القبائل المسيحية في شبه الجزيرة:

1- بكر وتغلب بنو وائل بن ربيعة:

وهما من أقوى القبائل العربية? وقد بلغ من قوتها أن قال عمرو الشيباني فيها: لو تأخر الإسلام لأكلت بنو تغلب الناس (شرح معلقة عمرو بن كلثوم للتبريزي - النصارنية لشيخو 125), وقد قال عمرو بن كلثوم متفاخراً بشرف قبيلته:

ظعائن من بني جُشم بن بكر

جمعن بميسم شرفاً وديناً

والدين المقصود هنا هو المسيحية حيث كانت هي ديانة بني تغلب, وتذكر كتب السيرة تحول بني تغلب إلى المسيحية (المفصل 6:590)? وقد اتفق معظم الباحثين على اعتناقهم المسيحية مثل ما قاله البغدادي: وكان بنو تغلب أيضاً من نصارى العرب وكانت لهم شوكة وقوة يد ,

2 - الغساسنة:

وهم عرب سوريا الذين هاجروا من اليمن? وقد ارتبطوا بالأمبراطورية الرومانية منذ القرن الرابع? ومن ثم أخذوا دورهم كدولة حاجزة ضد هجمات القبائل العربية وأيضاً ضد الفرس, وكان بنو جفنة هم أشهر الغساسنة? وهم أيضاً ملوكهم? وفيهم يقول النابغة:

1مجلتهم ذات الإله ودينهم

2قويم فما يرجون غير العواقب

(في بعض الروايات محلتهم - والمقصود هنا بالمجلة الإنجيل - المفصل 6:678),

ويذكر شيخو أن ملوك غسان ابتنوا عدة أديرة منها: دير هند? ودير حالي? ودير أيوب (النصرانية وآدابها ص 31),

3 - اللخميون:

وكما كان للروم عملاء على حدودهم فكذلك كان للفرس فكان اللخميون المستقرون في عاصمتهم الحيرة وما حولها يقومون بدورهم في تأمين حدود فارس مع العرب, وقد نقل ياقوت في معجم البلدان نص كتابة وُجدت في دير بالحيرة نصها: بنت هذه البيعة هند بنت الحارث بن عمر? الملكة سليلة الملوك? وأم الملك عمرو بن المنذر? أمة المسيح وأم عبده وبنت عبيده (معجم البلدان 2:609 - النصرانية ص 91),

4 - مكة:

كان للمسيحيين في مكة شأن مختلف فقد كان معظمهم من الأحابيش الذين جُلبوا للعمل والخدمة عند أسياد مكة? ويقول جواد علي: وقد ترك هؤلاء الأحابيش أثراً في لغة أهل مكة يظهر في وجود عدد من الكلمات الحبشية في لغة قريش? مثل المصطلحات الدينية والأدوات التي يُحتاج إليها في الصناعات وفي الأعمال اليدوية التي يقوم بأدائها العبيد, وقد أشار العلماء إلى عدد من هذه الكلمات التي ذكروا أنها تعربت فصارت من الكلام العربي, وقد أشاروا إلى وجود بعضها في القرآن الكريم والحديث النبوي (المفصل 6:606),

وقد أورد السيوطي في كتابه الاتقان في علوم القرآن فصلاً خاصاً لهذه الكلمات (الاتقان ج 1 ص 366 وما بعدها), والملاحظ أيضاً على نصارى مكة غير العرب - قبل الإسلام - أنهم لم يكونوا ينتمون فقط إلى الحبشة? بل كان بعضهم رومي? أو يوناني? مما جعل العرب ينظرون لهم نظرة أخرى, فقد كانت تلك الجماعة من العبيد أكثر فهماً - في أمور شتى - من أربابها? فكانت توكل لهم الأعمال التي تحتاج إلى وعي وإدراك, وتذكر لنا كتب التاريخ الإسلامي كثيراً من هؤلاء الأغراب مثل: صهيب الرومي الذي عمل مع عبد الله بن جُدعان - ثري مكة - حتى أصبح تاجراً ثرياً? ولعل قصة فراره إلى المدينة? ومطاردة قريش له? وقبولهم منه افتداءه نفسه بماله الذي أخفاه بمكة? توضح لنا ما بلغه من ثراء (البداية والنهاية - ابن كثير - ج 3 ص 173),

وهناك العديد من الأسماء التي يذكرها المفسرون? فقد أورد القرطبي في تفسير آية سورة النحل 16:103 أن قريش قالت: والله ما يعلم محمداً إلا جبر النصراني ,

وقال عكرمة: اسمه يعيش عبد لبني الحضرمي? وكان يقرأ الكتب , ويورد القرطبي? والسيوطي عدة أسماء لهذا العبد فقيل: بلعام? ويسار? وعداس? وأبو فُكيهة? وعابس ثم يقول القرطبي: والكل محتمل? فإن النبي ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله? وكان ذلك بمكة , وقال النحاس: هذه الأقوال ليست بمتناقضة? لأنه يجوز أن يكونوا أوْمَؤُا إلى هؤلاء جميعاً? وزعموا أنهم يعلمونه (تفسير القرطبي ج 10 ص 117 - أسباب النزول للسيوطي - سبب نزول النحل 16:103),

وقد بلغ تأثر أهل مكة بالمسيحيين أن جعلوا في دعائم الكعبة صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة, فكان فيها صورة إبراهيم خليل الله شيخ يستقسم بالأزلام? وصورة عيسى ابن مريم وأمه? وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين, فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله فأرسل الفضل بن العباس فجاء بماء زمزم وأمر بثوب مبلل بالماء? وأمر بطمس تلك الصور فطمست,,, ووضع كفيه على صورة عيسى بن مريم وأمه? وقال: امحوا كل شيء إلا ما تحت يدي , فرفع يديه عن صورة عيسى بن مريم وأمه, ونظر إلى صورة إبراهيم فقال: قاتلهم الله! جعلوه يستقسم بالأزلام, ما لإبراهيم والأزلام (المفصل 6:436),

الأدب الكتابي:

نتيجة لانتشار المسيحية في الجزيرة? ومحاولة المسيحيين الدعوة لدينهم بشتى الطرق? نشأ نوع من الأدب الديني? الذي يدور حول الكتاب المقدس والدعوة إلى المسيحية? وأهم ما يميز هذا الأدب اختلافه عن الأدب القبطي? حيث كان مسيحيو الجزيرة ينتمون إلى طوائف مختلفة يعتبرهم الأقباط هراطقة مثل:

5- النساطرة:

وهم ينسبون إلى نسطورس الذي انتُخب بطريركاً للقسطنطينية عام 428م وطُرد في مجمع أفسس 431 م (المنجد في الأعلام باب النون), وكان نسطورس يقول: إن للمسيح طبيعتين أحدهما قبل التجسد? والأخرى بعده? وقد ربط بينهما اتحاد معنوي بسيط, ونتيجة لهذه الأقوال تم طرد نسطورس وأتباعه من الكنيسة في مجمع أفسس عام 431 م, ويقول د, قنواتي: بعد مجمع أفسس انفصل النساطرة عن الكنيسة وتقربوا من الكنيسة السورية في إيران والتي اعتمدت النسطورية رسمياً في سنودس سلوكية ?Seleucie عام 485 م, وفي عام 489 م طرد الأمبراطور زينون النساطرة من الرها? فهاجروا إلى فارس, ومنذ ذلك الحين انفصلت الكنيسة النسطورية عن الكنيسة البيزنطية التي كانمقرها الأساسي في القسطنطينية (المسيحية والحضارة العربية - جورج قنواتي - دار الثقافة - ص 42),

6- الأريوسية:

وهي تُنسب إلى أريوس الذي كان كاهناً مصرياً في القرن الرابع الميلادي? وكان ينادي ببدعة في معتقد الكنيسة المصرية? وكان أريوس قد تعلم على يد الأسقف لوسيان في أنطاكية? الذي كان عالماً لاهوتياً? ومفسراً مشهوراً, وكان لوسيان يُعلّم إن الإله الواحد لا يمكن أن يظهر بالجسد على الأرض? ولا يمكن أن يكون الله شخصاً في المسيح? إنما الله ملأ المسيح بكلمته ?Logos أو بقوته? والكلمة صار أقنوماً في المسيح? والكلمة جوهر ثان من ذات الله خلقه قبل كل الدهور? والكلمة نزل إلى الأرض وصار جسداً (ضحى المسيحية - مكتبة المشعل - بيروت 57 - ص 16),

ونتيجة لتتلمذ أريوس على يد لوسيان? اعتنق الأول هذه التعاليم ونادى بها بعد أن صار كاهناً, وكانت تعاليم أريوس تتلخص - كما يبدو من رسائله - في خمس نقاط هي:

1 - كان زمن لم يكن فيه للابن وجود? أو قبل أن يُولد لم يكن,

2 - خُلق من جوهر لم يكن موجوداً من قبل? أو صنع من مادة لا وجود لها (أي أنه حُلق من العدم),

3 - خُلق من جوهر يتميز عن جوهر الله (أي مخالف لجوهر الله),

4 - ولأنه خُلق ولم يُولد? فإنه يشارك المخلوق في صفاته,

5 - ولأنه مخلوق لا مولود? فإنه قابل للتغير والاستحالة (المرجع السابق ص 18),

وقد طرد أريوس وأتباعه من الكنيسة في مجمع نيقية عام 325 م? وبقيت الأريوسية حتى القرن السابع الميلادي? وكان أكثر انتشاراً لها بين القوط واللومبارد (المنجد في الأعلام - باب الألف),

7- الغنوصية: "Gnostic?

ليس من المعروف على وجه اليقين أين نشأت الغنوصية في أول الأمر ولا من هم مبتدعوها? وهي تتميز بخليط من فكر فارس? ومصر وأفلاطون (تاريخ الكنيسة - لوريمر - دار الثقافة - ج 1 ص 103), وتعتمد الغنوصية بالدرجة الأولى على المثنوية القائلة: إن مُبدع هذا العالم الغارق في الشرور? لا بد وأن يكون هو نفسه شريراً, وأن السبيل الوحيد للخلاص من شرور التواجد الجسدي وعالم المادة هو المعرفة الباطنية , وكان النهي عن الأكل من شجرة المعرفة تكوين 2) برهاناً جلياً على أن إله العهد القديم - وهو الإله الخالق الأدنى في الرتبة من الكائن الأسمى - هو عدو البشرية الذي سعى بنهيه هذا إلى منع الإنسان من الوصول إلى غاية الصلاح, وقد أظهر خبثه ثانية بعد تذوق الإنسان ثمرة المعرفة بأن سد الطريق المؤدي إلى شجرة الحياة, وعلى نقيض ذلك كانت الحية - التي هي أحيل الحيوانات (تكوين 3:1) صديقاً للإنسان حيث أنها أعلنت لحواء حسد وكذب الخالق والتأثير الصحيح للثمرة المحرمة ( ? "History Of Religions Moore 156( أما أهم تعاليم الغنوصية فهي أنها كانت تُعلِّم بوجود نوعين من الألوهية:

- النوع الأول: وهو الإله السامي? أو العظيم? وهذا الإله يرأس سلسلة كثيرة الحلقات من الآلهة المتميزين الواحد عن الآخر في الدرجة والسلطان قد انبثعوا سواء من هذا الإله الأعظم أو خرجوا الواحد من الآخر ,وهذه الكائنات سواء كانت منفردة منعزلة أو كانت أزواجاً فإنها كوّنت معاً ما يسمى المجموعة الإلهية, وقد حدث خلل في هذه المجموعة نتيجة لسقوط أحدها? ولكن هذا الكائن الإلهي الذي سقط سيرد إلى رتبته وطهارته عندما تتم عملية الفداء,

- والنوع الثاني: وهو يشبه النوع الأول من حيث النظام والتكوين? ولكنه يختلف من حيث النوع لأن الذي يرأس هذه المجموعة إله شرير? الإله الذي خلق المادة? نصف الإله وقد ساعد الإله? وتعاون معه الآلهة الأشرار والمخربون, والصراع بين إله الشر وأعوانه? وإله الخير وأعوانه مستمر (تاريخ الفكر المسيحي - حنا الخضري - دار الثقافة - ص 476),

الأبيويون ? Ebionites? وهم جماعة من اليهود المتنصرين عُرفوا بهذا الاسم الذي يعني بالعبرانية الفقراء ومن غير المعروف على وجه اليقين كيفية نشأتهم? أما عقيدتهم فهي مزيج من اليهودية والمسيحية? فقد كانوا يعتقدون بوجود إله واحد خالق الكون? ويعظمون السبت? ويرفضون رأي بولس في المسيح? ويقولون أن المسيح إنسان امتاز عن غيره بالنبوة? وإنه أي المسيح رسول الله أرسله للناس أجمعين? وأنكروا الصلب وذهبوا إلى أن الذي صُلب شخص آخر غير المسيح? وقد شُبه على من صلبه? فاعتقد أنه المسيح (المفصل 6:635),

8- المريميون:

وقد كانوا في الأصل يعبدون كوكب الزهرة ويسمونها ملكة السماء? وكانوا يقولون إن الشمس تزوجت القمر فأنجبا الزهرة? وقد بالغ أصحاب هذا الرأي في عبادة مريم العذراء وتأليهها? وكانوا يقدمون لها نوعاً من القرابين عبارة عن أقراص العجين والفطائر? فعرفوا بالفطائريين ? "lyridiens? وكانوا ينادون بثالوث مكون من الله والمسيح ومريم,

وقد ذكرهم ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ولكنه أسماهم بالمريمانين? أو المريمانية, وقد انتشر هؤلاء في أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية? ولكنهم لم يكونوا كغيرهم من المسيحيين بل كانوا أقل عدداً وانتشاراً (النصرانية 1:113 - المفصل 6:637),

كانت هذه الجماعات المسيحية الموجودة في الجزيرة العربية قبل الإسلام? بعضها بقرون عديدة والآخر بفترة قصيرة? وقد حارب النبي هذه الجماعات وشدد في محاربتهم وقد قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (الطبقات - ابن سعد -2:242)? وقد نزلت كثير من الآيات المدنية التي تحرض المؤمنين على القتال وتأمر بقتال المشركين أينما وُجدوا ففي سورة التوبة 9:29 قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَلاَ بِا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ , ونتيجة لمحاربة الإسلام لفكر هولاء نجد أنه لم يصل إلينا معظم ما كتبوه? إما لفقده أو لتحريم روايته? ولكن يمكننا أن نجد بعض الإشارات في أشعار الجاهليين - سواء كانوا من أتباع هذه الديانات أو من المتأثرين بها - ما يعطينا فكرة عما كان يدعو له هؤلاء? وسوف نتناول الآن بعض من نرى تأثرهم بما أطلقنا عليه الأدب الكتابي وبعض هؤلاء ثبت - لدينا - تهودهم أو تنصرهم والبعض الآخر هناك شك في تبعيتهم لأي دين كتابي بل كانوا يؤمنون بعقائد هي في الواقع خليط من عدة ديانات وهم من يُطلق عليهم الحنفاء أو المحودون,

الصفحة الرئيسية