موسى يُقيم خيمة الاجتماع

صعد موسى كليم الله إلى الجبل بناءً على طلب الله، وهناك أعطاه الله تفصيلات المسكن الذي يجب أن يبنيه ليتعبَّد الشعب فيه. وأعطى الله موسى تفصيلات كاملة عن طرق البناء، وأنواع المواد التي يستخدمها في البناء. وأمر موسى الشعب أن يقدموا لله ما يملكون من المواد المختلفة لبناء المسكن الذي سيُستخدم للعبادة، تقرُّباً إلى الله وشكره، وتؤدَّى فيه التقدمات والذبائح والمحرقات عن حرية وعن اختيار (خروج 35).

إن عبادة الإله الحقيقي تتطلب مكاناً خاصاً للعبادة، وإذ يوضع هذا المسكن وسط معسكر بني إسرائيل، يدل على أن الله يجب أن يحتل مكان الصدارة في قلوب شعبه، لأنه يجب أن يسكن وسط شعبه. وقد سُمي هذا المسكن »خيمة الاجتماع« لأن الرب يجتمع فيه بشعبه، يستمع إلى صلواتهم ويقبل تقدماتهم ويُنزل إليهم بركاته. وقال الله لموسى: »انظر، اصنعها على مثالها الذي أظهر لك في الجبل«. ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين في الإنجيل: »هذا واضح من قول الله لموسى قبل أن يصنع خيمة العبادة، إذ أوحى إليه قائلاً: انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ« (عبرانيين 8:5).

ولقد قدم الشعب مواد البناء تبرعاً واختياراً، فقد طلب الرب من موسى أن يدعو الشعب قائلاً: »مِنْ كل من يحثُّه قلبه تأخذون تقدمتي«. ويقول لنا الكتاب المقدس إن المعطي المسرور يحبه الرب. وتقول التوراة إن بني إسرائيل كانوا يجيئون إلى موسى بكل شيء تبرعاً كل صباح. وقد تبرع الشعب بوفرة وسخاء، حتى جاء المشرفون على العمل، كل الحكماء الصانعين عمل المسكن المقدس، كل واحد من عمله الذي هم يصنعونه، وقالوا لموسى: »يَجِيءُ الشَّعْبُ بِكَثِيرٍ فَوْقَ حَاجَةِ الْعَمَلِ لِلصَّنْعَةِ الَّتِي أَمَرَ الرَّبُّ بِصُنْعِهَا« (خروج 36:5). لقد قدم الشعب أكثر من احتياج المبنى. أما الله سبحانه فقد أعطى حكمة لرجلين هما بصلئيل وأهوليآب، ومعهما عدد كبير من الصناع المهرة، ليقوموا بتنفيذ الخطة التي أعلنها الله لموسى على الجبل. وتقول التوراة إن الله جعل في بصلئيل وأهوليآب حكمة وفهماً ليعرفا أن يصنعا كل المطلوب لعمل المسكن المقدس، بحسب كل ما أمر الرب. فقد أعطى الله الأوامر عن طريقة البناء، وقدم الشعب مواد البناء، ومنح الله الذين سينفذون الخطة المقدسة حكمة من عنده لينفذوا المثال الذي قدمه لموسى، فأكملوا إقامة المسكن المقدس، خيمة الاجتماع، مكان العبادة. وفي يوم تدشين المكان للعبادة، قدم الشعب قرابين كثيرة متنوعة، ليقدموها تقدمة للرب إعلاناً لحبهم له (خروج 36 - 39).

تدشين الخيمة:

بعد أن تمَّ بناء المسكن المقدس الذي هو مكان العبادة، وقدم الشعب محرقاتهم وذبائحهم تدشيناً للمكان، غطت سحابةٌ خيمة الاجتماع. وتقول التوراة إن بهاء الرب ملأ المكان، فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع، لأن السحابة حلَّت عليها، وبهاء الرب ملأ المسكن (خروج 40:34 - 38). وكان ذلك رمزاً لحلول الله في وسط شعبه ليقبل عبادتهم وليباركهم. الله يسكن في وسط شعبه ويعيِّن لهم الوسيلة التي يتّصلون بها بشخصه. وكان عند ارتفاع السحابة عن خيمة الاجتماع، أن بني إسرائيل يسافرون بقيادة موسى في جميع رحلاتهم، وإن لم ترتفع السحابة لا يرتحلون، إلى يوم ارتفاعها، لأن سحابة الرب كانت على خيمة الاجتماع نهاراً، وكان فيها نار بالليل، يراها كل بني إسرائيل في جميع رحلاتهم.

أيها القارئ الكريم، إننا نرى المثال الذي قدمه الله لموسى ليبني خيمة الاجتماع على مثاله، فالله يهتم بأن نقدم له العبادة، ويريدنا أن نعبده بالروح والحق. يريدنا أن نعبّر عن حبنا الكامل له، لأنه الإله المحب الذي أحبنا أولاً، وينتظر منا أن نرد له حبه حباً ونقول: »نَحْنُ نُحِبُّهُ لِأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً« (1يوحنا 4:19). فإن الساجدين الحقيقيين يسجدون لله بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. »اَللّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا« (يوحنا 4:24).

ويواجهنا سؤال: إن كان للرب الأرض كلها، وإن كان قد أعطى موسى المثال لخيمة الاجتماع على الجبل، فلماذا لم يعط موسى الذهب والفضة والنحاس والجلود التي يبني بها موسى خيمة الاجتماع؟

والإجابة: إن الله يريد منا أن نتبرع مما أعطانا. هو أعطانا الكل، ويطالبنا بدفع العشور له. وعندما نعطي الله مما أعطانا، نتشبَّه بالله المعطي الكريم، الذي يعطي دوماً بسخاء ولا يعيّر.

لقد أعطانا الله كل شيء بغنى للتمتع، فماذا نعمل وماذا نعطي، وكيف نعبِّر لله عن شكرنا وتقديرنا ومحبتنا؟ ماذا ستفعل أنت لتبيّن حبك لله؟

لماذا الخيمة؟

1 - هناك عدة أسباب لإقامة الخيمة، أولها: لقد أراد الله أن يُطَمئن شعبه أنه وسطهم. صحيح أنهم رأوا الله كنار آكلة على رأس الجبل عندما صعد موسى ليتلقَّى الشريعة من عند الله، لكننا هنا نرى وجهاً آخر من وجوه صفات الله، فإن الله عظيم المحبة، يقول: »فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِساً لِأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ« (خروج 25:8). ويقول أيضاً: »وَأَسْكُنُ فِي وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهاً« (خروج 29:45).

أيها القارئ الكريم، إن الله ليس بعيداً عنا ولا متعالياً، لكنه يجيء إلينا ليحل في وسطنا، ويقول إني أنا معك. ومن هذا نرى الله يجهز فكر الإنسان ليعلم أن الله يمكن أن يتجسد ليحل بيننا، كما حلت بيننا خيمة الاجتماع. وهناك اللقب العجيب للسيد المسيح أنه عمانوئيل بمعنى أنه »الله معنا« (متى 1:23). إن جسد السيد المسيح هو خيمة الاجتماع الحقيقية التي أقامها الرب، وفي ذلك الجسد حل الله بين البشر وصنع لنا فداءً أبدياً.

2 - وهناك درس آخر أراد الله أن يعلمه للشعب من بناء خيمة الاجتماع، وهو أن الله عظيم. كانت تلك الخيمة - خيمة الاجتماع - أعظم من كل الخيام التي أقامها بنو إسرائيل لأنفسهم. ولا بد أن تكون قد تكلفت على الأقل أكثر من مليون من الجنيهات. وهذا مبلغ ضخم بالنسبة لجماعة مشردة من العبيد، يسافرون في الصحراء. صنعوا قواعد الخيمة التي توضع على الرمال من الفضة. وكان الأثاث من الذهب، ومن ضمنه المنارة ذات الشعب السبعة التي تزن قنطاراً من الذهب. وكان هناك ستون عموداً من النحاس، لها رؤوس ورزز من الفضة، ومن تلك الرزز كانت تتدلى ستائر من قماش دقيق ليستطيع الشعب أن يروا من خلالها كل ما يجري في الداخل. وعندما تم بناء خيمة الاجتماع وانتصبت في الصحراء، لا بد أنها ظهرت بالغة الجمال في عيني كل من رآها.

3 - وهناك درس ثالث أراد الله أن يعلِّمه لشعبه: إن الله واحد. لقد كانت خيمة الاجتماع واحدة رغم تعدد أجزائها وأدواتها. هناك تابوت واحد، ومذبح واحد للبخور، ومذبح واحد للمحرقة تأكيداً لوحدانية الله الذي قال: »اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد«. هذا الرب الواحد هو روح. على الجبل رأى موسى مجد الله، لكنه لم ير شخص الله. إنّ خلو خيمة الاجتماع من أي صورة منظورة، كان رمزاً لأن الله الواحد روح لا يراه البشر. الله روح والساجدون لله بالروح والحق ينبغي أن يسجدوا.

4 - وكانت خيمة الاجتماع ترمز إلى طهارة الله. كانت قائمة أعلى من الأرض، مسوَّرة لكي تكون بعيدة عن الاستعمال العادي. كان الجزء الخارجي لا يدخله إلا الذين مارسوا طقساً معيناً من التطهير، أما الجزء الداخلي فكان يدخله رئيس الكهنة وحده مرة واحدة كل سنة، بعد أن يتطهر بحرص شديد بطقوس كثيرة، ويلبس ملابس خاصة، وكان يرش حوله دم الحيوانات التي بلا عيب التي يختارها من أفضل القطعان. وكان قصد الله من هذا كله أن يعطي الشعب فكرة أنهم يجب أن يتطهروا. وتظهر قداسة الله من القرابين والذبائح التي أمر الله بتقديمها في خيمة الاجتماع. كانت هناك خمس ذبائح تتطلب سفك دم، الثلاث الأولى منها تقدمات اختيارية، كانت تُدعى ذبائح سرور، أما الذبيحتان الأخريان فقد كانتا تُقدَّمان تكفيراً عن الخطايا والآثام، أولهما قربان محرقة، وهي ذبيحة مختارة بلا عيب. ويضع صاحب الذبيحة يده على رأس الحيوان الذي يموت عوضاً عنه، ثم يذبح صاحب القربان الحيوان ويرش الكاهن دمه على مذبح النحاس. وفي ذبيحة المحرقة يحرق الحيوان كله على المذبح. وهناك ذبيحة الخطية التي يقدمها الخاطئ الذي ارتكب الخطيئة سهواً. وهناك ذبيحة الإثم التي كانت تُقدَّم بسبب ارتكاب الخطيئة سهواً، ولكنها كانت تقتضي تعويضاً. فإذا سها أحد أن يقدم عشوره أو أية ذبيحة مطلوبة، عليه أن يدفع ذلك ويعوِّض عليه خُمسها. وهذه الذبائح تعلمنا أن دم المسيح وحده هو أساس الغفران، وإن أخطأ المؤمن فله محام وشفيع أمام الآب، يسوع المسيح البار، الذي هو كفارة عن خطايانا (1يوحنا 2:1، 2). ولا يمكن أن يدع الرب الخطيئة تفلت من العقاب، ولكن الله يغفر خطيتنا إن اعترفنا بها. وإذا لم نعترف، فإن الله يوقع علينا عقوبته.

5 - وقدَّم الله لموسى على الجبل نموذجاً كاملاً لخيمة الاجتماع، لأن لله خطة واضحة. وخطته في حياة كل واحد منا خطة محكمة علينا أن نعرفها لننفّذها. وهي تتطلَّب منّا الطاعة والثبات. يقول: »مَا أَمَرَهُ الرَّبُّ. هكَذَا فَعَلَ« (خروج 40:16). وهكذا يجب أن نفعل نحن. لقد كان موضوع فرح موسى العظيم، وبهجة قلبه أنه لم يُضِف شيئاً إلى ما أمر الله به، ولم يُنقِص شيئاً من أمر الله، وهكذا أكمل العمل. وعلينا نحن أن ندرب أنفسنا على عادة الخضوع لإرادة الله لنتممها في كل أمور الحياة، بسيطها وكبيرها، وبهذا تصبح حياتنا نحن البشر متناسقة مع المشيئة الإلهية، وتصبح خيمة حياتنا بيتاً لساكن الأبد القدوس اسمه. هناك نتمتع برفقة الله، إذ يحل عمود السحاب علينا نهاراً، وعمود النار ليلاً في كل رحلاتنا، إلى أن نصل إلى بيت أبينا السماوي