وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكُنف، فيقع الفرق بينهن وبين الإماء... وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة، فتصيح به فيذهب، فشكوا ذلك إلى النبي (ص)، فنزلت الآية » (2) .

إذاً، رغم الملائكية التي يطبع بها كتّاب هذا العصر من الإسلاميين مجتمع الجماعة الاسلامية الأولى، فالحقيقة مغايرة تماماً. يخبرنا ابن كثير في تفسيره (3) : «وكان ناس من فسّاق أهل المدينة يخرجون بالليل، حين يختلط الظلام، إلى طرق المدينة، فيعرضون للنساء. وكانت مساكن أهل المدينة ضيّقة، فإذا كان الليل، خرج النساء إلى الطرق يبتغين حاجتهن. فكان أولئك الفسّاق يبتغون ذلك منهن. فإذا رأوا المرأة عليها جلباب، قالوا: هذه حرّة! فكفّوا عنها. وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب؛ قالوا: هذه أمة! فوثبوا عليها». ويزداد الأمر سوءاً حين تعلمنا إحدى الروايات، أنه «كان نساء النبي (ص) يخرجن بالليل لحاجتهن؛ وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فشكوا ذلك، فقيل ذلك للمنافقين، فقالوا: إنّما نفعله بالإماء! فنزلت هذه الآية» (4) - آية الحجاب (أحزاب 59). ويؤكد ذلك الطبري، حين يقول: « يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يتعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى » (5) . وهكذا، لمّا «كانت الحرّة تخرج فتحسب أنّها أمة فتؤذى... أمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمّر وجهها إلا إحدى عينيها» (6) .

ويؤكد ذلك قتادة، بقوله: « كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء » (7) . ويضيف مجاهد: « يتجلببن فيُعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة » (8) .

يذكر الزمخشري في تفسيره للآية 59 من سورة الأحزاب: «إنّ النساء كنّ في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار، فصل بين الحرّة والأمة؛ وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرّضوا للحرّة بعلّة الأمة؛ يقولون: حسبناها أمة! فأُمرن أن يخالفن بزيهن على زيّ الإماء، بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن فلا يطمع فيهن طامع؛ وذلك لقوله: «ذلك أدنى فلا يعرفن»؛ أي: أولى وأجدر بأن يعرفن، فلا يتعرض لهن ولا يلقين ما يكرهن» (9) .

وكان سفيان الثوري، يقول: «لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة؛ وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة، لا لحرمتهن. واستدلّ بقوله تعالى: «ونساء المؤمنين»؛ وقوله: «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين» - أي، إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر» (10) .

وكان عمر بن الخطاب يطوف في طرقات المدينة، فإذا رأى أمة محجبة، ضربها بالدّرة حتى يسقط الحجاب عن رأسها، ويقول: فيم الإماء يتشبهن بالحرائر؟ (11) .

حجاب نساء النبي:

يبدو أن حجاب نساء النبي كان يختلف عن حجاب سائر نساء المسلمين. والأرجح أنّه لم يكن يسمح لهن برؤية أحد، عدا النبي والمحارم. فعلى سبيل المثال، تخبرنا أم سلمة، أنها مُنعت حتى عن رؤية الأعمى، ابن أم مكتوم، الذي كان النبي يأمر النساء بأن تعتدّ عنده. تقول إنها كانت عند النبي، هي وميمونة، «فبينا نحن عنده، أقبل ابن مكتوم، فدخل عليه - وذلك بعد أن أُمر بالحجاب - فقال النبي (ص): احتجبن منه! قلنا: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟» (12) . ويقول اسحق الأعمى: «دخلت على عائشة، فاحتجبت مني، فقلت: تحتجبين مني ولست أراك؟ قالت: إن لم تكن تراني، فأنا أراك» (13) . - لكنها لم تفسّر لنا بالمقابل، كيف أرضت ضميرها برؤية كلّ هؤلاء المبصرين في حرب الجمل؟

تقول عائشة أيضاً: «كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة [والدة سودة زوجة النبي] منّي، فاقبضه! فلما كان عام الفتح، أخذه سعد... فقام عبد بن زمعة، فقال: أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه. فتساوقا إلى النبي (ص)، فقال سعد: يا رسول الله! ابن أخي، كان قد عهد إليّ فيه. فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه! فقال رسول الله (ص): هو لك يا عبد بن زمعة؛ ثم قال النبي: الولد للفراش، وللعاهر الحجر! ثم قال لسودة بنت زمعة، زوج النبي (ص): احتجبي منه! لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله» (14) .

كيف نزلت آية الحجاب: تناقضات!

كما سبق وأشرنا، فإنّ عمر بن الخطاب، كان يقول للنبي: «أحجب نساءك! فلم يكن رسول الله (ص) ليفعل. فخرجت سودة بنت زمعة، زوج رسول الله (ص)، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة! حرصاً(!!!) على أن ينزل الله الحجاب... فأنزل الله الحجاب» (15) .

بالمقابل، ثمة رواية أخرى منقولة عن عائشة، تقول: «كنت آكل حيساً مع النبي (ص) في مقب، فمرّ عمر فدعاه فأكل، فأصابت اصبعه اصبعي، فقال: حس! أو: أوه! لو أطاع ما رأتكن عين! فنزل الحجاب» (16) . ويدعم ذلك ابن عبّاس، فيقول: «نزل حجاب نساء رسول الله (ص) في عمر: أكل مع النبي (ص) طعاماً، فأصابت يده بعض أيدي نساء النبي، فأمر بالحجاب» (17) .

هنالك رواية بطلاها عمر بن الخطاب وزينب بنت جحش هذه المرّة، تقول: «روي أنه مرّ [عمر بن الخطاب] عليهن [نساء النبي] وهن مع النساء في المسجد، فقال: لئن احتجبتن، فإن لكنّ على النساء فضلاً، كما أن لزوجكن على الرجال الفضلّ! فقالت زينب (رض): يا ابن الخطاب! إنّك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا (كذا)! فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى نزلت» (18) .

رواية أخرى، أكثر عمومية، تقول: «إنّ عمر بن الخطاب كان يحب [كذا] ضرب الحجاب عليهن [نساء النبي] محبّة شديدة، وكان يذكره كثيراً، ويودّ أن ينزل فيه؛ وكان يقول: لو أطاع فيكنّ ما رأتكنّ عين! وقال: يا رسول الله، يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب! فنزلت» (19) .

مع ذلك، فإنّ حكاية زواج النبي من زينب بنت جحش وبعض الثقلاء الذين استمرّوا في جلوسهم طمعاً في الطعام، هي أكثر الحكايا تداولاً في التراث الإسلامي، كسبب لنزول آية الحجاب. يقول أنس: «لمّا أصبح رسول الله عروساً بزينب [بنت جحش]، دعا القوم، فأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي منهم رهط عند النبي (ص)، فأطالوا عنده القعود. فقام رسول الله، فخرج، وخرجت معه، حتى جئنا عتبة حجرة عائشة. ثم ظن أنهم خرجوا، فرجع، ورجعت معه، حتى دخل بيت زينب. فإذا هم قعود. ثم ظنّ أنهم خرجوا، فرجع ورجعت معه؛ فإذا هم قد خرجوا. فضرب بيني وبينه ستراً، ونزل الحجاب... [وكان ذلك] سنة خمس [للهجرة]» (20) .

لكن نساء النبي لم يكن يحتجبن من العبيد والمكاتبين، رغم أن هؤلاء لم يكونوا فاقدين لقدراتهم الجنسية. يقول ابن سعد في طبقاته : «نساء النبي كن لا يحتجبن من المملوكين والمكاتبين، فإذا اعتقوا [كذا] احتجبن منهم» (21) . ونعرف أيضاً أن «عائشة (رض) أباحت النظر إليها لعبدها، وقالت لذكوان: إنك إذا وضعتني في القبر وخرجت، فأنت حرّ» (22) .

بالمقابل، فقد كانت تحتجب من الحسن بن علي (23) ؛ ولما بلغ ابن عباس ذلك، قال: «إن رؤيته لها لحلّ» (24) .

إذن، نؤكد ثانية أن مسألة الحجاب في الإسلام، مسألة طبقية فحسب: أحرار وعبيد، زوجات وجوار. - هذا كله كان في قرن النبي، الذي قيل إنه كان أفضل القرون!!!.

من الذين أبيح لهم الدخول على نساء النبي: المخنثون. تخبرنا مصادر كثيرة أن مخنثاً يدعى هيث، «كان يدخل على أزواج النبي (ص)... وكانوا يعدّونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي (ص) وهو عند بعض نسائه [-في نص ابن منظور (25) ، هي أم سلمة -]، وهو ينعت لها امرأة، فقال: إنها إذا أقبلت، أقبلت بأربع، وإذا أدبرت، أدبرت
بثمان! فقال النبي (ص): لا أرى هذا يعلم ما ها هنا، لا يدخل عليكنّ هذا! فحجبوه» (26) .

لكن يبدو أنّ الأمور اختلطت بعد حرب الجمل، وخروج عائشة على النصّ القرآني. يُذكر أنه «لمّا دخل ابن عباس بعد الجمل على عائشة، بغير إذنها، قالت: يا ابن عبّاس، أخطأت السنّة المأمور بها، دخلت علينا بغير إذننا... فقال لها: لو كنتِ في البيت الذي خلّفك فيه رسول الله (ص)، ما دخلنا إلا بإذنك» (27) .

عائشة... وتحقير النساء!

لقد ساهمت أحاديث عائشة في الإساءة إلى النساء (28) ، بكافة طبقاتهن. ولا يمكن فهم هذا الكم من الأحاديث المعادية للأنوثة المنسوبة للنبي عبر عائشة، إلا إذا دخلنا إلى عائشة من بابها النفسي. فرغم مشاعرها الأنثوية المشتعلة، كانت عائشة على ما يبدو، في نوع من التناقض الضدّي، تكره هذه الأنوثة وتحقد عليها لأنها كانت تقف حائلاً بينها وبين تحقيق مطامحها المادية - السلطوية. وربما أنّ الندم الذي أطاح بها، بعد أن خسرت معركة الجمل، انعكس في دواخلها رغبة عارمة في التشدّد على الأنوثة، لأنها في لاوعيها، على ما يبدو، كانت مسكونة بعقدة الدونية الأنثوية، التي تمتصها الأنثى في المجتمع الذكوري بطواعية مخيفة، والتي تتجلى في الاعتقاد بأن المرأة لا تضع يدها في شيء إلا أفسدته.

رغم أن تجاوزات عائشة في مراحل حياتها المختلفة ترجح على تجاوزات كلّ نساء جيلها وتزيد؛ نجدها تقول: «لو أدرك رسول الله (ص) ما أحدث النساء، لمنعهن المساجد، كما منع نساء بني إسرائيل» (29) ؛ وفي رواية أخرى، تقول: «بينما رسول الله (ص) جالس في المسجد، إذ دخلت امراة من مزينة، ترفل في زينة لها، في المسجد؛ فقال النبي (ص): يا أيها الناس، ارفعوا نساءكم من لبس الزينة والتبختر في المسجد، فإنّ بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد» (30) .

تنسب عائشة للنبي حديثاً آخر، مفاده: «لا خير في جماعة النساء إلا في مسجد أو جنازة» (31) - لا تذكر هنا ركوب الجمل ومحاربة الخليفة؛ لكنها قد تكون مشمولة بهذا الحديث على اعتبار أنها أخرجت أكبر كمّ من الجنازات في عصرها؟!

البنات، بحديث آخر تزعم عائشة أن النبي قاله، بلاء: «من ابتلي من البنات بشيء فأحسن حجتهن، كن له ستراً من النار» (32) .

تنسب عائشة للنبي حديثاً آخر، يحطّ من قيمة المرأة حتى الحضيض، يقول: «المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وهي يستمتع بها [كذا] على عوج فيها» (33) . لذلك، فهو يقول، كما تزعم: «لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أنّ رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل» (34) .

تروي عائشة، أنه كان لها غلام وجارية، فأرادت أن تعتقهما، فذكرت ذلك للنبي، فقال لها: «ابدئي بالغلام قبل الجارية» (35) .

رغم خروجها على عثمان وعلي، حجّها دون إذن الخليفة، وحرب جملها الشهيرة، فهي تصرّ على أنّ النبي قال: «لا يصلح للمرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم لها» (36) . وتزعم أيضاً أنّه قال للنساء: «عليكن بالبيت فإنه جهادكن» (37) . وأخيراً فهي تورد حديثاً تنسبه للنبي، يتناقض بالكامل مع تصرفاتها، يقول: «أيّما امرأة مؤمنة (؟) وضعت خمارها على غير بيتها، هتكت الحجاب بينها وبين ربّها» (38) !

رضاع الكبير، والدجاجة التي أكلت... الآية؟!

امرأة من نمط عائشة، يستحيل عليها أن تجاهد في بيتها، وأن لا تهتك الحجاب بينها وبين ربّها. ومن هنا، جاءت أسطورة رضاع الكبير، مخرجاً ممتازاً، أتاح لها فرصة لقاء من تشاء، تحت مظلة شرع مطاطية.

تقول إحدى الروايات، شارحة أسطورة رضاع الكبير: «كانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات [بحيث يحرم عليها]؛ وبهذا قال الشافعي وأصحابه» (39) . و «كانت عائشة تفتي بهذه الفتيا. أخبرني سالم أنه دخل على أم كلثوم بنت أبي بكر لترضعه خمس رضعات، فأرضعته رضعتين أو ثلاثاً، فلم يدخل عليها. وأبى أزواج النبي (ص) أن يأخذن بها، وقلن: إنما هي رخصة من رسول الله (ص) لسهلة بنت سهيل» (40) . وسالم هذا هو «سالم بن عبد الله بن عمر» (41) .

يبدو أنّ سالماً هو محور كلّ هذه الأسطورة، فقبل أن تطلب عائشة إرضاعه من أم كلثوم كي يحرم عليها، كانت له أسطورة أخرى مع سهلة بنت سهيل في موقف مشابه؛ والسند، كالعادة، عائشة: «جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي (ص)، فقالت: يا رسول الله! إنّي أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم، وهو حليفه! فقال النبي (ص): أرضعيه! قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسّم رسول الله (ص)، وقال: قد علمت أنه رجل! وزاد عمر في حديثه: وكان قد شهد بدراً. وفي رواية ابن أبي عمر: فضحك رسول الله (ص)» (42) .

وفي رواية أخرى، عن عائشة أيضاً: «أنّ سالماً، مولى أبي حذيفة، كان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، فأتت، تعني، ابنة سهيل، النبي (ص)، فقالت: إنّ سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا، وإنّه ليدخل علينا، وإني أظن أنّ في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً! فقال لها النبي (ص): أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة. فرجعت، فقالت: إني قد أرضعته!!! فذهب الذي في نفس أبي حذيفة» (43) .

وفي رواية، تقول سهلة: «إنّ سالماً مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرجال، وعلم ما يعلم الرجال. قال: أرضعيه!!! تحرمي عليه» (44) ؛ وفي نص آخر، يقال إن سهلة قالت للنبي: «إنه لذو لحية؟! فقال: أرضعيه!!! يذهب ما في وجه أبي حذيفة» (45) .

في رواية منقولة عن عائشة، نحظى بتفاصيل إضافية: «أتت سهلة بنت سهيل بن عمرو، وكانت تحت أبي حذيفة بن عتبة، رسول الله (ص)، فقالت: إنّ سالماً مولى أبي حذيفة يدخل علينا، وأنا فضل!!!، وإنّا كنا نراه ولداً، وكان أبو حذيفة تبناه، كما تبنّى رسول الله (ص) زيداً، فأنزل الله «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله». فأمرها رسول الله (ص) عند ذلك أن ترضع سالماً، فأرضعته خمس رضعات، وكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. فبلغ ذلك عائشة، فكانت تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبّت عائشة أن يراها ويدخل عليها، وإن كان كبيراً!!! خمس رضعات، ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي (ص) أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس، حتى يرضع من المهد، وقلن لعائشة؛ والله ما ندري! لعلّها كانت رخصة من رسول الله (ص) لسالم ما دون الناس!» (46) . ويضيف نصّ آخر تفصيلاً هاماً، يقول: «إن عائشة زوج النبي (ص)، كان يدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها، ولا يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها» (47) . في رواية أخرى، نجد النبي يقول لسهلة: «فأرضعيه عشر رضعات ليدخل عليك كيف شاء، فإنما هو ابنك! فكانت عائشة تراه عامّاً للمسلمين، وكان من سواها من أزواج النبي (ص) يرى أنّها كانت خاصة لسالم مولى أبي حذيفة، والذي ذكرت سهلة في شأنه، رخصة له» (48) . وفي نصّ، يقال: «كانت رخصة لسالم» (49) . بالمقابل، تقول أم سلمة: «أبى سائر أزواج رسول الله (ص) أن يدخلن عليهن أحد بهذا الرضاع؛ وقلن: إنما هذا رخصة من رسول الله (ص) لسالم خاصة!!! وعائشة أخذت بذلك من بين أزواج النبي (ص)» (50) . وكانت أم سلمة تقول لها: «إنه ليدخل عليك الغلام الأيفع!!! الذي ما أحب أن يدخل عليّ! فعلمت عائشة: أما لكِ في رسول الله أسوة حسنة؟! قالت: إن امرأة أبي حذيفة، قالت: يا رسول الله، إنّ سالماً يدخل عليّ، وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء! فقال رسول الله (ص): أرضعيه حتى يدخل عليك» (51) .

هنا، لا بد أن نتساءل: هل يعقل أن تكشف امرأة عن نهدها لرجل بالغ غير محرم بالنسبة لها، في حين أنّ الإسلام يحرّم على المرأة كشف حتى شعرها على الرجل الغريب؟ وأي ذكر هذا الذي يمص نهد امرأة بالغة، في مجتمع مسكون بالجنس، دون أن تتحرك مشاعره أو يحرك مشاعرها؟.

من أكل الآية؟

لكن عائشة لا تكتفي بما تذكره من حديث نبوي لتبرير فعلتها في إدخال «الغلمان اليافعين عليها» عبر مصّهم لنهود أخواتها وبنات أخوتها، بل تجد للمسألة بعداً قرأنياً، فتزعم أنه «أنزل في القرآن [آية تقول] «عشر رضعات معلومات»، فنسخ من ذلك إلى خمس، وصار إلى خمس رضعات معلومات. فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك... وبهذا كانت عائشة تفتي وبعض أزواج النبي (ص)، وهو قول الشافعي واسحق. وقال أحمد بحديث النبي (ص): لا تحرم المصّة ولا المصتان؛ وقال: إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات، فهو مذهب قوي؛ وجبن عنه أن يقول فيه شيئاً! وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي (ص) وغيرهم: يحرم قليل الرضاع وكثيره إذا وصل إلى الجوف! وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأهل الكوفة...» (52) .

تؤكد عائشة وجود هذه الآية في القرآن، فتقول: «كانت فيما أنزل الله عز وجل من القرآن: عشر رضعات يحرمن. ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن. فتوفي النبي (ص) وهن مما يقرأ من القرآن» (53) . - فأين ذهبت هذه الآية الهامة للغاية؟!

تقول عائشة: «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها» (54) . وفي نص آخر: «لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشراً، فكانت في ورقة تحت سريري في بيتي، فلمّا اشتكى رسول الله (ص)، تشاغلنا بأمره، ودخلت دويبة لنا، فأكلتها» (55) . من ناحية أخرى، يقول ابن حزم: «وهذا حديث صحيح، وليس على ما ظنوا، لأن آية الرجم إذا نزلت حفظت وعرفت وعمل بها رسول الله (ص)، إلا أنّه لم يكتبها نسّاخ القرآن في المصاحف، ولا أثبتوا لفظها في القرآن» (56) .

بالمقابل، فالزمخشري، الذي ينتمي إلى التيار المعتزلي العقلاني الذي انقرض في الإسلام - ربما لأنه عقلاني؟ - يرفض المسألة برمتها، فيقول: «أمّا ما يُحكى أنّ تلك الزيادة [في القرآن] كانت في صحيفة في بيت عائشة (رض) فأكلتها الدواجن، فمن تأليفات الملاحدة والروافض» (57) . لكن الهامش الذي يفسّر النص، يرفض مزاعم الزمخشري، إذ يقول: «بل راويها ثقة غير متهم. قال ابراهيم الحربي في الغريب: حدّثنا هارون بن عبد الله أن الرجم أُنزْل في سورة الأحزاب، مكتوباً في خوخة في بيت عائشة. فأكلتها شاتها. وروى أبو يعلى والدارقطني والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي في المعرفة، كلّهم من طريق محمد بن اسحق بن عبد الله بن أبي بكر عن عائشة، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، انتهى! وكأن المصنف منهم أنّ ثبوت هذه الزيادة يقتضي ما تدعيه الروافض: أنّ القرآن ذهب منه أشياء، وليس هذا بلازم، بل هذا مما نسخت تلاوته وبقي حكمه، وأكل الدواجن لها وقع بعد النسخ» (58) .

من ناحية أخرى، فعمر بن الخطاب (59) ، في روايات كثيرة، يدعم ما تقوله عائشة، حين يتحدّث عن وجود آية الرجم، التي أسقطت من القرآن، والتي يرى أبي بن كعب أنها كانت موجودة في سورة الأحزاب؛ فقد قال: «كم تعدّون سورة الأحزاب؛ قلت [زر]: ثلاثاً وسبعين آية! قال: فوالذي يحلف به أبي بن كعب، إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول. ولقد قرأنا منها آية الرجم: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم» (60) .

لكن عائشة لم تكتف بادعاء سقوط آية الرضاع من القرآن فحسب، بل ادعت ايضاً أن بعض آياته تختلف في محتواها عن القرآن المتداول حالياً؛ يقول أبو يونس، مولى عائشة: «أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية، فآذني: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين»؛ فلما بلغتها، آذنتها، فأملت علي: «حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين»؛ قالت عائشة: سمعتها من رسول الله (ص)» (61) .

وروى عروة بن الزبير، أن عائشة قالت: «كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي (ص) مئتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف، لم نقدر إلا ما هو الآن» (62) - أي: ثلاث وسبعون آية. وروت حميدة بنت أبي يونس: «قرأ عليّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة! إن الله وملائكته يصلّون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً. وعلى الذين يصلّون الصفوف الأولى. قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف» (63) .

من ناحية أخرى، تذكر عائشة أنّ رجلاً «قام من الليل، فرفع صوته بالقرآن، فلما أصبح، قال رسول الله (ص): يرحم الله فلاناً، كائن من آية أذكرنيها، كنت أسقطتها» (64) . وتؤكد عائشة أيضاً أنّ النبي كان كثير النسيان، فتقول: «إن النبي (ص) كان إذا أشفق من الحاجة، يعني ينساها، ربط في خنصره أو في خاتمه الخيط» (65) .

IV

مصحف عائشة (1) (58 هـ)

ثمة مجموعة صغيرة من القراءات تُسند إلى عائشة ابنة أبي بكر وزوجة النبي الصغيرة. وباستثناء قراءة واحدة، ففي الحالات جميعاً نجد أن القراءات مدعومة من قبل المصادر القديمة الآخرى. لكنّ كلّ ما نعرفه من التقليد لا يدع أدنى شك بأنّ معرفة عائشة بالقرآن عند وفاة النبي كانت ضئيلة جداً. وهكذا، فكلّ القصص حول تعلّمها القرآن بإملاء النبي، أو أنّها واحدة من مجموعة صغيرة حفظت القرآن عن ظهر قلب أثناء حياة النبي، يجب إسقاطها باعتبارها تلفيقات لأناس لاحقين. لكن من المحتمل أنّها حفظت عن ظهر قلب بضع مقاطع كانت تستخدمها الجماعة في صلاتها. ومن المحتمل أيضاً أنّ النبي علّمها مقاطع قليلة. ويمكن أيضاً أن اختلافات القراءة التي تعزا لها مأخوذة عن الطريقة التي تعلمت أن تقرأ بها مقاطع بعينها قبل نشر النص العثماني؛ مع أنّها، من ناحية أخرى، ربما لا تكون غير اختلافات قراءة رُبطت باسمها كي تعطى موثوقية.

تبدو احتمالية أن تكون امتلكت مصحفاً خاصاً بها بالاعتماد على مجموعة من المواد سابقة للنص العثماني بعيدة جداً. وقصة مصحف عائشة في كتاب ابن أبي داود، ص83 وما بعد، إنّما تشير بوضوح إلى نسخة عثمانية معيارية اختطتها لنفسها والتي ألحّت أنه أقحم فيها بضع تفاصيل اعتقدت أنها حذفت بغير وجه حق من قبل عثمان ولجنته. وقصة البخاري (2) حول الرجل العراقي الذي سألها أن تريه مصحفها لأنّه أراد ترتيب صفحاته بحسب ترتيبها لمصحفها تبدو وكأنها تشير إلى نسخة من النص العثماني مرتّبة مواده بحسب زمن النزول. والقرآن في السورة 23: 56، مع إضافة «والذين يصلّون في الصفوف الأولى»، التي يقدّمها ابن أبي داود (ص85) من مصحفها، ربما تشير إلى مصحف مستقلّ، لكن الأرجح أنّها قراءة قديمة عزيت لعائشة لاحقاً.

القراءات المختلفة

السورة الأولى: الآية 4: « مالك » قرأتها « ملك »، مثل سعد بن أبي وقاص.

السورة الثانية: الآية 184: « يطيقونه »، قرأتها: « يُطَوِّقُونَهُ »، مثل مجاهد وابن عباس، لكن بعضهم قال: « يَطَّوَّقُونَهُ ».

الآية 238: « والصَّلوة الوسطى »، قرأتها: « والصَّلوة الوسطى وصلوة العصر »، مثل أبيّ وحفصة.

السورة الرابعة: الآية 117: « إناثاً »، قرأتها « أُنُثا » مثل ابن عباس، لكن آخرين، قالوا: « أوثاناً » مثل أبو سوار، وقال غيرهم « وثناً » مثل أيوب السختياني، وقال غيرهم: « أنثاً ».

السورة الخامسة: الآية 69: « والصابئون »، قرأتها: « والصابئين » مثل أبيّ وآخرين. لكن هذا قد لا يعني غير أنها لاحظت الخطأ القواعدي الموجود في القرآن هنا.

السورة العاشرة: الآية 63: « إن هذان »، قرأتها: « إن هذين »، مثل قراءة أبو عمر. وهذا أيضاً يعني أنها أدركت الخطأ القواعدي الموجود في القرآن هنا.

السورة الحادية عشرة: الآية 98: « حصب »، قرأتها: « حَطَب »، مثل علي، ابن الزبير، وغيرهما.

السورة الثالثة عشرة: الآية 60: « يؤتون ما آتوا »، قرأتها: « يأتون ما أتوا »، مثل ابن عباس، قتادة والنخعي.

السورة الثالثة والثلاثون: الآية 56: « على النبي »، قرأتها: « على النبي والذين يصلّون الصفوف الأولى »، وقال بعضهم: « يصفّون » بدل « يصلّون ».

السورة السادسة والثلاثون: الآية 72: « ركوبهم »، قرأتها: « ركوبتهم »، مثل أُبيّ.

السورة السادسة والسبعون: الآية 21: « عاليهم »، قرأتها: « علتهم » .

السورة الحادية والثمانون: الآية 24: « بضنينٍ »، قرأتها: « بظنين »، مثل ابن مسعود، ابن عباس وغيرهما.

السورة الثانية بعد المئة: الآية 1: « ألهكم »، قرأتها: « أألهكم »، مثل ابن عباس وابن الجوزاء.

كلمة النهاية

لا بد أن يتساءل المرء عن سر كلّ هذه الكتابات النقد - إسلامية التي «تفيض» عنّا بكرم غير مسبوق! هل هو العداء للإسلام؟ لا، فالعدائية بين ذات وموضوع أقرب ما تكون إلى العبث!!! هل هي العدائية للمسلمين؟ هنا، لا بد أن نقف!

إنّ مقولة العدائية للمسلمين لا يمكن أن تنطبق علينا بأية حال! فإلى جانب انتمائنا الشخصي إلى الأرومة الإسلامية - رغم أن هذا ليس كافٍ بحد ذاته كحجة غير مرفوضة في سياق من تلك النوعية - فنحن نتمسّك بالانتماء إلى منطقة ذات غالبية إسلامية بأصابعنا وأسناننا، ونرفض أي وطن علماني بديل مهما بدت المغويات مبهرة، والمنفّرات في أرض الوطن مقزّزة - وهذا هو تحديداً سرّ‍ نقديتنا الإسلامية العنيفة التي تتاخم أحياناً حدود التهكّم.

إنّ انغماسنا في وطن إسلامي هو تحديداً سبب نقديتنا العنيفة للإسلام. فنحن لم نشعر قط باللاانتماء إلى هذا الوطن: وربما لن نشعر؟ ولأن هذا الانتماء يمتصنا، فنحن ممتلكون من مسؤولية لا تُحدّ حيال شعب الوطن الذين هم في غالبيتهم، كما قلنا، من المسلمين. والمسلمون كلهم في خطر: هنالك مؤامرة تسحقهم كلّ يوم - مؤامرة متواصلة - اسمها، للأسف، الصورة المتداولة للإسلام.

الصورة المتداولة للإسلام عدوة للمسلمين؟ سؤال غريب مستهجن لا بد أنه سيفتح شهية التكفير عند المستفيدين من تواصلية متحف الشمع السقيم في اغتصاب عقول منفعلة لملايين «الأحياء» من المسلمين!

الصورة المتداولة للإسلام عدوة للمسلمين - مقولة مخيفة! ربما تثير كلّ ما هو عدائي في أعصاب كلّ من هو مسلم!

لكننا سنتساءل بواقعية: ماذا لو فتحت دول الغرب (أو اليابان) المتحضّرة «الكافرة» أبوابها للمسلمين؟ كم سيبقى منهم في ديار الإسلام وتحت راياته؟

باستثناء تلك الدول القابعة على نفط لم تصنعه أو تخترعه، والتي ستعود إلى سابق عهدها من البداوة مع نضب النفط من عروقها واستنزاف موارده في جيوب مستورديه، لأنها دول تستهلك الحضارية لا تبدعها ( البدعة ضلالة )، فلا أعتقد أنه سيبقى مسلم - إلا ما ندر - في بلاده، وتحت رايات إسلامه.

أليس هذا أحد أشكال التناقض الذاتي؟ المسلمون يكرهون الغرب ويكفّرونه ويبذلون الغالي والرخيص في الوقت ذاته كي يجدوا لأنفسهم «مرقد معزة» تحت شمس حضارته! المسلم، في تناقض ذاتي قاتل، يشتم الغرب ويحلم بحريته! المسلم، في أسوأ أنواع الفصام، يقرف من التحلّل الأخلاقي (كذا) في مجتمعات الغرب، ويتمنى لو استطاع أن يمتلك يوماً الحد الأدنى من حقوق الإنسان في تلك المجتمعات. وتزداد المأساة شمولية حين نعرف أن شيوخ المسلمين - وهم المسيطرون الفعليون منذ مئات السنّين على مجتمعات متحف الشمع - يفسّرون، كذباً، لعوامهم أنّ سبب انتقال الحضارة من العالم الإسلامي (كذا) إلى عالم الكفر هو الابتعاد عن الإسلام. فهل هذا صحيح؟

الصحيح هو العكس تماماً: فكلما زاد اقتراب المسلم من الصورة المتداولة للإسلام، زاد ابتعاده عن الحضارة! واسأل أفغانياً! هل نفصّل ببعض أمثلة؟ سنحاول.

الحضارة لها «مقوماتها»: فما هو موقف الصورة المتداولة للإسلام من مقومات الحضارة؟

الحريات العامة والخاصة مسألة بالغة الأهمية في خلق مجتمع متحضر - حر: فإلى أي مدى يمكن القول إن الصورة المتداولة للإسلام تقرّ بالحريات عموماً؟ لا بأس من ذكر محطات تاريخية حرجة ومفاهيم أُصّلت إسلامياً للإجابة على سؤال كهذا؟ حروب الردّة؛ حادثة سقيفة بني ساعدة؛ قتل ابن الوليد لبني جذيمة؛ ما حدث لبعض الأفراد في فتح مكة، الذين قتلوا رغم تعلّقهم بأستار الكعبة؛ قتل كلّ من راودت له نفسه هجاء النبي أثناء حكم الأخير في المدينة؛ حرب الجمل؛ كربلاء؛ صفين؛ الحرة... مفاهيم على شاكلة ديار الإسلام وديار الكفر؛ أحكام أهل الذمة؛ الموقف من أتباع الديانات غير اليهودية أو المسيحية؛ الموقف من الإلحاد أو اللاأدرية؛ الموقف من العقل - كلّ ذلك يشير في اتجاه رفض الصورة المتداولة للإسلام الكامل للرأي الآخر (حتى ضمن الإسلام ذاته)؛ ودون رأي آخر لا حركية فكرية وبالتالي لا تقدّم في ارتقائية العقل التصاعدية.

الاقتصاد؟ الصورة المتداولة للإسلام معادية لكل ضروب الاقتصاد الحضاري. هل ثمة من يجادل بعقم الأزمة الاقتصادية في معظم بلاد الإسلام وتدافع أبناء تلك البلاد على الهجرة إلى دار الكفر حتى وإن اقتضى الأمر المخاطرة بحياتهم؟ هل عند الصورة المتداولة للإسلام بديل لمقولة «تناكحوا فإني مفاخر بكم الأمم»؟! هل يوجد مسلم أوحد لا يعتقد أنّ الطفل يطلّ على هذا العالم وتحت إبطه رزقه؟ أليس هذا الاعتقاد السوداوي هو علّة العلل في الوضع الاقتصادي المتراجع الذي تعيشه المنطقة العربية عموماً هذه الأيام؟ وأية حكومة عبقرية تلك التي باستطاعتها علاج أزمات شعب يتضاعف كلّ عشر سنوات، يصحّر الأراضي ويجفف الأنهار والموارد؟

حقوق الإنسان ركيزة أخرى من ركائز الحضارة. لكن حقوق الإنسان جملة سيئة السمعة في أذني كلّ شيخ، لأنها تعني ببساطة سحب البساط من تحت ساقيه. والأدهى أن المسلم، في تناقض ذاتي لا حلّ له، يطالب بحقوقه كإنسان حيثما حلّ - جوقة الندب الإسلامية ناشطة في كلّ دول العالم المتحضر، والتي تتبرع محطات النفط التلفزيونية في نقل حفلات زارها إلى كلّ بيت - ويندب مصادرة تلك الحقوق من الفيلبين إلى الولايات المتحدة ؛ في حين يرى ببراءة ساذجة أنه من البديهي أن لا يمتلك الآخر المخالف في الرأي أيّ حق إنساني (إلا إذا تفضل عليه المسلم بذلك) في دار الإسلام.

مثال 1:

السعوديون يملأون الكون ضجيجاً، كعادة البدائيين في التعبير عن ذواتهم، بأنهم يعمّرون بيوتاً لله في كلّ مكان من دار الكفر؛ بل لقد بلغت الوقاحة بهم أنهم اشتكوا من أنّ الإيطاليين رفضوا أن يجعلوهم يعلون إحدى مآذنهم المتاخمة للفاتيكان فوق قبة إحدى كنائس عاصمة المسيحية الأشهر؛ في حين يحرّمون على من هو غير مسلم التعبير عن إيمانه علناً، بأية طريقة كانت، في مملكتهم المقدسة!

مثال 2 :

في إيران الخمينية، التي تحاول خلق انطباع ديمقراطية من نوع معين (- الديمقراطية الموجّهة أسوأ أنواع الدكتاتورية - ) للإدعاء، زوراً، بديمقراطية الصورة المتداولة للإسلام، فتحت أبواب ندب الديمقراطية - وهم، إرثياً، سادة الندب كما قلنا في «كلمة البداية» - على مصراعيها حين طردت فتاتان «محجبتان» من إحدى المدارس الفرنسية العلمانية [وهما غير فرنسيتين أصلاً؛ وموجودتان مع أسرتيهما في فرنسا للاستفادة من ظروف هذا البلد العلماني الاقتصادية] لرفضهما خلع الحجاب، الهوية الفعلية للإسلام السياسي الأنثوي؛ بالمقابل، فإن هذا الحجاب، سيّد القضايا المتناقضة في الإسلام، مفروض دون مبرر في إيران الخمينية الزائفة الديمقراطية على الجميع، بمن فيهم الزرادشتية، المواطنة الإيرانية الأصيلة، أو أية زائرة غريبة، رماها سوء قدرها في ذلك البلد - بغض النظر عن أرضيتها الثقافية. «شرعهم، الذي يعتقدون بألوهة مصادره - لأنهم لا يعرفون الهالاخا جيداً - أكبر من الديمقراطية وأكثر أهمية: بما لا يقارن ».

مثال 3 :

كل وسائل الإعلام الإسلامية، عربية وغير عربية، تشارك في كربلاء متواصلة، حداداً على أوضاع المسلمين واضطهادهم في الفليبين. ورغم أن كربلاء مورو هذه لا تُدعم بأية أدلة وإلا لكانت وسائل الإعلام تلك عممتها بكل الأبهة الشعورية لرفع سوية هياج العامة إلى أعلى مستوياتها، إلا أن الجميع يطالبون بمنح هؤلاء المستضعفين - لديهم حركة قتالية ذات توجه متطرف إرهابي تسعى إلى زعزعة النظام والاقتصاد بكل الوسائل الممكنة - دولة مستقلة أو على الأقل حكماً ذاتياً ضمن الكيان الفليبيني، رغم ضآلة عددهم وتفاهة نسبتهم المئوية قياساً إلى باقي الشعب هناك. بالمقابل، فإنّ الاضطهادين الشعبي والرسمي للأقباط في مصر - وهو اضطهاد نمتلك شخصياً أدلة دامغة عليه، بغضّ النظر عما تذكره الصحف المصرية بين الفينة والأخرى - يصل أحياناً إلى حدود تذكرنا بأيام العبودية وتبعاتها: أيام اعتبار أحدهم أن الآخر ملكه؛ أنه شيء ، متاع - أي: التطبيق الحرفي لأحكام أهل الذمة السيئة الصيت. والأقباط المصريون هم السكان الأصليون، أصحاب الوطن الفعليون (من قبط، جاءت كلّ تسميات مصر، التي هي، بالمناسبة، التسمية الحاخامية اليهودية التي لم يستعرها منهم شعب إلا نحن)، ونسبتهم العددية غير قليلة، رغم كلّ قسريات الردّة والإكراه على ترك الدين - هذا كله رغم أنف الإعلام الرسمي المصري، الذي نعتقد أنّ القائمين عليه مصريون مسلمون عموماً، ولم يستورَدوا من إحدى الدول المتحضرة التي تؤمن بحق الإنسان في الاعتقاد وممارسة ذلك الاعتقاد.

المرأة، التي تشكّل نصف المجتمع، والتي هي الرحم الذي تخرج منه تربية الجيل والتحكّم في ميوله المستقبلية وأسلوب نظرته للحياة، تعتبر أحد المعايير التي تستخدم لقياس مدى التحضر أو العكس. فما هي المرأة في الصورة المتداولة للإسلام؟ المرأة، باختصار، هي «متاع»؛ «ضلع أعوج يجب الاستمتاع به كما هو لأن تقويمه يكسره»؛ المرأة بنصف عقل وشهادتها بنصف شهادة - وحتى الآن، لا تسمح دولة الكويت الديمقراطية للمرأة بأن تنتخب، ولا تسمح لها معظم الدول الإسلامية بالوصول إلى مناصب بعينها لأنها غير كفؤ عقلياً. مع ذلك، فالمشايخ الذين يتحاشدون ليل نهار في محطات النفط التلفزيونية لا يملون الحديث عن تكريم الإسلام للنساء وإذلال الحضارات الغربية لهن.

الصورة المتداولة للإسلام، عدوة للحضارة، وهي بالتالي عدوة للمسلمين - لأنه، باستثناء المختلين عقلياً ونفسياً، لا يوجد من يرفض الحضارة.

المسلمون... ونحن

نحن، بالفعل، نشعر بانتمائنا العميق إلى المسلمين من أهل الوطن، مثلما نشعر بانتمائنا إلى غير المسلمين. وحين نبحث عن تحرير المسلمين من قيود الصورة المتداولة للإسلام، فذلك فقط لأننا نشعر برغبة لا ضوابط لها في انتقال المسلمين من صحراء التخلف والإرهاب إلى واحات الحضارة والحرية. كان باستطاعتنا أخذ موقف اللامبالاة؛ كان باستطاعتنا ترك الوطن والهجرة - والأمر أسهل من أن يوصف! لكن عمق إحساسنا بالانتماء يفرض علينا البقاء والمواجهة وتحمل كلّ الشتائم والإهانات والاتهامات لوضع لبنة واحدة في صرح الحضارة.

هذا الكتاب غير موجه ضد المسلمين؛ هذا الكتاب نقد للصورة المتداولة للإسلام؛ كشف للمسلمين عن حقائق دامغة يعمل كلّ مشايخهم كلّ ما في طاقتهم للحفاظ عليها محجوبة - كالمهدي - عن عيون أتباعهم: لا لسبب، إلا ليقتلوا فيهم الشك - والشك هو البداية الفعلية للتفكير: والتحرر.

هذا الكتاب، ونحن نعرف سلفاً أنه سيواجه بسيل عارم من التكفير والتكذيب والتشويه، مجرّد تجميع لمواد من مصادر سنّية - والسنّة هم الذين يهموننا، لأن الشيعة هم سادة التملّص من الحقائق وتزوير الأحداث - من الدرجة الأولى. ومن يطعن بصحة ما ورد فيه، إنما يطعن بصحة تلك المصادر وموثوقيتها.

هذا الكتاب، يظهر أيضاً، أن تلك المصادر المحاطة بسيوف التكفير، المرمية فوق سطوح القداسة، مليئة بالتناقض؛ برواية الحدث بأساليب متباينة؛ بخللها التاريخي؛ بتحيزها؛ برؤيتها للأمور من منظور معين.

هذا الكتاب يظهر أولاً، أن أكثر ما يسيء إلى النبي وصحابته وبيته، إذا اعتبرنا أن كثيراً من تلك الأخبار كاذبة، هو التراث الإسلامي ذاته، الذي لا يتوانى لحظة عن تصوير النبي بأشنع الصور؛ إظهار صحابته كجماعة لا يهمها سوى إشباع رغباتها الدنيوية والصراع فيما بينها على مواقع السلطة التي تضمن تلك الرغبات؛ وتقديم بيته كوكر للقتال والنزال والشبق!

هذا الكتاب: دعوة لإعادة النظر في التراث؛ دعوة لإعادة النظر في كلّ ما يُسلَّم به على أنه حقائق؛ دعوة إلى رؤيا أخرى.

نقدنا للصورة المتداولة للإسلام العنيف أحياناً والتهكمي أحياناً أخرى، لا يهدف إلا إلى حث المسلمين على إعادة النظر في بيتهم الداخلي، فالكلام عن مؤامرة خارجية لم يعد يجدي نفعاً - فمنذ عقود ووسائل الإعلام الإسلامية لا تكلّ ولا تملّ الحديث عن تلك المؤامرة المزعومة؛ ورغم كلّ هذا، فصيرورة التقهقر في درب الحضارة ما تزال في تنام متصاعد.

هل هنالك من يسمع صرختنا؟

نبيل فياض

الفهرس

صفحة لا بد منها ............................................................. 7

كلمة البداية ................................................................... 9

القسم الأول: عائشة في البيت النبوي .................................... 17

I - الزوجة... الطفلة .................................................. 19

II - أخلاق عائشة... والنبي .......................................... 27

III - أخلاق عائشة... ونساء النبي .................................. 35

IV - وفاة النبي... وعائشة ............................................ 81

القسم الثاني: عائشة... والخلفاء .......................................... 83

I - عائشة زمن أبي بكر وعمر ..................................... 85

II - عثمان بن عفان... وعائشة ..................................... 91

III - علي بن أبي طالب... وعائشة:

حرب أمير المؤمنين... وأمهم ................................. 117

IV - معاوية بن أبي سفيان... وعائشة ............................. 139

ملحق: عائشة... وحب المال ........................................ 145

القسم الثالث: عائشة، والجنس، والمصحف ........................... 149

I - الجنس في البيت النبوي... وعائشة ............................ 151

II - عائشة... والإفك .................................................. 165

III - الحجاب، ورضاع الكبير، ومصحف عائشة .............. 177

IV - مصحف عائشة .................................................. 191

كلمة النهاية ................................................................... 193

الفهرس ........................................................................ 199


² دون أن يطلب أحد منه ذلك، تنطّح شاب يبدو أنه سنّي متشيع، للرد على كتاب البوطي السيء الذكر ذاك. وكانت النتيجة عملاً مفعماً بالخرافة والحاخامية والطائفية البغيضة. وباستثناء تقديمه لمعجم شتائم البوطي، فالعمل لا يستحق أن يُقرأ. وننصح هذا الشاب، إذا ما أراد أن يكون باحثاً محترماً، برفع سويته الثقافية، معرفته باللغة العربية، وعقلانيته؛ وتخفيض سوية مذهبيته العمياء. إنّ أخذ نصوص من هنا وهناك، وتقديمها في عمل مطنب بعد عمليات « مونتاج » لا تخطئها عين الباحث الفعلي، لا يصنع باحثاً. بالمناسبة، إنّ مصيبة السنّي حين يتشيع هي أنّه لا يختار تياراً عقلانياً داخل التشيع، كالإسماعيلية مثلاً، بل يختار أكثر التيارات لا عقلانية داخل الإثني عشرية: باختصار، ينتقل من سنّي متطرّف إلى شيعي متطرّف.

بالمناسبة أيضاً، فقد ذكرنا هذا الشاب المتشيّع، أكثر من مرة، في عمله الطائفي الآنف الذكر؛ وقدّمنا تحت اسم « الصحفي »، الذي سبق وأشار إليه البوطي، بباطنيته الغبية، على سبيل الانتقاص: باعتبار أنّ الاثنين(كذا) باحثان، ونحن «صحفيون»، لا يمكن أن نرقى إلى سوية الباحثين... لا تعليق.

¯ يقول تفسيرنا النفسي المبسّط، في تعليل هذا التشدّد الشيعي، ذي النكهة الوهابية، في تطبيق ما يعتقد بأنه شريعة، إنّ تاريخ اضطهاد الشيعة وتكفيرهم وإخراجهم من حظيرة الدين هو السبب الأول والأخير لهذا التشدّد. فهؤلاء، الذين يسكن في لاوعيهم الجمعي لا إسلاميتهم في نظر المسلم الآخر، يحاولون أن يثبتوا، بشتى السبل، هذه الإسلامية - أولاً: لذواتهم؛ وثانياً: لغيرهم.

¯ نجهل أي شيء، باستثناء بعض التفاصيل الثانوية، حول محمد بين العشرين والأربعين: سن التكوّن الفكري عند المرء.

(1) يقول الطبري في حوادث السنة الهجرية الأولى: «فيها بنى رسول الله (ص) بعائشة، بعد مقدمه المدينة... وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، بعد وفاة خديجة، وهي ابنة ست سنين؛ وقد قيل: تزوجها وهي ابنة سبع» ( تاريخ 2: 117 - 118). ويقول ابن هشام: «تزوج رسول الله (ص) عائشة بنت أبي بكر الصدّيق بمكة، وهي بنت سبع سنين، وبنى بها بالمدينة، وهي بنت تسع سنين أو عشر» ( سيرة 2: 644).

(2) يقول الكامل : «فلما توفيت خديجة، نكح بعدها سودة بنت زمعة؛ وقيل: عائشة. فأما عائشة، فكانت صغيرة، بنت ست سنين... ودخل بها وهي ابنة تسع سنين، ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة، ولم يتزوج بكراً غيرها، وماتت سنة ثمان وخمسين» (2: 174 - 175). وفي البداية والنهاية ، يقال: «تزوج رسول الله (ص) عائشة، بعد خديجة بثلاث سنين، وهي يومئذ ابنة ست سنين. وبنى بها وهي ابنة تسع» (3 :131). وفي مروج الذهب ، قيل: «تزوج بعائشة (رض) قبل الهجرة بسنتين؛ وقيل: تزوجها بعد وفاة خديجة. ودخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر» (2: 283). وفي رواية أخرى من المرجع ذاته، قيل إن محمداً، حين كان في الرابعة والخمسين من العمر، «هاجر إلى المدينة... ودخل بعائشة وهي ابنة تسع، وتزوج بها قبل الهجرة وهي بنت سبع... وقبض وهي بنت ثمان عشرة سنة» (2: 288). وفي المنتظم يقال، إنه في السنة الهجرية الأولى، في شهر شوال، «بنى رسول الله (ص) بعائشة » (3: 7). وفي صحيح البخاري، قيل: «نكح [محمد] عائشة وهي بنت ست سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين» (2: 329). وفي طبقات ابن سعد، قيل: «تزوجها رسول الله (ص) وهي بنت تسع سنين، ومات عنها وهي ابنة ثماني عشرة» (8:48). وفي أسد الغابة ، قيل «كان عمرها لما تزوجها رسول الله (ص) ست سنين؛ وقيل: سبع سنين؛ وبنى بها وهي بنت تسع سنين بالمدينة» (5: 502). وفي رواية أخرى من صحيح البخاري، قيل: «تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بـنت تسـع، ومكثت عنده تسـعاً» (نكاح 4738) =

= (راجع: السمط الثمين 33). وفي مسند أحمد، تقول عائشة: «تزوجني رسول الله (ص)، متوفى خديجة، قبل مخرجه إلى المدينة، بسنتين أو ثلاث، وأنا بنت سبع سنين، فلما قدمنا المدينة، جاءتني نسوة وأنا ألعب في أرجوحة، وأنا مجممة، فهيأنني وصففنني، ثم أتين بي رسول الله (ص)، فبنى بي، وأنا بنت تسع سنين» (مسند الأنصار 25193).

(3) راجع: الاستيعاب ، ترجمة عائشة؛ نسب قريش ص237؛ الإصابة 38 - 40؛ المستدرك 14.حين صلّى عليه ابو هريرة، قال « بعض من حضر: صلّى عليها أعدى الناس لها » ( تاريخ اليعقوبي 238:2).

(4) من ذلك، مثلاً، ما أورده البخاري في صحيحه ، نقلاً عنها: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا رسول الله (ص) طرفي النهار: بكرة وعشية. ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه. وكان أبو بكر رجلاً بكّاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين» (الصلاة 456). وفي المرجع ذاته ، نجدها تقول: «لقد أنزل على محمد (ص) بمكة، وإني لجارية ألعب، « بل الساعة موعدهم أدهى وأمر » » (تفسير القرآن 4498). وما أورده الطبري في تاريخه عنها: « كان رسول الله (ص) لا يخطئه أحد طرفي النهار أن يأتي بيت أبي بكر إما بكرة وإما عشية » (377:2).

(5) يتناقض هذا مع قول عائشة: «بأن جبريل (ع) نزل بصورتي في راحة حين أمر رسول الله (ص) أن يتزوجني» ( الكشاف 3: 225).

(6) تاريخ 2: 410 - 411؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 19: 129: 9: 7.لكن المرجع السابق في احدى رواياته، 22: 194 : 7 :2 يقول، إن النبي تزوج بعد خديجة، سودة ثم أم سلمة ثم عائشة.

(7) في نص ابن سعد، يقال: «جاءت خولة بنت حكيم... فقالت: يا رسول الله! كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة!؟ فقال: أجل! كانت أم العيال وربة البيت! قالت: أفلا أخطب عليك؟ قال: بلى، فإنكن معشر النساء أرفق بذلك» ( طبقات 8: 46).

(8) هذا السؤال يرمي بشكوك إضافية حول زعم عائشة حين تباهت بأن جبريل [كذا] هو الذي أتاه بصورتها؟!.

(9) حول رفض أبي بكر، نورد الروايات التالية: «خطب رسول الله (ص) عائشة إلى أبي بكر الصدّيق، فقال: يا رسول الله! إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير، فدعني حتى أسلّها منهم. فاستلّها منهم، فطلقها، فتزوجها رسول الله (ص)»؛ «خطب رسول الله (ص) عائشة بنت أبي بكر، وهي صبية، فقال أبو بكر: أي رسول الله! أيتزوج الرجل ابنة أخيه؟! فقال: إنك أخي في ديني! قال: فزوجه إياها على متاع بيت قيمته خمسون.. فأتتها حاضنتها، وهي تلعب مع الصبيان، فأخذت بيدها، فانطلقت بها إلى البيت، فأصلحتها، وأخذت معها حجاباً، فأدخلتها على رسول الله» ( طبقات 8: 47)؛ «خطب [النبي] عائشة بنت أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك! فقال: أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال» ( البداية والنهاية 3: 131).

(10) في رواية السمط ، تقول عائشة: «تزوجني، ثم لبثت سنتين، فلما قدمنا المدينة، نزلنا بالسنح، في دار
بني الحرث بن الخزرج؛ قالت: فإني لأرجح بين عذقين، وأنا ابنة تسع، فجاءت أمي، فأنزلتني، ثم مشت بي، حتى انتهت بي إلى الباب وأنا أنهج، فمسحت وجهي بشيء من ماء، وفرقت جميمة كانت لي» (31 - 32).

(11) في سيرة ابن هشام (2: 644)، يقال إنه أصدقها «أربع مئة درهم».

(12) هذا النص يمكن أن يعني أن عائشة لم تكن زوجته الأولى بعد خديجة.

(13) مسند الأنصار 24587؛ راجع أيضاً: المنتظم 3: 16 - 18؛ البداية والنهاية 3: 131 - 132؛ أسد الغابة
5: 502؛ تاريخ الطبري 2: 411 - 413.

(14) 3: 7؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 19: 18: 11: 5.

(15) نلاحظ في هذا النص أن عائشة غير مذكورة ضمن أسرة النبي.

(16) طبقات 8: 49 - 50.

(17) ابن سعد، طبقات : 8: 47.

(18) ورد أيضاً في مسند أحمد، مسند الأنصار 24169، قول عائشة: «كنتُ ألعب باللعب، فيأتيني صواحبي. فإذا دخل رسول الله (ص)، فررن منه، فيأخذهن رسول الله (ص)، فيردهن إليّ».

(19) أبو داود ، الجهاد 2214؛ راجع: تفسير ابن كثير 1: 735.

(2 0) أدب 4284.

(21) صحيح البخاري، الجمعة 897؛ راجع: السمط الثمين 48 - 49.

(22) في مسند أحمد، مسند الأنصار 22920، يقال: «تضربان بدفين». وبعاث اسم لمنطقة. راجع أيضاً، محلّى ابن حزم 5: 92.

(23) صلاة العيدين 1480.

(24) محلى ابن حزم 4: 246.

(25) راجع أيضاً، صحيح مسلم 1: 243.

(26) طبقات 8: 136.

(27) الكشاف 1: 572.

(28) لكن ابن سعد ( طبقات 8: 138)، يقول: «كان رسول الله (ص) موسعاً له في قسم أزواجه: يقسم بينهن كيف شاء - وذلك لقول الله، « ذلك أدنى أن تقر أعينهن » [أحزاب 51] إذا علمن أن ذلك من الله».

(29) عند القرطبي، تفسير الآية 51 من سورة الأحزاب، وردت: « هذه قدرتي... لإيثاره عائشة ».

(30) القرطبي، تفسير الآية 51 من سورة الأحزاب.

(31) طبقات 8: 135.

(32) تفسير ابن كثير 1: 569.

(1) السمط الثمين 46.

(2) طبقات ابن سعد 8: 152.

(3) طبقات ابن سعد 8: 153.

(4) طبقات ابن سعد 8: 64.

(5) السمط الثمين 45.

(6) ابن منظور 13: 76؛ راجع أيضاً: كنز العمال ح1020؛ الغزالي، إ حياء القلوب ، آداب النكاح 2: 35.

(7) السمط الثمين 43 - 44.

(8) الغزالي، المرجع السابق .

(9) طلاق 2050.

(10) السمط الثمين 43.

(11) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4469.

(12) راجع: السمط الثمين 45؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23182؛ صحيح البخاري، نكاح 28549؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة 2439؛ تاريخ الإسلام للذهبي، عهد معاوية 251 - 252.

(13) مسند أحمد، مسند الأنصار 22885؛ طبقات ابن سعد 8: 558.

(14) مسند أحمد، مسند الأنصار 23125 - 24696؛ السمط الثمين 78. نلاحظ هنا أن القصة تروى عن سودة أيضاً؛ أنظر: الكشاف 2: 651.

(15) مسند أحمد، مسند الأنصار 2470؛ راجع أيضاً: الدارمي، المقدمة 80؛ ابن ماجه ، ما جاء في الجنائز 1454؛ السمط الثمين 55؛ تاريخ الطبري 2: 433؛ سيرة ابن هشام 2: 643؛ البداية والنهاية 5: 524 - 525؛ شرح النهج 13: 28.

(16) صحيح البخاري، تفسير القرآن 4414؛ راجع أيضاً: تفسير القرطبي والطبري للآية 51 من الأحزاب.

(17) راجع: السمط الثمين 81 - 82.

(18) صحيح مسلم، رضاع 2658.

(19) راجع: تفسير ابن كثير 3: 825.

(20) صحيح مسلم، رضاع 2659.

(21) النسائي ، نكاح 3148.

(22) مسند أحمد، مسند الأنصار 24091. راجع أيضاً بشأن هذه المسألة : القرطبي، الجامع 14: 208؛ السمط الثمين 125؛ ابن ماجة ، نكاح 1990؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 25050، 23336، 23877؛ صحيح مسلم، طلاق 2697؛ أبو داود ، نكاح 1824، 23877.

(23) السلام 4028؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر الكافي 2: 648: 1.

(24) الترمذي ، الاستئذان والآداب 2625.

(25) مسند أحمد، مسند الأنصار، 23880. راجع أيضاً: أبو داود ، أدب 5570؛ سيرة ابن هشام 2: 64.

(26) أدب 4160؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: الكافي 2: 326: 1؛ وسائل الشيعة 12: 49: 78: 15689.

(27) راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 24093؛ صحيح البخاري، أشربة 5572؛ راجع، مستدرك الوسائل ، 12: 70: 78: 13568.

(28) مسند الأنصار 23901؛ راجع شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 27: 75.

(29) مسند أحمد، مسند الأنصار 23923.

(30) مسند أحمد، مسند الأنصار 23791.

(31) طبقات ابن سعد 8: 163.

(32) صحيح البخاري، أشربة 5170؛ راجع: ابن ماجة ، أطعمة 3314؛ ترمذي ، أطعمة 1754.

(33) مسند أحمد، مسند الأنصار 23302؛ راجع مستدرك الوسائل 8: 66: 412: 9832.

(34) مسند أحمد، مسند الأنصار 25094.

(35) ترمذي، أطعمة 1766، 3339.

(36) ترمذي ، أطعمة 1761.

(37) صحيح البخاري 4: 21، 60.

(38) البخاري، الجزية والوداعة 2939. راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 2: 151؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23104.

(39) طبقات ابن سعد 2: 193؛ مصنف عبد الرزاق 19761؛ تفسير الطبري 1: 766.

(40) مسند أحمد، مسند الأنصار 23049.

(41) مسند أحمد، مسند الأنصار 23620.

(42) النسائي ، قبلة 763.

(43) صحيح البخاري، أشربة 5584.

(44) مسند أحمد، مسند الأنصار 23067.

(45) مسند أحمد، مسند الأنصار 23725؛ راجع ايضاً: تاريخ الطبري 195:3

(46) ابن منظور 13: 293.

(47) مسند أحمد، مسند الأنصار 25048. راجع أيضاً: ابن ماجه ، لباس 3634؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23734، 23563؛ طبقات ابن سعد 8: 32؛ السمط الثمين 164.

(48) باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، كتاب الجهاد والسير 2: 125؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 32: 287: 241: 6.

(49) كتاب الفتن وأشراط الساعة 2: 503.

(50) علل الحديث 1: 341.

(1) 5: 438؛ راجع: روضة المحبين 298.

(2) مسند الأنصار 24054؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 16: 8: 12: 5.

(3) مسند الأنصار 23719؛ راجع: السمط الثمين 25؛ البداية والنهاية 3: 428.

(4) راجع: المنتظم 3: 18؛ طبقات ابن سعد 1: 1: 984؛ تاريخ الطبري 2: 280؛ البداية والنهاية 3: 127.

(5) السمط الثمين 24.

(6) نكاح 1987.

(7) الترمذي ، مناقب 3810.

(8) صحيح البخاري، مناقب 3534؛ راجع: الترمذي ، البر والصلة 1940؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 25183.

(9) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4466؛ راجع أيضاً، النص ذاته 4465.

(10) أسد الغابة 5: 557 - 558؛ البداية والنهاية 3: 128.

(11) الآداب المرعية 280 - 281.

(12) 3: 344.

(13) 10: 192.

(14) 2: 36؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 43.

(15) الزمخشري، الكشاف 3: 552.

(16) الزمخشري، الكشاف 3: 552، هامش 3. راجع أيضاً: أسد الغابة 5: 484 - 485.

(17) الزمخشري، الكشاف 3: 552، هامش 2.

(18) الطبقات 8: 43.

(19) أنظر تفسير الآية، مثلاً، عند ابن كثير 1: 852 - 853؛ أو في تفسير الجلالين أو تفسير القرطبي أو تفسير الطبري .

(20) الطبقات 8: 43.

(21) الطبقات 8: 43.

(22) السمط الثمين 103.

(23) السمط الثمين 36 - 37؛ راجع: ابن ماجة ، نكاح 1962؛ أبو داود ، نكاح 1826؛ صحيح البخاري 3: 363.

(24) السمط الثمين 103؛ صحيح مسلم، رضاع 2657.

(25) طبقات ابن سعد 8: 44.

(26) طبقات ابن سعد 8: 44؛ السمط الثمين 105.

(27) طبقات ابن سعد 8: 140. راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 23155، 24682، 25126؛ صحيح مسلم، سلام 4034؛ تفسير الجلالين ، سورة الأحزاب 59؛ صحيح مسلم، جهاد وسير 4034، 4035؛ صحيح البخاري، استئذان 5771؛ صحيح البخاري، نكاح 4836؛ صحيح البخاري، حيض 526؛ صحيح البخاري، وضوء 143.

(28) صحيح مسلم 4034.

(29) نسائي ، مناسك الحج 4987؛ صحيح مسلم، الحج 2271؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 22888؛ ابن ماجة ، مناسك 3018؛ صحيح البخاري، الحج 1568؛ الدارمي ، مناسك 1810؛ السمط الثمين 105؛ طبقات ابن سعد 8: 45؛ تفسير ابن كثير 3: 833.

(30) 5: 440.

(31) السمط الثمين 47.

(32) الإصابة 18.

(33) تفسير الجلالين ، تفسير سورة التحريم، الآية 2.

(34) مسند أحمد، مسند الأنصار 23180.

(35) راجع تفسير الآية في أغلب التفاسير. أنظر أيضاً فصل «عائشة... ومارية».

(36) تفسير ابن كثير 3: 829.

(37) تفسير الآية 28 من الأحزاب.

(38) تفسير ابن كثير 4: 620.

(39) طبقات ابن سعد 8: 152.

(40) طبقات ابن سعد 8: 153.

(41) مسند أحمد، مسند الأنصار 23942؛ أنظر: السمط الثمين 86.

(42) مالك : 1420.

(43) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4477؛ هداية الباري 2: 44؛ السمط الثمين 46 - 47.

(44) تاريخ الطبري 2: 230؛ راجع أيضاً ترجمتها في: الاستيعاب ؛ أسد الغابة ؛ الإصابة ؛ و طبقات ابن سعد .

(45) تاريخ الطبري 2: 414.

(46) 3: 208.

(47) المنتظم 3: 208.

(48) طبقات 8: 75.

(49) 2: 159؛ راجع أيضاً: السمط الثمين 81.

(50) عيون الأثر 2: 304.

(51) طبقات 8: 63 - 64.

(52) تاريخ الإسلام للذهبي، عصر معاوية. راجع: صحيح البخاري، فضائل النبي 7: 84 باب فضائل عائشة، الهبة، باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة 2441 مختصراً، 2442 مطولاً.

(53) هبة 2393. راجع أيضاً: السمط الثمين 39 - 40.

(54) أنظر على سبيل المثال: الترمذي ، مناقب 3814؛ أسد الغابة 5: 503؛ البخاري ، وصايا 2536. راجع أيضاً فصل «عائشة وزينب بنت جحش».

(55) طبقات 8: 136.

(56) مسند الأنصار 23838؛ أنظر السمط الثمين 35.

(57) في نص النسائي (عشرة النساء 3887)، تقول عائشة: «قال رسول الله (ص): يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما يأتيني الوحي في لحاف امرأة منكن إلا هي».

(58) طبقات ابن سعد 8: 158.

(59) المرجع السابق .

(60) أنظر: الكشاف 3: 552؛ طبقات ابن سعد 8: 158 - 159.

(61) تاريخ الطبري 2: 231.

(62) راجع ما ذكرناه سابقاً من حديث عمر بن الخطاب لابنته، بعد أن طلقها النبي، بأنه ليس لها « حسن زينب» ( طبقات ابن سعد 8: 153).

(63) الطبري، المنتخب من كتاب ذيل المذيل 99.

(64) الزمخشري، الكشاف 3: 520.

(65) المصدر السابق : 3: 539؛ يقول المرجع الشيعي، الميزان في تفسير القرآن : « خطب رسول الله (ص) زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فاستنكفت منه، وقالت: أنا خير منه حسباً! وكانت امرأة فيها حدّة - فأنزل الله « وما كان لمؤمن ولا مؤمنة »، الآية كلها » (16: 325: 326).

(66) أبو الفرج الجوزي، زاد المسير 6: 385.

(67) 3: 807 - 808.

(68) تفسير ابن كثير 3: 810.

(69) هذا ما يذكره أيضاً المرجع الشيعي، الميزان في تفسير القرآن 16: 326.

(70) تاريخ الطبري 2: 231 - 232. راجع: المنتخب من كتاب ذيل المذيل

(71) تاريخ الطبري 2: 232.

(72) الزمخشري، الكشاف 3: 540 - 541.

(73) تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب في تفسير القرطبي.

(74) المرجع السابق .

(75) تفسير الآية 37 من سورة الأحزاب في تفسير القرطبي.

(76) المرجع السابق .

(77) المرجع السابق .

(78) تفسير ابن كثير 3: 811.

(79) تاريخ 2: 231 - 232.

(80) ابن الربيع الشيباني الشافعي، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار 2: 600 - 602.

(81) نكاح 3171.

(82) نكاح 3172.

(83) تفسير القرآن 3131؛ راجع أيضاً: السمط الثمين 107؛ يقول الميزان في تفسير القرآن : « أنعم النبي عليه زيد بن حارثة، الذي كان عبداً للنبي (ص)، ثم حرره، واتخذه ابناً له » (16: 322).

(84) تفسير الآية.

(85) 3: 770.

(86) 3: 771.

(87) «لما تزوج رسول الله (ص) زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام، فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام؛ فلما قام، قام من قام وقعد ثلاثة نفر؛ فجاء النبي (ص) ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم أنهم قاموا فانطلقوا، فجئت [أنس] فأخبرت النبي (ص)، أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى (أحزاب 53)» ( تفسير ابن كثير 3: 831).

(88) المنتخب من كتاب ذيل المذيل 100؛ المنتظم 3: 226؛ طبقات ابن سعد 2: 71 - 72؛ 8: 80 - 81.

(89) بنت الشاطئ، نساء النبي 167.

(90) المصدر السابق .

(91) تفسير 3: 811 - 812.

(92) أسد الغابة 5: 464.

(93) طبقات ابن سعد 8: 73.

(94) تفسير القرطبي للآية 37 من الأحزاب. يذكر أيضاً المرجع الشيعي، الميزان في تفسير القرآن ، أن زينب كانت تفتخر بأن جدها وجد النبي واحد وأن الله هو الذي زوجها وأن السفير كان جبريل (16: 327).

(95) تفسير ابن كثير 1: 677؛

(96) تفسير سورة الأحزاب الآية 37.

(97) أسد الغابة 5: 464؛ قريب منه، سيرة ابن هشام 3: 311.

(98) جاء في طبقات ابن سعد (8: 130): «كان عامة الناس يتحرون يوم يصير رسول الله إلى عائشة، فيهدون إليه، ويسرّ الأضياف يوم يكون رسول الله (ص) في بيت عائشة، للهداية التي تصير إليها».

(99) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4471؛ السمط الثمين 39.

(100) الهبة 2393؛ السمط الثمين 39 - 40.

(101) في نص آخر من صحيح البخاري (الوصايا 2536)، تقول عائشة: «فأرسن زينب بنت جحش، فأغلظت».

(102) عشرة النساء 3884؛ راجع : طبقات ابن سعد 8: 137.

(103) مسند الأنصار 23436، 23476.

(104) راجع: السمط الثمين 39؛ طبقات ابن سعد 8: 137؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 24019.

(105) 4: 189؛ راجع: الكشاف 4: 230؛ قريب من ذلك في السمط الثمين 80.. في أبي داود ، الأدب 4252، مع إضافة: وجاء علي (رض) إلى النبي (ص) فكلمه في ذلك.

(106) 4: 189.

(107) الزمخشري، الكشاف 4: 230.

(1 08) طبقات 8: 152.

(109) طبقات ابن سعد 8: 153.

(110) المنتظم 3: 361 - 362.

(111) السمط الثمين 108.

(112) سيرة ابن هشام 3: 312.

(113) تاريخ الطبري 2: 270.

(114) طلاق 3367. أنظر أيضاً: تفسير الطبري 28 - 156 - 158 ط2؛ الدر المنثور 6: 239؛ الكشاف 4: 564؛ تفسير القرطبي 18: 177؛ تفسير الفخر الرازي 8: 213 ط العامرة؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 66: 292: 11: 2.

(115) راجع أيضاً: النسائي ، عشرة النساء 899؛ الإيمان والنذور 3735؛ الأشربة 3227 بإضافة: « كان رسول الله (ص) يحب الحلواء والعسل، فذكر بعض هذا الخبر. وكان النبي (ص) يشـتد عليه أن توجد منه الريح». راجع أيضاً: صحيح مسلم، طلاق 2694، حيث يقال: فتواطيت أنا وحفصة. مثله أيضاً، صحيح البخاري، تفسير القرآن 4531. راجع: طبقات ابن سعد 8: 85؛ هداية الباري 2: 100 - 191؛ الكشاف 4: 562 - 563؛ السمط الثمين 81.

(116) ذكر البخاري في صحيحه (زكاة 1331) نقلاً عن عائشة : «أن بعض أزواج النبي (ص)، قلن للنبي (ص): أينا أسرع لحوقاً؟ قال: أطولكن يداً. فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يداً، فعلمنا بعد إنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرع لحوقاً به، وكانت تحب الصدقة» (راجع أيضاً: النسائي ، زكاة 2494؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23752). وعلى حديث البخاري السابق، يعلق صاحب السمط الثمين ، فيقول: «والعجب من البخاري، كيف أنه لم ينبه عليه ولا غيره، وإنما هي زينب.. [التي] توفيت.. سنة عشرين... [في حين ماتت] سودة سنة أربع وخمسين» (ص104).

(117) صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4490؛ راجع: السمط الثمين 111.

(118) طبقات 8: 86؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 18: 111: 18: 11.

(119) الكشاف 3: 551 - 552.

(120) الكشاف 3: 552؛ راجع أيضاً، تفسير القرطبي للآية 59 من الأحزاب؛ تاريخ اليعقوبي 85:2.

(121) تروي عائشة أيضاً ( مسند أحمد، مسند الأنصار 23853) «أن رسول الله (ص) كان في سفر له، فاعتل بعير لصفية [زوجة للنبي يهودية]، وفي إبل زينب فضل، فقال لها رسول الله (ص): إن بعيراً لصفية اعتل، فلو أعطيتها بعيراً من إبلك! فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية!؟ فتركها رسول الله (ص) ذا الحجة ومحرم، شهرين أو ثلاثة، لا يأتيها؛ قالت: حتى يئست منه وحولت سريري! قالت: فبينما أنا يوماً بنصف النهار، إذا أنا بظل رسول الله (ص) مقبل».

(122) النسائي ، عشرة النساء 3883؛ راجع: صحيح البخاري، الوصايا 2563؛ السمط الثمين 38.

(123) سيرة ابن هشام 2: 294.

(124) بالنسبة لجمال جويرية الساحر، أنظر: تاريخ الإسلام ، عصر معاوية، للذهبي 190؛ مسند أحمد 6: 277؛ الروض الآنف للسهيلي 4: 19؛ تاريخ ابن خياط 46؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 12: 295: 3: 18.

(125) سيرة ابن هشام 2: 294 - 295؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 92 - 93؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 25161؛ المنتظم 3: 219 - 220؛ ابو داود ، العتق 3429؛ السمط الثمين 116؛ البداية والنهاية 2: 155؛ أسد الغابة 5: 420؛ المنتخب من كتاب ذيل المذيل 100 - 101؛ تاريخ الطبري 2: 264؛ الكامل في التاريخ 4: 81؛ تاريخ اليعقوبي 2: 53.

(126) المنتخب 101.

(127) سيرة ابن هشام 2: 295، هامش 1؛ راجع: الروض الآنف 3: 19.

(128) الإصابة 8: 126.

(129) صيد الخاطر 130.

(130) تفسير ابن كثير 3: 823.

(131) روضة المحبين 299؛ راجع: السمط الثمين 81؛ ابن ماجه ، نكاح 1970.

(132) طبقات ابن سعد 8: 99 - 100.

(133) الزمخشري، الكشاف 4: 370، هامش 2؛ راجع ايضاً: المستدرك على الصحيحين 4: 29؛ أسد الغابة 5: 491.

(134) السمط الثمين 44 - 45. لكن عائشة ذاتها، تروي حكاية مشابهة في مرجع آخر بطريقة مختلفة. راجع الهامش 14 من فصل عائشة وزينب بنت جحش؛ راجع أيضاً: مسند أحمد، مسند الأنصار 23853.

(135) أنظر: صحيح البخاري، هبة 2393؛ السمط الثمين 39: 40؛ طبقات ابن سعد 8: 137.

(136) طبقات ابن سعد 8: 64؛ راجع ايضاً، المرجع الشيعي، بحار الانوار (56:10:144:75).

(137) طبقات ابن سعد 8: 127؛ سنن ابن ماجه ، ك النكاح 1980؛ راجع: السمط الثمين 121.

(138) الجملة من تفسير ابن كثير 3: 345؛ قريب منه في المرجع الشيعي، بحار الأنوار ، 66: 61: 20: 14.

(139) الزركشي في الإجابة 73 عن الترمذي.

(140) الترمذي ، صفة القيامة والرقائق والورع 4226.

(141) تفسير ابن كثير 3: 345.

(142) السمط الثمين 81.

(143) صحيح مسلم، طلاق 2695؛ طبقات ابن سعد 8: 68.

( 144) مسند أحمد، مسند الأنصار 23969؛ راجع تفسير القرطبي للآية 128 من سورة النساء.

(145) يصفه المنتظم (3: 299)، فيقول: «شيخ كبير».

(146) المنتظم (3: 299 - 300).

(147) المصدر السابق .

(148) إنها ليست «سوى جارية قبطية غريبة، أهداها سيّد إلى سيّد» ( نساء النبي 217)؛ «سرية للنبي، لم تحظ بقلب أم المؤمنين [زوجة]، لكنها حظيت دونهن جميعاً بشرف أمومتها لابنه ابراهيم» ( الاستيعاب 4: 1912).

(149) المنتظم (3: 299 - 300).

(150) المصدر السابق .

(151) المصدر السابق .

(152) الطبري، المنتخب من ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين ص109. أنظر أيضاً: أنساب 1: 449 - 450؛ طبقات ابن سعد 8: 153؛ 8: 171؛ السمط الثمين 135؛ ذيل المذيل 9، 80؛ أسد الغابة 5: 543؛ الإصابة 984؛ الأعلام 5: 255.

(153) البداية والنهاية 5: 303 - 305؛ راجع أيضاً، تفسير القرطبي للآية 1 من سورة التحريم، حيث يورد النص عن ابن اسحاق.

(154) المصدر السابق .

(155) البداية والنهاية 5: 303.

(156) السمط الثمين 140؛ راجع: طبقات ابن سعد 1: 107، 8: 171؛ أنساب الأشراف 1: 449 - 450؛ الإصابة ، ترجمة مارية.

(157) المنتظم 3: 345؛ راجع طبقات ابن سعد 1: 108.

(158) 4: 562 - 563؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 36: 27: 2: 29؛ 22: 241: 5: 4.

(159) وفي رواية أخرى لابن عباس: «وهو يطأ مارية». وتضيف أنه أخبرها بخلافة أبي بكر وعمر بعده. وتجعل عائشة تقول له: لا أنظر إليك حتى تحرّم مارية!!! فحرمها ( الكشاف 4: 563).

(160) يقول الحسن: «لم يكفّر، لأنه كان مغفوراً له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين» ( الكشاف 4: 563). ويقول مقاتل: «إن رسول الله أعتق رقبة في تحريم مارية» ( المرجع السابق ).

(161) الكشاف 4: 563، هامش 1.

(162) تفسير القرطبي لسورة التحريم، الآية 2.

(163) في رواية أخرى، عن بعض آل عمر، تقول حفصة: «لقد جئت أمراً ما جئته إلى أحد من نسائك! في بيتي وعلى فراشي وفي دولتي!» ( كشاف 4: 563، هامش 2).

(164) الكشاف 4: 563.

(165) 8 - 150 - 151.

(166) طبقات 8: 151.

(167) في إحدى الروايات، تقول عائشة: «لا أقبل دون أن تحلف لي! قال: والله، لا أمسها أبداً» ( طبقات 8: 151).

(168) طبقات 8: 150 - 151.

(169) طبقات ابن سعد 8: 149 - 150؛ راجع السمط الثمين 188 - 189.

(170) قال مالك بن أنس: «الحرام حلال في الإماء!!! فإذا قال رجل لجاريته؛ أنت حرام عليّ! فليس ذلك بشيء! وإذا قال: والله لا أقربك! فعليه الكفارة» ( طبقات 8: 150).

(171) تفسير سورة التحريم، الآية 3.

(172) تفسير سورة التحريم، الآية 3.

(173) 4: 634.

(174) 4: 641.

(175) 28: 101.

(176) في مستدرك الوسائل ، يقال: « كان رسول الله (ص) قد خلا بمارية القبطية قبل أن تلد ابراهيم، فاطلعت عليه عائشة، فوجدت عليه، فحلف لها ألا يقربها بعد » (15: 14: 294: 8291).

(177) «قال رسول الله (ص): اكتمي علي ولا تذكري لعائشة! فذكرت حفصة لعائشة، فغضبت عائشة، فلم تزل بنبي الله (ص) حتى حلف أن لا يقربها» ( طبقات 8: 125 ط أوروبا).

(178) تفسير سورة الأحزاب، الآية 1.

(179) يذكر هذا أيضاً تفسير الجلالين وتفسير القرطبي وتفسير الطبري في تفسير الآية.

(180) راجع: تفسير ابن كثير 1: 639؛ الكشاف 4: 566؛ التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي 4: 131؛ فتح البيان لصديق حسن خان 9: 480؛ تفسير الرازي 8: 332؛ تفسـير أبي السـعود بهامش تفسير الرازي 8: 332؛ الدر المنثور 6: 239 و432؛ تفسير القرطبي 18: 177 و188؛ فتح القدير للشوكاني 5: 250؛ تفسير الطبري 28: 104 - 105؛ صحيح البخاري 3: 137 و138 ك التفسير ب2 وب3؛ 4: 22 ك اللباس، ب ما كان يتجوز رسول الله في اللباس والزينة؛ صحيح مسلم ك الطلاق ح31 و32 و33 و34؛ مسند أحمد 1: 48.

(181) تفسير 4: 638.

(182) الكشاف 4: 571.

(183) أنظر ايضاً بشأن هذه المسألة: الكشاف 4: 566؛ التسهيل لعلوم التنزيل 4: 131؛ تفسير الرازي 8: 332؛ تفسير القرطبي 18: 202؛ فتح القدير 5: 252؛ تفسير ابن كثير 5: 388.

(184) يقول ابن أبي الحديد: «وكان من أمرها [عائشة] وأمر حفصة وما جرى لهما مع رسول الله (ص) في الأمر الذي أسرّه على إحداهما، ما قد نطق الكتاب العزيز به. واعتزل رسول الله (ص) نساءه كلهن، واعتزلهما معهن، ثم صالحهن. وطلّق حفصة، ثم راجعها» ( شرح نهج 14: 23).

(185) تفسير الآية 4 من سورة التحريم.

(186) المنتظم 3: 261 - 262.

(187) أدب 3240؛ راجع أيضاً: تفسير ابن كثير 4: 638.

(188) لكن هذا النص، الذي يُقدّم لنا ضمن سياق الحديث عن سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم، نجده عند القرطبي والطبري، ضمن إطار تفسيريهما للآية 28 من سورة الأحزاب: بعد أن يقول القرطبي إن بعض نساء النبي « سألنه شيئاً من عرض الدنيا؛ وقيل: زيادة في النفقة؛ وقيل: أذينه بغيرة بعضهن على بعض ». من ناحية أخرى، يحدد الطبري أن عائشة هي التي « سألت رسول الله (ص) شيئاً من عرض الدنيا: إن زيادة في النفقة أو غير ذلك... وقيل سبب ذلك كانت غيرة غائشة غارتها ». وربما أن كثرة هذه التناقضات في محاولات تفسير سبب نزول الآيات الأولى من سورة التحريم، لا توحي إلا بارتباك أصحابها أمام مواجهتهم لوقائع سياق النص، وجهودهم غير المجدية في خلق تفاسير موازية، كالمغافير والنفقة وما شابه، تغطي على الأصل الحقيقي المتعلق بحفصة ومارية وعائشة. وتتفق المصادر الشيعية عموماً بأن سورة التحريم في آياتها الأولى نزلت في مسألة مضاجعة النبي لجاريته في بيت حفصة أو عائشة؛ يقول الميزان على سبيل المثال: « إن تتوبا... اتفق النقل على أنهما عائشة وحفصة زوجا رسول الله (ص) » (19: 331). ويمضي المرجع ذاته مفسراً الآية فيقول: « الصغو الميل، والمراد به الميل إلى الباطل والخروج عن الإستقامة، وقد كان ما كان منهما من إيذائه والتظاهر عليه (ص) من الكبائر، وقد قال تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا [أحزاب 57]... ». ويناقش الطباطبائي صاحب الميزان هذه القصة بعقلانية مشهودة فيؤكد أن حكاية قول النبي لحفصة بأن أباها وأبا بكر الخليفتان بعده مختلقة تماماً؛ ويدعم رأيه هذا بنص مفاده أن عمر بن الخطاب حين سأله ابن عباس عن المرأتين قال إنهما عائشة وحفصة، دون أن يذكر مسألة الخلافة لا من قريب ولا من بعيد. كذلك ينفي أن تكون لقصة عمر بن الخطاب حول نساء قريش اللواتي تعلمن من نساء المدينة كيف يغلبن أزواجهن أدنى علاقة بسورة التحريم معتمداً في ذلك على حجة منطقية، تفيد بأن التحريم في قصة عمر كان لعامة أزواجه في حين أن التوبة طُلبت من اثنتين فقط؛ راجع الميزان في تفسير القرآن 19: 337 - 339.

(189) تفسير 3: 794 - 795.

(190) طبقات 8: 146.

(191) راجع أيضاً: تفسير ابن كثير 1: 419؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 22921.

(192) الكامل في التاريخ 2: 145؛ راجع: تاريخ الطبري 2: 362.

(193) طبقات 1: 109.

(194) راجع: أنساب الأشراف 1: 449 - 450؛ تاريخ اليعقوبي 2: 87؛ المنتظم 3: 346؛ في نص بحار الأنوار ، تقول عائشة للنبي: « إن ابراهيم ليس منك، وإنه من فلان القبطي » 38: 301: 4: 67.

(195) 5: 304 - 305؛ يقول مستدرك وسائل الشيعة : « إن عائشة قالت لرسول الله (ص) إن مارية يأتيها ابن عم لها، فلطختها بالفاحشة، فغضب رسول الله (ص) وقال: إن كنت صادقة فأعلميني إذا دخل، فمر صدفة فلما دخل عليها أعلمت رسول الله (ص)، فدعا أمير المؤمنين (ع) وقال: خذ هذا السيف... الخ » (18: 42: 76: 220: 96).

(196) الحاكم، المستدرك 4: 39؛ راجع: صحيح مسلم 8: 119، ط مشكول؛ الاستيعاب بهامش الإصابة 4: 411 و412؛ الإصابة 3: 334؛ السـيرة الحلبية 3: 309 و312؛ الكامـل في التارـيخ 2: 212؛ أســد الغابة 5: 542؛ 544؛ =

= 2: 268؛ معجم الزوائد 9: 161؛ الدر المنثور 6: 240؛ تاريخ اليعقوبي 87:2؛ من أجل مصادر للشيعة؛ راجع: تفسير القمي 2: 99 و 318؛ تفسير البرهان 3: 126 و 4: 205؛ تفسير نور الثقلين 3: 581؛ تفسير الميزان 15: 103.

(197) السمط الثمين 141 - 142.

(198) أمالي المرتضى ق1: 57 - 58؛ راجع: الكامل في التاريخ 2: 178؛ تاريخ الطبري 2: 421.

(199) المنتظم 3: 300.

(200) روضة المحبين 297.

(201) ذكره الحافظ بن حجر العسقلاني في الإصابة ، وقال: أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر والطبراني في المعجم الكبير .

(202) شرح ا لنهج لابن أبي الحديد 3: 296.

(203) مسند أحمد، مسند الأنصار 25101؛ يقول بحار الأنوار : « « إن الذين جاؤوا بالإفك » أن العامة روت أنها نزلت في عائشة وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة » 20: 316: 1: 19.

(204) مسند أحمد، باقي مسند الانصار 25101؛ قريب منه أيضاً: سنن أبي داود 2772 .

(205) 5: 151 - 152.

(206) التمهيد والبيان 209؛ تذكرة خواص الأمة 114؛ راجع أيضاً، بحار الأنوار 33: 562: 722: 30.

(207) الكشاف 4: 370.

(208) طبقات ابن سعد 8: 115.

(209) طبقات ابن سعد 8: 115 أخرجه ابن جرير وغيره؛ راجع: السمط الثمين 128؛ ابن حاكم، المستدرك ، ترجمة أسماء بنت النعمان 4: 17؛ المحبر 94 - 95؛ تاريخ الطبري 614:11؛ الطبري في ذيل المذيل 13: 79؛ تاريخ اليعقوبي 2: 85 لكن الرواية هنا تختلف قليلاً حيث يقال إن أسماء استعاذت منه وجونية أخرى زينتها عائشة وحفصة؛ يذكر المرجع الشيعي، الكافي ، الحدث لكنه يدعو المـرأة بالعامرية (5: 421: 3)؛ أما المرجـع الشـيعي الآخر، مستدرك الوسائل ، فيقول إن اسمها ساه من عامر من بني صعصعة، 14: 2: 278: 17009؛ ويقول إن ابنة الجون من كندة، قالت: « لو كان نبياً ما مات ابنه » ( المرجع السابق ).

(210) طبقات ابن سعد 8: 116.

(211) السمط الثمين 126.

(212) راجع أيضاً: ابن ماجة ، طلاق 2040؛ 2027، حيث يرد اسمها «عمرة بنت الجون». ويقال إن النبي «أمر أسامة أو أنساً فمتعها بثلاثة أثواب رازقية»؛ أنظر: البخاري ، طلاق 4852؛ المنتخب من كتاب ذيل المذيل 104 - 106.

(213) المنتخب من كتاب ذيل المذيل 105.

(214) المتقي الهندي، كنز العمال 6: 294، ح 5084؛ راجع: طبقات ابن سعد 8: 115؛ أسد الغابة 5: 486؛ السمط الثمين 132.

(215) النسائي ، طلاق 3364.

(216) راجع: طبقات ابن سعد 8: 148؛ تاريخ الذهبي 1: 335؛ تاريخ ابن كثير 5: 299؛ تاريخ الطبري 2: 340؛ 596:11؛ الإصابة 4: 392؛ أنساب الأشراف 1: 458.

(217) طبقات ابن سعد 8: 154؛ راجع: ابن حجر، الإصابة 4: 362 و 784 و 1347 لكن الاسم مختلف؛ مسند أحمد 6: 132، 261؛ المحبر 411.

(1) الكامل في التاريخ 2: 180.

(2) البداية 5: 225.

(3) طبقات ابن سعد 8: 135.

(4) طبقات ابن سعد 8: 135.

(5) طبقات ابن سعد 8: 135.

(6) طبقات ابن سعد 8: 156.

(7) انظر، مثلاً: النسائي ، نكاح 2153؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 24472، 24293؛ الترمذي ، أدب 3140.

(8) مسند أحمد، مسند الأنصار 24658.

(9) مسند أحمد، مسند الأنصار 23083؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 59: 275 باب 25.

(10) هداية الباري 2: 97 - 98.

(11) شرح النهج لابن أبي الحديد 14: 22؛ الاستيعاب 474.

(1) ابن منظور 13: 71.

(2) إقامة الصلاة والسنة فيها 1222؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: بحار الأنوار 28: 135: 1: 3.

(3) طبقات ابن سعد 2: 168.

(4) صحيح مسلم 7: 110، باب فضائل أبي بكر؛ مسند أحمد 6: 45 و144؛ طبقات ابن سعد 2: 127 - 128 ط لايدن؛ كنز العمال 6: 139، 317، ح 5283؛ منتخب الكنز 3: 342.

(5) صحيح البخاري، باب قول المريض إني وجع ورأساه؛ 4: 146 باب الاستخلاف من القاسم؛ راجع: تاريخ الإسلام للذهبي، زمن معاوية 256؛ صحيح البخاري، نكاح 9: 220؛ 240؛ صحيح مسلم، فضائل الصحابة 2448.

(6) الكامل 2: 267 - 268؛ طبقات ابن سعد 3: 156.

(7) طبقات ابن سعد 8: 175.

(8) طبقات ابن سعد 8: 67؛ الزركشي في الإصابة 71 و75؛ كنز العمال 7: 116؛ منتخب كنز العمال 5: 118؛ الإصابة ، ترجمة عائشة 4: 349؛ تاريخ الطبري 4: 161؛ ابن الأثير 2: 247؛ المستدرك 4: 8؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 3: 154؛ البلاذري، فتوح البلدان 454 و457 و446؛ الماوردي، الأحكام السلطانية 222.

(9) الكامل 2: 351.

(10) طبقات ابن سعد 3: 231.

(11) سير أعلام النبلاء 2: 133؛ مستدرك الحاكم 4: 8.

(12) يقول اليعقوبي ( تاريخ 2: 153): «فرض [عمر] لأمهات المؤمنين ستة آلاف ستة آلاف، ولعائشة وأم حبيبة في اثني عشر ألفاً، ولصفية وجويرية في خمسة آلاف خمسة آلاف». راجع أيضاً: البداية 5: 295 - 296. ويقول كتاب الأموال إن عمر «حين دون الدواوين، فرض لأزواج رسول الله (ص)، اللاتي نكح نكاحاً، في اثني عشر ألف درهم اثني عشر ألف درهم، وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف... فرفضت الأخيرتان أن تقبلا» (320 - 321).

(13) شرح النهج لابن أبي الحديد 12: 260.

(14) 1: 573.

(15) صحيح مسلم 7: 110؛ طبقات ابن سعد 2: 128؛ مسند أحمد 6: 63؛ المستدرك 3: 78؛ كنز العمال 6: 428 ح6385.

(16) يروى أن النبي قال لهن: «أيكن اتقت الله، ولم تأت بفاحشة مبينة، ولزمت ظهر حصيرها، فهي زوجتي في الآخرة» ( طبقات ابن سعد 8: 208).

(17) طبقات ابن سعد 8: 208.

(18) المرجع السابق .

(19) المرجع السابق.

(20) طبقات ابن سعد 3: 337؛ أسد الغابة 4: 75؛ صحيح البخاري 4: 66 - 70 ط بومباي 1270.

(21) طبقات ابن سعد 3: 276 - 277.

(22) المرجع السابق .

(23) السمط الثمين 80.

(24) العقد الفريد 4: 275 - 277؛ تاريخ الطبري 3: 34؛ شرح النهج 1: 3: 189.

(1) راجع: طبقات ابن سعد 8: 166.

(2) يروي ابن أبي الحديد ( شرح النهج 11: 12 - 13): «وكان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل... فلمّا ولي عثمان، لم يأخذهم بالذي كان عمر يأخذهم به... فخالطهم الناس وأفسدوهم، وحبّبوا إليهم الملك والرئاسة - لاسيما مع الثروة العظيمة التي حصلت لهم. والثراء مفسدة، وأية مفسدة! وحصل لطلحة والزبير من ذلك ما لم يحصل لغيرهما ثروة ويساراً».

(3) روى عامر عن الشعبي: «ما قتل عمر بن الخطاب حتى ملّته قريش واستطالت خلافته، وقد كان يعلم فتنتهم، فحصرهم في المدينة، وقال لهم: إن أخوف ما أخاف علـى هذه الأمة انتشــاركم في البلاد. وإن كـان =

= الرجل ليستأذن في الغزو، فيقول: إنّ لك في غزوك مع رسول الله (ص) ما يكفيك، وهو خير لك ألا ترى الدنيا وتراك. فكان يفعل هذا بالمهاجرين من قريش، ولم يكن يفعله بغيرهم من أهل مكة. فلما ولي عثمان، خلّى عنهم، فانتشروا في البلاد، وخالطهم الناس، وأفضى الأمر إلى ما أفضى إليه. وكان عثمان أحب إلى الرعية من عمر» ( شرح نهج البلاغة 2: 159).

(4) الإمامة والسياسة 1: 45.

(5) الإمامة والسياسة 1: 46.

(6) تاريخ الطبري 5: 97.

(7) مسند أحمد 6: 167؛ منتخب كنز العمال 5: 2؛ راجع: صحيح مسلم، فضائل الصحابة 4415.

(8) صحيح مسلم 7: 117؛ باب فضائل عثمان؛ مسند أحمد 6: 105.

(9) صحيح مسلم 7: 116؛ مسند أحمد 6: 62؛ كنز العمال 6: 376؛ 6: 148، ح2413 و2417 و5094؛ منتخب الكنز 5: 2 و17؛ تاريخ ابن عساكر، ترجمة عثمان.

(10) أنساب الأشراف 5: 54؛ راجع أيضاً: تاريخ اليعقوبي 2: 150؛ طبقات ابن سعد 4: 168؛ المسعودي 1: 438.

(12) البلاذري 5: 28.

(13) الكامل 3: 75؛ تاريخ الطبري 4: 239.

(14) الكامل 3: 75.

(14) المصدر السابق .

(15) تاريخ اليعقوبي 2: 164.

(16) الكامل 3: 75؛ تاريخ الطبري 4: 239.

(17) تاريخ اليعقوبي 2: 132؛ تاريخ أكثم 155.

(18) مروج المسعودي 1: 434.

(19) صحيح البخاري، كتاب الجهاد، باب بركة المغازي 5: 21.

(20) شذرات الذهب 1: 43.

(21) 3: 77 ط لايدن.

(22) 7: 249.

(23) راجع طبقات ابن سعد 3: 158 ط لايدن.

(24) أنساب البلاذري 5: 7؛ مروج الذهب 1: 434؛ العقد الفريد 2: 279؛ الرياض النضرة 2: 258؛ دول الإسلام 1: 18؛ الخلاصة للخزرجي 152.

(25) روى الطبري أن عثمان كان له على طلحة خمسون ألفاً... فقال له طلحة: قد تهيأ مالك فاقبضه! فقال: هو لك يا أبا محمد، معونة لك على مروءتك. تاريخ الطبري 4: 404؛ شرح النهج 10: 5.

وروى الطبري أيضاً أن طلحة باع أرضاً له من عثمان بسعمائة ألف، فحملها إليه. المصدران السابقان .

(26) شرح النهج 9: 35.

(30) طبقات ابن سعد 3: 96 ط لايدن؛ مروج الذهب 1: 434؛ تاريخ اليعقوبي 2: 146؛ صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 138؛ الرياض النضرة للمحب الطبري 2: 291.

(32) مروج الذهب 1: 434.

(33) الذهبي، دول الإسلام 1: 12.

(34) طبقات ابن سعد 3: 53 ط لايدن؛ راجع: ابن منظور 16: 248.

(35) مروج الذهب 1: 433.

(36) المصدر السابق 1: 433.

(37) نهج البلاغة 1: 126.

(38) نهج البلاغة 1: 46؛ شرح نهج البلاغة 1: 90.

(39) الكامل 3: 70.

(40) لكن أحد المصادر الشيعية يقول إن الآية « نزلت في مارية القبطية أم ابراهيم، وكان سبب ذلك أن عائشة قالت لرسول الله (ص) إن إبراهيم (ع) ليس هو منك وإنما هو من جريح القبطي، فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله (ص)، وقال لأمير المؤمنين [علي]: خذ السيف... الخ » ( بحار الأنوار 22: 153: 8: 1).

(41) راجع: سيرة ابن هشام 1: 385؛ 2: 25؛ تفسير الآية عند: الطبري، القرطبي، الزمخشري، ابن كثير، الدر المنثور، النيسابوري، الرازي . راجع أيضاً: إمتاع الأسماع ص‎ص 61 و90.

(42) لم يعزل عثمان سعداً فقط، بل عزل أيضاً كل الولاة الذين كان عمر قد عيّنهم، باستثاء قريبه معاوية: عيّن ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز والياً على البصرة، وكان عمره خمسة وعشرين عاماً؛ وعين أخاه في الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح على مصر.

(43) راجع: أنساب الأشراف 5: 29، 31؛ الاستيعاب 2: 604؛ مروج الذهب 2: 335 - 336.

(44) راجع: أنساب الأشراف 5: 36؛ العقد الفريد 2: 272.

(45) راجع ترجمة ابن مسعود في كل من: الاستيعاب ؛ طبقات ابن سعد؛ البلاذري، أنساب الشراف 5: 36؛ العقد الفريد 2: 272؛ تاريخ اليعقوبي 2: 167؛ تاريخ ابن كثير 7: 163؛ المستدرك 3: 13.

(46) تاريخ اليعقوبي 2: 170.

(47) شرح النهج 3: 45. لابد أن نلاحظ هنا، أن مصحف ابن مسعود، يختلف كثيراً عن المصحف العثماني، كما يخبرنا بذلك التقليد الإسلامي ذاته.

(48) راجع: تاريخ الخميس 2: 268؛ شرح النهج 1: 236 - 237؛ فضائل ابن مسعود في المستدرك 3: 213؛ كنز العمال 7: 54.

(49) في ذلك يقول الحطيئة:

«شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

أن الوليد أحق بالعذر

نادى وقد نفدت صلاتهم

أأزيدكم؟ ثملاً وما يدري

ليزيدهم خيراً ولو قبلوا

منه لزادهم على عشر

فأبوا أبا وهب ولو فعلوا

لقرنت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك إذ جريت ولو

خلوا عنانك لم تزل تجري»

( شرح النهج 3: 43: 18).

(50) مروج الذهب 2: 342.

(51) الأغاني 4: 180؛ راجع: مروج الذهب 1: 435؛ أنساب الأشراف 5: 33.

(52) البلاذري 5: 33؛ راجع: تاريخ اليعقوبي 2: 203.

(53) أنساب الأشراف 5: 35.

(54) تاريخ اليعقوبي 2: 142.

(55) راجع: فتوح البلدان 1: 373 - 375.

(56) راجع: تاريخ اليعقوبي 2: 172 - 173.

(57) 2: 114.

(58) العقد الفريد 4: 342 - 343.

(59) يظهر أن عائشة وحفصة كانتا متعاونتين أيضاً ضد عثمان. يقول ابن أبي الحديد: «ثم أقيمت الصلاة، فتقدم عثمان، فصلّى بهم، فلما كبّر، قالت امرأة من حجرتها: يا أيها الناس! ثم تكلمت... ثم قالت: تركتم أمر الله وخالفتم عهده! ثم صمتت وتكلمت امرأة أخرى بمثل ذلك. فإذا هما عائشة وحفصة؛ فسلّم عثمان، ثم... قال: إن هاتين لفتانتان! يحلّ لي سبهما!!! وأنا بأصلهما عالم» ( شرح النهج 9: 5).

(60) راجع: أنساب الأشراف 5: 49؛ العقد الفريد 2: 272؛ فتوح البلدان 1: 372؛ الإمامة والسياسة 1: 51.

( 61) راجع: الإمامة والسياسة 1: 51.

(62) راجع: فتوح البلدان 1: 377 - 378.

(63) راجع: فتوح البلدان 1: 384 - 387؛ أنساب الأشراف 5: 39 - 40؛ شرح النهج 2: 130 - 131.

(64) راجع: أنساب الأشراف 5: 41 - 42.

(65) راجع: فتوح البلدان 1: 391.

(66) راجع المصدرين السابقين .

(67) راجع: فتوح البلدان 1: 392.

(68) راجع: أنساب الأشراف 5: 43؛ فتوح البلدان 1: 392.

(69) راجع: أسد الغابة 3: 380؛ تاريخ مدينة دمشق ، ترجمة عثمان 246.

(70) لما بنى عثمان داره بالمدينة، أكثر الناس عليه في ذلك... فقال: إن النعمة إذا حدثت، حدث لها حسّاد حَسْبها... وهبوني بنيت منزلاً من بيت المال: أليس هو لي ولكم؟ ( شرح نهج البلاغة 9: 6).

(71) راجع: الإمامة والسياسة 1: 50؛ تاريخ الطبري 5: 93؛ طبقات ابن سعد 3: 64؛ العقد الفريد 4: 283؛ مروج الذهب 2: 372 - 374؛ البداية والنهاية 7: 192.

(72) فدك، باختصار، هي أرض استولى عليها النبي من اليهود. ولما مات، جاءت فاطمة تطالب بها كحصة من إرث والدها، فرفض أبو بكر إعطاءها إياها، بحجة أنّ الأنبياء لا يورثون. وماتت فاطمة «غاضبة عليه». راجع أيضاً: الهامش 10 من فصل عائشة وعلي.

(73) أنظر: شرح نهج البلاغة 1: 198 - 199؛ معارف ابن قتيبة 195؛ أنساب الأشراف 5: 30.

(74) شرح نهج البلاغة 9: 16.

(75) شرح نهج البلاغة 3: 35.

(76) «ادعى [عمرو] على أهل الاسكندرية أنهم نقضوا العهد الذين كان عاهدهم، فعمد إليها، فحارب أهلها وافتتحها، وقتل المقاتلة وسبى الذرية، فنقم ذلك عليه عثمان، ولم يصح عنده نقضهم العهد، فأمر برد السبي الذي سبوا من القرى إلى مواضعهم، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري مصر بدله» ( شرح النهج 6: 320 - 321). لذلك، لعب عمرو بن العاص دوراً هاماً في قتل عثمان. يروى أن الحسن قال له: «أمّا ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعّرت عليه الدنيا ناراً، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله، قلت: أنا أبو عبد الله، إذا أنكأت قرحة أدميتها» ( شرح النهج 2: 462).

(77) راجع: أنساب الأشراف 5: 50.

(78) راجع: تاريخ الطبري 5: 118؛ ابن الأثير 3: 70؛ تاريخ أكثم 46 - 47.

(79) أنساب الأشراف 5: 45 - 46.

(80) تاريخ 5: 115.

(81) 5: 70.

(82) 1: 165.

(83) راجع: أنساب الأشراف 5: 60؛ تاريخ الطبري 5: 96 - 97؛ ابن الأثير 3: 63؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 303؛ ابن كثير 7: 168؛ تاريخ أبي الفداء 1: 168.

(84) أنساب الأشراف 5: 59.

(85) راجع: تاريخ الطبري 5: 114 - 115.

(86) أنساب الأشراف 5: 51.

(87) تاريخ الطبري 5: 109.

(88) راجع: تاريخ الطبري 5: 111، 112؛ البلاذري 5: 64 - 65؛ ابن الأثير 3: 68؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 163 - 164؛ ابن كثير 7: 172؛ ابن خلدون 2: 396 - 397.

(89) أنساب الأشراف 5: 62.

(90) المرجع السابق .

(91) الإمامة والسياسة 1: 55.

(92) المرجع السابق .

(93) أنساب الأشراف 5: 62.

(94) تاريخ الطبري 5: 112؛ راجع أيضاً: البداية والنهاية 7: 172 - 173.

(95) تاريخ الطبري 5: 112؛ راجع: ابن الأثير 3: 96؛ أنساب الأشراف 5: 65.

(96) شرح نهج البلاغة : 2: 147 - 148؛ راجع: تاريخ الطبري 5: 139.

(97) راجع: تاريخ الطبري 5: 115؛ البداية والنهاية 7: 196.

(98) الإمامة والسياسة 1: 55 - 56؛ راجع أيضاً: تاريخ الطبري 5: 115؛ فتوح ابن أعثم 2: 211؛ أنساب الأشراف 5: 26 - 69 و95؛ الرياض النضرة 2: 123 - 125؛ معارف ابن قتيبة 84؛ العقد الفريد 2: 263؛ ابن الأثير 3: 70 - 71؛ شرح نهج ابن أبي الحديد 1: 165 - 166؛ ابن كثير 7: 173 - 189؛ تاريخ الخميس 2: 259.

(99) أنساب الأشراف 5: 68.

(100) راجع: فتوح ابن أعثم 2: 212 - 213؛ تاريخ الطبري 5: 117؛ مروج الذهب 2: 338؛ الإمامة والسياسة 56:1.

(101) البدء والتاريخ 5: 205.

(102) تاريخ اليعقوبي 2: 175.

(103) تاريخ ابن أعثم 155.

(104) تاريخ الطبري 4: 477 ط القاهرة عام 1357؛ تاريخ ابن أعثم 155؛ ابن الأثير 3: 87؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 77؛ نهاية ابن الأثير 4: 156؛ 2: 458؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: بحار الأنوار 32: 142: 116: 1.

(105) قيل إن نعثلاً كان يهودياً بالمدينة شُبّه به عثمان. (راجع: كلمة نعثل في نهاية ابن الأثير، القاموس ، تاج العروس ولسان العرب ). وقد ظلَّت اللفظة مستخدمة من قبل أعداء عثمان حتى بعد مماته. يقول الأعور السنّي، على سبيل المثال: برئت إلى الرحمن من دين نعثل ودين ابن صخر، أيها الرجلان

راجع: أنساب الأشراف 5: 105.

ويقول محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير العرشي:

فنحن قتلنا نعثلاً بالسيرة إذ صد عن أعلامنا المنيرة

راجع: مضر بن مزاحم، صفين 436.

وفي نص الإمامة 1: 72: «اقتلوا نعثلاً فقد فجر». راجع أيضاً: فتوح ابن الأعثم 2: 249؛ بحار الأنوار 32: 136: 112: 1.

(106) نهاية ابن الأثير 5: 80؛ تاج العروس 8: 141؛ لسان العرب 14: 183؛ شرح النهج 2: 77 ط1؛ شيخ المضيرة 181.

(107) أنكرت عائشة ذلك لاحقاً.

(108) أنساب الأشراف 5: 103.

(109) الإمامة والسياسة 1: 57.

(110) أنساب الأشراف 5: 81.

(111) يقدم ابن أبي الحديد رواية تختلف قليلاً إذ يقول، إن مروان بن الحكم « لما حصر عثمان الحصر الأخير، أتى زيد بن ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلمها في هذا الأمر، فمضيا إليها وهي عازمة على الحج، فكلماها في أن تقيم وتذب عنه، فأقبلت على زيد بن ثابت، فقالت: وما منعك يا ابن ثابت ولك الأشاريف قد اقتطعكها عثمان ولك كذا وكذا، وأعطاك عثمان من بيت المال عشرة آلاف دينار! قال زيد: فلم أرجع عليها حرفاً واحداً » ( شرح النهج 3: 43: 4؛ 3: 43: 18).

(112) تاريخ اليعقوبي 2: 124.

(113) تاريخ اليعقوبي 2: 124.

(114) راجع: أنساب الأشراف 5: 75؛ تاريخ ابن أعثم 155؛ ابن سعد في الطبقات ط لايدن 5: 25، ترجمة مروان.

(115) تاريخ الطبري 5: 140؛ تاريخ ابن أعثم 156؛ الأنساب 5: 75. في الأخبار الطوال يقال إن عائشة «خرجت قبل ذلك معتمرة، وعثمان محصور، وذلك قبل مقتله بعشرين يوماً، فلما قضت عمرتها أقامت، فوافاها طلحة والزبير» (141).

(116) راجع: أنساب الأشراف 5: 78؛ تاريخ الطبري 5: 154؛ تاريخ ابن أعثم 156 - 157؛ ابن الأثير 3: 64؛ كنز العمال 6: 380 ح 5965؛ الكامل للمجرد ص11 ط لايدن؛ زهر الآداب 1: 75 ط الرحمانية.

(117) تاريخ الطبري 5: 117.

(118) أنساب الأشراف 5: 81.

(119) أنساب الأشراف 5: 90.

(120) الإمامة والسياسة 1: 57.

(121) أنساب الأشراف 5: 69؛ تاريخ الطبري 5: 118؛ الإمامة والسياسة 1: 59؛ راجع أيضاً رواية موته في كتابنا « يوم انحدر الجمل من السقيفة ».

(122) تاريخ الطبري 5: 130 - 132؛ مروج الذهب 2: 382؛ البداية والنهاية 7: 185؛ فتوح 2: 231؛ الكامل 2: 231؛ تاريخ اليعقوبي 2: 176؛ طبقات ابن سعد 3: 72 - 73؛ الإمامة والسياسة 1: 62 - 63.

(123) عن سبب سجن ضابئ بن الحارث الرجمي، يقال؛ إنه «استعار في زمن الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلباً(!!!) يدعى قرمان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فانتزعه الأنصاريون منه قهراً، فهجاهم وقال: فكلبكم لا تتركوا فهو أمكم فإن عقوق الأمهات كبير

فاستعدوا عليه عثمان، فعزره وحبسه، فما زال في السجن حتى مات». ( الكامل 3: 72 - 73).

(124) تاريخ الطبري 3: 439 - 440.

(125) جعل طلحة ناساً هناك، أكمنهم كميناً، فأخذتهم الحجارة، وصاحوا، نعثل! نعثل!... وقال طلحة: يدفن بدير سلع، يعني: مقابر اليهود ( شرح النهج 10: 7).

(126) تاريخ الطبري 5: 143 - 144؛ راجع: الكامل 3: 69 - 70.

(127) الإمامة والسياسة 1: 64.

(128) فتوح ابن الأعثم 2: 240.

(129) دفن عثمان عبدان اليهود ( شرح النهج 10: 6 - 7).

(130) الإمامة والسياسة 1: 65. من أجل علاقة عائشة بعثمان، راجع أيضاً: تاريخ ابن خياط 104 ومابعد.

(1) الإمامة والسياسة 1: 67.

(2) الإمامة والسياسة 1: 84.

(3) أنساب الأشراف 2: 217.

(4) شرح نهج البلاغة ط1 2: 77.راجع أيضاً عرض هذه الحوادث باختصار في تاريخ ابن خياط، ص.ص108 ومابعد

(5) في نص الإمامة والسياسة (1: 66)، يقال: «فخرجت عائشة باكية، تقول: قتل عثمان رحمه الله! فقال لها عمار [بن ياسر]: بالأمس كنت تحرضين الناس عليه، واليوم تبكينه».

(6) راجع: تاريخ الطبري 5: 172؛ الكامل 3: 105؛ فتوح ابن الأعثم 2: 248؛ تذكرة الخواص 64؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: بحار الأنوار 32: 136: 112: 1.

(7) راجع مثلاً: تاريخ الطبري 5: 139، 143، 154، 165؛ الكامل 3: 87 ط بيروت؛ تاريخ ابن خلدون 2: 397؛ أنساب الأشراف 5: 44، 72، 76، 81، 90؛ الإمامة والسياسة 1: 34.

(8) 3: 60.

(9) 9: 191 - 199.

(10) سنقدّم الموضوع بتفاصيله لاحقاً.

(11) ورد في مسند أحمد، مسند العشرة المبشرين بالجنة 25، عن عائشة، قولها: «إن فاطمة بنت رسول الله (ص) سألت أبا بكر (رض) بعد وفاة النبي (ص) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسـول الله (ص) مما أفـاء الله عليه! فقال لها أبو بكر (رض): إن رسول الله (ص)، قال: لا نورث، ما تركناه صدقة! فغضبت فاطمة (ع)، فهجرت أبا بكر (رض)، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت... وعاشت بعد وفاة النبي (ص) ستة اشهر... وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله (ص) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله (ص) يعمل به إلا عملت به، وإنـي =

= أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ! فأما صدقته بالمدينة، فدفعها عمر الى علي وعبّاس، فغلبه عليها علي!! وامّا خيبر وفدك، فأمسكهما عمر (رض)، وقال: هما صدقة رسول الله (ص)، كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر... فهما على ذلك اليوم». (راجع مثلاً: صحيح البخاري، فرض الخمس 2862؛ طبقات ابن سعد 8: 23؛ السمط الثمين 157). ويقول ابن سعد في طبقاته (2: 241)، إن علياً قال لأبي بكر: «ورث سليمان داود، وقال زكريا: يرثني ويرث من آل يعقوب. فقال أبو بكر: هو هكذا، وأنت والله تعلم مثلما أعلم! فقال علي: هذا كتاب الله ينطق! فسكتوا، وانصرفوا». وفي شرح نهج البلاغة (16: 214)، يقال إن فاطمة قالت لأبي بكر: «إن أم أيمن تشهد لي بأن رسول الله (ص) أعطاني فدك... قال أبو بكر: إن هذا المال لم يكن للنبي (ص) وحده، وإنما كان من أموال المسلمين! فقالت: والله لاكلمتك أبداً».

(12) يروي اليعقوبي في تاريخه (2: 115): «كان بعض نساء رسول الله أتينها في مرضها، فقلن: يا بنت رسول الله، صيّري لنا في حضور غسيلك حظاً! قالت: أتردن أن تقلن فيّ كما قلتن في أمي؟ لا حاجة لي في حضوركن! [أو]: أجدني - والله - كارهة لدنياكم، مسرورة لفراقكم، ألقى الله ورسوله بحسرات منكن، فما حفظ لي الحق، ولا رعيت مني الذمة، ولا قبلت الوصية، ولا عرفت الحرمة». وفي رواية أخرى، نجدها تقول لأسماء بنت عميس: «إذا أنا مت، فاغسليني أنت وعلي، ولا تدخلي علي أحداً. فلما توفيت ، جاءت عائشة، فمنعتها أسماء» ( أسد الغابة 5: 524).

(13) مسند أحمد، مسند الأنصار 22911؛ راجع: صحيح مسلم، الوصية 3088؛ طبقات ابن سعد 8: 19؛ شرح النهج لابن أبي الحديد: 2: 26: 52.

(14) تقول عائشة أيضاً: «قبض رسول الله (ص) ولم يستخلف أحداً، ولو كان مستخلفاً أحداً، لاستخلف أبا بكر وعمر» ( مسند أحمد، مسند الأنصار 23210).

(15) مسند أحمد، مسند الأنصار 23608.

(16) الترمذي ، مناقب 3830.

(17) المرجع السابق 3809.

(18) 4: 275.

(19) 5: 548.

(20) صحيح البخاري، أذان 625؛ راجع: سيرة ابن هشام 2: 649؛ صحيح البخاري، وضوء 191، آذان 624؛ تاريخ الطبري 2: 433.

(21) 2: 179.

(22) تاريخ الطبري 1: 1801 ط أوروبا.

(23) كان علي يقول عن عائشة: «أما فلانة فقد أدركها ضعف رأي النساء، وضغن غلا في صدرها، كمرجل القين. ولو دعيت لتنال من غيري، ما أتت إلي، لم تفعل!» ( شرح النهج 2: 456 - 460). أو: «وأما عائشة، فقد أدركها رأي النساء وشيء كان في نفسها علي، يغلي كالمرجل. ولو دعيت لتنال من غيري، ما أتت إلي، لم تفعل» ( كنز العمال 8: 215 - 217؛ منتخب الكنز 6: 315 - 316).

(24) صحيح البخاري، جنائز 130.

(25) طبقات ابن سعد 2: 202.

(26) 2: 202.يجب أن لاننسى قول الطبري في تاريخه إن النبي « مات وهو في بيت زينب » زوجته 187:3.

(27) 2: 201 - 202.

(28) راجع: الإمامة والسياسة 1: 65.

(29) 3: 22.

(30) تقول مصادر أخرى، إن عبد الله بن عمر، محمد بن مسلمة، اسامة بن زيد، حسان بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، تخلّفوا عن البيعة. راجع، مثلاً، تاريخ ابن أعثم 163. من أجل مبايعة الأمويين له، راجع: تاريخ اليعقوبي 2: 125؛ تاريخ ابن أعثم 163 - 164.

(31) طلحة هو الذي حامت حوله الشبهات برفض المبايعة. مع ذلك، هنالك رأيان في المسألة: الأول، أنه بايع بلسانه ومنع يده؛ والثاني، أنه أول من صعد المنبر، فبايع علياً بيده، وكانت أصابعه شلاء، فتطير منها علي، وقال: ما أخلقها أن تنكث. راجع: الإمامة والسياسة 1: 66. من أجل بيعة علي عموماً، راجع: تاريخ الطبري 5: 143 - 144؛ ابن الأثير 3: 76؛ تاريخ أعثم 159 وما بعد؛ الرياض النضرة 2: 131 - 132؛ كنز العمال 3: 161؛ الأنساب 5: 70؛ الحاكم في المستدرك 3: 114.

(32) 4: 32.

(33) الإمامة والسياسة 1: 71.

(34) الجملة من تاريخ اليعقوبي 2: 127؛ راجع أيضاً: تاريخ ابن أعثم 166 - 167؛ تاريخ الطبري 5: 153؛ ابن كثير 7: 227 - 228؛ فتوح ابن أعثم 2: 248؛ شرح نهج البلاغة 2: 170 - 173؛ الإمامة والسياسة 1: 71.

(35) طبقات ابن سعد 5: 26.

(36) في رواية أخرى في الطبقات (5: 28): يقول مروان: «والله إن دم عثمان إلا عند هذا، هو كان أشدّ الناس عليه، وما أطلب أثراً بعد عين! ففرق له بسهم، فرماه به، فقتله».

(37) 5: 27.

(38) 3: 61.

(39) من أجل قتل طلحة، راجع: تاريخ الطبري 5: 204؛ تاريخ اليعقوبي 2: 158؛ المستدرك 3: 371؛ ابن عبد البر في الاستيعاب 207 - 208؛ إصابة ابن حجر 2: 222؛ الذهبي في النبلاء 1: 82 - 83؛ العقد الفريد 4: 321؛ ابن عساكر في تهذيب تاريخه : 7: 84 - 87.

(40) الإمامة والسياسة 1: 97.

(41) أسد الغابة 5: 128 - 129.

(42) الكامل 3: 102.

(43) تاريخ الطبري 5: 167؛ راجع أيضاً: ابن الأثير 2: 313؛ شرح النهج 2: 80 ط1؛ نور الأبصار 82؛ تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي 65؛ الإمامة والسياسة 1: 79.

(44) تاريخ الطبري 5: 168؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: بحار الأنوار 32: 211: 166: 3.

(45) 5: 35 - 36؛ راجع أيضاً: أسد الغابة 3: 192 - 193.

(46) الجملة بين قوسين من تاريخ الإسلام للذهبي، عصر معاوية، ص258.

(47) الإمامة والسياسة 1: 78.

(48) مروج الذهب 2: 394.

(49) راجع: الإمامة والسياسة 1: 79.

(50) راجع: تاريخ الطبري 5: 167؛ تذكرة الخواص 65؛ المعيار والموازنة للإسكافي 30؛ الكامل في التاريخ
3: 113.

(51) شرح نهج البلاغة 6: 219.

(52) ابن طيفور، بلاغات النساء 8؛ راجع: الفائق للزمخشري 1: 290؛ العقد الفريد 3: 69؛ شرح نهج البلاغة 2: 79.

(53) شرح نهج البلاغة 6: 217؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: بحار الأنوار 32: 149: 123: 2.

(54) يقال إنه لم يستجب لها من نساء النبي للخروج إلى البصرة إلا حفصة، لكن أخاها عبد الله أتاها، فعزم عليها بترك الخروج، فحطت رحلها بعد أن همت. راجع: تاريخ الطبري 5: 167 - 169؛ الكامل في التاريخ 3: 106؛ شرح نهج البلاغة 2: 80.

(55) الكامل في التاريخ 3: 106.

(56) الطلقاء تسمية مستمدّة من عبارة قالها النبي لبني أميّة الذين ظلّوا معادين له حتى استيلائه على مكّة؛ فقد أجابهم، عندما جاؤوه مستسلمين، متوقعين منه أحد أشكال الانتقام: « اذهبوا فأنتم الطلقاء » .والعبارة مستخدمة للغاية في الدوائر الشيعية للإنتقاص من الأمويين عموماً.

(57) شرح نهج البلاغة ، ط إيران 2: 157؛ من أجل مرجع شيعي، أنظر: بحار الأنوار 32: 86: 61: 1.

(58) الإمامة والسياسة 1: 66.

(59) طبقات ابن سعد 3: 61.

(60) مروج الذهب 2: 409؛ راجع: طبقات ابن سعد 3: 61.

(61) سير أعلام النبلاء 3: 482.

(62) سعيد الأفغاني، عائشة والسياسة 72.

(63) أنساب الأشراف 5: 102؛ العقد الفريد 3: 98؛ بلاغات النساء 12؛ البيان والتبيين 2: 209.

(64) راجع: تاريخ الطبري 5: 168 - 169؛ أنظر أيضاً: طبقات ابن سعد 5: 23. نلاحظ بالمناسبة، قول أسد الغابة (3: 59): «آخى رسول الله (ص) بينهما [طلحة والزبير] بمكة قبل الهجرة».

(65) أسد الغابة 2: 179.

(66) أنظر ما ذكرناه سابقاً بشأن محمد بن أبي بكر.

(67) ورد في أسد الغابة (3: 15): «لما قدمت عائشة (رض) إلى البصرة، أرسلت إليه [الأحنف بن قيس] تدعوه ليقاتل معها، فقالت له: بِمَ تعتذر إلى الله تعالى من جهاد قتلة عثمان أمير المؤمنين؟ فقال: يا أم المؤمنين! تقولين فيه وتنالين منه؟ قالت: ويحك يا أحنف، إنهم ماصوه مص الإناء ثم قتلوه! قال: يا أم المؤمنين، إني آخذ بقولك وأنت راضية، وأدعه وأنت ساخطة».

(68) راجع: الإمامة والسياسة 1: 57؛ شرح نهج البلاغة 2: 81؛ العقد الفريد 2: 278.

(69) راجع: الكامل 3: 110؛ تاريخ الطبري 5: 183، 188.

(70) راجع: تاريخ الطبري 5: 176؛ الإمامة والسياسة 1: 60؛ تذكرة الخواص 67.

(71) راجع: البيهقي، المحاسن والمساوئ 1: 35.

(72) راجع: شرح النهج 2: 500.

(73) راجع: شرح النهج 2: 500؛ الكامل 3: 110؛ مروج الذهب 2: 358.

(74) مروج الذهب 2: 358.

(75) شرح النهج 2: 501.

(76) راجع: تاريخ الطبري 5: 186.

(77) راجع: طبقات ابن سعد 5: 40؛ شرح نهج البلاغة 2: 501؛ مروج الذهب 2: 357.

(78) راجع: تاريخ الطبري 3: 519 وما بعد؛ الكامل 3: 123؛ مروج الذهب 2: 363؛ تذكرة الخواص 70؛ المستدرك للحاكم 3: 366؛ أغاني أبي الفرج 16: 131، 132؛ العقد الفريد 2: 279؛ مطالب المسؤول 41؛ الرياض النضرة 2: 273؛ مجمع الزوائد 7: 235؛ فتح الباري لابن حجر 13: 46؛ المواهب اللدنية للقسطلاني 2: 195؛ شرح المواهب للزرقاني 3: 318 و7: 217؛ الخصائص الكبرى للسيوطي 2: 137؛ السيرة الحلبية 3: 315؛ شرح الشفا للخفاجي 3: 165.

(79) تاريخ الطبري 3: 520؛ الإمامة والسياسة 1: 95.

(80) الكامل 3: 105.يقال في الأخبار الطوال إن « عائشة كانت في هودجها أمام القوم..أصاب ساعدها خدش سهم دخل بين صفائح الحديح »(147، 151).

(81) «حمل الأشتر النخعي، وهو يريد عائشة، فلقيه عبد الله بن الزبير، فضربه، واعتنقه عبد الله فصرعه، وقعد على صدره، ثم نادى عبد الله: اقتلوني ومالكاً» ( الإمامة والسياسة 1: 96).

(82) قتل الزبير ابن جرموز، حين أراد الأول مغادرة ساحة الوغى فقال الثاني: «ويلي عن ابن صفية [الزبير]، أضرمها ناراً، ثم أراد أن يلحق بأهله... فلما انتهى [الزبير] إلى وادي السباع؛ استغفله [ابن جرموز] فطعنه، ثم رجع برأسه وسلبه إلى قومه» ( الإمامة والسياسة 1: 93 - 94).

(83) راجع: مروج الذهب 2: 359 - 360؛ أسد الغابة 1: 385؛ 2: 114، 1178؛ 4: 46، 100؛ 5: 143، 146، 286؛ الإصابة 1: 248؛ 2: 395؛ تاريخ الطبري 5: 163؛ كامل ابن الأثير 3: 96 - 97؛ تاريخ خليفة 185؛ سير أعلام النبلاء 1: 26؛ فتوح ابن الأعثم 2: 326؛ اتبداية والنهاية 7: 275.

(84) الإمامة والسياسة 1: 97؛ راجع أيضاً: شرح النهج لابن أبي الحديد: 1: 12: 249؛ مستدرك الوسائل ، 11: 23: 56: 12417؛ 11: 23: 58: 12422؛ بحار الأنوار 32: 211: 173: 4.

(85) الكامل 3: 142.

(86) أسد الغابة 3: 284.

(87) طبقات ابن سعد 5: 1؛ فتوح ابن أعثم 2: 341 - 342؛ راجع: تاريخ الإسلام للذهبي، زمن معاوية 264؛ الأخبار الطوال 147.

(88) أسد الغابة 3: 284؛ طبقات ابن سعد 8: 64؛ راجع أيضاً: تفسير الآية في: الدر المنثور ؛ الإصابة 701؛ السمط الثمين 29؛ تاريخ الطبري 3: 67؛ ذيل المذيل 2: 43؛ تاريخ الخميس 1: 475؛ صبح الأعشى 5: 435؛ منهاج السنة 2: 182، 186، 192، 198؛ الأعلام 3: 240؛ تاريخ الذهبي 253.

(89) تاريخ الإسلام للذهبي، عهد معاوية 246.

(90) طبقات ابن سعد 8: 59؛ راجع: صحيح البخاري 3: 11 في تفسير سورة النور؛ حلية الأولياء ، ترجمة عائشة، مسند أحمد 1: 276، 349؛ تاريخ الذهبي ، عهد معاوية 253.

(91) طبقات ابن سعد 8: 74؛ تاريخ الذهبي 253.

(92) المرجعان السابقان .

(93) بلاغات النساء 8؛ راجع: تذكرة الخواص 46.

(94) طبقات ابن سعد 8: 49؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 32: 327: 316: 8.

(95) النبلاء 2: 134 - 135؛ راجع أيضاً: المستدرك 4: 6؛ المعارف 59.

(96) تاريخ الذهبي، عهد معاوية 247؛ طبقات ابن سعد 8: 65؛ أبو نعيم في الحلية 2: 44؛ أسد الغابة 5: 503 - 504؛ السمط الثمين 34؛ صححه أيضاً ا لترمذي في المناقب 3975.

(97) تاريخ الطبري 4: 115؛ راجع: مروج الذهب 3: 259؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 32: 338: 324: 8.

(98) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين 43؛ راجع ايضاً: مجمع الرجال 4: 14؛ طبقات ابن سعد 3: 40؛ ابن الأثير 3: 157.

(99) ص 55؛ راجع: ابن الأثير 3: 171.

(1) راجع حوادث عامي 37 و38هـ عند كل المؤرخين. أنظر أيضاً: الاستيعاب 3: 328 - 329؛ الإصابة
3: 451.

(2) شرح نهج البلاغة 6: 88؛ راجع أيضاً: تاريخ الطبري 4: 79؛ أسد الغابة 4: 324 - 325؛ الكامل 3: 230؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 33: 555: 722: 30.

(3) جاء في تاريخ اليعقوبي (2: 223): «خطب معاوية [الخطبة] قبل الصلاة، وذلك أن الناس إذا صلّوا، انصرفوا لئلا يسمعوا لعن علي». - نلاحظ هنا أن الاثنين يعتبران من الصحابة ومن أمراء «المؤمنين»!!!!

(4) راجع: تاريخ الطبري 4: 192؛ ابن الأثير 3: 209؛ الأغاني 16:10.

(5) الإمامة والسياسة 1: 205 - 206؛ راجع أيضاً: ترجمة حجر في الاستيعاب و أسد الغابة ؛ تاريخ الطبري 5: 64؛ مسند أحمد 4: 92؛ تاريخ الإسلام للذهبي 248 - عصر معاوية؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 18: 23: 36: 11.

(6) الكشاف 2: 36؛ ورد في الهامش 3 من الصفحة ذاتها: « قال محمود: نزلت في أبي بكر (رض) حين دعاه ابنه عبد الرحمن إلى عبادة الأوثان».

(7) 1: 638.

(8) الكشاف 4: 303 - 304؛ راجع: تفسير ابن كثير 3: 256.

(9) الكشاف 4: 256 - 257؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 65: 236: 15: 5؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 72: 150.

(10) راجع: الكشاف 3: 304؛ ابن الأثير 3: 199؛ حوادث عام 53هـ؛ ابن كثير 8: 89؛ الإصابة 141، ترجمة عبد الرحمن عند ابن عساكر 4: 226؛ ترجمة الحكم في: الاستيعاب ، أسد الغابة ، الإصابة ؛ المستدرك 4: 481؛ راجع: تفسير سورة الأحقاف عند البخاري 3: 126؛ تاريخ الإسلام للذهبي، عصر معاوية 148.

(11) الاستيعاب 2: 393 ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر؛ أسد الغابة 3: 306؛ الإصابة 2: 400؛ شذرات الذهب ، عام 53هـ؛ المستدرك 3: 476.

(12) راجع: تاريخ اليعقوبي 2: 225؛ مروج الذهب بهامش الكامل 6: 55؛ مقاتل الطالبيين 73؛ ترجمة الحسن في الاستيعاب ؛ سبط ابن الجوزي في التذكرة ؛ وا بن عساكر 4: 226؛ ابن الأثير 2: 197؛ ابن شحنة بهامش ابن الأثير 11: 132؛ ابن كثير 8: 43؛ شرح نهج البلاغة 4: 4.

(13) أسد الغابة 2: 15.

(14) 11: 133.

(15) شرح نهج البلاغة 16: 13 - 14.

(16) تاريخ اليعقوبي 2: 200؛ راجع: تذكرة خواص الأمة 122 و مروج ا لذهب .

(14) الأصفهاني، مقاتل الطالبيين ، ترجمة الحسن 82.

(18) ابن منظور 13: 293؛ راجع: أنساب الأشراف 1: 421. لقد توقفت المصادر الشيعية بإطناب عند هذا الحدث؛ يذكر الكليني في الكافي ، مثلاً: إن عائشة «كانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجاً، فقالت: نحوا ابنكم [الحسن] عن بيتي، فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه. فقال لها الحسين (ع): قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله (ص) وأدخلت عليه بيته من لا يحب قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة » (1: 300: 1). « ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة يوماً على بغل ويوماً على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ». ( المرجع السابق 1: 302: 3). لكن بحار الأنوار يجعل ابن عباس يقول لعائشة: « يا حميراء ليس يومنا منك بواحـد، يـوم على الجمـل ويوم علـى البغلة» (44: 140: 7: 22)؛ ويكمل المصدر السابق فيقدم رواية أخرى لابن عباس أيضاً تقول: « يوماً تجملت ويوماً تبغلت، وإن عشت تفيلت. فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي، فقال:

يا بنـت أبــي بكــر لا كــان ولا كنت

لك التسع من الثمن وبالكـــل تملكــت

تجملــــت تبغلــــت وإن عشت تفيلت » (44: 154: 24: 22).

ويجعل البغلة لمروان بن الحكم؛ راجع أيضاً: وسائل الشيعة 11: 20: 497: 15362.

(19) السمط الثمين 76.

(20) حلية أبي نعيم 2: 48.

(21) حلية أبي نعيم 2: 47.

(22) حلية أبي نعيم 2: 47؛ سير أعلام النبلاء 2: 131؛ ابن كثير 7: 136 - 137؛ المستدرك 4: 13.

(23) ابن كثير 8: 136؛ سير أعلام النبلاء 2: 131؛ تاريخ الذهبي، عصر معاوية 248.

(24) طبقات ابن سعد 5: 20؛ راجع: الجرح والتعديل 5: 125.

(25) طبقات ابن سعد 8: 131؛ راجع: أبو نعيم في الحلية 2: 47؛ تاريخ الذهبي، عصر معاوية 248.

(1) ابن منظور 18: 199.

(2) طبقات ابن سعد 8: 55.

(3) طبقات ابن سعد 8: 57.

(4) طبقات ابن سعد 2: 182 - 183.

(5) طبقات ابن سعد 3: 166.

(6) طبقات ابن سعد 3: 145.

(7) طبقات ابن سعد 3: 98؛ 8: 170.

(8) شرح النهج لابن أبي الحديد 20: 416: 111.

(9) السمط الثمين 76

(10) تاريخ الذهبي، عصر معاوية 250.

(11) طبقات ابن سعد 8: 55؛ راجع: مالك ، الجامع 1419.

(12) طبقات ابن سعد 8: 55.

(13) طبقات ابن سعد 8: 55؛ تاريخ الذهبي، عصر معاوية 252.

(14) طبقات ابن سعد 8: 56.

(15) 1: 195، باب طواف النساء من كتاب الحج.

(16) راجع ترجمتها في نبلاء الذهبي 2: 132؛ طبقات ابن سعد 8: 71؛ تاريخ الذهبي، عصر معاوية 252.

(17) طبقات ابن سعد 8: 70.

(18) تاريخ الذهبي، عصر معاوية 252.

(19) المرجع السابق 256؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 68.

(20) السمط الثمين 76.

(21) تاريخ الذهبي، عصر معاوية 251؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 67؛ حلية الأولياء 2: 47.

(22) السمط الثمين 77.

(23) السمط الثمين 78 - 79.

(1) 2: 18.

(2) 2: 42.

(3) 3: 803.

(4) صحيح البخاري، نكاح 4687.

(5) الزمخشري، الكشاف 3: 245.ويقول الطبري في تاريخه نقلاً عنها ايضاً: « خلال فيّ تسع لم تكت في أحد من النساء الا ما أتى الله مريم بنت عمران، والله ما أقول هذا فخراً على أحد من صواحبي...نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله(ص) لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين، وتزوجني بكراً ولم يشركه في أحد من الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس اليه، ونزل فيّ آية من القرآن كادت الأمة أن تهلك، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي ولم يله أحد الا الملك » (399:2).

(6) الصفوري، نزهة المجالس 521.

(7) السمط الثمين 42.

(8) السمط الثمين 30؛ راجع ايضاً: صحيح البخاري، ك النكاح 6: 119؛ صحيح مسلم 4: 2438؛ طبقات ابن سعد 8: 67؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23012؛ أنظر أيضاً: بحار الأنوار 32: 285: 237: 6؛ شرح النهج لابن أبي الحديد 9: 156: 190.

(9) السمط الثمين 31.

(10) الصفوري، نزهة المجالس 521.

(11) هذا الكلام يتناقض تماماً مع ما ذكر في فصل سابق من أن النبي لم تخطر بباله عائشة حتى ذكرتها له خولة بنت حكيم؛ ومع رفض أبي بكر لفكرة زواجه منها في البداية.

(12) الصفوري، نزهة المجالس 521.

(13) الصفوري، نزهة المجالس 521.

(14) السمط الثمين 42.

(15) الصفوري، نزهة المجالس 521 - 522.

(16) السمط الثمين 61.

(17) السمط الثمين 61.

(18) السمط الثمين 61؛ راجع أيضاً: طبقات ابن سعد 8: 67؛ كتاب الأربعين 73.

(19) الصفوري، نزهة المجالس 523.

(20) الصفوري، نزهة المجالس 523.

(21) السمط الثمين 42.

(22) صحيح البخاري 4: 221؛ جامع الأصول 9: 138؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23925؛ يقول ابن أبي الحديد: « عائشة موعودة أن تكون زوجة رسول الله (ص) في الآخرة » ( شرح النهج 7: 92: 56).

(23) طبقات ابن سعد 8: 64؛ كتاب الأربعين 6؛ رغم كل ما فعلته عائشة، يقول ابن أبي الحديد: « وأما عائشة والزبير وطلحة، فمذهبنا أنهم أخطئوا ثم تابوا وأنهم من أهل الجنة، وأنّ علياً (ع) شهد لهم بالجنة بعد حرب الجمل » ( شرح النهج 20: 314: 31).

(24) 8: 155.

(25) مسند أحمد، مسند الأنصار 2337؛ راجع أيضاً: فصل سودة وعائشة.

(26) تيمم 324291؛ راجع: صحيح مسلم، حيض 441؛ الألباني، آداب الزفاف في السنة المطهرة 35؛ ابن ماجة ، طهارة 627؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23823، 24114؛ أبو داود ، طهارة 234، 239؛ صحيح البخاري، حيض 291؛ النسائي ، طهارة 238؛ الدارمي ، طهارة 1015؛ تفسير الطبري للآية 222 من سورة البقرة.

(27) الدارمي ، طهارة 1020؛ أنظر أيضاً: الدارمي ، طهارة 1019.

(28) مسند أحمد، مسند الأنصار 23680، 22918؛ راجع: مالك ، طهارة 116؛ الترمذي ، طهارة 122؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23145، 24952، 23299، 22918.

(29) مسند أحمد، مسند الأنصار 24339.

(30) النسائي ، حيض واستحاضة 372؛ راجع أيضاً: المحلى 2: 177، 181؛ الكشاف 1: 265.

(31) الدارمي ، طهارة 1029.

(32) تفسير ابن كثير 1: 405؛ وفي تفسير القرطبي للآية 222 من سورة البقرة نجد أن مسروقاً هو الشخص الذي يطرح على عائشة هذا السؤال.

(33) المرجع السابق .

(34) 57 - 58.

(35) تفسير ابن كثير 1: 406.

(36) تفسير ابن كثير 1: 405؛ يقول المرجع الشيعي، وسائل الشيعة : « إن النبي (ص) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا أراد أن يسجد، غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد » (5: 4: 122: 6096).

(37) تفسير ابن كثير 1: 796. في مسند أحمد، مسند الأنصار 23621، يروى عن عائشة قولها: « كان رسول الله (ص) قلّ يوم إلاّ وهو يطوف علينا جميعاً، امرأة امرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس، حتى يفضي إلى اللتي هي يومها، فيبيت عندها ». راجع أيضاً: السمط الثمين 7.

(38) هداية الباري 2: 95 - 96؛ راجع: السمط الثمين .

(31) طبقات ابن سعد 8: 138.

(40) المحلى 2: 167.

(41) تفسير 1: 405.

(42) طهارة 818.

(43) مسند الأنصار 23465.

(44) مسند الأنصار 24775؛ راجع: أبو داود ، الصوم 2038؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23769؛ صيد الخاطر 304.

(45) الصوم 2034؛ راجع أيضاً: صحيح البخاري، الصوم 1792؛ الدارمي ، مقدمة 632؛ ابن ماجة ، الصيام 1674؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23873، 24071، 22981، 24284، 23769، 24550؛ الترمذي ، الصوم 661؛ هداية الباري 2: 115؛ المحلى 6: 205 - 206؛ صحيح مسلم 1: 305.

(46) مسند أحمد، مسند الأنصار 25116؛ تقول عائشة أيضاً: « كان رسول الله (ص) يصيب من رؤوس نسائه وهو صائم، كنت بذلك عن القبلة » ( شرح النهج 5: 59: 15).

(47) السمط الثمين 42.

(48) تفسير ابن كثير 1: 796.

(49) المصدر السابق .

(50) المصدر السابق .

(51) مسند أحمد، مسند الأنصار 23000. حديث هام آخر، يورده المرجع السابق (23940) نقلاً عن عائشة، بأن « رجلاً أتى النبي (ص)، فقال: إنه قد احترق! فسأله ما شأنه، فقال: أصاب أهله في رمضان! فأتاه مكتل يدعى العرق فيه تمر، فقال: أين المحترق؟ فقام الرجل! فقال: تصدّق بهذا!!! ».

(52) المحلى 6: 211.

(53) المحلى 6: 211.

(54) في نص للترمذي (طهارة 101)، تقول عائشة: « إنّ رجلاً سأل رسول الله (ص)، عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما الغسل؟ - وعائشة جالسة!!! - فقال رسول الله (ص): إنّي لأفعل ذلك، أنا وهذه، ثم نغتسل ».

(55) مسند أحمد، مسند الأنصار 23257، 23648.

(56) مسند أحمد، مسند الأنصار 23075، 23673.

(57) مالك ، طهارة 92.

(58) ابن ماجة ، طهارة 600؛ راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 24714.

(59) مسند أحمد، مسند الأنصار 23886، 24120.

(60) مسند أحمد، مسند الأنصار 23514.

(61) مسند أحمد، مسند الأنصار 20182.

(62) صحيح البخاري، الغسل 255؛ من أجل مراجع شيعية، أنظر على سبيل المثال: الكافي 3: 10: 2؛ التهذيب 1: 222: 16: 10؛ وسائل الشيعة 1: 7: 234: 600

(63) الترمذي ، أدب 2726.

(64) أبو داود ، طهارة 316؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 80: 105: 12: 50.

(65) ابن ماجة ، الطهارة وسننها 531.

(66) 1: 125؛ راجع: ابن منظور 18: 158.

(67) تفسير ابن كثير 1: 405؛ في نص آخر، يقال: « كنت ورسول الله (ص) في الشعار الواحد، وأنا حائض، فإن أصابه مني شيء، غسله، لم يعد إلى غيره، وصلّى فيه، ثم يعود معي ». راجع: المحلى 2: 182؛ أبو داود 1: 110؛ النسائي 1: 54.

(6 8) مسند أحمد، مسند الأنصار 23195؛ ابن منظور 22: 51.

(69) نكاح 2587.

(70) عند كل من: الترمذي ، نكاح 1037؛ تفسير ابن كثير 1: 436؛ أبو داود ، الطلاق 2167؛ ابن ماجة ، النكاح 1922؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 22929.

(71) مسند أحمد، مسند الأنصار 22929.

(72) راجع أيضاً: النسائي ، نكاح 3231، طلاق 3354؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 24426؛ الكشاف 1: 275؛ الترمذي ، نكاح 1037؛ الدارمي ، طلاق 2167؛ ابن ماجة ، نكاح 1922؛ أبو داود ، طلاق 1965؛ مالك ، نكاح 976.

(73) راجع: لسان العرب ، فقرة عسل.

(74) طبقات ابن سعد 8: 50 - 51، 156.

(75) طبقات ابن سعد 8: 156؛ راجع أيضاً: ابن ماجة ، نكاح 1912، طلاق 654؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23208، 24392.

(76) صيد الخاطر 407.

(77) الترمذي ، استئذان وأدب 2656.

(78) تفسير ابن كثير 3: 34.

(79) طبقات ابن سعد 2: 278؛ ابن منظور 29: 196.

(80) مسند أحمد، مسند الأنصار 24894.

(81) في نص ابن منظور (29: 196)، يقال: « فغضبتْ في ذلك غضباً شديداً... فقالت: كذب ».

(82) حسن الأسوة 280؛ راجع: طبقات ابن سعد 8: 50 - 51.

(83) مسند أحمد، مسند الأنصار 25059؛ راجع الحديث بتفاصيل أخرى في صحيح مسلم، صيام 1864؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 64: 186: 40: 7.

(84) الدارمي ، فرائض 2735.

(85) مسند أحمد، 6: 147، 151، 221؛ الحديث موجود في اختلاف يسير في النسائي ، عشرة النساء 3899؛ يذكر المرجع الشيعي، الكافي ، الحدث بأسلوب مختلف قليلاً: « كان رسول الله (ص) عند عائشة ذات ليلة فقام يتنفل، فاستقيظت عائشة، فضربت يدها فلم تجده، فظنت أنه قام إلى جاريتها، فقامت تطوف عليه، فوطئت عنقه (ص) وهو ساجد » (3: 324: 12)؛ وفي بحار الأنوار يقال، « قام من جنبها فوجأت عنقه » (22: 245: 14: 4).

(86) مسند أحمد، 6: 115، 76، 111؛ مسند الطيالسي ح1429؛ صحيح مسلم، صفة القيامة والجنة والنار 5035؛ السمط الثمين 80.

(87) النسائي ، عشرة النساء 3898؛ راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 23701

(88) البداية 5: 294.

(89) السمط الثمين 29؛ يقول ابن أبي الحديد: « ولم تحمل عائشة من رسول الله (ص) ولا ولد له ولد من مهيرة إلا من خديجة، ومن السراري من مارية » ( شرح النهج ، 9: 156: 190).

(1) أنظر: أسد الغابة 2: 221؛ سيرة ابن هشام 2: 307؛ راجع أيضاً: تاريخ اليعقوبي 53:2؛ تاريخ ابن خياط 46؛ من أجل مرجع شيعي تفصيلي، أنظر: بحار الأنوار 20: 309: 8: 19.

(2) الكامل 2: 81.

(3) توبة 4. القصة وردت أيضاً، باختلافات لا تذكر، في تفسير ابن كثير 3: 443 - 446. راجع القصة في تاريخ الطبري 2: 264 - 270.

(4) في الكامل (2: 83 - 86): «غزوة بني المصطلق».

(5) كما لاحظنا في فصل سابق، قالت عائشة إنها لما حملت اللحم سبقها النبي. فهل كان حملها للحم بعدحدث الإفك؟

(6) في الكامل ( المرجع السابق )، يقال: «فارتجع العسكر ولم أعلم بشيء من ذلك».

(7) في سيرة ابن هشام (2: 300)، يقال: «مسطح لقب، واسمه عوف».

(8) في مسد أحمد (مسند الأنصار 23181)، تقول بريرة: «والله ما أعلم عليها عيباً، إلا أنّها كانت تنام حتى تدخل الشاة فتأكل خميرتها أو عجينتها». - نلاحظ، بالمناسبة، أن الخلاف في مسألة «داجن أو شاة» يمتد أيضاً إلى آية رضاع الكبير، كما سنلاحظ في فصل «رضاع الكبير».

(9) في سيرة ابن هشام (2: 300 - 302)؛ يقال: «وكان قبل ذلك يُرَى رجلاً صالحاً».

(10) في مسند أحمد (مسند الأنصار 23181)، يقال: «ولا دخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي». - أي أنه كان كثير التردد على البيت النبوي. دون أن ننسى أن الراوية هي عائشة!

(11) في مسند أحمد، (النص السابق)، يقال: «كانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل».

(12) هذا ما يقوله أناس يفترض أن الإسلام غسل ما بينهم من أحقاد. والدفاع هنا، بالمناسبة، هو عن أحد ألد أعداء الإسلام، عبد الله بن أبي - دون أن ننسى أن كل ذلك تم، والنبي فوق المنبر.

(13) لا بد أن نتساءل هنا: لماذا الصبر هذا كله على عائشة، في حين يُطلب من علي قتل مابور لمجرد الشبهة؟!

(14) في نص ابن هشام ( المصدر السابق )، يقال: «فالتمستُ اسم يعقوب، فما أذكره».

(15) في البداية والنهاية ، يرد: «والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي. لقد سمعتموه فما غيرتموه ولا أنكرتموه» (5: 67). - مثله أيضاً في مسند أحمد، النص السابق. في نص آخر في مسند أحمد (مسند الأنصار 22886)؛ تقول عائشة: «لما نزل عذري من السماء، جــاءني النبي (ص)، فأخبرني بذلك، فقلت: نحمد الله عزّ وجلّ لا نحمدك». وفي تفسير ابن كثير (3: 448 - 449)، يذكر عن عائشة قولها: «وكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: لا! والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي؛ لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه... فقال لها أبوها: تقولين هذا لرسول الله (ص)؟ قالت: نعم».

(16) جاء في الكشاف (2: 2449): «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء، فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون» [النور 4]؛ نزلت في حسان بن ثابت، حين قال في عائشة (رض)».

(17) ورد في شرح النهج (14: 23): «قوم من الشيعة زعموا أن الآيات في سورة النور لم تنزل فيها [عائشة] وإنما نزلت في مارية القبطية، وما قذفت به مع الأسود القبطي».

(18) راجع أيضاً: الكشاف 3: 222.

(19) في البداية (4: 163)، يقال: «وذلك أن زينت أختها كانت عند رسول الله (ص)، فأشاعت من ذلك تضاري لأختها».

(20) ورد في الكشاف (3: 221): «ضرب رسول الله (ص) عبد الله بن أبي وحساناً ومسطحاً، وقعد صفوان لحسان، فضربه بالسيف، وكف بصره».

(21) ورد في تاريخ اليعقوبي (2: 53): «جلد رسول الله حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وعبد الله بن أبي سلول، وهو الذي تولى كبره، وحمنة بنت جحش، أخت زينب بنت جحش».

(22) راجع أيضاً: السمط الثمين 66 - 70.

(23) سيرة 2: 302.

(24) ورد في مسند أحمد، مسند الأنصار 22937: «لما نزل عذري، قام رسول الله (ص) على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل، أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدّهم»؛ راجع ايضاً: تفسير ابن كثير 3: 448؛ البداية والنهاية 4: 163؛ ابن ماجة ، حدود 2557؛ أبو داود ، حدود 3880.

(25) ابن منظور 11: 103.

(26) في سيرة ابن هشام (2: 304)، يقال: «ثم أن صفوان بن المعطّل اعترض حسان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما كان يقوله فيه، وقد كان حسان قال شعراً مع ذلك يعرّض بابن المعطل فيه، وبمن أسلم من العرب من مضر».

(27) ابن منظور 11: 104.

(28) سيرة ابن هشام 2: 305.

(29) تفسير 2: 86.

(30) ورد في أسد الغابة (3: 26): «لما بلغ صفوان أن حسان ممن قال فيه، ضربه بالسيف، وقال:

تلق ذباب السيف عني فإنني

غلام إذا هوجت لست بشاعر

ولكني أحمي حماي وأشتفي

من الباهت الرامي البراء الظواهر

فشكى حسان إلى النبي (ص)، فعوضه حائطاً من نخل وسيرين، جارية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان».

(31) يقول ابن منظور (11: 104 - 105): «أعطاه أرضاً كانت لأبي طلحة، تصدّق بها على رسول الله».

وفي سيرة ابن هشام (2: 306)، يقال: «بيرحاء، وهي قصر بني حديلة اليوم بالمدينة، كانت مالاً لبي طلحة بن سهل، تصدّق بها على آل رسول الله (ص)».

(32) في البداية والنهاية (4: 163)، تقول عائشة: «سئل عن ابن المعطل، فوجده رجلاً حصوراً ما يأتي النساء». راجع : أخبار حسان 31؛ سيرة ابن هشام 2: 306.والحصور، كمـا قـال لسـان العرب ، مـادة حصر: « هو الذي لا يشتهي النساء ولا يقربهن...وهو...المجبوب الذكر والانثيين، وذلك ابلغ في الحصر لعدم آلة النكاح » .

(33) 202.

(34) يقول أسد الغابة (5: 428): «حمنة بنت جحش: كانت ممن قال في الإفك على عائشة (رض)، فعلت ذلك حمية لأختها زينب، إلا أن زينب (رض) لم تقل فيها شيئا؛ وقال بعضهم: إنها جلدت مع من جلد؛ وقيل: لم يجلد أحد».راجع أيضاً: البداية والنهاية 4: 161.

(35) سيرة 2: 307.

(36) 11: 103.

(37) الصوم 2013. ذكره أيضاً يوسف بن رافع بن شداد في دلائل الأحكام 13: 92 - 93، ح2459؛ أنظر أيضاً: الخطابي، معالم السنن 2: 136 - 137.

(38) 3: 450.

(39) طهارة 308.

(40) راجع أيضاً: البداية والنهاية 1: 800.

(41) النسائي ، طهارة 561.

(42) أنظر أيضاً: السمط الثمين 62.

(43) ابن أبي حديد، شرح النهج 1: 62؛ 3: 170.

(44) 3: 556.

(45) تفسير 3: 834.

(46) راجع أيضاً أسد الغابة (3: 62): «قيل إنه [طلحة] الذي نزلت في أمره، «ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا نساءه من بعده»، وذلك أنه قال: لئن مات رسول الله (ص) لأتزوجن عائشة».

وقيل في السمط الثمين (170 - 171): «نزلت في طلحة بن عبيد الله، لأنه قال: إذا توفي رسول الله (ص)، تزوجت عائشة (رض)».

(47) أنظر تفسير الآية في لباب النقول بهامش الجلالين: راجع أيضاً: الزرقاني، شرح المواهب . يذكر الطبري في تفسيره للآية 53 من سورة الأحزاب أن « ذلك نزل في رجل كان يدخل [على النبي] قبل الحجاب، قال: لئن مات محمد لأتزوجن امرأة من نسائه » .ويقول القرطبي: « إن رجلاً قال: لو قبض رسول الله تزوجت عائشة! فأنزل الله...[وعن] ابن عباس: قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع رسول الله (ص) على حراء - في نفسه - لو توفي رسول الله (ص) لتزوجت عائشة وهي بنت عمي.قال مقاتل: هو طلحة بن عبيد الله. قال ابن عباس: وندم هذا الرجل على ما حدّث به في نفسه، فمشى الى مكة على رجليه وحمل على عشرة أفراس في سبيل الله، وأعتق رقيقاً فكفّر الله عنه؛ وحكى مكي عن معمّر انه قال: هو طلحة بن عبيد الله » ( تفسير الآية) .أما ابن كثير فيذكر في تفسيره للآية أنه « عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله (رض) ».

(1) «إذا بلغ الغلام مبلغ الرجال ولم يكن صبيحاً فحكمه حكم الرجال في الساتر في الصلاة، بعكس الصبيح فحكمه حكم النساء من فرقه إلى قدمه» (1: 285). - لكن ابن عابدين لا يخبرنا ما إذا كان الغلام حرّاً أم عبداً.

(2) تفسير سورة الأحزاب 59.

(3) 3: 855.

(4) طبقات ابن سعد 8: 141.

(5) تفسير سورة الأحزاب 59.

(6) طبقات ابن سعد 8: 141.

(7) تفسير الطبري للآية 59 من الأحزاب.

(8) تفسير الطبري للآية 59 من الأحزاب.

(9) الكشاف 3: 559 وما بعد.

(10) تفسير ابن كثير 3: 855.

(11) راجع: طبقات ابن سعد 7: 127؛ النهاية 4: 114.

(12) طبقات ابن سعد 8: 141؛ راجع، الكافي ، 5: 534: 2؛ وسائل الشيعة 20: 129: 232: 25508؛ بحار الأنوار 22: 244: 12: 4، مع ملاحظة أن المرأتين هنا هما حفصة وعائشة.

(13) طبقات ابن سعد 8: 55.

(14) صحيح البخاري، بيوع 1912.

(15) تفسير ابن كثير 3: 833.

(16) تفسير ابن كثير 3: 833؛ راجع أيضاً: الكشاف 3: 555.

(17) طبقات ابن سعد 8: 140؛ راجع أيضاً: تفسير الجلالين لسورة الأحزاب؛ شرح نهج البلاغة 12: 58؛ الرياض النضرة 1: 202.

(18) الكشاف 3: 555 - 556.

(19) الكشاف 3: 555.

(20) طبقات ابن سعد 8: 139.

(21) طبقات ابن سعد 8: 143.

(22) الكشاف 3: 232؛ يقول المرجع الشيعي، مستدرك الوسائل ، إن النبي قال: « لا يحل لامرأة أن تدخل بيتها من قد بلغ الحلم... إلا أن يكون محرماً عليها... فقالت عائشة: وإن كان مملوكاً؟ فقال: وإن كان مملوكاً » 14: 96: 286: 16734.

(23) الكشاف 8: 113.

(24) «كان حسن وحسين لا يدخلان على أزواج النبي» ( طبقات 8: 58).

(25) 20: 225.

(26) النص في مسند أحمد، مسند الأنصار 24029؛ راجع أيضاً: تفسير ابن كثير 3: 471؛ أسد الغابة 4: 268 - 269؛ صحيح مسلم، سلام 4049؛ شقائق الأترنج 59 - 60؛ غريب الحديث لأبي عبيد 2: 259؛ في أخبار النساء من العقد الفريد 53 - 54 اسمه أبو الحر؛ محاضرات الأدباء 2: 115؛ المنتظم 3: 242.

(27) مروج 2: 368.

(28) يقول المرجع الشيعي، بحار الأنوار معنوناً أحد أبوابه: « توضيح الغرض [من أحد المواضيع المتعلقة بعائشة]: ذم عائشة وتوبيخ من تبعها وإرشاد الناس إلى ترك طاعة النساء » 32: 248: 195: 4.

(29) مالك ، طهارة 418؛ راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 23461؛ 22901؛ صحيح البخاري، آذان 822؛ أبو داود 482؛ صحيح مسلم 1: 130؛ المحلى 3: 132؛ تفسير ابن كثير 3: 486؛ ذم الهوى 154؛ الشوكاني 3: 161.

(30) أبو داود 3991.

(31) مسند أحمد، مسند الأنصار 23240.

(32) المرجع السابق 24866؛ راجع: المرجع السابق 24167، 22926، 23433؛ صحيح مسلم، البر والصلة والآداب 4763.

(33) ابن ماجه ، نكاح 1842.

(34) مسند أحمد، مسند الأنصار 25810.

(35) أبو داود ، طلاق 1910؛ نسائي ، طلاق 3392.

(36) مسند أحمد، باقي مسند المكثرين 11200.

(37) مسند أحمد، مسند الأنصار 23257.

(38) أسد الغابة 5: 504.

(39) تفسير ابن كثير 1: 840.

(40) طبقات ابن سعد 8: 212؛ راجع أيضاً: المصدر السابق 8: 338؛ أسد الغابة 2: 757.

(41) راجع : المراجع السابقة .

(42) صحيح مسلم رضاع 2637؛ راجع: طبقات ابن سعد 3: 63؛ نسائي ، نكاح 3268؛ ابن ماجة 1933.

(43) صحيح مسلم، رضاع 2637.

(44) صحيح مسلم، رضاع 2638؛ راجع: نسائي ، نكاح 3270، 3271.

(45) نسائي ، نكاح 3267؛ راجع تفسير ابن كثير 3: 63.

(46) مسند أحمد، مسند الأنصار 52125؛ راجع: المصدر السابق 24469؛ أسد الغابة 2: 246.

(47) مسند أحمد، مسند الأنصار 25111.

(48) نسائي ، نكاح 3269.

( 49) مالك ، رضاع 1109. من أجل حكاية سالم، راجع: مسند أحمد، مسند الأنصار 24480، 24983، 24920؛ المغازي 9: 28، 154، 245، 345، 498، 1021؛ تاريخ الطبري 3: 288، 291، 4: 227؛ سيرة ابن هشام 1: 479، 679، 708؛ المعارف 273؛ الدارمي ، نكاح 2157؛ صحيح مسلم، رضاع 2639.

(50) طبقات ابن سعد 3: 64.

(51) مسند أحمد، مسند الأنصار 24245.

(52) ترمذي ، رضاع 1070.

(53) أبو داود ، نكاح 1765. راجع أيضاً: الدارمي ، نكاح 2153، 1932؛ صحيح مسلم، رضاع 2634، 2635؛ مالك ، رضاع 1118؛ تفسير ابن كثير 1: 840؛ مصنف الصنعاني 7: 467.

(54) ابن ماجة ، نكاح 1934؛ راجع: المحلى 11: 235 - 236.

(55) مسند أحمد، مسند الأنصار 25112.

(56) المحلى 11: 236.

(57) الكشاف 3: 518.

(58) الكشاف 3: 518.

(59) راجع: صحيح البخاري 8: 26؛ صحيح مسلم 5: 116؛ الإتقان في أحكام القرآن 1: 101؛ تاريخ اليعقوبي 2: 160؛ مسند أحمد 1: 47.

(60) المحلى 11: 234 - 235.

(61) مالك ، النداء للصلاة 288؛ راجع: النسائي ، الصلاة 468؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23309، 24278؛ أبو داود ، الصلاة 347؛ تاريخ الطبري 668:11؛ راجع أيضاً: بحار الأنوار 82: 287: 5: 3.

(62) الإتقان في أحكام القرآن 2: 40 - 41.

(63) الإتقان في أحكام القرآن 2: 40 - 41.

(64) أبو داود ، الحروف والقراءات 30456؛ راجع: أبو داود ، صلاة 1134؛ صحيح البخاري، فضائل القرآن 4649؛ صحيح مسلم، صلاة المسافرين 1311؛ مسند أحمد، مسند الأنصار 23918.

(65) طبقات ابن سعد 1: 294؛ راجع: سنن أبو داود، الصيام باب 59؛ النسائي ، الصيام، باب 69؛ ابن ماجه 1750؛ مسند أحمد 5: 205، 206، 209؛ 6: 287؛ الدارمي 2: 20؛ معجم الزوائد 3: 117؛ المعجم الكبير للطبراني 10: 19؛ مصنف ابن أبي شيبة 3: 42؛ الترغيب والترهيب 2: 124؛ 125؛ مشكاة المصابيح 2055؛ أمالي الشجري 1: 272؛ كنز العمال 18073، 24560، 24577.

(1) هذا النص مأخوذ عن كتاب:

Arthur Jeffery, Materials for the History of the Text of the Qurنn , Leiden, E. J. Brill 1937, pp. 231 - 233 .

(2) ابن كثير، فضائل القرآن ، ص38.

حقوق الطبع والنشر والتوزيع

محفوظة للمؤلف

الطبعة الأولى

بيروت - 1999م

الفهرس