قبول المسيح (اللقاء مع الرب يسوع)
مدخل تمهيدي
اللقاء مع الرب يسوع
إهــداء
الباب الأول: مفهوم قبول المسيح
الباب الثاني: كيف أقبل المسيح
الباب الثالث: قبول المسيح والقرار المصيري
الباب الرابع: المعمودية وقبول المسيح
الباب الخامس: قبول المسيح والبنوة لله
الباب السادس: قبول المسيح وجوانب الخلاص
الباب السابع: قبول المسيح وبدعة الخلاص في لحظة
الباب الثامن: قبول المسيح والاختبار الشخصي
الباب التاسع: قبول المسيح والشهادة له
الختام

عودة للصفحة الرئيسية

القمص زكريا بطرس

مدخل تمهيدي
الأرثوذكسية موقف متوازن بين تطرفين هما التحرر والتزمـت 


تقف الأرثوذكسية صخرة شماء برأيها المتوازن الحكيم بين تطرف الهرطقات التحررية وبين تطرف البدع التزمتية. وهناك أمثلة كثيرة على صمود الأرثوذكسية بفكرها النقي الأصيل في وجه التطرف المقيت السلبي المتحرر أو التطرف الإيجابي المتزمت. وهي في رأيها السليم تتبع تعاليم الكتاب المقدس. 

وإليك بعض الأدلة:

أولا: من الكتاب:

الكتاب المقدس يحسم الأمور بين التطرفين المتناقضين: التطرف المتحرر والتطرف المتزمت، ومن أمثلة ذلك:

1ـ التوازن بين حماقة الجهل وبين كبرياء الحكمة:

وعن حماقة الجهل يقول الكتاب: "فم الجهال ينبع حماقة" (أم15: 2) فالكتاب يرفض الجهل ويعتبره حماقة. وقد ضرب الرب مثلا عن حماقة الجهل وهو مثل العذارى الجاهلات إذ قال رب المجد "حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى ... وكان خمس منهن جاهلات (مت25: 1ـ13).

وعن كبرياء الحكمة يقول: "لا تكن حكيما بزيادة" (جامعة7: 16) ويقصد الكتاب الحكمة البشرية التي قال عنها يعقوب الرسول: "ليست هذه الحكمة نازلة من فوق بل هي أرضية نفسانية شيطانية ... وأما الحكمة التي من فوق فهي أولا طاهرة ثم مسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة وأثمارا صالحة عديمة الريب والرياء" (يع 3: 15و17)

من هذا نرى نظرة الكتاب المقدس المتوازنة بلا تطرف، فلا جهل أحمق، ولا حكمة شيطانية.

2ـ التوازن بين صغر النفس وبين الثقة بالنفس:

فعن صغر النفس قال الكتاب عن بني إسرائيل: "فكلم موسى هكذا بني إسرائيل ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس " (خر6: 9) فصغر النفس أو اليأس هو معطل لسماع كلام الرب. هو تطرف مقيت.

وعن الثقة بالنفس سجل الكتاب المقدس عن المسيح: "وقال لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين هذا المثل (مثل الفريسي والعشار)" (لو18: 9)

فالكتاب المقدس إذن يتخذ موقفا متوازنا بين صغر النفس وبين الثقة المتطرفة بالنفس.

وعلى هذا القياس هناك الكثير من الأمثلة التي تبرز نظرة الكتاب المقدس المتوازنة بين تطرفات عديدة متناقضة.

ثانيا: من تاريخ الكنيسة:

(1) الأرثوذكسية بين هرطقة نسطور وهرطقة أوطاخي:

والدارس لتاريخ اللاهوت المقارن يجد أنه قد ظهرت بدعتان نتيجة التطرف، والتطرف المضاد حول طبيعة السيد المسيح، وكيف وقفت الأرثوذكسية في وجه البدعتين:

1ـ هرطقة نسطور: 

كانت هرطقة نسطور ضد لاهوت السيد المسيح بمعنى أنه ادعى [أن اللاهوت لم يتحد بالناسوت بل ساعده فقط] (انظر كتاب تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسي يوحنا ص313) 

وبهذا خرج عن إيمان الكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية التي تعلنه في القداس الإلهي بأن "هذا هو الجسد المحيي الذي أخذه ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم، وجعله واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ..." 

2ـ هرطقة أوطاخي:

والواقع أن أوطاخي وكان رئيس أحد الأديرة عندما هاجم بدعة نسطور سقط هو الآخر دون أن يدري في بدعة متطرفة مضادة وهي إنكاره لطبيعة المسيح الناسوتية، فقال أن المسيح ما كان إنسانا، وأنه كان إلها فقط. وهذا ما دونه التاريخ عن هذه البدعة [في سبيل المدافعة عن مقام المسيح ضد نسطور تطرف في التعبير عن طبيعته فقال أن طبيعته الناسوتية اندمجت في اللاهوتية. وحرم هذا التعليم في المجمع الأفسسي الثاني سنة 494م الذي ترأسه البابا ديسقورس]

(انظر كتاب تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسي يوحنا ص314)

ففي مجمع أفسس الثاني حكم ضد الهرطقتين المتطرفتين لتبقى النظرة الأرثوذكسية المتوازنة دون تطرف يميني أو يساري.


(2) التطرف البروتستانتي والتزمت الكاثوليكي:

1ـ التحرر البروتستانتي: 

قد ألغى البروتستانت الأسرار المقدسة السبعة رغم ممارستهم لفريضة المعمودية والعشاء الأخير. ولكن ليس على اعتبار أنهما أسرار مقدسة تعطيان نعمة، بل على اعتبار أنهما رسمان ظاهريان خاليان من المضمون، ولكنهما فقط تقليد لما فعله المسيح دون إيمان بفاعلياتهما على الإطلاق. 

كما ألغوا أيضا حتمية الجهاد ضد الجسد والخطية والعالم بحجة أن الإيمان فقط هو الشرط المطلوب للخلاص وضمان الملكوت.

2ـ التزمت الكاثوليكي:

أما الكاثوليك فدفاعا عن الأسرار اعتبروا أنها كل شيء، وأنه لا قيمة لإيمان الإنسان الشخصي وعلاقته الحيوية مع الله، ويكفي أن يمارس الأسرار فتهب له الخلاص وضمان الملكوت.

التوازن الأرثوذكسي

أما كنيستنا القبطية الأرثوذكسية فتؤمن بالنظرة الحكيمة المتوازنة. تؤمن بأسرار الكنيسة السبعة على أنها وسائط ووسائل نعمة من خلالها تسري بركات الخلاص لحياة المؤمن. على أن يمارسها بإيمان حي، وبالنعمة التي ينالها منها يواصل جهاده المقدس حتى آخر لحظة من حياته.

وتتضح هذه النظرة الحكيمة من أقوال قداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث، التي نقتطف منها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:

1ـ [هناك أناس علاقتهم بالله علاقة طقسية بلا روح! علاقة فروض! يؤدي الإنسان الفرض في موعده، دون أن يحس بوجود الله فيما يفعل! يصلي الصلاة في موعدها. ويقرأ الكتاب المقدس بنظام متبع، وضميره يتعب إن لم يقرأ ولم يصلِّ. لأنه لم يؤدي واجبه! كل هؤلاء حتى الآن ليس لهم علاقة بالله. لا الجدل في الله والإلهيات، ولا تذكاره في المناسبات والرسميات. ولا الطقوس الخالية من الروح. التي هي مجرد فروض وواجبات، لاشيء من هذا كله، يشعر فيه الإنسان أن له علاقة روحية مع الله]

(مقال اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

2ـ [كثيرون يعيشون في مظاهر دينية. لا يشعرون بوجود الله في حياتهم. لا تلامس ولا رؤية. الله في وادي وهم في واد آخر، كما لو كان الله غريبا عنهم، أو هم غرباء عن الله، أو بينه وبينهم حواجز ومسافات بلا لقاء]

(مقال اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

3ـ [نحن نلتقي بالله في الصلاة وقراءة الكتاب المقدس على شرط أن تكون الصلاة روحية بحب. لأنه قد يصلي الإنسان ولا يشعر بمتعة، لأنه لا يلتقي بالله في صلاته. أما علاقة المتعة باللقاء مع الله في الصلاة فهو أنك إن صليت تشعر أنك لا تستطيع أن توقف صلاتك]

(مقال اللقاء مع الله جريدة وطني 16/5/1996)

4ـ [تكوين علاقة حقيقية قلبية معه .. أقول علاقة وليس مجرد مظاهر خارجية أو ممارسات ... فالبعض يظن أن الرجوع إلى الله معناه برنامج في الصلاة والصوم والتداريب الروحية والقراءات الروحية والاجتماعات والمطانيات ... كل هذا حسن وجميل ولكن هل فيه علاقة قلبية مع الله أم لا؟ هل فيه حب لله أم لا؟]

(كتاب الرجوع إلى الله ص35)

5ـ [بدون هذه العلاقة القلبية وبدون هذا الحب لا تكون قد رجعت إلى الله مهما كانت لك صلاة وأصوام وقراءات ومطانيات .. إنما بالعلاقة مع الله وبالحب تأخذ كل هذه الوسائط الروحية فاعليتها وقوتها، فالقلب أولا ومنه تصدر هذه الممارسات]

(كتاب الرجوع إلى الله ص36)

6ـ [عجيب أن كثيرا من الناس يتمسكون بالوسائط وينسون الله ... لقد تحول الأمر إلى مجرد ممارسة بدون علاقة قلبية في الداخل تعطي هذه الممارسة وزنا وقيمة]

(كتاب الرجوع إلى الله ص36و37)

ما أخطر التطرف يمينا أو يسارا، فكلاهما بدعة وهرطقة. إذن فلنحذر ونحن ندافع عن عقيدة ما أن نسقط في هرطقة مضادة.