في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين

ملحق قرار النيابة في قضية كتاب (في الشعر الجاهلي)

عن الأمر الثاني

        من حيث إن المبلغين ينسبون إلى المؤلف أنه زعم "عدم إنزال القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعا" ويقول إن هذه القراءات "إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت لا كما أوصى الله بها إلى نبيه ، مع أن معاشر المسلمين يعتقدون أن كل هذه القراءات  مروية عن الله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وأن [ما] تجده فيها من إمالة وفتح وإدغام وفك ونقل كله منزل من عند الله تعالى استدلوا على هذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (أقرأني جبريل على حرف فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف) وعلى قوله صلى الله عليه وسلم لما تحاكم إليه سيدنا عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بسبب ما ظهر من الاختلاف بين قراءة كل منهما (هكذا أنزل ، وإن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) وقالوا إن الحديث حديث وإن كان غير متواتر من حيث السند إي أنه متواتر من حيث المعنى وحيث أنه يجب أن يلاحظ قبل الكلام عبارة المؤلف أن حديث (أنزل القرآن على سبعة أحرف) قد ورد من رواية نحو عشرين من الصحابة لا بنصه ولكن بمعناه . وقد حصل اختلاف كثير في المراد بالأحرف السبعة فقال بعضهم إن المراد بالأحرف السبعة الأوجه التي يقع بها الاختلاف في القراءة (راجع كتاب البيان لطاهر بن صالح بن أحمد الجزائري طبعة المنار- ص37-38) وقال بعضهم إنها أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو : (أقبل وهلم وتعال وعجل وأسرع وانظر وأخر وأمهل ونحوه) (راجع ص39 وما بعدها من الكتاب المذكور) وقال بعضهم إنها أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل (ص47) وقال بعضهم إنها سبع لغات متفرقة في القرآن لسبعة أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن (ص49) وقال بعضهم إن المراد بالسبعة الأحرف سبعة أوجه في أداء التلاوة وكيفية النطق بالكلمات التي فيها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين ، لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه (ص59) وقال غيرهم خلاف ذلك .

        وقد قال (الحافظ أو حاتم بن حيان البستي) : اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة في خمسة وثلاثين قولا (ص59 و 60) وقال الشرف المرسي : (الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت) إلى أن قال : (وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبع وهو جهل قبيح ، ص61 وقال بعضهم هذا الحديث من المشكل الذي لا يدري معناه وقال آخر والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدري تأويله).

        ورأى (أبو جعفر محمد بن جرير الطبري) صاحب التفسير الشهير في معنى هذا الحديث إنه أنزل بسبع لغات وينفي أن يكون المراد بالحديث القراءات لأنه قال فأما ما كان من اختلاف القراءة في رفع حرف وجره ونصبه وتسكين حرف وتحريكه ونقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة فمن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف) بمعزل لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة .. (راجع الجزء الأول من تفسير القرآن للطبري ص23 طبع المطبعة الأميرية).

        والمؤلف قد تعرض لهذه المسألة في الفصل الخامس الذي عنوانه (الشعر الجاهلي واللهجات) حيث تكلم عن عدم ظهور اختلاف في اللهجة (يريد باللهجة هنا الاختلافات المحلية في اللغة الواحدة أو ما يسميه الفرنسيون "Dialcte" أو تباعد في اللغة أو تباين في مذهب الكلام مع أن لكل قبيلة لغتها ومذهبها في الكلام وهو يريد بذلك أن يدلل على أن الشعر الذي لم يظهر فيه أثر لهذه الاختلافات لم يصدر ، عن هذه النقطة قال إن القرآن الذي تلى بلهجة واحدة هي لغة قريش ولهجتها لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته وتعددت اللهجات فيه وتباينت تباينا كثيرا ، جد القراء والعلماء المتأخرون في ضبطه وتحقيقه وأقاموا له علما أو علوما خاصة وقد أشار بإيضاح إلى ما يريده من الاختلاف في القراءات فقال "إنما يشير إلى اختلاف آخر يقبله العقل ويسيغه النقل وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي وعشريته من قريش فقرأته كما كانت تتكلم فأمالت حيث لم تكن تميل ومدت حيث لم تكن تمد وقصرت حيث لم تكن تقصر وسكنت حيث لم تكن تسكن وأدغمت  أو أخفت أو نقلت حيث لم تكن تدغم ولا تخفي ولا تنتقل" .

        فالمؤلف لم يتعرض بقضية القراءات من حيث أنها منزلة أو غير منزلة وإنما قال كثرت القراءات وتعددت اللهجات وقال إن الخلاف الذي وقع في القراءات تقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها فهو بهذا يصف الواقع ، وإن صح رأي من قال إن المقصور بالأحرف السبعة هو القراءات السبع فإن هذه الاختلافات التي كانت واقعة فعلا كانت طبعا هي السبب الذي دعا إلى الترخيص للنبي صلى الله عليم وسلم بأنه يقرئ كل قوم بلغتهم حيث قال صلى الله عليه وسلم : (أنه قد وسع لي أن أقرئ كل قوم بلغتهم) قال أيضا : (أتاني جبريل فقال اقرأ القرآن على حرف واحد فقلت إن أمتي لا تستطيع ذلك حتى قال سبع مرات فقال لي اقرأ على سبعة أحرف الخ) ، وإن لم يصح هذا الرأي فإن نوع القراءات الذي عناه المؤلف إنما هو من نوع ما أشار إليه (الطبري) بقوله بمعزل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف) لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة .

        ونحن نرى أن ما ذكره المؤلف في هذه المسألة هو بحث علمي لا تعارض بينه وبين الدين لا اعتراض لنا عليه .

الصفحة الرئيسية

 الإهداء

    الكتاب الأول :
1- تمهيد
2- منهج البحث
3- مرآة الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن لا في الشعر الجاهلي
4- الشعر الجاهلي واللغة
5- الشعر الجاهلي واللهجات

    الكتاب الثاني :
   أسباب انتحال الشعر
1- ليس الانتحال مقصورا على العرب
2- السياسة وانتحال الشعر
3- الدين وانتحال الشعر
4- القصص وانتحال الشعر
5- الشعوبية وانتحال الشعر
6- الرواة وانتحال الشعر

    الكتاب الثالث :
      الشعر والشعراء
1- قصص وتاريخ
2- امرؤ القيس . عبيد . علقمة
3- عمرو بن قميئة . مهلهل . جليلة
4- عمرو بن كلثوم . الحارث بن حلزة
5- طرفة بن العبد . المتلمس

   ملحق :
     نص قرار النيابة
1- نص بيان الاتهام
2- عن الأمر الأول
3- عن الأمر الثاني
4- عن الأمر الثالث
5- عن الأمر الرابع
6- القانون ونص الحكم  

الصفحة الرئيسية