2 - الخطية في المسيحية

الخطية ظاهرة في تاريخ البشر، يقرّ بها كل إنسان يفحص قلبه، أو ينظر إلى سيرة أبناء جنسه، لأن جميع بني البشر، حتى الذين لم يتلقّوا نور إعلانات السماء يشعرون بخطاياهم، ويقرون بنقصهم وعجزهم عن القيام بما كُلفوا به أدبياً,

والخطية ليست هي الشر الفاضح فقط، كما يظن قسم كبير من الناس، بل هي أيضاً الانحراف عن الله، بوصفه خالقنا والهدف الوحيد لنا, وهذا الانحراف لا يكون بالنزوع إلى الشر فحسب، بل هو أيضاً الانفصال عن الخير,

وقد عُرف بالاختبار أن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يميز قوة الخطية وشدة فعلها في البشر، كما يميزها المؤمن الذي قامت الشريعة الإلهية لديه بعمل المؤدِّب فاقتادته إلى المسيح, والمسيح أعطاه النعمة فعرف حقيقة الخطية وأثرها في جذب الإنسان إلى حال الفساد, وتبعاً لذلك صار يشعر بالحاجة إلى معونة النعمة الإلهية، وإلى دم الكفارة لأجل تبريره,

والخطية في وجهها العام هي التعدي - 1 يوحنا 3:4- على شريعة الله، بحيث تصبح جرماً بحق الله، مهما كان عذر مرتكبها، وأياً كان حجمها,

دخول الخطية إلى العالم

نقرأ في رسالة رومية 5:12 : ·بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الخَطِيَّةُ إِلَى العَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ المَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَا لْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الجَمِيعُ , وقول الرسول هنا يعني أن علة كون جميع الناس خطاة هو آدم أبو البشر, وقد اعتبر بولس في قوله ·بإنسان واحد أن آدم وحواء شخص واحد، كما ذكر في تكوين 5:2, ولم يذكر الرسول تجربة الحية، ولا معصية حواء أولاً، لأن غايته أن يبيّن أن آدم كان في ما فعله نائباً عن كل نسله,

يقول بعض الفلاسفة إن الإنسان يولد طاهراً، وإنما إذا عاش في بيئة فاسدة تأثر بها وتسربت إليه الخطية, قد تساعد البيئة الفاسدة على نمو الخطية، ولكن الإنسان يولد وفيه مجموعة من الغرائز، التي وإن كانت لها غايات خاصة، فهي تحمل نزوات شريرة,

الخطية إرث

نفهم من الاختبارات أنه لا يمكن للكائن الحي أن يلد كائناً مغايراً له, فالثور لا يمكن أن يلد حملاً، وكما قال المسيح: ·لَا يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَباً - متى 7:16- , وهذا القانون ينطبق على الإنسان, فآدم أبو البشر، كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة, وقصاصاً له طُرد من فردوس الطهر إلى أرض لُعنت بسبب خطيته, وعلى الأرض أنجب نسلاً, وكان هذا النسل بالطبيعة مطروداً، فاقداً ميراثه بالفردوس, والكتاب المقدس يقر هذه الحقيقة، إذ يقول بفم داود: ·هَئَنَذَا بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي - مزمور 51:5- وقال بفم بولس: ·,,, لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ - رومية 3:10-12- ,

وقد شرح أغسطينوس تعليم الكتاب المقدس عن السقوط وإرث الخطية، فقال:

1 - خلق الله الإنسان أصلاً على صورته تعالى، في المعرفة والبر والقداسة، مختاراً خالداً, وخوّلَه سلطاناً على الخلائق مع القدرة على اختيار الخير والشر، وإثبات طبيعته الأدبية,

2 - إذ آدم تُرك لحرية إرادته، أخطأ إلى الله باختياره حين جرَّبه إبليس، فسقط من الحال التي خُلق عليها,

3 - نشأ عن معصيته ضياع الصورة الإلهية وفساد طبيعته كلها، حتى صار ميتاً روحياً، لا يميل إلى الخير الروحي وعاجزاً عنه ومضاداً له، وصار أيضاً قابلاً للموت جسدياً، وعرضة لكل سيئات هذه الحياة والموت الأبدي,

4 - الاتحاد النيابي بين آدم ونسله، هو علة ما حل بهم من نفس نتائج المعصية التي حلت عليه, فإنهم يولدون في حال الدينونة، خالين من صورة الله وفاسدين أدبياً,

5 - هذا الفساد الذاتي الموروث، هو في الحقيقة من طبيعة الخطية، غير أنه ليس من الخطية الفعلية,

6 - ضياع البر الأصلي وفساد الطبيعة، اللذين نتجا من سقوط آدم، هما عقاب لخطيته الأولى,

7 - التجديد أو الدعوة الفعالة، هو عمل الروح القدس العجيب، الذي تكون فيه النفس مفعولاً لا فاعلاً, وهو متعلق بإرادة الله وحدها, فيلزم عن ذلك أن الخلاص هو من النعمة فقط,

تأثير الخطية على الإنسان

قال العالم الإنكليزي هاكسلي: ·لا أعلم أن هناك دراسة انتهت إلى نتيجة تعسة للنفس كدراسة تطور الإنسانية, فمن وراء ظلام التاريخ، تبين أن الإنسان خاضع لعنصر، وُضع فيه، يسيطر عليه بقوة هائلة,, إنه فريسة واهنة عمياء لدوافع تقوده إلى الخراب، وضحية لأوهام لانهائية جعلت كيانه العقلي همّاً ثقيلاً، وأفنت جسده بالغموم والمتاعب, ومنذآلاف السنين لا يزال هو هو, يقاتل ويضطهد، ويعود ليبكي ضحاياه، ويبني قبورهم ,

وهل يحتاج أحد إلى هذه الشهادات الصارخة، الآتية عبر التاريخ، لكي يلمس هذه الحقيقة؟ ألا يكفي أن ينظر الإنسان إلى أعماق نفسه، ويتحسس ميوله ونزواته، ليعلم أن ناموس الخطية ساكن فيه؟

يكفي أن نلقي نظرة على المجتمع البشري لنلمس في كل إنسان هذه الحقيقة، وهي أن الجميع فسدوا ورجسوا في أفعالهم - مزمور 14:1- الجميع خلوا من صورة الله، التي كانت لآدم قبل السقوط ·كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ - إشعياء 53:6- ,

إن وجود الخطية في حياة كل إنسان أمر لا يجهله أحد، لأن فساد الطبيعة البشرية ظاهر للحس، في عجز الإنسان عن حفظ الشريعة الأدبية والفشل، إن كانت لا تتلقى معونة الله بالروح القدس, مما يؤكد لنا خلو نفس المرء من البر الأصلي، الذي كان للإنسان الأول قبل السقوط,

يكفي أن نلقي نظرة عابرة على تاريخ الجريمة عبر الأجيال، لكي نجد الدليل الحاسم على فقدان الإنسان طبيعة الصلاح، وأخذه طبيعة الفساد, وأول ما ظهرت طبيعة الفساد الموروثة، كان في الجريمة الأولى التي اقترفها قايين حين قتل أخاه هابيل, ولماذا قتله؟ أليس لأنه كان شريراً؟ ولماذا يخاصم أحدنا الآخر؟ أليس لأن طبيعة الشر متأصلة فينا؟ لماذا تحارب أمة أمة، أليس بفعل شر الأفراد حينما يتكَّتلون؟

أجرة الخطية

قال الله لآدم: ·وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ - تكوين 2:17- , ونقرأ أيضاً في حزقيال 18:20 ·اَلنَّفْسُ التِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ ونقرأ في الرسالة إلى رومية 6:23 ·لِأَنَّ أُجْرَةَ الخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ , وقد مات آدم وحواء روحياً، حين سقطا وانفصلا عن الله، وفقدا تلك الشركة الروحية المقدسة مع الرب الإله, وتبعاً لذلك، فقدا الشوق للمثول في حضرته عند هبوب ريح النهار، فاختبأا من وجهه في وسط أشجار الجنة - تكوين 3:8- ولعلهما شعرا بالوهن الجسدي والمرض والانحلال، فتذكرا إنذار الرب ·يوم تأكل منها موتاً تموت! ,

وانه لأمر مروع حقاً أن يرتسم عقاب عصيانه أمام عينيه! ولكن هل خسرت العائلة الأولى امتيازاتها، كل امتيازاتها؟ وهل ضاع الرجاء في عودة الإنسان إلى الفردوس الذي أضاعه بسبب الخطية؟ وهل انتزعت منه طهارته إلى الأبد؟,,, كلا! لأن الله محب، إنه هو ذاته محبة, ومحبته غنية في الرحمة، وعنده غفران كثير, فالمحبة تحركت في قلبه، وحركت معها الحنان، الذي لا يسر بموت الخاطئ, فأخذ الرب الإله دور المنقذ الفادي في شخص يسوع المسيح، الكلمة الذي كان في البدء عند الله, وأول ما صنعته محبة الله هو ستر عري آدم وحواء، فصنع لهما أقمصة من جلد وألبسهما - تكوين 3:21- وبذلك كرس الرب الإله عهد الكفارة,

الصفحة الرئيسية