مصير نسخة القرآن الأولى والفريدة

ولكن ماذا كان مصير النسخة الأولى من القرآن التي جُمعت بأمر أبي بكر، والتي أعادها عثمان إلى حفصة بعد أن وعدها بذلك؟.. يقول السجستاني: أخبرني سالم بن عبد الله أن مروان (حاكم المدينة) كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كُتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم:

فلما تُوفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر (شقيق حفصة) ليرسلنَّ إليه بتلك الصحف. فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشُققت. فقال مروان: إنما فعلتُ هذا لأن ما فيها قد كُتب وحُفظ بالمصحف، فخشيتُ إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان شيء منها لم يُكتَب (ص 32).

وبتدمير مصحف حفصة ومصحف ابن مسعود بالكوفة تكون مصادر القرآن الأساسية قد ضاعت، بدون الاحتفاظ بنسخ منها. ولكن في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ويُطلق عليها فترة الاجتهاد كان علماء الإسلام يفضّلون قراءة على قراءة أخرى من قراءات الصحابة. ولكن الأصوليين لم يقبلوا هذا، حتى أن العالِم البغدادي المشهور ابن شَنَبُوذ (245-328 هـ ) أُجبر أن ينكر علناً قراءاته من النسخ القديمة. إذ يروي الطبري في تاريخه (ج11 ص 291 دار المعارف، القاهرة، د.ت.) أن الوزير ابن مقلة أحضر ابن شنبوذ في شهر صفر عام 323 هـ وقال له: بلغني أنك تقرأ حروفاً في القرآن بخلاف ما في المصحف، وكان ذلك بحضرة ابن مجاهد وأهل القرآن. فاعترف بقراءة ما عُزي إليه من الحروف، ومنها إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ ,,, فَامضوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (سورة الجمعة آية 62:9 ، وهي في المصحف الحالي إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ). وأغلظ ابن شنبوذ للوزير والجماعة، ونصر ما عُزي إليه.. ثماستُتيب عن قراءة الحروف، فتاب منها .

وإن كان د. بوكاي يكرر أن المسيحيين غيّروا وحرَّفوا إنجيلهم، فماذا يقول في ما عمله عثمان ولجنته وما عمله مروان؟ ألم يغيّروا في القرآن ما شاءوا أن يغيروا؟ وهذا عين ما قالته حميدة بنت أبي أويس، قالت: قرأ عليَّ أبي وهو ابن ثمانين في مصحف عائشة إن الله وملائكته يصلّون على النبي. يا أيها الذين آمَنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، وعلى الذين يصلّون في الصفوف الأولى وذلك قبل أن يغيّر عثمان المصحف (القرآن المجيد، دروزة، ص 58).

لقد قدمنا رسماً بيانياً (رقم 1) عن جمع البشائر، وسنفعل الشيء نفسه مع القرآن في الرسم البياني (رقم 2) لنشرح مصادر ونقل القرآن كما كشفته لنا الأحاديث المذكورة أعلاه,

رسم بياني 2 - جمع القرآن

وكان يمكن أن يكون هذا الرسم البياني أكثر تعقيداً لو أضفنا مصحف أبي موسى الأشعري الذي كان مستخدماً في البصرة. ولكن ما قدمناه يرينا التشابه بين جمع الإنجيل وجمع القرآن.

 

ونعود نوجّه السؤال: كيف تعرف إن كان القرآن الذي بين يديك الآن يماثل تماماً القرآن الذي نزل على محمد؟

الصفحة الرئيسية