رد على كتاب قصة لخلق

الخاصة   قصة الخلق ما بين التوراة ومعتقدات الشعوب الأخرى



      مقدمة


          ذلك البحث والذي هو ربما نواة لدراسة أعمق وأشمل ليس هدفه الوصول إلى أصل الكون من خلال النصوص التوراتية.. وليس محاولة  لإثبات صحة النواحي العلمية للكتابة التوراتية، فكاتب البحث في وضعه الحالي غير مؤهل لمثل هذه الدراسة في الوقت الحالي الذي لا يزيد عن بضعة أيام عليه أن يقدم فيها بحثه.  ولكن ذلك البحث هو محاولة بسيطة في قراءة أفكار..



 السومريين والبابليين وربما بعض الديانات البدائية الأخرى .. ومحاولة الرد على ذلك الادعاء  بأن التوراة  هي واحدة من الصور المأخوذة عن تلك الصور الأخرى التي لدينا في موضوع أصل الكون.

فمن الواضح أن نقاد التوراة حاولوا فلسفة الأمور وإيجاد الكثير من التبريرات  في محاولتهم نفي صفة وجود جانب إلهي في التوراة وهو ما نسميه نحن الوحي.
فعلى سبيل المثال المؤلف جان بوتيري في كتابه (ولادة اله) يقول " عمل الخالق يتم على ثماني دفعات ولكنه يضطر إلى ضغطه ليصبح ستة فقط وذلك ليكون اليوم السابع يوم راحة الإله. وذلك لأن ديانة إسرائيل تقضي بستة أيام عمل ويوم سابع للراحة والعبادة (خروج 20: 2) وهكذا يبدوا أن المؤلف أراد أن يطبق القاعدة  على سلوك  الله نفسة بغية إعطائها قيمة كونية إن صح القول"

[1]
   ونلاحظ هنا استبدال الأولويات التي فعلها الكاتب فجعل البداية هي عمل شعب اسرائيل ستة أيام والسابع راحة وجعل هذا مبرر لأن الله خلق العالم في ستة أيام كقول التوراة وبهذا يكون قد قرأ التوراة بالعكس. ونفس الكاتب الذي يضع علامات استفهام كثيرة في فهمه لأقوال التوراة فيقول " الفصول الأولى من التكوين: هذا النور الذي سبق وجود النيرات (1: 3، 14 ) هذه  الشجرة في وسط البستان وأثمارها الممنوعة (2: 9) ضلع آدم التي تعرضت للهزء والسخرية (2: 21) الحية المخادعة (1:3) وهذا الطوفان الشهير والسفينة والحيوانات.... هناك ألف سؤال آخر يبقى غامضا حول أمور أساسية"

[2] 
وكاتب البحث لن يدعي أنه سيرد على كل هذه الأمور أو حتى يحاول إيجاد حلول لها ولكنه سيحاول أن يلخص أفكار السومريين كمثال لقصة الخلق.. ويضعها في الميزان مع قصة سفر التكوين في محاولة للمقارنة والرد على تساؤل وحيد هل المرجع الأساسي لقصة الخلق في الكتاب المقدس هي تلك الكتابات السابقة  ( حتى وان تشابهت) أم أن هناك عنصر آخر موجود في التوراة وغير موجود في تلك الكتابات السابقة؟ .. وهذا العنصر هو الوحي الالهي.. وهذا هو التساؤل الوحيد الذي سيحاول كاتب البحث الرد عليه..   مسرحية الخلق عند السامريين   يعرض الكاتب سيد القمني  قصة الخلق وتكوين العالم  عند السومريين في فصل كامل من كتابه  (منابع سفر التكوين وقصة الخلق) وفي هذا الفصل يعطينا كاتبنا بعض المعلومات الهامة عن المجتمع السومري وعن الآلهة المعبودة .. ثم يعطينا فكرة هذا المجتمع عن كيفية التكوين الكوني والكائني .. ثم مفهومهم عن الخطية والسقوط والعالم التحت أرضي.   ولكن هناك ملحوظة هامة جدا.. إن ما كتبه كاتبنا سيد القممني هو تجميع للوحات ومعتقدات من شتات مختلف وأعطاه لنا محاولا أن يقول أنه سفر تكوين سومري كما لو كان يريد إيهامنا أنه يوجد سفر على غرار سفر التكوين يحكي قصة البدايات ولكنه في سياق حديثه يعترف بعدم وجود ذلك السفر.. فلا تجعل التسمية تشتت  ذهنك .. وسأحاول أن الخص في سطور قليلة هذه المفاهيم كلها موقع هذا المجتمع هو ما بين النهرين.. ولن نتحدث عن أصوله وجذوره التي هي محل جدل وعدم اتفاق  كما إن تطور هذا المجتمع يرجع إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.. ومن هنا يؤرخ كاتبنا بداية الحضارة السومرية التي نمت طوال 500 عاما تسير في طريقها قدما مع تبادل الفكر والثقافة واهم المآثر الدينية لديهم.. ابتكروا الكتابة المسمارية وادمجوا مجموعة الآلهة المختلفة على نحو رائع. فكان لهذا الدمج أثره العميق على شعوب الشرق الأدنى ... إضافة إلى نفاذ الشيء الكثير من هذه المفاهيم الروحية والدينية إلى عالمنا المتمدن عن طريق الديانات السماوية ‍‍‍‍‍‍ (وهذا رأي الكاتب بالطبع) الآلهة:  كانت توجد آلهة متعددة في المجتمع السومري  على النحو التالي ·   آلهة مقررة المصائر وعددهم سبعة ·   الآلهة العظام وعددهم خمسون ·   ويوجد ثالثوين من آب وابن وأم في الآلهة العظام السبعة ويبقى واحد بمفرده هو آن كي اله الماء فريدا ·  

الثالوث الأول   (ان – كي جي – انليل  ) هي الآلهة المشاركة في الخلق ·
 الثالوث الثاني وهو ( الشمس – القمر – الزهرة) وقد بدأ صاحبنا في محاولة فهم كل آلهة على حدة ودوره في الخلق بحسب الفكر السومري .. ولكن هناك سؤال يطرح نفسه وإن كان خارج الموضوع__ هل هناك فرق بين هذه المثلثات والثالوث المسيحي؟.

       لقد تعود الكتاب الذين لا يؤمنون بالثالوث تثليث آلهة الوثنين حتى ولو لم تكن هناك ضرورة لذلك.. انهم دائما يحبون تقديم الآلهة مثلثة .. هل تعرف لماذا؟؟ حتى يظن القارئ أن الثالوث المسيحي هو مقارب أو مأخوذ عن تلك الأفكار.. ولكن ببساطة هناك اختلاف كلي وجزئي بين عقيدة الثالوث المسيحي وأي ثالوث آخر..

ثم يحاول أن يقدم لنا تفكير السومريين عن الخلق الكوني ..وفي الواقع هو يقدم لنا في هذا المجال كيفية خلق الآلهة فنراه   يبدأ بالميلاد المائي كبداية للخلق .. ويلي ذلك انفصال الماء عن اليابس.. وظهور اله الشمس....الخ ومن عبد ذلك يرينا كيفية الخلق الكائني وقد أصر السومريين على أن الخلق قد تم باستخدام الطين  ليعطينا أول مخلوق طيني والذي كان اسمه عندهم انسي (آدم) والذي يعتبره السومريين واحد من الآلهة وأول إنسان ...

  مسرحية الخلق عند البابليين لا يريد كاتب البحث  تكرار نفس العملية بكتابات مكررة، فكاتب البحث يرى أن المبدأ الذي عليه نشأت كل تلك القصص واحد.. الهة تريد أن تخلق بشرا لكي يساعدوها في الأعمال فتكون النتيجة الانسان.. ذلك الانسان الذي من أجله تخلق آلهة جديدة لرعايته..  وهكذا مع نفس الاهة المصرية وكل المعتقدات البدائية الأخرى تتساوى في نفس التفكير مع اختلاف  الدراما المكونة لتلك القصة. 

   عناصر الاختلاف بين التكوين وما قبله من حضارات على الرغم من وجود تلك الافتراضات المسبقة بوجود مادة أساسية يأخذها سفر التكوين من العبادات الأخرى ولكن توجد عناصر اختلاف يصر عليها سفر التكوين بإصرار شديد وهذه الأمور واضحة جدا منها :-

(1) الله الواحد الخالق.. ففي سفر التكوين لا يوجد تعددية فمنذ البدء لا يوجد سوى اله واحد.. وذلك الإله هو خالق كل شئ بينما نجد الأساطير تحكي لنا قصص شتى عن تعدد أنواع الآلهة

(2) ذلك الإله طاهر وبار وقدوس.. بينما نجد الآلهة الوثنية دنسة وتحب الخطية وتمارسها كما تشرب الماء

(3) كلي القدرة .. بينما الآلهة الوثنية تحاول وتفشل وتحاول من جديد مرات ومرات حتى تنجح في النهاية.. خليقتها غير كاملة بينما يصف سفر التكوين ما فعله الله ليجده حسن جدا.. نجد الآلهة الوثنية تتعارك وتتطاحن بينما الله ثابت ومحب لذاته كما هو أيضا محب لخليقته

(4)  على الرغم من وصف سفر التكوين لله أنه ارتاح إلا انه من الواضح جدا إن سياق الحديث عن الله تجعله يختلف عن تلك الإلهة الأخرى التي تتعب وتنزعج من ضجيج الانسان.. وتضيق نفسها بشكواه وما الى ذلك.. فالله كثير الرحمة وبطئ الغضب تساؤلات أساسية  

        هل توجد مراجع لسفر التكوين هل نرفض تماما فكرة وجود مراجع لسفر التكوين ساهمت في نشأته ووصوله بهذا الشكل؟ بمعنى هل وجود مراجع لسفر التكوين من الكتابات السابقة ينفي ويتعارض مع طونه وحي الهي..؟ بالتأكيد لا .. فمن المعقول جدا أن يكون سفر التكوين له مراجع من كتابات الاولين, ولكن بعد تهزيبها وقبول الصحيح منها.. ويقول بولس الفغالي " روى الكاتب الملهم بداية الكون  والبشرية فاستقى معلوماته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من عالم الشرق القديم، ولا سيما من مصر وبلاد الرافدين ومنطقة الفينيقيين والكنعانيين والاكتشافات الأثرية التي تم العثور عليها منذ القرن الماضي تدل على القرابة بين صفحات سفر التكوين الأولى وأناشيد عالم الشرق. ويبدوا الأمر طبيعيا عندما نعرف أن الأرض التي أقام فيها بنو اسرائيل انفتحت على التأثير الخارجي. وإن شعب الله اتصل عبر تاريخه بشعوب الشرق ولكن هذه الاكتشافات بينت لنا أيضا أن الكاتب الملهم لم يتبع المصادر التي أخذ منها بطريقة حرفية بل أعاد صياغة معلوماته بحسب تقاليد شعبه مشددا على إيمانه بالله الواحد. فيمكننا مثلا أن نقابل بين خلق العالم على يد الإله مردوك والخالق بيد يهوة"

[3]   هل الاقتباسات تنفي الوحي يبدوا لي أن مفهوم الوحي يشكل مشكلة وعائقا فكريا لا يمكن إنكاره.. لذلك يجب على كاتب البحث أن يحاول أن يعطي مفهوما للوحي ويقول بولس الفغالي " كلمة الله في الكتاب ليست صوتا يمر عبر الأذن ليرسل إلى العقل فكرة مجردة، بل هي قوة فاعلة تأتي ( قض 13: 12، 17) فتتم أمر الله ( 1مل 2: 27) . أن كلمة الله قائمة  بذاتها وهي تدوم إلى الأبد(أش40: 8)  يرسلها الله إلى العالم ولا تعود إليه قبل أن تتم ما أمرها به (أش 55: 11) هي قوة خلاقة تتوجه بحسب مخطط الله"

[4] ويعود الأب بولس الفغالي  فيفهمنا مفهوم الوحي فيقول " الله لا يوحي الينا في الكتاب بمشاهد رمزية  تنتقل إلينا عبر رؤى خيالية، ولا يوحي إلينا بآيات ينطق بها في أذن نبيه ليوصلها حرفيا إلى شعبه، والوحي ليست مجموعة حقائق مجردة نتقبلها بشكل تعليم منظم أو نظرية فلسفية أو منهج لاهوتي. إن الله يوحي إلينا بذاته كشخص حي كخالق للكون ومنظم له ( أش 45: 12) .. في الوحي يكشف الله الغطاء عما كان مخبأ عن البشر وينشر ما كان مغطى في ذاته.. إن الوحي أعطى لشعب كامل عبر أشخاص متعددين عاشوا في أزمنة مختلفة وخبروا اللقاء الشخص بالله"

[5] ومن هذه المفاهيم نجد علينا أن نقبل ما يلي:
 (1) الوحي لا ينفي الصفة الشخصية للموحى به
(2)      أسلوب الموحى به يظهر جليا من الكتابة وكذلك ثقافته وتراكماته الفكرية السابقة
(3)      يمكن أن يستخدم الشخص الموحي به التعبيرات السابقة والموازية لحضارته ويمكن استخدام الحكمة السائدة من حضارته والشعر الذي قبل حضارته ويمكن استخدام الحكمة السائدة في حضارته والشعر الذي قبل في حضارته بعد تنقيته من الأخطاء والشوائب
(4)      قصة الخليقة هي خير  دليل على ذلك  فالكاتب كانت لديه كثير من التراكمات الوثنية لقصة الخلق لم يخدع بها.. وعلى الرغم من التشابه إلا أنه لم يخطئ أبدا في أن ينسب كل الخليقة لله.. وهذا من فعل الوحي الإلهي. يمكن القول أن كل الأفكار والأساطير الوثنية تجاه موضوع الألوهية والخليقة هي محاولات اكتشاف ما بداخل أعماق النفس الإنسانية من حقائق تراكمية توارثها منذ أن خلق. فإذا رأينا على سبيل المثال محاولات تثليث إلهية فمن الخطأ أن نقول أن المسيحية أخذت فكرة التثليث عنها.. ولكنها فكرة تحاول أن تفسر حقيقة في أعماق الإنسان ولكن عدم وجود الوحي جعله يعبر عنها بكيفية خاطئة.. لتجئ المسيحية وتضع الفكرة في مسارها الصحيح وتهذبها وتنزع عنها التعددية وذلك باستخدام الوحي المقدس المعطى لاناس الله القديسين المسوقين بالروح القدس. وكذلك فكرة الخلق التي تشابهت –بعض التشابه – مع السومريين والبابليين ليجئ الكاتب الملهم في سفر التكوين ويهذبها ويوجهها في المسار الصحيح وذلك بفعل الوحي الإلهي.


          الختام - هل نستطيع أن نتأكد من أي نظرية لتكوين العالم تأتي علينا الكثير من المقالات التي تقول أن العلم الحديث يثبت عدم صحة الكتاب المقدس وفي مقدمة الأدلة تكون نشأة الكون.. ذلك الأمر الذي يؤكد أننا انتهينا من كل دراساتنا ووصلنا إلى الإثبات النهائي لنظرية تكوين العالم.. فهل هذا ما حدث فعلا؟

بالتأكيد لا فهناك آلاف النظريات التي ترى  أسلوب تكوين الكون.. وكلها تتعارض مع بعضها بشكل كبير ..
وفي النهاية لن نجد إجابة تؤكد البداية لتكوين الكون في عالمنا هذا.. ربما في السماء سوف نعرف.. فكل هذه النظريات تبقى مجرد نظريات.. لذلك علينا ان نبعد هذا الموضوع عن دائرة النقد لأنه ببساطة لا يمكن إثبات عكسه بأي حال من الأحوال.. كما أن هذه النظرية هي نظرية مقبولة في ترتيب الكون وترتيب خلقه.. فلماذا نريد  إنكارها ؟    
[1] جانبوتيرور. ولادة اله. 25
[2] ولادة اله 13
[3] بولس الفغالي. سفر التكوين. 15
[4] بولس الفغالي. المدخل إلى الكتاب المقدس. جزء 1 24
[5] المرجع السابق

شبكة الحب الإلهي

الصفحة الرئيسية