نور الأنوار في كشف السبعة أسرار

فهرست الكتاب :

باب

1                    سر الرضي

2                    سر رؤية القلب

3                    سر الدخول ( أو التقرب)

4                    سر الرعاية

5                    سرالفناء والبقاء

6                    سر المجاوزة في سبيل الله

7                    سر الثبوت

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الأوحد الصمد ، الذي لا اله إلا هو ، انه قد أعد لمحبيه خيرات تفوق تصور الانسان وقد أعلنها لنا بروحه له الكرامة والقوة والمجد إلى دهر الدهور .. آمين.

(وبعد) فيا أيها الأخوة من أهل الصوفية . توجد أمور كثيرة نحن متفقون عليها سوية حتى أن المتفق عليها زادت على المختلف فيها فان " الصوفي " ( من أهل الباطن) هو الذي يبحث عن الأسرار المكتومة ( المخفية ) وهى أسرار الحقيقة الالهية ، وكذلك فهو يترك للآخرين قشر الأمور – أي الأشياء المادية التي ترى – ويشتاق من صميم قلبه أن يصل إلىالنواة (البزرة ) في الداخل – أي الى الامور التي لا تري  لأنها روحية أبدية .

أما المسيحيون فانهم معكم لأن الإنجيل المقدس يقول " ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى لأن التى ترى وقتية وأما التي لا ترى فأبدية " 2 كورنثوس 4: 18

ولا لزوم لاحتقار القشر أي الاستهانة بالأمور الوقتية " مهنة الدنيا" مثل الديار والمأكولات ولملبوسات وافراح الأهل والأصدقاء والاستفادة من العلوم . الخ .. لأنها كلها عطية الله وهي مثل القشور التي في داخلها لب الحقيقة وهذه الحقيقة هي معرفة الله نفسه سبحانه وتعالى . ونحن مثلكم يا أهل الطريقة نريد أن نكسر  القشر ولو بمشقة كبيرة ونسلم إرادتنا حتى نصل إلى لب الحقيقة وهذا اللب هو الاتحاد بالله تعالى ومع ذلك فان كان غرضنا وغرضكم واحدا أيها الاخوة إلا انه يوجد خلاف عظيم بيننا وبينكم فانكم تعتقدون – حسب اختبار الأولياء – أنه يجب عليكم أن تجاهدوا وتكافحوا كثيراً حتى تتقدموا من مقامة أما الله فيمنح الأحوال الى من يشاء ويمنعها ممن يشاء فلستم متأكدين أن تصلوا في آخر الأمر إلى المعرفة والاتحاد . ولا يخفى انه يوجد أمامكم في كل الطريق تجارب الدنيا وفخاخها حتى في " السمع " نفسه تخافون أنالعالم والجسد والشيطان تغلبكم وتجركم إلى الذنب وهكذا تبعدكم عما كنتم تحسبون أنه باب السماء .

لكننا نستطيع ان ندلكم على " طريقة" فيها فرح وسلام من اول خطوة ، والتقدم في هذه الطريق لا يتوقف على الأعمال الصالحة مثل كثرة الصيام وقيام الليل والعزلة والتفكر ( التأمل ) ولا يستلزم تسليم أنفسكم الى مرشدكم مهما يكن مشهورا ولا يتوقف على تربية الاخلاق ( الاداب ) المقبولة لدى الله التي تبحثون عنها ، وانما هذه الطريقة الجديدة ليست الا اعلان " اشراق" سيدنا المسيح لأرواحكم وقلوبكم لأنه هو الشخص الوحيد الذي قد جاء إلى العالم ليأتي بنا إلى الله بواسطة فدائه الذي به قد أبطل كل الحجب الفاصلة بيننا وبين المولى عز وجل.

فالغرض من هذا الكتاب هو أن نذكر لكم سبع كلمات أو أقوال مشهورة نطق بها سيدنا المسيح عن الرسالة التي قبلها من الله وقد نطق بها في السنوات الثلاث ا لأخيرة من حياته على الأرض وهذه الأقوال وغيرها من التي شرحناها في هذا الكتاب جميعها موجودة بالإنجيل الشريف فهي واردة إلينا عن الرسول يوحنا الذي كان أحد تلاميذ المسيح ( الحواريين ) وهو الذي كان يعرف سيده حق المعرفة . أما الاشارات الموجودة في هذه الأقوال السبعة فهي بسيطة للغاية حتي يستطيع الولد الصغير أن يفهمها ، ومن الجهة الأخرى فهي عميقة وغامضة حتى لا يستطيع العلماء أن يدركوها ويعبروا عن معانيها تعبيرا كاملا.

ونحن نطلب إلى الله أن يعطيكم " روح الحكمة والاعلان في معرفته" أي في معرفة سيدنا المسيح ،

                    آمين

 

سر الرضى

فقالوا ليسوع – آباؤنا أكلوا المن في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزا من السماء ليأكلوا

فقال لهم يسوع – ليس موسى اعطاكم الخبز من السماء بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء أنا هو خبز الحياة  من يقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا ، أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء ان اكل احد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ، والخبز الذي أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم " ( يوحنا 6: 31و 32و 35و 51)

أنا هو خبز الحياة

الباب الأول

(سر الرضى)

لقد تذكرون يا اخوتنا المسألة المذكورة في التوراة وهي ان بني اسرائيل حينما سافروا في البرية وليس عندهم زاد يعيشون به خافوا أن يموتوا جوعا فدعوا الله سبحانه وتعالى فاعطاهم الله خبزا من السماء مدة 40 سنة فعاشوا به يوماً فيوماً هم وأهل بيوتهم كل فرد من افراد هذا الجند العظيم ، وكانت تلك البرية قفرة قاحلة بلا ماء وبسبب عدم وجود الماء لم يمكنهم أن يزرعوا حبوبا (غلة) يقتاتون بها وفضلا عن ذلك فانهم لم يقيموا في موضع واحد بل كانوا دائما مسافرين متنقلين من مكان إلى مكان آخر . ما كان فيها انهم ربما يجدون عشبا(مرعى) لمواشيهم . ومع ذلك قيل في الزبور : " أكل الانسان خبز الملائكة أرسل اليهم زادا للشبع " مزمور 78: 25 وأيضا " خبز السماء أشبعهم " مزمور 105: 40وهذا الخبز لم يكن من الأرض بواسطة تعب الانسان بل هو هبة من الله بطريقة معجزية (خارقة للطبيعة) فظهر كل صباح على وجه الأرض بلونه الأبيض وطعمه الحلو وكافيا لجميع الشعب – لكل رجل وكل امراة وكل ولد وكل بنت – وحينما رآه بنو اسرائيل ولم يعرفوا ماهو قالوا بعضهم لبعض " من " ومعنى ذلك بلغتهم " ماهو ؟" فصار اسمه عندهم " المن" . وعلى كل حال فهم فهموا شيئا واحدا وهو ان المن قد حفظهم من الموت جوعا فصار لهم بالحقيقة خبز الحياة .

والآن لنتأمل في الكلمات المذكورة في الصفحة الأولى من هذا الباب وهي كلمات سيدنا المسيح ( له المجد ) وهذه الكلمات فيها سر عظيم لأن " المن " – الذي أنزله الله على بني اسرائيل- له معنى خفي (سرى) فيه اشارة إلى سيدنا المسيح نفسه لانه هو " خبز الحياة الذى نزل من السماء " واذا قلتم كيف ذلك ؟ نقول لكم ان الجميع يعلمون بأن هذا العالم برية قفرة وحضرتكم لهذا السبب عينه قد تركتم الدنيا و " لقنتم في الطريقة" حتى تجدوا هناك ما يشبع جوع أرواحكم على ان هذا الجوع الروحى لا يشبعه سوى الله وحده – جل جلاله – كما قال أحد ( أوليائنا) الصالحين في قديم الزمان قال : " انت يا رب قد خلقتنا لنفسك فلا يستقر القلب إلا فيك" ومع ذلك فالرضى الذي تطلبونه لا يزال بعيدا عنكم وحضرتكم تعترفون بأن قليلين يداومون الزهد ويستمرون سائرين من مقام إلى مقام حتى يبلغوا الرضى الذى لا نهاية له .

يا اخوتنا- اسمحوا لنا أن نخبركم عن سبعة اسرار عظيمة كشفها لنا اله تعالى واول الاسرار هو هذا السر العظيم – ان الرضى (الشبع) الذي تحسبونه بعيدا هو بالحقيقة قريب منكم جدا اذا اردتم ان تقبلوه . فقبلما شرعتم في طلب مرضاة الله تعالى كان الله يطلبكم ويبحث عنكم ولهذا السبب أتى سيدنا المسيح الى العالم لأن الله ارسله حتى يكون عندنا بواسطته " طريقة" لاشباع شوق النفس التي خلقها الله والتي تشتاق إليه .. والآن نبين لكم المعنى بالتفصيل : لا يخفى أن الله أنزل المن على الرمال في البرية أبيض وحلوا وطريا من ندى السماء وهكذا أرسل سيدنا المسيح من السماء بكيفية عجيبة لا يعرفها أحد بل كانت ولادته آية من آيات الرحمن ولذلك فحضرتكم تقولون عنه أنه  " نزل من عند الله" بل انه " روح منه" فحل في الجسد الذي هيأه الله لأجله وهذا الجسد كان منزها عن كل خطية أعنى أنه كان خاليا من فساد بني آم فحلت فيه طهارة اللاهوت نفسه . ويوافق على ذلك قول المسيح إلى اليهود " أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق ، انتم من هذا العالم ، أما أنا فلست من هذا العالم" (يوحنا 8: 23) وقال أيضا " قد نزلت من السماء " (يوحنا 6: 38)

فقوله هذا  " قد نزلت من السماء" فيه معنى أعظم وأسمى لأنه يشير إلى وجود سيدنا المسيح عند الله منذ الأزل أي من ابتداء كل شيء وانتم يا أخوتنا تصرحون بذلك لأنكم تلقبون المسيح " روح الله " أو " روحا منه" والمعنى واحد على كل حال ، ولا يخفى أن روح الانسان من أول نسمة حياته، وحيث أن الله " قديم" أعني انه غير حادث غير مخلوق بل باق منذ الأزل ، وحيث أن المسيح هو روح الله ، فالنتيجة أن المسيح كان عند الله منذ البدء . ويوافق على ذلك قول الإنجيل الشريف: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله"

ثم أن السيد المسيح طول مدة حياته على الأرض بقي طاهرا وصافيا مثل المن الصافي بواسطة الندى الذي كان تحته وفوقه لحفظه من قذارة التراب المحيط به هكذا السيد المسيح لم يمسسه الشيطان أو العالم بل بقيت حياته مخصصة لله ومنزهة عن كل عيب أو فساد ، وليس هذا يا اخوتنا كل ما هنالك ، ففي آخر حياة سيدنا المسيح في هذه الدنيا صار لنا " خبز الحياة" بمعنى آخر غير معنى المن ، فهو شبه نفسه بحبة الحنطة ومعنى ذلك التشبيه أن سيدنا صار خبز الحياة عن طريق الآلام . انظروا إلى الخبز الذي نأكله وتأملوا فيه فإن الحنطة لا تصير خبزا إلا بعد اختبار مؤلم فانها تقطع بالمنجل ثم تداس تحت أرجل الثيران ويطحنها الطاحون ثم يلقى الخبز في نار المخبز وتكسره أيدي البشر حتى يصلح للاكل . كل هذا نشاهده يوميا. وهكذا سلك المسيح طريق الآلام والأوجاع من مرحلة إلى اخرى حتى الموت لكي يهب لنا حياة ، فهو خبز الحياة .

أيها الاخوان أني أسمعكم تتساءلون كيف تصير لنا هذه الحياة أو كيف ننالها . أجيبكم بأن الشرط الوحيد هو أن نقبل المسيح بالإيمان فليس علينا إلا اتمام هذا الشرط أما النتيجة التي تنتج عن هذا لاإيمان البسيط – ايمان الطفل بأبيه- فلا نعرف كيفية اجرائها تماما وانما نعرف انه كما أن الخبز اليومى يطعم ويقوى حياتنا الجسدية هكذا يعطى المسيح – خبز الحياة – حياة الله لنفس كل من يقبله بالايمان . نعم هذا سر عظيم لم ندرك بعد كل معناه العميق لكنا نثق بالمسيح ثقة تامة انه كما يصير الخبز الذي تأكله أجسادنا ، لحما ودما وعظما فيتحد مع أجسادنا كذلك يتحد المسيح معنا اتحادا روحيا يفوق كل وصف وتصور ، وبذلك يعطي لنا طبيعة جديدة وهذه الطبيعة تؤثر فينا تأثيرا غريبا حتى نشتهي ما يشتهيه هو ونكره ما يكرهه هو – أعنى كل ذنب وخطية باطنية كانت أم خارجية وزد على ذلك كما أن الخبز يشبع جوع الجسد هكذا حلول المسيح فينا ( أو اتحاده معنا ) يشبع جوع النفس حتى يجد المؤمن به راحة قلب تامة

أيها الاخوة ان الجوع الروحي الذي عندكم قد سمح به الله سبحانه وتعالى كي يهيئكم لتنالوا الرضى الروحي حسب قول السيد المسيح من فمه الطاهر اذ قال " من يقبل إلي فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا" ( بشارة يوحنا 6: 35)

على انه يوجد فرق عظيم بين الرضى ( او الشبع ) الذي قد شرحناه الآن وبين الرضى أو السرور الذي قد تجدونه في الوجد الناتج من " الذكر " فليس كل واحد يجد السرور التام في الاذكار ولو نال الوجد لم يجد اختبارا دائما بل وجدها حالة وقتية أشبه بحلم لذيذ لا يلبث النائم أن يستيقظ منه ويرجع إلى حياته اليومية ، أما كون سيدنا المسيح يشبع شعبه دائما أبدا فاثباتا لهذه الحقيقة قد أمر اتباعه في كل مكان وكل زمان أن يجتمعوا معا ويكسروا خبزا ويشربوا عصير العنب تذكارا لجسده الذي كسره لأجلهم ولدمه الذي سفكه لأجل خطاياهم وبواسطة هذه  " الشركة المقدسة " يشهدون للجميع أن سيدهم قد أشبع جوعهم الروحي وأروى عطشهم وأنه يقتر إلينا بهيئة غير منظورة ويعزينا بمحبته ، أيها الأخ الجائع كما أنك تفتح فمك لتناول الطعام اليومي هكذا افتح قلبك للمسيح وبهذه الطريقة تختبر ان الرضى (الشبع) الذي طالما بحثت عنه وزعمت انه بعيد عنك اذا كان قريبا منك جدا وكما ان الوالد الحنون يعطي أولاده خبزا ليأكلوا في الصباح قبل قيامهم للسفر هكذا أبونا السماوى يعطي سر الرضي ليس فى آخر مرحلة من طريقنا بل في اول الطريق .

هذا هو السر الأول من الأسرار السبعة أن المسيح يشبعك الآن في هذه الساعة لأنه كما نزل المن إلى حيث كان بنو اسرائيل هكذا قد أتى خبز الحياة إلى حيث أنت مقيم فلا لزوم لأن تتعب نفسك بالبحث عنه فهو قريب منك كما قال في كتابه العزيز " لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحدر المسيح أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الاموات لكن ماذا يقول _ ا لكلمة _ قريبة منك " (رومية 10: 6و7)

لا تظن أيها الأخ أن هذا شيء خاص بالمسيحيين ولا يخصك بل بالعكس ان المسيح قال عن نفسه ان هذا الخبز السرى مرسل من الله لأجل حياة العالم وحيث انك انت موجود في هذا العالم فهذا الخبز لك . ولا يخفى ان كل انسان يحتاج إلى خبز في الحياة اليومية ، الطفل والأشيب، الغني والفقير، في كل زمان وكل مكان . وهكذا قد أتى المسيح ليس ليشبع الغني دون الفقير بل ليشبع كل الأمم ولهذا السبب قد أعطي إليه لقب " مشتهى كل الأمم" نعم انه هو مشتهاك يعنى انه حظك ( أو كما يقول بعضهم حظوظك ) الذي تسعى وراءه وهو الذي " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا " كولوسى 2: 9  فافتح قلبك والمسيح يملأه نورا ويشبع كل شوق قلبك ، افتح قلبك الآن وقل له انك لا تفهم كثيرا من هذه الأمور ولكنك قد شعرت بشوق إلى الله وانك تؤمن بالذي ارسله الله وحالما تفتح قلبك فهو يدخل اليك ويشبعك " ومن له الابن فله الحياة "

 

الباب الثاني

سر رؤية القلب

كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان آتياً إلى العالم أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة .. ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلا (أنا هو نور العالم )  من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة النور معكم زمانا قليلا بعد فسيروا مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام ( يوحنا 1: 9و12: 46و 8: 12و 12: 35)

( أنا هو نور العالم)

قد تأملنا في ما مر في سر عظيم من الأسرار السبعة عن فيض رحمة الله في شخص سيدنا المسيح أعني أننا رأينا أن " فيه كانت الحياة " ، فلنتقدم الآن إلى سر آخر من هذه الاسرار لأن مضمون الآية المذكورة ان الحياة كانت نور الناس" وقد ورد هذا القول في الفصل الأول من انجيل يوحنا وفي آيات أخرى كثيرة ان المسيح هو نور العالم، وان كانت الحياة وجدت قبل النور لكن الحياة تحتاج إلى النور وبدون النور فالحياة تموت ، انظر الى البزرة التي حالما تنبت تشعر بلزوم النور فتمتد حتى تصل إلى سطح الأرض وهناك تجد نور الشمس وهكذا الحال مع نفس الانسان فانها تحتاج إلى نور لتعيش به وقد اتى سيدنا المسيح إلى العالم ليس لكي يكون حياة العالم فقط بل ليكون نور العالم أيضا ، والآن دعنا نبحث في معني  هذا القول ..

في حياتنا اليومية توجد أنواع كثيرة من النور بها نستعين حتى نتنور فحينما يقبل علينا الليل نوقد في كل بيت مصباحا أو شمعة لكن عند شروق الشمس يكفي نورها للجميع كما لا يخفى ، انظر أيضا إلى الامم في ظلمات جهالتهم فكل امة تحاول أن تنير ظلامها بسراج العقل فقط مع أن ذلك النور لا يزيد عن نور شمعة ضئيلة وجميعنا سواءاً كنا مسيحيين أو مسلمين نعلم ونعترف بأن " نور السموات والأرض" هو الله سبحانه وتعالى . وقد قال سيدنا داود النبى في زبوره أن " الرب الله شمس" وبدون هذه الشمس يبقى الانسان في ظلام.، يا عباد الله نريد أن نتباحث معكم في مسألة هامة هي هذه : كيف يصل نور الشمس وحرارتها إلينا وا لشمس بعيدة عن الأرض ؟ ولو فرضنا انه في الامكان أن نسافر تلك الابعاد (المسافات) الشاسعة إلى الشمس لاحترقنا من حرارتها. فليس باليد حيلة ، إلا أن الشمس تتكرم علينا فترسل الينا شعاعا من اشعتها هو من طبيعة الشمس وجوهرها وهذا الشعاع يصل الينا حتى الى ابواب منازلنا مع انه في الوقت ذاته واحد مع الشمس في كبد السماء ، وقد اجاد احد شعرائكم بقوله  " ان نور الشمس هو الذي يظهر لنا الشمس " نعم ان الانسان كان  عنده معرفة بالرب قبل اتيان سيدنا المسيح لكن تلك المعرفة كانت سطحية والعلماء يسمونها " فطرية" وهي أشبه شيء بطلوع الفجر قبل بزوغ الشمس بساعة أو ساعتين. وحينما جاء المسيح إلى عالمنا هذا أظهر الله ذا الجلال والاكرام لكنه اظهره لعين الروح ، اسمع ماذا يقول الانجيل المقدس عن سيدنا المسيح . يقول انه" بهاء مجده ورسم جوهره " عبرانيين 1: 3 وانه صورة الله غير المنظور ( كولوسى 1: 15 وان الله ظهر في الجسد ( 1 تيموثاوس 3: 16) فهذه الأقوال تدل على " تجلي " الله للانسان . فنحن نسميه " نور العالم" وقد قيل عنه قبيل ولادته من مريم العذراء : " باحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء ليضئ على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام " ( لوقا 1: 78) وكما هو الحال مع العالم هكذا مع قلب الانسان الذي يمثل عالما صغيرا . حيث انه من العبث ان يحاول الانسان الوصول الى الشمس بمجرد  اجتهاده كذلك من المحال ان يصل الى معرفة الله بواسطة جهده واجتهاده ، كما قال النبي ايوب : " أإلى عمق الله تتصل أم الى نهاية القدير تنتهى؟" (أيوب 11: 7)

كان عند اليونان (الاروام) خرافة قديمة عن شخص اسمه ايكاروس صنع لنفسه جناحين ليطير بهما الى الشمس لكنه لصقهما على كتفيه بالشمع عنفدما ارتفع وحلق في الجو ذاب الشمع من حرارة الشمس وحينذ انفصل عنه الجناحان فسقط ايكاروس على الارض ومات . وهكذا يكون الحال مع جهودنا وعزائمنا فانها تذوب سريعا ونحن نقع على الارض بحالة الفشل التام فاقدين كل امل بالوصول الى معرفة الله اتلي طلبناها.

اذا والحالة هذه فما العمل أيها الاخوة ؟ ان خير طريقة للوصول الى معرفة الله ليبست بصعودنا اليه تعالى بل بواسطة نزوله الينا وذلك في شخصية سيدنا المسيح كما قيل في الانجيل الشريف " الله الذي قال ان يشرق نورمن ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لانارة مجد اله في وجه يسوع المسيح" ( 2 كورنثوس 4: 6)

هذا هو كشف مجد الله ( أو كما تقولون السبحات الالهية ) هذه هي رؤية القلب ، هذا هو ايمان الرؤية ( في بر الجزائر يقولون " ايمان مراوي " أي مرائى واما نحن فنقول ايمان الرؤية ) يعنى انه غير الايمان الاستدلالى ، هذا هو الاشراق الثابت دائما بخلاف الملامح ( اللمحات ) التي تظهر لك من وقت لآخر ، وهذا هو النور الحقيقي الاصلي الذي لم يكن فيك اصلا بل هو من الخارج لانه هو سيدنا المسيح الذي ارسله الله ليكون نور العالم ، فيشرق عليك اذا رفعت اليه عينيك وقَبلته بنية القلب مثلما يستيقظ النائم ويفتح عينيه هكذا ينيرك المسيح ونحن شهود لذلك لاننا قد اختبرنا الامر فوجدناه صحيحا .

يا اخوتنا. قد قلنا الآن اننا اختبرنا هذا الامر فوجدنا حقا ولذلك نشتاق الى ان تعرفوا انتم ايضا المجد والجمال الموجودين في " المحبوب" الذي هو اعلان نعمة الله ومحبته وقوته لنفوسنا، وليس ذلك فقط فانه يوجد معنى آخر في عبارة " نور العالم" لان سيدنا المسيح كان يظهر لنا كل مدة حياته على الارض ماهي صفات " الانسان الكامل" كما قيل في الانجيل " والحياة كانت نور الناس" فما عليك الا ان تنظر اليه كما هو معلن لنا في الانجيل وحينذ يشرق عليك مجده الذي يتزايد كما يتزايد نور الشمس في الصباع الذي يبدد الظلمة ويأتي بالحياة والاثمار لانه ظاهر – من الاية التي كتبناها فوق هذا الفصل – ان الحياة والنور متلازمان .

يا أخى العزيز افتح عينيك وانظر فان النور نفسه يبحث عنك فكما يدخل شعاع الشمس كل زاوية وركن من منزلك هكذا تملأ النعمة كل زاوية من قلبك ، ومع كل ذلك يوجد حجاب واحد يستطيع الانسان ان يحجب به نور الشمس ومجدها وذلك الحجاب هو جفن عينه الصغير والرقيق فمتى اغمض الانسان جفنه فلا ينتفع شيئا من كل اشعة الشمس ، اما الذين يقولون انهم مبصرون لكنهم بالحقيقة يغمضون اجفان قلوبهم عمدا ضد شعاع الحق فقد انذرهم سيدنا المسيح انذارا حيث قال عنهم " وهذه هي الدينونة ان النور قد جاء الى العالم واحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن اعمالهم كانت شريرة" ( يوحنا 3: 19) . وأما الذين يعترفون بعجزهم قائلين " اننا عميان لا نبصر النور" فلمثل هؤلاء يظهر رحمته ونعمته.

اذا والحالة هذه فاهتم ايها الاخ وحذر لئلا تغمض عينيك ضد النور الحقيقي فيدركك الظلام ولا تسمح للكبرياء والخوف أو ارتكاب الخطية أن يحجب رؤية القلب فلا تكن بين الذين يحبون الظلمة اكثر من النور لان هؤلاء في خطر عظيم وهو خطر تسليمنا الى ما نختاره لانفسنا واذا احببنا الظلمة اكثر من النور فهذا اشقى حال أما اذا افتحت عيني روحك ونظرت تجلي سيدنا سيوع المسيح كنور العالم فيوجد في الانجيل المقدس تنبيه مخصوص يهمك ان تعرفه وهو ان النور الذي جاءك مرة واحدة يجب ان تسير في ضوء ذلك النور اعني ان تتبع المسيح الذي هو نور العالم نعم ان اتباعه له معان كثيرة وعظيمة لكن المعنى الضرورى ظاهر من الابتداء وهو ان هذا النور الجديد يميز بين الخير والشر بكيفية لم تعرفها قبلا، حتى ان امورا كثيرة مما حسبتها حلالا اصبحت الآن في عينيك حراما" خطية" حسب قول الانجيل " لكن الكل اذا توبخ يظهر بالنور لان كل ما أظهر فهو نور" ( افسس 5: 13) وبهذه الكيفية أيضا يكون سيدنا المسيح " نور العالم " لأنه مثل الشمس الطبيعية التي تبين لنا هباء التراب (الغبار ) في ذات الهواء الذي كنا نظنه نقيا قبل ان كشفه ذلك الشعاع .

والآن ما هو معنى اتباع النور؟ معناه انك تترك حالا كل الاعمال الردية والعادات المذمومة ومعاشرة الاشرار بل وأكثر من ذلك ان تبطل الشهوات الفاسدة وحتى الافكار الشرية وكل ما ترى انه خطية وإلا فتجد ان نورك يحتجب مثل الشمس المغيمة وقلبك يصير فاترا.

أما إذا كنت تتبع كل شعاع من النور الذي يأتيك من المسيح فالنور يزداد لمعانا الى " النهار الكامل" ( أمثال 4: 18) ، والنور يأتي بأنواع وطرق كثيرة تارة من كلام الله في الكتاب المقدس رأسا أو من فم المعلم البشرة أو بواسطة تبكيت روح المسيح لقلبك ، واذا كنت في شك من جهة طريقك فسلم نفسك إلى المسيح الذي هو نورك وهويعلمك عن الطريق الذي يجب ان تسير فيه اذا طلبت ذلك بحرارة ، وهذا هو معنى الآية في رأس الباب " من يتبعنى فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة " ( يوحنا 8: 12 ) فلو فرضنا أننا نستطيع أن نتبع شمس الطبيعة في كل سفرها بسرعة مثل سرعتها ففي تلك الحالة لا نراها تغرب عنا مطلقا ولا يكون ليل ، والحقيقة ان الظلام يأتينا لاننا ساكنون على الارض يتيما تسير الشمس في طريقها واخيرا تصير الارض بيننا وبين الشمس فتحجبها عنا ، أما لو استطعنا ان نتبع الشمس بكل سرعة لكان لنا نهار دائم لا ينقطع.

نعم ان هذا غير ممكن في العالم المادي لكنه ممكن في العالم الروحي لاننا اذا سلمنا انفسنا لاتباع المسيح بالطاعة التامة فلا نبقى في الظلمة والله تعالى قادر أن يجعلنا طائعين كما قال النبي داود " التصقت نفسي بك يمينك تعضدني"

أيها الأخ . هل قرأت هذه الصفحات ومع ذلك لا تزال تغمض عيني قلبك عن المسيح ؟ إذا أرجوك أن تفتحهما سريعا ما دام النور موجودا لأنك لا تعرف كم يكون النور معك " مادام لكم النور آمنوا بالنور" ( يوحنا 12: 36) كما انصرف عن الذين من قبلك . استمع لقول الانجيل " استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح " ( افسس 5: 14)

 

الباب الثالث

سر الدخول أو التقرب

قل لهم يسوع – الحق الحق أقول لكم ان الذي لا يدخل من الباب الى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص .. فقال لهم يسوع ايضا الحق الحق أقول لكم اني انا باب الخراف ( أنا هو الباب ) ان دخل بي احد فيخلص ويدخل ويخرج وبيجد مرعي ( يوحنا 6: 41و 10: 1و7و9)

 

قد تأملنا في الفصل السابق في قول السيد المسيح عن نفسه " أنا هو نور العالم" والآن لنتأمل في سر آخر عجيب هو سر الدخول عند الله تعالى ( أي سر القربة) وهذه الخطوة هي الخطوة السابقة للاتحاد معه الذي هو غاية بركتنا وفرحنا الدائم الخالد ، وكما ان الصداقة البشرية تقتضي اقتراب الصديقين احدهما للآخر قبل اتحاد قلبيهما معا هكذا الحال أيضا مع الصداقة ( الخلة ) الالهية ، وفي كلمات المسيح التي افتتحنا بها هذا الباب الجديد نرى تعبيره عن الاقتراب الىالله يعنى انه يمثله بباب حظيرة الخراف ، ومعلوم ان حظيرة الخراف ( أو الزريبة) هي بقعة حصينة فاصبحت موضع الامان وقت الخطر وان كانت البرية تحيط بها ويسمع صوت الوحوش لكن الغنم قد دخلت الى داخل الحظيرة في امان تام وهكذا يبين لنا الله بواسطة هذا السر الجديد انه يوجد سلام وامان في برية هذا العالم الشرير يمكننا ان ندخل ونطمئن فيه كما تطمئن الخراف داخل الحظيرة لأن الشيطان ليس له قدرة على دخول هذا المأمن ( القلعة الحصينة ) ليخطف النفس ، فالنفس في أمان الآن وفي وفي كل حين .

يامسلمون – هذا الفكر جديد عليكم لان اعتقادكم كما نعرفه هو ان الانسان لا يتخلص الا في يوم الحساب فلا يستطيع ان يعلم الآن انه في امان بل بالعكس انه مثل الخراف التي ربما تصير فريسة الوحوش في اي وقت . فاسمعوا الى قول السيد المسيح فيه يتكلم عن حظيرة في وسط هذه الدنيا ويصف لنا باب الدخول ،

نعم أيها الاخوة ان تشبيه طريقة الوصول الى الله بباب هو ايضا تشبيه او فكر جديد فانكم تزعمون ان الانسان منفصل عن الله تعالى . بسبعين الف حجاب وان التقدم الى كل مقامة جديدة يبطل عشرة آلاف فقط فلا تحوزون نعمة القربة ، بل عند بلوغ " حال الوصول" أي عند نهاية السفر الطويل بإذن الله لكن رمز ( أو تشبيه ) الباب أمر آخر ويقصد منه الدخول والدخول لا يقتضي الا خطوة واحدة كما ان دخول بيتك شيء بسيط خطوة واحدة فتكون في داخل البيت فلا يحتاج الأمر الى تقدم تدريجي ، ثم انه يوجد فرق آخر بين افكارنا وافكاركم فانكم تظنون ان الحجب عبارة عن جهل ونقص وانهما يفصلان الانسان عن الله أما التشبيه بباب فهذا يدل على سور ( حائط ) والكتاب المقدس يعلمنا ان الانسان لا ينفصل عن الله بواسطة جهله ونقصه بمقدار ما ينفصل عنه تعالى بواسطة خطيته كما قال النبي اشعيا " آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين الهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" اشعياء 59: 2

ولم نولد وهذا السور موجود بل بالعكس فنحن أنفسنا قد بنيناه . نعم صحيح ان اساس هذا السور هو خطية ابينا آدم  لكنه قد بني بألوف وملايين من ذنوب ذرية آدم فان كان الاساس مدفونا في طبيعتنا الأثيمة التي ورثناها لكنا منذ الطفولية قد بنينا حجرا فوق حجر من الخطايا الكبيرة والصغيرة ولا يعلم عددها الا الله تعالى فانه يقول : " علمت ان ذنوبكم كثيرة وخطاياكم وافرة " عاموس 5: 12

ومرور الزمن لا يحطم ذلك السور بل يزيده متانة وصلابة ..

أيها الأخ – ان كان قد وصل اليك ولو شعاعة واحدة من المسيح الذي هو نور العالم فانت قادر ان ترى ان سور خطاياك سور عال عظيم – فماذا تعمل لكي تجد طريق الوصول ؟ قد تدور حول السور الذي بنيته وتفتش على باب الدخول ولكنك لا تجد . وانك تجتهد ان تخلع حجرة واحدة فقط من سور الخطايا حسب فكرك ان الحسنات ذهبن السيئات لكن لا فائدة من استبدال حجرة بأخرى اسوأ منها لانه قيل : إنه حتى حسناتنا كلها سيئات نوعا وقد قالت رابعة العدوية " استغفارنا محتاج الى استغفار " أو كما يقول كتاب الله المقدس " خطاياكم في جميع أعمالكم " ، فاعتمادنا على توبتنا أو على شفاعة الأولياء أو حتى الانبياء لا يجدى نفعا لان جميع هؤلاء مشتركون في طبيعتنا الفاسدة فلا توبة ولا شفاعة تهدم السور لكن الذنوب التي تأسس السور عليها يجب أن تزال وتمحى لاننا لا نستطيع عند الله إلا بإزالة تلك الذنوب ، فنرجع الآن الى رمز الباب ولنعلم ان هذا الباب ليس هو فتحه قد تركها البناء كما هي العادة في الابنية بل هو باب يفتح بواسطة كسر بعض الحجارة في السور وان كان السور من اللبن فلابد من نزع بعض اللبن منه وهكذا ان كان السور من خطايا بني آدم فيجب ان نجد واسطة لازالة الخطية .

أما دين الاسلام فليس فيه طريقة لنزع الذنوب ولا يوجد فيه اعلان عن الفادي الذي يقدر ان يقدم فداء عن الذنوب فيزيلها او يبطلها ،،

فهذا هو السر الثالث من الاسرار السبعة ان الله تعالى قد اوجد طريقة لمحو الخطية أي لابطالها كما يقول الكتاب المقدس " الآن قد أظهر ( المسيح) مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه " العبرانيين 9: 26

واستطاع المسيح ان يبطل الخطية لان طبيعته كانت معصومة يعني منزهة عن الخطية . وقال الكتاب عنه " فان المسيح تألم مرة واحدة من اجل الخطية ، البار من اجل الاثمة لكي يقربنا الى الله " 1 بطرس 3: 18  وأيضا : " أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية " 1يوحنا 3: 5  وقد سبق اشعياء النبي فتنبأ عن الكيفية التي بها تم ابطال الخطية هذا قائلا " كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه ( يعنى على سيدنا المسيح ) اثم جميعنا" اشعياء 53: 6 ولقد تمت هذه النبوة وجمع المسيح ذنوب العالم وحملها هو نفسه وقيل عنه " الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الصليب " 1بطرس 2: 24 فانه قد حملها عدة ساعات وهو مصلوب على الصليب حتى ان ثقلها حجب عنه وجه الحضرة الالهية واخيرا انكسر قلبه ومات قائلا " قد أُكمل " يوحنا 19: 3 وهكذا حينما خرج من العالم بالموت رفع الخطية وفتح باب الدخول كما هو مكتوب " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " تمجد اسمه وليس هذا فقط بل علينا ان نتأمل في بقية كلامه " ان دخل بي احد فيخلص " وهذا الكلام لا يقصد منه ان الانسان سيدخل الجنة بعد الموت بل انتم ايها الاخوة اول من يفهم هذه الحقيقة انه من الممكن ان ينتقل الانسان من حال الى حال هنا في هذه الدنيا الآن وكذلك الانسان الذي يتخذ المسيح بابا يدخل به يستطيع ان ينتقل من الخطر ومن الشيطان الىحالة أمان وسلام مثل حالة الخراف داخل الحظيرة .

اسمع ايها الاخ العزيز – انك قد اتعبت نفسك بحركاتك الكثيرة في تفتيشك عن الباب وايضا بتأملاتك واصوامك واذكارك لكني اترجاك ان يصير هذا السر الجديد سر القربة وكيفية الدخول يصير سرك انت، فاذا انكشف لك ان خطاياك قد فصلت بينك وبين الله وانك في احتياج الى وسيط ليس من هذه الارض فانك الآن واقف على العتبة فتقدم خطوة واحدة فقط وسلم نفسك للمسيح مؤمنا ان موته لاجلك قد كسر وازال كل حاجز من أمامك وانك الآن متصالح مع الله .

لا تخف انت ، لان قوله  " ان دخل بي احد " يقصد منه انت نفسك لانه لا يستثنىفرد واحد من جميع الاجناس والامم والالسنة والمذاهب فيكون لك الدخول بواسطة هذا الباب العجيب فادخل بكل شجاعة مع تواضع لانه اذا فتشنا على طريق آخر فذلك عيب علينا وبلا فائدة لأن هذه الحظيرة ليس لها الا باب واحد، أما قول سيدنا المسيح فلم يقل " أنا باب من الابواب" يب قال " أنا هو الباب " فلا يوجد الا باب واحد وذلك الباب هو المسيح ، فادخل سريعا ايها الاخ لأن ابليس خصمك زائر عليك حتى عتبة الباب كما قال الكتاب " كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه " 1 بطرس 5: 8 فتشجع وادخل حالا ،

والآن نختم هذا الفصل بالآية : " ويدخل ويخرج ويجد مرعى"  يوحنا 10: 9 ومعنى ذلك انه حيث اننا الآن قد نلنا الخلاص يعني قد وصلنا الى حالة الامان والسلام تحت رعاية المسيح نستطيع أن نخرج مع المسيح الى العالم لنساعد  الذين لا يزالون خارج الحظيرة ونجد في ذلك لذه وفرحا ،لان راعينا لا يرضي بان نصرف حياتنا في الكسل ( بعد ما خلصنا) ولا في القراءة والتأمل والعزلة بل في البحث عن غيرنا متبعين خطوات سيدنا الذي " جال يصنع خيرا" .

 

 

الباب الرابع

سر الرعاية

" قال لهم يسوع – ان الذي يدخل من الباب فهو راعى الخراف والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة باسماء ويخرجها. ومتى اخرج خرافة الخاصة يذهب امامها والخراف تتبعه لانها تعرف صوته . وأما الغريب فلا تتبعه لانها لا تعرف صوت الغرباء"

" أنا هو الراعي الصالح "

" والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف ( أنا الراعى الصالح ) وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعنى . وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي " (يوحنا 9: 41و 19: 2 – 5و11و14و27و28)

 

اذا رجعنا الى ختام الباب السابق رأينا حلقة الاتصال بين هذا وذاك لأن الخطوة الأولى هي الانضمام الى حظيرة الخراف حيث الامان التام وأما الخطوة الثانية فهي رعاية  الراعي الصالح لرعيته . اذ اننا في حاجة الى اكثر من الوجود في أمان لاننا نحتاج الى مخلص لينقذنا . نعم في المسيح بصفته باب الخراف يكون الانسان محفوظا في أمان وأما مع المسيح الراعي الصالح فيمكن للانسان ان يرجع الى العالم لكي يبحث عن ضالين آخرين ويقودهم الى المسيح . أما كون الانسان داخل الحظيرة ففى تلك الحالة له حياة وأما عندما يتبع الراعي الى المرعى فيقال حينئذ ان له حياة فضلى . وما أعظم الفرق بين الحالتين والآن لنأخذ خطوة جديدة فاننا قد رأينا في ما سبق أن سيدنا المسيح يشبه نفسه بالخبز ثم بالنور  ثم بالباب وفي كل ذلك يدعو الخطاة للخلاص ، أعني للإيمان به كالخبز والنور والباب ، أما الآن ففي كلامه هنا عن الراعي وخرافه يكلم الذين قد دخلوا الباب فصاروا في ملكوته ،،

أيها الأخوة ان الله سبحانه وتعالي قد هيأكم من قديم الزمان حتى تشتركوا معنا فيكون لكم نصيب وافر وحظ عظيم من الأسرار التي أعلنها في اسماء سيدنا يسوع المسيح وألقابه . لأنكم يا أسيادي قد اعترفتم باحتياجكم إلى مرشد أو راع ، وعندما تجدون راعيا حسب قلبكم تسلمون انفسكم له وتخضعون له خضوعا مطلقا ، أولا لمولى طريقتكم وبعده الى الشيخ الذي يمثله وينوب عنه فيستطيع أن يلقنكم تعاليمه وأسراره ويوصلها إلى حياتكم اليومية ، وكل مريد منكم متي شرع في سفره الباطني يخضع لمرشده خضوعا تاما ، فلا يستصعب أمرا من أوامر الشيخ التي يعينها للمريد وذلك لأنه يعتقد أن الشيخ يعرفه معرفة تامة فأنت أيها الأخ تسلم نفسك إليه على قول المثل " مثل جثة ميته بين يدي غاسلها" وذلك لكي يطهرك من كل نجاسة ، وبناء على ذلك تحتاج إلى مرشد مستقيم يحق الاعتماد عليه لأنك تثق به ثقة تامة وقت امتحان النفس على الأرض.

أيها الأخوة ان لله سبحانه وتعالى الذي خلقنا جميعا يعلم بما في قلوبنا وباحتياجاتنا إلى مرشد ينبغي أن يكون إنسانا مثلنا قد سلك هو بنفسه الطريق التي نسلكها بل في مشورة الله أيضا أن يكون ذلك المرشد أكثر من إنسان وأعلى من بني آدم _ تأمل في ذلك _ وانظر إلى الخراف لأنها ليست في أمان إذا تبعت الخراف الأخرى لكن أمانها في إتباع الراعي فقط.

لذلك اختار الله سيدنا المسيح قبل أن يولد على الأرض وقد اجتمعت فيه الرعايتان ( الرياستان) أعني اللاهوتية والناسوتية ، لأنه قد " تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة " رومية 1: 4 مع يوحنا 5: 27  بينما هو  من جهة الجسد يقال له  ابن الانسان " وقال الله عنه بفم النبي اشعياء" هوذا قد جعلته شارعا للشعوب رئيسا وموصيا للشعوب " اشعياء 55: 4 انه هو القهار الحقيقي وانه هو قهار ودادي لأنه كل محبة بمعنى الكلمة وحينما كان على الأرض وكان يدعو الواحد بعد الآخر قائلا له " اتبعنى " كان المدعو يقوم ويترك كل شيء ويتبعه.

ولذلك نحن تلاميذه قد اخترناه دليلا ومرشدا لنا نريد منكم أن تخضعوا فكركم وارادتكم له مثل الخضوع الذي اعتدتم أن تخضعوه للشيخ وهو إنسان نظيركم وإذا فعلتم ذلك فالمسيح يشبع شوقكم إلى مرشد بشري كامل قادر أن يفهمكم إلى التمام وأن يشرح لكم إرادة الله تعالى لأنه هو وحده يعرف الله معرفة تامة لأنه أتي من عند الله ولذلك قال لتلاميذه " معلمكم واحد ، المسيح ، وأنتم جميعا أخوة " بشارة متي 23: 8

حقا ان سيدنا المسيح يعرفنا فوق كل معرفة انسانية لأنه كلمة الله الذي به خلق كل شيء كما هو مكتوب في الكتاب المقدس  " فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض .. وهو قبل كل شيء وفيه يقول الكل " كولوسى 1: 16ولذلك من جميع الذين عاشوا في هذه الأرض فهو وحده مستحق ثقتنا التامة أي أن نتكلم عليه كليا لأنه يعرفنا معرفة تامة .

أيها الأخوة خذوا مثلا بسيطا ، من منكم متى انكسرت ساعته يأخذها إلى الحداد ليصلحها له؟ ألا يأخذها إلى الساعاتى لأنه قد أصلح مئات الساعات مثلها؟ طبعا تفعلون ذلك . إذا تعالوا إلى المسيح كلمة الذي كان مع الله منذ البدء ..

وبعد فنعلم من الكلام الذي أمامنا أن الراعي يعرف بالأخطار المحيطة بالخراف ومع ذلك فهو لا يخاف لأجلها لكنه يدعوها بأسماء ويخرجها ومعني ذلك أنه يذهب كل صباح باكرا إلى الحظيرة حيث يوجد الخروف بأمان ويخرجها ويذهب أمامها في طريق البرية ووجوده معها يطمئنها كما قال لتلاميذه " قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام . في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " يوحنا 16: 23

أيها الأخوة إذ قرأتم الإنجيل وسفر أعمال الرسل ترون أن هذه المواعيد قد تمت مع تلاميذ المسيح من الأول لأنه لم يعدهم قط بأن يعيشوا عيشة الراحة لأنه هو سلك طريقا وعرة صعبة لا سهلة فكيف يسلك أتباعه طريقا أسهل منه؟ كلا . انه لا يدعونا إلى لذة شخصية بل بالعكس يطلب منا شجاعة وأمانة حتى الموت.

ونرى في الفصل العاشر من رومية (رومية 10: 9) توضيحا وشرحا لقوله " ويخرجها " إذ يقول بولس الرسول " ان اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك ان الله أقامه من الأموات خلصت لأن القلب يؤمن به للبر ، والفم يُعترف به للخلاص ، ان الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزي " . وقال سيدنا المسيح نفسه " من استحى بي وبكلامي .. فإن ابن الإنسان يستحي به متى  جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين " مرقس 8: 38 نعم ان نتيجة هذا الاعتراف تكون أنكم تسلكون طريق العزلة والانفراد ( أو الغربة ) وكذلك طريق الفاقة والعار والاحتقار كما سلك المسيح نفسه . فاذكروا قوله " يذهب أمامها (يوحنا 10: 4) وقوله الآخر " يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه والعبد كسيده " متى 10: 35  ، فهو يكون رفيقا لكم في طريق " الانفراد " الذي تسلكون فيه حسب وعده " كل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السموات " و " قدام ملائكة الله " متى 10 : 32 و لوقا 12: 8

فان كان هناك محل للاسف في يوم القيامة فلا نأسف إلا على أننا احتملنا معه قليلا في هذه الحياة القصيرة التي هي فرصتنا الوحيدة لاتباعه ،

أيها الأخ من أول خطوة في الطريق التي يدعوك المسيح لتسلك معه فيها ضع يدك بالإيمان في يده ، ومع أنك لا تستطيع أن تراه دعه يراك بل ويتطلع في عينيك فيرى ما في قلبك ، وسلم نفسك له بالتسلم المطلق  الذي تعلمته في طريقة " الأخوية الصوفية " وذلك بدون أدني خوف لأنه لا يمكن أن يغلط ولا يخطيء أبدا ، فيتولد في قلبك شوق جديد وعجيب لتعرف إرادته وأعلم أن إيمانك ومحبتك لا يتثبتان بالسلوك معه فقط بل بالشهادة له حتى تصير قادرا أن تجذب الآخرين ليطلبوا خلاصه وهذا الفصل العاشر من بشارة يوحنا يذكر لنا ما هي التجارب المتنوعة التي تصادف النفس التي تشرع في سلوك طريق الخضوع وهي موصوفة بأمثال الأخطار التي تحيط بالخراف ، فمنها " الغريب " الذي يقلد صوت الراعي فينادي الخراف أعني أنه يخدعكم فيمنعكم من اتباع المسيح ، على أنه محتمل أن يكون " الغرباء " هم أحبابكم أو أهل بيتكم لأن هؤلاء كثيرا ما يجتهدون أن يجذبوكم بعيدا عن المسيح كما هو مكتوب " واعداء الإنسان أهل بيته " بشارة متي 10: 36 فمهما يكن هذا الغريب اهربوا منه ثم يتكلم سيدنا المسيح عن خطر آخر يهدد الخراف وهو السارق فإن الشيطان ممثل باللص إذ يأتي سرا وبدون علم أحد ليسلب منا نعمة الله وسلامه وغرضه أن ينزع حياة الله من أنفسنا كما يقول المسيح " السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك " ( بشارة يوحنا 10: 10) ، ثم نجد خطرا آخر ممثلا بالأجير ا لذي هو عبارة عن العالم الذي يحبنا وقت الفلاح والنجاح ويهملنا بل ويتجاهلنا وقت الضيق فما أجهل الخروف الذي يثق بهذا الأجير

وأخيرا يذكر لنا سيدنا خطر الذئب وهو يمثل لنا الضيقات الخارجية التي تأتي بشدة وعنف مثل الاضطهاد الذي يقع من قوات جهنم لكي تشتت وتبدد أتباع المسيح (يوحنا 10: 12) أما إذا تبعوا الراعي الصالح من قريب والتصقوا به فلا يخافون شيئا ولا حتى الموت نفسه لأن سيدنا داود ( عليه السلام) يقول في الزبور (المزمور 23) الرب راعيّ فلا يعوِزني شيء ، وأيضا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي.

أما إذا وجدهم الذئب معتمدين على الأجير يعنى على العالم فهم في أسوأ حال .

والآن لنترك الغريب والأجير والذئب ونغض الطرف عنهم جميعا ونلتفت إلى الراعي الصالح والخراف التي تبقى تحت عنايته ، وهذه الخراف هي " خاصته " ليس قهرا منه ولا كرها منهم ، ولكن لأنه اشتراهم بدم حياته الذي سفكه لأجلهم فلا يستطيع أحد أن يخطفهم من يده ، وعوضا عن السماع إلى صوت الغريب الخادع أو إلى عواء الذئب المخيف ، يسمعون صوت الراعي الصالح .

ومعنى ما تقدم أنه يجب أن تتطلعوا برؤية القلب حتى يظهر لكم المسيح فتصغوا إلى التأثير الذي تؤثر به ارادته على ارادتكم . بواسطة كلامه في الانجيل الشريف لأن تلك البشارة كتبت لتكون واسطة المحادثات " المواصلات" بينه وبين أرواح شعبه ، وروحه القدوس يذكركم بكلامه حسب احتياجك ، وكلامه يصبح سلاحا لكم وترسا في الطريق كما قال داود النبي : " خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطئ إليك " مزمور 119: 11وكلما تتقدمون في اتباعه تصيرون كما قال الرسول :" مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح " 2كورنثوس 10: 5أما هذا الاستئسار فهو الحرية بعينها أو بعبارة أخرى التسليم التام لمشيئته يجعل رغبته رغبتنا وارادته تصبح عين إرادتنا حتى ان " عشق " قلوبنا له يجعل اتباع طريقه سرورا وفرحا ولو كان ذلك الطريق ضيقا ووعرا في بعض الاوقات .

و إذا تأملنا في الكلمات المصدر بها هذا الباب نجدها تقول " وأعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد "  أما شرح هذا القول فستجده في الفصل التالي بإذن الله

 

 

الباب الخامس

سر الفناء والبقاء

أو الموت والحياة

 

" قالت مرثا ليسوع يا سيد لو كنت هنا لم يمت أخي . لكني الآن أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه . قال لها يسوع : سيقوم أخوك . قالت له مرثا : أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير . قال لها يسوع :

أنا هو القيامة والحياة     من آمن بي ولو مات فسيحيا . وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد "     يوحنا 11: 21-26

إن معني الكلمات المقتطفة من بشارة يوحنا لا تظهر للقارئ الكريم إلا وهو يتذكر المكان الذي نطق المسيح بها فيه ، كان رجل اسمه لعازر مريضا جدا فمات ودُفن في القبر قبل وصول سيدنا المسيح بأربعة أيام مع أن أختيه كانتا قد أرسلتا إلى المسيح خبر مرض أخيهما ويسوع ( أي سيدنا المسيح ) كان يحب لعازر محبة شديدة لأنه هو وأختاه كانوا كلهم من أتباع يسوع . وقد امتلأ قلبا الأختين حزنا وشكا لأن المسيح ترك أخاهما ليموت بدون أن يشفيه ولم يعلما طبعا أنه كان ينوي أن يجري معجزة أعظم من معجزة الشفاء ، يعنى اقامة الميت بعد دفنه ، فحينما أتي المسيح إلى بيت عنيا ( بيت عنيا اسم بلدة صغيرة قريبة من القدس الشريف ) وجد مريم   ومرثا الأختين تبكيان على أخيهما فبكى يسوع معهما وشاركهما في حزنهما ، وحالما أتي إلى القبر ولم يكن أمامه سوى قبر بداخله جثة رفع عينيه إلى فوق وشكر الآب لأنه قد سمع له ثم صرخ بصوت عظيم قائلا " لعازر هلم خارجا" ففي الحال سلم الموت فريسته (غنيمته ) و " خرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ويدعوه يذهب " يوحنا 11: 43و 44 وهكذا خرج لعازر حيا في وسطهم . أترى أن لعازر حزن لأن مرضه قد آل إلى الموت ؟ كلا بل انه خرج إلى نور وحرارة الشمس بفرح وبشكر عظيم ورأى وجه المسيح حبيبه .

أما عن قول السيد المسيح أنه هو القيامة والحياة فله معنى آخر أعمق من قيامة الجسد وهذا المعنى قد تفهمونه أيها الأخوة يا أهل الطريقة لأنكم تطلبون الفناء الذي يؤول إلى البقاء والحياة الأبدية حسب القول الصوفي " موتوا قبل أن تموتوا " وذلك لكي تشتركوا في حياة الله أعني الحياة الروحية .

والسبب الذي لأجله تطلبون هذا الفناء هو معرفتكم واختباركم أن الحياة الجسدية الطبيعية التي ورثناها من أبينا آدم لا تؤتينا ( لا تنيلنا) الحياة الأبدية كما هو مكتوب في الكتاب المقدس " ان لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم الفساد" 1 كونثوس 15: 50 ونرى في التوراة من أولها إلى آخرها سواء في أيام نوح أو إبراهيم أو موسى أو سليمان نرى حقيقة واحدة واضحة جدا وهي أن كل مقامة (مرحلة ) لامتحان البشر انتهت بالخيبة حتى انه ثبت بالبرهان أنه لا أمل في تجديد الطبيعة البشرية وأولى بنا أن نعترف بذلك لعلمنا " أن النفس أمارة بالسوء  "

لذلك أيها الأخوة تشتاقون لأن تجدوا طريقة بها تميتون هذه الطبيعة الفاسدة برغباتها وشهواتها حتى تستطيعوا أن تخرجوا منها كأنه بولادة جديدة روحية كما تزرع الحبة في الأرض فتموت وتفني لكن الغرس الجديد ينبت منها بأزهارها وأثمارها.

لعلكم اجتهدتم كل الاجتهاد للوصول إلى الفناء بأساليب(طرق) كثيرة للغلبة على النفس الأمارة بالسوء وذلك بواسطة الصوم والعزلة (استعمال الخلوة) لكنكم لم تنجحوا لأن رغائب النفس والأهواء العالمية كلها باقية فيكم وحالما تعيشون العيشة العادية بين الناس ( اذا اضطرتكم أحوالكم أو ظروفكم ) حالما تضطرم نار الشهوات فيكم . ] أما إذا أتممتم سعيكم ونجحتم فعلا بأماته كل الرغبات الطبيعية فمثل هذا النوع من الفناء يعد " فناء كاذبا" لأنه لا يؤدى إلى البقاء..[ (المعرب)

لكن الله جل جلاله عليم بأحوالكم واجتهادكم فهو تبارك اسمه يقدم لكم سرا عجيبا وهذا السر مذكور في الإنجيل الشريف وهو انه قد عين المسيح ليكون هو واسطة الفناء الحقيقي الذي يؤدى بنا إلى الحرية والحياة الأبدية .

وتفصيل الخبر أن الله عينه ( جعله ) رأسا جديدا للجنس البشري ليس رأسا لحياتهم الجسدية مثل أبينا آدم بل للحياة الروحية كما هو مكتوب  " صار آدم الإنسان الأول نفسا حية وآدم الأخير روحا محييا " 1 كورنثوس 15: 45 وحمل المسيح إلى القبر كل خطايا وعيوب الجنس البشري وأفناها من أمام الحضرة الإلهية وكسر قيود الموت ثم قام من القبر حيا في اليوم الثالث وصار رأسا لنسل جديد بحياة منعزلة تماما عن الحياة الفانية الموروثة من آدم كما هو مكتوب " وهو رأس الكنيسة ( أي شعبه) الذي هو البداءة بكر من الأموات لكي يكون هو متقدما في كل شيء " كولوسي 1: 18

وأما الذين يقبلونه بالإيمان فيحسبهم الله كأعضاء جسد المسيح الروحي المشتركين في الحياة الابدية حياة آدم الثاني الذي هو الرب من السماء وكما قال المسيح نفسه " الذي يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة " يوحنا 5: 24 هكذا بالإيمان ننتقل في نظر الله من عشيرة آدم الأول إلى عشيرة آدم الثاني الذي جاء ليبطل كل ذنب آدم الأول ويسترد كل ما قد فقده وهكذا نستطيع أن نقف أمامه تعالى مقبولين عنده " في المحبوب " أفسس 1: 6

هذا هو الانتقال الأول بواسطة صليب المسيح وقيامته أعني أننا ننتقل من الموت إلى الحياة الأبدية معه.

على أن الخلاص الذي أوجده لنا المسيح له معني آخر وتفسير أعظم من تغيير مركزنا أمام الله ، فإنه كشف السر عن معنى انتقال أرواحنا من حياتنا القديمة المبنية على " حب اللذات" إلى حياتنا الجديدة حياة البر والتقوى.

أيها الأخوة أنكم قد سعيتم قبل الآن للتفتيش على طريقة للخروج من حياتكم القديمة وذلك بدون المسيح ولكنكم كنتم سائرين وراء " سراب " في الصحراء فعند الاقتراب منه لم تجدوا شيئا غير الرمل ، وأما في المسيح فيمكنكم أن تجدوا   الحقيقة لأنكم باتحادكم معه بموته تصيرون منفصلين عن حياتكم الماضية كما هو مكتوب .  " لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله ، كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا " رومية 6: 10و 11

ومعنى هذا الكلام أننا نسلم حتى الموت ( أي تسليما تاما) كل الطبيعة النفسانية التي ورثناها من أبينا آدم مع كل شهواتها فنتركها بنية القلب في قبر المسيح كأنها شيء منبوذ لا يتسلط علينا فيما بعد ، وغير ممكن أن نصل إلى هذه النتيجة في حالة الوجد والانفعال بل بحالة الهدوء ، وإذا فعلنا ذلك فإن الله تعالى يجرى معجزة عظيمة في تخليصنا من النفسانية والأمور العالمية تفقد جاذبيتها فلا تجذبنا فيما بعد وحينئذ تتجه أميالنا ورغائبنا نحو الروحانيات والسماويات كما هو مكتوب : " إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا " 2 كورنثوس 5: 17 هذا هو الفناء الحقيقي والبقاء الحقيقي . هذه هي خسارة المسيحي لكل الأشياء المادية أعني اضاعتها هذا هو جناز الدفن لكل ما هو ليس من الله .

ولكي يظهر الله هذا التعليم صريحا جدا بين تعاليم الإنجيل فقد أمر سيدنا المسيح أن كل الذين يقبلونه يجب أن يعترفوا به جهارا وذلك بواسطة فريضة (طقس ) المعمودية ، والطريقة الكاملة لإتمام هذه الفريضة أن المريد ( التلميذ ) ينزل في ماء النهر أو البحر أو الحوض ومرشده ( وراعيه ) يغطسه في الماء ممثلا الدفن مع المسيح فيقوم التلميذ من الماء بنية أن كل أميال الجسد قد ماتت ودُفنت وأما الروحيات فهي تحيا للبر بقوة روح الله .

هذا ليس معناه أن ارتكاب الخطية مستحيل علينا كلا ولكن معناه أن النصرة على الخطية قد صارت ممكنة الآن مهما سادت الذنوب علينا في الماضي والدليل على صحة قولنا تأتي بشهادة الإنجيل حيث قال " شكرا لله الذي يعطينا الغلبة   بربنا يسوع المسيح " 1 كورنثوس 15: 57  ،

وكلما ثبت المريد بهذه النية وهذا الإيمان فبقوة الله يموت الذنوب يوما  فيوما وتظهر فيه حياة المسيح يوميا ويتجدد بالفكر والقول والفعل لمجد الله . تأملوا في البزرة كيف تدفن في الأرض مرة واحدة لكنها تهلك وتموت موتا تدريجيا لكي تطلق الحياة الجديدة ومثل هذه البزرة مثل طبيعتنا الجسدية ( ا لنفسانية ) فإنها تسلم للموت مرة واحدة لكن لا تظهر تخليتها (إماتتها) إلا بالتدريج بواسطة احوال حياتها اليومية حتى نتحرر تماما من قوة تسلطها علينا ( انه مستحسن جدا أن يتناول القارئ الكريم الكتاب الصغير المدعو " مجاهدة النفس " فإنه يشرح اماته الجسد تماما ..يطلب من مطبعتنا..) .

تأملوا أيها الأخوة في كلامنا الأخير المأخوذ من الفصل الحادي عشر من بشارة يوحنا تجدوا فيه حلا آخر لهذا السر العظيم أعني سر نصرة المسيح على الموت وهو قوله له المجد :  " من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد "   فلنا هنا في هذا الكلام وعد أكيد بنصرة عظمى في المستقبل يقال لها " فناء الفناء " أو زوال الموت أو بعبارة أخرى " ابتلاع الموت إلى غلبة " وهذا يتم بفداء الجسد الذي هو تكملة ضرورية لفداء الروح والنفس حتى يقال عنا" نعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله " رومية 8: 21

وكلمات المسيح المذكورة تبين لنا الطريقتين اللتين يتم بهما الانتقال من الأرضيات إلى السماويات عند رجوعه إلى الأرض ( مجيئه الثاني ) فالجزء الأول من الوعد سيتم لجمهور عظيم من المؤمنين يوم مجيئه به وهو قوله : " من آمن بي ولو مات فسيحيا " لأن الراقدين بالمسيح في كل الأجيال الماضية سيقومون عندما ينادي خاصته في يوم القيامة الأولى (رؤيا 20: 6 والأجساد التي زُرعت " جسما حيوانيا " ستقام " جسما روحانيا" 1كورنثوس 15: 44

لكن في ذلك اليوم عينه سيتم الجزء الثاني من الوعد إذ يقول الرب " وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد " لأنه حينئذ يتم قول بولس الرسول : أن الرب نفسه بهتاف صوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولا ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذا نكون كل حين مع الرب " 1 تسالونيكى 4: 16و 17  وقوله " لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير ، حينئذ تصير الكلمة المكتوبة أُبتلع الموت إلى غلبة " 1 كورنثوس 15: 51 الخ

هذا هو " عين الجمع" أو التجلي الذي ينتظره تلاميذ المسيح الحقيقيون فهم يترقبونه بكل قلوبهم يوما بعد يوم .

لكن اولئك الذين قد انتقلوا بأرواحهم معه من الموت إلى الحياة في هذه الدنيا هم فقط الذين سيشتركون معه في ذلك الانتقال المقبل المجيد " لذلك كونوا أنتم أيضا مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان " بشارة متي 24: 44

 

 

" لا تضطرب قلوبكم . أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي . في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قلت لكم ..

أنا أمضي لأعد لكم مكاناً       وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق . قال له توما : يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟ قال له يسوع :

أنا هو الطريق والحق والحياة

ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي "  يوحنا 14: 1و 2و 4-6)

 

 

الباب السادس

سر المجاوزة في سبيل الله

يعني

التقدم في إدراك الأسرار

اننا في أبحاثنا السابقة عن إعلان المسيح قد تتبعنا الحوادث الرئيسية والمقامات المهمة في حياته وعمله فأولا قد رأيناه في تجسده كالخبز النازل من السماء ، ثم ككونه نور العالم يكشف لنا عن الله بحسب ما نستطيع فهمه ، وفي تمثيله بباب رأينا كيف أبطل الخطية بذبيحة نفسه (عبرانيون 9: 26) ، وفي تمثيله بالراعي الصالح تعلمنا كيف ندخل الباب ونصير خرافه الخاصة ، وفي تسميته بالقيامة والحياة يعلمنا كيف ننال بقيامته من الموت خلاصا روحيا ، والآن قد وصلنا إلى الكلام الذي على رأس هذا الباب وهو من ضمن الكلام الذي قاله لتلاميذه عندما كان يوضح لهم أنه سيرجع إلى مجده السماوى الأصلي وفعلا . انطلق إلى السماء بعد قيامته بأربعين يوما عندما كان تلاميذه مجتمعين خارج أورشليم  ( وهي مدينة القدس الشريف) " ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء " بشارة لوقا 24: 50

وحدث هذا الحادث اتماما لقوله السابق " أنا ماض إلى الذي أرسلني " .. خرجت من عند  الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب " يوحنا 16 : 5و 28

وحينما فهموا منه أنه سيتركهم سألوه قائلين " لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق " وجواب المسيح على هذا السؤال يأتي بنا إلى السر السادس من الأسرار السبعة وهو قوله لهم " أنا هو الطريق والحق و الحياة "

أيها الأخوة الصوفيون يوجد في قوله هذا خبر يخصكم أنتم لأنكم تعلمون أن ثلاثة من أغراضكم ومقاصدكم هي : أن تتبعوا الطريق ، وأن تعرفوا الحق ، وأن تحيوا حياة الله .

والمسألة ا لهامة هي كيف تستطيعون أن تتقدموا خطوة فخطوة في " مجاوزة المقامات " حتى تصلوا أخيرا إلى هذه الأغراض وفكر التقدم هذا مرتبط بقلب الأخوية .

إن الله عالم بما في قلب بني آدم من حب الترقي لأنه خلقه بهذه الرغبة في التقدم ولذلك فقد أعطانا في المسيح كل ما نرغبه وقد أعطي إلى المسيح القوة التي بها يجذبنا إلى حيث يكون هو حسب صلاته المشهورة " أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا" يوحنا 17: 24 

تأملوا الآن في هذه الألقاب الثلاثة التي لقب المسيح نفسه بها فهي مرتبطة مثل حلقات السلسلة ، فقوله :  " أنا هو الطريق " يشير إلى النور الذي يبين الطريق و " أنا هو الحياة " معناه القوة للسير في ذلك الطريق ، والطريق يدل على التقدم لأن السالك يترك وراءه شيئا بعد شيء حتى يصل إلى نقطة جديدة ، وكذلك الحق يدل على التقدم لأننا كما في المعارف الأرضية نتمسك بحقائق جديدة ونربطها بالحقائق التي عرفناها من قبل ،   والحياة أيضا تدل على التقدم لأن كل حياة تعني نموا في ظهور قوات جديدة حتى الوصول إلى البلوغ .

إلا أنه عندما نتعمق في هذه الكلمات الثلاث نرى أنها لا تدل على تقدم متواتر مثل ترتيب الإنسان ، يعني مثلا أن المقامة الواحدة تعقب المقامة الأخرى بكيفية لا تقبل التبديل والتغيير ، كلا بل انظر الفرق مثلا بين السلم الذي يصنعه ابن آدم وبين الشجرة التي يعملها المولى تبارك اسمه ، وهكذا تختلف طرق الإنسان ونظاماته ( نُظمه ) عن طرق الله التي فيها تنشأ (أو تنبت) درجة عن التي سبقتها مستمدة منها الحياة والحرية مثل نمو أغصان الشجرة ولا يتقدم تلميذان مثل بعضهما ، لأن الطريقة التي عينها ا لله لتقدما هي أن نعرف سيدنا يسوع المسيح معرفة شخصية (انظر يوحنا 17: 3) ليس أن نعرف  عنه بعض الأمور بل أن نعرفه شخصيا- وهو يملأ ( فراغنا ) بملئه " فيملأ الهى كل احتياجكم بحسب غناه في المجسد في يسوع المسيح " فيلبى 4: 19 . فحينما نشعر بأننا ضالون وهالكون وأموات بدون المسيح ففي تلك اللحظة نستعد لقبول سره الجديد " أنا هو الطريق والحق والحياة " تأملوا قليلا في كلماته " أنا هو الطريق " فهذه لا تدل على سلسلة قوانين صعبة ينبغي أن تطاع بل انها تدل على طريق حي جديد طريق محبة حية ، ولزيادة الإيضاح لنضرب لكم مثلا : ولد صغير ضل في غابة فذهب أخوه الأكبر ليفتش عليه فوجده واركبه على منكبيه (كتفيه) ليعبر به السيل ثم حمله للدار ، فماذا كان فكر الولد ا لصغير ؟ انه لم يتعب نفسه في التفتيش على الطريق بل شعر أن الواجب عليه أن يتمسك بمنكبي أخيه الأكبر وأخوه يوصله بأمان فلا يعود يسلك في مسلك وعر بل تبقى قدماه دافئتين لأن أخاه الأكبر قابض عليهما ، فليس أخوه مرشده للطريق بل ان أخاه هو نفسه الطريق ،

هكذا قول المسيح له المجد " أنا هو الطريق " لا يدل على وجود مقامات في طريقنا بل يدل على أن مخلصنا العجيب هو نفسه طريقنا فليس عليك أيها الأخ إلا أن ترمي نفسك بين ذراعيه وأن تتوكل عليه .

وهكذا الحال في الجزء الثاني من اعلان سر التقدم وهو قوله  " أنا هو الحق " . فالحق واحد أبدي لا نهاية له غير متغير لا تبديل له وأنكم تزعمون أيها الأخوة أن البحث عن الحق يحتاج إلى زمن مديد وأن قليلين قادرون أن يقولوا أنهم وصلوا إليه وأدركوه أما نحن الذين وجدنا المسيح فنحن نعترف بأنه هو الحق اليقين كما أنه الطريق أيضا فنستطيع أن نطمئن به .

لنضرب لكم مثلا عن علم الجبر الذي اكتشفتموه أنتم العرب منذ زمان طويل ، فإنكم بهذا العلم قد تعقبتم حقيقة الأعداد بواسطة مسائل كثيرة ولكنكم عندما وجدتم الحقيقة صرتم مطمئنين لأنكم رأيتم الجواب على كل سؤال وحينئذ لم تعرضوا سؤالا آخر لأنكم شعرتم بأنكم في أمر الأعداد قد وجدتم الحقيقة .

وهكذا حينما تجد النفس المسيح تزول جميع المسائل التي كانت قد أقلقت راحتها لأنه هو عطية الله التي لا يعبر عنها عطية اليقين فهو ينادي الذين اتعبوا انفسهم بالأبحاث  الكثيرة قائلا " تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" متي 11: 28 تعالوا إليه أيها ا لأخوة كما يجيء المسافرون في الصحراء إلى البئر أو مثلما تأتي السفينة وتلقي مرساتها في الميناء لأنه هو الحق .

وإنما ليس الحق حقيقة خالدة في العالم الروحي فقط بل لها علاقة مع الحقائق اليومية التي تهمنا في هذه الحياة وبهذه العلاقة نتقدم في معرفة الحق كما قال المسيح له المجد " إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متي جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق .. لأنه يأخذ مما لي ويخبركم " يوحنا 16: 12-14

وكما أن الشمس  الواحدة تظهر لنا مثل ألف شمس بقوة شعاعها المنعكس في موجات الماء يوم الصحو هكذا المسيح الواحد مع ألقابه ، فاللقبان -  الطريق والحق مرتبطان معا لأن النور في الطريق مثلث الفائدة يرينا الأمور التي تركناها وراءنا والأمور التي حولنا الآن والأمور التي لا تزال أمامنا فالمسيح يعلن لنا كل الأمور التي تضرنا فيجب أن نتركها خلفنا حينما نسرع متقدمين في الطريق . فبعض الأفكار والعادات ظهرت لنا في الأول وكأن لا ضرر فيها ثم زاد نورنا فظهر العادات كأنها مشتبه فيها أعني أنها تحتمل الشك ، وأخيرا أضاء المسيح على طريقنا أكثر فأكثر فأرانا أن الواجب علينا أن نترك هذه الأمور ، وهكذا ينير هذا الحق عينه الخطوة التي أمامنا فالتالية التي بعدها .. الخ ، وكل شيء يتوقف على رغبتنا في رؤية مسافات من الطريق يفتح أمامنا بينما الأمور العتيقة تزول وتضمحل .

والآن نتأمل في اللقب الثالث " أنا هو الحياة " قلنا أن الصوفي يبحث عن طريق الله ويريد ان يعلم حق الله لكنه يرغب أيضا أن يشترك في حياة الله ، وهو مصيب في هذه الرغبة لأننا نحتاج إلى قوة فوق قوتنا لتحفظنا في الطريق كلما انكشف أمامنا ولأن نستعد أن نقبل الحق كلما انجلي ، ففي قول المسيح " أنا هو الحياة " نرى الزاد للطريق ( ا لمؤونة) لأجل تجديد القوة في التقدم حسب دعوة الله العليا حتى نصل إلى المكان الذي قال عنه سيدنا المسيح " أنا أمضي لأعد لكم مكانا .. وآخذكم إلي حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا " يوحنا 14: 2

ان حياة المسيح في الأزلية سببت بفيضه خلق كل الموجودات كما هو مكتوب : " فإنه فيه خُلق الكل ما في السموات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى .. الكل به وله قد خلق الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل " كولوسى 1: 16

ومع أنه وجد في الهيئة كإنسان وأخلى مجده الأصلي مدة الثلاث والثلاثين سنة التي صرفها على الأرض إلا أن حياته لا زالت فائضة بغاية القوة لشفاء الأمراض الجسدية ولإخراج الأرواح النجسه ( الشياطين ) التي تفسد فتهلك العقل . وبعد ارتفاعه إلى السماء أرسل من هناك فيض روح الحياة لينيرنا ويطهر قلوبنا من الخطية المهلكة وينصرنا حتى نستطيع أن نقول مع الرسول بولس : " مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في " غلاطية 2: 20 وأيضا " لأن لي الحياة هي المسيح " فيلبى 1: 21 " المسيح حياتنا " كولوسى 3: 4

أخيرا تأملوا في الكلمات الختامية " ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي " وهذه تشير أولا إلى ارتفاعه إلى عرشه عن يمين الله . وثانيا إلى انه لا يكون لأحد حق الوصول إلى الآب إلا باسمه هو لأنه هو شفيعنا لدى الله الآب " وليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص " أعمال 4: 12

ثم سنصل أخيرا الوصول الحقيقي يعني أننا نصل إلى " الغاية المستوعبة " كما تسمونها وهي الغرض النهائي وحينئذ سيظهر سيدنا ومخلصنا المسيح في مجده البهي ويحرق كل الزغل ( الباطل ) الموجود فينا وعندئذ "  نكون مثله لأننا سنراه كما هو " رسالة يوحنا الأولى 3: 2 ثم تكمل كنيسته ( جماعة المؤمنين الخالصين ) وتوقف " أمام مجده بلا عيب في الابتهاج " رسالة يهوذا 24 

وهذا يأتي بنا إلى ذكر سر فيض حياته ليعدنا ليوم مجيئه الثاني الذي هو رجاؤنا العظيم .

 

 

أعظم الأسرار

 " أنا الكرمة الحقيقية وأبى الكرام ، كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر .  اثبتوا في وأنا فيكم كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته ان لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضا ان لم تثبتوا في     أنا الكرمة  وانتم الأغصان الذي يثبت في وأنا فيه يأتي بثمر كثير لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا

ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم    تطلبون ما تريدون فيكون لكم . بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي "  يو 15: 1و 3 و4و5و7و8

 

الباب السابع

باب سر الثبوت

في هذه السبعة الأسرار  التي كشفتها أقوال المسيح قد رأينا حقيقة واحدة يقال لها " مركز الدائرة وهي أن سيدنا المسيح استرجع لنا مرة ثانية حياة الله التي كنا فقدناها بسقوط أبينا آدم في العصيان .

فأولا رأينا المسيح كخبز الحياة ليشبع قلوب البشر وثانيا كنور الحياة لينير أذهانهم وبصائرهم وبعد ذلك كالقيامة والحياة ليصيرهم خليقة جديدة ، وفي الباب السادس تأملنا في كيف يهب المسيح نفسه لشعبه بواسطة سكب الروح القدس بعد صعوده إلى السماء حسب وعده لتلاميذه " الحق أقول لكم انه خير لكم أن أنطلق لأنه ان لم انطلق لا يأتيكم المعزي ولكن ان ذهبت أرسله إليكم " يوحنا 16: 2

أما كيفية انسكاب الروح القدس فبعد انطلاق المسيح اجتمع التلاميذ معا بنفس واحدة يوما بعد آخر وعددهم نحو مائة وعشرين وهؤلاء كانوا يواظبون على الصلاة والطلبة حسب أمر المسيح لهم " أقيموا في أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالى " لوقا 24: 49  وفي صباح اليوم العاشر بعد صعوده وهم مجتمعون أنزل عليهم روحه بفيضان القوة فامتلأوا شجاعة وحكمة ومحبة فخرجوا في الحال ليبشروا الشعب فآمن به في ذلك اليوم ثلاثة آلاف نفس وانضموا إلى جماعتهم ، ومن ذلك اليوم فصاعدا سكن الروح القدس بين المؤمنين الذين قد قبلوا أن يمتلئوا به بحسب مقياس استعدادهم للخضوع إلى سلطته لأن الوصية  - امتلئوا بالروح هي لكل واحد من تلاميذ المسيح ،

ولنا في هذا الباب الأخير مثالة تمثيلية عظيمة الفائدة وهي صورة الكرمة التي تجرى عصارتها ( العصارة هي ماء الشجرة ويقال لها في بعض الجهات " الماوية " ) في كل غصن من أغصانها الملتصقة بساقها حسب قول الإنجيل " من التصق بالرب فهو روح واحد " 1 كورنثوس 6: 17  ففي هذا الكلام نجد عبارة تسد شوق كل صوفي ظمآن يشتاق إلى الاتصال الباطني مع الله الذي هو غرض الانسان الأسمي وفي التمثيل بالكرمة والأغصان نجد توضيح الطريق إلى هذا الاتصال حتى في هذه الحياة الدنيا ، لأنه كما تملأ العصارة " الماوية " كل ألياف الغصن مهما كانت صغيرة وتحييها بحياة الساق حتى أصغر عسلوج (فرع) هكذا هو قصد الله أن نتصل بالحياة الالهية ونتحد معها بواسطة حلول روح الله فينا . وهذا الاتحاد ليس هو نتيجة مجهودات نجهدها لإحداث " وجد " فينا بل بقبول وعد ا لروح ا لقدس بالإيمان والهدوء ، ولا يوجد شيء أهدأ " أكثر سكونا " من المجري الذي يجرى فيه ماء الشجرة وهكذا مع قلوبنا فانها لا تحتاج إلى شيء من التهيج .

أيها الأخوة تأملوا نوعا في عبارة الكلمة " التصق بالرب " ومعناها اتحد بالرب كيف يحدث هذا الاتحاد مع المسيح ؟ نقول : كيف يصير غصن غصنا في كرمة أخرى؟

لا يتم ذلك إلا بالتطعيم فيجب أن يفصل الغصن من الكرمة الأولى وينبت في موضع من ساق الكرمة الثانية مكشوطا قشره و " مجروحا" ويربط فيه فيجرى عصير الكرمة من موضع الجرح إلى الغصن المطعم فيه فيتحد به ومن ثم يجري في ألياف الغصن المطعم إلى أن يتحد في اتحادا تاما فلا يعود يحتاج إلى الرباط الخارجى لأنه قد صار واحدا مع الكرمة فتجرى قوة الكرمة وحلاوتها في الغصن الجديد الذي نستطيع أن نقول عنه أنه " أضاع حياته ليجدها ثانية " ثم يورق فيزهر فيثمر .

أيها الأخ العزيز اقرأ هذا السر مرة أخرى واعرف أنه ينبغى أن تقبل أن تقطع كل الماضي وتنفصل عنه انفصالا كليا مثل الغصن الذي يقطع من شجرته الأصلية ليطعم في كرمة جديدة ومعني ذلك أن تتوب توبة قلبية عن حياتك القديمة التي ورثتها من آدم بكل شهواتها وأغراضها الباطلة وتعترف بذنوبك الماضية واعترافك بخطيتك انما هو بصفة سكين يقطع الغصن ويفصله ثم تتخذ قلب سيدنا المسيح المجروح لأجلك وبدمه المسفوك عنك ملجأ ومسكنا لك فيجب عليك أن تتوطن في ذلك الملجأ حتى يصير مسكنك الحقيقي  كما تتوطن الأغصان المطعمة في الكرمة مستمدة منها الحياة الجديدة .

فترى أيضا أن اتحاد روح الإنسان بالمسيح أو الالتصاق الروحي ليس بطريق طويل فلا يحتاج الأمر إلى تدرج طويل بل انه في أغلب الأحيان يتم بفعل سريع ولكن القلب  يواظب على التمسك به إلى أن يصير صفة لازمة من صفاته لأن إلهنا هو إله المعجزات السريعة في العالم الروحي مثل معجزاته في العالم الطبيعي . لكن الإنسان بعزمه وحده يتقدم متعبا.

وفي تمثيل الحياة الجديدة الفائضة من الكرمة إلى الغصن نرى الفرق العظيم بين " البقاء" الذي كنتم تطلبونه قبلا و بين الحياة الدائمة ( الأبدية ) المعلنة في الإنجيل المقدس لأن البقاء حسب اعتقادكم هو الحد الأقصى النهائي للطريق وأما هبة الحياة الأبدية حسب الإنجيل فهي تعطي في بداءة الطريق وأن بقينا أمناء لدعوتنا السماوية فبقية أيامنا في هذه الدنيا إنما هي اظهار الحياة الإلهية التي تزداد فينا أكثر فأكثر .

" اثبتوا في " : هذه العبارة وردت مرات عديدة فهي زبدة تعليم المسيح ولا يخفي حضراتكم بأن ليس كل غصن يلتصق بالكرمة . ألم تروا مرارا كثيرا غصنا يظهر بالأول أنه مرتبط بالكرمة ارتباطا متينا لكن الأيام تبين أن ارتباطه ليس سوى ارتباط خارجى فعندما ينحل الرباط يقع الغصن الميت فلا يصلح لشيء إلا أن " يطرح خارجا.. فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق " (يوحنا 15: 6)  فيقال عنه ان " فرصته فاتت" . كذلك يوجد أناس هم أعضاء في كنيسة المسيح حسب الظاهر لكنهم لم يلتصقوا بالمسيح فقد قال سيدنا عن مثل هؤلاء " يؤمنون إلى حين وفي وقت التجربة يرتدون " لوقا 8: 13  ولذلك نجد بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس " أمسك بالحياة الأبدية " 1 تيموثاوس 6: 12  وكذلك نقرأ عن برنابا أنه " وعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب " أعمال الرسل 11: 23

أما الخطر العظيم الذي يتهددنا فليس في الأمور الخارجية لأنه مكتوب " من سيفصلنا عن محبة المسيح ؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ لكنا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" رومية 8: 35-37     بل يوجد من الداخل خطران موضحان في تمثيل الغصن والكرمة أحدهما أن نترك تمسكنا بالمسيح ولهذا السبب يقول المسيح " اثبتوا في" . والخطر الثاني ان نغلق أبواب قلوبنا عليه لكيلا يحتلها هو ولهذا يقول " وأنا فيكم " لأن معنى العبارة "اثبتوا في " هو أنه يجب ان نتمسك . والعبارة " وأنا فيكم " معناها أنه يجب أن نجعله يمسك بنا ويحل فينا . وعليه يقول " من يثبت في وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير " يوحنا 15: 5.

لأنه كما بين الصوفيين هكذا يوجد بين المسيحيين ثلاث طبقات هم " الراجعون والواقفون والبالغون "

ثم نقول مرة اخرى ان حالة ثبوتنا في المسيح وثبوت المسيح فينا لا يصل الإنسان إليها بواسطة الجذبة النادرة الوقوع وبالوجد أو أي عمل من الأعمال الغير الاعتيادية بل هي فيضان حياة يسوع  المسيح في حياتنا اليومية : " من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضا" 1يوحنا 2: 6

تأملوا في ثلاث كلمات مأخوذة من خطاب المسيح لتلاميذه في تلك الليلة التي أسلم فيها وهي قوله " سلامي لكم " وقوله " لكي يثبت فرحي فيكم " وقوله " اثبتوا في محبتي " . فإنه يعدنا في هذه الكلمات المعزية بأن سلامه هو وفرحه ومحبته تفيض في داخلنا . فكان سلام المسيح دائما يغلب على فقره والاضطهاد الذي وقع عليه وكان فرحه يدون في أشد حالات وحدته وانفراده واستدامت محبته رغما عن بغض الناس له حتى أنه عندما سمروه على الصليب صلى لأجلهم قائلا " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون . " لوقا 23: 24

وتظهر علامات حياته فينا لأنها الأثمار التي يثمرها روحه فينا كما هو مكتوب " ثمر الروح محبة وفرح وسلام " ثم يعقب ذلك " طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف " غلاطية 5: 22و 23 فهذه الصفات أشبه بعنقود عنب حلو لذيذ وهي أثمار تنضج في حياتنا العملية في هذا العالم وليس في خلوة الناسك أو كهف الزاهد لأن الشجرة تنمو في الهواء الطلق وتحتاج إلى حر الشمس وشدة الريح العاصفة وهكذا مع أثمار الروح .

اعلموا أيها الأخوة أن اسمى حياة أو خدمة ليست حياة العزلة التي تقضى في الأحلام والرؤي بل حياة شبيهة بحياة المسيح التي قضاها على الأرض بين بني آدم فإنه اتي من الحضرة الإلهية ليفيض على الجميع نور الله وقوته كما من ينبوع غزير وعذب  . وأنه يعطي روحه القدوس إلى شعبه وبواسطتهم إلى الغير حتى تمتد فيهم حياته وذلك حتي يأتي ثانية من السماء وأخيرا لاحظوا في تمثيل الكرمة أن ليس كل غصن بمفرده متحدا بساق الكرمة فقط بل إن كل غصن متحد بكل غصن آخر ومشترك معه فإن أبعد الأغصان وأصغرها متحد بالساق وبكل فرع آخر ، وهكذا أنتم أيها الأخوة تكونون واحدا في المسيح كما قال في صلاته الشفاعية " ليكون الجميع واحدا كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحدا فينا " بشارة يوحنا 17: 20 وحينئذ تجدون أن المسيح يملأ كل احتياجكم أعني أنه يسد تلك الرغبة في معرفة الله التي جعلتك تسلك في " الطريق"

وهذا الاتحاد وتلك المواهب الصالحة التي تتوقون إليها تصير لك في المسيح فإن كنا نحن فرقة صغيرة قليلة العدد في مكان واحد لكنا جميعا عائلة واحدة ( أهل واحد ) مع تلاميذ المسيح في كل زمان وكل مكان وبواسطة فيض حياة الروح الواحد نصير نحن واحدا فيه ونحتاج بعضنا إلى بعض حتى نصل إلى شركة تامة ووحدة كاملة .

نعم أيها الأخ كل واحد منا يحتاج إلى الآخر لأجل تكميل جسد المسيح في يوم رجوعه من السماء لكن أهم من ذلك أنه هو يحتاج إليك أنت ويحتاج إليك الآن  فانه كان يسير وراءك مدة طويلة كما يتبع الراعي خرافه وقد ناداك نداء منبها فأيقظك ثم أتي ليعطيك سؤل قلبك . وبواسطة قبول المسيح تصير " ذا نفس راضية مرضية " . فهل تسلم نفسك له ؟

"فإنى الحق أقول لكم  أن أنبياء كثيرين قد اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا " بشارة متي 16: 16و 17 . لذلك كما يقول الكتاب في موضع آخر " انظروا أن لا تستعفوا من المتكلم " عبرانيين 12: 25 .

نعم ان كثيرا من حياتكم قد تتكسر في البحث عن المسيح مثلما تتحطم القشرة عندما نريد أن نصل إلى اللب الذي داخلها وقد يكلفكم فقد الشرف والمركز والأحباب والمعارف وفوق ذلك يكلفكم الغاء عادات وعقائد عزيزة عندكم ، لكن يا أخوتى تطلعوا إلى الجانب الآخر المبين لكم في أقوال بولس الذي فاق جميع القديسين في اكتشاف الله في المسيح . قال بولس :

" لكن ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة . بل أنى أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح . وأوجد فيه وليس لي بري الذي من الناموس ، بل الذي بإيمان المسيح البر الذي من الله بالإيمان . لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته . لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات . ليس أني قد نلت أو صرت كاملا ، ولكني أسعى لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضا المسيح يسوع . أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسى أنى قد أدركت  . ولكني أفعل شيئا واحدا إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام . أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع "

أيها الأخوة لبوا هذه الدعوة العليا ليكون لكم السلام وحسن الختام . آمين

عودة الى الصفحة الرئيسية