المقدمة

1.  ميخا كلمة عبرية مختصرة عن ميخائيل = من مثل الله أو ميخايا = من مثل يهوه. وقد جاء اسم النبي مطابقاً لغاية السفر الذي يتركز في العبارة "من هو إله غافر الإثم مثلك وصافح عن الذنب لبقية ميراثه (18:7). وهو من قرية مورشة جت (14:1) أو من مريشة (15:1) لذلك دعي اسمه ميخا المورشتي (1:1).

2.  بدأ نبوته بعد أ ن بدأ إشعياء بحوالي 17 أو 18 عاماً. إذاً هو كان معاصراً له. واستمرت نبوته 60عاماً (758-698 ق.م). وقد تحدث كلاهما عن خراب السامرة. واشتركا كلاهما في توبيخ الشعب على خطاياه. كما عاصر ميخا هوشع النبي أيضاً. فكان ميخا يتنبأ في غرب أورشليم وإشعياء في أورشليم وهوشع في إسرائيل المملكة الشمالية. وكان ميخا أصغر من إشعياء وهوشع، فهو كتب أيام يوثام وآحاز وحزقيا. ولم يعاصر عزيا مثل إشعياء وهوشع.

3.     تحدث عن السيد المسيح وملكوته، وعن ميلاده بوضوح وعن ناسوته وبركات مملكته.

4.     هو قروي ولكن يكتب لأهل المدن في قوة عجيبة ومملوء ترفقاً. وأسلوبه من الشعر البديع.

5.  هو تنبأ عن يهوذا وإسرائيل. لكن حديثه عن إسرائيل مختصر. وهو عاش ليرى سقوط السامرة سنة 722ق.م : وقد تحدث عن نفس المصير لأورشليم بسبب خطاياها وفي نفس الوقت تنبأ عن مجد أورشليم المقبل ليفتح باب الرجاء وهي نبوات مسيانية مجيدة. فمجد أورشليم المقبل المقصود به مجد كنيسة المسيح.

6.     نبوة ميخا جاءت نبوة دينية أخلاقية، فهو يعدد خطايا الشعب ويبرز العقوبة عليها. هو أبرز التأديب الذي يعقبه مجد مسياني بهيج جداً.

7.     إن أمانة هذا النبي وجرأته كانا السبب في نجاة أرمياء من الموت. قارن (أر18:26 مع 12:3).

8.  مورشة جت أي منسوبة إلى جت، وجت هذه في بلاد الفلسطينيين. فهي كانت غرب أورشليم. ومريشة (ماريسا حالياً) جنوب غرب أورشليم. لذلك نقول أن ميخا تركزت نبواته في غرب أورشليم.


 

الإصحاح الأول

الآيات(1-7): "قول الرب الذي صار إلى ميخا المورشتي في أيام يوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا الذي رآه على السامرة وأورشليم.اسمعوا أيها الشعوب جميعكم أصغي أيتها الأرض وملؤها وليكن السيد الرب شاهدا عليكم السيد من هيكل قدسه. فانه هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض. فتذوب الجبال تحته وتنشق الوديان كالشمع قدام النار كالماء المنصب في منحدر. كل هذا من اجل إثم يعقوب ومن اجل خطية بيت إسرائيل ما هو ذنب يعقوب أليس هو السامرة وما هي مرتفعات يهوذا أليست هي أورشليم. فاجعل السامرة خربة في البرية مغارس للكروم والقي حجارتها إلى الوادي واكشف أسسها. وجميع تماثيلها المنحوتة تحطم وكل بعقارها تحرق بالنار وجميع أصنامها اجعلها خرابا لأنها من عقر الزانية جمعتها وإلى عقر الزانية تعود."

المورشتي = تظهر أنه ولد أو عاش في مورشة جت أو مريشة وكلاهما في يهوذا)غرب أورشليم). فهو نبي من يهوذا. وفي (2) اسمعوا = إذا تكلم الله علينا أن نسمع وننفذ. وعموماً علينا أن نسمع أكثر مما نتكلم. فحينما نسمع نستفيد، أما كثرة الكلام فلا تخلو من المعصية (يع19:1). إصغي أيتها الأرض وملؤها = أي جميع من فيها. والرب شاهداً عليكم = قبل أن يخرب الرب الأرض ها هو يشهد على ذلك نفسه، وكل الشعوب وكل الأرض. وربما تسمع الأرض بسرعة أكثر من هذا الشعب الذي تبلد إحساسه. والله سيشهد بأنه أرسل أنبيائه ليحذروهم، وأنهم نقلوا لهم الإنذار مبكراً. وبأمانة ولكنهم رفضوا التحذير. "لكي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت". وسيكون تمام النبوات شاهداً على احتقارهم إياها، وسيظهر أن كلمة الله لا تسقط أبداً. من هيكل قدسه = والله يشهد عليهم من سمائه هيكل قدسه، ومن هيكله في أورشليم الذي خرجت منه أقوال الله الحية وشريعته. والآيات (3-6) نبوة بخراب آتٍ على إسرائيل ويهوذا وقد جاء هذا الخراب سريعاً على إسرائيل، وأتي على يهوذا بعد مدة من الزمان. وفي (3) الرب يخرج = أي يظهر نفسه في تأديباته العظيمة. فمكان الله هو الرحمة والحب، وحين يعاقب ويؤدب فهو يخرج من مكانه. راجع (هو15:5) فالله خرج لكي يؤدب ثم رجع لمكانه منتظراً أن يطلبوه ليظهر لهم محبته ورحمته من مكانه. وينزل = يشق السموات وينزل لا في رحمته العجيبة بل في أحكام قوية ليؤدب ويمشى على شوامخ الأرض = أي يطأ على كل المرتفعات، أي كل المتكبرين والطغاة وقد تعنى المرتفعات أماكن العبادة الوثنية. وفي (4) تذوب الجبال.. قدام النار = إلهنا نار آكلة فمن يستطيع أن يصمد أمامه، حتى لو كان جبلاً سيذوب كالشمع. وعجيب أن تذوب الجبال ولا يذوب قلب هذا الشعب القاسي. وإذا كانت الجبال تذوب أمام الله. فمن الذي يستطيع حماية الشعب من غضبه. تنشق الوديان = تحترق ثمار هذه الوديان، أي تنعدم خيراتهم. وتكون هذه النار الكاسحة لكل شئ أمامها = كالماء المنصب في منحدر. وفي (5) الخطية سبب كل هذه النكبات. وهنا سؤال ما هو ذنب يعقوب؟ أليس هو السامرة = علينا أن نسأل ما سبب الآلام التي تأتي علينا، ما هي الخطية التي وراءها. إذاً لماذا يتألم شعب يعقوب. واضح أنه بسبب ما يصنع في السامرة من خطايا. وبالذات عبادة الأوثان التي هي الزنا الروحي. والسامرة بما أعطاها الله من جمال وغني صارت بارزة وصارت قدوة فأفسدت من حولها. الله أعطاها كل خيراتها فنست الله وعبدت الأوثان بل صارت مصدراً للشرور. ونفس الكلام عن يهوذا = وما هي مرتفعات يهوذا، أليست هي أورشليم = المرتفعات هي أماكن العبادة الوثنية. فهم يفضلون إقامة مذابحهم على المرتفعات. والنبي هنا كإبن قرية، رأي فظائع أثام العاصمتين، فقال أنهما منبع كل شر وبؤرة للمعاصى. فأورشليم أيضاً عاصمة جعلها الله فخمة وثرية. ولكنها عَلَّمَتْ من حولها عبادة المرتفعات الوثنية وصارت قدوة سيئة. وفي (6)  السامرة نتيجة خطيتها تخرب = خربة في البرية  أي كومة خربة وسط حقل، أو كومة حجارة جمعت معاً لكي يطوح بها. مغارس للكروم = كأرض محروثة أعدت لزراعة الكروم فيها وأكشف أسسها = ستهدم المدينة حتى تنكشف أساساتها. وفي (7) التماثيل الوثنية يحرقها الآشوريين ويحطمونها. وكل أعقارها = أي أجرها. والمقصود كل الهدايا التي قدموها لتزيين هياكل أوثانهم (ذهب، فضة، قمح....) فكل ما هو ثمين نهبه الجيش المنتصر والباقي تم حرقه. لأنها من عقر الزانية جمعتها وإلى عقر الزانية تعود = تم تشبيه السامرة بزانية وكان الزنى من فرائص العبادة الوثنية. وكان هناك من ينذرن أنفسهن في هذه الهياكل للزنى. وكن يتقاضين أجراً مقابل ذلك يعطونه للهيكل فإغتنت الهياكل الوثنية في السامرة من عقر (أجر) الزواني. وأتى جيش أشور المشبه بزانية أخرى، فهو له نفس طقوس عبادة الزنى واستولى على كل ما في هذه الهياكل فكأن أجرة الزانية ذهبت لزانية أخرى. هكذا كل من ينغمس في شهواته وخطاياه فتتبدد كل طاقاته. هنا نرى أن التماثيل الوثنية التي يصرف عليها من عائدات الفجور تحطم وغناها يذهب لأشور.

 

الآيات (8-16): "من اجل ذلك أنوح وأولول امشي حافيا وعريانا اصنع نحيبا كبنات آوى ونوحا كرعال النعام. لان جراحاتها عديمة الشفاء لأنها قد أتت إلى يهوذا وصلت إلى باب شعبي إلى أورشليم. لا تخبروا في جت لا تبكوا في عكاء تمرغي في التراب في بيت عفرة.  اعبري يا ساكنة شافير عريانة وخجلة الساكنة في صانان لا تخرج نوح بيت هايصل يأخذ عندكم مقامه. لان الساكنة في ماروث اغتمت لأجل خيراتها لان شرا قد نزل من عند الرب إلى باب أورشليم. شدي المركبة بالجواد يا ساكنة لاخيش هي أول خطية لابنة صهيون لأنه فيك وجدت ذنوب إسرائيل. لذلك تعطين إطلاقا لمورشة جت تصير بيوت اكزيب كاذبة لملوك إسرائيل. أتى إليك أيضا بالوارث يا ساكنة مريشة يأتي إلى عدلام مجد إسرائيل. كوني قرعاء وجزي من اجل بني تنعمك وسعي قرعتك كالنسر لأنهم قد انتفوا عنك.

في (8): من أجل ذلك أنوح وأولول = هنا رأي النبي بروح النبوة جيش أشور بعد أن دمر السامرة أتى ودمر يهوذا. فعمل مناحة على شعبه وقد أحرق سنحاريب ودمر 46مدينة من يهوذا (سجل سنحاريب ملك أشور هذا في النقوشات الأثرية). إلا أن الله ضربه ضربة رهيبة وهو على أسوار أورشليم (يوم الـ185.000). وهذه الضربة (للـ46 مدينة) كانت بسبب خطايا يهوذا. إذاً لنبكي مع النبي على كل من زال منغمساً في خطاياه. وبكاء النبي هنا يظهر مصداقيته ومحبته لشعبه. فبعد أن أراه الله ما سيحدث في رؤيا بكي وسار حافياً وعرياناً = علامة للحزن. بل إن صوت بكائه كان مراً كبنات آوى ورعال النعام  = أي بنات النعام. والله كان مضطراً لهذا التأديب المرعب لأن جراحات يهوذا صارت عديمة الشفاء = كمريض فقدنا الأمل في علاجه بالأقراص، ولزم التدخل الجراحي لبتر المرض. وصلت إلى باب أورشليم = فسنحاريب حاصر أورشليم ذاتها والوصف الآتي لخراب مدن يهوذا يقدمه ميخا كساكن خارج أورشليم، فهو يقدم وصفاً لما حدث خارجها من دمار لمدن يهوذا. أما إشعياء (28:10-34). فلأنه من سكان أورشليم يقدم وصفاً كمن هو موجود داخل أورشليم ويسمع أن جيش أشور يقترب، متقدماً من مدينة إلى أخرى، متجهاً صوبه أورشليم فيرتعب سكان أورشليم من إقترابهم.

وفي (10) لا تخبروا في جت = جت من بلاد الفلسطينيين. فعليهم أن يكتموا خبر خرابهم عنهم حتى لا يشمت فيهم أعدائهم الفلسطينيين. لا تبكوا في عكاء = حتى لا يشمت فيكم أعداءكم. ومن (10-15) يذكر النبي بعض المدن التي تعرضت لخراب جيش أشور. ويقول لكل مدينة شئ يناسب أسمها كعلامة للحزن.

بيت عفرة = بيت التراب يقول لها تمرغي في التراب كعلامة حزن. ونحن لنتضع للتراب لئلا يأتي علينا غضب الله.

شافير = جميل يقول لها أنها ستهرب عارية وخجلة. فجمالها كان لسكنى الله فيها. ونحن لننسى جمالنا ولنتكل على بر الله. والخطية تفضح.

صانان = الخروج ويقول لها أنها لن تستطيع الخروج للرعي والزراعة فهم محاصرون.

بيت هأيصل = مدينة منيعة لها مقام. ويقول لها أن العدو سيكون مقامه عندها أي إحتلال. فلتتب وتنوح لعل الله يرحمها.

ماروث = مرارة ويقول لها اغتمت وحزنت لما فعله بها جيش أشور.

لاخيش = سريعة ويقول لها شدي المركبة بالجواد (جواد = راكيش بالعبري) أي استعدي للهرب سريعاً من وجه العدو. هي أول خطية لإبنة صهيون.هذه تفهم بطريقتين [1] كانت لاخيش مجاورة لمملكة إسرائيل. وهم أول من نقل ليهوذا العبادة الوثنية = لأنه فيك وجدت ذنوب إسرائيل = هي نقلت ذنوب إسرائيل أولاً. [2] اشتهرت لاخيش بتجارة المركبات الحربية. والخطأ أن شعب الله يتصور أن قوته في آلات الحرب" والله لا يؤثر قوة الفرس" (مز10:147) فالله يحمي شعبه، وإذا رفع عنهم حمايتهم بسبب خطاياهم لن تنفعهم قوتهم العسكرية. والنبي هنا يستنكر إهتمام يهوذا بالمركبات العسكرية.

مورشة جت = ملك جت ويقول لها تعطين إطلاقاً = هدايا. حتى يقبلونك كهاربة من وجه آشور. فهم سيحملون هدايا لملك فلسطين ليقبلهم. ويبدو أن مورشة جت كانت على الحدود بين يهوذا وفلسطين. وكانت تتبع فلسطين أولاً وأخذتها يهوذا فاستمر عليها اسمها الأول "مِلْك جت"

أكذيب = كاذب ومخادع ويقول لها أنها تصير كاذبة لملوك إسرائيل. فكل ما اعتمدوا عليه كان باطل لأن الله غاضب عليهم، فلن تحميهم مدنهم.

مريشة = ميراث ويقول لها أن أشور سترثها أي ترث الأرض.

عدلام = ملجأ ويقول لها يأتي إلى عدلام مجد إسرائيل. ومجد إسرائيل هو الرب (زك5:2) والمعنى أن الرب هو ملجأ لهم. هو يضع أمامهم هنا باباً للرجاء فأمام كل هذه الضيقات لا ملجأ لشعب الله سوى الله، والله مستعد.

وفي (16) كوني قرعاء = علامة الحزن والحداد. لأنهم انتفوا عنك = لأن شعبها ذهب للسبي ولا ينتظر أن يعود. وكل هذه المدن قد أحرقت وتم تدميرها.


 

الإصحاح الثاني

الآيات (1-5): "ويل للمفتكرين بالبطل والصانعين الشر على مضاجعهم في نور الصباح يفعلونه لأنه في قدرة يدهم. فانهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت ويأخذونها ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه. لذلك هكذا قال الرب هانذا افتكر على هذه العشيرة بشر لا تزيلون منه أعناقكم ولا تسلكون بالتشامخ لأنه زمان رديء. في ذلك اليوم ينطق عليكم بهجو ويرثى بمرثاة ويقال خربنا خرابا بدل نصيب شعبي كيف ينزعه عني يقسم للمرتد حقولنا. لذلك لا يكون لك من يلقي حبلا في نصيب بين جماعة الرب."

آية (1) هم ينامون على مضاجعهم وبدلاً أن يفكروا أفكاراً طاهرة قبل النوم يفكرون بالباطل ويشتهون أملاك غيرهم فهم يصنعون شراً على مضاجعهم. وحينما يطلع الصبح ينفذون ما خططوا له، لأنهم أقوياء أو بالرشوة = لأنه في قدرة يدهم = وهذا ما صنعه آخاب وإيزابل زوجته مع نابوت اليزرعيلي. هذا شر مع سبق الإصرار. وفي آية (2) الرجل وبيته = يسلبون الرجل أملاكه التي يعول بها بيته. وميراثه = والميراث معطى من الرب ولكنهم لا يحترمون الوصية. وفي (3) هذه العشيرة = أي إسرائيل. لا تزيلون منه أعناقكم = هم لم يحتملوا نير الله الهين أي لم يحتملوا تنفيذ الوصية (الوصية التاسعة أي لا تشته) فها هو الله يضعهم تحت نير من لا يرحم أي ملك أشور ثم ملك بابل. وكل من يخالف الوصية يتركه الله لنير إبليس. فالله حررنا واشترانا، وبكسرنا للوصية نعود لعبودية إبليس ثانية. وفيما يقعون في هذا النير، نير ملك أشور سيكون هذا زمان ردئ. ولن يسلكوا بالتشامخ، فهو سوف يذلهم. وفي (4) بعد أن يخربوا هكذا سينطق عليهم أعداؤهم بهجو = أي بسخرية وشماته. وأصدقائهم يرثونهم بمرثاة قائلين خربنا خراباً. ولأن أملاكهم كانت نتيجة ظلمهم فسينزعها الله منهم ويقولون بدل نصيب شعبي = أي غير نصيب شعبي، فلم يصبح بعد ملكاً لهم، بل صار ملكاً لأعدائهم. وسيندهشون قائلين كيف ينزعه مني = ينزعه فجأة وبعنف ويعطيه لأعدائنا = يقسم للمرتد حقولنا = فبالرغم من أن أعدائنا مرتدين عن الله فهم وثنيين إلا أن الله أعطى لهم أرض شعبه لأن شعبه صار ظالماً. وفي (5) الحبل = يستخدم في تقسيم الميراث وحيث أنهم نزعوا من أرضهم فلن يكون لهم ميراث.

 

الآيات (6-11): "يتنبأون قائلين لا تتنبأوا لا يتنبأون عن هذه الأمور لا يزول العار. أيها المسمى بيت يعقوب هل قصرت روح الرب أهذه أفعاله أليست أقوالي صالحة نحو من يسلك بالاستقامة. ولكن بالأمس قام شعبي كعدو تنزعون الرداء عن الثوب من المجتازين بالطمأنينة ومن الراجعين من القتال. تطردون نساء شعبي من بيت تنعمهن تأخذون عن أطفالهن زينتي إلى الأبد. قوموا واذهبوا لأنه ليست هذه هي الراحة من اجل نجاسة تهلك والهلاك شديد. لو كان أحد وهو سالك بالريح والكذب يكذب قائلا أتنبأ لك عن الخمر والمسكر لكان هو نبي هذا الشعب."

يتنبأون قائلين لا تتنبأوا = الأنبياء الكذبة يتنبأوا ضد أنبياء الرب قائلين لا تتنبأوا. والشعب المحب للخطية يقول للأنبياء لا تتنبأوا. هكذا أوصى المجمع بطرس ويوحنا أن لا ينطقا البتة ولا يعلما باسم يسوع. لا يتنبأون عن هذه الأمور = أي لا تتنبأوا بأمور الخراب بل تنبأوا بأخبار مفرحة. لاحظ أن من يرفض التوبة يبغض التوبيخ (عا10:7 + رؤ10:11) وما نتيجة منعهم من التنبؤ بكلام الرب = لا يزول العار. وفي (7) أيها المسمى بيت يعقوب = هذا شرف لكم أن يدعى اسم يعقوب عليكم. ولكن تصرفاتكم لا تتفق مع الاسم المطلق عليكم. هل قصرت روح الرب = أنتم تحاولون أن تسكتوا الأنبياء فهل تقصر روح الرب عن أن تستخدم كل طريق لتصل كلمات الرب الحقيقية لكم. أن أسكتم الأنبياء فلن تستطيعوا إسكات روح الرب. والرب لا يريد الخراب فهذه ليست أفعاله = أهذه أفعاله. هو يريد لكم الخير ولكن إذا سلكتم بالاستقامة ولكنه بسبب شروره إنقلب عليكم. ولكن آية (7) يمكن فهمها بطريقة أخرى: أيها المسمى بيت يعقوب = أي أنتم تسمون أنفسكم بيت يعقوب، فهل تسلكون مثله باستقامة= أهذه أفعاله = أهذه أفعال أبيكم يعقوب. لو سلكتم كأبيكم يعقوب باستقامة سيعينكم روح الرب. هل قصرت روح الرب. عن أن تعينكم، لكن الروح لا يعين إلا من يحاول أن يسلك باستقامة، لن يظهر عمل الروح في حياتهم إلا لو سلكوا باستقامة. وفي (8،9) يواجههم الله ببعض أفعالهم وشرورهم = قام شعبي كعدو = هم قاموا كأعداء ضد الفقير تنزعون الرداء عن الثوب يأخذون العباءة ويتركون القميص الداخلي من المجتازين بالطمأنينة= أي السالكين بالسلام ومن الراجعين من القتال = أي غير المحاربين. فهم يتعاملون مع الأبرياء بوحشية كأنهم أعداء. وفي (9) يعاملون النسوة كما لو كانوا نساء الأعداء. فيطردنهن ويأخذونهن جواري وعبيد. فهم لم يتركوا الفقراء يتنعمون بالقليل الذي عندهم. ويأخذون أطفالهن = كعبيد يبيعونهم. والأطفال هم زينة هذا الشعب ببراءتهم وقداستهم = زينتي إلى الأبد. وفي (10) قوموا وإذهبوا = استعدوا لترك بلادكم ولتذهبوا إلى السبي. ستخرجون من بلادكم بالقوة كما أبعدتم النساء والأطفال بالقوة. لأنه ليست هذه هي الراحة = لقد أدخلهم الله لهذه البلاد لتكون لهم راحة (مز11:95) ولكنهم دنسوها بشرهم، لم تكن هذه هي الراحة التي قصدها الله. من أجل نجاسة تهلك = فالخطية تنجس الأرض. والخطاة يجب أن لا ينتظروا راحة في الأرض التي نجسوها بل هلاكاً. وهذه الأرض ستقذفهم كما قذفت من قبلهم الكنعانيين الأشرار (لا27:18،28). وعلينا أن نعرف أن الأرض ليست مكان راحتنا فهي مكان غربة، وليست لنا هنا مدينة باقية (عب14:13). إذاً لنقم ونذهب ونتحرر من كل الربط التي تربطنا بها ونعيش كسماويين. وفي (11) صفات الأنبياء الذين يحبون أن يستمعوا إليهم. سالك بالريح = أي يتكلم كلام فارغ بالكذب ويحلل لهم الخمر والمسكر ويتنبأ بزيادتهم ويبارك ملذاتهم الشهوانية (2تي3:4).

 

الآيات (13،12): "أني اجمع جميعك يا يعقوب أضم بقية إسرائيل أضعهم معا كغنم الحظيرة كقطيع في وسط مرعاه يضج من الناس. قد صعد الفاتك أمامهم يقتحمون ويعبرون من الباب ويخرجون منه ويجتاز ملكهم أمامهم والرب في رأسهم."

يختم الإصحاح بوعود بمراحم الله. فبعد أن يذهبوا للسبي سيجمعهم الله ثانية. وهذه الآيات تمت جزئياً في عودة اليهود من سبي بابل وتمت كاملة في المسيح، أي في ملكوت المسيا. هنا ميخا كعادة الأنبياء بعد أن يشرحوا فساد حال الشعب يعطون وعداً بمجيء المخلص المسيح. أني أجمع جميعك يا يعقوب = هي الكنيسة يعقوب الحقيقي. كل من ينتمي لإيمان يعقوب، أولاد يعقوب بالإيمان. أضعهم معاً كغنم الحظيرة = هو الراعي وسط خرافه وهو الراعي الصالح. والحظيرة هي الكنيسة المملوءة من كل العالم. ومن كثرة من فيها يضج من الناس. وفي المسيح اجتمع اليهود والأمم تحت قيادة راعٍ واحد، وهم يسبحون الله (إش19:49،20). وفي (13) الفاتك الذي صعد= هو السيد المسيح الذي حَطَّمَ كل مقاومة إبليس وطهر الطريق أمام الكنيسة فيقتحمون ويعبرون من الباب = ربما هو باب السبي يقتحمونه ويخرجون للحرية، هو باب النجاة، وربما هو المسيح الذي قال عن نفسه أنه هو الباب. يدخلون منه للكنيسة جسده. وملكهم أمامهم والرب في رأسهم فالمسيح هو رأس الكنيسة. وهو الذي يملك على قلوب من فيها. هو الفاتك الذي اقتحم أبواب الجحيم والموت وداس إبليس القوي.


 

الإصحاح الثالث

الآيات (1-7): "وقلت اسمعوا يا رؤساء يعقوب وقضاة بيت إسرائيل أليس لكم أن تعرفوا الحق. المبغضين الخير والمحبين الشر النازعين جلودهم عنهم ولحمهم عن عظامهم. والذين يأكلون لحم شعبي ويكشطون جلدهم عنهم ويهشمون عظامهم ويشققون كما في القدر وكاللحم في وسط المقلى. حينئذ يصرخون إلى الرب فلا يجيبهم بل يستر وجهه عنهم في ذلك الوقت كما أساءوا أعمالهم. هكذا قال الرب على الأنبياء الذين يضلون شعبي الذين ينهشون بأسنانهم وينادون سلام والذي لا يجعل في أفواههم شيئا يفتحون عليه حربا. لذلك تكون لكم ليلة بلا رؤيا ظلام لكم بدون عرافة وتغيب الشمس عن الأنبياء ويظلم عليهم النهار. فيخزى الراؤون ويخجل العرافون ويغطون كلهم شواربهم لأنه ليس جواب من الله."

هنا يبرز خطايا القيادات، أي الملك والرؤساء والقضاة الذين يسيئون استخدام مراكزهم، فالله وضعهم ليحكموا بالعدل لا بالظلم. والله يبرز أخطائهم لكي يقدموا توبة. وعندما يؤدي الرؤساء والأنبياء مهمتهم بأمانة فإنه يجب إكرامهم جداً أكثر من باقي الناس، لكن عندما يخونون الأمانة يجب أن يعرفوا بخطيتهم كغيرهم. وهنا النبي يضعهم أمام محكمة. وفي كنيستنا فحتى الأب البطريرك له أب اعتراف يسمع منه كلمة الله. اسمعوا يا رؤساء يعقوب = اسمعوا كلمة الله التي فيها توبيخ لكم. أليس لكم أن تعرفوا الحق = لقد أصبحتم في ظلمة غير قادرين أن تعرفونه. فقفوا واصمتوا واسمعوا. وفي (2،3) صورة لقسوتهم الفظيعة ضد المساكين. هم رعاة نهبوا خرافهم. صحيح أنه يليق بمن يرعى الرعية أن يأكل من لبن الرعية (1كو7:9). وأن يلبسوا من صوف غنمهم لكن ليس أن يأكلوا لحم شعبي ويكشطون جلدهم عنهم وينزعوا جلودهم ويكشطون جلدهم = يستغلونهم تماماً، بأن يأخذوا من المسكين حتى ثوبه الوحيد ويأخذون غلتهم، وفرضوا عليهم ضرائب باهظة وحصلوها بقسوة. ويهشمون عظامهم = للوصول للنخاع. ويشققون كما في القدر كأنهم يقطعون اللحم ليضعوه في القدر. لقد تحولوا لوحوش ضارية بدلاً من أن يكونوا رعاة. وفي (4) لذلك فحين يجئ يوم شدتهم يصرخون للرب فلا يجيبهم. كما صرخ إليهم المساكين ولم يسمعوا. وفي (5) على الأنبياء الكذبة أن يسمعوا هم أيضاً تهمتهم ومصيرهم = هؤلاء الذي يضلون شعبي = فهم يتملقوا الشعب بأخبار ونبوات مبهجة فيدفعونهم بالتالي للتمادي في الخطأ مقابل أموال الشعب فهم ينهشون بأسنانهم وينادون سلام = يأكلون لحم الشعب في مقابل نبواتهم الكاذبة بالسلام. والذي لا يعطيهم في أفواههم يفتحون عليه حرباً فهم يتنبأون ضده بالخراب. هؤلاء الذين أحبوا الظلام سيتركهم الله في الظلام، ويحجب عنهم شمس الرؤيا والفرح والبهجة والرجاء. ولن يستطيعوا أن يبصروا في هذا الليل. تكون لكن ليلة بلا رؤيا = أي يحل عليكم ليل النكبات وتهجركم التعزيات، وتفقدون القدرة على إتخاذ القرار السليم. وحينما تجئ هذه الضربات سيخجلون خجلاً شديداً إذ إفتضح كذبهم. هذا معنى آية (7) ويغطون شواربهم كأنهم مرتبكين ليس لهم ما يقولونه عن أنفسهم.

 

أية (8): "لكنني أنا ملأن قوة روح الرب وحقا وباسا لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته."

هنا النبي يختبر قوة إلهية ترافقه في عمله. وهذه القوة تدفعه للشهادة ضد الرؤساء والأنبياء الكذبة. وهو يشعر أن رسالته حق. وهو مملوء من كل محبة يوبخ الجميع ليتوبوا. وهو هنا يذكر أنه يخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته ولم يقل يهوذا. والسبب أنه في وقت هذه النبوة كانت مملكة إسرائيل قد ذهبت للسبي فأطلق اسم إسرائيل على يهوذا. وقد استنتجنا أن هذه النبوة حدثت في أيام ما بعد السبي الأشوري لإسرائيل من الآية (12) في هذا الإصحاح، فهي قد قيلت في أيام حزقيا الملك (راجع أر18:26،19).

 

الآيات (9-12): "اسمعوا هذا يا رؤساء بيت يعقوب وقضاة بيت إسرائيل الذين يكرهون الحق ويعوجون كل مستقيم. الذين يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم. رؤساؤها يقضون بالرشوة وكهنتها يعلمون بالأجرة وأنبياؤها يعرفون بالفضة وهم يتوكلون على الرب قائلين أليس الرب في وسطنا لا يأتي علينا شر. لذلك بسببكم تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خربا وجبل البيت شوامخ وعر."

يكرهون الحق = هم يوجهوا العدالة حسب مصالحهم الشخصية وفي (10) يبنون صهيون بالدماء وأورشليم بالظلم = نبوا بيوتهم بالظلم والتسخير دون أن يدفعوا أجرة. وهم يبنون قصوراً لهم ويدعون إنهم إنما يعمرون أورشليم. وفي (11) جشع الكهنة، فهم بالرغم من أن الله ضمن لهم معيشة كريمة إلا أنهم طامعين في الربح الكثير. ورؤسائها يقضون بالرشوة = قارن مع قصة يوحنا ذهبي الفم الذي حرم الإمبراطورة من دخول الكنيسة لأنها ظلمت امرأة مسكينة. وهم يبررون مظالمهم بأنهم رجال الرب فهم يقولون أليس الرب في وسطنا. ولكن هل الإمتيازات الكنسية تبيح الظلم؟! وفي (12) بسببكم تفلح صهيون كحقل = أي تحرث وتخرب تماماً. والمقصود بصهيون هي المرتفع المقام عليه الهيكل وقصر الملك. فكأن هذه نبوة بخراب الهيكل وبيت الملك. وتصير أورشليم خرباً = هذه نبوة بخراب بقية أورشليم. وقد تم هذا بعد سبي بابل ثم أيام الرومان سنة 70م. وجبل البيت = أي الجبل المبني عليه الهيكل يصبح شوامخ وعر = يصير كمرتفعات يملأها الشوك.


 

الإصحاح الرابع

من إصحاح (4) إلى إصحاح (7) نبوات مسيانية مجيدة.

والنبي ينطلق من النبوات الخاصة بتأديب إسرائيل ويهوذا إلى عمل الله الخلاصي ومجيء المسيح.

 

الآيات (1-7): "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في راس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه شعوب. وتسير أمم كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت اله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين شعوب كثيرين ينصف لأمم قوية بعيدة فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل لا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب في ما بعد. بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يرعب لان فم رب الجنود تكلم. لان جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه ونحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد. في ذلك اليوم يقول الرب اجمع الظالعة وأضم المطرودة والتي أضررت بها. واجعل الظالعة بقية والمقصاة أمة قوية ويملك الرب عليهم في جبل صهيون من الآن إلى الأبد."

انتهي الإصحاح السابق بخراب الهيكل وتحوله إلى شوامخ وعر. هذا إعلان عن نهاية الكهنوت اليهودي. ونأتي هنا لتأسيس الكنيسة المجيدة وسر مجدها أن مسيحها في وسطها. وآية (1) هي نفسها (أش2:2). وهكذا (مي2:4،3 مع أش3:2،4) فالروح واحد. وكأن الله يريد أن تقوم كلمته على فم شاهدين. وهي مواعيد ثمينة تشير لكنيسة العهد الجديد. وفي (1) المسيح هو جبل، الجبل الذي رآه دانيال يملأ الأرض كلها. وهو صخرتنا (1كو4:10). والجبل والصخرة رمز للثبات، والجبل رمز للتسامي والعلو أي السماويات. ونلاحظ أن المسيح هزم الشيطان على جبل التجربة. وقدم تعاليمه على جبل. وتجلى على جبل تابور وصلب على جبل الجلجثة. وكما يشبه المسيح بجبل هكذا كنيسته لأنها ثابتة للأبد وسماوية ترتفع عن الأرضيات. سر ثباتها هو الرب نفسه الذي يقدسها ويرفعها فيه إلى سمواته ويكون في آخر الأيام =أي أيام المسيح الذي سيقيم كنيسته عليه هو شخصياً. جبل بيت الرب = هو المسيح بجسده. يكون ثابتاً في راس الجبال = فهو راس الكنيسة والمؤمنين فيها تشبهوا بمسيحهم فصاروا جبالاً. وهو رأس هذه الجبال. ويرتفع فوق التلال = مهما ارتفع أي شئ آخر لن يزيد عن كونه تلاً بالمقارنة بالجبال، هذا هو سمو المسيحية. وتجري إليه شعوب = أمام هذا السمو جرى الجميع مؤمنين بالمسيح. وفي (2) هلم نصعد جبل الرب = القانون الطبيعي أن الماء ينزل من الأعالي ومن رؤوس الجبال للوديان. ولكن عمل نعمة الروح القدس تأخذ المؤمنين وتصعد بهم للسماويات. هنا المؤمنين يزدادون عدداً، ومن كل الشعوب، والكل يحاول الصعود للسماويات. بيت إله يعقوب = يعقوب هو الكنيسة التي شابهت يعقوب في إيمانه. فيعلمنا من طرقه = هذا دور الروح القدس الذي يعلمنا كل شئ (يو26:14). لأنه من صهيون تخرج الشريعة = فمن صهيون كان يجب أن يخرج الإنجيل لكي تتضح العلاقة بين العهد الجديد والعهد القديم،وأنه لا تعارض بينهما. وفي أورشليم عاش المسيح وصلب وقام وصعد للسماوات وتلاميذه بدأوا خدمتهم أولاً من أورشليم. إذاً المسيح = كلمة الرب خرج من أورشليم ومنها بدأت الكرازة بكلمة الرب. والآن هؤلاء المؤمنين بكلمة الرب لهم وعد = نسلك في سبله = هم في محبتهم لسيدهم المسيح قطعوا على أنفسهم هذا الوعد. وصهيون هنا التي تخرج منها الشريعة هي الكنيسة التي تعلم وتلد وتجذب المؤمنين وفي آية (3) فيقضى = هنا تظهر صفة جديدة للمسيح فهو الديان (يو22:5) فالآب أعطاه كل الدينونة. ودينونته هي بالحق فهو ينصف لأمم قوية بعيدة = لكن هذه الأمم وصفت بأنها قوية فكيف يظلمها أحد لينصفها المسيح؟ هي كانت بعيدة عن المسيح فظلمها الشيطان، وجاء المسيح ليخلصها من يده وينصفها. ثم يأتي وصف للسلام الذي يتمتع به المؤمنون. فهم يطبعون سيوفهم سككاً = السكة هي حديدة تحرث بها الأرض. فهم عوض الحرب يحرثون أرضهم ويعيشون في سلام. وفي عمل بناء. وإذا فهمنا أن الأرض تشير للإنسان، فهو مأخوذ من تراب الأرض. فعوضاً عن أن يهتم الإنسان بالحرب مع الآخرين سيهتم بحرث نفسه ليخرج ويعترف بكل خطاياه (أي يجلس ليفحص نفسه مقدماً توبة عن كل خطية يكتشفها ثم يذهب ليعترف بها) وبهذا ينقي أرضه فتصير صالحة لكي تثمر فيها كلمة الله فيصبح بهذا سماوياً ورماحهم مناجل = المنجل يستعمل للحصاد. فهم سيحصدون ما زرعوه. ويعيشون في سلام بلا حرب ولا سيف. وفي (4) يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته = يجلسون في أمان وسلام وفرح فالكرمة تشير للفرح. والتينة تشير للمحبة الأخوية التي تجمع كل المؤمنين في جسد الكنيسة الواحد. مثل بذور التينة الكثيرة داخل نفس الغلاف. وهذه المحبة وهذا الفرح من ثمار الروح القدس الذي يتمتع به كل مؤمن بالرغم من ضيقات هذا العالم. لأن فم رب الجنود قد تكلم = ولا يمكن أن تسقط كلمة واحدة من كلام الله. ووعود الله ومحبته وإرادته الخيرة نحونا ظهرت في كلمته المتجسد. وفي (5) نجد الشعوب أي الأمم التي لم تؤمن بالمسيح = كل واحد باسم إلهه = هم يعترفون بآلهة لا تخلص، أما نحن فنسلك باسم الرب إلهنا = الذي يخلصنا إلى الأبد.بل هذه تنطبق على بعض المؤمنين الذين يسلك كل واحد منهم وراء إلهه الخاص متعبداً له، ويظن أنه يشبعه (كالمال والجنس والقوة...) وفي (6،7) الكنيسة التي جمعها الله من اليهود والأمم في وحدة ويملك عليهم المسيح. الظالعة = أي العرجاء وهذه تشير لليهود. والمطرودة تشير للأمم قبل إيمانهم. لكن اليهود يتحولون لبقية = وأجعل الظالعة بقية. لأن منهم من يؤمن في آخر الأيام. أما الأمم التي كانت مقصاة فتصبح أمة قوية بالمسيح الذي فيها.

 

الآيات (8-13): "وأنت يا برج القطيع أكمة بنت صهيون إليك يأتي ويجيء الحكم الأول ملك بنت أورشليم. الآن لماذا تصرخين صراخا أليس فيك ملك أم هلك مشيرك حتى أخذك وجع كالوالدة. تلوي ادفعي يا بنت صهيون كالوالدة لأنك الآن تخرجين من المدينة وتسكنين في البرية وتأتين إلى بابل هناك تنقذين هناك يفديك الرب من يد أعدائك. والآن قد اجتمعت عليك أمم كثيرة الذين يقولون لتتدنس ولتتفرس عيوننا في صهيون. وهم لا يعرفون أفكار الرب ولا يفهمون قصده انه قد جمعهم كحزم إلى البيدر. قومي ودوسي يا بنت صهيون لأني اجعل قرنك حديدا وأظلافك اجعلها نحاسا فتسحقين شعوبا كثيرين واحرم غنيمتهم للرب وثروتهم لسيد كل الأرض."

برج القطيع = هذه هي الكنيسة فهي عالية كبرج ومؤمنيها كقطيع لهم راعٍ هو السيد المسيح. إن سر مجد أورشليم هو مسيحها الذي يقيم نفسه جبلاً يجتذب إليه الأمم ويهبهم السلام الداخلي ويضمد جراحاتهم ويملك عليهم واهباً إياهم حياة الغلبة والنصرة. والكنيسة هي أكمة بنت صهيون  = أكمة تعني قلعة أو حصن. والكنيسة هي حصن والذي يحميه هو المسيح. وسميت بنت صهيون لأن الكنيسة خرجت من صهيون. وكما قلنا فصهيون كانت القمم (قمة مقام عليها الهيكل وقمة مقام عليها قصر الملك داود) ومسيحنا هو الملك والراعي. فداود راعي الغنم صار راعياً لشعبه، شعب الله. وداود رمز للمسيح. والمسيح أيضاً هو رئيس كهنتنا الذي قدم نفسه ذبيحة وبدمه حصننا في هذا الحصن. وهذه الكنيسة إليها يأتي ويجيء الحكم الأول = أي تنعم بملكوت الله الأبدي فيها. حكم مثل حكم داود وسليمان، الحكم الأول، حينما كان داود وسليمان يحكمون دولة واحدة، إسرائيل الواحدة. يوم كانت رعية واحدة لراعٍ واحد. وقد سمى المسيح ملك اليهود (مت5:21 + 29:27). وهذا الحكم الواحد قد إنقسم بعد سليمان وانتهى بعد السبي. وسقطت أورشليم تحت عبودية بابل ثم الفرس ثم اليونان ثم الرومان وكل هذا يشير لعبودية الشعب لهذه الأمم (رمزاً لعبودية الإنسان لإبليس قبل أن يحررنا المسيح). وبالمسيح  عاد ملك بنت أورشليم = إشارة للكنيسة التي حررها المسيح من عبودية إبليس وجعلها أمة ملوك وكهنة (رؤ6:1) وملوك أي لا يسود عليهم خطية أو شهوة أو إبليس. إليك يأتي = أي المسيح يأتي لكنيسته. وفي آية (9) بعد أن عزي أورشليم وقال لها سيأتي لها مخلص يعيد لها الحكم الأول يقول لكن لابد أن تعاني أولاً من بعض الآلام. وفي (10)  يتنبأ صراحة بذهابها إلى بابل للسبي = تأتين إلى بابل. وأهمية ذهابها للسبي بآلامه أنها ستخرج من هذا التأديب أمة جديدة بلا وثنية وتكون آلامها كآلام الوالدة التي ستلد طفلاً جديداً. فيقول لها تلوي أدفعي = أي تحملي الآلام حتى تولدي أمة جديدة. ووسط هذه الآلام فلتثق أن لها ملك لابد وسيفديها من يد أعدائها = الآن لماذا تصرخين في يأس. جاهدي برجاء أن ملكك سيفديك = هناك يفديك الرب ولاحظ روعة نبوة ميخا. فهو يتكلم عن سبي بابل قبل أن تظهر بابل كدولة عظيمة أي أيام كانت أشور هي الدولة العظمى والمسيطرة عالمياً وكانت بابل لا شئ. وهذه الآيات لها معنى آخر، فهي تشير للمسيح، هي وعد بمجيء المسيح الذي يحررنا لكن لابد من قضاء فترة في سبي إبليس حتى يأتي المسيح، وبابل ترمز لإبليس. والمسيح سيفدي كنيسته بدمه ويصير لها ملكاً بعد أن يحررها من سلطان إبليس، ولكنه لن ينزع عنها الألم والجهاد، إنما سيسمح لها أن تنطلق إلى البرية = تسكنين في البرية لتحارب عدو الخير، والعالم هو هذه البرية. فطالما نحن في الجسد، فلابد أن نحارب إبليس. والمسيح ملكنا سيهبنا نصرة وغلبة بل يهب كنيسته قرناً حديدياً وأظلافاًٍ نحاسية. آية (13) لتسحق هذه الشياطين. والقرن والأظلاف علامة القوة. وفي (9) تصوير لآلام أورشليم (الكنيسة) فهي تصرخ وتتلوى كوالدة ولكن النتيجة ميلاد جديد (يو20:16،21). ولماذا الألم ؟ هو نار التطهير لأننا في الجسد، والجسد تسكنه الخطية (رو20:7). فلابد من التأديب حتى نولد ميلاداً جديداً أي نستحق أن نلبس الجسد الممجد. وعلينا أن لا نيأس ففي وسطنا ملكنا الذي حررنا يساندنا في هذه المعركة = أليس فيك ملك = فلنجاهد برجاء وبلا يأس لأنه في وسطنا ملك. وفي (11) نجد الأعداء محيطين بالكنيسة وهم يمنون أنفسهم أن تسقط في الخطية = يقولون لتتدنس = فيهجرها الله وتخرب وحينئذ تتفرس عيوننا في صهيون = إن المؤمن ينكشف إذا سقط في الخطية، لأن الله سيتخلى عنه. بعد أن كان حصناً (كانت هذه مشورة بلعام). وفي (12) هؤلاء الأعداء يجتمعون ضد أورشليم يحلمون بأن تسقط ليشمتوا فيها. والله سمح لهم بهذا بعض الوقت وهم لا يفهمون قصده = فهو يستعملهم كأداة تأديب لشعبه، وبعد أن ينتهي التأديب، وفي النهاية يجب أن تحرق هذه العصا = أنه قد جمعهم كحزم إلى البيدر  = فالله سمح لهم بأن يتجمعوا كما يجمع الفلاح حزم قش يستعد لحرقها.فهم كانوا يقصدون خراب صهيون وكان الله يقصد تأديبها ثم خرابهم، جمعهم ليُدرسوا كما بنورج ثم يحرقهم. وفي (13) صورة للكنيسة القوية التي لها سلطان أن تدوس الحيات والعقارب = قومي ودوسي. وأُحرّم غنيمتهم = أحرم أي أقدس أو أكرس. فكل ما نمتلكه من طاقات تحررت من سلطان إبليس يجب أن يقدس ويكرس للرب، نستخدمه كما يرشدنا هو لمجد اسمه؟ قد يمكن تفسير هذه الآيات على الخلاص من سبي بابل، ولكن هذه الآيات تظهر قوتها في الخلاص من سبي الشيطان بصليب المسيح الذي كان سبي بابل رمزاً له.


 

الإصحاح الخامس

الآيات (1-6): "الآن تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خده.أما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل. لذلك يسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة ثم ترجع بقية اخوته إلى بني إسرائيل. ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض.ويكون هذا سلاما إذا دخل أشور في أرضنا وإذا داس في قصورنا نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس. فيرعون ارض أشور بالسيف وارض نمرود في أبوابها فينفذ من أشور إذا دخل أرضنا وإذا داس تخومنا."

في الإصحاح السابق تكلم عن مجد أورشليم الجديدة أي الكنيسة وهنا نجد سر مجدها وهو المسيح المولود فيها. في آية (1) لقد أخطأت أورشليم فسمح الله بأن تقوم عليها جيوش لتأديبها. وهي حاولت أن تقيم جيوش لتحارب هؤلاء الأعداء. ولكن كان هؤلاء الأعداء أقوى منها كثيراً فحاصروها وأذلوها بل ضربوا قاضي إسرائيل على خده بقضيب = وقد يقصد بقاضي إسرائيل ملكها أو قضاتها أو رؤسائها، وهؤلاء أهينوا جداً من قبل الجيوش المحاصرة مثل أشور وبابل.. إلى أن انتهي هذا بالرومان. وهذه الجيوش قد أقامت حرباً شديدة ضد أورشليم = قد أقام علينا مترسة = أي حاصروا أورشليم حصاراً مراً قاصدين إهلاكها. وكل هذا رمزاً للشيطان الذي حاصر الإنسان بسبب خطيته وأهانه، والشيطان هو عدو قوى جداً. وقد حاولت أورشليم أن تقيم جيوشاً لتحارب = الآن تتجيشين يا بنت الجيوش = هذه للتعجب، هل تقيمين الآن جيوشاً ولماذا؟ ألم تسألي نفسك يا أورشليم من الذي أعطى هذه الجيوش المعادية قوة وسلطاناً ضدك؟ أنها خطيتك. وماذا صنعت لك هذه الجيوش؟ لا شئ فليس في استطاعتها الوقوف في وجه هذه الجيوش القوية. بل لقد صارت أورشليم مملوءة من جيوش الجوعى والخائفين. ونحن قد سقطنا تحت عبودية العدو القوى إبليس بسبب خطيتنا. وليس في قوة إنسان أن يقف في وجه العدو القوى الشيطان. وهذه الحال استمرت حتى مجيء المسيح الذي قبل العار ليمحو عار أورشليم، هو قاضي إسرائيل وملكها الذي قبل أن يلطم على خده ليمحو عار إسرائيل شعبه، كان ذلك حين ضربوه على خده قائلين "تنبأ من ضربك" وبقبوله لهذا العار هزم عدونا القوي المتكبر. وفي (2) كيف يزول العار عن أورشليم أو من يزيل هذا العار؟ هو هذا الذي يخرج من بيت لحم أفراته = وبيت لحم لها اسم آخر هو أفراته (تك19:35 + تك7:48 + را 11:4). وهذه نبوة بمكان ميلاد  هذا المخلص (مت6:2 + يو42:7). فقد كان معروفاً أن المسيح سيأتي من بيت لحم مدينة داود فهو الملك إبن داود. ولأنه من بيت لحم فهو في نظر اليهود داود آخر أي مؤسس مملكة لكنهم هم حسبوها مملكة مادية زمنية. وبيت لحم = تعني بيت الخبز وهي أنسب مكان يولد فيه ذاك الذي هو خبز الحياة.وإفراتة = تعني مثمرة فمنها خرج الحبة التي سقطت للأرض فأتت بثمر كثير (يو24:12). وهي مدينة صغيرة بين مدن يهوذا = ألوف يهوذا لكن المسيح المتواضع يسكن ويولد في مكان متواضع فيرفعه فهو يرفع المتضعين. وأنت صغيرة = في ترجمات أخرى رغم أنك صغيرة يخرج منك الذي يكون متسلطاً على إسرائيل= فهو كان له سلطان على البحر والهواء والأموات والأمراض والشياطين. وهو ملك على قلوب شعبه بصليبه وداس الموت والشياطين. ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل = تشير لأزلية المسيح أي لاهوته، فليس أزلي أي بلا بداية سوي الله ولكنه ولد بالجسد في بيت لحم. هذه الآية تثبت لاهوت المسيح. ولذلك قال "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو58:8). وكلمة مخارج استخدمت في (تث3:8) عند التحدث عن خروج كلمة من فم الرب. ولذلك فهي تليق بأن تستخدم للإشارة إلى الولادة الأزلية لمن دعي كلمة الله (يو1:1،2) وكونه يتسلط على إسرائيل فهذا يعني أنه سيكون رأساً للكنيسة إسرائيل الروحي (أف22:1). وآية (3) لذلك يسلمهم = أي يسلمهم للضيق والتأديب والتعب، بل للعبودية في يد إبليس وراجع (رو20:8) "إذ أخضعت الخليقة للبطل، ليس طوعاً بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء" وما هو هذا الرجاء الذي انتظرته الخليقة = إلى حينما تكون قد ولدت والدة = هذه الوالدة هي العذراء أم النور مريم. وهذا الخلاص هو للجميع يهوداً وأمم. ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل = في المسيح أصبح الكل واحداً ورجع الأمم الذين ضلوا طويلاً. وصار الكل إخوة، بل لقد دعي الجميع إخوة المسيح "فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة" (عب11:2) + (رو29:8). ولقد صارت العذراء مريم أماً لنا جميعاً بهذا المفهوم. وآية (4) ويقف ويرعي = أي سوف يعلم ويحكم ويرعى شعبه كراعٍ صالح. وهو يفعل هذا، ليس كإنسان عادي بل بقدرة الرب، فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. بعظمة اسم الرب إلهه = ظهر في المسيح بكل وضوح، في أعماله وقدرته وسلطانه أن اسم الله فيه. كان يعلم كمن له سلطان وليس كالكتبة (مت29:7) ويثبتون = هذه بمعنى يكونون ساكنين أي آمنين ومستريحين وفي سلام ويظلوا هكذا للأبد أنهم سوف يحيون لأنه هو حي (راجع يو19:14). لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض = طالما كان شعبه ممتداً لأقاصي الأرض فسيتعظم هو إلى أقاصي الأرض. فالأرض كلها ستمجده. وآية (5) الله هنا يضمن سلام كنيسته = ويكون هذا سلاماً. إذا دخل أشور في أرضنا = كان ملك أشور أقوى ملك في ذلك الوقت، والله يضمن سلام كنيسته ضد أقوى الأعداء. وقد تم هذا فعلاً حينما هاجم أشور يهوذا ووصل إلى أسوار عاصمتها أورشليم وهلك هناك. وكان هذا رمزاً لنجاة كنيسة المسيح من هجوم قوات الظلمة عليها، إبليس وكل قواته. وكان للأعداء بعض الإنتصارات = وإذا داسوا في قصورنا = الملك يسكن في قصر والله يسكن فينا، فنحن المؤمنين قصور لله. ولكن ينجح إبليس مع بعض المؤمنين ويسقطهم فيدوس قصورنا. ويتكرر هذا دائماً حينما يهجم الشيطان على شعب الله محاولاً نزع سلامه، وذلك بأن يسقطه في خطية، ومن يسقط يدوسه إبليس فيفقد سلامه. وسيتكرر هذا في (رؤ9:20) في آخر الأيام. وكانت عطية المسيح لشعبه هي السلام "سلامي أترك لكم سلامي أنا أعطيكم" لأنه بالمسيح غفرت خطايانا فصار لنا سلام مع الله وسلام في قلوبنا وسلام على الأرض. وبالخطية نفقد هذا السلام. والشيطان دائم الحرب ضد أولاد الله ليسقطهم في الخطية ويدوسهم، لكن الله يقيم خدام ورعاة ليخدموا شعبه فيكون للشعب سلام. وعدد هؤلاء الرعاة والخدام سبعة رعاة وثمانية من أمراء الناس = هذا أسلوب عبري في التعبير ويعني الكمال، وعمل الله دائماً كامل (راجع عا3:1،6.. الخ + أم16:6). ورقم (7) يشير للكمال في هذه الحياة الزمنية. ورقم (8) يشير للحياة الأبدية. وكأن هجوم إبليس المرموز له بأشور يواجهه الله بعمل في الخدام الذين يرسلهم لرعاية شعبه، وليحمي شعبه سواء هنا أثناء حياتنا على الأرض أو في السماء، وليعطيهم خلاصاً على الأرض وحياة أبدية. وقد يعني رقم (7) خدام الكنيسة المجاهدة ويعني رقم (8) السمائيين الذين يساندوننا كما ساعد الملائكة ملوك فارس ضد رئيس فارس أي إبليس. ونعلم أن للأطفال الصغار ملاك حارس. فنحن لنا خدام من الكنيسة المجاهدة وأرواح سمائية تخدمنا (عب14:1) راجع (دا 13:10 + 20:10،21 + 1:12). وفي (6)  وعد بأن الكنيسة لها سلطان أن تدوس الحيات والعقارب = فيرعون أرض أشور = أي يخربونها حسب الترجمات الأخرى. وهنا السيف¬ = سيف روحي فأسلحتنا ضد قوات الظلمة أسلحة روحية (اف6). وقد تم تمثيل قوات الظلمة هنا بأشور وبابل = أرض نمرود فاشور أسقطت إسرائيل المملكة الشمالية وبابل أسقطت يهوذا المملكة الجنوبية. وقد أرسل الله بابل لتخريب أشور وأرسل فارس لتخريب بابل. وكان كورش الفارسي رمزاً للمسيح حين حرر شعب الله. وتخريب أشور وبابل رمز لجعل أعداء المسيح موطئاً لقدميه. وبعمل المسيح الخلاصي تم خلاص شعبه من إبليس = فينفذ من أشور أي يخلص ويتحرر حتى إذا دخل تخومنا.

 

الآيات (7-15): "وتكون بقية يعقوب في وسط شعوب كثيرين كالندى من عند الرب كالوابل على العشب الذي لا ينتظر إنسانا ولا يصبر لبني البشر. وتكون بقية يعقوب بين الأمم في وسط شعوب كثيرين كالأسد بين وحوش الوعر كشبل الأسد بين قطعان الغنم الذي إذا عبر يدوس ويفترس وليس من ينقذ. لترتفع يدك على مبغضيك وينقرض كل أعدائك. ويكون في ذلك اليوم يقول الرب أني اقطع خيلك من وسطك وأبيد مركباتك. واقطع مدن أرضك واهدم كل حصونك. واقطع السحر من يدك ولا يكون لك عائفون. واقطع تماثيلك المنحوتة وانصابك من وسطك فلا تسجد لعمل يديك في ما بعد. واقلع سواريك من وسطك وأبيد مدنك. وبغضب وغيظ انتقم من الأمم الذين لم يسمعوا."

بقية يعقوب = البقية هي البقية المؤمنة، هم الذين يؤمنون بالمسيح من شعب يهوذا فيكون لهم خلاص. هم الذين حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين فجالوا في العالم كله ينشرون تعاليمهم التي كانت كالندى من عند الرب وهم ذهبوا لكل الشعوب = في وسط شعوب كثيرين = فإن كان مولود بيت لحم قد جاء كندى سماوي يطفئ لهيب إنساننا القديم ويطيب جراحاته هكذا يصير المؤمنون بالنسبة للآخرين. وهذه البقية كالندى فمصدرهم السماء، ولدوا من فوق وليس من الأرض. وهم كثيرين كندى الصبح وطاهرين لا أثر فيهم لأي شوائب، ويأتون بلا جلبة أو غوغاء بل في سكون، لهم كلمات معزية كالندى للمتألمين. وهم لا ينتظرون مساعدات من إنسان = الذي لا ينتظر إنسان. ولا يصبر لبنى البشر = أي لا يصبر حتى تأتي له معونة من بني البشر، بل يصبرون لله حتى تأتي المعونة منه، فهم يعتمدون على عمل النعمة الإلهية. وكل من حولهم ينتظرونهم كالمطر الذي ينزل كالوابل على العشب فينمو العشب. ونزول الندى على العشب يجعله لا يحترق من لهيب الشمس. وكلماتهم المعزية للآخرين تجعلهم لا يحترقون من لهيب شمس تجارب هذا العالم. لكن ليس معنى أنهم كالندى أنهم سيكونون ضعفاء بل في (8) سيكونون أقوياء كالأسد = في الشهادة للحق وفي (2كو4:10،5) "أسلحة محاربتهم قادرة بالله على هدم حصون" وهم لهم قوة لا يقدر جميع معانديهم أن يقاوموها أو يناقضوها (لو15:21). وليس من ينقذ كما لا يقدر أحد أن ينقذ إن افترس الأسد. لاحظ أن إبليس خصمنا يجول كأسد زائر  "ولكن بقوة الله الأسد الحقيقي الذي خرج من سبط يهوذا نكون كأسود وإبليس خصمنا يكون كقطعان الغنم. وفي (9) لترتفع يدك على مبغضيك = سوف تنتصر الكنيسة في النهاية على كل مقاوميها وينقرض كل أعدائها وهذه القوة التي اكتسبها شعب الله ليست هي قوتهم بل قوة مولود بيت لحم وهذا معنى أقطع خيلك من وسطك. في آية (10) فهم تخلوا عن قوتهم وعن كل الوسائط العالمية والحلول البشرية. لقد اعتمدت أورشليم على أسوارها سابقاً وعلى خيلها ومركباتها. ولذلك في (11) أهدم كل حصونك =فقد صار لهم الله سور من نار (زك5:2). وبعد أن وعدها بأن يكون هو قوتها وطهرها من الاعتماد على ذاتها نجد في (12،13) وعد بتطهير النفس من محبتها للأوثان أي النجاسة وكل أعمال الاتصال بإبليس وهذا معنى أقطع السحر من يدك. والعائفون وهم مدعو النبوة والعرافة والذين يدّعوا معرفة الغيب ومفسرو الأحلام ومن يدعوا أنهم يروا رؤى. وهؤلاء كان لهم إتصال بالشياطين. وفي (14) أبيد مدنك = المدن التي كانت مخصصة لهذه العبادة. وفي (15) وعد بأن يؤدب الله كل مقاومي الكنيسة، كل من رفض الإيمان. فالله أعطى لابنه إما قلوب أو أعناق أعدائه، فيجعلهم إما أحباؤه أو تحت موطئ قدميه.


 

الإصحاح السادس

يظهر الله هنا محبته لشعبه وأنه يود لو أن تكون له علاقة محبة معهم. ونجده هنا يتعاتب معهم، وكأنه قاضٍ ينزل عن كرسي القضاء حتى يجلس مع المتهم ويعاتبه.

 

الآيات (1-5): "اسمعوا ما قاله الرب قم خاصم لدى الجبال ولتسمع التلال صوتك. اسمعي خصومة الرب أيتها الجبال ويا أسس الأرض الدائمة فان للرب خصومة مع شعبه وهو يحاكم إسرائيل. يا شعبي ماذا صنعت بك وبماذا أضجرتك اشهد علي.أني أصعدتك من ارض مصر وفككتك من بيت العبودية وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم. يا شعبي اذكر بماذا تأمر بالاق ملك موآب  بماذا أجابه بلعام بن بعور من شطي إلى الجلجال لكي تعرف إجادة الرب."

قم خاصم لدى الجبال = الله يلجأ للطبيعة ليشهدها على أعمال محبته نحو هذا الشعب، لأنه لم يبقى إنسان ليشهده على ذلك فالكل زاغوا وفسدوا بل أن هذه الجبال والتلال في حالة خجل من الممارسات الوثنية التي تمارس عليها. وربما سمعت الجبال والتلال وأسس الأرض، أما هذا الشعب فله أذان ولا يسمع، وله عيون ولا يبصر، لقد تبلدوا تماماً. والله هنا يحاكمهم بأنبيائه وبأعمال عنايته. فإن للرب خصومة = فالخطية تولد خصومة بين الله والإنسان. وفي (3) يتحداهم الله ليذكروا ماذا فعله ضدهم فجعلهم يهجرونه ويثوروا ويتمردوا عليه. وهو لم يظلمهم في شئ، ولم يثقل عليهم ولم يخدعهم في شئ. وفي (4،5) يذكرهم بسابق إحساناته عليهم فهو [1] حررهم من العبودية = فككتك من بيت العبودية. [2] موسى وهرون ومريم = موسى رمز للمسيح الكلمة وهرون رمز للمسيح الكاهن الذي قدم نفسه ذبيحة ومريم تشير للكنيسة التي جعلها المسيح جسده فصارت تسبح كمريم. وكأن موسى وهرون ومريم إشارة لسر المسيح وكنيسته، المسيح الكلمة الإلهي الذي تجسد وصار كاهناً ليقدم ذبيحة نفسه فيحرر كنيسته ويجعل منها جسده فتسبحه العمر كله. [3]بالاق الملك طلب من بلعام أن يلعن له الشعب غير أن الله وضع كلمات بركة في فمه. فها هنا نجد الله يحول اللعنة إلى بركة، ويحول أعداء الكنيسة لخدام الكنيسة يباركوا بدلاً من أن يلعنوا، لأن الله أحب الكنيسة (تث5:23 + أش1:60-17). [4] شطيم = آخر محطة لهم خارج كنعان. والجلجال = أول محطة أو مقر لهم داخل كنعان. وبين شطيم والجلجال مات موسى وأعطاهم الله يشوع رمزاً للمسيح الذي به بل فيه ندخل لكنعان السماوية. من شطيم للجلجال هو إنتقالنا من هذه الحياة لندخل للحياة السماوية الأبدية (أي الموت الجسدي). إذاً ملخص ما أعطاه الله للإنسان، أنه حرره من إبليس والعبودية (مصر) وجعله جسداً لله وهو رأساً للكنيسة وأخضع أعداؤه له وحول له اللعنة إلى بركة وبعد الموت يعطيه السماء ميراثاً له فلماذا نخاصمه. لكي تعرف إجادة الرب = فنتأمل جودة عطاياه ونشكره.

 

الآيات (6-8): " بم أتقدم إلى الرب وانحني للإله العلي هل أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة. هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات انهار زيت هل أعطي بكري عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي. قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع إلهك."

هنا تساؤل لإنسان حساس، بعد أن سمع عطايا الله وجودته، فتأثر من محبته وتحرك ضميره أمام عتاب الرب وتساءل كيف يرضي الرب، مثل هذا الإنسان يريد أن يتصالح مع الله، فيسأل ما الذي يرضيه، وتقدم هذا الإنسان ببعض الآراء. [1] محرقات عجول أبناء سنة [2] ألوف الكباش = وكان يكفي كبشاً واحداً [3]ربوات أنهار زيت = وكان الزيت يقدم كتقدمة [4] تقديم البكر = والبكر هو أعز ما للإنسان،(لذلك كان الوثنيون يذبحون أبنائهم لتسكين غضب الآلهة). وكل هذا لأن هذا الإنسان الحساس قد شعر بخطيته وأنه أحزن قلب الله = معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي = فالإنسان الذي يشعر بخطيته تكون له