صنعت خـــــــــلاصاً

المقدمة

الباب الأول: كنيسة الخلاص

الفصل الأول: التذكارات الكنسية

الفصل الثاني: كتب الصلوات الطقسية

الفصل الثالث: الأسرار الإلهية

الباب الثاني: جوهر الخلاص

الفصل الأول: مفهوم الخلاص

الفصل الثاني: دوافع الخلاص

الفصل الثالث: طرق الخلاص

الفصل الرابع: عمل الخلاص

الباب الثالث: قضية الخلاص

الفصل الأول: فلسفة الخلقة

الفصل الثاني: مشكلة الخطية

الفصل الثالث: تدبير الخلاص

الباب الرابع: نعمة الخلاص

الفصل الأول: مفهوم النعمة

الفصل الثاني: عمل النعمة

الفصل الثالث: مجال النعمة

الفصل الرابع: وسائط النعمة

ختاماً

حمل هذا الكتاب

عودة للصفحة الرئيسية

الفصـل الأول فلسفـة الخلقـة

أولاً :- غاية الخلقـة
ثانياً :- دوافع الخلقـة
ثالثاً :- موقفك من الله
أولاً:- غاية الخلقـة

كان هذا الموضوع نقطة بحث كثيرين من الفلاسفة والمفكرين، كما أنه موضوع تساؤل كل إنسان "لماذا خلقني الله"؟. وإذ فشل البعض في التعرف على الإجابة الصحيحة لهذا السؤال اعتبروا أن الحياة جناية ارتكبها الآباء في حق الأبناء، حتى قال أحدهم (هذا جناه أبى على وما جنيت على أحد). ولذلك امتنع عن الزواج!!.

وصرخ آخر في وجه أمه قائلا: (ويحك يا أمي فقد حكمت على بالإعدام) وقد اعتبر أن هذه الحياة إنما هي حكم إعدام!.

وأبوب في معمعة التجربة نراه يسب يومه قائلا: "ليته هلك اليوم الذي ولدت فيه والليل الذي قال قد حبل برجل، ليكن اليوم ظلاما .. أما ذلك اليوم فليمسكه الدجى ولا يفرح بين أيام السنة .. لأنه لم يغلق أبواب بطن أمي ولم يستر الشقاوة عن عيني ..

ثم يتساءل في تأفف:

· لم لم أمت من الرحم؟

· عندما خرجت من البطن، لم لم أسلم الروح؟

· لم يعطى لشقي نور وحياة لمسرى النفس؟ (أيوب1:3،2)



لم يكن أيوب وحده من بين رجال الكتاب المقدس الذي قال هذا ولكننا نرى أرميا أيضاً بقول: "ملعون اليوم الذي ولدت فيه. اليوم الذي ولدتني فيه أمي، لا يكن مباركاً ملعون الإنسان الذي بشر أبي قائلاً قد ولد لك ابن ... لأنه لم يقتلني من الرحم فكانت لي أمي قبرى ورحمها حبلى (بي) إلى الأبد. ثم يتساءل أيضاً في تأفف كأيوب قائلا:

"لماذا خرجت من الرحم لأرى تعباً وحزناً فتفنى بالخزي أيامي". (أرميا14:20-18).

أليست هذه الأسئلة هي ما يدور بفكرك وخاصة عندما تصادف أية تجربة فتتبرم متسائلا: لماذا خلقني الله؟

مسكين حقاً هو ذلك الذي لم يتعرف بعد على الغاية من وجوده في هذه الحياة.

فهل تعرف يا أخي لماذا أنت موجود ؟ لماذا خلقك الله ؟.



· ربما تقول إن الله قد خلقك لكي تعبده!

حسن أن تعبد الله، ولكن هل تظن أنه محتاج إلى عبوديتك، تأمل قول القديس إغريغوريوس في القداس الإلهي:

"لست أنت محتاج إلى عبوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك"

هو ليس في حاجة إلى عباداتنا، فلم يخلقنا من أجل هذه الغاية!

· وربما تقول إنه خلقك لكي تمجده!.

حسن أن تمجد الله، ولكن هل تظن أنه من أجل هذه الغاية قد خلقتك؟ وهل تظن أنه محتاج إلى تمجيداتك؟.

أسمع يسوع يقول: "مجدا من الناس لست أقبل".(يو41:5).

ثم يقول: "أبى هو الذي يمجدني".(يو54:8).

إن الله ممجد في ذاته يا أخي، وإلا فهل كان غير ممجد قبل خلقة العالم؟.

اسمع قول يسوع "مجدني أنت أيها الآب بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم". (يو5:17).

إذن فما هي غاية الخلقة؟.

تتضح هذه الغاية عندما نفحص النقطة التالية وهي:



ثانياً:- دوافع الخلقة

إن الله لم يخلق الإنسان بدافع الأنانية حتى يعبده ويمجده إنما دوافع الخلقة تتركز في:

1- المحبة:

ويوضح هذه الحقيقة القديس إغريغوريوس الناطق بالإلهيات في قداسه التأملى قائلا:

"خلقتني إنساناً كمحب للبشر"

ويوحنا الحبيب يقول: "الله محبة" (1يو8:4). وكل ما يصدر عن الله هو عمل محبة، وعن المحبة تصدر إشعاعات النعمة المباركة التي عملت في الخلقة وهي:



2- الصلاح:

والصلاح معناه البذل والكرم، فان كان الشخص الذي يمتلئ من روح الله تظهر فيه هذه الثمرة المباركة "أي الصلاح" كما جاء في رسالة بولس الرسول لأهل غلاطية.(22:5). فكم بالحرى الله نفسه، فكل أعماله صادرة عن صلاحه، ولذلك فالقديس إغريغوريوس يبرز أيضاً هذا الجانب في القداس فيقول:

"الذي من أجل الصلاح وحده، مما لم يكن كونت الإنسان"

وللصلاح خاصية عجيبة أسهمت هي الأخرى في خلقة الإنسان ألا وهي:



3- التعطفات:

فبروح الحكمة الإلهية التي أوتيها القديس إغريغوريوس يقول في قداسه: " من أجل تعطفاتك الجزيله كونتنى إذ لم أكن".

فصلاح الله وكرمه ظهرا في تعطفاته الجزيله التي بها كون الإنسان وخلقه لغاية سامية تمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة دوافع الخلقة ألا وهي:



4- المشاركة:

إن من خصائص المحبة الصادقة المشاركة .. ولنا في محبة الأب لأبنائه الجسديين مثالا لمحبة الله للإنسان، فالأب يتعب كثيراً لكي يعطى أولاده ويمتعهم، وإذا سألت أحد الآباء عن دوافعه التي تحركه للإنفاق على أولاده لتيقنت أن المحبة الأبوية هي الدافع القوى لإشراك أولاده فيما له.

ولنتأمل يا أخي في الأمور التي أشركنا الله فيها معه والتي تمثل الغاية التي من أجلها خلقك.



( أ ) شركة خواصه:

يكشف لنا الوحي الإلهي عما دار في عقل الله بخصوص خلقة الإنسان فتقرأ في سفر التكوين "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه".(تك26:1،27).

ولكن ماذا يقصد الوحي بقوله على صورة الله؟.

يوضح الآباء ذلك بقولهم:

"الله جل شأنه ليس له شبه ولا مثال، وإنما أشار بقوله هذا أن الإنسان ذو ثلاث خواص: أعنى ذا عقل ونطق وروح". (صلاة الإكليل).

هذه هي الشركة في خواص الله، فميزه عن بقية المخلوقات بالعقل والنطق والروح، وأصبحت يا أخي صاحب هذا الامتياز الإلهي!.



( ب ) شركة سلطانه:

هذا هو امتياز آخر أعطاه الله للإنسان عند خلقته، فيقول الكتاب: "قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض .. فخلق الله الإنسان .. وباركهم الله وقال لهم .. املأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك26:1-28).



هذه هي محبة الله يا أخي التي تريد إسعاد الإنسان فيعطيه من سلطانه ليتسلط على كل الأرض.

تأمل هذا الامتياز يا أخي! فهل أنت متسلط فعلا على كل الأرض؟ أم أن كل ما في الأرض متسلط عليك؟!.



( جـ ) شركة مجده:

فبطرس الرسول يقول "دعانا إلى مجده الأبدي" (بط10:5). ولهذا يكتب أيضاً قائلا: "أنا الشيخ .. شريك المجد العتيد أن يعلن" (1بط1:5).



تأمل يا أخي فان الله لم يخلقك لتمجده، بل خلقك ليمجدك. "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم .. فهؤلاء مجدهم أيضاً".(29:8،30).

أنظر أي امتياز أعطاك الرب ؟؟.



( د ) شركة طبيعته:

معلمنا بطرس الرسول يقول "قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية". (2بط4:1).

هذا هو اسمي امتياز يهبه الله للإنسان، إذ أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له فقد تشارك في الجسد البشرى ليشركنا في الروح الإلهي "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم" (1كو16:3).



هل تبينت إذن يا أخي غاية خلقة الإنسان؟ أرأيت كيف أن الله المحب الصالح أراد لحفنة من التراب "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية".(تك7:2). أراد لهذه الحفنة الترابية أن تتمتع بخيراته وأمجاده، فدبر لها كل عوامل سعادتها؟.

أفيبقي لك اعتراض بعد ؟!.

ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني ؟!.

شكراً لله الذي يحتمل غباوتنا كثيراً ..



ثالثاً:- موقفـك من الله:

إزاء هذا الحب الأبوي ماذا ينبغي أن يكون موقفك من الله ؟. صدقني يا أخي المبارك لو أدركت مشاعر الله من نحوك، وتفطنت إلى عمق محبته لك لذابت نفسك فيه وسبى قلبك في حبه.

ولكن دعنا نوضح بالتفصيل ما ينبغي أن يكون عليه موقفك من حبيب الروح.



1- التمتع بعشرته:

آه يا أخي المبارك لو تلامس قلبك بتيار المحبة العلوي لسرى في جسدك شعاع نوراني يلقى بك في مجال الجاذبية العميق الذي لا تعود عنه تطيق انفصالا.

سباني بحبه سبيا عميقاً فما عدت عنه أطيق انفصالا



حبيبي ستختبر بنفسك ما اختبرته العروس من قبلك فأنشدت قائلة: كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين، تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي .. اسندوني بأقراص الزبيب أنعشوني بالتفاح فانى مريضة حباً شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني". (نش3:2-6).

آه يا مبارك لو انفتحت عيناك لترى، وانفتح قلبك لتشعر بنيران المحبة الإلهية لصرخت في الحال قائلا: "اجعلني كخاتم على قلبك. كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت. الغيرة قاسية كالهاوية. لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها" (نش6:8،7).

هل لك عشرة ممتعة مع الحبيب؟ إن لم . فلم لا؟!.

أخشى وكل ما أخشاه أن تكون متعتك هي في الخطية؟!.



2- الشكر على نعمته:

متى أدركت أن وجودك هي نعمة قد أسبغها الرب عليك، ليمتعك بخيراته وإحساناته وأمجاده، سيلهج قلبك حمداً وشكراً معدداً إحسانات الرب إليك فتقول مع داود النبي:

" باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته ..

الذي يغفر جميع ذنوبك ..

الذي يشفي كل أمراضــك ..

الذي يفدي من الحفرة حياتك ..

الذي يكللك بالرحمة والرأفـة ..

الذي يشبع بالخير عمــرك ..

فيتجدد مثل النسـر شبابــك .." (مز1:103-5).



إن القلب الذي يدرك محبة الله يجد أن كل ما خلق إنما خلق من أجله هو. هذا ما شعر به القديس إغريغوريوس فعدد في قداسه قائلا:

"أقمت السماء لي سقفــاً ..

وثبت لي الأرض لأمشى عليها ..

من أجلي ألجمت البحر ..

من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان ..

أخضعت كل شئ تحت قدمي ..

لم تدعني معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك ..

أنت الذي جبلتني ووضعت يدك على ..

ورسمت في صورة سلطانك ..

ووضعت في موهبة النطق ..

وفتحت لي الفردوس لأتنعم .."

وعندما يرى الإنسان أن كل ما خلق من أجله تزداد تشكراته لمجد الله.

"لأن جميع الأشياء هي من أجلكم لكي تكون النعمة وهي قد كثرت بالا كثرين تزيد الشكر لمجد الله".(2كو15:4).



3- تمجيد عظمته:

اللحظة التي فيها تتلاقى مع الله وترى عجائبه وتلمس يمينه الحافظة وذراعه المخلصة وقلبه المفعم بالمحبة، ينطلق لسانك بأناشيد التمجيد، فتصرخ مع موسى النبي قائلا: "الرب قوتي ونشيدي،

وقد صار لي خلاصي،

هذا إلهي فأمجده،

إله أبى فأرفعه". (خر2:15).

فيصبح التمجيد إذن ليس واجباً أو فرضاً، وإنما مظهر من مظاهر التمتع بعشرة الرب والإحساس بنعمته.

ولا يقتصر تمجيدك على مجرد الترنم به وإنما ستجد نفسك مدفوعاً:

"لتخبر بين الأمم بمجده".(مز3:96). حتى يصير للجميع شركة معك.

أخي الحبيب .. هل أنت حقاً بتكريس تام تمجد الله في جسدك وفي روحك؟

"مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله".(1كو20:6).