قراءة نقدية للإسلام

خاص لــ كتابات كتاب ينشر لأول مرة

كتابات - الدكتور كامل النجار

المقدمة

ترددت كثيراً قبل ان أكتب هذا الكتاب لأني أخشى ان تثور عليّ عقولٌ قد حكم عليها علماء المسلمين بالتحجر من قبل ستمائة عامٍ لما أغلقوا باب ألاجتهاد في القرن الرابع عشر. ومنذ ذلك الحين لم يتجرأ أحد أن يقرأ القرآن قراءة نقدية لأنه سوف يُرمى بألالحاد والهرطقة كما رُمى غيره، ولن يكون مصيره أحسن حالاً ممن سبقوه. ففي العصر الحديث هناك عدة كُتّاب وباحثين اصابهم الاذى من المتشددين عندما حاولوا دراسة الاسلام دراسة نقدية. فالكاتب الايراني علي الدشتي سجنه الخميني لمدة ثلاثة سنوات ومات في ظروف غامضة إثر نشر كتابه " ثلاثة وعشرون عاماً 23 Years " الذي انتقد فيه الاسلام. وفي مصر عندما قال الشيخ علي عبد الرزاق الذي كان استاذاً بالجامع الازهر، يجب فصل الدين عن الدولة، قامت الدنيا ولم تقعد حتى تكونت لجنة من العلماء الاسلاميين لمحاكمتة في عام 1925 ، واصدرت حكمها بإدانة عبد الرزاق وفصله من منصبه بالجامع الازهر ومنعه من تقلد أي منصب ديني في البلاد. [1] وحتى الدكتور طه حسين عندما علق على بعض النقاط في القرآن في كتابه " الشعر الجاهلي"، ثارت ثورة المتعصبين حتى طُرد الدكتور طه حسين من جميع مناصبه الحكومية. وفي السودان عندما أنشأ الاستاذ محمود محمد طه حزب " ألاخوان الجمهوريين" وحاول تقليل دور الشريعة في قوانين الدولة، اتهموه بالالحاد وحرقوا كتبه. ولما قال الاستاذ محمود محمد طه انه وصل مرحلةً من العلم جعلت الفرائض العادية كالصلاة لا تنطبق عليه، وهي نفس المقولة التي قالها الصوفيون في القرن الحادي عشر، وجد الاسلاميون فرصتهم سانحة فحكموا عليه بالاعدام وشنقوه عام 1985

وإذا رجعنا الى ما يسمى بالعصر الذهبي للاسلام، وهو عصر الدولة العباسية، وقبله لفترة وجيزه، الدولة الاموية، نجد ان الذين تجرأوا وانتقدوا الاسلام لاقوا نفس المصير الذي لاقاه المتنورون في العصر الحديث. فعندما اعتلى الخليفة المامون العرش، تبني افكار المعتزلة وقال ان القرآن مخلوق، وجعل اجهزة الدولة تُملي هذا الرأي على العلماء. ولكن عندما تولى المتوكل زمام الامور في عام 847 أصدر أوامره بعقاب كل من يقول ان القرآن مخلوق. وسرعان ما أمسك الرجعيون بهذه الذريعة ورموا كل من تجرأ واظهر اي رأي مخالف لهم بالزندقة. وحتى في الدولة الاموية اتهموا المتنورين بالزندقة وقتلوهم. وكان أول من قتلوه بتهمة الزندقة رجل يُدعى جاد بن درهم، قُتل بأمر الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك عام 742 . وكانت جريمة هذا الرجل انه قال ان الله لم يكلم موسى ولم يتخذ ابراهيم خليلاً. وفي عهد الخليفة العباسي المنصور بدأت محاكم التفتيش ضد الزنادقة، وعينوا مفتشاً عاماً كان يُعرف باسم " صاحب الزنادقة". وفي هذه الفترة قتلوا كل من شكوا فيه، وكان من جملة الذين قُتلوا أبن المقفع الذي كان قد انتقد الاسلام ورسوله محمد، وكذلك أبن أبي العوجاء. [2] وكذلك الشاعر بشار بن بُرد الذي قُتل عام 784، وصالح بن عبد القدوس الذي قتُل عام 783. وأبو عيسى محمد بن هارون الوراق نفوه الى الاهواز ومات بها عام 909 . وأخيراً وليس آخراً حسين بن منصور(الحلاج) وقد كان متصوفاً يحب الذات العليا ويكاد يندمج معها من كثرة حبه لها. دعاه هذا الحب الى ان يقول " أنا الحق". وبما أن الحق اسم من اسماء الله الحسنى، أتهموا الحلاج بالزندقة وحكموا عليه بالصلب. وعندما رأى الصليب منصوباً والناس متجمهرة حوله قال، مخاطباً الله: " وهولاء عبيدك الذين اجتمعوا هنا اليوم لقتلي دفاعاً عن دينك وطمعاً في كسب اجرك، أغفر لهم يا ربي واغدق عليهم رحمتك". [3]

والتعصب الديني ليس وقفاً على الاسلام، ففي العام 399 قبل الميلاد عندما كانت أثينا باليونان مركزاً للآلهة اليونانيين الذين سكنوا " ألاكروبوليس"، حكمت محكمةٌ في أثينا على سقراط، أعظم الفلاسفة على ألاطلاق، بأن يشرب السم ويموت لانه لم يؤمن بآلهتهم الذين كانوا يسكرون ويتشاجرون فيما بينهم، تماماً كما كان يفعل الاثينيون أنفسهم. ومات سقراط مسموماً.

وفي القرن السادس عشر بعد الميلاد عمّت اوربا المسيحية موجةٌ من التعصب الكنيسي لم يسبق لها مثيل. وتبارت المدن في إنشاء محاكم التفتيش التي كانت قد ابتدأت في إسبانيا. وفي العام 1553 تمت إدانة طبيب إسباني كان يعمل في سويسرا بالهرطقة. أسم هذا الطبيب هو ميكائيل سرفيتيوس.حكموا عليه بأن يُحرق حياً لأنه رفض ان يؤمن بتعميد الأطفال " ??? Christening " وبالثالوث " الله والابن والروح القدس". ونُفذ الحكم يوم 27 أكتوبر 1553.

وفرنسا التي نقول عنها داعرة، كانت في قبضة محاكم التفتيش كذلك. ولما شعر رجال الكنيسة في فرنسا أن سويسرا قد فازت بجائزة حرق سرفيتيوس، صنعوا تمثالاً لسرفيتيوس وحرقوه حتى لا يفوتهم أجر حرق الملحدين. وقام زعيمهم " ميلانكتون" وخطب فيهم وحمد الله على معاقبة هذا الرجل الملحد وقال إن حرقه يدل على ورع أهل سويسرا. شخص واحد فقط تجرأ على الدفاع عن سرفيتيوس وهو " جوريس البازلي" ولكنه نشر دفاعه تحت أسمٍ مستعار. ولما توفى جوريس واكتشفوا انه هو الذي دافع عن سرفيتيوس، نبشوا قبره واخرجوا جثته وحرقوها عام 1566.

وفي الشام كانت هناك فيلسوفة وثنية أسمها هيبا شيا الاسكندارية كانت تعلم الناس الافلاطونية المحدثة ورفضت تهديدات الاسقف كيرلس لها لتعتنق المسيحية. فسلط الاسقف عليها زبانيته من الرهبان والجنود في جيش الكنيسة، فترصدوا بالفيلسوفة وانتزعوها من عربتها وسحبوها الى كنيسة قيصرون وراحوا يلهون بتجريدها من ملابسها ثم جروها الى الشارع ورجموها بالحجارة فلما اصبحت جثة هامدة مثلوا بها أشنع تمثيل إذ قطعوها إرباً وألقوا بعض أشلائها طعماً للنيران، ودفنوا ما بقى من أشلاء في مكان خرب. [4]

وعلماء المسلمين لم يكونوا أقل ورعاً عن زملائهم السويسريين، فحرقوا المفكرين بحجة الزندقة، كما رأينا. والمأساة الحقيقية أن كل رجال الدين من أغريق وفرنسيين واسبانيين وغيرهم وضعوا نصب أعينهم صخرةً ضخمة تمثل في أذهانهم الدين الحق الذي لا يتغير ولا يتطور. وفات عليهم أن يروا ما بداخل الصخرة. ويُحكى أن طفلاً مر على نحّات كان يتأمل صخرةً من الجرانيت، وقال الطفل للنحات: ما الذي تبحث عنه؟ فقال له النحات: أصبر بضعة أيام وسوف تعرف. وبعد مرور عدة أيام رجع الطفل للصخرة وراى مكانها تمثالاً لحصان. وأُعجب الطفل بالحصان وظل يتأمله لفترةٍ ثم قال للنحات: إنه حقاً حصانٌ جميل، ولكن كيف عرفت انه كان داخل الصخرة.

لا نحتاج أن نقول أن عاصفة محاكم التفتيش والتزمت الديني التي اجتاحت اوربا في القرون الوسطى قد ماتت وانقشع غمامها ولم يعد الدين في أوربا فرضاً على الناس ولم يعد رجال الدين فؤوساً مسلطةً على رقاب الناس. ألاوربيون الان يعتقدون أن الدين مسألةٌ شخصية بين الانسان وربه ولا دخل للدولة فيها ولا لرجال الدين في الدولة. وفي المستقبل الذي قد يكون بعيداً ستنقشع غمامةُ التعصب الديني عن الاسلام والمسلمين، ويكتشف المسلمون عقولهم ويبدأون عملية التفكير في الدين ونقد ما لم يكن مسموحاً لهم بنقده. وبذا يتخلصون من العقلية التي سمحت ل "الطلبان" بإرجاع أفغانستان أربعة عشر قرناً للوراء، وانجبت لنا منظمة " القاعدة" التي جعلت حياة المسلمين في أمريكا وأوروبا كحياة المجرمين الذين لا يتجرأون على دخول اي من مطارات العالم خوف الذلة التي يتعرضون لها.

لا بد وأن يتبادر إلى ذهن القارئ والناقد على حد سواء، سؤال مهم ألا وهو: لماذا هذا الكتاب؟ أهو من أجل الشهرة حسب قاعدة خالف تُعرف؟ أم من أجل الثراء السريع؟ أما الإسلامي الأصولي المتشدد فلابد وأن يذهب إلى أبعد من ذلك ويُقسم ان هذا الكتاب جزءٌ من المؤامرة التي تقودها القوى الصليبية والإمبريالية والاستعمارية والصهيونية على الإسلام والمسلمين!!

وجوابي على هؤلاء، بالتأكيد ليس من أجل الشهرة لأني أخشى الشهرة في مثل هذه الظروف. كذلك ليس للثراء ، لأن الكاتب العربي لا يمكن أن يحقق أي ثروة من نشر كتاباته إلا ما ندر، بل غالباً ما يدفع المؤلف تكاليف الطباعة والنشر من جيبه دون أي ربح مادي. ولكن السبب الحقيقي لنشر الكتاب هو أبعد من ذلك، ألا وهو ما يشعر به المثقف الواعي من مسئولية إخلاقية وعلمية وتاريخية إزاء الأمة والإنسانية، خاصة عندما يرى الأمة مهددة بالإنقراض بينما الأمم الأخرى تحث الخطى في سباق مستمر نحو التقدم السريع في عصر العولمة والتكنولوجية المتطورة والثورة المعلوماتية المدهشة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، في الوقت الذي يحاول السلفيون المتشددون وضع المسلمين في شرنقة السلفية وعزلهم عن العالم والعودة بهم بالقوة إلى الوراء، إلى العصور الغابرة باسم الإسلام النقي أيام السلف الصالح كما حصل في أفغانستان أيام حكم الطالبان.

نعم أن العالم العربي يمر في مرحلة عصيبة، ولكن من المسئول عن هذه المحنة التي يمر بها العرب والمسلمون عامةً؟ لا شك أنها من صنع العرب والمسلمين أنفسهم ورغبتهم العارمة بالرجوع بانفسهم الى عصر الاسلام الذهبي قبل اربعة عشر قرناً من الزمان. وقاد هذا الهوس بالماضي الجماعات السلفية الي تنفيذ فاجعة 11 سبتمر عام 2001 التي جعلت الإسلام مرادفاً للإرهاب والمسلم مرادفاً للإرهابي، وقسّموا العالم إلى معسكرين متناحرين في رأيهم: (إما فسطاط الإيمان أو فسطاط الكفر.. وإما نحن وإما هم ولا يمكن التعايش بينهما!!) على غرار بعض المتشددين الغربين الذين قالوا: (الغربُ غربٌ والشرقُ شرقٌ ولا يلتقيان). وهذه النزعة الإنتحارية هي ضد الإنسانية والحضارة العالمية، ناهيك عن تناقضها تماماً مع روح الاديان وجوهرها.

إن القوة الدافعة وراء المتطرفين لإرتكاب ما يرتكبون من فظائع هي إعتقادهم بأن سبب تدهور الأمة في الوقت الراهن ناتج عن تخلي المسلمين عن الإسلام النقي!! والعلاج لعلتنا في رأيهم يكمن في العودة إلى التعاليم الإسلامية الأصولية المتشددة كما كان في عهد الخفاء الراشدين.

نعم، لقد جاء الإسلام في وقت كان العرب فيه مشتتين إلى قبائل متناحرة في حروب وغزوات مستمرة، لا يشعرون بالتقارب فيما بينهم ويعبدون الأصنام، فلكل قبيلة صنمها. واستطاع محمد بن عبدالله، بعد جهد جهيد وغزوات متعددة، ان يتخلص من اصنامهم ويوحد هذه القبائل العربية المتناحرة بتوحيد معبودهم وتكوين دولة قوية منهم ذات شكيمة وجيش جرار احتلت بهما العالم من أسبانيا إلى الهند والسند وأجزاءً من الصين. ونتيجة لهذا التلاقح بين الحضارات السابقة وعرب الجزيزة، الذين اتاح لهم استعمارهم للدول الاوربية والاسيوية فرصة الاختلاط بهذه الشعوب والتعرف على حضاراتهم، حصلت القفزة النوعية في التقدم الحضاري في العصر الإسلامي العباسي كان من نتيجتها ما يسمى بالحضارة الإسلامية المتقدمة التي بلغت عصرها الذهبي في عصر الخليفة هارون الرشيد.

ولكن هل كان عصر الخلفاء الراشدين عصراً اسلامياً ذهبياً كما يتوهم السلفيون؟ فاذا نظرنا لهذا العهد نجد ان الخلاف قد دب بين المسلمين بمجرد ان مات النبي. فنجد ان الانصار والمهاجرين أوشكوا ان يتقاتلوا بالسيوف علي من سيخلف الرسول، هل يكون من الانصار ام من المهاجرين. أراد ألانصار ان يبايعوا سعد بن عبادة، واراد المهاجرون ان يكون الخليفة منهم. ولما بايع عمر بن الخطاب أبا بكر قال المهاجرون لن نبايع الا علياً، واعتكف قادتهم في منزل علي بن ابي طالب . فذهب عمر بن الخطاب الى منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجالُ من المهاجرين، فقال لهم: والله لتخرجن للبيعة او لاحرقن عليكم البيت. فخرج عليه الزبير مسلطاً سيفه فعثر فسقط منه السيف، فوثبوا عليه واخذوه منه. [5]

و لما رسا ألاختيار على أبي بكر للخلافة أمتنع علي بن ابي طالب عن مبايعته لمدة ستة أشهر [6] ، لاعتقاده أن الخلافة يجب أن تكون في بيت رسول الله. وكذلك لما أختاروا عثمان بن عفان للخلافة، قال عليّ ان اختيار عثمان كان خدعةً، والسبب في ذلك ان عمرو بن العاص كان قد لقي علياً وقال له ان عبد الرحمن بن عوف، الموكل باختيار الخليفة، رجل مجتهد وانك ان اعطيته العزيمة زهد فيك ولكن اعطه الجهد والطاقة، يرغب فيك. ثم ذهب عمرو الى عثمان بن عفان وقال له: إن عبد الرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك على الخلافة الا بالعزيمة، فاقبل ما يقول لك. فلما وقف عبد الرحمن بن عوف في المسجد وسأل علياً: هل انت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل ابي بكر وعمر؟ قال علي: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي ( حسب ما أوصاه به عمرو بن العاص). فسأل عبد الرحمن بن عوف عثمان نفس السؤال فقال عثمان: نعم. فاختار عبد الرحمن بن عوف عثمان للخلافة. فخرج علي من المسجد وهو يقول: خدعةٌ وايما خدعة. [7]

ولم تكن هناك مساواة بين المسلمين كما يقول الاسلام. فلما اراد عمر توزيع بيت المال، أعطى العباس، عم النبي، خمسة وعشرين ألف دينار واعطى لكل واحد من الذين شهدوا ( حاربوا في) موقعة بدر خمسة ألاف واهل القادسية والشام ( الذين حاربوا في هذه المواقع) ألفين، واعطى نساء النبي عشرة الاف لكلٍ الا اللائي كن ملك يمينه ( مثل صفية)، فقالت له نساء النبي ان النبي لم يكن يفرق بينهن، فساوى بينهن ولكن زاد عائشة ألفين لمحبتها عند الرسول. [8] فأين إذاَ حديث الرسول "المسلمون سواسية كأسنان المشط"؟ فهذا هو عمر، الخليفة العادل، يحابي أهل البيت ويفضل بعضهم عل بعض ويفضلهم على المسلمين الاخرين، رغم الحديث بتساويهم. أليست هذه النواة للفساد المالي الذي حدث في عهد الخليفة عثمان وما يحدث ألان في البلاد المحكومة اسلامياً كالسعودية والسودان؟ ففي خلافة عثمان صارت المحسوبية وصرف أموال بيت المال علي أقاربه من ألاشياء المألوفة، فقد ذكر محمد بن عمر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن أم بكر بنت المسور عن ابيها انه قال: قدمت أبل من أبل الصدقة الى عثمان فوهبها لبعض بني الحكم ( من بني أمية) من أقاربه. [9]

وقد حابى عثمان اقاربه في كل شئ حتى ثار عليه الناس فخرج يخطب فيهم الخطبة التي نزع فيها، فقال: أما بعد أيها الناس، فوالله ما عاب من عاب منكم شيئاً أجهله، وما جئت شيئاً الا وانا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني وضلّ عني رشدي، وسمعت رسول الله (ص) يقول: من زل فليتب ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، فأنا أول من أتعظ. أستغفر الله مما فعلت وأتوب اليه، فمثلي نزع وتاب. [10] وفي مرة اخرى عندما اجتمع الناس ببابه لاستيائهم منه، طلب من قريبه مروان بن الحكم ان يخرج للناس فيكلمهم لان عثمان قال انه يستحي ان يكلمهم. فخرج اليهم مروان وكلمهم فانصرفوا. ولما سمع علي بن أبي طالب بذلك جاء الى عثمان وقال له: لما رضيت من مروان ولا رضى منك الا بتجرفك عن دينك وعن عقلك كمثل جمل الظعينة، يقاد حيث يسار به.

ورغم استغفار عثمان الا انه استمر في احاطة نفسه ببطانة من اقاربه مما دعا جبلة بن عمرو الساعدي ان يقول له: والله لاطرحن هذه الجامعة في عنقك او لتتركن بطانتك هذه. فقال له عثمان: أي بطانة، فوالله إني لأتخير الناس. فقال له جبلة: مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر تخيرته! وعبد الله بن سعد تخيرته. منهم من اباح الرسول دمه. [11]

وحتى البغاء كان متفشيا في تلك الحقبة الذهبية. ففي سنة سبع عشرة ولى عمر ابا موسى الاشعري على البصرة وامره ان يُشخص اليه ( يرسل اليه)المغيرة، وكان المغيرة يختلف على ام جميل، أمرأة من بني هلال توفى عنها زوجها. وكانت ام جميل تغشى المغيرة وتغشى الامراء والاشراف، تبيع جسدها، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها. [12]

والسرقة كانت متفشية في المدينة في خلافة عمر بن الخطاب. فيحدثنا اهل الذكر ان عمر بن الخطاب جاء الى عبد الرحمن بن عوف في وقتٍ متأخر من الليل، فقال له عبد الرحمن: ما جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: رفقةٌ نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سُراق المدينة. [13] فالخليفة كان يعلم ان المدينة مليئة بالسارقين، رغم قطع الايدي.

والخلافات بين أصحاب رسول الله وأهل بيته كانت معروفة كذلك، فبعد وفاة الرسول أتت إبنته فاطمة الى أبي بكر ومعها جدها العباس، وطلبا منه ميراثهما من مال الرسول وهما حينئذ يطلبان أرضه في فدك وسهمه من خيبر، فقال لهما أبو بكر: أما إني سمعت رسول الله يقول: لا نُورث، ما تركنا فهو صدقةٌ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال. فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت، فدفنها عليّ ليلاً ولم يُؤذن بها أبو بكر. [14]

ويكفي أن نعرف أن كل الخلفاء الراشدين باستثناء أبي بكر ماتوا مقتولين بأيدي المسلمين. فأي عصر ذهبي هذا الذي يتحدثون عنه؟ أنه عصر لا يختلف عن عصرنا هذا، ففيه الخداع والغش والبغاء والسرقة والقتل الذي طال كل الخلفاء الراشدين انفسهم ما عدا واحداً منهم.

ولكن مشكلة السلفيين أنهم أحادي النظرة. لقد نسي هؤلاء أن الأمورَ مرهونةٌ بأوقاتها. فما هو صالح لأمراض زمان معين قد لا يكون صالحاً لأمراض زمان آخر. وقد أدرك الرسول هذه الحقيقة فقال: "أن علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، في كثرتهم واختلاف آرائهم. كما فتح باب الاجتهاد لأئمة المسلمين من بعده ليجدوا حلولاً للمشاكل المستجدة.

كذلك رأينا الخليفة عمر بن الخطاب قام بتغيير ما يقارب من أربعين مسألة كانت متبعة في عهد الرسول وعهد أبي بكرالصديق، وذلك حسب إجتهاده ولم يعترض عليه أحد. ومن هذه الإجتهادات: حرم عمر زواج المتعة وألغى حصة المؤلفة قلوبهم من غنائم الحرب.. وغيرهما. كذلك قال علي بن أبي طالب: (لا تربوا أبناءكم على عادات زمانكم لأنهم جاءوا لزمان غير زمانكم.) . من كل ذلك نفهم أن الإسلام أعترف بالتطور الحاصل في المجتمعات البشرية وأباح لأئمة المسلمين إجراء التغييرات حسب متطلبات المرحلة. ولكن الكارثة حصلت بعد غلق باب الإجتهاد والإبقاء على ما كان وجعل كل تغيير بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة صاحبها في النار.

وبالإضافة إلى دور غلق باب الإجتهاد في الإسلام في تخلف المسلمين، هناك سبب آخر لا يقل أهمية، ألا وهو حرمان المسلمين من النقد. فالنقد في الإسلام محرّم وكذلك سارت الحكومات العربية والإسلامية على منع الشعوب الإسلامية من ممارسة النقد وحرية التفكير والتعبير.

يقول كارل ماركس: " الدين هو تأوهات المخلوق المضطهد وسعادته المتخيلة، ونقد الدين هو نقد هذا الوادي من الدموع الملئ بالزهور الخيالية، والذي يمثل الدين الهالة الضوئية التي تحيط به. ونقد الدين يقتطف هذه الورود الخيالية التي يراها المضطهد في السلسال او الجنزير الذي يكبله، ولكن لا يفعل النقد ذلك ليحرم الرجل المضطهد من سعادته برؤية الزهور الخيالية، وإنما يفعل ذلك ليمكّن الانسان من التخلص من السلسال الذي يكبله حتى يستطيع الحركة بحرية ليقتطف الزهور الحقيقية " [15] .

وقد لعب منع النقد درواً كبيراً في تخلف العرب والمسلمين. ودفع المسلمون الأوائل، كما رأينا، ثمناً باهظاً بسبب نقدهم لبعض التعاليم الإسلامية أو حتى إجتهادهم في بعض المسائل المثيرة للجدل مثل قضية خلق القرآن عند المعتزلة. وهناك عدد كبير من المفكرين المسلمين تم إضطهادهم وقتلهم وحرق مؤلفاتهم مثل إبن الراوندي وأبي بكر الرازي والمعتزلة والأشاعرة وأخوان الصفا وغيرهم كثيرين، ولم تصل لنا من مؤلفاتهم إلا تلك النتف التي ذكرها خصومهم من إقتباسات من أجل الرد عليهم.

لذلك أعتقد أنه لا يمكن حصول أي تقدم في العالم الإسلامي ما لم نجيز النقد. ولعل هذا الكتاب هو الأول من نوعه باللغة العربية الذي يتناول الإسلام بقراءة نقدية علمية محايدة دون أي تطرف أو انحياز لأية جهة. وإني اعتمدت على المصادر الإسلامية الكلاسيكية المحترمة من قبل جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، في توضيح وإثبات هذا الرأي أو ذاك. ولكن رغم ذلك سيثور المتزمتون لانهم لا يعرفون التسامح مع الناقدين، وبالتالي سوف اتعرض في جوهر الكتاب الى عدم التسامح في الاسلام والى عدم احترام رأي الغير.

وهذا التزمت وعدم السماح بالنقد يطال حتى النظم السياسية في البلاد المسلمة، فمن المؤسف حقاً أنه لا توجد دولة إسلامية واحدة طبقت الديمقراطية الحقيقية في هذا العصر او العصور السابقة. فهذه شبه القارة الهندية كانت مستعمرة بريطانية لمدة أربعة قرون. وبعد الإستقلال عام 1948 أنفصل الجزء الذي تقطنه الأغلبية المسلمة ( باكستان) عن الهند. وفي البداية كانت باكستان دولة ديموقراطية مثلها مثل الهند، ولكن بعد فترة وجيزة من الزمن فشلت الديمقراطية في باكستان ونجحت في الهند حيث الأغلبية غير المسلمة. والفرق الوحديد بين الدولتين هو الدين. كذلك نلاحظ مقاومة المسلمين للديمقراطية وحقوق المرأة والحداثة رغم ان الاسلام يقول: وامرهم شورى بينهم. هذه الأمور يجب أن تنال إهتمام المفكرين العرب والمسلمين قبل فوات الأوان.

إنه من نافلة القول أن الغرب لم يحقق هذا التطور المذهل في الحضارة والتقدم العلمي والتكنولوجي والإقتصادي وفي مختلف الفنون ومجالات الحياة إلا بعزل السياسة عن الدين وإطلاق حرية الفكر والنقد والتعبير والنشر. وبذلك أعتقد جازماً، أنه إذا أراد العرب والمسلمون اللحاق بركب التطور الحضاري يجب عليهم أن يقتدوا بالغرب في عزل الدين عن الدولة وتبني الديمقراطية الغربية وحرية التفكير والتعبير وإلا سننقرض. وهناك مبدأ إسلامي يجيز ذلك وهو: (حاكم كافر عادل خير من حاكم مسلم جائر).

وإذا رجعنا لموضوع هذا الكتاب، فإني قسّمته الى عدة فصول، الفصل الاول يشرح فكرة نموء الاديان المختلفة، والفصل الثاني عن النبي محمد بن عبد الله، مولده, وطفولته، وبعثته وما شابه ذلك. ثم أتحدث في الفصل الذي يليه عن القرآن وما رأيت فيه من تناقض مع الفكر والعلم الحديث. ثم كان لا بد من الحديث عن المرأة في الاسلام لان المرأة الشرقية قد سجنها علماء الاسلام في عقر دارها وتحت برقعها كل هذه القرون ومنعوا الدول من مساهمتها في بناء المجتمعات. ولان البلاد الاسلامية فشلت في ان تمنع الرق قانونياً وصراحةً، كان لا بد لي من التحدث عن الاسلام والرق وعن الجهاد في سبيل الله، الذي كان سبباً رئيسياً في ازدياد عدد العبيد في الدول المسلمة.

الفصل ألاول

نبذة تاريخية عن نشأة الاديان :

في بداية حياة الانسان على هذه الارض، على حسب رأي علماء علم الاجناس " Anthropology "، كان الانسان بسيطاً في تفكيره وفي استيعابه للظواهر الطبيعية مثل الليل والنهار، والمطر والرعد والبرق وما شابه ذلك. وكانت هذه الظواهر تثير الخوف والرعب في نفسه. ولما عجز الانسان البدائي عن تفسير هذه الظواهر عزاها الى قوة خارقة تتحكم فيها وفي حياته. هذه القوة الخارقة لم تكن محسوسة لديه، اي بمعنى آخر، كانت قوة وراء الطبيعة اي قوة " ميتافيزيقية Metaphysical ". وبالتالي اعتقد الانسان البدائي بوجود " كيان روحي Spiritual Being " يتحكم في الظواهر الطبيعية وفي حياة الانسان. هذه كانت بداية فكرة الاديان عند الانسان البدائي حسب اعتقاد خبير علم الاجناس الانكليزي " تايلر E.B.Taylor " [16] . فقد ألف هذا العالم كتاباً يدعى " الثقافة البدائية Primitive Culture " في العام 1871. ويعتبر هذا الكتاب من اهم المراجع في دراسة تاريخ الاديان. ويعتقد " تايلر" هذا ان الاعتقاد ب " الكيان الروحي" هذا نتج من تجربة الانسان الجماعية في اشياء مثل الموت والنوم والاحلام، فجعلته هذه التجارب يعتقد ان الكيان الروحي منفصل عن الجسم ويمكنه ان يعيش حياة مستقلة تماماً. وبالتالي اصبح الانسان الاول يعتقد في ألاشباح والخيالات " Phantoms ".

وبالطبع لم يكن الانسان البدائي يعرف القراءة والكتابة ولذلك كل ما تعلمه كان عن طريق التلقين من آبائه واجداده وبالتالي اصبح علم وحكمة الاباء والاجداد، اي الاسلاف، كنزاً قيماً يحفظه الاشخاص كبار السن في القرية او القبيلة. ويصبح الشخص الاكثر علماً رئيساً للقبيلة، وطبيباً يعالج امراضهم بما تعلمه من الاسلاف، ويحكم بينهم بما يراه عدلاً ان نشب بينهم خلاف. ولا شك ان موت شخص كهذا يمثل فقداً عظيماً للقبيلة، تحاول تعويضه بأن تتخيل ان روح هذا الفقيد ما زالت تعيش بينهم وتحاول ارشادهم الى ما فيه خيرهم. وبالتدريج اصبح لمثل هذه الروح مكانة عظيمة في ثقافة و " فولكلور" هذه المجموعات من البشر، ونتج عن هذا ما يسمى ب " عبادة الاسلاف Ancestor Worship ". فكان اذا اصاب هذه المجموعة شر او مرض، عزوه الى ان روح احد الاسلاف غاضبة عليهم ولذلك وجب عليهم إرضاءها بالرقص وبتقديم الهدايا والقرابين. وهذه الهدايا والقرابين تمثل ركناً مهماً من اركان الدين، اذ يقوم الدين على ركنين: إيمان وعمل. والعمل تابع للايمان، فهو شعائره ومظهره. ومن هذه الشعائر الرقص والسحر والقرابين والمعابد. وما زالت بعض القبائل في امريكا الجنوبية تؤمن بهذا القول وتعمل به [17] .

وارواح الاسلاف هذه كانت في العادة مرتبطة بأماكن معينة مثل صخرة او شجرة كبيرة في وسط القرية، فأدى هذا الى تقديس هذه الاحجار والاشجار، اذا تصوروا وجود قوى روحية كامنة فيها فعبدوها، وبالتدريج اصبحت هذه الصخرة او الشجرة رمزاً لروح احد اسلاف تلك القبيلة. ومن ثم تبلورت فكرة عبادة الاصنام. وكان الصنم في البدء عبارة عن قطعة من حجر او جذع شجرة. وقد عظّم قدماء العبرانيين الاشجار وكذلك فعل عرب الجاهلية. ومن هذه الاشجار، الاشجار المعروفة ب " Rothem " في العبرانية و " رتم" في العربية [18] . وتحظى مثل هذه الاشجار بالرعاية والعناية فيحتفل الناس بها وكأنها ذات حس وشعور و " ذات انواط" كانت شجرة خضراء عظيمة، كانت عرب الجاهلية تاتيها كل سنة تعظيماً لها، فتعلق عليها اسلحتها وتذبح عندها، وكانت قريبةً من مكة. ولما كانت ارواح الاسلاف متعددة، قاد هذا الى تعدد الآلهة او الشرك. ويعرف الشرك باسم " Polytheism " في الانكليزية، من كلمة " Polys " اليونانية ومعناها " كثير" ومن كلمة يونانية ثانية هي " Theos " وتعني " الاله". ويختلف الشرك عن عقيدة ال " Polydaemonism " القائلة بوجود الارواح والجن.

وعبد بعض الاقوام والقبائل الظواهر الطبيعية لتوّهمهم ان فيها قوىً روحيةً كامنة. فألهوا الشمس والقمر وبعض النجوم. وقد كانت الشمس والقمر اول الاجرام السماوية التي لفتت انظار البشر لما في الشمس من اثر بارز في الزرع والارض وفي حياة الانسان بصورة مطلقة. كذلك القمر لاثره في نفس الانسان بما يبعثه من نور يهدي الناس في الليل. فلما تقدم الانسان وزادت مداركه في امور ما وراء الطبيعة، تصور لهما قوى غير مدركة وروحاً وصفات اخرى من الصفات التي تطلق على الآلهة. فخرجتا من صفتهما المادية البحتة ومن طبيعتهما المفهومة، وصارتا مظهراً لقوى روحية لا يمكن ادراكها، انما تدرك من افعالهما ومن اثرهما في هذا الكون، فعبدوا الشمس والقمر والنجوم . ويقال ان طائفة من بني تميم عبدت " الدُبران" وان بعض قبائل لخم وخزاعة عبدوا " الشَعرى" ولذلك جاء في الاية 49 من سورة " النجم": " انه هو رب الشعرى".

ولما تقدم الانسان البدائي في حياته واصبح مزارعاً، صارت مياه الامطار والانهار مصدر رزقه وقوته. ولما كان اعتماده على فيضان الانهار كبيراً، نجد ان قدماء المصريين، مثلاً، قدموا القرابين من العذارى لنهر النيل لكي يرضى عنهم ويفيض عليهم بالخيرات. وكذلك فعلت مجموعات اخرى من البشر. وقد ارتبطت فكرة خصوبة الارض بخصوبة الام التي تنتج اطفالاً كثيرين، ونتج عن هذا فكرة " الإلهة الام Mother Goddess ". ونحت النحاتون الاصنام على هيئة أمرأة حبلى وعارية. وقد وجُدت هذه التماثيل في عدة اقطار في اوروبا والشرق الاوسط والهند. وقد سميت " الالهة الام" بعدة اسماء، فكانت " إنانا Inana " في " سومر Sumeria " و " عشتار Ishtar " في بابل و" عنات Anat " في ارض كنعان ( فلسطين) و " ايسيس Isis " في مصر و " افرودايتي Aphrodite " في اليونان.

وفي حوالي العام 4000 قبل الميلاد ظهرت حضارة عظيمة في منطقة ما بين النهرين (دجلة والفرات) " Mesopotamia "، اسسها قوم عرفوا ب "السومريون Sumerians "، بنوا مدن مثل " أور Ur " و " كيش Kish " وبنوا معابد ضخمة لآلهتهم [19] . وجاء بعدهم " الكلدانيون " Chaldians " والاكديون " Akkadians " وبنوا اعظم مدينة في ذلك الحين وسموها " بابل" وتعني هذه التسمية " باب أيل" و"أيل " هذا هو إله الساميين القدماء. وكانت مدينة بابل مشهورة بالجنائن المعلقة التي بناها الملك نبخذنصر لزوجته، وتعتبر هذه الجنائن من عجائب الدنيا السبعة. وكان الكلدانيون يعتقدون ان للآلهة في السماء قصوراً ضخمة وحدائقا، ولذلك بنوا بابل على طراز القصور السماوية، كما تخيلوها 1 . وكان في اعتقادهم ان كل الآلهة اتحدوا مع بعضهم البعض وتغلبوا على قوى الفوضى التي كانت تسيطر على العالم. ولذلك كانوا يقيمون احتفالاً سنوياً يستمر احدى عشر يوماً يلقي فيه رجال الدين الاشعار الدينية مثل قصيدة "إنيوما إليش Enuma Elish " التي تمجد انتصار الآلهة على قوى الفوضى وتحكي قصة خلق الكون. وتبتدئ القصة بخلق الآلهة انفسهم. تدعي الاسطورة ان الآلهة ظهروا، كل إلآهين مع بعض، من ماء مقدس كان موجوداً منذ القدم. واكبر ثلاثة من الآلهة كانوا: أبسو Apsu " إله المياه العذبة، وزوجته " تيامات Tiamat " إلهة المياه المالحة، و " مومو Mummu " إله الفوضى. ثم تكاثرت الآلهة بأن خرج إلاهان من كل إله قبلهم. فظهر " لاهمو ولاهامن" " Lahmu and Lahamn "، إله الماء وإله الارض. ثم ظهر " أنشر" و "كٍشر" " Ansher and Kisher "، اله السماء واله البحر. واخيراً ظهر إله الشمس " ماردوخ Marduk "، الذي تغلب على الالهة " تيمات" وخلق كل القوانين التي تحفظ توازن العالم. واخيراً خلق " ماردوخ" الانسان [20] .

يظهر ان اسطورة " ماردوخ" هذه اثرت في سكان ارض كنعان ( فلسطين) فخلقوا لانفسهم إله سموه " بعل Baal "، إله العواصف والخصب. وكذلك إله آخر اسمه " يام Yam "، إله البحار. واكبر الآلهة اسمه : أل " El " . وفي احد مجالس " أل" تشاجر " بعل" مع " يام" وتغلب عليه وكاد ان يقتله، عندما تدخلت " أشيرة " زوجة كبير الآلهة " أل" فقالت له: " ليس من الشهامة قتل الاسير". فعفا عنه. واستمر " يام" إله البحار يثير الزوابع في البحار ويدمر السفن، بينما استمر " بعل" إله العواصف يرسل الرياح لتخصب الارض وتلقح النباتات [21]

ولكي يُقرّب الانسان البدائي كل هولاء الآلهة الى ذهنه تخيّل لهم اشكالاً معينة ونحت اصناماً تمثلهم على الارض، وجاء وقت اعتقد فيه الانسان ان لهذه الاصنام قوة – اذا تقدم لها بقربان – على ان تفعل الخير له وتُلحق الضرر بأعدائه. فاذا تنازع رجل مع جاره جاء الى صنمه المحبوب وصلى له ليلحق الضرر بجاره، ولكن الجيران هم الاخرون كانت لهم اصنامهم. وبينما يدعو الرجل اصنامه لتضر أعداءه، راح يشعر بالقلق إزاء ما قد تفعله اصنام اعدائه له ولأهل بيته. واضطر الناس ان يفكروا في شئ يحميهم من اصنام اعدائهم، فوضعوا حول اعناقهم تماثيل صغيرة لاصنامهم لحماية انفسهم من قوة الارواح الشريرة التي تُحارب في صفوف الاعداء. واصبحت هذه التماثيل الصغيرة هي التمائم او " الطواطم " Totem و بدأ بعض الناس يعتقدون ان بعض هذه التمائم تستطيع القاء التعاويذ على الآخرين وتجعلهم يمارسون السحر. وراح هولاء البعض يؤمنون بأنهم بهذه التمائم ومناداة الاسماء الحقيقية لبعض الارواح يستطيعون فتح ابواب المستقبل ورؤية ما يُخبئه لهم [22] .

وبرغم هذه التماثيل والطواطم كان الانسان البدائي يواصل التفكير في الخالق الاول ويتصوره مصدراً رئيسياً للقوة والخلق، يهيمن على كل شئ ويسيطر على اركان الكون الاربعة، ولكنه رغم ذلك يحتاج الى مساعدين ينظمون الحياة على الارض ويمكّنوا عامة الناس من الاتصال بهذا الاله الكبير. وتباينت صور هذا الخالق في اذهان البشر، فمنهم من جعله ذكراً ومنهم من جعله انثى. واستمر تطور الاديان مع تطور الانسان نفسه، فظهرت فكرة ان هذا الاله يستطيع ان يبعث رسلاً للناس ليوضح لهم الخير والشر، وتبلورت هذه الفكرة بظهور النبي ابراهيم.

يقول الانجيل ان ابراهيم ( أبراهام) هاجر من مدينة "أور" في العراق الى ارض كنعان ( فلسطين) حوالي القرن العشرين قبل الميلاد. ويقول المؤرخون انه جاء في حوالي عام 1850 قبل الميلاد وانه سكن مدينة " الخليل Hebron " وكان يتكلم اللغة العبرية. واصابت ارض كنعان مجاعة، فهاجر ابراهيم وزوجته سارة الى ارض مصر ثم رجع الى ارض كنعان ونصب خيمته في" بيت أل Beith –el " [23]

وانجب ابراهيم في الكبر اسماعيل، الذي تعتبره الميثولوجيا اب العرب، من هاجر المصرية، وقد كانت خادمة زوجته ساره التي لم يكن لها ولد، فوهبت خادمتها هاجر الى ابراهيم لينام معها علها تُنجب له ولداً. وبعد ان ولدت هاجر أسماعيل، حبلت سارة وولدت له اسحاق. وانجب اسحاق يعقوب الذي صار اسمه فيما بعد " اسرائيل". وكوّن احفاد يعقوب القبائل او الاسباط الاثني عشر من بني اسرائيل وهاجر بهم النبي " موسى" من ارض مصر الى ارض كنعان. والنبي موسى كان اول من قال ان رسالته اُنزلت اليه في الواح من عند إله في السماء اسمه " يهوى Yahweh " وفي بعض الروايات ان اسمه " إلوهيم Elohim ". ومع ان الاسرائليين كانوا يعبدون عدة آلهة، فقد عاهدوا موسى انهم سيعبدون الاله " يهوى" وحده. ولم يدع موسي انه ارُسل الى امة غير بني اسرائيل، ولذلك لم يبشر بدينه الجديد ولم تنتشر اليهودية خارج بني اسرائيل الا قليلاً.

ثم بعد مرور ما يقرب من الالف وخمسمائة وسبعين عاماً، ظهر النبي عيسى بن مريم، في فلسطين كذلك، وقال انه مرسل الى بني اسرائيل، [24] وبشر بديانة لا تختلف كثيراً عن اليهودية، لكنها عُرفت فيما بعد بالمسيحية. وقد دعا عيسى الى عبادة إله واحد في السماء، سماه " ألاب" واحياناً دعاه " لورد Lord ". ولكن على عكس اليهودية، صارت المسيحية ديناً عالمياً لكل الناس وليس وقفاً على شعب معين. وانتشرت المسيحيه، بواسطة المبشرين، الى الاراضي المجاورة من جزيرة العرب والى اوروبا، خاصة اليونان والامبراطورية الرومانية.

وسكان الجزيرة العربية، كغيرهم من الناس، تدرجوا في عباداتهم من عبادة الاسلاف، الى عبادة النجوم والكواكب، الى عبادة الاصنام، الى ان جاء الاسلام وكان الدين الوحيد الذي لم ينزل به نبي من بني اسرائيل.

ويلاحظ القارئ ان جميع الديانات المنزلة نزلت في الجزيرة العربية. فالهند والصين واليابان وجنوب شرق آسيا، مثل كوريا وفيتنام ولاوس مجتمعة تمثل اليوم اكثر من نصف سكان العالم، اي حوالي اثنين مليار ونصف المليار شخص. كل هولاء الناس يدينون بالديانات البوذية او " الهندوس" وهي ديانات وضعية غير منزلة. وسكان الجزيرة العربية مجتمعة، لا يتعدون المائة مليون شخص. فلو رجعنا بتعداد سكان العالم الى الوراء بطريقة عكسية " Regression " نستطيع ان نقول قبل حوالي 4000 سنة، لو كان سكان الجزيرة العربية مليون شخص، افتراضاً، فان سكان الهند والصين واليابان مجتمعه، يكون تعدادهم ما يقارب 250 مليون شخص. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا ارسل الله كل هولاء الرسل الى مليون شخص في منطقة فلسطين والجزيرة العربية وتجاهل المائتين وخمسين مليون الآخرين؟ لم ينزل ولا رسول واحد بلغة الصبن او الهند او اليابان.

والسؤال الثاني: هل كان سكان الجزيرة العربية في عزلة تامة عن بقية سكان العالم وبالتالي لم يتعرفوا على الديانة اليهودية والديانة المسيحية، وكانوا فقط عبدة اصنام؟ وبالطبع العرب كانوا في اتصال دائم، خاصة عرب جنوب الجزيرة، عن طريق البحر الاحمر، وعرب شمال الجزيرة عن طريق البحر الابيض المتوسط والبحر الاسود، ببقية انحاء العالم، وخاصة الامبراطورية الرومانية التي استعمرت اجزاءً من الجزيرة. وبحكم اختلاطهم بالعالم الخارجي، عرف العرب المسيحية واليهودية وكان يسكن وسطهم يهود يثرب ويهود خيبر وعدد من المبشرين المسيحيين، كما سنرى في الفصول القادمة من الكتاب.

الفصل الثاني

ديانات التوحيد عند العرب

قد كانت النصرانية معروفة، قبل دخول الاسلام، في كل جزيرة العرب، دخلتها من الشمال عن طريق بلاد الشام التي كانت تحت سيطرة الامبراطورية الرومانية التي كانت قد اعتنقت الديانة المسيحية. ومن الشام انتشرت المسيحية الى العراق رغم ان العراق كان تحت سيطرة الفرس. وكذلك دخلت المسيحية الى اليمن عن طريق البحر الاحمر، من الحبشة وبلاد الرومان. ووجدت النصرانية بعد بلاد الشام والعراق واليمن مواضع اخرى دخلت اليها، وهي اطراف جزيرة العرب كالعربية الغربية والشرقية. وتفسير دخولها الى هذه الاماكن واضح، وهو اتصالها بطرق القوافل البرية والبحرية بالبلاد التي انتشرت فيها النصرانية. ولاتصال الحجاز بفلسطين، مهد النصرانية، وببقية بلاد الشام، كان من الطبيعي مجئ النصرانية منها ودخولها الى هذه البلاد. ونجد اخبار الفتوح تشير الى اسماء امراء عرب كانوا على هذا الدين، يحكمون عدة مواضع من اعالي الحجاز، صالحهم الرسول على اداء الجزية، مثل: أمراء " دومة الجندل" و " ايلة" و " تيماء". وقد كان في يثرب ومكة والطائف نفر منهم عند ظهور الاسلام، دخلوا فيمن دخل من اهل الكتاب في الاسلام.

والروم كانوا على النصرانية وقد ذكر الاخباريون اسماء بعضهم من نزلاء مكة تشير بوضوح الى تنصرهم. ومنهم من كان يشرح للناس اصول هذا الدين، ولا يستبعد ان يكون بينهم جماعة من المبشرين، فقد كان المبشرون يطوفون انحاء الجزيرة للدعوة الى النصرانية، وقد شجعت حكومة الروم هذا التبشير وارسلت مبشرين لمآرب سياسية بعيدة الاهداف ولكسبهم اليهم لمحاربة اعدائهم الفرس بهذا السلاح. وفى القرآن آيات تشير الى وجود نصارى فى مكة كانوا يتباحثون فى امور الدين

" ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر. لسان الذى يلحدون اليه اعجمى وهذا لسان عربى مبين" ( النحل/104)

" وقال الذين كفروا ان هذا الا افك افتراه واعانه عليه قوم آخرون. فقد جاؤوا ظلما وزورا" (الفرقان /4)

" وقالوا اساطير الاولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة واصيلا " ( الفرقان /5).

ومن هولاء النصارى كما يُفهم من القرآن من لم يكن يفقه العربية، وانما كان يتكلم بلسان اعجمى، وقد ذكر المفسرون اسمه في صور مختلفه، وقال ابن هشام فى شرحها: " وكان رسول الله فى ما بلغنى كثيراً ما يجلس عند المروة الى مبيعة غلام نصرانى يقال له جبر، عبد لبنى الحضرمى. وكانوا يقولون: والله ما يعّلم محمداً كثيراً مما ياتى به الا جبر النصرانى، غلام بنى الحضرمى. [25]

. وكانت اليهودية كذلك معروفة في الجزيرة حتى من قبل الميلاد. وبالطبع كان هناك عرب وثنيون يعبدون الاصنام من قبل ان تدخل اليهودية والنصرانية للجزيرة، واستمروا في عبادتها حتى ظهور الاسلام. ولكن جزء كبير من عرب الجاهلية كانوا على علم بفكرة التوحيد والاله الواحد، رب السماء.

ويعتقد البعض ان عرب الجاهلية كانوا موحدين يعتقدون بوجود اله واحد اعلى هو الله، ونجد هذا مذكوراً في القرآن في سورة الزمر الآية 38: " ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله". وكذلك لما هلك ابو طالب خرج رسول الله ( ص) الى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة وعمد الى نفر من ثقيف وهم أخوة ثلاثة، قال لهم: " أنا رسول الله اليكم". فقال له أحدهم: والله لا أكلمك كلمة أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول، لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلمك [26] . فهذا، ولا شك, كلام رجلٍ يعرف الله ويُعظمه.

ولإيمانهم بالله، الاله الواحد، كانوا يسمون اولادهم عبد الله وعُبيد الله وما شابه ذلك. ولكن لكون الله في السماء ويصعب الاتصال به بدون وسيط، عبدوا الاصنام كوسطاء لله. فان عقيدة اكثر البدائيين والشعوب القديمة ان الانسان لا يمكنه ان يُسمع آلهته صوته، او يبثها ما يشكو منه الا بواسطة وسطاء وشفعاء، لهم قوة خارقة لا يملكها الناس العاديون، ولهولاء الشفعاء منزلة عند الالهة ليست لغيرهم، فبواسطتهم يمكن الاتصال بالالهة. فهم الواسطة الوحيدة بينهم وبين القوى المهيمنة العليا. ولا يجب ان نستبعد هذا الرأى لان نظرة واحدة لاي قطر عربي مسلم تقنعنا ان العرب ما زالوا يؤمنون بالواسطة لتوصل دعاءهم الى الله. فزيارة واحدة الى ضريح " السيدة زينب" بالقاهرة، او قبر الحسين بكربلاء، حتى بعد مرور ما يناهز الالف واربعمائة سنة منذ بداية الاسلام، يقنعنا بصحة هذا الرأى.

الاحناف وشعراء الجاهلية:

وردت في القرآن وفي الحديث اشارة الى المجوسية والصابئة والحنفية واليهودية والنصرانية. وفي الاخبار التي اوردها الرواة عن هذه الحقبة مقالات في الدين، وكان لبعض الجاهليين آراء في الدين، وكان لبعضهم دعوة ورسالة في الحث على الدخول في ديانة من تلك الديانات، كما كان بعضٌ آخر حائراً لا يدري ماذا يفعل، يرى ديانات قومه فلا تعجبه، ثم يرى اليهودية والنصرانية بين بعض ابناء قومه فلا تعجبه كذلك، فيقف مفكراً حائراً بين هذه العقائد والاراء ومنهم من مزج بينها واوجد خليطاً مركباً من الوثنية والتوحيد. والاراء الدينية عند الجاهليين كانت، ككل ناحية من نواحي حياتهم وحياة كل امة، عرضة للتطور والتغير، وان الحالة التي كانت عليها قبل البعث هي نتيجة تطور مستمر دام آلافاً من السنين، قام به رجال من اهل الجاهلية، أما بشعور ذاتي مبعثه عاطفة دينية وحس مرهف، واما بتاثير من الخارج كالمبشرين والتجار. وهناك اناس ادعوا النبوة قبل النبي محمد. فهناك رجل لم يرد اسمه في القرآن، غير انه كان نبياً في رأي كثير من اهل الاخبار هو: خالد بن سنان بن غيث العبسي، زعموا انه كان نبياً عاش في زمان الفترة، أي بين ايام عيسى والنبي محمد، وان الرسول قال عنه: " ذاك نبي أضاعه قومه" [27] . وهناك نبي آخر أسمه حنظلة بن صفوان، كان نبياً بعثه الله الى " أهل الرس" فكذبوه وقتلوه. عاش في أيام " بختنصر"، وقد نُسب الى حٍمير. وقيل انه كان من انبياء الفترة كذلك.

وهناك مجموعة من رجال الجاهلية عرفوا بانهم " حنفيين"، لم يعبدوا الاصنام وكانوا يؤمنون بالوحدانية. عرفنا من هولاء النفر قس بن ساعدة الايادي، وزيد بن عمرو بن ثفيل، وأمية بن أبي الصلت، وارباب بن رئاب، وسُويد بن عامر المصطلقي، وأسعد ابو كرب الحميري، ووكيع بن سلمة بن زهير الايادي، وعمير بن جندب الجُهني، وعدي بن زيد العبادي، وابو قيس صرمة بن أبي أنس، وسيف بن ذي يزن، وورقة بن نوفل القرشي، وعامر بن الظرب العدواني، وعبد الطابخة بن ثعلب بن وبرة بن قضاعة، وعلاف بن شهاب التميمي، والمتلمس بن أمية الكناني، وزهير بن أبي سُلمى، وخالد بن سنان بن غيث العبسي، وعبد اله القضاعي، وعبيد بن الابرص الاسدي، وكعب بن لؤي بن غالب.

أمية بن ابي الصلت:

هو اكثر الحنفاء حظاً في بقاء الذكر، وبقي كثير من شعره، وسبب ذلك بقاؤه الى ما بعد البعث وملاءمة شعره لروح الاسلام. لم يكن مسلماً، ولم يرضى ان يدخل في الاسلام لانه كان يعتقد بانه احق بالنبوة من محمد بن عبد الله. ولما كانت معركة بدر، رثى قتلى المشركين، ومات سنة تسعة للهجرة بالطائف قبل ان يسلم قومه الثقفيون. وقيل ان امية هجا اصحاب رسول الله في بيتين من القصيدة التي رثى فيها قتلى المشركين في غزوة بدر، ولذلك اهمل ابن هشام صاحب السيرة هذه القصيدة، وذُكر ايضاً ان النبي نهى عن رواية هذه القصيدة.

وامية مثل سائر الحنفاء، سافر الى الشام واتصل بأهلها، واوى الى الاديرة ورجال الدين يسأل منهم عما يهمه من مشكلات دينية. وكان تاجراً يذهب مع التجار في قوافلهم الى تلك الديار التي كانت في ايدي الروم. ثم انه كان قارئاً كاتباً، قرأ الكتب ووقف عليها، ومنها كوّن فكرته عن الدين وشكه في عبادة قومه. وقد بدا هذا التاثير واضحاً في الكلمات والمصطلحات الاعجمية المستعملة في شعره.

ويتلخص ما جاء في شعر هذا الشاعر من عقائد وآراء في الاعتقاد بوجود اله واحد، خلق الكون وسواه وعدله، وارسى الجبال على الارض، وانبت النباتات فيها، وهو الذي يحيي ويميت، ثم يبعث الناس بعد الموت ويحاسبهم على اعمالهم، فريق في الجنة وفريق في النار. يساق المجرمون عراة الى ذات المقامع والنكال مكبلين بالسلاسل الطويلة وبالاغلال، ثم يلقى بهم في النار، يبقون فيها معذبين بها ليسوا بميتين، لان في الموت راحة لهم، بل قضى الله ان يمكثوا فيها خالدين ابداً. اما المتقون فانهم بدار صدق ناعمون، تحت الظلال، لهم ما يشتهون.

وسيق المجرمون وهم عراة الى ذات المقامع والنكال [28]

جهنم تلك لا تبقي بغياً وعدن لا يطالعها رجيم

ويروى ان النبي كان يسمع شعر أمية، وان " الشريد بن سويد" كان ينشد له شيئاً منه في اثناء احد اسفاره، فكان كلما انشد له شيئاً منه، طلب منه المزيد، حتى اذا ما انشده مائة بيت، قال النبي له: كاد ليسلم. وذُكر ان الرسول قال في حديث له عنه: آمن لسانه وكفر قلبه.

والظاهر من شعر هولاء الشعراء الجاهليين، ان عدداً كبيراً منهم كان على علم بالتوحيد، وبالله والملائكة والحساب والثواب والعقاب. ولم يبلغنا ان هولاء الشعراء كانوا يهوداً او نصارى. ويستطيع المرء ان يستنتج من هذا الشعر ان جزءاًً لا يستهان به من عرب الجاهلية كانوا، لولعهم بالشعر وحفظهم له، على علم بفكرة التوحيد، حتى وان لم يؤمنوا بها. وكانت هناك مجموعة من شعراء الجاهلية على دين يهود او النصرانية، وقالوا شعراً في التوحيد وعبادة اله واحد في السماء، بيده مقاليد الامور

وقد يكون من المفيد أن نستشهد بما ذكره الدكتور طه حسين في كتابه (في الشعر الجاهلي) وهو يحلل الأوضاع الإجتماعية والفكرية في العهد الجاهلي، نجتزئ منه ما يلي: "وكان اليهود قد تعربوا قحاً، وكان كثير من العرب قد تهوّدوا. وليس من شك في أن الاختلاط بين اليهود وبين الأوس والخزرج قد أعد هاتين القبيلتين لقبول الدين الجديد وتأييد صاحبه.

هذه حال اليهود. فأما النصارى فقد انتشرت ديانتهم انتشاراً قوياً في بعض بلاد العرب فيما يلي الشام حيث كان الغسانيون الخاضعون لسلطان الروم، وفيما يلي العراق حيث كان المناذرة الخاضعون لسلطان الفرس، وفي نجران من بلاد اليمن التي كانت على إتصال بالحبشة وهم نصارى.

"تغلغلت النصرانية إذن كما تغلغلت اليهودية في بلاد العرب، وأكبر الظن أن الإسلام لو لم يظهر لأنتهي الأمر بالعرب إلى اعتناق إحدى هاتين الديانتين. ولكن الأمة العربية كان لها مزاجها الخاص الذي لم يستقم لهذين الدينين والذي استتبع ديناً جديداً أقل ما يوصف به أنه ملائم ملائمة تامة لطبيعة الأمة العربية". ص87-88." انتهى كلام طه حسين

عادات الجاهلية التي اقتبسها الاسلام :

رغم جعجعة السلفيين ان الاسلام قد أثرى حياة العرب، وحارب عاداتهم الذميمة، الا ان الحقيقة تخبرنا ان الاسلام لم يأت بجديد، بل أقتبس عادات العرب القديمة وألبسها لبوس التنزيل وجعلها جزءاً من القرآن. فقد ذكر الاخباريون انه كان لأهل الجاهلية سنن ساروا عليها، ابقى الاسلام أعظمها واسقط بعضاً منها. ومن هذه السنن: الطلاق الثلاث، والخطبة، اي خطبة المرأة الى ابيها او اخيها او اولياء امرها. والحج الى البيت، والعمرة، والطواف، والتلبية، والوقوف بعرفات، والهدي ورمي الجمار، والاغتسال من الجنابة، وتغسيل الموتى وتكفينهم، وقطع يد السارق والوفاء بالعقود والصوم [29] .

والتلبية هي من الشعائر التي ابقاها الاسلام ولكن غيّر صيغتها. وقد ذكر اهل الاخبار انه كان لكل صنم تلبية خاصة به. والتلبية هي بمثابة الاجابة لنداء الصنم، وهي تعني اللزوم لنداء الطاعة. فكانت تلبية قريش "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، الا شريك هو لك، تملكه وما ملك". وتلبية الاسلام هي: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك. ان الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك

ويذكر الاخباريون ان الطائفين بالبيت كانوا على صنفين: صنف يطوف عرياناً وصنف يطوف في ثيابه. ويعرف من يطوف بالبيت عرياناً ب " الحُمس". اما الذين يطوفون في ثيابهم فيعرفون ب " الحلة". ويقال للواحد من الحُمس " احُمس". وسموا بالحُمس لتشددهم في دينهم. وكان في وسع من هو من الحُمس الطواف بثياب ياخذها من الحلة مثلاً اعارة او كراء، غير ان عليه في هذه الحالة طرح ثيابه بعد اكماله الطواف اذ لا يجوز له استعمالها مرة اخرى، فاذا القيت لا يمسها احد حتى تبلى، ويقال لهذه الثياب التي تطرح بعد الطواف " اللقي".

والسبب في خلع الحُمس ثيابهم انهم كانوا يقولون " لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها". وقد كان الجاهليون يطوفون بالصفا والمروة وعليهما صنمان يمسحونهما. والصفا والمروه من المواضع التي كان لها اثر خطير في عبادة اهل الجاهلية. [30] .

وكان الجاهليون اذا حجوا يقدمون العتائر ، وهي الاضحية التي تذبح عند الاصنام، فتوزع على الحاضرين، فلا " يُصد عنها انسان ولا سبع" [31] وقد استبدل الاسلام كلمة " العتائر" بكلمة " الاضحية".

و كان على المرأة في الجاهلية اتخاذ " العدة" عند طلاقها وعند موت زوجها، والغاية من ذلك المحافظة على النسب وعلى الدماء كراهة ان تختلط بالزواج العاجل بعد الطلاق او الموت، فوضعوا لذلك مدة لا يسمح فيها للمرأة بالزواج خلالها، تسمى " العدة". وعدة المرأة ايام قروئها ( حيضها)، وعدتها ايضاً ايام احدادها على زوجها وامساكها عن الزينة لمدة سنة ترتدي خلالها شر ثيابها، ولا تقلم اظافرها اوتمشط شعرها، اوان تضع حملاًٍ حملته من زوجها [32] .

الميراث

الميراث في الجاهلية كان خاصاً بالكبار من اولاد المتوفي. اما الاولاد الصغار والبنات فلم يكن لهم شئ. وقاعدتهم في ذلك " لا يرث الرجل من ولده الا من اطاق القتال". ولذا كان اخوان الميت يرثونه اذا لم يكن له اطفال، ويرثونه كذلك اذا كانت ذريته بنات. لكن الاخبار متضاربة في موضوع ارث المرأة في الجاهلية، واكثرها انها لم تكن ترث ابداً. وألمرأة نفسها كان يرثها الابن الاكبر إذا لم تكن أمه.

غير ان هناك روايات تقول ان من الجاهليات من ورثن ازواجهن وذوي قرباهن، وان عادة حرمان النساء لم تكن عامة عندحميع العرب. وهناك رواية تذكر ان اول من جعل للبنات نصيباً في الارث من الجاهليين هو " ذو المجاسد" عامر بن جشم بن غنم بن حبيب بن كعب يشكر، ورّث ماله لولده في الجاهلية فجعل للذكر مثل حظ الانثيين، فوافق حكمه حكم الاسلام. [33]

النجاسة

كلمة " نجس" هي ضد " طاهر"، فالنجاسة هي عكس الطهارة. وهي بهذا المعنى في الجاهلية كذلك. وهناك كلمة اخرى لها معنى قريب من معنى هذه الكلمة، هي لفظة " رجس" وهي بمعنى " قذر". ومن الامور النجسة في نظر اهل الجاهلية " الطمث" اي " الحيض" ومن معاني الطمث " الدنس" [34] .

فهل أتى الاسلام بأي شئ جديد لم يكن معروفاً للجاهليين؟ الجواب عندي انه لم يأتي بجديد، وقد لخص النبي ما أتى به من جديد في حجة الوداع حين قال: " ألا إنما هن أربع: لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا". [35] وهذه القوانين أتى بها حمورابي في بلاد الرافدين قبل ألفين وخمسمائة سنة قبل الاسلام [36] . فلماذا نسمي الفترة التي سبقت الاسلام ب " الجاهلية" والعرب كانوا على علم بكل ما اتى به الاسلام؟

الفصل الثالث

محمد بن عبد الله

مولده

اي محاولة للبحث عن تفاصيل حياة الرسول تصطدم بحائط من الخرافات بناه كُتاب سيرة الرسول في القرن الثامن الميلادي ومابعده. نزلت الرسالة على الرسول وعمره حوالي اربعين عاماً. قبل نزول الرسالة كان محمد رجلاً عادياً من بني هاشم، يعمل في التجارة، مثله مثل رجال كثيرين من قريش في ذلك الوقت. وبالطبع، لم يكن عرب مكة في القرن السادس الميلادي، يعرفون كتابة شهادات الميلاد لاطفالهم، ولم يكن لديهم تقويم متفق عليه. وعندما ابتدأ محمد بتبليغ رسالته، لم يكن احدٌ ممن حوله مهتماً لمعرفة في اي يوم من ايام الاسبوع ولد، ولا في اي عام، وإنما كان همهم محاربة دينه الجديد. وحتى حين مات لم يتفق الناس على اي يوم مات فيه، قال بعضهم انه مات في اليوم الثامن والعشرين من صفر وقال آخرون في اليوم الثالث عشر من ربيع الاول في العام الحادي عشر للهجرة. ومع هذا نجد مؤرخين مثل " ابن كثير" الذي الف " مختصر السيرة النبوية" في القرن الثامن الميلادي يخبرنا بالتفصيل عن حمل امه به، ويوم مولده، وكل المعجزات التي ظهرت يوم ان وُلد وحتى يوم ان حملت به أمه.

ونعلم من كتب السيرة كذلك ان النبي ولد مختوناً ومسروراً، اي مقطوع حبل السرة. وولد وبصره شاخص الى السماء. فلو ولد النبي وحبل سرته مقطوعاً لمات قبل ان يولد لان حبل السره هو الذي يوصل الاوكسجين الى الطفل في الرحم والى ان يصرخ الطفل صرخته الاولى يكون اعتماده على حبل السرة كلياً، كما يؤكد الطب الحديث، فاذا انقطع حبل السرة قبل ان يولد الطفل، مات ذلك الطفل.

وتقول السيرة النبوية لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه اربع عشرة شرفة، وخمدت نار الفرس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاصت بحيرة ساوة [37] .

ولنسأل انفسنا سؤالاً بسيطاً. اذا كان الله قد ارسل محمداً لاهل مكة والجزيرة العربية في المكان الاول، كما يذكرنا القرآن في عدة آيات انه انزله قرآناً عربياً، لماذا ارتجس ايوان كسرى في العراق وخمدت نار المجوس في بلاد فارس ولم يحدث شئ في مكة وجوارها، أما كان الاجدر في الليلة التي ولد فيها رسول الله ان يسطع النور الباهر في الكعبة ليقنع اهل مكة ان الله مرسل رسولاً منهم؟

وواضح ان كل هذه خرافات " Mythology " نسجها كُتّاب السيرة النبوية حول النبي بدون تمحيص وبدون اي اعتبار لعقل اي انسان يقرأ هذه الكتب. فيحدثنا ابن كثير، مثلاً، ان آمنة بنت وهب، ام النبي، قالت لحليمة السعدية التي ارضعته: " حملت به فما حملت حملاً قط اخف منه". ونحن نعلم ان محمداً لم يكن له اخوة ومات ابوه وامه حبلى به. فكيف تقول انها ما حملت قط حملاً اخف منه وهي لم تحمل غيره؟ وان كانت تعني حمل اشياء اخرى غير الجنين، فهي لا بد قد حملت عدة اشياء اخف من الجنين الذي يزن في المتوسط ثلاثة كيلوجرامات.

كل ما نستطيع ان نحصل عليه من السيرة النبوية هو ان محمداً ولد في عام الفيل، اي حوالي عام 570 للميلاد وان ابوه مات وهو بعد في بطن أمه، وارضعته حليمة السعدية، وماتت امه وعمره خمسة او ستة سنوات ورباه عمه ابو طالب. وكان يرعى الغنم وهو طفل ثم مارس التجارة لحساب أمرأة ثرية اسمها خديجة بنت خويلد، وتزوجها فيما بعد وكان عمره آنذاك خمسة وعشرين عاماًً وهي عمرها اربعون عاماً. وصار محمد مسؤولاً عن تجارة خديجة، يسافر بها الى الشام من وقت لآخر. وقد اتاح له هذا الزواج التفرغ للتأمل في شؤون الكون واللجوء الى غار حراء من وقت لآخر

طفولته

اما طفولة محمد فلا نعلم عنها شيئاً لان كتب السيرة لا تذكر منها الا القليل، رغم زعمهم ان كل آيات النبوة ظهرت عليه عند مولده. ومن البديهي ان يهتم معاصروا محمد بنشأته اذا اهتز ايوان كسرى وسطع نورٌ باهر يوم مولده، واغلبهم قال سيكون له شأن عظيم. ولكن للاسف لا نجد الا القليل عن طفولته. فنعرف، مثلاً انه عندما كان عمره احدى عشر عاماً اصطحبه عمه ابو طالب الى الشام، حيث رأى عالماً فيه حضارة وتهذيب، غير ما رأى في مكة. وان كان صغيراً في تلك الرحلة وربما لم يحتك بديانة التوحيد في الشام، الا ان الرحلة فتحت عقله وجعلته يتوق الى رحلات اخرى، قام بها فيما بعد، لا بد انه رأى في اثنائها الرهبان واستمع اليهم [38] .

وفي اندفاع كُتاب السيرة الى تمجيد محمد والحاق الكرامات به، كتبوا عن طفولته اشياء لا يمكن ان يصدقها اي انسان. فمثلاً، كتب ابن كثير: كان ابو طالب لا مال له، وكان يحبه (محمد) حباُ ما يحبه ولده وكان يخصه بالطعام، وكان اذا اكل عيال ابي طالب جميعاً او فرادى لم يشبعوا، واذا اكل معهم رسول الله شبعوا، وكانوا يفضلون من طعامهم اذا اكل معهم، وان لم يكن معهم لم يشبعوا.

و في نفس الصفحة يقول ابن كثير: " وكان ابو طالب يقرّب الى الصبيان صفحتهم اول البُكرة، فيجلسون وينتهبون، ويكف رسول الله يده فلا ينتهب معهم. فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه على حدة " [39] . فإذا كان أطفاله يشبعون ويفضلون في طعامهم اذا أكل معهم، لماذا كانوا ينتهبون، ولماذا فصل له طعامه عنهم؟

زواجه من خديجة

تزوج محمد خديجة وهو في العشرينات من عمره وظل معها ما ظلت خديجة على قيد الحياة. ثم ماتت خديجة قبل هجرته الى المدينة بثلاث سنين [40] . وبين موت خديجة وموته هو في السنة الحادية عشر للهجرة، اي في ظرف ثلاث عشرة سنة، تزوج الرسول اربع عشرة امرأة او اكثر وملك عدداً من الجواري. ويقال انه دخل بثلاث عشرة امرأة من ضمنهن خديجة، وجمع بين احدى عشر وتوفي عن تسعة [41]

وقد يسأل سائل: لماذ تزوج محمد، وهو ابن بضع وعشرين عاماً، وكان رجلاً في غاية الوسامة، كما يخبرنا اهل السيرة، لماذا تزوج خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العزى، وقد كانت قبله عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وولدت له بنتاً، ثم توفى عنها فتزوجت ابو هالة بن زرارة بن نباش بن زرارة بن حبيب بن سلامة بن عدي فولدت له هند بن ابي هالة، ثم توفى عنها فتزوجها الرسول [42] .

فلماذا اذاً تزوج هذا الشاب ثيباً في الاربعين من عمرها ولديها طفلان؟

قد نجد الجواب في حديث نُسب الى عائشة. فقد قال الامام احمد عن ابن اسحاق، اخبرنا مُجالد، عن الشّعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان النبي اذا ذكر خديجة اثنى عليها بأحسن الثناء. قالت: فغرت يوماً فقلت: ما اكثر ما تذكرها حمراء الشدقين، قد ابدلك الله خيراً منها. قال: " ما ابدلني خيراً منها، وقد آمنت بي اذ كفر بي الناس، وصدقتني اذ كذبني الناس، وآستني بمالها اذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها اذ حرمني اولاد النساء [43] .

. فهل يجوز انه تزوجها من اجل مالها؟ وانه عندما كان في عنفوان شبابه، لم يتزوج غيرها، خوفاً من ان تحرمه مالها، ولما ماتت وعمره خمسون عاماً تزوج اربع عشرة امرأة او يزيد؟

نبوته

موضوع النبوة يثير جدالاً عميقاً في كافة المجتمعات، فهناك من ينكره وهناك من هو على استعداد لأن يموت من اجله. فموضوع النبوة يجري في خط موازي لنظرية داروين في التطور ولذا لا يمكن لهما ان يلتقيا. فنظرية داروين تقول بتطور الحياة من حيوانات بخلية واحدة " الاميبا" الى الانسان في شكله الحالي ماراً بمراحل متعددة من النمو والتطور. والاديان السماوية تقول بان الله خلق آدم وحواء ومنهم انتشر الجنس البشري في الارض، ولذا ارسل الله الرسل لهدايتهم. وقد يسأل سائل: ما الحكمة في ذلك؟ ما دام الله قد خلق الانسان، وهو القادر على كل شئ، لماذا لم يخلقهم كلهم مؤمنين؟ ويجيبنا علماء الاديان بان الله اراد ان يختبر الانسان.

ولكن قد نسأل لماذا احتاج الله ان يختبر الانسان وهو عالم بكل سرائره وما سيفعله في حياته من قبل ان يولد الانسان؟ اننا نختبر الانسان لمعرفة قدراته الفكرية او العملية، ولكن اذا كنا مسبقاً نعرف قدرات هذا الشخص، يكون الاختبار اضاعة للوقت والجهد. واذا كان الغرض من ارسال الرسل هو هداية البشر، فقد فشلت التجربة مرات عديدة. فلماذا استمر الله في اجراء نفس التجربة؟ فكل الانبياء الذين يزيد عددهم عن العشرين نبياً وارسلوا الى بني اسرائيل، لم ينجحوا الا في هداية جزء يسير منهم. وتعداد اليهود اليوم في كل انحاء العالم لا يزيد عن العشرين مليون شخصاً من مجموع سكان العام الذين يزيد عددهم عن ستة مليارات من ألاشخاص. واظن المنطق يقنعنا ان تجربة ارسال كل هولاء الانبياء الى بني اسرائيل كانت تجربة فاشلة. وقد قتل بنو اسرائيل بعض هولاء الانبياء كما يخبرنا القرآن، وقد عاقب الله كل الامم التي بعث فيهم رسولاً بأن خسف بهم الارض او ارسل عليهم الزلزال او الصيحة التي دمرتهم ودمرت مساكنهم لان اغلبهم لم يؤمنوا.

وفي عهد نوح ارسل طوفاناً اغرق الزرع والضرع وكل البشر ماعدا نوحاً واهله الذين آمنوا به. وبعد ان راى اهل نوح ما حدث للذين لم يؤمنوا، عادوا بعد اجيالٍ الى الكفر والعصيان مما اضطر الله ان يرسل لهم عدة انبياء آخرين، وتكررت نفس عملية خسف الارض والدمار. وحتى في العهد الحديث نسبياً عندما ارسل الله موسى الى بني اسرائيل، لماذا ارسل الله موسى وهو يعلم ان بلسانه عقدة ولن يستطيع ان يقنع الناس، ومهمة الرسول الاولى هي تبليغ الرسالة، ولذا يجب ان يكون فصيحاً، فاضطر موسى أن يسأل الله ان يرسل معه اخاه هارون؟ لماذا لم يرسل هارون وحده؟

ومما يثبت فشل تجربة الرسل ان بني اسرائيل عندما قادهم موسى في هجرتهم من مصر ورأوا ان الله قد شق لهم البحر وانجاهم واغرق فرعون وجنده، وانزل لهم المن والسلوى من السماء ليطعمهم، لم يقتنعوا بوجوده او برسالته فصنعوا لانفسهم عجلاً من ذهب وعبدوه. فهل هناك معجزات أكثر من هذه لتقنع الناس بوجود الله؟ فإذا لم يقتنع بنو أسرائيل بعد أن رأوا كل هذه المعجزات، الا يقنع كل هذا الله بأن ارسال الانبياء لا يجدي فتيلا؟

وهذا هو القرآن نفسه يقول في الآية 30 من سورة " يس" : " يا حسرة علي العباد ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن". فاذا علم الله ان كل العباد يستهزؤن برسلهم، لماذا يستمر في ارسالهم؟ لماذا لا يدمر الارض ومن عليها، كما فعل من قبل، ويخلق اناساً على دينٍ واحد؟ وارسال الرسل والانبياء، وان هدى بعض الناس، فهم دائماً اقلية، كما يخبرنا القرآن نفسه في سورة يوسف، الاية 103: " وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين".

وفي سورة آل عمران، ألآية 55 عندما يخاطب الله عيسى فيقول له: " وجاعل الذين أتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة "، فنفهم من هذه ألآية أنه سيكون هناك مسيحيون مؤمنون بعيسى الى يوم القيامة، فما فائدة ارسال محمد بالاسلام ليظهره على الدين كله، وهو قد قرر أنه سيكون هناك مسيحيون الى يوم القيامة. والدليل على ذلك أنه بعد ألف وأربعمائة سنة على إرسال محمد بالاسلام ليظهره على الدين كله، ما زالت المسيحية أكبر ديانة سماوية حتى ألان، وعدد أتباعها يفوق عدد المسلمين أضعافاً.

والقرآن يخبرنا في عدة آيات ان الله لو شاء لجعل الناس كلهم أمةً واحدةً يؤمنون برسالة واحدة ويكونون على دين واحد " ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة" [44] . وكذلك يخبرنا القرآن ان الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء: " من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على سراط مستقيم " [45] .

ويخبرنا الله كذلك في سورة الاسراء انه اذا اراد ان يهلك قريةً، امر مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول، فيدمرها تدميراً. فكل هذه الايات تؤكد ان الانسان مسيّر، ليس بيده اي شئ، الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويدمر القرى التي يختار تدميرها. فاذاً ما الحكمة في ارسال الانبياء لهداية البشر، والبشر لا يملكون الحق في تقرير مصيرهم؟

وفي بعض الاحيان نشعر ان الله لا يريد للناس ان يتبعوا الرسل، ففي سورة مريم الاية 83، نجد الله يقول: " ألم تر إنا ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم ازاً " اي تهيّجهم الى المعاصي حسب تفسير الجلالين. فما الحكمة في ارسال انبياء لهداية الناس، وفي نفس الوقت يرسل الله الشياطين لتهيّجهم على المعاصي؟

وهناك مفكرون عبر التاريخ قد انكروا فكرة ارسال الانبياء، منهم الطبيب الفارسي المشهور محمد بن زكريا الرازي (250-313 هجرية) والمفكر والشاعر العربي الشهير ابو العلاء المعري [46] ( 369-450 هجرية)، الذي قال:

تحطمنا الايام كالزجاج ولكن لا يُعاد لنا سبك

واذا اخذنا في الاعتبار الاعداد الهائلة من البشر الذين قُتلوا في الحروب الصليبية بين المسيحيين والمسلمين، والذين قُتلوا في محاكم التفتيش الاسبانية " Spanish inquisition "، وكذلك الذين قُتلوا ايام انتشار الدولة الاسلامية، والالاف الذين مازالوا يموتون في الحروب بين الاديان في عدة اقطار من العالم، يتضح لنا ان الاديان جلبت للجنس البشري ضرراُ يفوق المصلحة التي نتجت عنها. وهناك مفكرون عظماء عبر التاريخ البشري قدموا للعالم افكاراً نيرة افادت البشرية، ولم يكونوا انبياء، مثل كونفوسيوس " Confucius " و بوذا " Buddha " و حمورابي وأرسطو وغيرهم.

ومع ان محمداً كان من بني هاشم، لم يعتبره سادات قريش ذا مكانة عظيمه لانه كان يتيماً وفقيرا، وكان في مفهومهم ان الله اذا اراد ان يرسل رسولاً، لا بد له ان يختار رسولاً ذا مكانة في مجتمعه. ولهذا لما اعلن نبوته، قال الوليد بن المغيرة، زعيم بني مخزوم بمكة: عندما يكون في قريش رجل مثلي وفي بني تميم رجل مثل عروة بن مسعود، كيف يدّعي محمد انه نبي؟ فانزل الله قوله:" وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم, أهم يُقسّمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون" [47] .

ظل النبي بمكة ثلاث عشرة عاماً يحاول اقناعهم بدينه دون جدوى. وكان يعرض نفسه على قبائل العرب في موسم الحج من كل عام، دون ان يؤمن به احد. وزار بني ثقيف بالطائف يدعوهم الى الاسلام فلم يتبعوه. واخيراً استمع اليه نفر من الاوس والخزرج فآمنوا به وعقد معهم معاهدة لنصرته " بيعة العقبة"، ودعوه الى الهجرة لهم في المدينة، فهاجر اليها سنة ثلاث عشرة من بعثته، اي حوالي عام 623 للميلاد.

غزواته

عندما استقر النبي بالمدينة وسط الانصار والمهاجرين، ابرم اتفاقاً مع يهود المدينة أمنّهم فيه على انفسهم ومالهم على الا يحاربوه، وضمن بذلك ان قاعدته بالمدينة سالمة لا خوف عليها، وابتدأ يخطط لغزواته ليدخل الناس في الاسلام او يدفعوا له الجزية لتساعده على تحمل نفقات اقامة دولة للمسلمين. والدولة، طبعاً، لا بد لها من جيش يدافع عنها ويزيد من مساحتها وسطوتها. ويحتاج تجهيز الجيش الى أموال لشراء الاسلحة والخيول واطعام الجنود وما الى ذلك. ولكن من اين لمحمد بكل هذا المال.

الحل الذي لجأ اليه النبي كان السطو على قوافل قريش التي كانت دائماً محملةً بأثمن البضائع من الشام وكذلك غزو القبائل المجاورة. وحسب ما قال محمد بن عمر: ان مغازي رسول الله معروفة مجتمع عليها ليس فيها اختلاف بين احد في عددها وهي سبع وعشرون غزوة. واخْتُلف في عدد سراياه، حدثنا محمد بن حُميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا محمد بن اسحاق قال: كانت سرايا رسول الله وبعوثه – فيما بين ان اقدم المدينة وبين ان قبضه الله خمساً وثلاثين بعثاً وسرية [48] .

ففي شهر رمضان على رأس سبعة اشهر من هجرته الى المدينة، عقد النبي لحمزة بن عبد المطلب لواءً ابيضاً في ثلاثين رجل من المهاجرين، وامره ان يعترض لعيرات قريش، كما زعم الواقدي [49] . ولكن حمزة لما حاول اعتراض القافلة وجد ابا جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني فافترقوا ولم يكن بينهم قتال.

وفي شهر ربيع الاول من السنة الثانية للهجرة خرج الرسول في غزوة مع مائتي راكب، وكان مقصده ان يعترض لعير قريش، وكان فيها امية بن خلف ومائة رجل والفان وخمسمائة بعير. وسار النبي حتى بلغ بُواط من ناحية رضوى لكنه لم يجد عير قريش، فرجع للمدينة وسميت هذه الغزوة " غزوة بواط" [50] .

ومرة اخرى خرج في غزوة العُشيرة يريد الاعتراض لعيرات قريش وسار حتى وصل العُشيرة ببطن ينبع، ولم يعثر على عير قريش، فرجع. وفي رجب من نفس العام ارسل عبد الله بن جحش مع ثمانية من المهاجرين، وكتب له كتاباً وامره الا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه. فلما فتح الكتاب وجد فيه: " اذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلةً بين مكة والطائف فترّصد بها قريشاً وتعلم لنا من اخبارهم". وساروا حتى نزلوا نخلة، فمرت عيرُ لقريش فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة واخوه نوفل والحكم بن كيسان. وتشاور الصحابة فيهم، وذلك في آخر يوم من رجب فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعُن به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فاجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم واخذ ما معهم، فحلقوا رأس احدهم ليطمئن القرشيون اصحاب العير أنهم من عُمار بيت الله الحرام.

وعندما أطمئن القرشيون ووضعوا سلاحهم رمي واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستاسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وافلت منهم نوفل بن عبد الله [51] . واقبل عبد الله بن جحش واصحابه بالعير والاسيرين، حتى قدموا على رسول الله. فقال عبد الله بن جحش لاصحابه: ان لرسول الله فيما غنمنا الخمس، فعزله وقسم الباقي بين اصحابه، وذلك قبل ان تنزل آية الخمس.

ولما قالت قريش قد استحل محمد واصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم واخذوا فيه الاموال واسروا الرجال، أنزعج الرسول من هذا الكلام وقال لأصحابه: " ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام". [52] ورفض ان يأخذ نصيبه من الغنيمة، وهو الاسيرين وبعض العير. وحينئذ سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم أخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. [53]

ولكن سرعان ما نزلت الاية: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل: قتال فيه كبيرٌ، وصدٌ عن سبيل الله وكفرٌ به، والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله، والفتنة اكبر من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا" [54] . فلما نزل القرآن بهذا الامر وفرّج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، أخذ رسول الله –ص- العير والاسيرين. [55] وهذا كان يمثل خمس الغنيمة، وكانت هذه اول غنيمة للمسلمين، وفادى الاسيرين بأربعين أوقية لكل منهما وهذا أول فداء لأول أسير في الاسلام. [56]

وهذه ألآية طبعاً عذر لا تسنده الوقائع، فقريش لم تكن تحاربهم في ذلك الوقت، بل بالعكس، حاول المسلمون اعتراض قوافل قريش ثلاث مرات قبل هذا. وحتى في هذه المرة لم تكن قريش قد اعتدت عليهم وانما هم الذين اعتدوا، وفي الشهر الحرام.

غزوة بدر الكبرى

سمع الرسول بأبي سفيان صخر بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة فيها اموال وتجارة، وفيها ثلاثون رجلاً، او اربعون، وكان في العير الف بعير تحمل اموال قريش باسرها، فقال الرسول لاصحابه: " هذه عير قريش فيها اموالهم، فاخرجوا اليها لعل الله يُنفلكموها". فسمع ابو سفيان ان المسلمين يتربصون بهم، فارسل ضمضم بن عمرو الى مكة يطلب النجدة منهم. فخرجت قريش في تسعمائة وخمسين مقاتلاً وخرج النبي مع المهاجرين والانصار حتى بلغ بدر فنزل بها في انتظار ابي سفيان وعير قريش. وعلم ابو سفيان بنزول المسلمين ببدر فغير طريق قافلته ونجا بها وارسل الى قريش يخبرهم انه قد نجا بقافلته فليرجعوا.

ولكن ابو جهل بن هشام اصر ان تصل قريش الى بدر، وكان موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام. فساروا حتى نزلوا بالعدوة القصوى. وسار الرسول حتى جاء ادنى ماء من بدر فنزل به. وكان مع الرسول رجل يدعى الحباب بن منذر بن الجموح، قال للرسول: يا رسول الله ارايت هذا المنزل، أمنزلاً انزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه، ام هو الرأى والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأى والحرب والمكيدة. قال الحباب: يارسول الله، فان هذا ليس بمُنزل، فامض بالناس حتى نأتي ماءً من القوم فننزله، ثم نغّور( نملأ بالتراب) ما وراءه من القُلُب ( الآبار)، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله: " لقد اشرت بالرأي" وفعل ما اقترحه ابن المنذر. والتقى الجمعان وانتصر المسلمون [57] .

وقال ابن اسحاق عن عبد الرحمن بن عوف انه مر يوم بدر بأمية بن خلف واقفاً مع ابنه علي وهو آخذ بيده، فأسرهما عبد الرحمن بن عوف، فرآهما بلال فقال : رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوتُ ان نجا. ثم صاح بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف. فهجم الانصار عليهما وقتلوهما.

واختلف الصحابة في بقية الاسرى: أيُقتلون او يُفادون؟، فاستشار الرسول ابا بكر وعلياً وعمر، فقال ابو بكر: يارسول الله هولاء بنو العم والعشيرة والاخوان، واني ارى ان تأخذ منهم الفدية، فيكون ما اخذناه قوةً لنا، وعسى ان يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً. فقال عمر: والله ما ارى ما رأى ابو بكر، ولكن ارى ان تمكنني من فلان، قريب لعمر، فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان اخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله انه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين. فأخذ الرسول براي ابي بكر وقرر ان يأخذ من الاسرى الفداء.

وفي اليوم التالي وجد عمر الرسول وابا بكر يبكيان، فلما سأل عن السبب، قال الرسول:" نبكي للذي عرض علي اصحابك من اخذهم الفداء" وانزل الله " ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخرة والله عزيز حكيم". ثم احل لهم الغنايم [58] .

المنطق يتطلب ان تكون الشرائع السماوية ارحم من تشريع البشر، فالله يصف نفسه بانه رحيم بعباده غفور بهم. ومن اسمائه السلام والرؤوف وما الى ذلك، فهل يعقل ان يغضب الله على الرسول لانه لم يقتل الاسرى، وقرر ان يأخذ منهم الفداء بينما التشريع الانساني يحرم قتلهم؟ ولم يذكر احد من المؤرخين ان الرسول انّبَ بلال واصحابه على قتل الاسيرين أمية بن خلف وابنه. واي اله هذا الذي يشجع على قتل الاسرى؟

وحتى بعد أن كثر عدد المسلمين ونزلت سورة محمد، قال الله: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فاما مناً بعد واما فداء". [59] ويقول القرطبي في تفشير هذه ألآية: قال الله: فضرب الرقاب، ولم يقل اقتلوهم، لأن في العبارة " ضرب الرقاب" من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن.

فالله لا يكتفي بقتل الكافرين فحسب، بل يجب أن نقتلهم شر وافظع قتل. أما ألاسرى، فرغم أن الله قال " اما مناً واما فداء" فيقول القرطبي في تفسير ألآية: " قال قتادة ومجاهد إذا أُسر المشرك لم يجز أن يُمن عليه، ولا أن يُفادى به فيرد الى المشركين، ولا يجوز أن يُفادى عندهم الا بالمرأة لأنها لا تُقتل". فحتى بعد أن تلطف الله على المشركين بعد أن غضب على الرسول لانه أخذ منهم الفداء في واقعة بدر، وقال " فأما مناً واما فداء" يقول علماء المسلمين يجب قتل الاسرى.

غزوة بني قينقاع

كان للرسول حلفٌ مع يهود المدينة، وكتب رسول الله كتاباً بين المهاجرين والانصار وادع فيه اليهود وعاهدهم واقرهم على دينهم واموالهم واشترط عليهم وشرط لهم فقال:" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي الامي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، .... الى ان قال:ان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وان يهود بني عوف أمةٌٌ مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وانفسهم، الا من ظلم واثم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته. وان على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وان بينهم النصر على من حارب اهل هذه الصحيفة، وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الاثم، وانه لم يأثم امرؤُ بحليفه، وان النصر للمظلوم، وان يثرب حرام جوفها لاهل هذه الصحيفة، وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم ". ومعنى العبارة " أن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة" هو أن جوف المدينة حرمٌ لأهل هذه المعاهدة، لا يجوز الاعتداء عليهم فيها.

ويقال ان أمرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست الى صائغ هناك منهم فجعلوا يراودونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ الى طرف ثوبها فعقده الى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، فشد بعض اليهود الحاضرين على المسلم فقتلوه، فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود، فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه، رغم ان العقد بينهم يقول " الا من ظلم واثم فانه لا يوتغ الا نفسه واهل بيته". فبدل ان يُحاسب الذين اثموا، حاصر النبي كل بني قينقاع.

فكُتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمه فيهم عبد الله بن ابي بن سلول، فقال: يا محمد، احسن في موالي – وكانوا حلفاء الخزرج – فأبطأ عليه النبي. فادخل يده في جيب رسول الله، فقال الرسول: " أرسلني" ، وغضب رسول الله حتى رأوا في وجهه ظلالاً ثم قال: " ويحك ارسلني" فقال عبد الله: لا والله لا ارسلك حتى تحسن الى موالي. اربعمائة حاسر وثلاثماية دارع قد منعوني من الاسود والاحمر، تحصدهم في غداة واحدة! واني والله لا آمن واخشى الدوائر. فقال الرسول: " هم لك. خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم". فأرسلوهم، ثم امر بإجلائهم، وغنم المسلمون ما كان لهم من مال [60] . وكان للرسول خُمس اموالهم.

وواضح ان النبي اراد عذراً لغزوة بني قينقاع، فاتخذ ما حدث للمرأة الاعرابية كذريعة لغزوهم. ويذكر الواقدي [61] ان بني قينقاع كانوا صاغة واصحاب سلاح، ولمكانتهم هذه في المدينة ولما ابدوه من مناصرة قريش، فكر الرسول في امرهم طويلاً وظل في ذلك حتى نزلت الاية " واما تخافن من قوم خيانة، فانبذ اليهم على سواء، ان الله لا يحب الخائنين" [62] . ويتضح من الاية ان الله احل للنبي ان يغزو من شاء اذا خاف منهم خيانةً. وهذا ما حدث لبني قينقاع دون اعتداء منهم علي المسلمين، بل بالعكس، قتل احد المسلمين الصائغَ اليهودي اولاً، فقتل اليهود المسلم القاتل. وهذا يقع تحت طائلة الاخذ بالثار التي كانت متفشية عند العرب في ذلك الوقت. ولكن النبي قرر نقض العهد معهم وحصارهم وطردهم من المدينة، بل لقتلهم لولا تدخل عبد الله بن أبي بن سلول، رغم الصحيفة التي تقول أن المدينة حرمٌ لأهل المعاهدة ولا يجوز الاعتداء عليهم فيها.

وسورة البقرة الآية 85 تقول عن اليهود: " وتُخرجون فريقاً منكم من ديارهم وتُظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرمٌ عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة". فإذا كان القرآن يُعيب على اليهود إخراجهم بعضهم من ديارهم ويقول لهم هو محرم عليكم، كيف إذاً أحل النبي لنفسه ان يُخرج بني قينقاع من ديارهم؟

وفي بداية السنة الثالثة للهجرة سمع النبي أن أبا سفيان خارج في تجارة للشام، وأنهم خافوا طريق الشام بعد موقعة بدر فسلكوا طريق العراق. قال ابو جعفر: واما الواقدي فزعم ان سبب هذه الغزوة كان ان قريشا قالت: قد عور علينا محمد متجرنا وهو علي طريقنا. وقال ابو سفيان وصفوان بن امية: ان اقمنا بمكة اكلنا رؤوس اموالنا. قال ابو زمعة الاسود: فانا ادلكم علي رجل يسلك بكم النجدية، لو سلكها مغمض العينين لاهتدى. قال صفوان: من هو؟ فحاجتنا الي الماء قليل، انما نحن شاتون. قال: فرات بن حيان، فدعواه فاستاجراه، فخرج بهم في الشتاء، فسلك بهم علي ذات عرق، ثم خرج بهم علي غمرة، وانتهي الي النبي خبر العير وفيها مال كثير، وانية من فضة حملها صفوان بن امية، فخرج زيد بن حارثة فاعترضها، فظهر بالعير وافلت اعيان القوم منه، فكان الخمس عشرين الفا، فاخذه رسول الله وقسم الاربعة الاخماس علي السرية [63]

وفي سنة اربع من الهجرة، ارسل النبي ابا سلمة بن عبد الاسد ليغزو بني اسد ومعه خمسون ومائة رجلاً. فانتهى الى ادنى قطن، وهو ماء لبني اسد، وكان هناك طليحة الاسدي واخوه سلمة ابناء خويلد. فلما رأوا السرية تفرقوا وتركوا عدداً كبيراً من الابل والغنم، فاخذها ابو سلمة ورجع للمدينة، واخرج للنبي خمس الغنيمة [64] .

غزوة بني النضير

كان بين عمرو بن امية وبني النضير عهدٌ وحلف، وعندما قتل عمرو بن امية رجلين من بني عامر، خرج رسول الله الى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين، رغم المعاهدة سابقة الذكر التي كتبها بينه وبين يهود المدينة وقال فيها: " وإنه لم يأثم أمرؤ بحليفه". [65] ورغم هذا قال له بنو النضير: نعم يا ابا القاسم نعينك على ما احببت. ويبدو ان النبي جلس الى جنب جدار، فهمّ احد بني النضير بالطلوع فوق البيت لكي يرمي حجراً علي النبي فيقتله. ولكن النبي ترك مكانه من عند الجدار ورجع الى المدينة وارسل محمد بن مسلمة يأمر يهود بني النضير بالخروج من المدينة. فرفضوا الخروج، وعندئذ امر الناس بالخروج اليهم، وحاصرهم خمسة عشر يوماً وهم يقاومون في حصونهم.

وعندها امر رسول الله – ص - بقطع نخيلهم والتحريق فيها [66] . فنادوا عليه: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها، اذا كان لك هذا فخذه وان ان لنا فلا تقطعه [67] . وتنبه جماعة من المسلمين الى ان النخيل سوف يصير لهم بعد هزيمة بني النضير، فمنعوا أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام من ان يقطعوه، وكان النبي قد أوكل اليهما قطعه [68] . وذهب جماعة منهم الى النبي وقالوا له كيف نقطع النخيل وسوف يصير لنا؟ فانزل الله: " ما قطعتم من لينةٍ او تركتموها قائمة على اصولها فبأذن الله" [69]

ولما اشتد عليهم الحصار سألوا رسول الله ان يجليهم ويكف عن دمائهم على ان لهم ما حملت الابل من اموالهم. فحملوا ما استطاعوا من اموالهم وخرجوا الى خيبر ومنهم من سار الى الشام. وخلوا النخيل والمزارع لرسول الله، فكانت له خاصة لان المسلمين لم يحاربوا من اجلها.

غزوة بني قريظة

بعد غزوة الخندق اخبر الرسول اصحابه ان جبريل اتى اليه واخبره ان الله قد امره ان يغزو يهود بني قريظة، رغم الحلف الذي كان بينه وبينهم، فساروا اليهم وحاصروهم خمساً وعشرين ليلة. فبعثوا الى رسول الله ان ابعث الينا ابا لُبابة بن عبد المنذر نستشيره في امرنا. فارسله لهم، فلما رأوه جهش اليه النساء والصبيان يبكون، فرق لهم ، فقالوا: يا ابا لبابة أترى ان ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم. واشار بيده الى حلقه انه الذبح.

فاجتمع نفر من الاوس، وكانوا حلفاء بني قريظة، وقالوا للنبي: يا رسول الله انهم كانوا موالينا دون الخزرج، وقد عفوت عن بني قينقاع موالي الخزرج، فاعف عن بني قريظة. فقال النبي: يا معشر الاوس الا ترضون ان يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى. فقال: ذلك الى سعد بن معاذ. فقالوا لسعد: يا ابا عمرو احسن في مواليك، فان رسول الله انما ولاك ذلك لتحسن فيهم. فقال لهم: قد آن لسعد الا تأخذه في الله لومة لائم. وحكم سعد بان يُقتل الرجال وتُقسم الاموال وتسبى الذراري والنساء. فقال له النبي: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة.

وخرج النبي الى سوق المدينة وامر ان تُحفر بها خنادق ثم انزلوا رجال بني قريظة وضربت اعناقهم في تلك الخنادق، حتى بلغ عددهم ستمائة او سبعمائة قتيل، وقال آخرون ان القتلى كانوا ثمانمائة الى تسعمائة. وقتل منهم امرأة واحدة، هي زوجة حسن القريظي، كانت قد رمت بحجر نحوالنبي في ايام الحصار.ورغم ان النبي قد وافق مقدماً ان يقبل حكم سعد، وعندما سمعه قال انه حكم الله، لكنه خالف حكم الله واعدم امرأةً رغم ان سعد قال تُسبى النساء. وقد رأينا سابقاً أن قتادة ومجاهد قالا: لا يجوز أن يُفادى الاسير المشرك الا بالمرأة لأن المرأة ألاسيرة لا تُقتل.

و بعث الرسول سعد بن زيد الانصاري بسبايا من سبايا بني قريظة الى نجد فابتاع له بهم خيلاً وسلاحاً، واختار لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خُناقة وعرض عليها ان تسلم فيتزوجها، او تكون مما ملكت يمينه. فقالت: يا رسول الله بل اتركني في ملكك فهو اخف علي وعليك [70] . وقد يسال سائلٌ: أيُعقل ان يحكم الله من فوق سبعة ارقعة بقتل كل هذا العدد من الاسرى وسبي نسائهم واطفالهم، مع العلم بانهم لم يحاربوا الرسول، وان كانوا قد شجعوا قريشاً على حربه؟

غزوة خيبر

في السنة السابعة للهجرة قرر النبي غزو يهود خيبروكان فيهم يهود بني قينقاع ويهود بني النضير الذين سبق ان أُخُرجوا من المدينة. فسار النبي بجيشه حتى نزل بوادي يقال له الرجيع، فنزل بين اهل خيبر وبين غطفان ليحول بينهم وبين ان يمدوا اهل خيبر وكانوا لهم مظاهرين. بدأ الرسول بالاموال يأخذها مالاً مالاً ويفتحها حصناً حصناً، فكان اول حصونهم افتتح حصن ناعم ثم القموص، حصن ابن ابي العقيق، واصاب النبي منهم سبايا منهن صفية بنت حُيي بن أخطب، فاصطفى النبي صفية لنفسه. ثم جعل النبي يتدنى الحصون والاموال.

فلما فتح النبي من حصونهم ما فتح وحاز من اموالهم ما حاز، انتهوا الى حصنهم الوطيح – وكان آخر حصون خيبر- حاصرهم النبي بضع عشرة ليلة. قال ابن اسحق: واتى النبي بكنانة بن الربيع بن ابي الحقيق – وكان عنده كنز بني النضير- فسأله فجحد ان يكون له علم بالكنز، فاتى النبي برجل من يهود، فقال الرجل للنبي: اني قد رايت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال النبي لكنانة: أرايت ان وجدناه عندك، أأقتلك؟ قال: نعم. فأمر النبي بالخربة فحُفرت فاخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقي فأبى ان يؤديه، فأمر به رسول الله الزبير بن العوام فقال: عذبه حتى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى اشرف على الهلاك، ثم دفعه رسول الله الى محمد بن مسلمة فضرب عنقه [71] .

وحاصر النبي اهل خيبر في حصنهم حتى اذا ايقنوا بالهلكة سألوه ان يأخذ مالهم ويحقن لهم دماءهم.ففعل. وكان النبي قد حاز الاموال كلها الا ما كان من حصن الوطيح. ولما نزل اهل خيبر من حصنهم سألوا النبي ان يعاملهم بالاموال على النصف، وقالوا: نحن اعلم بها منكم واعمر لها، فصالحهم النبي على النصف، على انا اذا شئنا ان نخرجكم اخرجناكم. فلما سمع اهل فدك بما حدث لاهل خيبر، بعثوا الى النبي يسألونه ان يسيّرهم ويحقن دماءهم ويخّلوا له الاموال، ففعل.

والانطباع الذي يخرج به القارئ من كل هذه الغزوات ان الدافع لها كان مادياً اكثر منه الحرص على اقناع اليهود والوثنيين بالدخول في الاسلام. فلم يهتم النبي بمحاولة اقناع اي قبيلة من اليهود بالاسلام، خاصةً وانه ذكر في معاهدته معهم " لليهود دينهم وللمسلمين دينهم"، ولذا لم يحاول اقناعهم وقد اترف ان لهم دينهم، فأصبح الدافع الوحيد لغزوهم هو اخذ اموالهم وقتلهم او طردهم من المكان. والدافع لقتل اليهود كان قوياً عند النبي بدليل قتله كل اسرى بني قريظة وكذلك نيته قتل يهود بني النضير لولا ان تدخل عبد الله بن ابي بن سلول. أما تعذيب الاسرى فيظهر انه مباح في الاسلام بدليل ان النبي امر بتعذيب كنانة بن الربيع حتى يدلهم على الكنز، وعندما فشل التعذيب في حمله على الافشاء بالكنز، قتلوه. ولم يذكر المؤرخون ان النبي عرض على كنانة ان يسلم ويحقن دمه، بل كان كل همه ان يعرف مكان الكنز المدفون.

وفي العام السادس للهجرة خرج الرسول في سبعمائة رجل الى مكة يريد العمرة، فمنعه اهل مكة وطلبوا منه الرجوع في العام القادم. واخيراً، بعد عدة ايام، عقدوا صلح الحُديبية بين النبي وبين اهل مكة. وكان ممثل اهل مكة في الصلح سهيل بن عمرو. فدعا النبي علي بن ابي طالب ليكتب الصلح. فكتب علي: " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحنا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على انه من اتى رسول الله من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم ترده عليه. وان بيننا عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال ولا إغلال، وانه من احب ان يدخل في عقد رسول الله وعهده دخل فيه، ومن احب ان يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه" [72] .

وبعد ثمانية عشر شهراً هجم بنو بكر على خزاعة ويبدو ان قريشاً ساعدت بني بكر بالسلاح والكُراع. فركب عمرو بن سالم، من خزاعة، يستنجد بالنبي. فجهز النبي جيشاً كبيراً وغزا مكة رغم صلح الحُديبية الذي وضع الحرب بينهم عشر سنوات. وقال ابن اسحاق: قد كان رسول الله عهد الى امرائه الا يقاتلوا الا من قاتلهم، غير انه اهدر دم نفرٍ سماهم وان وجدوا تحت استار الكعبة وهم: عبد الله بن ابي سرح، وعبد الله بن خطل، رجل من بني تيم بن غالب، وكانت له قينتان، اسم احدهم فرتانا وواسم الاخرى غريبة، امر بقتلهما معه، والحويرث بن نقيد بن وهب بن عبد قصي، ومقيس بن صبابة، وعكرمة بن ابي جهل، وسارة، وكانت مولاة لعمرو بن هاشم من بني عبد المطلب، وهند بنت عتبة، زوجة ابي سفيان. ولكن هند بايعت الرسول فسلمت.

اما عبد الله بن سعد بن ابي سرح قد امر بقتله لانه كان قد اسلم وكتب الوحي للنبي لمدة من الزمن، ثم ترك وارتد لانه قال كان يكتب الوحي وكان يقترح على النبي بعض التعديلات فيما كان قد املاه عليه، وكان النبي يوافق علي التعديل، فمثلاً في احد المرات قال له النبي اكتب: " ان الله عزيز حكيم" فقال له عبد الله: اليس من الافضل ان تقول " ان الله عليم حكيم؟" فوافق النبي [73] . فقال عبد الله لو كان هذا من عند الله لما قبل ان يغيره، فترك وارتد. وعندما دخل النبي مكة فر عبد الله الى عثمان بن عفان وكان اخاه من الرضاعة، فلما جاء به ليستامن له صمت عنه الرسول طويلاً ثم قال: " نعم ". فلما انصرف مع عثمان قال النبي لاصحابه: " أما كان فيكم رجلٌ رشيد يقوم الى هذا الرجل حين رآني قد صمتُ فيقتله" فقالوا: يا رسول الله هلا أومأت الينا؟ فقال: " ان النبي لا يقتل بالاشارة" [74] . واسلم عبد الله وحسن اسلامه، وفي ايام خلافة عثمان، اصبح عبد الله قائدا لجيوش العرب في شمال افريقيا، وابلى بلاءً حسناً جعل الخليفة عثمان يعزل عمرو بن العاص من ولاية مصر ويولي عليها عبد الله.

وعبد الله بن خطل قيل انه ارتد وقتل خادمه وكان مسلماً، اما قينتاه فكانتا تغنيان بهجاء الرسول. فقُتلت احداهما وهربت الاخرى. اما عكرمة بن ابي جهل فكان ممن يؤذيه بمكة قبل الهجرة، وهرب عكرمة الى اليمن واسلمت امرأته ام حكيم بنت الحارث بن هشام، فأستامنت له النبي فأمنه. اما سارة مولاة بني عبد المطلب فاستُومن لها فأمنها وبقيت حتى اوطأها رجل من المسلمين فرساً له بالابطح فقتلها الفرس. اما الحويرث بن نقيد فقد قتله علي بن ابي طالب. واما مقيس بن صبابة فقتله رجل يدعى نُميلة بن عبد الله، رجل من قومه، فقالت اخت مقيس:

لعمري لقد اخزى نُميلةُ رَهطَه وفجّع اضياف الشتاء بمقيسٍ

فلله عينا من رأى مثل مقيس اذا النفساء اصبحت لم تُخّرس [75]

قال الواقدي: امر رسول الله بقتل ستة رجال واربع نسوة. وذنب الاربع نساء وبعض الرجال انهم هجوا الرسول فاباح دمهم حتى لو وجدوا تحت استار الكعبة. والكعبة كانت حرماً آمنا لكل العرب، لا يؤذى من دخلها حتى وان كان قاتلاً. والقرآن يقول عن اول بيت بُني للناس، وهو الكعبة، في سورة آل عمران الاية 97: " فيه آياتٌ بيناتٌ مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً..." ولكن هذا لم يمنع النبي ان يأمر بقتلهم حتى لو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة.

وهذه لم تكن اول مرة يأمر فيها النبي بقتل من هجاه او اغضبه. فقد امر بقتل النضر بن الحارث من بني عبد الدار بن قصي من قريش، وهم من اقربائه، وكان النضر علي علم بقصص الانبياء وقصص اهل فارس، فكان يعقب النبي في مجالسه بمكة ويقول للاعراب: انا اقص عليكم قصصاً احسن من قصص محمد. وكان يقص عليهم اخبار ملوك فارس وقصص انبياء اليهود. فلما وقع النضر اسيراً في غزوة بدر، امر الرسول بقتله، وكان من نصيب المقداد بن عمرو. فلما امر الرسول بقتله وكان المقداد يطمع في الفداء، قال المقداد للرسول: هذا الرجل اسيري ويحق لي ان افاديه. فقال الرسول له: هل نسيت ما قال هذا الفاسق عن الاسلام. فقتلوه في الاثيل. وقالت اخته قتيلة بنت النضر في رثائه:

يا راكباً ان الاثيلَ مظنةُ من صبح خامسةٍ، وانت موفق

ابلغ بها ميتاً بان تحيةً ما ان تزال بها النجائب تخفق

مني اليك، وعبرةً مسفوحةً جادت بواكفها واخرى تخنق

هل يسمعني النضرُ ان ناديته أم كيف يسمع ميت لا ينطق

أمحمدٌ يا خيرَ ضن كريمةٍ في قومها، والفحلُ فحلٌ معرق

ما كان ضرك لو مننتَ؟ وربما منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

او كنت قابل فديةٍ فلينفقن بأعز ما يغلو به ما يُنفق

فالنضرُ اقربُ من أسرت قرابةً وأحقهم ان كان عٍتقٌ يُعتق

ظلت سيوف بني امية تنوشه لله ارحامٌ هناك تشقق

صَبْراً يُقادُ الى المنية مُتعباً رَسفَ المقيّد وهو عانٍ موثق

مرة اخرى يقاد الاسير وهو مكتوف الايدي والارجل الى المنية، لا لذنب غير انه اغضب الرسول. واين العفو والعرب تقول العفو عند المقدرة شجاعة. والقرآن يقول للرسول : " وجادلهم بالتي هي احسن" ، " لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" وهذه اخت النضر تقول: ربما منّ الفتى وهو المغيظ المحنق. فلو كان الفتى العادي يمن وهو مغيظ ومحنق، ما كان اولى بالنبي ان يمن ويصفح، وقد صفح انبياء قبله. فمثلاً، عيسى بن مريم يقول: " اذا صفعك احد على خدك الايمن، فأدر له خدك الايسر".

ويبدو ان قتل الاسرى كان متعارفاً عليه بين المسلمين. قال ابن عباس : بعث رسول الله خالد بن الوليد حين افتتح مكة الى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة. فلما رآه القوم اخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا سلاحكم فان الناس قد اسلموا. فقال رجل من بني جذيمة يقال له جحدم: ويلكم يابني جذيمة انه خالد! والله ما بعد وضع السلاح الا الإسار، وما بعد الاسار الا ضرب الاعناق. والله لا اضع سلاحي ابداً. فأخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم أتريد ان تسفك دماءنا؟ ان الناس قد اسلموا ووضُعت الحرب و آمن الناس. فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه، ووضع القوم سلاحهم لقول خالد. فقال حكيم بن جكيم عن ابي جعفر: فلما وضع الناس السلاح امر بهم خالد فكُتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل. [76]

وفي سنة خمس بعث الرسول زيد بن حارثة الى وادي القرى فلقي بني فزارة، فأصيب عدد من اصحابه وجُرح زيد. فلما رجع الى المدينة نذر الا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة. فلما شُفي من جراحه بعثه الرسول في جيش الى بني فزارة، فلقيهم بوادي القرى فأصاب فيهم واسر ام قَرفة – وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر – عجوزاً كبيرة وبنتها، وكان العرب يضربون المثل بأم قرفة لعزتها فيقولون: أعز من أم قَرفة. وقال الاصمعي: من أمثالهم في العزة والمنعة: أمنع من أم قَرفة. وكان النبي يقول لأهل مكة: أرأيتم لإن قتلتُ أم قرفة؟ فيقولون: أيكون ذلك؟ فامر النبي زيد بن حارثة ان يقتل ام قرفة، فقتلها قتلاً عنيفاً، ربط برجليها حبلين ثم ربطهما الى بعيرين حتى شقاها [77] . فأمر النبي بالطواف برأسها في دروب وازقة المدينة [78]

ويبدو ان الاغتيالات السياسية كانت متفشية في زمن النبي. ففي السنة الثانية للهجرة بعث الرسول عبد الله بن عُقبة ليغتال ابا رافع سلام بن ابي الحقيق اليهودي وكان سبب قتله انه كان يظاهر كعب بن الاشرف على الرسول. فدخل عبد الله الحصن وكمن تحت حمار الى ان اغلق البواب ابواب الحصن وعلق المفاتيح من داخل الباب. وكان ابو رافع يسمر مع اصحابه، فلما تفرقوا عنه، اخذ عبد الله بن عقبة المفاتيح وصعد اليه. ويقول عبد الله: فجعلت كلما فتحت بابا اغلقته عليّ من داخل. قلت: إن القوم نذروا بي لم يخلصوا اليّ حتى اقتله. قال: فانتهيت اليه، فاذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا ادري اين هو من البيت! قلت: ايا رافع! قال: من هذا؟ قال: فاهويت نحو الصوت فاضربه ضربة بالسيف وانا دهش فما اعي شيئا، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى اخرجته من ظهره [79] .

واليهودي الاخر، كعب بن الاشرف لم يكن احسن حظاً. فهو كان يهجو النبي ويألب قريشاً ضده. قال ابن اسحاق: قال النبي : من لابن الاشرف؟ فقال له محمد بن مسلمة اخو بني عبد الاشهل: انا لك به يا رسول الله انا اقتله. فقال له الرسول: افعل ان قدرت على ذلك. فرجع محمد بن مسلمة، فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب الا ما يعلق نفسه. فذُكر ذلك لرسول الله، فدعاه فقال له: لم تركت الطعام والشراب؟ فقال: يا رسول الله قلت لك قولاً لا ادري هل أفي به ام لا. قال له الرسول: انما عليك الجهد. فذهب ابن مسلمة ومعه سلكان بن سلامة بن وقش، وكان اخاً لكعب من الرضاعة. ومشى معهم رسول الله الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم اعنهم ". ثم رجع الى بيته. وعندما وصلوا حصن كعب بن الاشرف نادى عليه سلكان فنزل اليهم كعب في ملحفته، وكان عريساً، وخرجوا يتمشون فهجموا عليه بسيوفهم وقتلوه. [80]

وبعث الرسول عمرو بن امية الضمري وسُلمة بن اسلم بن حريس الى مكة وقال لهما: اخرجا حتى تأتيا ابا سفيان بن حرب، فان اصبتما منه غرةً فاقتلاه. ولكن عندما وصلا الكعبة عرفهم اهل مكة مما اضطرهما للهرب دون ان يصيبا ابا سفيان. [81]

وفي النخلة كان خالد بن سفيان الهذلي يألب بني هذيل ضد النبي فارسل النبي عبد الله ين انيس الجهني ليقتله، وقال له: انه قد بلغني ان خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني، فائته فأقتله. فلما اتاه سأله خالد: من الرجل؟ قال: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لذلك. فقال خالد: اجل انا في ذلك. فسار معه عدة خطوات وحمل عبد الله عليه بسيفه فقتله وحمل رأسه للنبي. فأعطاه النبي عصاً وقال له: تحضّر بهذه في الجنة. ولما مات عبد الله بن انيس أدرجت العصا في كفنه [82]

كان ابو عفك رجلاً مسناً، قيل ان عمره كان عشرين ومائة عام، قال شعراً هجا به النبي، فقال النبي: من لي بهذا الرجل؟ فتطوع سالم بن عمير لقتله. فسار اليه سالم وقتله، فاثار هذا العمل حفيظه شاعرة اسمها اسماء بنت مروان، فقالت شعراً هجت فيه النبي. فارسل النبي اليها عمير بن عُدي الذي تسلل الى خيمتها ليلاً وهي ترضع وليدها فقتلها [83]

وفي سنة ثمانية للهجرة عندما كان النبي يجهز لحملته ضد الروم، تناهى الى سمعه ان بعض الرجال كانوا مجتمعين في بيت يهودي اسمه شويلم وكانوا يخططون لمعارضة الحملة، فارسل النبي طلحة بن عبيد الله مع عدد من الرجال ليحاصروا المنزل ويحرقوه. رجل واحد فقط استطاع ان ينجو من المنزل وكسر رجله في محاولته الهروب من النار.

ازواج النبي

حدثنا ابن سعد عن ابيه ان الرسول تزوج خمس عشرة امرأة، دخل بثلاث عشرة، وجمع بين احدى عشرة وتوفى عن تسعة [84] . وتقول الدكتوره عائشة عبد الرحمن أنه تزوج بعد خديجة عشر زوجات منهن الشابة الفتية والمرأة الناضجة. [85] ولكن في روايات اخر انه تزوج اثنتين وعشرين زوجة، واثنين مما ملكت ايمانه واربع نسوة هدين انفسهن له. تزوج في الجاهلية وهو ابن بضع وعشرين سنة خديجة بنت خويلد بن اسد بن عبد العُزى، وهي اول من تزوج، فولدت له ثمانية اطفال وفي رواية اخرى عشرة.

ولم يتزوج النبي على خديجة في حياتها ، فالما ماتت تزوج عائشة بنت ابي بكر، وقال آخرون اول امرأة تزوجها بعد خديجة كانت سؤدة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس، وكانت ثيباً وكان زوجها قبل النبي السكران بن عمرو بن عبد شمس. اما عائشة فكانت طفلة صغيرة عمرها ست سنوات عندما تزوجها بمكة ولكنه دخل عليها بالمدينة وعمرها تسع سنوات. قالت عائشة: عندما قدمنا المدينة نزل ابو بكر السنح في بني الحارث، فجاء رسول الله فدخل بيتنا فاجتمع اليه رجال من الانصار ونساء، فجاءتني امي وانا في ارجوحة بين عذقين يُرجح بي، فانزلتني ثم وفت جُميمةً كانت لي ومسحت وجهي بشئ من ماء ثم اقبلت تقودني، حتى اذا كنت عند الباب وقفت بي حتى ذهب بعض نفسي ثم اُدخلت ورسول الله جالس على سرير في بيتنا. فاجلستني في حجره، فقالت: هولاء اهلك فبارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك. ووثب القوم والنساء فخرجوا، فبنى بي رسول الله في بيتي وانا يومئذ ابنة تسع سنين [86] . ولما توفي الرسول كانت عائشة ابنة ثمان عشرة سنة.

ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله عند خُنيس بن حُذافة بن قيس.

ثم تزوج ام سلمة واسمها هند بنت ابي امية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت قبله عند ابي سلمة بن عبد الاسد بن هلال من بني مخزوم، ومات ببدر، وكان ابن عمة الرسول واخوه من الرضاعة، ارضعتهما ثويبة، مولاة لابي لهب. وامه برة بنت عبد المطلب، وولدت لابي سلمة عمر وسلمة وزينب ودرة. وتميزت أم سلمة بجمال نادر ووضاءة باهرة، وكانت جموع شباب تتسارع لتخطب ودها ولتطلب يدها. وعندما ترملت تقدم اليها ابو بكر الصديق يطلب يدها ولكنها ردته في رفق. وتقدم اليها كذلك عمر بن الخطاب فردته كذلك. [87] فبعث اليها الرسول عمار بن ياسر ليخطبها له فتعللت بطفلتها الرضيعة، فأخذ عمار الطفلة وذهب بها لمن ترضعها، فقبلت ان تتزوج الرسول. [88]

ثم تزوج جُويرية بنت الحارث بن ابي ضرار، زعيم قبيلة المصطلق وكانت قبله عند مالك بن صفوان ذي الشفر، وكانت قد وقعت في الاسر في غزوة بني المصطلق في السنة الخامسة للهجرة، وكانت من نصيب احد المحاربين، وطلبت منه ان تفدي نفسها فقبل ولكنه طلب سعراً عالياً ما كانت لتقدر عليه. فذهبت للنبي تطلب منه التدخل لتقليل ما طلب آسرها. وتخبرنا عائشة انها بمجرد ان رأت جويرية عند بابها اصابها الهلع لان جويرية كانت في غاية من الجمال، وكانت عائشة متاكدة ان النبي بمجرد ان تقع عينه عليها سيتزوجها. وعندما دخلت جويرية عليه وطلبت منه التدخل عرض عليها ان يدفع هو الفدية ويتزوجها، فوافقت.

ثم تزوج ام حبيبة بنت ابي سفيان بن حرب وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش وقد هاجرا الى الحبشة مع المسلمين الاوائل، فتنصر عبيد الله ومات بالحبشة. فبعث الرسول عمرو بن امية الضُمري الى النجاشي فزوجه ام حبيبة وساق عنه اربعمائة دينار مهراً لها.

وتزوج بعد ذلك زينب بنت جحش بن رئاب وكانت امها اميمة بنت عبد المطلب عمة الرسول. وكان اسمها اولاٌ بَرّة فلما اسلمت سماها النبي زينب، وزوجها الى زيد بن حارثة وكان قد تبناه الرسول ورباه كإبنه بعد ان اعتقه، وكان يدعى زيد بن محمد. ويقال انها كانت من اجمل النساء. فلما جاء الرسول يخطبها لزيد، رفضت ان تتزوج من هو اقل منها، فقال لها الرسول: بلى، تزوجيه ونزلت الاية :" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امراً ان يكون لهم الخيرة من امرهم" [89] . فتزوجته. ولم تمكث مع زيد الا سنةً واحدة وطلقها، وقيل طلقها لانها كانت تستعلي علية لانه كان عبداً للرسول قبل ان يتبناه. ولكن بعض المؤرخين يقول ان الرسول اتى يوماً يزور زيداً، ولم يكن زيد بالبيت، ووقعت عينه على زينب وعليها قميص لها مردع بالزعفران فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب ثلاث. فأخبرت زينب زيداً بذلك، فقال زيد: أطلقها لك يا رسول الله. [90]

وأما أبن أسحق فيقول: مرض زيد بن حارثة فدخل عليه رسول الله – ص- وزينب بنت جحش امرأته عند رأسه فقامت لبعض شأنها فنظر اليها رسول الله – ص- ثم طأطأ رأسه فقال: سبحان الله مقلب القلوب والابصار، فقال زيد أطقها لك يا رسول الله؟ فقال: لا، فانزل الله عز جل: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه أنعمت عليه". [91]

وفي رواية ثالثة ان النبي ذهب ليزور زيداً فارسل الله ريحاً رفعت الستر وزينب متفضلة ( شبه عارية) في منزلها فرأى زينب فوقعت في نفسه ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي- ص- فلما جاء زيد أخبرته بذلك فوقع في نفس زيد ان يطلقها. وقال أبن عباس " وتخفي في نفسك" الحب لها و " تخشى الناس" أي تستحيهم وقيل تخاف وتكره لائمة المسلمين لو قلت طلقها ويقولون أمر رجلاً بطلاق امرأته ثم نكحها حين طلقها. [92]

وعرف زيد في نفسه ان ايامه مع زينب اصبحت معدودة. فذهب الى الرسول ليخبره انه اراد ان يطلق زينب. ورغم حب الرسول لها، حاول الرسول ان يقنع زيداً بان يمسك اليه زوجه. واخيراً تم الطلاق. وبعد انتهاء العدة، نزلت علي النبي آية تخبره ان الله قد زوجه زينب: " واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبدئه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطراً" [93] . فجاء النبي الى بيت زينب ودخل بها دون الحاجة الى عقد قران او شهود او صداق.

ثم تزوج صفية بنت حُيي بن اخطب من يهود بني النضير، وكانت زوجة كنانة بن الربيع، الذي كان في اسرى يهود خيبر وقتله محمد بن مسلمة بأمر النبي، وكانت في السبايا. فلما استعرض النبي السبايا وراى صفية القى رداءه عليها ليعلم الجميع انه اصطفاها لنفسه. واخذتها الماشطة أم أنس بن مالك كي ما تقينها ( تزينها) فقالت أنها لم تر في النساء أضوأ منها. وتزوجها الرسول ودخل عليها في نفس اليوم الذي قُتل فيه زوجها، وهم في طريقهم الى المدينة.

ثم تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن وكانت قبله عند عمير بن عمرو، وهي اخت ام الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب عم النبي. وكانت كذلك عمة خالد بن الوليد.

وتزوج امرأة من بني كلاب بن ربيعة يقال لها النشاة بنت رفاعة، وكانوا حلفاء لبني قريظة وكان بعضهم يسميها سنا بنت اسمة بن الصلت.

ثم تزوج الشنباء بنت عمرو الغفارية وكانوا ايضاً حلفاء لبني قريظة، فعركت، اي جاءها الحيض يوم دخلت عليه ومات ابنه ابراهيم قبل ان تطهر، فقالت: لو كان نبياً ما مات احب الناس اليه. فسرحها الرسول قبل ان يبني بها

ثم تزوج غزية بنت جابر من بني ابي بكر بن كلاب، بلغ الرسول عنها جمال وبسطة في الرزق، فبعث ابا سعيد الانصاري فخطبها عليه، فلما قدمت على النبي قالت: اني لم استامر في نفسي، اني اعوذ بالله منك. فقال النبي: امتنع عائذ الله. وردها الى اهلها

وتزوج بعد ذلك اسماء بنت النعمان بن الاسود فلما دخل بها وجد بها بياضاً في اجزاء من جلدها فردها الى اهلها. ويقال انها استعاذت منه فردها

وقيل انه تزوج زينب بنت خزيمة، وهي التي يقال لها ام المساكين، من بني عامر بن صعصعة وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث

وتزوج كذلك شراف بنت خليفة، والعالية بنت ظبيان، وقتيلة بنت قيس بن معد يكرب وتوفي عنها قبل ان يدخل بها، وفاطمة بنت شريح وخولة بنت الهُذيل وعمرة بنت يزيد من بني رولس بن كلاب، وفاطمة بنت الضحاك. [94]

ومما ملكت ايمانكم كانت عنده مارية القبطية التي اهداها له المقوقس " وكانت شابة مصرية حلوة جعدة الشعر جذابة الملامح جاءت من ارض النيل" [95] وولدت له ابراهيم. وكذلك كانت عنده ريحانة بنت زيد من بني قريظة

وهناك اربع نسوة هدين انفسهن للنبي وكان قد ابيح له الاحتفاظ بهن بعد نزول الاية الخمسين من سورة الاحزاب: " يا ايها النبي احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وأمرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي ان اراد النبي ان يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين". هولاء النسوة هن: ام شريك و ميمونة و زينب و خولة.

يقول مشائخ الدين ان النبي تزوج كل هولاء النسوة ليستميل القبائل اليه لنصرته. ولكن التاريخ يقول غير ذلك. فالنبي كان في اضعف موقف لما كان في مكة وكانت قريش تحاربه وتضطهده. وظل في مكة ثلاث عشرة سنة بعد بدء الرسالة وهو مضطهد. لكنه ظل طوال هذه المدة مع خديجة لم يتزوج غيرها حتى ماتت قبل ثلاث سنوات من هجرته الى المدينة. وعندما هاجر الى المدينة اصبح في حمى الاوس والخزرج ولم يمضي وقت طويل حتى خضعت الغالبية العظمى من القبائل له واصبح في موقف لا تستطيع اي قبيلة ان تهدده، واصبح غنياً بعد كل الانفال التي جمعها المسلمون من الغزوات. ومن ثم كان جل زواجه في المدينة ما عدا عائشة بنت ابي بكر، تزوجها بمكة بعد وفاة خديجة لكنه لم يدخل بها الا بعد ان هاجر الى المدينة. وتقول بعض الروايات انه تزوج كذلك سؤدة بنت زمعة بن قيس في مكة.

فلننظر الى نسائه، تزوج عائشة بنت ابي بكر وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وكان الاثنان، ابوبكر وعمر، اول من آمن به وكليهما من قريش، فلو كان بالامكان استمالة قريش له لفعلا ذلك دون ان يتزوج بنتيهما. فزواجه من عائشة وحفصة لم يكن، اذاً، لاستمالة قريش، ولكنه قد يكون مكافأةً لابي بكر وعمر لنصرته والائمان به. ثم تزوج جويرية بنت الحارث وصفية بنت حُيي اليهوديتان بعد ان قتل زوجيهما واعداداً كبيرة من رجال بني قريظة وبني النضير، فهذا الزواج كذلك لم يكن لاستمالة القبائل اليهودية لانه شن عليهم الحرب واجلاهم عن المدينة وقتل رجال بني قريظة قبل ان يأسر ويتزوج جويرية وصفية. ثم تزوج ام حبيبة بنت ابي سفيان وهي بالحبشة، وليس من المعقول ان يستميل مثل هذا الزواج ابا سفيان الذي ظل يكن العداء لمحمذ وللاسلام رغم زواج ابنته من مسلم وهجرتها الى الحبشة، بل بالعكس، قد يكون اسلام ابنته وهجرتها قد زاد من كراهيته للنبي، وزواج محمد منها لا يمكن الا ان يكون قد زاد من هذه الكراهية .

اما هند بنت امية فكان زوجها الاول ابن عمة الرسول واخوه في الرضاعة ولو كان الزواج من محمد يحتمل ان يستميل قبيلتها، لاستمالها الزواج الاول من ابن عمة النبي وأخوه من الرضاعة. اما زينب بنت جحش فقد كانت ابنت عمته ولم يكن هناك اي احتمال ان زواجها كان سيؤثر في قريش، بل بالعكس، فقد نفّر هذا الزواج القرشيين لان زواج طليقة الابن بالتبني لم يكن من عاداتهم.

وميمونة بنت الحارث كانت اخت ام الفضل زوجة العباس عم النبي. وثلاث نساء، الشنباء، وغزية واسماء بنت النعمان، فقد طلقهن قبل ان يبني بهن، ولا يُعقل ان يستميل هذا التصرف قبائلهن.

اما زواج عائشة فقد ترك المفسرين وكُتاب السيرة في حيرة من امرهم. اذ كيف يفسرون دخول رجل في الربعة والخمسين من عمره بطفلة في التاسعة من عمرها، كانت تتأرجح مع صديقاتها على ارجوحة امام بيتها، وفي يدها جُميمة، اي لُعبة من لعب البنات؟ ولما توفي النبي كانت عائشة في الثامنة عشرة من عمرها، وحرّم عليها الزواج من بعده. " وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابداً ان ذلكم كان عند الله عظيماً" ( سورة الاحزاب، ألآية 53)

بعثته

كان اليهود في فلسطين وفي يثرب ينعتون من جاورهم من العرب ب " الاميين"، ولا يعنون بهذه الكلمة الجهل بالقراءة والكتابة، بل يعنون بها شيئاً بمعنى :" القوم " اي " كوييم" و " جوييم" وتعني هذه الكلمات في اللغة العبرية " الغرباء" [96] . لانهم في نظر انفسهم انهم هم شعب الله المختار الذي اختص بالوحي والنبوة، وما غيرهم هم الغرباء عنهم، ويعرفون عندهم ب " Goyim "، وهي صيغة الجمع من المفرد " كوي" " Goy ". فكلمة " الامي" و " الاميين" كلمة تطلق على كل من هو غير يهودي [97] . فكلمة " امي" مرادفة لكلمة " كوي" في العبرانية وكلمة " Ethnos " في اليونانية وتعني " الشعب" او " الامة". وقد ورد في القرآن: " فان حاجوك فقل: "اسلمت وجهي لله ومن اتبعن. وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين: أأسلمتم" [98] . والمراد بالذين اوتوا الكتاب اليهود والنصارى. أما الاميون فهم الذين لا كتاب لهم اي من غير اليهود والنصاري.

وكذلك ورد في سورة الجمعة، الاية الثانية " هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته". وكلمة العرب لا تعني فقط الذين في مكة والمدينة، فقد كان هناك عرب في الشام يدينون بالمسيحية وكان جزء كبير منهم يقرأ ويكتب، وكذلك عرب العراق كانوا على قدر كبير من العلم وعرب جنوب الجزيرة كانت القراءة والكتابة متفشية فيهم. وحتى مكة والمدينة كانت فيهما نسبة لا يستهان بها على علم بالقراءة والكتابة، خاصة الجاليات اليهودية. فهل نفهم أن كل هولاء لم يكن محمد قد بُعث فيهم لانهم لم يكونوا أميين؟ ولما كانت كلمة " اميين" تعني " كوييم" اي من امة غير يهودية، فيكون محمد قد بُعث لكل العرب المتعلمين منهم وغير المتعلمين.

وفي آية اخرى: " ومن اهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك، ومنهم من ان تأمنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائماً، ذلك بانهم قالوا: ليس علينا في الاميين سبيل" [99] . ومما لا شك فيه ان " الاميين" هنا تعني العرب الذين لم يكونوا يهوداً ولا تعني الذين لا يعرفون القراءة والكتابة. واذا اخذنا بهذا المعنى فان الرسول الامي لا تعني ان محمداً لم يكن يقرأ ويكتب، وانما كان من امة غير يهودية.

ونحن نعلم ان محمداً كان يسافر في تجارته الى الشام وكان يلتقي احبار اليهود ورهبان النصارى هناك ويستمع اليهم، وفي طريق عودته للحجاز كان يمر بارض ثمود وعاد ولا بد انه سمع قصصهم وما آلوا اليه. وكان يخرج الى حراء في كل عام شهراً من السنة يتنسك فيه، وكان هذا من نُسك قريش في الجاهلية، وكان اذا فرغ من مجاورته لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة [100] . فأعتكافه شهراً كاملاً في غار حراء يستدعي ان يكون معه رفقاء يستانس بهم او كتاب يدرسه، لانه لا يُعقل ان يظل شهراً كاملاً معتكفاً بمفرده يتأمل في أمور العبادة، ولم تكن هناك صلاة تشغل وقته، دون أن يفقد صوابه. فإن لم يكن بمفرده، فمن كان معه بالغار؟ هل كان ورقة بن نوفل او أحد الصبية النصاري، وهل كان يحاورهم في أمور دينهم؟ فكتب السيرة لا تخبرنا هل كان يتعبد منفرداً أم لا.

وكان في مكة في تلك الايام جماعة من النصارى الغرباء النازحين لاسباب من الرق والتجارة والتبشير، ومنهم نفر كانوا على درجة من الفهم والمعرفة، يعرفون القراءة والكتابة. من هولاء رجل روى المفسرون ان اسمه " جبر" وانه كان غلاماً لعامر بن الحضرمي، وانه كان قد قرأ التوراة والانجيل، وكان محمد يجلس اليه [101] .

ويقول الطبري ان آل الحضرمي كانوا يملكون عبدين هما جبر ويسار، فكانا يقرآن التوراة والكتب بلسانهما، فكان الرسول يمر عليهما فيقوم يستمع منهما. وقال الضحاك ان النبي كان دائماً يجلس الى سلمان الفارسى يتعلم القصص منه.

ولا بد ان كل هذه القصص التي سمعها في الشام وفي مكة وكذلك تعبده في غار حراء، لا بد ان كل هذه الاشياء اثارت في نفسه تساؤلات كثيره دفعته في بعض الاحيان الى التخيل والاحلام وجعلته من وقت لآخر في حالة نفسية قابلة للايحاء " trance " خاصة اذا كان يتعبد منفرداً في الغار لمدة شهر كامل كل عام. وقال مالك عن هشام بن عروة، سئل الرسول: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: " احياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو اشده عليّ، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، واحياناً يتمثل اليّ الملك رجلاً يكلمني فأعي ما يقول" [102] . فواضح انه احياناً كان يسمع اصواتاً كصلصلة الجرس، واحياناً يتخيل اليه انه راى رجلاً يكلمه.

وفي اول مرة نزل فيها الوحي عليه لما كان بغار حراء، جاءه الملك فقال: اقرأ. فقال محمد: ما انا بقارئ. قال: اخذنئ فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: أقرأ. فقلت: ما انا بقارئ. فاخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني. فقال: اقرأ. فقلت: ما انا بقارئ. فاخذني فغطني الثالثه حتى بلغ مني الجهد. ثم ارسلني فقال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الاكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم".

وخرج محمد من غار حراء وهو يرتجف ودخل على خديجة فقال: زملوني زملوني. [103] والذي يتضح من هذه القصة هو: اما ان يكون محمد قد كان نائماً في الغار فحلم بجبريل، او خُيل اليه وهو صاحٍ، أن رجلاً أتى اليه وطلب منه ان يقرأ ثم غطه لما رفض ان يقرأ. وكون جبريل غطه وطلب منه أن يقرأ توحي لنا بأن جبريل كان عالماً بان محمداً يستطيع ان يقرأ لكنه رفض ان يقرأ، فغطه ثلاث مرات حتى خشى محمد على حياته، او ان يكون جبريل يجهل ان محمداً لا يستطيع القراءة والكتابة، والا لما طلب منه ان يقرأ، وهذا امر بعيد الاحتمال اذا ايقنا ان جبريل هو روح القدس والواسطة بين الله ومحمد. ونستطيع ان نقول ان محمداً كان يقرأ ويكتب ولذا طلب منه جبريل ان يقرأ، أو ان جبريل لم ينزل عليه وانما خُيل له.

وهناك دليل آخر أن محمد كان يقرأ ويكتب، فقد ذكر البخاري عن أبن عباس أن النبي لما حُضرَ، أي لما كان على فراش موته، وكان في البيت رجال، طلب منهم إحضار الدواة والقلم، وقال لهم: هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. فقال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتابُ الله. [104] فهاهو الرسول يقول لهم: أكتب لكم كتاب، ولم يقل أُملي عليكم كتاب.

ووصف كُتاب السيرة النبوية عن عائشة، ان محمداً عندما كان يأتيه الوحي كانت كل اعضاء جسمه ترتجف لفترة من الزمن، ثم يتصبب عرقاً ثم ينام، وعندما يصحو من نومته يخبرهم بالوحي. ونحن كأطباء، نعلم أن هذه الاوصاف كلها، خاصةً صلصلة الجرس في ألاذن، من أعراض الصرع, وتُسمى " Aura " وعادةً تسبق هذه الاعراض التشنج الذي يحدث لمرضى الصرع.

ولقد ذهب بعض المستشرقين وخاصة جوستاف فيل " Gustav Weil " [105] الى أن محمداً كان يعاني من داء الصرع، واستشهدوا بأنه ولد وبصره شاخص الى السماء. وإذا جاء المولود وبصره شاخص الى السماء، وهو عكس الوضع الطبيعي للمولود، تتعثر عملية الولادة وتطول وغالباً ما يحدث نزيف بسيط في عدة أماكن من الدماغ تؤدي في بعض الحالات الى حدوث الصرع في الشخص عندما يكبر.

وقد يقول قائل أن الخلوة المتكررة بغار حراء قد أثرت فعلاً في محمد فصار يتوهم حدوث اشياء غير طبيعية. فنجد في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله – ص- " إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه ألآن". [106] فهل يصدق انسان عاقل أن حجراً جماداً لا حياة له ولا لسان ولا حبال صوتية كان يتكلم ويسلم على محمد حتى قبل ان يصير نبياً؟ وإذا كانت الحجارة تعرفه وتكلمه، لماذا شج الحجر وجه محمد في غزوة أحد عندما انهزم المسلمون؟ لماذا لم يرتعب هذا الحجر ويسقط قبل ان يضرب وجه محمد ويشجه؟

ويقال ان خديجة بعد ان زملت محمداً عندما جاءها يرتجف، ذهبت من توها الى ابن عمهما ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء الله ان يكتب. فاخبرته بما حدث لمحمد، فقال ورقة بن نوفل لمحمد: يابن اخي، هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً، ليتني اكون حياً، اذ يخرجك قومك. فقال الرسول: " او مخرجي هم؟" فقال: نعم. وان يدركني يومك انصرك نصراً مؤزّراً [107] . وكان ورقة بن نوفل وقتها رجلاً مسناً اعمي. ولم يخطر ببال كُتاب السيرة النبوية ان يسألوا انفسهم: لماذا اذاً لم يسلم ورقة بن نوفل في وقتها إذا عرف أن الذي نزل على محمد انما هو الملك الذي نزل على موسى، وأن محمد نبي الله؟ خاصة إذا عرفنا أن خديجة بنت أخيه قد اسلمت في ذلك الوقت ؟ واي نصرٍ كان سيقدمه لمحمد ان كان حياً حين اخرجوه من مكة، وورقة رجل مسن اعمى؟

واستمر الوحي لفترة من الزمن ثم توفي ورقة بن نوفل، فتوقف الوحي فترة من الزمن حتى حزن الرسول حزناً جعله يفكر في ان يلقي بنفسه من رؤوس شواهق الجبال. فكلما اوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد انك رسول الله. فيسكن جأشه، فيرجع. فاذا طالت عليه فترة الوحي غدا كمثل هذا [108] .

وهناك سؤالان يفرضان نفسهما علي القارئ: لمذا حزن محمد على ورقة بن نوفل كل هذا الحزن حتى كاد يقتل نفسه، ولم يبد نفس الحزن عندما مات عمه ابو طالب الذي رباه وحماه من قريش؟ ولماذا لم يظهر نفس الحزن عندما قُتل عمه حمزة ومُثل به؟ والسؤال الثاني: لماذا توقف الوحي بموت ورقة بن نوفل؟ هل حزن عليه جبريل كذلك وقرر عدم النزول بالوحي؟ ام ان ورقة بن نوفل كان هو الوحي؟

الفصل الرابع

القرآن

جمع القرآن:

بدأت بعثة محمد وعمره اربعون عاماً وتوفي وعمره ثلاثة وستون عاماً، ونزل عليه الوحي على مدى ثلاثة وعشرين عاماً. وكان الوحي ينزل عليه في المناسبات عندما يسأله احد عن اشياء معينة مثل الروح والهلال وما الى ذلك، او اذا ظهرت له مشكلة او اراد ان يسن سنةً. فنزول القرآن كان في آيات متفرقة، بعضها نزل في مكة وبعضها في المدينة. وفي حياة محمد، كان زيد بن ثابت كاتب الوحي الرئيسي. كان محمد يملي عليه الوحي من وقت لآخر فيكتبه علي ما تيسر له من جلدٍ او عظم او جريد النخل. وكان عبد الله بن سعد بن ابي سرح من كُتاب الوحي كذلك لفترة قبل ان يترك ويرتد عن الاسلام لانه ادعى انه كان يقترح بعض التعديلات اثناء كتابته الوحي، وكان محمد يوافق عليها، مما جعله يقول لو كان هذا الوحي من عند الله لما وافق على تعديله. ويظهر ان علي بن ابي طالب كان يجمع القرآن ويكتبه في صحف خاصة به. ولم يأمر محمد في حياته بجمع القرآن او تبويبه، وانما اكتفي بان القرآن محفوظ في صدور الرجال.

وفي خلافة ابي بكر اجتمع عمر معه واقترح عليه جمع القرآن في كتاب لان عدداً كبيراً من الرجال الذين عاصروا النبي وحفظوا القرآن قد قتلوا في الغزوات وخاصة في معركة اليمامة ضد مسيلمة الكذاب. وقد عارض أبوبكر في بادئ الامر لان النبي لم يجمع القرآن ولم يأمر بجمعه. وبعد الحاح من عمر وافق أبوبكر على جمعه وطلب من زيد بن ثابت ان يجمعه. وقد نُسب الى زيد انه قال: ناداني ابو بكر وقال لى: ان عمر قد الح علي ان اجمع القرآن، وقد كنت معترصاً علي ذلك لان الرسول (ص) لم يجمعه في حياته، ولو كان جمعه مهماً لأمر بجمعه. ولكن قد قُتل عدد كبير من اصحاب النبي في واقعة اليمامة، وضاع معهم ما حفظوه من القرآن، واخشى ان يضيع كله ولذلك وافقت علي راي عمر.

واوكل ابو بكر جمع القرآن لمجموعة من الرجال على رأسهم زيد بن ثابت، وكان وقتها شاباً في العشرين من عمره. وقد اختلف كُتاب السيرة في عدد واسماء من ساعد ثابت في مهمته. وجمع ثابت القرآن وبوبه في سور وسلمه الى ابي بكر. وعند موت ابي بكر بعد سنتين في الخلافة، وُضعَ القران الذي جمعه ثابت في حفظ الخليفة عمر بن الخطاب، وبد وفاته عُهد به الى حفصة بنت عمر، ارملة الرسول.

.

ونحن لا نعرف بالتاكيد متى جُمع القرآن، لان اول شئ مكتوب ظهر عن جمع القران كان في كتاب " الطبقات" لابن سعد في عام 844 للميلاد، ثم البخاري عام 870 للميلاد وصحيح مسلم عام 874 للميلاد. واذا اخذنا في الاعتبار ان محمد توفي عام 632 للميلاد، تظهر لنا حقيقة هذا التاريخ الذي كُتب بعد مرور اكثر من مائتي عام بعد وفاة محمد وكله يعتمد على الاسناد من شخص سمع حديثاً ثم رواه لشخص آخر، وهكذا. وبما انه لم يكن هناك تاريخ مكتوب عن تلك الفترة، فالاعتماد على الاسناد لا يبعث الثغة في نفس القارئ.

وهناك بلا شك احاديث عديدة ملفقة ومنسوبة للنبي، باسنادٍ جيد. وحتى كتب الحديث المشهورة مثل صحيح البخاري ( توفي عام 238 هجرية) يصعب الاعتماد عليها لانه جمعها بعد حوالي مائتين عاماً بعد وفاة الرسول. ويقول المستشرق جولدزر( Goldziher ) أنه لا يمكن القول ان أي حديث هو حديث صحيح قاله النبي، لان صناعة الحديث وصلت ذروتها في الدولة العباسية التي حاول خلفاؤها تبرير اغتصابهم الحكم من الامويين، فأوعزوا الى علمائهم باختراع احاديث تساندهم وتذم العلويين. [109] وقد جمع بعض رواة الحديث أكثر من ثلاثمائة ألف حديث، بعضها مناقض لبعض. وأعتمد البخاري ألفين فقط من كل هذه الاحاديث واعتبر البقية منحولة. فإذا كذب الناس في الاحاديث المنسوبة للنبي، كيف نصدق رواياتهم عن جمع القرآن؟

فأبن سعد يخبرنا عن الصحابة الذين جمعوا القرآن في حياة النبي ويذكر منهم: أُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وابو زيد، وابو الدرداء، وتميم الداري، وسعد بن عبيد، وعُبادة بن الصامت، وابو ايوب وعثمان بن عفان. على ان نفس الكاتب يخبرنا في صفحة 113 من طبقاته ان الذي جمع القرآن هو عثمان بن عفان في خلافة عمر، وليس في حياة الرسول كما ذكر اولا ً [110] . وفي حديث آخر يقول ابن سعد ان عمر بن الخطاب جمع القرآن في صحف.

اما البخاري فيخبرنا ان القرآن جُمع في حياة النبي وجمعه اُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وابو زيد. وفي حديث آخر يقول جمعه: ابو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت وابو زيد. وفي صفحة 392 يخبرنا ان القرآن جُمع في عهد ابي بكر وليس في زمن النبي، فيقول: اخبرنا موسى بن اسماعيل، عن ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد بن السباك، عن زيد بن ثابت، انه قال: " بعد معركة اليمامة دعاني ابو بكر وكان معه عمر بن الخطاب، فقال لي ابو بكر: قد قُتل رجالٌ كثير من حفظة القرآن في اليمامة، واخشى ان يُقتل آخرون ويضيع شئ من القرآن. وارى ان تجمع لنا القران. فقلت لعمر: كيف تصنع شيئاً لم يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: والله انه لعمل عظيم. وظل عمر يرددها حتى اطمأن قلبي لجمعه. [111]

فنفهم من هذه القصة ان القرآن جُمع في عهد ابي بكر وجمعه زيد بن ثابت.

وفي رواية أخرى أن حُذيفة بن يمان، وكان قد حارب مع اهل الشام في فتح ارمينيا، وحارب في ازربيجان مع اهل العراق، قد اذهله تعدد القراءات في القرآن، فقال لعثمان: يا امير المؤمنين، اجمع امر هذه الامة قبل ان يحدث بينها اختلاف في كتاب الله كما حدث لليهود والنصارى. فأرسل عثمان الى حفصة وقال لها: ارسلي لنا الصحُف لنكتبها في المصاحف، ثم نردها لك [112] . فارسلت حفصة الصحف لعثمان الذي امر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، بجمع القرأن في مصاحف. وقال لهم عثمان: اذا اختلفتم في شئ، فاكتبوه بلسان قريش لان القرآن نزل بلسانهم. وعندما جمعوا القرآن في مصاحف، رد عثمان الصحف الى حفصة وارسل مصحفاً الى كل من الكوفة والبصرة ودمشق ومصر واحتفظ بمصحف في المدينة، وامر عماله في الامصار بحرق جميع المصاحف الاخرى.

وكتاب " الفهرست" يقول ان الذين جمعوا القرآن في حياة النبي هم: علي بن ابي طالب، وسعد بن عبيد، وابو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وابو زيد، واُبي بن كعب، وعبيد بن معاوية. ونرى هنا ان " الفهرست" اضاف علي بن ابي طالب واُبي بن معاوية لقائمة الاسماء الذين ذكرهم البخاري وابن سعد. [113]

وهناك رواية اخرى في جمع القرآن تقول ان الذي جمعه هو الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان ( 684 - 704) بمساعدة الحجاج بن يوسف. وذُكر ان الخليفة عبد الملك بن مروان قال: اخاف ان اموت في رمضان، ففيه وُلدتُ، وفيه فُطمتُ، وفيه جَمعتُ القرآن، وفيه اُنتخبتُ خليفةً للمسلمين [114] . وذكر جلال الدين السيوطي والثعالبي هذه القصة عن عبد الملك.

وهناك قصة في " معجم ياقوت" تبين هذا الاختلاف: " كتب اسماعيل بن علي الخطبي في كتاب التاريخ قصة رجل يدعى شمبوذ في بغداد كان يقرأ ويدرّس قرآناً يختلف عن قراءة مصحف عثمان، فقد كان يقرأ بقراءة عبد الله بن مسعود واُبي بن كعب وقراءات اخرى. وكان يجادل القراء الاخرين ويتغلب عليهم، حتى ذاع صيته واصبح من الصعب تجاهله، فأرسل اليه السلطان عام 828 واُحضر الى منزل الوزير محمد بن مقلة، الذي جمع القضاة والقُراء لمحاكمته، ولم ينكر شنبوذ ما كان يُدّرس، بل دافع عنه. وحاول الوزير اقناعه بعدم قراءة المصاحف التي فيها اختلاف عن مصحف عثمان فرفض ذلك. واصر الحاضرون على عقابه حتى يمتنع عن تلك القراءات. وعندها امر الوزير بان يُجرّد من ملابسه ويُجلد حتى يوافق. وبعد عشر ضربات من العصا على ظهره، وافق الا ينشر تلك القراءات. وقال الشيخ ابو محمد السرفي ان شنبوذ هذا قد سجل عدة قراءات للقرآن [115] .

اما الكندي، وكان نصرانياً وهو غير ابن الكندي المسلم، كتب في زمن خلافة المأمون سنة830 للميلاد، اي حوالي اربعين عاماً قبل ان يكتب البخاري، الى صديق له مسلم و قال : ( الراهب بُحيرى " واسمه الاصلي سيرجياس Sergius " كان راهباً نسطورياً قد طُرد من كنيسته لذنب كان قد اقترفه، فذهب الى جزيرة العرب متطوعاً ليكفر عن ذنبه. وهناك التقى محمداً وتجادل معه. وعند موت هذا الراهب التقى طبيبان يهوديان هما: عبد الله وكعب، محمداً وكان لهما اثر كبير عليه. وعند موت الرسول، وبإيعاز من اليهود، امتنع علي بن ابي طالب من مبايعة ابي بكر للخلافة. ولما يئس من الخلافة، قدمّ نفسه الى ابي بكر بعد اربعين يوماً من موت الرسول، وعندما بايع ابا بكر، سُئل علي: يا ابا الحسن، ماذا منعك حتى الان؟ فرد عليهم: كنت مشغولاً بجمع كتاب الله الذي كلفني به رسول الله (ص). فقال بعض الحضور ان لديهم اجزاء من القرآن بحوزتهم. واتفق الحاضرون على ان يُجمع كل القرآن في كتاب واحد، فجمعوا كل ما استطاعوا عليه من صدور الرجال، مثل سورة " براءة" التي املاها عليهم احد اعراب البادية، وآيات اخرى من نفر آخرين، وكل ما وجدوه مكتوبا على الواح من عظام او جريد النخل او حجارة.) واستمر الكندي:

(ولم يُجمع في بادئ الامر في كتاب وانما تُرك كما هو في الواح. ثم ابتدأ الاختلاف في القراءآت ينتشر بين الناس، فكان بعضهم يقرأ بقراءة علي، وبعضهم قرأ بقراءة ما جُمع في الالواح المذكورة اعلاه وبعضهم قرأ بقراءة ابن مسعود او اُبي بن كعب. وعندما جاء عثمان الي الخلافة كانت القراءآت قد اختلفت في كل الامصار، فكان احدهم يقرأ آيةً مختلفة كل الاختلاف عن قراءة شخص آخر لنفس الاية. ولما عُرض امر اختلاف المصاحف على عثمان وخاف الانشقاق، امر بجمع كل ما يمكن جمعه من صحف وغيرها، مع الصحف التي جُمعت اولاً في بداية خلافته، ولكنهم لم يجمعوا ما كان عند علي. أما اُبي بن كعب فكان قد مات، واما ابن مسعود فقد طلبوا منه مصحفه لكنه رفض تسليمه لهم. وعندئذ طلب عثمان من زيد بن ثابت ومعه عبد الله بن عباس، ان يجمعا ويصححا القرآن بالتخلص من كل ما هو مشتبه به. وعندما اكتمل جمع القرآن، كُتبت اربعة نُسخ بخط كبير واُرسلت نسخة الى مكة، واخرى الى المدينة، وواحدة الى الشام والرابعة الى الكوفة.

ونسخة مكة ظلت بها الى عام مائتين هجرية حينما اقتحم ابو سراية مكة، وضاعت نسخة المصحف هذه، ويُعتقد انها اُحرقت. ونسخة المدينة ضاعت في ايام يزيد بن معاوية. وامر عثمان بجمع وحرق كل قرآن آخر غير النسخة الرسمية، ولكن ظلت اجزاء بسيطة هنا وهناك. ولكن ابن مسعود احتفظ بمصحفه في بيته وتوارثه احفاده، وكذلك مصحف علي ، فقد توارثه احفاده.

ثم جاء الحجاج بن يوسف وجمع كل المصاحف التي عثر عليها وحرقها، وكتب مصحفاً جديداً حذف منه اجزاءً كثيرة كانت في مصحف عثمان، منها آيات كانت تخص الامويين وفيها اسماء بعض الناس من بني أمية [116] .

وارسل الحجاج ستة مصاحف جديدة الى مصر، والشام، والمدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة. والعداوة التي كانت بين ابي بكر وعلي، وبين عمر وعثمان كانت معروفة لكل الناس، وكنتيجة لهذه العداوة، ادخل كل منهم في القرآن ما يسند موقفه ويضعف موقف الآخر، وحذف ما يضر به. فكيف إذاً نستطيع ان نفرق بين الاصل والمضاف؟ وماذا عن الاجزاء التي حزفها الحجاح بن يوسف؟)

ثم قال الكندي مخاطباً صديقه المسلم: ( كل الذي ذكرت لك مأخوذ من ثقاة المسلمين، ولم اقدم اي اراء من عندي، وانما ذكرت ما كان مبنيٍ على الادلة المقبولة لكم).

ولما راى الخليفة المتوكل رسالة الكندي، طلب من الطبيب العربي المسلم، عليُ بن ربان الطبري في عام 855 ميلادية، اي بحوالي عشرين عاماً بعد ان كتب الكندي رسالته، ان يكتب رد الاسلام على هذه الرسالة. فكتب الطبري " كتاب الدين والدولة" ردأً على الكاتب النصراني ودفاعاً عن الاسلام. ولكن عندما جاء ليرد علي ما قيل عن جمع القرآن، لم يقدم اي حُجج، بل اكتفى بأن قال: " لو كان من المعقول الادعاء بان اصحاب رسول الله الورعين يمكن ان يزيفوا القرآن، فإذاً يمكن ان نقول نفس الشئ عن اتباع النبي عيسى بن مريم ". وهذا ردٌ ضعيف للغاية لأننا نعرف ان الاسلام يقول ان الانجيل والتوراة فيهما تحريف كثير.

وكانت هناك اختلافات في المصاحف، بعضها فيه زيادة وبعضها فيه نقصان. فمثلاً في سورة المائدة الاية 89: " لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم". ويخبرنا الطبري ان اُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود اضافا كلمة " متتالية" بعد الثلاثة ايام، وبذلك تصير الكفارة اصعب على المسلم إذ يجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام متتالية.

ويظهر ان محمداً كان يغير الايات أو يضيف اليها اذا اشتكى بعض الناس أو سألوه سؤالاً، فمثلاً، كما يقول البخاري، لما نزلت الاية 95 من سورة النساء: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله باموالهم وانفسهم..." اشتكى رجل اعمي ( ابن أم مكتوم) للنبي قائلاً: اني اعمى ولن استطيع الجهاد ولذلك سيفضل الله المجاهدين عليّ. فأضُيفت الى الاية " غير أولي الضرر" واصبحت: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير اولي الضرر والمجاهدون..".

ونفس الواقعة يحكيها الواحدي النيسابوري فيقول عن زيد بن ثابت: كنت عند النبي –ص- حين نزلت عليه " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" ولم يذكر أولي الضرر، فقال أبن أم مكتوم: كيف وأنا أعمي لا أبصر؟ قال زيد: فتغشّى النبي – ص- في مجلسه الوحي فأتكأ على فخذي فوالذي نفسي بيده لقد ثقل على فخذي فخشيت أن يرضها، ثم سُري عليه فقال: أكتب " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر " فكتبتها. [117]

وهذا هو نفس أبن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه النبي عندما جاء يسأله فعبس النبي وتولى عنه، فانزل الله: " عبس وتولى إن جاءه الاعمى". [118]

ويقول أبن عباس [119] لما نزلت ألآية 228 من سورة البقرة: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلالثة قرؤء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم ألآخر" قام معاذ ( أي معاذ بن جبل) فقال: يا رسول الله: ما عدة اللائي يئسن من المحيض؟ وقام رجل آخر فقال: ألا رأيت يا رسول الله في أللائي لم يحضن للصغر ما عدتهن؟ فقام رجل آخر فقال: أرأيت يا رسول الله ما عدة الحوامل؟ فنزل " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن " [120]

فإذا صحت هذه الروايات، أصبح من السهل فهم الاختلاف في بعض ألآيات في عدة مصاحف، إذ يكون أحدهم قد كتبها كما سمعها أولاً ولم يسمع الاضافة بينما سمعها آخرون. ونستطيع ان نقول مما تقدم ليس هناك اجماع على متى جُمع القرآن في هيأته الحالية. فقد رأينا اناس يقولون قد جمعه عليُ بعد موت محمد مباشرة، وقال آخرون جمعه زيد بن ثابت في خلافة ابي بكر، الذي اعطاه لحفصة بنت عمر للاحتفاظ به. وقال آخرون ان عثمان هو الذي كلف زيد بن ثابت بجمعه. وسمعنا من آخرين ان الحجاج بن يوسف هو الذي كتب المصحف الحالي. ومما يُرجّح القول الاخير، ان الكتابة العربية حتى عهد الخلافة الاموية لم تكن بها نقاط على الحروف، ولم تكن هناك همزة وتنوين حتى جاء سيبوي وادخل علامات الترقيم.

ومن السهل على الانسان ان يتخيل مدى الارتباك الذي كان يواجه من يريد ان يقرأ ما جُمع من القرآن في صحف، وليس على الحروف نقاط. فلم يكم من اليسير التفرقة بين الباء والتاء والثاء، وكذلك كان من الصعب التفرقة بين الطاء والظاء وبين الدال والذال وبين السين والشين وبين الراء والزاء. ويقال ان شخصاً يدعى حمزه كان يقرأ سورة البقرة، الاية الثانية "ذلك الكتاب لا ريب فيه" ولعدم وجود النقاط على الحروف، قرأها " لا زيت فيه". ومنذ تلك اللحظة سُمى ذلك الرجل " حمزة الزيات". ولهذا السبب كان القرآن يُدرّس بطريقة التلقين بواسطة القُراء تفادياً للخلط بين الكلمات التي ليس عليها نقاط. ولهذا السبب ظهر الاختلاف بين الناس كل شخص كان يقرأ حسب ما لقنه معلمه ولم يكن باستطاعتهم التحقيق مما قال المعلم لان الكلمات الغير منقطة قابلة للتأويل.

فنجد مثلاً في سورة الفرقان الاية 48 :" وهو الذي ارسل الرياح بُشرا بين يدي رحمته وانزلنا من السماء ماء طهورا"، تُقرأ في بعض الروايات: " وهو الذي ارسل الرياح نُشرأ بين يدي رحمته" [121] . ونُشرا تعني متفرقة قُدام المطر. ولهذا السبب نجد أحمد بن موسى بن مجاهد عدد تسع قراءآت مختلفة. وقال البخاري: حدثنا سعيد بن عقير، حدثنا الليث عن ابن شهاب، قال اخبرني عروة بن الزبير ان المسور بن مخرمة سمع عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي (ص) فاستمعت لقراءته، فاذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (ص)، فكدت اساوره في الصلاة. فصبرت حتى سلّم فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله (ص) فقلت: كذبت، فان رسول الله (ص) قد أقرأنيها على غير ما قرأت،

فأنطلقت به أقوده الى رسول الله (ص) فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله (ص): " اقرأ يا هشام " فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال (ص): " كذلك اُنزلت "، ثم قال: " اقرأ يا عمر " فقرأت القراءة التي اقراني، فقال رسول الله (ص): " وكذلك اُنزلت، ان القرآن اُنزل على سبعة احرف فأقرؤوا ما تيسر منه".

وواضح ان النبي نفسه كان يغير قراءة القرآن من وقت لآخر حسب ما يتذكر. فهذا هو هشام سمعه يقرأ سورة الفرقان وحفظها منه حسب قراءتها، ثم جاء عمر في وقت آخر وسمع النبي يقرأ نفس السورة بقراءةٍ مختلفة. فحتى في زمن حياة محمد وبموافقته كان القرآن يُقرأ عدة قراءآت مختلفة، فماذا نتوقع بعد موته. والذي حدث ان القرآن ظل يُقرأ بعدة قراءآت حتى كتب الحجاج المصحف المرقم، واتفق العلماء على السبعة احرف التي قالها محمد.

واذا كان صحيحاً ان ابا بكر كلف زيد بن ثابت واُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابا يزيد بجمع القرآن، وجُمع القران وسُلم له وسلمه بدوره لحفصة بنت عمر لتحتفظ به، لماذا إذاً كلف عثمان بن عفان زيد بن ثابت مرة اخرى ليجمع القرآن؟ لماذا لم يأخذ عثمان النسخة المحفوظة عند حفصة ويرسلها للامصار؟ وهو كان على علم بان حفصة لديها كل القرآن الذي جمعه زيد في خلافة ابي بكر بدليل انه ارسل الى حفصة وطلب منها ارسال الصحف التي بحوزتها اليه؟ وعندما كلف عثمان زيد بن ثابت ليجمع له القرآن، لماذا لم يأخذ زيد القرآن الذي جمعه في خلافة ابي بكر ويسلمه لعثمان؟ لماذا اجهد نفسه ومساعديه بجمع القرآن مرة اخرى على مدى عدة سنوات؟ اللهم الا اذا كان يعرف ان القرآن الذي جمعه في خلافة ابي بكر لم يكن مكتملاً او انه كان يحتوي على آيات زائدة لم تكن اصلاً من القرآن؟

ونستطيع ان نقول اما ان المصحف الذي جمعه زيد في خلافة عثمان كان مختلفاً عن المصحف الذي جمعه في خلافة ابي بكر، وهذا القول يفتح الباب على مصراعيه للقول بان كل المصاحف كان بها اختلاف، او ان زيداً لم يجمع القرآن في خلافة ابي بكر، وهذا القول يلقي بالشك في كل مسائل الاسناد وبالتالي في كل الاحاديث المسندة، لان قصة جمع القران في خلافة ابي بكر مسندة اسناداً لم يكن قد تطرق اليه الشك في الماضي.

ومما لا شك فيه ان المصاحف العديدة التي جُمعت على مدى السنين كان بها اختلاف كثير، فمثلاً،ابو عبيد القاسم بن سلام، المولود سنة 154 للهجرة، ودرس تحت اساتذة الكوفة والبصرة، وصار معلماً مشهوراً في بغداد، وعالم لغة وقاضياً، كتب كتاب " فضائل القرآن" وقال فيه: " قال لنا اسماعيل بن ابراهيم عن ايوب عن نافع عن ابن عمر، انه قال: ليقولن أحدكم قد أخذ القرآن كله، وما يدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر [122] .

وكذلك قال: " اخبرنا ابن ابي مريم عن ابن الهيعة عن ابي الاسود عن عروة بن الزبير عن عائشة، انها قالت: كانت سورة الاحزاب تُقرأ في ايام رسول الله وبها مائتان من الآيات، ولكن عندما جمع عثمان القرآن لم يتمكن من جمع اكثر مما فيها الان". [123]

وقال عن زير بن حُبيش انه قال: " قال لي أبي بن كعب: يا زير، كم آية حسبت او قرأت في سورة الاحزاب؟ فقلت: اثنان وسبعون او ثلاث وسبعون. فقال: كانت مثل سورة البقرة في الطول، وكنا نقرأ فيها آية الرجم. فقلت له: وما هي آية الرجم؟ فقال: “الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله، و الله عزيز حكيم" فرُفع فيما رُفع. [124]

وفي مكان آخر يقول: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن صائب بن ابي هلال عن ابي امامة عثمان بن سهل عن خديجة، انها قالت: " كان رسول الله يقرأ لنا آية الرجم". وذكر أبن كثير عن عُتبة بن مسعود أن أبن عباس أخبره بأن عمر بن الخطاب قام في المجلس فحمد الله واثنى عليه وقال" اما بعد، أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، واني قد خشيت ان يطول بالناس زمان فيقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة انزلها الله. ولولا أن يقول قائل، أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس فيه لأثبتها كما نزلت ". [125]

وروى عبد الغفار بن داود عن لحّي عن علي بن دينار ان عمر بن الخطاب مر برجلٍ وهو يقرأ من مصحف، فقرأٍ: " النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم وهو ابوهم" ( الاحزاب/ ألآية السادسة). فقال له عمر: لا تفارقني حتى نأتى اُبي بن كعب. ولما جاءا اُبي قال له عمر: يا اُبي،هلا سمعناك تقرأ هذه الاية؟ فقرأ اُبي الاية بدون " وهو ابوهم" وقال لعمر: انها من الاشياء التي اُسقطت. وروي نحو ذلك عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن. [126]

وفي مصحف أُبي، حسب تفسير القرطبي، نجد نفس الآية تقول: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وازواجه أمهاتهم وهو أب لهم". وقرأ ابن عباس: " ألنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم". [127] ويتضح هنا الاختلاف في ترتيب الكلمات، وهو أمر يسهل فهمه إذ ظل القرآن يُحفظ في الصدور دون كتاب يُرجع اليه. فذاكرة الانسان لابد لها أن تخونه مهما كانت قوة ذاكرته.

وقال أبو عبيد حدثنا أبن أبي مريم عن أبن الهيعة عن يزيد بن عمرو المغافري عن أبي سفيان الكلاعي: أن مسلمة بن مخلد الانصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم يُكتبا في المصحف، فلم يخبروه، وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك، فقال أبو مسلمة: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا وأنتم المفلحون" و " الذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرةٍ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون". [128] فأبو عبيد يدعي أن هاتين ألآيتين أُ سقطتا من المصحف وهو كان قد حفظهما عن ظهر قلب.

ويقول ابو عبيد: " هذه الحروف التي ذكرنا في هذه الصفحات من الاشياء الزائده، التي لم يتداولها العلماء لانهم قالوا انها تشبه ما بين دفتي الكتاب، ولكنهم كانوا يقرأونها في الصلاة. ولذلك لم يكفّروا من انكر وجود هذه الحروف الزائدة لان الكافر في نظرهم هو من انكر ما هو مذكور بين دفتي الكتاب". [129]

وهناك آيات نزل بها الوحي: كما زعموا، وظلت لفترة تُقرأ ثم اختفت. فهذا هو محمد بن مرزوق يحدثنا عن احدى هذه الآيات، قال: حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة قال: حدثنا اسحاق بن طلحة فقال حدثني انس بن مالك عن اصجاب النبي الذين ارسلهم الى اهل بئر معونة، قال: ارسل النبي اربعين او سبعين رجلاً الى بئر معونة، وعلى ذلك البير عامر بن الطفيل الجعفري، فخرج اصحاب الرسول حتى اتوا غاراً مشرفاً على الماء قعدوا فيه. فخرج ابن ملجان الانصاري ليبلّغ اهل بئر معونة رسالة رسول الله، فخرج اليه من كٍسر البيت رجلٌ برمح فضربه به حتى خرج من جنبه الاخر، فقال: الله اكبر، فزتُ ورب الكعبة! وارتد راجعاً لأصحابه فاتبعوا اثره حتى اتوا اصحابه في الغار، فقتلوهم اجمعين، فانزل الله فيهم قرآناً: " بلّغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه" [130] . ثم نُسخت هذه الاية ورُفعت من الكتاب بعدما قرأناها زمانا، وانزل الله مكانها: " ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون" [131] .

وقال ابو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال: :ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُوحي اليه أتيناه، فعلمنا مما أوحي اليه، قال: فجئت ذات يوم، فقال: إن الله يقول: " إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو ان لابن آدم وادياً لأحب أن يكون اليه الثاني، ولو كان اليه الثاني لأحب أن يكون اليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب، ويتوب الله على من تاب". [132]

وهناك سور من الواضح جداً انها أُدخلت عليها بعض الاضافات، سواء أُدخلت هذه الاضافات عندما جمع زيد بن ثابت القرآن، أم بعد ذلك، فمن الصعب أن نجزم بذلك، ولكن المهم أن هذه السور توضح لنا أن القرآن لم يُكتب كما قرأه محمد على أصحابه. فمثلاُ سورة المدثر تتكون من آيات قصيرة مسجوعة على الراء، ولكن ألآية 31 في منتصفها لا تنسجم مع طول ألآيات ولو انها تنسجم مع السجع:

1- " ياأيها المدثر"

2- " قم فأنذر"

3- " وربك فكبر"

4- " وثيابك فطهر"

5- " والرجز فأهجر"

31- " وما جعلنا أصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا ليستيقين الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا ايماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ما ذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يُضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا ذكرى للبشر"

32- " كلا والقمر"

33- " والليل إذا أدبر

34- " والصبح إذا أسفر"

من الواضح جداً أن ألآية 31 لا تنسجم مع بقية ألآيات وأنها أُضيفت اليها لاحقاً. وهذا دليلٌ قاطع على أن القرآن أُدخلت فيه آيات لم تكن أصلاً من السور وحُزفت آياتٌ أخريات، مما يجعلنا نقول أن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الذي قاله محمد حرفياً.

ونستطيع ان نقول ان القرآن ظل يتناقل شفهياً طوال فترة نزول الوحي، وهي ثلاث وعشرون سنةً، وعلى احس الفروض، حتى خلافة عثمان، وذلك ما يقارب الاربعين عاماً بعد نزول الرسالة على محمد، وعلى اسوأ الفروض، حتى زمن الحجاج بن يوسف في الدولة الاموية ( 95 هجرية)، قبل ان يُكتب ويُسجل في المصحف الذي بين ايدينا الان. فهل يُعقل ان يُحفظ كل هذا العدد من الآيات المتشابهات في الذاكرة كل هذه السنين دون ان يحدث بها بعض التداخل والاختلاط؟ فذاكرة الانسان العادي لا يمكن الاعتماد عليها كل هذه السنين، وهناك قصص تثبت ذلك.

فمثلاً عندما اختلف الخليفة المنصور مع احد العلويين واراد ان يثبت له ان العم يمكن ان يقال له " اب"، ذكر سورة يوسف الاية 38، لكنه قال: " واتبعتُ ملة آبائي ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب". ولكن الصحيح هو: " واتبعتُ ملة آبائي ابراهيم واسحاق ويعقوب" بدون ذكر اسماعيل. ويظهر ان الخليفة المنصور كان يقصد الاية 133 من سورة البقرة: " ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق" [133] . وهذه الاية تثبت قول المنصور لان ابو يعقوب هو اسحق ولكن ابناء يعقوب قالوا له نعبد اله آبائك وذكروا عمه اسماعيل قبل ابيه.

والغريب انه لا المبرد ولا ابن خلدون الذين ذكرا هذه القصة واوردا الآيات المذكورة، تنبه لهذه الغلطة في الاية 38 من سورة يوسف. اما الطبري فقد تنبه لها لكنه لم يتذكر الآية المقصودة في سورة البقرة. وهذا يثبت ان الذاكرة لا يمكن الاعثماد عليها، ولذلك يظهر هذا التكرار والنسخ في القرآن لان المسلمين اعتمدوا على الذاكرة لسنوات طويلة قبل ان يكتبوا القرآن في المصحف الحالي.

البلاغة في القرآن

لا نستطيع ان نُحصي عدد الكتب والمقالات التي نُشرت عن بلاغة القرآن واعجازه وتطوره العلمي الذي سبق العلم الحديث بمئات السنين. وسوف نتطرق لكل هذه المواضيع في وقتها. ولكي نناقش القرآن نقاشاً منطقياً، لابد ان نُقسّمه الى قسمين: القسم الاول هو لغة القرآن، والقسم الثاني عن المحتويات. فلنبدأ بلغة القرآن.

الصعوبات التي تقابل القارئ للقرآن يمكن حصرها في عدة أبواب:

1- ألاكثار من استعمال السجع الذي قد يضر بالمعنى في بعض الحالات

2- تغير صيغة المخاطب أو المتحدث من الشخص الاول الى الشخص الثالث والعكس كذلك، دونما أي مراعاة لمحتوى ألآية

3- الخلط بين الفعل الماضي والفعل المضارع في نفس ألآية وكذلك الخلط بين المفرد والجمع

4- كلمات او جُمل معناها ليس واضحاً للشخص العادي ولا حتى للمفسرين أنفسهم، ونستنبط هذا من كثرة واختلاف التفاسير للكلمات أو ألآيات

5- جُمل بها أخطاء نحوية

6- جُمل لا تتماشى مع المحتوى

ولنبدأ بالسجع. قبل ان يأتي الاسلام كان جزء كبير من عرب الجاهلية وثنيين، وان كانوا على علم بالاديان الاخرى وبفكرة التوحيد وعبادة إله واحد. وسواء آمنوا بالاله الواحد في السماء او بالاصنام كآلهة او كوسيلة لتوصلهم الى الاله، لم يكن بمقدورهم مخاطبة الاله او الصنم مباشرةً، فكان لابد لهم من وسيط. هذا الؤسيط كان الكاهن. وكلمة " كاهن" مشتقة من الكلمة العبرية " كوهين Kohen " التي اُستعيرت بدورها من الكلمة الآرامية " كاهنا Kahna " [134] . والكوهين العبري رجل دين كل مهمته تفسير التوراة والاحكام الدينية للعامة. أما في اللغة العربية فكلمة " كاهن" تعني الرجل المتكهن، الذي يتنبأ بالغيب، ويتحدث للناس بما قد يحدث لهم في المستقبل. وللكهان اسلوب خاص في الكلام، يعرف بالاغراق في استعمال السجع، وبالافراط في استعمال الكلام الغامض. وهو اسلوب تقتضيه طبيعة التكهن، لكي لا يُلزم الكاهن نفسه بما يقوله من قول ربما لا يحدث، او قد يحدث عكسه. ففي مثل هذه الحالة يكون للكاهن مخرج باستعماله هذا النوع من الكلام الغامض.

وفي الاقوال المنسوبة الى الكهان، قَسَمٌ بالكواكب كالشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والاشجار والرياح وما شابه ذلك من امور. والغرض من القسم هنا هو التاثير في نفوس السامعين والاغراب في الكلام، ليكون بعيداً عن الاسلوب المألوف. وقد روى الاخباريون نمازج من هذا الكلام المعروف ب " سجع الكهان". وقد وردت كلمة كاهن في القرآن في معرض الرد على قريش الذين اتهموا الرسول بأنه كاهن، وبانه يقول القرآن على نمط قول الكهان، ففي سورة الطور، الاية 29 نجد: " فذّكر فما انت بنعمت ربك بكاهنٍ ولا مجنون ". وفي سورة الحاقة، الاية 42: " ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون ".

وكذلك اتهمت قريش محمداً بانه شاعر، وفي كلتا الحالتين، الكهانة والشعر، كان من رأي الجاهليين ان هناك وحياً يُوحى الى الكاهن بما يقوله، والى الشاعر بما ينظمه، ويأتي بهذا الوحي شيطان، " شيطان الشاعر". وقد ورد " شيطان الكاهن" كذلك، ذلك لان الكاهن يتلقى علمه من الجن. بل كانوا يعتقدون ان للشاعر شيطانين يساعدانه على نظم الجيد من الشعر، ولذلك نجد الشعراء انفسهم يخاطبون شيطانين في بداية القصيده. فمثلاً امرؤ القيس يقول في بداية معلقته المشهوره:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فيعتقد البعض انه يخاطب شيطانيه، وقيل أنه يخاطب صاحبيه، وقيل بل خاطب واحداً واخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين، لان العرب من عادتهم اجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، وانما فعلت العرب ذلك لان الرجل يكون أدنى أعوانه أثنين: راعي إبله وراعي غنمه [135] . وعلى كلٍ، إن كان الشاعر يخاطب شيطانين أو صاحبين وهميين، فقد سلك القرآن نفس المسلك.

وكان العرب يرون ان للكاهن قوة خارقة وقابلية لتلقي الوحي من تلك القوى التي يتصورونها على هيأة شخص غير منظور يلقي الى الكاهن الوحي، فينطق بما يناسب المقام وبما يكون جواباً على الاسئلة التي توجه للكاهن. ويطلقون على ذلك الشخص الخفي " تابع" لانه يكون تابعاً وصاحباً للكاهن، يتبعه ويلقي اليه " الرئي"، ويكشف له الحُجب ويأتيه بالاسرار.

وللجاهليين قصص عن الكهان اخرجتهم من عالم الواقع وجعلتهم في جملة الاشخاص الخرافيين. فمثلاً، كان هناك الكاهن " سطيح"، واسمه ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب، وكان يقال له سطيح الذئبي لنسبته الى ذئب بن عُدي. وقال الاخباريون ان سطيحاً كان كتلة من لحم يُدرج كما يُدرج الثوب، ولا عظم فيه الا الجمجمة، وان وجهه في صدره، ولم يكن له لا رأس ولا عنق، وكان في عصره من اشهر الكهان، وان كسرى بعث اليه عبد المسيح بن بقلة الغساني ليسأله في تأويل رؤياه عندما سقطت الحيطان في ايوانه يوم وُلد محمد [136] .

وتفسير العلماء الاسلاميين للكهانة هو ان التابع كان يسترق السمع من الملائكة، فيلقي بما سمعه على الكاهن، ويلقي الكاهن ما سمعه على الناس، فيكون نبوءة. وذلك قبل عهد بعثة الرسول. فلما جاء الاسلام ونزل القرآن، حُرست السماء من الشياطين، واُرسلت عليهم الشهب، فبقي من استراقهم ما يتخطفه الاعلى، فيلقيه الى الاسفل قبل ان يصيبه الشهاب، والى ذلك الاشارة " الا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب". والقرآن يؤكد ان الشياطين كانت تجلس في السماء تتصنت لما يقول الله للملائكة وترجع للأرض لتخبر الكهان بما سيحدث، الى أن قرر الله حراسة السماء حينما أرسل محمداً. ويظهر أن الله لم يكن يبالي بإستراق السمع هذا عندما بعث ابراهيم ونوح وموسى وعيسى وغيرهم حتى أتى محمد واتهمته العرب بأنه كاهن، فقرر الله وقتها حراسة السماء لينفي التهمة عن رسوله.

ولم يكن السجع غريباً على محمد، فقد قال الامام احمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن زُرارة عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم رسول الله (ص) المدينة انجفل الناس، فكنت فيمن انجفل، فلما تبينت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب، فكان اول شئ سمعته يقول: " أفشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" [137] .

والسجع هو العمود الفقري في لغة القرآن، لدرجة ان محمداً قد غير اسماء اماكن واشياء لتتماشى مع السجع في السورة. فمثلاً في سورة التين، الاية الثانية، نجد ان " طور سيناء " قد تغير الى " طور سينين " ليتماشى مع السجع:

1- " والتين والزيتون "

2- " وطور سينين "

3- " وهذا البلد الامين "

4- " لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ".

وليس هناك بالطبع مكان او جبل اسمه طور سينين، وكلمة طور نفسها ليست كلمة عربية وانما كلمة عبرية وتعني " جبل"، وهذا الجبل في سيناء، ولذلك دُعي جبل سيناء او طور سيناء. ونجده قد استعمل الاسم الصحيح في سورة " المؤمنون" الاية 20: " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغٍ للآكلين".

ونجد في سورة الانعام، الآية 85، ذكر بعض الانبياء: " وزكريا ويحيي وعيسى وإلياس كل من الصالحين". ونجد كذلك في سورة الصافات، الاية 123 إلياس يُذكر مرة اخرة: " وان إلياس لمن المرسلين". ولكن فجأةً في الآية 130 من نفس السورة يتغير اسمه ليصبح إلياسين، ليتماشى مع السجع: " سلام على إلياسين". وهذه ليست " آل ياسين" وانما " إل ياسين" بكسر الالف الاولى.

وأغلب القرآن مسجوع لان السجع، كالشعر، يسهل حفظه. وألانسان البدائي تعلم الرقص والغناء والشعر آلاف السنين قبل أن يتعلم الكتابة. ولم يتعلم الانسان النثر الا بعد أن تعلم الكتابة، لصعوبة حفظ النثر.

وتجاهل بعض الناس هذه الحقيقة البسيطة في اندفاعهم لجعل القرآن المرجع الوحيد لما حدث ويحدث في العالم. فالبروفسير حميد الله يذكر في مقدمة ترجمته للقرآن الى اللغة الفرنسية أن الله ذكر القلم في أول سورة أُنزلت على النبي، ليؤكد أهمية القلم كأداة في تطور علم الانسان. ويستمر البروفسير ويقول إن هذا يؤكد كذلك اهتمام النبي بجمع القرآن وحفظه مكتوباً [138] . وطبعاً البروفسير حميد الله قد نسى أن العلماء قد قدروا أن ألانسان البدائي ظهر على هذه الارض قبل حوالي سبعة ملايين من السنين، وتعلم اثناء تطوره الصيد وصناعة ألالآت وصناعة القوارب والحراب، وتعلم كذلك ان ينظم الشعر وان يرسم وتعلم فن القصص ( الفولكلور الشعبي) وصناعة الملابس واشياء أخرى مثل اكتشاف النار والزراعة، ألاف السنين قبل أن يتعلم القراءة ويخترع القلم.

ويتفق العلماء أن اختراع اللغة هو الذي سهّل للانسان الاتصال بالناس الآخرين ونقل الافكار بينهم، وبالتالي تكون اللغة هي أداة تقدم ألانسان وليس القلم كما يقول بروفسير حميد الله. وإذا كان القلم والقراءة بهذه الاهمية عند الله حتى انه ذكر القلم في أول سورة انزلها على النبي، لماذا أختار الله رسولاً أمياً لا يقرأ ولا يكتب، حسب زعم المسلمين؟

وبما أن القرآن لم يكن يُكتب في البداية، وكان أعتماد المسلمين على الذاكرة، كان الاعتماد على السجع أفضل وسيلة لمساعدتهم على حفظه. ولكن مشكلة السجع تكمن في التكرار خاصة اذا كانت السورة طويلة، لان الساجع يجد صعوبة في ايجاد كلمات كثيرة متماشية مع القافية. فنجد أن السور الطويلة يتغير فيها السجع عدة مرات، وتتكرر بعض الكلمات عدة مرات، وفي بعض الاحيان يشتق القرآن بعض الكلمات اشتقاقاً على غير المعهود لتماشي السجع.

فإذا أخذنا مثلاً سورة مريم، من ألآية الثانية حتى ألآية الثالثة والثلاثين نجد آخر كلمة من كل آية تنتهي ب " يا"

2 - " ذكرُ رحمة ربك عبده زكريا"

3- " إذ نادى ربه نداءً خفيا"

ثم في ألآيتين 34 و35 تتغير القافية الى " ون"

34- " ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون"

35- " ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى شيئاً أن يقول له كن فيكون"

ثم تتغير الى "ميم" في ألآيتين 36 و 37

36- " وإن الله ربي وربكم فأعبدوه هذا سراط مستقيم"

37- " فأختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يومٍ عظيم"

ثم ترجع الى النون مرة أخري في ألآيات 38 و 39 و 40

40- " إنا نحن نرث الارض ومن عليها والينا يرجعون"

ثم نرجع للقافية الاولى " يا" في ألآيات من 41 الى 74

41- " واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقاً نبيا"

ثم تتغير القافية الى " دا" مثل جُنداً و ولداً الى نهاية السورة.

وادخال آيتين أو ثلاثة في منتصف السورة بسجع يختلف عن معظم آيات السورة حمل بعض الدارسين الى القول بأن هذه ألآيات أُضيفت الى السورة لاحقاً ولم تكن جزءً منها في البداية.

ونجد في نفس سورة مريم تكراراً غير مفيد. فعندما يتحدث القرآن عن زكريا وأبنه يحيي، يقول عن ألاخير: " سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا" [139] . ثم نجد ألآية مكررة عندما يتحدث عن عيسى: " والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيا" [140] .

وفي ألآية 10 من نفس السورة: " قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام سوياً" وفي ألآية 17 كذلك: " فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا". وفي ألآية 68 نجد: " فوربك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرهم حول جهنم جثيا"، وفي ألآية 72: " ثم ننجي الذين آمنوا ونذر الظالمين فيها جثيا". وواضح أن التكرار هنا لصعوبة ايجاد كلمات اخرى تماشي السجع.

واشتقاق الكلمات على غير المعهود نجده في ألآية 74 من نفس السورة: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورءياً". والاشتقاق هنا غريب لانه من رأى والمصدر رؤية، ولكن لتماشي الكلمة السجع قال " رءيا". و لغرابة الاشتقاق وجد المفسرون صعوبة في شرح الكلمة، فقال القرطبي في تفسيره: ( قال ابن عباس " ورئيا" اي منظراً حسناً. وفيه خمس قراءات: قرأ أهل المدينة " وريا" بياء واحدة مخففة. و روى ألاعمش عن ابن عباس " أحسن أثاثاً وزيا" بالزاي. وقرأ أهل الكوفة " ورئيا" بالهمزة. وقال أبو أسحق يجوز " وهم أحسن أثاثاً وريئا" بياء بعدها همزة).

وفي سورة النبأ، ألآية 35، عندما يصف الله الجنة، نجد:

31- " إن للمتقين مفازا"

32- " حدائقَ وأعنابا"

33- " و كواعبَ أترابا"

34- " وكأساً دهاقا"

35- " لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا"

وكلمة " كذابا" مشتقة من كذّبَ، يُكذّبُ، كذباً. والمصدر كما هو واضح " كذبا"، ولكن لتماشي الكلمة السجع كان لا بد من جعلها " كذابا". وقد يلاحظ القارئ هنا أن ألآية 34 لا تماشي السجع مما دعا بعض الدارسين الى القول بأنها أضيفت مؤخراً.

والتكرار في بعض ألآيات يكون مملاً. فخذ مثلاً سورة " الرحمن" وبها 78 آية كلها مسجوعة على الالف والنون ما عداء آيات بسيطة، ولسبب ما أدخل المؤلف " فبإي ألاء ربكما تكذبان" بعد كل آية ابتداءاً من ألآية الثانية عشر. وتكررت هذه العبارة 31 مرة في سورة طولها 78 آية. فاي غرض يخدمه هذا التكرار الممل.

وكل سورة " الرحمن" هذه تذكرنا بايام الجاهلية عندما كان الشاعر يخاطب شيطانيه أو صاحبيه ليساعداه على نظم الشعر " قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل.... " فالقرآن هنا ، كعادة الجاهلية، يخاطب شيطانين ( وهناك شياطين مسلمة كما يقول القرآن). ويقول علماء الاسلام ان القرآن في هذه السورة يخاطب الانس والجن، ولذا استعمل صيغة المثنى. ولكن في نفس السورة عندما اراد القرآن مخاطبة الانس والجن قال: " يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان". فلم يقل " فانفذان، او لا تنفذان الا بسلطان".

وفي بعض الاحيان تُضاف كلمات، لا لتوضيح الصورة ولكن لتكملة السجع، فمثلاً في سورة الشعراء في الاية 76 تُضاف كلمة " الاقدمون" دون الحاجة اليها

72- " قل هل يسمعونكم اذ تدعون"

73- "او ينفعونكم او يضرون"

74- " قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون"

75- " قال أفراءيتم ما كنتم تعبدون"

76- " انتم وآباؤكم الاقدمون"

فكلمة " الاقدمون" هنا لا تخدم اي غرض مفيد اذ ليس هناك اباء جُدد واباء اقدمون، لان كلمة اباء قد ترجع للوراء حتى نصل الى آدم، فكلنا ابناء آدم، وحين نقول" بني اسرائيل"، يرجع هذا الى يعقوب بن اسحاق. فاذاً كلمة اباؤكم لا تحتاج الى تعريف كما هو واضح من ألآية 74 أعلاه عندما قال : " وجدنا أباءنا كذلك يفعلون"، ولم يُعرّف ألاباء، ولكن السجع فرض ادخال كلمة تنتهي بالنون فأدخل " ألاقدمون".

واما اللغة نفسها فمن الصعب متابعتها لان القرآن يغير صيغة المخاطب في نفس الاية من المفرد الى الجمع ومن المتحدث الى المخاطب، فخذ مثلاً سورة الانعام الاية : 99 " وهو الذي انزل من السماء ماءً فاخرجنا به نباتَ كلٍ شئٍ فاخرجنا منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانيةٌ وجناتٍ من اعنابٍ والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابهٍ انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لاياتٍ لقوم يؤمنون".

فبداية الاية يصف الله " وهو الذي انزل من السماء ماءً "، وبدون اي انذار تتغير اللغة من الشخص الثالث الى الشخص الاول ويصير الله هو المتحدث " فاخرجنا به"، وسياق الاية يتطلب ان يقول " فاخرج به". وانظر الى النحو في الاية ذاتها، اغلب الكلمات منصوبة لانها مفعول به، لان الله انزل المطر فاخرج به حباً وجناتٍ، وفجأة كذلك يتغير المفعول به الى مبتدأ مرفوع في وسط الجملة. وسياق الكلام يقتضي ان يُخرج الله من النخل قنواناً دانيةً، معطوفة علي ما قبلها، ولكن نجد في الاية " قنوانٌ دانيةٌ " بالرفع، وهي مبتدأ خبره " ومن النخل ". ثم تستمر الاية بنصب الكلمات الباقية لانها مفعول به.

وخذ ألآية 114 في سورة الانعام، لما طلب اليهود من محمد ان يجعل بينه وبينهم حكماً: " افغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ". ففي بداية الاية المتحدث هو محمد مخاطباً اليهود، فيقول لهم : أغير الله ابتغي حكماً وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلاً؟ وفجأة يصير الله هو المتحدث فيقول لمحمد: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين.

والعلماء المسلمون يحاولون شرح هذه الآية بان يقولوا: ادخلْ كلمة " قل " قبل "والذين آتيناهم". وهذه حجة غير مقبولة لان الله حينما اراد ان يستعمل " قل "، استعملها صراحة في المكان الذي اراد ان يستعملها فيه. فنجد في القرآن كلمة " قل " مستعملة ما لا يقل عن 250 مرة. فمثلاً في الآية 91 من نفس السورة، " قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى". وكان من الممكن ان يسأل محمد المشركين مباشرة ويبدأ الآية ب " من انزل الكتاب " ثم نُدخل نحن كلمة " قل" كما يطلب منا المفسرون. ولكن الواضح هنا ان الله لما اراد ان يدخل كلمة " قل" ادخلها صراحة وبوضوح.

وكلمة " قل " اكثر ما استُعملت في سورة الانعام هذه. فنجد:

46- " قل أرأيتم ان اخذ الله سمعكم"

47- " قل أرايتم ان اتاكم عذاب الله"

50- " قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ...... قل هل يستوي الاعمى والبصير"

56- " قل اني نُهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم"

57- " قل اني على بينة من ربي وكذبتم به"

58- " قل لو ان عندي ما تستعجلون"

63- " قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر"

64- " قل الله ينجيكم منها"

65- " قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً"

وباختصار استُعملت كلمة " قل " في سورة الانعام 39 مرة. فهل هناك اي سبب يجعلنا نقول ان الله اراد ان يستعمل كلمة " قل" في الآية التي ذكرناها اولاً لكنه لم يستعملها وتركها للعلماء المسلمين ليخبرونا انه ارادنا ان يضع هذه الكلمة قبل الآية المذكورة؟

ونفس الشئ ينطبق علي السورة الاولى في المصحف، اي سورة الفاتحه. فهذه السورة من الواضح انها دعاء كان يدعو به محمد، وليست جزءاً من القرآن. وكالعادة يقول العلماء المسلمون: ضع كلمة " قل" قبل بداية السورة. ولو اراد الله ان يستعمل كلمة " قل" لفعل، كما فعل في سورتي " الفلق" و " الناس"، وكلاهما ادعية مثل سورة الفاتحة. ففي سورة الفلق يقول : " قل اعوذ برب الفلق"، وفي سورة " الناس" يقول: " قل اعوذ برب الناس". فلماذا لم يقل في سورة الفاتحة " قل الحمد لله رب العالمين". وابن مسعود الذي كان يكتب الوحي للرسول، و أحد علماء الحديث المشهورين، اعتبر ان سورة الفاتحة وسورتي الفلق والناس، ليست من القران [141] .

وفي سورة فاطر ألآية التاسعة : " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه الي بلد ميت فأحيينا به ألارض بعد موتها ". تغير القائل في نفس ألآية من الشخص الثالث الى الشخص الاول. فبداية ألآية تقول: " والله الذي أرسل الرياح" ثم فجأةً يصير المتحدث هو الله، فيقول: " فسقناه الى بلد ميت فأحيينا به ألارض".

و تحتوي نفس ألآية على فعل مضارع مخلوط مع افعال ماضية. فكلمة " فتثير" فعل مضارع في وسط جملة كلها في الماضي. ويقول العلماء ان الفعل المضارع هنا في وسط جملة كلها في الماضي، " لحكاية الحال الماضية". فهل في هذا اي نوع من البلاغة؟ وفي سورة الحج، الآية 63: " ألم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير". مرة اخرى يجمع القرآن بين الفعل الماضي والفعل المضارع في جملة واحدة. وكلمة " فتصبح" يجب ان تكون " فأصبحت" لان الله انزل من السماء ماءً.

وهذه آية اخرى تخلط بين الماضي والمضارع، ففي سورة الشعراء، الآية الرابعة : " ان نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً فظلت اعاناقهم لها خاضعين". ويقول العلماء ان شبه الجملة " فظلت اعناقهم لها خاضعين" استُعملت بمعنى المضارع. فلماذا كل هذا اللف والدوران وكان من السهل ان يقول " فتظل"؟ وليس الخلط بين الماضي والمضارع هو الشئ الوحيد الخارج عن المألوف في هذه الآية، فقد استعمل القرآن كلمة " خاضعين" وهي حال تصف جمع العقلاء مثل " رجال" ليصف بها " اعناقهم"، وهي ليست جمع عقلاء. والاسم الذي يقع حالاً يطابق صاحب الحال في النوع وفي العدد، ولذا كان الاصح ان يقول " فظلت اعناقهم لها خاضعة". ولكن كل آيات هذه السورة تنتهي بالياء والنون، لذلك اضطر ان يقول " خاضعين".

والقرآن كثيراً ما يخلط بين المفرد والجمع في نفس الآية. فخذ مثلاً الاية 66 من سورة النحل: " وان لكم في الانعام لعبرةٌ نُسقيكم مما في بطونه". والانعام جمع وتعني " حيوانات" وكان يجب ان يقول " نسقيكم مما في بطونها"، لكنه جعلها في حُكم المفرد وقال " بطونه". وقال المفسرون افرده هنا عوداً على معنى النعم والضمير عائد على الحيوان، رغم ان الانعام حيوانات. ونجد نفس الاية تعاد في سورة " المؤمنون" ولكن هذه المرة تغيرت كلمة " بطونه" الى " بطونها". فالآية 21 من سورة " المؤمنون" تقرأ: " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون".

ويكثر كذلك في القرآن غريب اللفظ والمعنى، فنجد في سورة المرسلات عندما يصف نار جهنم في الآية 32 وما بعدها: " انها ترمي بشرر كالقَصر، كأنه جمالات صُفرٌ ". اولاً كلمة " جمالات " مع انها جمع تكسير ل " جمل"، إلا أنها جمع غريب نادر الاستعمال، والمتعارف عليه هو جمال. ثم وصف الجمال بانها صُفر، وليس هناك جمال صفراء. فقال المفسرون كان العرب يسمون الجمال السود صفراء لان سوادها تداخله صفرة. فهل نفهم من هذا ان بني اسرائيل كذلك كانوا يسمون البقر الاسود اصفر، لان الله قال لهم " بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين" ؟ ونحن لا نعلم لماذا قال العرب عن كل شئ أسود أنه " أسود" الا الجمال السود نعتوها بالصفرة ولم ينعتوا البقر او الخراف السود بالصفرة.

ثم في سورة الفرقان الآية 68 : " والذين لا يدعون مع الله الهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ". وأثاماً ليست من اللغة العربية في شئ، والقرآن يُفترض انه نزل بلسان عربي مبين. وحتى المفسرين وعلماء اللغة لم يتفقوا على معنى كلمة " أثاماً"، فقال عبد الله بن عمر : أثاماً وادي في جهنم، وقال عكرمة أودية في جهنم يعذّب فيها الزناة، وقال قتادة: أثاماً تعني نكالاً، وقيل في الحديث انها تعني بئر في قعر جهنم، وقال السدي انها تعني جزاءً. [142] وأظن ان السدي جاء بهذا التفسير من المعنى العام للآية، إذ لم يقول أحد غيره بهذا المعني، والكلمة أصلاً لم تكن شائعة أو مستعملة عند العرب. ولو كان معنى الكلمة " وادي في جهنم" فكيف جاء بها العرب واستعملوها ولم يكونوا على علم بجهنم قبل الاسلام على حسب رأي المفسرين؟ وواضح من معنى الآية ان من يفعل تلك الاشياء يلقى جزاءً. ولكن القرآن استعمل كلمة " أثاماً" تمشياً مع السجع رغم أن علماء المسلمين لم يكونوا يعرفون معناها، كما هو واضح من اختلاف تفاسيرهم للكلمة.

وفي سورة العنكبوت، ألآية 64 نجد: " وما هذه الحياة الدنيا الا لهوٌ ولعبُ وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون". وقد وجد المفسرون صعوبةً بالغة في تفسير كلمة " حيوان" هذه، فقالوا ان : الحيوان: هنا تعني الحياة الدائمة، ويقول القرطبي في تفسيره ان " الحيوان" تقع على كل شئ حي. أو قد تعني عيناً في الجنة. بل قال بعضهم ان أصل الكلمة هو " حييان" فأُبدلت احدى اليائين واواً لاجتماع المثل. [143] وهذا قول غريب لان العرب تغير الواو ياءاً اذا اجتمعت الواو والياء وسبقت احداهما بالسكون، مثل " نوية" من نوى، ينوي فهي نوية. ولكن لاجتماع الواو والياء وسبق احداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء وأُدغمت الياء في الياء، فصارت " نية". ولو كانوا يغيرون الياء واواً لاجتماع المثل لغيروا " فأحيينا به ألارض" الى " فأحوينا به ألارض".

وفي سورة عبس ألآية 28: " فأنبتنا فيها حباً، وعنباً وقضبا". ولا أحد من المفسرين يعرف معنى " قضبا". فقد قال أبن كثير القضب هو القصفة التي تأكلها الدواب، وكذلك قال أبن عباس. وقال الحسن البصري هي العلف. وقال آخرون غير ذلك. وفي نفس السورة، ألآية 31 نجد: " وحدائقا غُلبا، وفاكهةً وأبّا". فقال الضحاك: ألاب هو كل شئ ينبت على الارض. وقال أبو رزين هو النبات، وقال أبن عباس: ألاب ما تنبت الارض مما يأكل الناس والانعام. وقال أبن عباس كذلك والحسن: ألاب مما لا يأكله ألادميون، فما يأكله ألادميون يُسمى الحصيد، واستشهدوا ببيت شعر في مدح الرسول:

له دعوةُ ميمونةُ ريحها الصبا بها ينبت الله الحصيدةَ وألابا

وهذا البيت بلا شك قاله شاعر مسلم سمع كلمة ألابا في القرآن وأدخلها في شعره دون أن يعرف معناها لانها تماشي القافية. فالكل يعرف الحصاد من الزرع ولكن لا أحد يعرف معنى ألابَ.

فقد قال أبن عباس أيضاً: ألاب هو الثمار الرطبة، وقال الضحاك هو التين. فواضح مما تقدم أن لا أحد يعرف معنى الكلمة إذ أن أبن عباس أعطى أربعة تفاسير مختلفة لهذه الكلمة. والكلبي قال الاب هو كل نبات سوى الفاكهة وقال آخرون بل هي الفاكهة الرطبة. وسئل أبو بكر الصديق عن تفسير الفاكهة وألاب فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه قرأ هذه ألآية ثم قال: كل هذا عرفناه، فما ألاب؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلف. [144] فإذا كان عمر وابو بكر وابن عباس لا يعرفون معناها، فهل يُعقل أن يكون الشاعر الذي نظم البيت المذكور كان على علم بمعنى الكلمة؟

والكلمة قد تكون سريالية واصلها Ebba أو قد تكون مشتقة من الكلمة العبرية Ebh ، ولكنها قطعاً ليست عربية، ولا يعرف العرب معناها.

وفي سورة الحج ألآية 29 نجد: " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق". فكلمة " تفثهم" قد لا تكون عربية ولا أحد يعرف معناها ووقعها على ألاذن ثقيل. ويقول القرطبي في شرحه لهذه ألآية: ( ليقضوا بعد نحر الهدايا ما بقي من أمر الحج كالحلق ورمي الجمار وإزالة الشعث ونحوه. وقال ألازهري: التفث ألاخذ من الشارب وقص الاظافر ونتف الابط وحلق العانة. وقال الازهري كذلك: التفث في كلام العرب لا يُعرف الا في قول أبن عباس وأهل التفسير. وقال أبن العربي: هذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً.) فإذا كان أهل العربية لا يعرفون معناها، فأي حظ سيحالف غير العرب في فهمها؟

واستعمل القرآن كلمات كثيرة ليست في اللغة العربية وليس لها اي معني مفهوم، وقد اختلف اغلب المفسرين في تفسيرها. فنجد في سورة الحُجر، الآية 87: " ولقد اتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم". فقال بعض المفسرين ان المقصود بها السبع سور الطوال وقال آخرون المقصود بها سورة الفاتحة، وأتوا بحديث يستدلون به. وقال القرطبي في تفسيره أن المثاني تعني القرآن كله بدليل ان الله قال في سورة الزمر ألآية 23: " كتاباً متشابهاً مثاني". وواضح أن تفسير القرطبي هذا لا يتفق والآية المذكورة اذ تقول الآية " أتيناك سبعاً من المثاني والقرآن الكريم"، فلن يستقيم معنى ألآية إذا قلنا أن المثاني تعنى القرآن كله، إذ كيف يكون قد أعطاه القرآن كله والقرآن الكريم؟ والسور السبع الطوال هي جزء من القرآن فليس من البلاغة ان يُعطف الكل على الجزء. وحتى لو جاز هذا، فلا أحد يعلم ما المثاني، والافضل ان يُخاطب القرآن الناس بلغةٍ يفهمونها.

وفي سورة الحاقة، الآية 36: " ولا طعام الا من غسلين". ولا احد يدري معنى غسلين، ولكنها تنسجم مع سجع السورة، " ولا يحض على طعام المسكين، فليس له اليوم ههنا حميم، ولا طعام الا من غسلين".

وفي سورة الانسان، الآية 18: " عيناً فيها تُسمى سلسبيلا". وهنا كذلك لا احد يعرف ما هي سلسبيلا. فتفسير الجلالين يقول: سلسبيلا تعني سهل المساغ في الحلق. وفي تفسير أبن كثير، قال عكرمة هي أسم عين في الجنة، وقال مجاهد سُميت بذلك لسلاقة مسيلها وحدة جريها، وقال قتادة: سلسة مستقيدٌ ماؤها. أما تفسير القرطبي فيقول:( السلسبيل هو الشراب اللذيذ، وتقول العرب سلس وسلسال وسلسيل بمعني أنه طيب الطعم لذيذه. وسلسل الماء في الحلق يعني جرى، وسلسته تعني صببته فيه). وأنا لا أدري كيف صرّفَ تفسير الجلالين سلسبيلا مما تقوله العرب عن سلس وسلسال وسلسيل، فمهما صرّفنا هذه الكلمات لا يمكن أن ننتهي ب " سلسبيلا".

وقال أبو العالية ومقاتل: ( إنما سُميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش في جنة عدن.) [145] فكل المياه في المدن الحديثة الان تسيل في مواسير في الطرق وفي منازلنا، فهل هذه المياه سلسبيلا؟ أم يُشترط أن تنبع من جنة عدن؟

وأغرب التفاسير ما أورده القفال في تفسير الجلالين إذ قال:( تلك عينٌ شريفة، فسل سبيلاً أليها. وروى هذا عليّ بن أبي طالب كذلك). فهو فصل كلمة سلسبيلا الى كلمتين: سل و سبيلا. ولكن المشكلة أن ألآية تقول: " عيناً فيها تسمى سلسبيلا" فلا يمكن أن نقول سل اليها سبيلا لان اسم العين سلسبيلا. وليتخلص من هذه المعضلة يقول القفال:( أنها مذكورة عند الملائكة وعند الابرار وأهل الجنة بهذا الاسم). وهذا الشرح يبين لنا كيف يدور علماء الاسلام ويلفون في حلقات مفرغة لشرح الغريب في القرآن بدل ان يقولوا أنهم لا يعرفون المراد من هذه الكلمة.

اما سورة المطففين ففيها عدة آيات تحتوي علي كلمات يصعب فهمها: فمثلاً الآيات 7 و 8 و9 " كلا ان كتاب الفجار لفي سجين. وما ادراك ما سجين. كتاب مرقوم". والآيات 18 و19و20 من نفس السورة: " كلا ان كتاب الابرار لفي عليين. وما ادراك ما عليون. كتاب مرقوم". ومعنى هذا ان عليين وسجين كلاهما يعني كتاباً مرقوماً، أحدهما للفجار والآخر للابرار. فالقرآن هنا أستعمل غريب اللغة لينقل الينا حقيقة بسيطة: هي أن هناك كتابين، واحد للفجار وواحد للابرار. فهل من المهم لنا أن نعرف أسماء هذين الكتابين؟

ثم إن القرآن يقول أن هناك كتاب واحد " وعنده أم الكتاب " [146] و " اللوح المحفوظ" الذي يحفظه الله منذ الازل في السماء السابعة، وقد سجل الله فيه كل كبيرة وصغيرة عن كل أنسان حتى قبل أن يولد، وهناك كذلك لكل شخص كتابه الخاص به الذي سوف يتسلمه يوم القيامة، فمنهم من يُعطى كتابه بيمينه ومنهم من يعطى كتابه بشماله ليقرأ منه ما فعل في الدنيا. فما الحكمة إذاً في أن يكون هناك كتاب للابرار وآخر للفجار مادام لكل شخص كتابه الخاص وهناك اللوح المحفوظ الذي فيه كل التفاصيل ولا يمكن لهذا اللوح أن يضيع أو يصيبه تغيير؟ وحتى لو قلنا إنه من باب الاحتياط أن يكون للأبرار كتاب وللفجار كتاب آخر، هل يستدعي هذا نزول آية تخبرنا بأسماء هذين الكتابين؟ هل سيغير هذا من سلوكنا أو يدعونا للايمان؟

والجدير بالذكر هنا أن القرآن استعمل كلمة " وما أدراك" أثنتي عشر مرةً ليشرح كلمات غريبه لم تكن معروفة للعرب آنذاك، وسوف نتعرض لبعض هذه الكلمات في حينها.

في سورة الفيل، ألآية 3، نجد : " وأرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل". ويقول أبن كثير: طير أبابيل يعني طيراً من البحر امثال الخطاطيف والبلسان. ويقول القرطبي: طيراً من السماء لم يُر قبلها ولا بعدها مثلها. وروي الضحاك أن أبن عباس قال سمعت رسول الله يقول: " إنها طيرٌ تعشعش وتفرخ بين السماء وألارض". وقال أبن عباس: كانت لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. وقال عكرمة: كانت طيراً خُضراً خرجت من البحر لها رءوس كرءوس السباع.

أما سجيل فلا أحد يعرف معناها. قال النحاس: السجيل الشديد الكثرة. وقال سيل وسجيل هما نفس الشئ. وحكى محمد بن الجهم أن سجيل تعني طينٌ يُطبخ حتى يصير بمنزلة الارحاء. وقال سعيد بن جُبير أن اللفظة غير عربية وأصلها سنج وجيل أو سنك وكيل، وهما بالفارسية حجر وطين. وقد قال القرآن في سورة الذاريات، ألآية 33 : " لنرسل عليهم حجارةً من طين". وقال أبن يزيد: سجيل أسم السماء الدنيا وعن عكرمة أنه بحر معلق بين السماء والارض منه نزلت الحجارة. وقيل هي جبال في السماء، وقيل كذلك هي ما سُجل لهم أي كُتب لهم أن يصيبهم. [147]

وأصل الكلمة ربما يكون من اللغة ألأرامية Sgyl وتعني حجر المعبد. [148] والشئ الملفت للنظر أن كل هولاء المفسرين أتوا بتفسيرات لا تمت لبعضها البعض بصلة، مما يؤكد انهم كانوا يخمّنون معاني هذه الكلمات الغريبة التي لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل.

وكلمة " الفرقان" وردت في القرآن مرات عديدة بمعاني مختلفة. فمثلاً في سورة البقرة، ألآية 53: " وأتينا موسى الكتاب والفرقان". وفي نفس السورة، ألآية 185: " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان". وفي سورة آل عمران، ألآية 4: " من قبل هدى للناس وانزل الفرقان". وسورة ألانفال، ألآية 29: " ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم". وفي سورة ألانفال، ألآية 41: " أعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان". وفي سورة ألانبياء، ألآية 48: " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكراً للمتقين". وفي سورة الفرقان، ألآية 1: " تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً".

وأتفق أغلب المفسرين ان الفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل ولكن ابن عباس قال: فرقاناً يعني مخرجاً وزاد مجاهد " في الدنيا والاخرة". وفي رواية اخرى قال ابن عباس ان فرقاناً تعني نصراً. وقالوا انها تعني يوم بدر لان الله فرق فيه بين الحق والباطل. وقال قتادة انها تعني التوراة، حلالها وحرامها. ويقول الرازي قد يكون التوراة او جزء منها او حتى معجزات موسى مثل عصاه. وقد تعني إنشطار البحر لموسى، واستقر رأيه علي انها التوراة. وقالوا الفرقان تعني القرآن. فالله قد انزل الفرقان على موسى وكذلك انزله على محمد، مما يجعلنا نقول أن الفرقان ربما تعني " كتاب" ولكن كيف نوفق بين هذا المعنى وألآية 29 من سورة ألانفال: " ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً". فالمراد هنا أن يجعل لكم مخرجاً. ولكن ألآية 41 من سورة ألانفال تقول: " وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان". فالمعنى هنا لا يتفق مع أي من المعاني السابقة. فماذا تعني كلمة الفرقان إذاً؟

وهناك كلمة أخرى لم تكن معروفة للعرب قيل نزول القرآن، ألا وهي " كلالة". ففي سورة النساء، ألآية 4: " وإن كان رجلٌ يورث كلالةً ام إمرأة". وسئل ابو بكر الصديق عن كلمة كلالة فقال: أقول فيها برائي فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه، الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقال القرطبي في تفسيره: الكلالة مشتقة من الاكليل وهو الذي يحيط بالرأس من جوانبه والمراد هنا من يرثه من حواشيه لا أصوله ولا فروعه. وهذا بلا شك تخمين وليس هناك أي دليل أن كلمة كلالة مشتقة من إكليل. وقد أورد الطبري 27 معنى للكلالة مما يدل على انهم لا يعرفون معناها.

ويقدر مونتجمري واط أن هناك حوالي سبعين كلمة غير عربية أُستعملت في القرآن، حوالي نصف هذه الكلمات مقتبسة من الكلمات التي كانت مستعملة في الديانة المسيحية، وخاصة اللغة السريانية والاثيوبية، وحوالي خمسة وعشرون كلمة من اللغة العبرية والارامية وكلمات بسيطة من الفارسية [149] .

وهناك كلمات في القرآن يبدو ان المراد منها عكسها. فمثلاُ في سورة طه، ألآية 15 " إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها"، وهي أصلاً مخفية ولا يعلم أحد متى تأتى، فالقرآن هنا لا بد انه قصد " أظهرها" بدل أخفيها. وقد قال القرطبي في تفسير هذه ألآية:( آيةٌ مشكلة. فروى سعيد بن جبير " أكاد أخفيها" بفتح الهمزة، قال: أظهرها. وقال الفراء: معناها أظهرها، من خفيت الشئ أخفيه إذا أظهرته. وقال بعض النحوين يجوز أن يكون " أخفيها" بضم الهمزة معناها أظهرها.) ويتضح هنا أن النحويين أنفسهم وجدوا مشقة في تفسير هذه ألآية، فكيف بعامة الناس؟

وفي بعض الاحيان يعكس القرآن الاشياء المألوفة للناس، فمثلاً في سورة البينة، ألايتين أثنين وثلاثة نجد: "رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة، فيها كُتبٌ قيمة". والمعروف لدى كل الناس أن الكتب تحتوي على الصحف، وليس العكس كما جاء في القرآن. ولكن دعنا نقرأ ما كتب القرطبي في تفسيره لهذه ألآية: ( الكتب هنا بمعنى الاحكام، فقد قال الله عز وجل " كَتَبَ الله لأغلبن" [150] بمعنى حكم. وقال " والله لأقضين بينكما بكتاب الله" ثم قضى بالرجم، وليس الرجم مسطوراً في الكتاب. فالمعنى لأقضين بينكما بحكم الله. وقيل الكُتب القيمة هي القرآن، وجعله كُتباً لانه يشتمل على أنواع من البيان.)

فهل اقتنع القارئ بهذا التفسير؟ أنا لم أقتنع. فالقرطبي كغيره من المفسرين راح يدور في حلقة مفرغة في محاولة منه للخروج من هذه المعضلة التي جعلت الصحف تحتوي على الكتب، وليس العكس.

والامثلة كثيرة على استعمال القرآن غرائب الكلمات لانها تماشي السجع. فليس هناك اي بلاغة لغوية بالمعنى المفهوم عندما يستعمل القرآن غرائب الكلمات هذه، والمفروض فيه أنه نزل بلسان عربي مبين أي بائن للجميع، وقد رأينا أن علماء التفسير يجدون صعوبة في شرح كثير منه، فما بال عامة المسلمين؟ وقد لاحظ هذا جماعة من المعتزلة في صدر الاسلام، منهم ابراهيم النظام الذي قال ان ترتيب القرآن ولغته ليس فيهما اى اعجاز. وقد دافع عن هذا الرأي الكاتب والقاضي الاندلسي ابو محمد علي بن احمد بن حازم في كتابه " الملل والنحل" وكذلك ابو الحسين عبد الرحمن بن محمد الخياط من المعتزلة [151] .

و هناك كذلك أخطاء نحوية في كثير من آيات القرآن. انظر الى الآية 69 من سورة المائدة: " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". والنحو يتطلب ان تكون كلمة " الصابئون" منصوبة لانها اسم "ان"، وكل اسماء " ان" الاخرى في الاية منصوبة الا " الصابئون" ، والاصح ان تكون " الصابئين". واذا نظرنا الى الاية 17 من سورة الحج، نجد ان " الصابئين" منصوبة، كما ينبغي ان تكون: " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان الله يفصل بينهم يوم القيامة ان الله على كل شئ شهيد".

وفي سورة النساء الآية 162: " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر". فكلمة : المقيمين" لا تتماشى مع قواعد النحو المعروفة. فهي معطوفة على " الراسخون" ويجب ان تكون مرفوعة، وليست منصوبة كما في الآية، فالمعطوف دائماُ يتبع ما عُطف عليه. وقال القرطبي في تفسيره: ( قرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة " المقيمون" على العطف، وكذا هو في حرف عبد الله. ولكن سيبويه قال: إنه نُصب على المدح). وهذا يذكرنا بالمقولة المشهورة لأحد العرب الاندلسيين عندما قال القاضي الاندلسي أبو محمد علي بن حزم أن القرآن يحتوي على أخطاء نحوية، قال الاندلسى: ما حاجتنا الى النحو وعندنا القرآن؟ إذا لم يوافق النحو القرآن، يجب أن نغير قواعد النحو. وهذا ما يُفهم من قول سيبويه انها نصبت على المدح.

وفي سورة الحجرات الآية التاسعة: " وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما". فكلمة : اقتتلوا" كان يجب ان تكون " اقتتلا" لانها ترجع الى " طائفتان" اي مثنى، وأقتتلوا ترمز الى الجمع. وفي سورة الحج ألآية 19: " هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُطعت لهم ثياب من نار يُصب من فوق رءوسهم الحميم". فكلمة " اختصموا" يجب ان تكون " اختصما" لانها ترجع للمثنى " خصمان". وفي سورة البقرة الآية 177 : " ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر". وواضح ان شبه الجملة " ولكن البر من آمن بالله" لا تستقيم مع منطق الآية، والاصح ان تكون " ولكن البار". وقد قال بهذا النحوي الكبيرمحمد بن يزيد المبرد. وتفسير الجلالين يقول: " المقصود بها ( ذا البر) وكذلك قُرئ بفتح الباء اي ( البار) " [152] .

وفي سورة طه الآية 63: " قالوا إن هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من ارضكم". وكلمة " هذان" اسم "إن" ويجب ان تكون منصوبة، اي " هذين". وقد ورد ان عثمان كان يقرأ " هذين" وكذلك فعلت عائشة. وتفسير الجلالين يقول: قالوا لانفسهم " ان هذين" . أما القرطبي فيقول في تفسيره ( قرأ أبو عمرو " أن هذين لساحران" ورويت عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد وجبير وابراهيم النخعي وغيرهم من التابعين. ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للنحو مخالفة للمصحف. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ " أن هذان الا ساحران" وقال الكسائي في قراءة عبد الله " ان هذان ساحران" وقال أُبي " ان ذان الا ساحران"، وقال أبو عمر " إني لأستحي من الله أقرأ " إن هذان"). فهذا الاخير يعرف انه خطأ نحوي ويستحي من الله أن يقول " هذين" لأن الله لا يُعقل أن يُخطي في النحو.

وسورة ألاعراف، ألآية 160 تقول: " وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً". وكلنا يعرف ان التمييز العددي يختلف بإختلاف المعدود. فالاعداد من واحد الى عشرة يكون ما بعدها جمع، فنقول تسعة نساء. ومن أحدى عشر وما فوق يكون ما بعدها مفرداً، فنقول أثنتي عشرة سبطاً وليس أسباطاً.

ونجد في القرآن آيات لا يمت نصفها الاول الى نصفها الثاني بأي علاقة. فخذ مثلاً الآية الثالثة من سورة النساء: " وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىً وثلاث ورباعَ فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ما ملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا". فما علاقة القسط في اليتامى وزواج ثلاث او اربع زوجات؟ يقول القرطبي ( إن خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى وفي النفقة عليهن، فانكحوا ما طاب لكم غيرهن. وعن عائشة قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن اعلى سنتهن من الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

وقال أبن عباس وأبن جبير: المعنى إن خفتم الا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء، لانهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء). وتفسير عائشة لا يمت للواقع بصلة. فاليتيمة تكون في حجر وليها الذي غالباً ما يكون عمها أو خالها وهي تحرم عليه ولا يمكن ان يتزوجها سواء أطمع في مالها او لم يطمع. وكم يتيمة كانت غنية في تلك الايام حتى تستدعي نزول آية قرانية لتمنع وليها من ان يتزوجها ويأكل مالها؟

والتفسير الآخر لا يستوي والمنطق كذلك. فاذا خفتم الا تعدلوا في مهور اليتامى فلا تنكحوهن وانكحوا ما طاب لكم من النساء غيرهن. ما ذا إذاً عن العدل في مهور النساء الغير يتامى؟ هل يحق لنا الا نعدل في مهورهن ونتزوج ثلاثة أو أربعة منهن؟ أنا أعتقد ان ألآية أصلاً لا تمت للمهور أو النساء اليتامى بشئ، انما هي تخص اليتامي الصغار من بنات واولاد، إذا مات والدهم وتركهم في كفالة عمهم او خالهم.....، ولسببٍ ما لم يكمل المتحدث الآية، وربما سهواً كتب الشخص الذي كان يجمع القرآن " فانكحوا ما طاب لكم من النساء". وقد يكون النصف الثاني من ألآية سقط سهواً اثناء جمع القرآن، أو أُسقط كما أُسقطت آيات كثيرة ذكرناها سابقاً.

وفي سورة فاطر، ألآية 8: " أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً فإن الله يُضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون". فبداية ألآية تسأل:" أفمن زُين له سوء عمله فراءه حسناً "، فالأنسان يتوقع أن يجد مقارنة مع شخص آخر مثلاً، " كمن أهتدى". ولكن بدل المقارنة نجد " فإن الله يُضل من يشاء". لا علاقة البتة بين بداية ألآية وبقيتها. وقد قال القرطبي "هذا كلام عربي طريف لا يعرفه الا القليل". والقرآن لم ينزل للقليل

وبعض ألآيات بها جُمل اعتراضية لا تزيد في المعني وليس لها اي سبب يجعلها تدخل في ألآية، فمثلاً في سورة الانعام ألآية 151: " قل تعالوا أتلوا عليكم ما حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق". فالاية كلها تتكلم عن الاشياء التي نهانا عنها الله، ولكن في وسطها نجد " وبالوالدين إحسانا". وواضح ان هذه ليست من المحرمات وانما زُج بها هنا سهواً، فلم يحرم الله الرفق بالوالدين.

وهناك كلمات أُدخلت زيادةً في بعض ألآيات فأدت الى صعوبات جمة في التفسير. فسورة الانبياء ألآية 104 تقول: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين". فكلمة " للكتب" هنا لا تخدم المعنى باي شئ بل تعقد الشرح. وقال ابن عباس ومجاهد " كطي السجل للكتب" تعني كطي الصحيفة على ما فيها، فاللام في " للكتب: بمعنى " على". وقال ابن عباس كذلك في رواية أخرى ان السجل كان اسم احد كُتّاب الوحي. وكلمة سجل أصلاً تعني " دلو"، فتقول " ساجلت الرجل" إذا نزع دلواً ونزعت دلواً. ومنها المساجلة الشعرية عندما يتبارى شخصان او أكثر بابيات شعرية. ثم استُعيرت فسميت المكاتبة مساجلة والسجل هو الصحيفة المكتوبة. فيوم نطوي السماء كطي السجل واضح معناها، وكلمة " للكتب" إضافة عقدت المعنى.

وفي سورة لقمان عندما قال لقمان يوصي ابنه:

13- " وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" 14- " ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين إن اشكر لي ولوالديك اليّ المصير"

15- " وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً وأتبع سبيل من أناب اليّ ثم اليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"

16- " يا بني إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرةٍ او في السماوات أو في ألارض يأت بها الله إن الله لطيف خبير"

17- " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور"

18- " ولا تصّعر خدك للناس ولا تمشي في الارض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور"

19- " وأقصد في مشيك واغضض من صوتك إن انكر الاصوات لصوت الحمير"

ففي الآية 13 المتكلم هو لقمان يعظ ابنه، ثم فجأة في الآية 14 يصير المتكلم هو الله فيوصي الانسان بوالديه ويضيف عليها ان الحمل والرضاعة يجب ان تكون عامين ثم يُفصل الطفل، ويستمر الله في وصية الانسان في الآية 15. ثم نرجع الى لقمان في ألآية 16 وما بعدها ليكمل وصية ابنه. فالآيتان الرابعة عشر والخامسة عشر أُدخلتا هنا بطريق الخطأ ولم يكونا أصلاً جزءاً من السورة.

ولنقرأ هذه الآيات من سورة المعارج:

37- " فما بال الذين كفروا قبلك مهطعين"

37- " عن اليمين وعن الشمال عزين"

38- " أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم"

39- " كلا إنّا خلقناهم مما يعلمون"

فالكلمة الاخيرة من كل آية، مع انها مسجوعة، الا انها ثقيلة على السمع ، ونشك انها كلمات عربية. انما استعملت من باب الغريب من اللفظ ليكون لها اثرٌ في نفوس السامعين، كما كان يفعل الكهان سابقاً. والمنطق فيها اغرب من الكلمات: " أيطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة نعيم، كلا انا خلقناهم مما يعلمون." فيقول الله يجب الا يطمعوا في دخول الجنة لاننا خلقناهم من نُطفٍ، من مني، وهذا معنى " خلقناهم مما يعلمون". ولاننا خلقناهم من مني، يجب الا يطمعوا في دخول الجنة. ويقول القرطبي في تفسيره ( كان المشركون يستهزئون بالمسلمين فقال الله " إنا خلقناهم مما يعلمون" من القذر، فلا يليق بهم هذا التكبر.) ورغم تفسير القرطبي، يظل المنطق غريباً، أفلانه خلقهم من القذر يجب الا يتكبروا ولا يطمعوا في دخول الجنة؟

وفي سورة القيامة، الآية 14: " بل الانسان على نفسه بصيرةٌ ". وبدل ان يقول " بصير" ليصف الانسان، قال " بصيرةً ". وقال المفسرون ان التاء في " بصيرة " للمبالغة. ونسأل: ما الداعي للمبالغة؟ فالقرآن هنا إنما يذكر حقيقة، وهي إن الانسان بصير على نفسه. فلماذا يحتاج أن يبالغ؟

ويتضح من هذا العرض ان هناك اشياء كثيرة في القرآن خارجة عن المألوف ولا تمثل اي نوع من البلاغة النثرية، وانما فرضها السجع الذي لا تخلو اي سورة في القرآن منه. والسبب طبعا، كما قلنا سابقاً،ً ان السجع يسهل حفظه، وبما ان القرآن كان يُحفظ في صدور الرجال حينما كان ينزل به الوحي، كان لا بد من استعمال السجع.

السحر في القرآن :

لم تعد وسائل الحرب العادية البسيطة تكفي الانسان البدائي في حربه ضد قوى الشر، فبدأ يتصور بخياله كائنات تستطيع بقواها الخارقة مساعدته بمنازلة اعدائه. وتخيل هذه المخلوقات انصاف آلهة يستمدون قواهم من السماء وسمى هذه المخلوقات " جن" وجعل منهم جناً خيرين يستطيع بواسطتهم الوصول الى ما يجد نفسه عاجزاً عن بلوغه بنفسه، وجناً شريرين يساعدونه في الانتقام من اعدائه. وجعل الانسان للجن من القوى والسمات الفائقة ما يجعلهم اشبه بالآلهة. وتصور الانسان ان مجتمع الجن مثل مجتمع الانسان من حيث التركيب، ففيه حكام واجراء وفيه خيرون وشريرون، ولكن اهم صفات هذا المجتمع انه يساكن الانسان ويعاشره ويسكن معه في جسمه وفي ثوبه وفي طعامه وفي تفكيره وفي علاقاته الجنسية. هكذا تخيل الانسان الجن الذين لا يراهم رأي العين، ونظّم اسلوباً للتعامل بينه وبينهم، واضاف الى اشخاصهم صفات الشذوذ في الهيئة والمسكن والسلوك والصوت.

غير ان اشياء اخرى في تفكير الانسان دفعته الى البحث عن وسائل جديدة لبلوغ اهدافه، وسائل يستطيع ان يلمسها ويتبينها بنفسه قي الوقت الذي لا يستطيع فيه ان يلمس ويتبين اشخاص الجن، وهنا اتجه الانسان نحو السحر [153] .

وقد عرّف ابن خلدون السحر بانه " علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التاثيرات في عالم العناصر بغير مُعين " [154] . وقد جمع البخاري بين الكهانة والسحر، لان مرجع الاثنين شئ واحد هو الشياطين. وقد صّنف ابن خلدون السحر اصنافاً ثلاثة: السحر بالمعنى المفهوم عند الفلاسفة، وهو التأثير بالهمة من غير آلةٍ او مُعين، والطلسمات، وهي التأثير بمعين من مزاج الافلاك والعناصر او خواص الساحر المؤثرة، حتى يرى الرائي شيئاً في الخارج وليس هناك شئ.

وهذا التعريف الاخير هو الذي غلب علي السحر. والسحر في عرف بعض علماء اللغة الاسلاميين هو " عمل يُقرب فيه الى الشيطان". وتربط الاخبار الواردة عن السحر بينه وبين اليهود، وتُرجع كتبه الي سليمان والى جنه، مما يدل على اثر اليهود واساطيرهم في هذا الباب وفي نفوس اهل الجاهلية. والواقع ان اكثر السحرة كانوا من اليهود، يقصدهم الجاهليون من انحاء بعيدة، لاعتقادهم بسعة علمهم. وكان اليهود يسندون علمهم الى بابل، ولهذا نجد الاحاديث والاخبار العربية تُرجع علم السحر الى بابل واليهود.

وقد اخذ المسلمون اكثر ما ذكروه عن السحر من العبرانيين خاصة من وهب بن منبه وجماعته ممن اسلم من يهود. كما اشار المفسرون الى اثر المصريين في اليهود في السحر، والى تجمع السحر كله في كتب جُمعت وحُفظت عند سليمان. فكان يضبط الانس والجن بهذا السحر. فلما مات سليمان، انبأ الشياطين زعماء اسرائيل بكنز سليمان العظيم، فاستخرجوه وتعلموا منه السحر [155] .

والفرق بين الكهانة والسحر ان الكهانة تنبؤ، فسند الكاهن هو كلامه الذي يذكره للناس، اما السحر فانه عمل، للتاثير في الارواح كي تقوم بأداء ما يُطلب منها. ولا يمكن صنع سحر ما لم يقترن بعمل. وفن كهذا مغر جداً، فمن من الناس لا يريد تسخير القوى الخفية لخيره او لالحاق الاذى باعدائه. ولذلك كان للسحرة اثر خطير في التاريخ، بالرغم من مقاومة بعض الاديان له. ويسمى السحر في العبرانية " Keshef "، وهذه الكلمة مثل اكثر الاصطلاحات العبرانية التي لها صلة بالارواح غامضة، ولا يُعرف اصلها. واليهودية عنيفة على السحر والسحرة، غير انها لم تتمكن من القضاء عليه بين العبرانيين.

ويبطل عمل السحر بالسحر، فالمرأة التي تحاول سحر زوجها والانفراد به دون سائر الزوجات، لا بد ان يُقابل عملها بعمل مماثل من بقية الزوجات. ويستعمل السحر لاشعال نيران الحب وكذلك يستعمل لايقاد البغض والكراهية في النفوس. ويداوي الساحر امراضاً عديدة، بل كل الامراض، وما المرض في نظر القدماء الا ارواح شريرة حلت في الجسد. ولن يُشفى الجسد الا بطرد تلك الروح. وطرد الروح من اختصاص السحرة. وكلمة " طبيب" هي من هذا الاصل. فالطب في اللغة هو السحر، و " المطبوب" هو المسحور، و " الطاب" هو الساحر [156] .

ومن طرق السحر عند الجاهليين، النفث في العقد، ويكون ذلك بعقد عُقد والنفث عليها. والنفث في العقد من طرق السحر القديمة المعروفة عند العبرانيين والاشوريين وغيرهم. وقد عُثر في الكتابات المسمارية على تعليمات في كيفية اتقاء شر الارواح الخبيثة التي تسحر الناس

" والنُشرة" سلاح مفيد جداً لحل عقد الرجل عن مباشرة الجماع مع اهله ( Impotence ). وقد كانت مشهورة في ايام الرسول. وقد اباح العلماء " النُشرة العربية" التي لا تضر اذا وطئت، والنُشرة هي ان يخرج الانسان في موضع عضاه ( الخلاء)، فيأخذ عن يمينه وشماله من كلٍ ) ) أي الارض)، ثم يذيبه في ماء ويقرأ فيه، ثم يغتسل به [157] . ويدل نعت هذه النُشرة بالعربية علي وجود نُشرات غير عربية، وهي النُشرات التي كان يعملها اليهود. وقد كانوا يستعملون الادعية العبرانية، لذلك نهى الاسلام عنها [158] .

واما الرقية فتستعمل في مداوات الافات مثل الحمى والصرع ولدغات العقارب والحيات وامثال ذلك، وتكون بقراءة شئ على المريض او على موضع المرض ثم النفث عليه، او بحمل شئ مكتوب ( حجاب). وقد ذكر علماء الحديث ان الاسلام قد نهى عن الرقية التى تكون بلسان غير عربي [159] .

اما " الجبت" فقال محمد بن اسحاق عن حسان بن فائد عن عمر بن الخطاب انه قال: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وقال العلامة ابو نصر بن اسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه " الصحاح": الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. وقال ان كلمة الجبت ليست من محض العربية لاجتماع الجيم والتاء في كلمة واحدة من غير حرف ذو لقى ( يعني واو أو ياء أو ألف).

والمتعارف عليه بين المسلمين ان الاسلام نهى عن ممارسة السحر بدليل الحديث " اجتنبوا الموبقات: الشرك بالله والسحر". وكذلك في القرآن في سورة النساء الآية 51: " الم تر الى الذين اوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت". وبالرغم من هذا نجد اقوال واعمال النبي وبعض سور القرآن تعترف بالسحر وتتعوذ منه ومن السحرة.

ففي السيرة النبوية نجد ان السبب المذكور لنزول سورة " الفلق" هو ان لبيد بن اعصم اليهودي سحر الرسول ودس ذلك السحر في بئر لبني زريق تسمى " بئر ذروان". فأعلم الله الرسول بمكان هذا السحر، فأرسل الرسول علي بن ابي طالب وعمار بن ياسر فافرغا البئر من الماء واستخرجا السحر، ورجعا به للرسول. ووجدوا السحر يتكون من مشاطة رأس واسنان مشط مربوطة بخيط فيه احدى عشرة عقدة. فأمر الرسول، وكان مريضاً بسبب هذا السحر، امر بالتعوذ بسورتي " الفلق" و " الناس"، ومجموع آيات السورتين احد عشرة اية. فكان كلما قرأ آية منهما انحلت عقدة ووجد خفةً، حتى انحلت العقد جميعاً وقام كأنما نشط من عقال [160] .

فلننظر الى سورة الفلق اولاً:

1- " قل اعوذ برب الفلق"

2- "من شر ما خلق"

3- "ومن شر غاسق اذا وقب"

4- "ومن شر النفاثات في العقد"

5- "ومن شر حاسد اذا حسد"

فهل هناك ايمان بالسحر اكثر من هذا؟ هذا هو الرسول نفسه الذي اخبرنا " ان لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا" يستعيذ بالله من شر النفاثات في العقد. فلو كان صحيحاً ان لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، فليس هناك اي حاجة لدعاء الله ان يعيذنا من شر النفاثات في العقد، لانها لن تضيرنا الا اذا كان الله قد كتبها لنا، وفي هذه الحالة يكون الله قد اذن للساحر ان يضرنا، وفي هذه الحالة لا داعي لسؤال الله أن يقينا منهم، فالله قد سبق وأذن لهم ان يضرونا وهو لا يغير القضاء لانه مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الازل.

ولا يستعيذ الرسول من النفاثات في العقد فقط، بل يستعيذ من " شر غاسق اذا وقب"، اي من شر الليل اذا اظلم. والذي يُفهم من هذه الاية ان الليل اذا اظلم، ازداد الشر في العالم وبالتالي ازدادت فرصة اصابتنا بالاذى، لان الشياطين تظهر في الليالى المظلمة. والجدير بالذكر هنا ان الزمخشري، وكان لا يؤمن بالسحر، لم يذكر هذه القصة في كتابه " الكشّاف". والشياطين يُذكرون في القرآن في اكثر من عشرة سور، وهناك سورة كاملة اسمها سورة " الجن".

ومن هولاء الجن من اسلم عندما سمعوا القرآن: " قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرآناً عجبا، يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا احدا" [161] ويخبرنا اهل القصص الاسلامية ان من الجن من تزوج من نساء من البشر. ويخبرنا القرآن ان الجن خُلق من نار ولذلك ليس لهم اجساد مرئية، ولذا يسهل عليهم الاختلاط بالسحرة لمساعدتهم على صناعة السحر دون ان يراهم الناس.

عرب الجاهلية، مثلهم مثل كل الشعوب البدائية، كانوا يؤمنون بهذه الغيبيات وبالشياطين، وهذا شئ يسهل فهمه، أما أن يؤمن بها رسولٌ مرسل من عند الله بدين هو آخر الاديان المنزلة ومن المفترض أن يؤمن به كل انسان الى نهاية الحياة على هذا الكوكب، فأمرٌ يصعب فهمه. والاسلام يدعو للايمان بالجن والسحر، والقرآن يذكر للشيطان خمسة اسماء ومراتب: فهناك الجن والجان والشيطان والعفريت والمارد. والمارد هو أقواهم واشدهم فتكاً. وللجن من له أجنحة ويطير، ومنهم من يكون في هيئة ثعبان أو كلب ومنهم من يكون في هيئة انسان.

ولذا نجد أن علماء المسلمين قد نسجوا قصصاً عن الجن لا يصدقها العقل. فهاهو أبو عمر الازهري يخبرنا أن أبن عباس قال: ( كانت الشياطين في الجاهلية تعزف الليل اجمع بين الصفا والمروة وكان فيهما أصنامٌ لهم ) [162] فهل ياترى كانت موسيقى الجن كموسيقى البشر، وهل كانت أصنامهم هي نفس أصنام العرب الجاهليين أم كانت مختلفة؟ وإن كانت مختلفة فهل كانت مرئية للبشر أم مستترة كالذين يعبدونها؟

وفي سورة الناس نجد:

1- " قل اعوذ برب الناس"

2- "ملك الناس"

3- "إله الناس"

4- "من شر الوسواس الخناس"

5- " الذي يوسوس في صدور الناس"

6- "من الجنة والناس "

وهاهو الرسول مرة اخرى يستعيذ من شر الوسواس الخناس، سواء أكان من الجن او الانس. وهذا كذلك اعتراف بالسحر ومقدرة الجن والانس ان يلقوا الضرر بالمسلم عن طريق الوسوسة في صدره. وهذا منتهى الايمان بالغيبيات ومنها السحر.

وهاهو القرآن في سورة البقرة الآية 102 يحدثنا عن جن سليمان والسحر وهاروت وماروت: " يعلّمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ...... وما هم بضارين به من احد الا بأذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم". فهاهم السحرة، مرة اخرى، يضرون الناس باذن الله. فاذا كان السحرة بمقدورهم ضرر الناس بتعاويذهم، فعلى الناس حماية انفسهم من هذا الضرر بتعاويذ مضادة لتعاويذ الساحر وبتعليق التمائم والرقي على اعناقهم.

وقد شجع الاسلام هذه العادة، وقال علماء المسلمين ان الرقي يُكره منه ما كان بغير اللسان العربي. وفي موطأ مالك: ان ابا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها، فقال ابو بكر: ارقيها بكتاب الله. يعني بالتوراة والانجيل. وما زال المسلمون في أرياف الوطن العربي يلبسون التمائم والاحجبة لتحرسهم من الشياطين ولترد عنهم ألاذى.

ولغة القرآن نفسها فيها شئ من السحر والطلاسم، فبعض السور تبتدئ بحروف ليس لها اي معنى معروف، فهي كالرموز التي تُستعمل في الشفرة. فهناك خمسة سور تبتدئ ب " الف، لام، ر" وسورة واحدة، سورة الرعد، تبتدئ ب " الف، لام، ميم، ر" وسورة مريم تبتدئ ب " كاف، هاء، ياء، عين، صاد"، وسورتين بدايتهما " طاء، سين، ميم" وسورة النمل، بينهما، تبتدئ ب " طاء، سين"، وستة سور تبتدئ ب " حاء، ميم"، وسورة الشورى تبتدي ب " حاء، ميم، عين، سين، قاف". وسورة الاعراف تبتدئ ب " الف، لام، ميم، صاد" وهناك سور تبتدئ بحرف واحد مثل سورة قاف و سورة ص، وبعض السور تبتدئ بحرفين مثل طه ويس. وباختصار هناك تسع وعشرون سورة تبتدئ بالغاز لا يفهم معناها احد.

وقد ذهب بعض المستشرقين ( هيرشفيلد) [163] الى القول بانها الحروف الاولى من اسماء اشخاص ساعدوا زيد بن ثابت في كتابة القرآن، وذهب آخرون الى انها محاولة للايعاز للعرب الذين كانوا وما زالوا يؤمنون بالسحر وبالكهان الذين كانوا يستعملون الالغاز في طلاسمهم، بأن القرآن ليس من عند محمد بدليل ان فيه الغاز لا يفهمها حتى محمد نفسه. وعلى كل حال، هذه الالغاز لا تخدم غرضاً منطقياً اذ ان القرآن نزل ليوصل للناس رسالة معينة، ونزل بلسانهم، فما الفائدة من انزال رموز لا يفهمها الناس المخاطبون بها؟

والقرآن مولع بالقَسَمْ في بداية السور، مثله في ذلك مثل الكهان الذين كانوا يستعملون القسم في كل أقوالهم ليوهموا السامع بانهم قادرون على كل شئ لدرجة أنهم يقسمون ان الشئ المطلوب سوف يحدث. فهناك سبع عشرة سورة في اولها قسم. فيقسم الله بالتين والزيتون، ويقسم بالنجم اذا هوى، وكذلك بالسماء ذات البروج، وبالضحى، وبالفجر وما الى ذلك. وهناك قسم كذلك في منتصف السور. فنجد الآية 16 وما بعدها، في منتصف سورة الانشقاق، كلها قسم: " فلا اقسم بالشفق. والليل وما وسق. والقمر اذا اتسق. لتركبن طبقاً عن طبق". فما اهمية الشفق حتى يقسم به الله؟ ولماذا استعمال الغريب من اللفظ للتعبير عن شئ بسيط؟ فأستعمال كلمة " وسق" مع الليل، لتعني الليل وما جمع، واستعمال كلمة " اتسق" مع القمر لتعني " اكتمل"، لا يخدم غرضاً ولم يكن ضرورياً لولا مجاراة السجع والاعجاب بغريب اللفظ.

وهناك من القسم ماهو غير مفهوم اطلاقاً، فمثلاً:

" والصافات صفا، فالزاجرات زجرا، فالتاليات ذكرا" [164]

" والذاريات ذرواً، فالحاملات وقرأً، فالجاريات يسراً، فالمقسمات أمراً" [165]

" والمرسلات عرفاً، فالعاصفات عصفاً، والناشرات نشراً، فالفارقات فرقاً" [166]

والسؤال الذي يطرأ على الذهن هو: لماذا احتاج الله ان يقسم لعبيده، وكلنا عبيد الله. وهل يحتاج السيد لان يقسم لعبيده ليصدقوه؟ وفي رأيي ان القرآن، مرة اخرى، يحاول ان يجاري الجاهليين في عاداتهم، ومنها القسم المتكرر. فالجاهليون كانوا مولعين بالقسم في كلامهم، فكانوا دائماُ يقولون: تالله لافعلن هذا، ووالله لاضربن عنقك، وهكذا.

وكل اشكال القسم في القرآن ادخلت المفسرين في مأزق عندما حاولوا تفسيرها، فأغلبها يبتدئ ب "لا": " لا اقسم بيوم القيامة" و " لا اقسم بالشفق" و" ولا أقسم بالخنس". فالمفسرون قالوا ان " لا" زائدة، واراد الله ان يقول: " اقسم بيوم القيامة". وهذا خطأ لان الله ما كان ليحتاج ان يدخل "لا" زائدة في كل مرة يقسم فيها. لو حصلت مرةً واحدة لفهمناها، أما ان تحدث في كل مرة يقسم فيها فأمرٌ غير مستساق. ولو تنبه المفسرون الى ان في الفترة التي جُمع فيها القرآن، لم تكن هناك علامات ترقيم في اللغة العربية، وان الآية كانت : " لأقسم" واللام هنا للتاكيد، مثل ان نقول " لأفعلن كذا"، ولكن لانها كُتبت بغير الهمزة على الالف، قُرئت " لا" فصارت لا اقسم بدل لأقسم.

قصص القرآن:

يحتوي القرآن على كمية هائلة من القصص عن الانبياء والشعوب الماضية، وخاصةً بني اسرائيل. وبعد ذكر كل انبياء اسرائيل وهجرتهم من مصر وتيههم في الصحراء اربعين عاماً، نجد القرآن مولعاً بالنبي موسى، فقد ذُكر موسى في ستة وثلاثين سورة وما لايقل عن المائة وتسع مرات في القرآن. وكل مرة ذُكر فيها كانت تكراراً لما سبق ان قيل في سورة البقرة. فكل قصة موسى وبني اسرائيل التي نقرأها في سورة البقرة، تعاد علينا بكل تفاصيلها في سورة المائدة وفي سورة يونس والاعراف والنمل وطه والقصص وسور اخرى. وكذلك ابراهيم ذكر في خمسة وعشرين سورة. فلو كرر القرآن موعظة او قانوناً من الفقه لفهمنا انه يريد التأكيد على ذلك، ولكن ان تُعاد نفس القصة اكثر من ست او سبع مرات، فلا اجد لها مبرراً.

وبعض القصص عبارة عن خُرافة لا يمكن لاي انسان لديه ذرة من العقل ان يصدقها، مثل سورة يونس الذي ابتلعه الحوت وظل في بطنه اياماً ثم نبذه بالعراء. ويخبرنا القرآن لولا ان يونس كان من المسبحين، " للبث في بطنه الى يوم يبعثون". ونجد أنفسنا هنا امام مشكلتين كبيرتين: كيف ابتلع الحوت يونس كاملاً دون ان يقطعه ارباً؟ فنحن نعرف ان اكبر الاسماك في المحيطات هو حوت يقال له " Whale " وهو اكبر من سمك القرش. ولكن حتى هذا الحوت، مثله مثل سمك القرش، يعتمد على اسنانه التي تفوق في حدتها الموسى، ليقطع طعامه قبل ان يبتلعه.

ولو افترضنا ان الحوت ابتلع يونس كاملاً، فاين وجد يونس الهواء ليتنفس ويعيش اياماً في بطن الحوت دون ان تهضمه العصارات الهاضمه في معدة وامعاء الحوت. والمشكلة الثانية ان القرآن يقول لولا ان كان يونس من المسبحين لظل في بطن الحوت الى يوم يبعثون. وهذا يقتضي ان يعيش الحوت ألاف او ملايين السنين، الى ان يُبعث الناس. والا فلو مات الحوت، مات يونس معه. فهل يُعقل ان يعيش الحوت الاف السنين؟ ولو افترضنا أن يونس، بمعجزة إلهية، قدر أن يتنفس في بطن الحوت لمدة ثلاثة أيام ولياليها، ما الفائدة من وراء هذه القصة؟ هل الغرض منها إقناعنا بأن الله قادر أن يصنع المعجزات وقد روى لنا القرآن عدة معجزات أخرى قام بها موسى وعيسى وغيرهم؟ أم الغرض منها شئ آخر يخفى علينا؟

وطبعاً القصة كلها مأخوذة من التوراة عندما أمر الرب رسوله يونس " Jonah " أن يذهب الى مدينة نينفا ) نينوى) ليعظ أهلها، ولكن يونس هرب الى مدينة أخرى وركب مركبا متجهاً الى مدينة " تارشيش". وفي أثناء الرحلة هاج البحر وكاد المركب أن يغرق، فقال يونس لركاب المركب: أرموني في البحر حتى يهدأ. فرموه في البحر وهدأ البحر. وابتلع حوت كبير يونس، وظل يونس في بطنه ثلاثة أيام وثلاثة ليالي ثم قذفه الحوت على اليابسة. [167]

ومن الاشياء المحيرة في جمع وتبويب القرآن ان هناك سورة اسمها " يونس" بها 109 آيات، ويُذكر فيها يونس مرة واحدة فقط في الآية 98: " فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين". وفي سورة الصافات نجد تفاصيل قصة يونس في عشرآيات متتاليات. وكان الاجدر ان تُسمى هي سورة يونس. وكذلك هناك سورة اسمها " النحل" بها 128 أيةً، ولا يذكر فيها النحل الا في الايتين 68 و 69.

وهذه الاية المذكورة في سورة يونس أعلاه يصعب فهمها لان " الا" اداة استثناء، فنقول مثلاً: آمن الناس كلهم الا ابو لهب. واذا طبّقنا هذا على الاية المذكورة، نجد " الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي". ويُفهم من هذا ان الذين آمنوا قبلهم لم يرفع عنهم عذاب الخزي ولم ينفعهم ايمانهم. ولكن الجزء الاول من الاية يقول: " فلولا قرية آمنت فنفعها ايمانها". و " لولا" حرف امتناع لوجود. فنقول مثلاً: لولا النيل لكانت مصرُ صحراءً". فوجود النيل منع مصر من ان تكون صحراء. وبالتالي فلولا قريةُ آمنت، لعذبها الله، ولكن وجود ايمانها منع عذابها. يعني نفعها ايمانها. فلا مجال للاستثناء هنا، لان القرية التي آمنت نفعها ايمانها وقوم يونس نفعهم ايمانهم.

ومن القصص ما هو رتيب وليس فيه ما يفيد المسلمين. فخذ مثلاً موسى لما قال لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرةً. سورة البقرة الاية 67 وما بعدها." يقول له قومه ادعوا لنا ربك يبين لنا ما هي". اخبرهم انها " بقرة لا فارض ولا بكر، عواناً بين ذلك". فسألوه عن لونها، فقال: " صفراء فاقع لونها يسر الناظرين". فقالوا اسأله مرة اخرى لان البقر تشابه علينا، فقال انه يقول: " بقرة لا ذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها". قالوا الان جئت بالحق، فذبحوها. ماذا يستفيد الناس من مثل هذا القصص، ولماذا اصر الله على بقرة بعينها تُذبح له، ولماذا طلب ان تذبح له بقرة ؟ هل ارادهم ان يذبحوا له قرباناً كما كانوا يذبحون القربان للاصنام؟ وهل هناك أبقار صفر؟

اما قصة موسى وفتاه مع نبي الله الخضر فيصعب تصديقها. يخرج موسى وفتاه يحملان معهم سمكاً مجففاً ومملوحاً ليكفيهم في رحلتهم الى مجمع البحرين. " فلما بلغا مجمع ما بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا". ولما طلب موسى غداءه اخبره فتاه انه نسى الحوت عند مجمع البحر، فسبح السمك في البحر، وهو سمك مجفف. فلما قابلا نبي الله الخضر وركبا معه سفينة لجماعة من الصيادين، خرقها نبي الله الخضر لانه اراد ان يعطبها لان ملك بلاد الصيادين يأخذ السفن غصباً من الناس. ولا ندري لماذا لم يأخذ هذه السفينة من قبل ان يركبها نبي الله الخضر؟ وهل كان يصعب على هذا الملك ان يأخذ السفينة بعد أن خرقها نبي الله الخضر ويصلح الخرق البسيط بها؟ ولا بد ان يكون الخرق صغيراً جداً والا لغرقت السفينة بموسى ومن معه.

ثم لما خرجوا من السفينة، لقوا غلاماً فقتله نبي الله الخضر لانه كان يخشى ان يرهق هذا الغلام أبويه المؤمنين عندما يكبر، بأن يطلب منهما ان يكفرا. ولا أعتقد انه حدث في تاريخ البشر على الارض ان طلب صبي من ابويه ان يكفرا، فالصبي يتربى على دين ابويه. والقرآن نفسه يقول في عدة آيات ان الناس يعبدون ما وجدوا أباءهم عليه، " ام كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحق إلهاً واحداً" [168] . ولهذا نجد عدة اديان في هذا العالم الان لان الابناء يعبدون ما وجدوا آباءهم عليه، ويندر جداً ان يغير شخص دينه. وحتى لو فعل، ليس من المتوقع ان يطلب من ابويه ان يغيرا دينهما. وحتى لو طلب منهما ذلك يكون بامكانهما الرفض كما حدث عندما دعا ابراهيم اباه ان يترك عبادة الاصنام ويتبع دينه الجديد فرفض ان يترك عبادة اصنامه، وعندما طلب الرسول من عمه ابي طالب، وهو على فراش الموت، ان يسلم، رفض ابو طالب. فهل الخشية من ان يرهق الغلام والديه سبب كافي لقتله؟

ولماذا لم يقتل الله الابن الكافر الذي قال لوالديه أُف لكما، تخبراني اني سأخرج من القير وما هذه الا اساطير الاولين، واستغاث والداه بالله ولكن الله لم يقتله كما فعل نبي الله الخضر عندما خاف ان يُرهق الطفل والديه عندما يكبر: " والذي قال لوالديه أُفٍ لكما أتعدانني ان أُخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله، ويلك آمن ان وعد الله حق فيقول ما هذا الا اساطير الاولين" [169] . فهذا الغلام قال لوالديه المؤمنين ان دينكما أساطير الاولين، واستغاث والداه بالله ولم يقتله الله، فلماذا قتل نبي الله الخضر ذلك الغلام؟ وكما مر علينا في سورة لقمان عندما اوصى الله الانسان فقال: " وإن جاهداك على ان تُشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب اليّ". وهاهو الله يقول للانسان إن جاهدك ابواك على ان تُشرك بي فلا تطعهما. ونفس الشئ يمكن ان يُقال للابويين اذا جاهدهما ابنهما على ان يكفرا. فالقرآن هنا لم يقل للانسان اقتل من جاهدك على ان تُشرك بي، بل بالعكس قال له: " وصاحبهما في الدنيا معروفاً". فلا نرى عذراً لنبي الله الخضر في قتل الغلام.

وقصص احياء الموتى تتكرر في عدة سور في القرآن. فهاهو ابراهيم في سورة البقرة الآية 260 يسأل ربه فيقول: " وقال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً". وهاهم بنو اسرائيل لما قتلوا شخصاً قال لهم الله اضربوه بلسان البقرة التي ذبحوها لله، فأحيى الله الميت " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يُحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون" [170] .

وفي سورة الكهف نرى ان الله امات اهل الكهف ثلاثمائة سنة او يزيد ثم احياهم وكلبهم . وكذلك يخبرنا في سورة البقرة الآية 259 " او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه " ولم يأسن طعامه. ويخبرنا القرآن كذلك ان عيسى قد احيى الموتى. وكل هذه القصص لن تُقنع شخصاً لم ير هذه المعجزات بام عينه. فما فائدة هذا التكرار هنا؟ هل كان محمد يتوقع أن يؤمن عرب الجزيرة لأنه أخبرهم بهذه القصص وكررها لهم؟

اما قصة الاسراء والمعراج فتأخذ مكان الصدارة في فهم عقلية رجال الدين الذين لا يعرفون اي شئ آخر غير الدين، وكيف انهم الصقوا بمحمد معجزات لم نعرفها حتى عند موسى وعيسى. فقد ورد ت في القرآن آية واحدة في سورة الاسراء: " سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الاقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير". ولكن أقرأ القصة كما كتبها ابن كثير في تفسيره للقرآن. ويُعتبر ابن كثير من العلماء البارزين، فقال: " واسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى، معدن الانبياء من لدن ابراهيم الخليل عليه السلام ولهذا جُمعوا له هناك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم فدل على انه هو الامام الاعظم والرئيس المقدم صلوات الله عليه وعليهم اجمعين.

وقال انس بن مالك ليلة اُسري برسول الله (ص) من مسجد الكعبة انه جاءه ثلاثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال اولهم: ايهم هذا؟ فقال اوسطهم: هو خيرهم فقال آخرهم: خذوا خيرهم. فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى اتوه ليلة اخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه – وكذلك الانبياء تنام اعينهم ولا تنام قلوبهم – فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره الى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى انقى جوفه ثم اتى بطست من ذهب فيه نور من ذهب محشو ايماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده – يعني عروق حلقه- ثم اطبقه ثم عرج به الى السماء الدنيا فضرب باباً من ابوابها فناداه اهل السماء من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا ومن معك؟ قال معي محمد قالوا وقد بُعث اليه؟ قال نعم قالوا فمرحباً به واهلاً، يستبشر به اهل السماء، لا يعلم اهل السماء بما يريد الله به في الارض حتى يعلمهم. فوجدوا في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل هذا ابوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه ورد آدم فقال مرحباً واهلاً بابني فنعم الابن انت. فاذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان. فقال ما هذان النهران يا جبريل؟ قال هذان النيل والفرات عنصرهما. ثم مضى به في السماء فاذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك اذفر فقال ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك ، ثم عرج به الى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الملائكة الاولى، من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد (ص)، قالوا: وقد بُعث اليه؟ قال: نعم،قالوا مرحبا به واهلاً، ثم عرج الى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الاولى والثانية ثم عرج به الى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به الى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها انبياء قد سماهم فوعيت منهم ادريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم احفظ اسمه وابراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى. فقال موسى: ربي، لم اظن ان ترفع عليّ احداً، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله عز وجل، حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين او ادنى، فأوحى الله اليه فيما اوحى خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط به حتى بلغ موسى فأحتبسه موسى فقال: يا محمد ماذا عهد اليك ربك؟ قال: عهد الي خمسين صلاة كل يوم وليلة. قال: ان امتك لا تسنطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي (ص) الى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار اليه جبريل ان نعم ان شئت، فعلا به الى الجبار تعالى وتقدس فقال وهو في مكانه " يا رب خفف عنا فان امتي لا تستطيع هذا". فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع الى موسى فاحتبسه فلم يزل يرده موسى الى ربه حتى صارت الى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني اسرائيل قومي على ادنى من هذا فضعفوا فتركوه، فامتك اضعف اجساداً وقلوباً وابداناً وابصاراً واسماعاً فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك. يلتفت النبي (ص) الى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب ان امتي ضعفاء، اجسادهم وقلوبهم واسماعهم وابصارهم وابدانهم فخفف عنا. فقال الجبار تبارك وتعالى: يا محمد، قال: لبيك وسعديك. قال: انه لا يُبدل القول لدي كما فرضت عليك في ام الكتاب فكل حسنة بعشرة امثالها فهي خمسون في ام الكتاب وهي خمس عليك. فرجع الى موسى فقال كيف فعلت؟ فقال خفف عنا اعطانا كل حسنة عشر امثالها. قال موسى قد والله راودت بني اسرائيل على ادنى من ذلك فتركوه، فارجع الى ربك فليخفف عنك ايضاً. قال رسول الله (ص): يا موسى قد والله استحيت من ربي عز وجل مما اختلف اليه. قال فاهبط باسم الله. قال: فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. هكذا ساقه البخاري في كتاب التوحيد". [171]

فواضح من هذه الرواية ان محمداً كان نائماً فحلم انه ذهب من مكة الى القدس وزار المسجد الاقصى، الذي لم يكن موجوداً اصلاً قبل بعثة الرسول، فقد كان معبد سليمان في ذلك المكان. ومن هناك صعد الى السماء وراى ربه الذي فرض على المسلمين خمسين صلاة في اليوم وقبلها محمد، ولكن تدخُل موسى ادى الى تخفيضها الى خمس صلوات. فاذاً القصة كلها كانت حُلم، ولا يُعقل ان يطير محمد جسدياً من مكة الى السماء السابعة، ماراً بالقدس، ثم يرجع في ليلة واحدة.

وعائشة تخبرنا انه في ليلة الاسراء والمعراج ظل جسم الرسول جوارها في السرير حتى الصبح، لم يبرحه. وحتى الاسراء جسدياً من مكة الى المسجد الاقصى والرجوع الى مكة في ليلة واحدة، يصعب ان نصدق انه حدث في تلك الايام. انما المحتمل ان يكون اسراءً روحياً. ولكن السؤال: لماذا هذا الاسراء من مكة الى القدس، وان لم يكن جسدياً، ما الفائدة من ورائه؟ لماذا سرى محمد الى معقل اليهودية والمسيحية في القدس؟ أكان الغرض زيارة معبد سليمان، كما زارته بلقيس؟ فالقدس لم يكن بها مسلمون في ذلك الزمان ولم يكن بها مساجد، ناهيك عن المسجد الاقصى.

الاخطاء التاريخية:

هناك اخطاء تاريخية في القرآن تجعل القارئ يشك ان يكون القرآن منزّلاً من عند اله خلق كل شئ ويعلم تاريخ خلقه. فمثلاً، عندما يخاطب القرآن مريم ام عيسى، يقول لها: " يا اخت هارون". والمقصود هارون اخي موسى. والخطأ واضح هنا، اذ ان الفرق الزمني بينهما اكثر من ألف وخمسمائة عام. وصحيح ان موسى وهارون كانت لهم اخت اسمها مريم " Miriam " ولكن ام الرسول عيسى فأسمها ماري " Mary "، ولكن العرب سموها مريم، ومن هنا حدث الخلط بينهما. وقد حاول علماء الاسلام تصحيح هذا الخطأ بعدة طرق. فقد قال القرطبي في تفسيره للقرآن: " كان لمريم من ابيها اخ اسمه هارون فنسبت اليه. وكان هذا الاسم كثيراً في بني اسرائيل تبركاً باسم هارون اخي موسى، وكان امثل رجل في بني اسرائيل. وقيل هارون هذا كان رجلا صالحا في ذلك الزمان تبع جنازته يوم مات اربعون الفاً كلهم اسمه هارون". [172] وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شُعبة قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا انكم تقرءون " يا اخت هارون" وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله (ص) سألته عن ذلك، فقال: " انهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم". وقال الزمخشري: كان بينهما وبينه ألف سنة او اكثر فلا يتخيل ان مريم كانت اخت هارون وموسى. [173]

ونجد في سورة القصص الآية 38: " وقال فرعون يا ايها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فاوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحاً لعلي اطلع الى إله موسى". وفي سورة غافر الآية 36 : " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الاسباب". وهامان كان وزيرالملك اهاسورس " Ahasuerus " ملك فارس الذي حكم من الهند الي الحبشة، ولم يكن وزير فرعون. وقصص التوراة تحكي ان هامان غضب علي يهودي اسمه موردخاي واقنع الملك اهاسورس ان كل اليهود في الامبراطورية الفارسية يجب ان يقتلوا لانهم كانوا يخططون لاغتيال الملك، وحدد يوم الاعدام بيوم 13 آذار. وعندما علمت زوجة الملك، وكانت يهودية، اقنعت الملك ان يقيم وليمة يعزم عليها هامان. ويوم الوليمة تضرعت الملكة الى الملك واتهمت هامان بانه ينوي حصد اليهود بدون ذنب. فغضب الملك وخرج الى حديقة القصر ولما عاد وجد هامان عند قدمي الملكة، وكان هامان يستجديها، ولكن الملك اعتقد ان هامان كانت له نوايا خبيثة نحو الملكة، فامر باعدامه وسلم اليهود منه. وسمح الملك لليهود بمحاربة اعدائهم يوم 13 آذار. ولما انتصروا على اعدائهم اعلنوا يوم 14 آذار يوم عطلة لليهود وسموها بيوريم " Purim " [174] . ويتضح من هذا ان هامان لم يكن وزيراً لفرعون، ولم يكن حتى في مصر [175] .

وفي سورةالانعام الآية 84، عندما يحكي القرآن عن ابراهيم، يقول: " ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلاً هدينا". وكذلك في سورة الانبياء، الآية 72: " ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين". ويُفهم من هذه الايات ان الله وهب لابراهيم ابنين: اسحق ويعقوب. ولكن يعقوب هو ابن اسحق، وليس ابن ابراهيم. وقد عرف المفسرون، في القرن الثامن الميلادي، بعد ان درسوا التاريخ اليهودي، ان يعقوب ابن اسحاق، فاضافوا هذا للتفسير وقالوا: ان الله بشر ابراهيم وساره زوجته باسحاق ومن بعد اسحاق يعقوب، يعنى ان سيكون لابراهيم حفيد من اسحاق. ولكن " من بعد" كذلك تعني ان اسحاق سيولد اولاً ثم من بعده يولد لابراهيم ابن آخر هو يعقوب. وهذا القول الثاني ارجح لان ابراهيم كان يتوسل الى الله ان يهبه ذريةً قبل ان يموت لانه وزوجته قد بلغا من الكبر عتياً. فالارجح ان يبشرهم الله بما سيولد لهما من أولاد وليس بما سوف يولد لهما من احفاد، وهم قد كبروا في السن. وحتى لو اراد الله ان يبشرهم بالاحفاد، فكان من الطبيعي ان يبشرهم باول طفل سوف يولد لابنهم اسحق. ولكن المشكلة ان زوجة اسحق حملت بتؤامين هم إساو" Esau " ويعقوب ، وولدت إساو اولاً ثم تبعه يعقوب من بعده [176] . فأذا كان تفسيرهم صحيحاً لصارت ألآية: ومن بعد اسحق إساو، لأن إساو هو ألابن ألاكبر ليعقوب. فأذاًً التفسير المنطقي هنا هو ان محمد اعتقد ان يعقوب هو ابن ابراهيم من بعد اسحق.

وفي سورة النساء الآية 163: " انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا دأود زبورا". فيظهر ان الله قد اوحى الى اعداد كبيرة من الناس، منهم الانبياء المعترف بهم في المسيحية واليهودية، ومنهم اسماء اضافها الاسلام، كل هذا بغير ترتيب زمني. ففي هذه الاية يخبرنا انه اوحى الى الاسباط. والاسباط هم الفروع او القبائل التي تكونت من بني اسرائيل بعد هجرتهم من مصر وتيههم في الصحراء. فكيف اوحي الله اليهم؟ هل بعث لكل قبيلة رسولاً؟ وهذا يخالف التاريخ اليهودي، ام اوحى الى كل قبيلة مباشرة دون رسول؟

اما سليمان وداود فلم يذكر التاريخ اليهودي ان لهما كتب مثل التوراة او الزبور. بل كان داود جندياً محارباً في جيش الملك ساؤول ( طالوت)، واختلف مع الملك، فاخذ قبيلته " جودا" ونزح الى الصحراء وظل بها الى ان مات ساؤول، فتعاهد داود مع ملك الفلسطينيين وكون مملكة " جودا" وعاصمتها الخليل " Hebron ". وبعد سبع سنوات، عندما اُغتيل ملك اسرائيل، انتخب الاسرائيليون داود ملكاً عليهم. ورّحل داود عاصمته الى القدس وجعلها كذلك العاصمة الدينية للاسرائيليين بان جلب اليها تابوت السكينة " The Ark of the Covenant ". ولتمكينه في الحكم، اختار طائفة دينية معينة تسمي طائفة " يهوى" " Yahweh "، وجعل ديانتهم الديانة الرسمية للدولة. وبالتدريج اخضع كل القبائل المجاورة له وكون مملكة عظيمة. ويقال انه جمع كمية كبيرة من الادعية الدينية على شكل اشعار، سميت فيما بعد ب " مزامير داود". وهذه المزامير جُمعت بعد فترة المنفي اليودي عام 539 قبل الميلاد، و داود عاش حوالي عام 1000 قبل الميلاد، ولذا يشكك المؤرخون اليهود أن تكون المزامير من تأليف داود أو أُنزلت عليه. [177]

والقرآن يقول في سورة النساء ألآية 163: " وآتينا دأود زبورا". والتاريخ اليهودي لا يقول أن دأود كان نبياً ولا يذكر له أي كتاب سماوي. فقط يذكر التاريخ انه قتل جالوت " Goliath ". وكان داود قائداً عظيماً لجيشه، ولكنه لا يذكر اي شئ عن صناعته للدروع او ان الحديد كان مسخراً له. وعندما مات داود خلفه على الحكم ابنه سليمان.

وسليمان حكم من عام 965 الى 932 قبل الميلاد بعد ان قتل اخاه من ابيه، الذي كان ينافسه على الحكم. وبنى معبداً للاله " يهوى" في القدس، عُرف فيما بعد بمعبد سليمان. ونظّم سليمان الحكم في مملكته وزاد من حجم جيشه وغزا وهزم كل القيائل في المنطقة وامتدت مملكته من فلسطين حتى سوريا و الحبشة. وكان مهتما ببناء المساكن والمدن لجيشه الذي كان يكبر بكبر مملكته.

ولأنجاز هذا البرامج الضخم من البناء، جعل سليمان العمل في البناء اجبارياً على كل رجال المملكة من يهود وغيرهم. فكان كل رجل ملزماً بان يعمل في البناء لمدة شهر في كل ثلاثة اشهر. فبنى مدن مثل " تدمر" وغيرها [178] . ولكثرة عمال البناء في مملكته، زعم العامة من اليهود فيما بعد ان الجن كان يساعد سليمان في بناء المدن وانه كان يفهم لغة الحيوانات، وكان له جيش من الطيور والجن. وبنى الاسلام قصصاُ اضافيةً حول هذا الزعم.

واكثر ما اشتهر به سليمان هو بلاطه الفخم في القدس وتعدد ازواجه. فقد قيل انه تزوج سبعمائة زوجة. وزارته ملكة سبأ. ولما كبر سليمان نسى دينه وتبع دين زوجاته وعبد الالهة " أشتورا" إلهة أهل صيدا بلبنان، فغضب الله عليه وقرر نزع الملك عن بيته بعد موته [179]

وسورة آل عمران تخبرنا في الآية 46 عن عيسى بن مريم: " ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين". وحتى لو سلمنا ان عيسى كلم الناس وهو في المهد، وهذا امر يُستبعد، رغم ان ابن كثير يخبرنا في تفسيره( حدثنا حاتم، حدثنا ابو الصقر يحيي بن محمد بن قُزعة حدثنا الحسين يعني المروزي حدثنا جرير يعني ابن ابي حازم عن محمد عن ابي هريرة عن النبي (ص) قال: " لم يتكلم في المهد الا ثلاث: عيسى وصبي في زمن جريج وصبي آخر"). وهذا طبعاً حديث لا يُقنع احداً. فمن هم هولاء الصبيان ومتى تكلموا؟

لو حدث ان تكلم عيسى في المهد لتكلم بهذا النصاري واليهود، لكنه لم يُذكر في اي من التاريخين، و حتى لو كلمهم في المهد فهو قطعاً لم يكلمهم كهلاً اذ انه صُلب وهو في الثالثة والثلاثين من عمره. وقد حاول المفسرون تلافي هذا الخطأ بان قال ابن كثير:( في حال كهولته حين يوحي الله اليه بعد ان ينزل من السماء.) وقال ابن جريج عن مجاهد قال: (الكهل هو الحليم)، يعني انه سيكلمهم وهو حليم. تفسير غير مقنع. وقال الاخفش: (يقال للطفل حدث الى سن ست عشرة سنة، ثم شاب الى اثنين وثلاثين، ثم كهل في ثلاث وثلاثين سنة) [180] . وهذا تعليل ضعيف اذ لن نجد شخصاً يوافق ان شاباً عمره ثلاث وثلاثين سنةً يكون كهلاً.

وذهب آخرون الى ان المسيح لم يقُتل ولم يُصلب وانما رفعه الله اليه وهو حي في السماء وسوف ينزله الله مرة اخرى ويعيش الى ان يصير كهلاً فيكلمهم: " وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا لفي شك منه مالهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً" [181] . والصعوبة في هذا التفسير هي انه لو رفع الله عيسى حياً الى السماء وهو عائش هناك وسوف ينزله في المستقبل، فسوف يكون عمره في ذلك الوقت الاف السنين، وهو قول غير مقبول، والحل الثاني هو ان يكون الله قد اوقف عمره في الثلاث والثلاثين وسيظل عائشاً بهذا العمر الى ان ينزله الى الارض مرة اخرى بعد الاف السنين. واذا قبلنا هذا المنطق، فسوف يكون عيسى شاباً حين ينزل الى الارض. فاذا اوقف الله عمره في الثلاث والثلاثين كل هذه السنين، فما الحكمة اذاً في جعله يكبر في السن حتى يصير كهلاً ليكلمهم وهو كهل؟

و في سورة آل عمران، الآية 55 نجد: "إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ "، ونجد في سورة المائدة، الآية 117، عندما خاطب الله عيسى وقال له هل انت قلت للناس اعبدوني وامي دون الله، اجابه عيسى ب " ما قلت لهم الا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنتَ انت الرقيب عليهم وانت على كل شئ شهيد". فاهو عيسى يقول لله " لما توفيتنى"، فاذاً قد مات عيسى، اما مصلوباً واما مات موتاً طبيعيا، ولم يرفعه الله حياً. ولكن القرطبي يقول في تفسيره: إني متوفيك بعد ان تنزل من السماء لتقتل المسيح الدجال. وقال الحسن وابن جريح: إني متوفيك يعني إني قابضك ورافعك الى السماء من غير موت، مثل قولهم:" توفيت مالي من فلان" أي قبضته. ولكن القول الاصح طبعاً هو " أستوفيت مالي من فلان". وقال الضحاك ان الذي قُتل كان واحداً من الحواريين وان الله كسا عيسى الريش وألبسه النور فطار مع الملائكة. وكل هذه الاقوال يصعب تصديقها.

وهناك كذلك إشكال في قصة ابراهيم واسماعيل. ففي سورة الصافات الآية 101 وما بعدها نجد: " فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال يابني اني ارى في المنام ان اذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تُؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين، فلما اسلما وتله للجبين، وناديناه ان يا ابراهيم، قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين، ان هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وباركنا عليه في الاخرين، سلام على ابراهيم، كذلك نجزي المحسنين، انه من عبادنا المؤمنين، وبشرناه باسحاق نبياً من الصالحين". ويُفهم من هذه الايات ان الله امر ابراهيم ان يذبح ابنه اسماعيل، لان مجرى الاحداث يتطلب ذلك. فان الله لم يبشره باسحاق الا بعد ان فدى الابن الاول، اسماعيل، بذبح عظيم.

ولكن التاريخ اليهودي يقول ان الله امر ابراهيم ان يذبح اسحاق. ويتفق جُل علماء المسلمين الاوائل مع هذا القول. فهاهو ابن كثير في تفسيره للايات يقول: حدثنا داود العطار عن ابن خثيم عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها ابراهيم فداء اسحاق ابنه. وقال حمزة الزيات عن ابن مسيرة رحمه الله: قال: قال يوسف عليه السلام للملك في وجهه: ترغب ان تأكل معي وانا والله يوسف بن يعقوب نبي الله ابن اسحاق ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله. وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه ان يوسف بن يعقوب بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله. وروى عكرمة عن ابن مسعود انه اسحاق. وروى ابن اسحاق عن عبد الله بن ابي بكر عن الزهري عن ابي سفيان عن العلاء بن جارية عن ابي هريرة عن كعب الاحبار انه قال هو اسحاق. وحكى البقولي عن عمر وعلي وابن مسعود والعباس انه اسحاق.

ويجادل بعض العلماء ان الفداء كان لاسماعيل لان الله بشر ابراهيم باسحاق ومن بعد اسحاق يعقوب، ويقولون كيف يخبر الله ابراهيم انه سيهبه من بعد اسحاق يعقوب ثم يقول له اذبح اسحاق. والرد على هذا القول هو ان القران لما قال: " وبشرناه بأسحق ومن بعد أسحق يعقوب"، قصد أنه سيولد لابراهيم ولدين: اسحاق ثم من بعده يعقوب، كما وضحنا سابقاً. ونفس القصة موجودة في التوراة. فنرى في سفر التكوين، الاصحاح 21، الآية 12 " سنجعل ذريتك في اسحاق". ونرى في نفس السفر، الاصحاح 22، الاية الثانية " ونادى الرب على ابراهيم وقال له: خذ ابنك، وابنك الوحيد اسحاق، واذبحه". فكيف يقول له سنجعل ذريتك في اسحاق ثم يقول له اذبحه؟ وتكرار نفس الغلطة في التوراة وفي القرآن قد يوحي بان القرآن قد اقتبس من التوراة.

ونحن نعلم ان الله لم يبشر ابراهيم باسماعيل، وبشره فقط باسحاق، ولذا عندما يقول في الاية 101 من سورة الصافات: " فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي قال يابني اني ارى في المنام ان اذبحك"، كان يقصد اسحاق، لانه الوحيد الذي بشر الله به ابراهيم.

والقرآن يأتي احياناً باشياء ليست من التاريخ في شئ ولا يعرف عنها الناس شئ. ففي سورة الدخان الآية 37 نجد: " أهم خيرٌ ام قوم تُبعٍ والذين من قبلهم اهلكناهم انهم كانوا مجرمين". ويقول المفسرون ان تُبع كان نبياً او رجلاً صالحاً. فاذا كان العرب الذين جاء الاسلام لاقناعهم لا يعرفون تُبع هذا، فما الفائدة من سوألهم اهم خير ام قوم تُبع؟

التاريخ اليهودي يخبرنا ان اليهود كانوا مستعبدين في مصر وكان فرعون يسّخرهم في كل الاعمال الشاقة في مصر، وفد توسل اليه موسى ليأذن لهم بالخروج من مصر، فرفض فرعون، حتى بعد ان سلط الله عليهم الفيضان والدم والضفادع، لم يسمح لهم فرعون بالخروج من مصرلانهم كانوا اليد العاملة في مصر وكان اقتصادها يعتمد عليهم. وفي كل مرة ينزل الله فيها العذاب على مصر كان فرعون يطلب من موسى أن يسأل الله ليرفع عنهم العذاب مقابل ان يسمح فرعون لموسى أن يخرج من مصر مع بني أسرائيل، وفي كل مرة كان فرعون يحنث بوعده. وحتى القرآن نفسه يعترف بان اليهود كانوا معذبين في مصر، ونجاهم الله من العذاب في الآية 30 من سورة الدخان: " ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب المهين". وفي سورة الاعراف الآية 134: " ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشف عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني اسرائيل". هاهو فرعون يقول لموسى سنرسل معك بني أسرائيل. وحتى عندما هرب موسى ببني اسرائيل من مصر ليلاً، لحقهم فرعون وجنوده ليمنعوهم من مغادرة مصر.

ولكن في سورة الاسراء الآية 103 يخبرنا القرآن ان فرعون كان قد اراد ان يخرج بني اسرائيل من مصر عنوة ولذ أغرقه الله ومن معه: " فاراد ان يستفزهم من الارض فاغرقناه ومن معه جميعاً". ويقول الطبري في تفسير " يستفزهم" يعني يخرجهم. وهذا طبعاً عكس المعروف تاريخياً وحتى في أجزاء أخرى من القرآن.

وفي سورة يوسف، لما وجدوا صواع الملك في متاع بنيامين، اخي يوسف الصغير، يخبرنا القرآن في الآية 77 ان اخوته قالوا: " ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل فأسّرها يوسف في نفسه". ويقول الطبري في تفسيره للآية: يقصدون يوسف وكان قد سرق من ابي امه صنماً من ذهب كان يعبده، فحطمه يوسف. وسفر التكوين، الاصحاح الحادي والثلاثين، الآية 19 يخبرنا ان السارق لم يكن يوسف وانما امه " راحيل Rachel " عندما سرقت تماثيل الذهب من بيت والدها قبل ان تغادره مع زوجها ايوب".

الاخطاء الحسابية:

نجد في القرآن بعض الاخطاء الحسابية التي حاول العلماء المسلمون تفسيرها بشتى الوسائل. ففي سورة البقرة، الآية 233: " والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة". ولكن في سورة الاحقاف، الآية 15 نجد: " ووصينا الانسان بوالديه إحساناً حملته امه كُرهاً ووضعته كُرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً". فمن الواضح هنا ان مدة الرضاعة اقل من سنتين لان الحمل في العادة يكون تسعة اشهر، وبالتالي يكون الرضاع واحداً وعشرين شهراً، لنحصل على المجموع وهو ثلاثون شهراً، كما جاء في الاية الثانية.

واختلف العلماء في ايجاد تفسير مناسب لهذه الهفوة. فقال بعضهم اذا استمر الحمل تسعة اشهر، فالرضاعة احدى وعشرون شهراً، ولكن انما قُصد بالثلاثين شهراً اخذ اقل مدة للحمل، وهي ستة اشهر، في الاعتبار. والاشكال في هذا القول هو أن مدة الحمل في الغالبية العظمى من النساء تسعة اشهر، والولادة في ستة أشهر من الشواذ، والتشريع عادة يأخذ في الاعتبار ما هو شائعٌ ومتعارف عليه، ولا يُبنى التشريع على الشواذ. ولكن حتى لو أخذنا الشواذ في الاعتبار فالولادة بعد ستة أشهر تعتبر إجهاضاً لان الجنين لا يكتمل نموه ويصبح قادراً على الحياة خارج رحم أمه الا بعد الاسبوع الثامن والعشرين من الحمل أي بعد سبعة أشهر. وحتى قبل ثلاثة عقود، ومع تقدم الطب الحديث كانت نسبة المواليد الذين يعيشون اذا ولدوا بعد سبعة أشهر من الحمل لا تزيد عن عشرة بالمائة [182] . أما الذين ولدوا بعد ستة أشهر كانوا يعتبرون أجهاضاً أو خديجاً ولم يعش منهم أحد حتى قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، فما بالك عند ظهور الاسلام، هل يُعقل أن يكون قد عاش منهم أحد حتى يسمح للمفسرين أن يقولوا ما قالوا؟

وفي سورة الاعراف الآية 54: " ان ربكم الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش". اما في سورة فُصلت، الآية 9 وما بعدها، فنجد: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له انداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواءً للسائلين. ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض إئتيا طوعاً او كرهاً قالتا آتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين واوحى في كل سماء امرها".

فالمجموع هنا يصبح ثمانية ايام بدل الستة المتعارف عليها. وفي محاولة العلماء تفسير هذا الاختلاف، يقول صاحب تفسير الجلالين ان الله خلق الارض في يومين، هما الاحد والاثنين، ثم قدر فيها اقواتها في تمام اربعة ايام، بدل في اربعة ايام أخرى. فهو هنا يحسب الاربعة ايام من اول يوم بدأ فيه الخلق وهو يوم الاحد، ولذا يكون قد خلص من خلقها وتقدير اقواتها يوم الاربعاء. ثم سوى السماء في يومين، فيكون مجموع الايام ستة. ولا اظن هذا التفسير يُقنع احداً. فالقرآن يقول انه خلق الارض في يومين، وخلق فيها الجبال والعشب وما الى ذلك في أربعة أيام، ولو أراد أن يقول انه خلق الارض والجبال والعشب في أربعة أيام، تصبح بداية ألآية " إنكم لتكفرون بالذي خلق ألارض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين" جملة غير مفيدة ولا حاجة لها، أو بمعنى آخر تكون حشواً لا داعي له، والقرآن يجب أن يكون منزهاً عن ذلك.

وهناك اختلاف حسابي آخر في عدد الملائكة الذين أمد الله بهم المؤمنين يوم موقعة بدر. ففي سورة الانفال، الآية 9: " اذ تستغيثون ربكم فأستجاب لكم اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ". وفي سورة آل عمران، الآية 124: " اذ يقول للمؤمنين الن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ". وفي نفس السورة الآية 125 : " بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ". فنرى ان عدد الملائكة ابتدأ بألف ثم صار ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف. وهذه الاعداد ليست في مواقع مختلفة، بل كلهم في موقعة بدر، اذ قال حسين بن مخارق عن سعيد عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: لم تقاتل الملائكة الا يوم بدر [183] .

والملائكة المسومين هولاء، اختلف الصحابة في سيمائهم، منهم من قال سيماؤهم كانت عمائم البيضاء، وقال آخرون كانت عمائم حمراء، وقال آخرون صفراء. وذهب بعضهم الى ان سيماءهم كانت على خيولهم. ونحن نعلم ان سورة فاطر، الاية الاولى تقول: " الحمد لله فاطر السموات والارض وجاعل الملائكة رسلاً اولي اجنحة مثني وثلاث ورباع ". وقد يسأل سائل: اذا كانت للملائكة اجنحة، بعضها بجناحين وبعضها بثلاث وبعضها باربع، لماذا احتاجت هذه الملائكة الى خيول يوم بدر؟ أما كانت فعاليتهم في القتال تكون افضل لو حاربوا وهم طائرون؟ فكل الحروب الحديثة يكسبها سلاح الطيران. وكل هذا الاختلاف في لون سيمائهم يدل على ان لا احد من الصحابة قد رأى الملائكة، وانما صدقوا ما قيل لهم. واذا لم يكن من الممكن رؤية الملائكة، فما الحكمة في إعطائهم سمات، حمراء كانت أو صفراء؟

وهناك موضوع العدة للنساء المطلقات واللاتي مات ازواجهن. فنجد في سورة البقرة الآية 228: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن". والغرض من الثلاثة قروء او ثلاثة اشهر هو التاكد من اذا كانت المرأة المطلقة حاملاً من زوجها ام لا. والثلاثة شهور، لا شك، كافية لان يعرف الناس ان كانت حاملة ام لا. وفي نفس السورة، الآية 234، نجد: " والذين يتوفون منكم فيذرون ازواجاً يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشراً ". وقد يسأل المرء لماذا تختلف عدة المرأة التى مات عنها زوجها عن عدة المطلقة؟ فهل حمل المرأة التي مات عنها زوجها يتطلب وقتاً اطول ليظهر؟

ويقول المفسرون، حسب ما ورد في الصحيحين: " ان خلق احدكم يجمع في بطن امه اربعين يوماً نطفةً ثم يكون علقةً مثل ذلك ثم يكون مضغةً مثل ذلك ثم يبعث الله الملك فينفخ فيه الروح ". فهذه مائة وعشرون يوماً اي اربعة اشهر فقط. وسئل سعيد بن المسيب: لم العشرة؟ أي العشرة أيام الزائده، قال: فيه يُنفخ الروح. فهل يحتاج الملك لمدة عشرة أيام لينفخ الروح في الجنين؟ فاذا كان هذا صحيحاً – اعني ان الحمل يحتاج اربعة اشهر وعشرة ايام ليظهر- لماذا اذاً تكون عدة المطلقة ثلاثة اشهر ( ولم يُنفخ الروح في جنينها بعد) وعدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام؟ والاصعب فهمه من هذا ان الأمة أي المملوكة عدتها شهران اذا طُلقت وشهران وعشرة ايام اذا مات زوجها. فهل يتكون الجنين في رحم الأمة اسرع مما يتكون في رحم الحرة؟

وإذا كان القرآن قد نزل لكل الناس ولكل العصور كما يقول علماء المسلمين، لماذا لم يضع إعتباراً لتقدم العلم في عصرنا هذا وفي العصور القادمة. فنحن ألان نستطيع ان نؤكد وجود الحمل أو عدمه بعد اسبوعين فقط من تأخر الدورة الشهرية بأن نُجري فحصاً على البول أو الدم أو حتى اجراء فحص بالموجات فوق الصوتية " Ultrasound "، فهل ما زلنا نحتاج للعدة سواء أكانت ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعشرة أيام؟ وماذا عن المرأة التي أُجريت لها عملية لاستئصال الرحم ولم يعد ممكناً لها ان تحبل، هل تجب عليها العدة اذا طُلقت أو مات زوجها؟

الفصل الخامس

الاسلام والعلم :

هناك مجلدات كُتبت عن معجزات القرآن العلمية، سنتعرض لبعضها هنا، وربما اتعرض للرد على بعضها، خاصة كتاب " The Bible, The Quran and Science " للدكتور موريس بوسيل، في كتاب آخر. والحقيقة البسيطة التي يجب أن يتنبه لها الناس هي أن القرآن جاء كرسالةٍ لتقنع الناس بوجود الله ومن ثم يبيّن لهم بعض الاحكام. وفي إعتقادي أن القرآن لم ينزل ليتكهن بالتطورات العلمية التي ستحدث بعد آلاف السنين في المستقبل. والناس الذين يحاولون جعل القرآن كتاب كيمياء او فيزياء، لا يخدمون القرآن بشئ، لان البحث في القرآن يثبت عدة تناقضات مع العلم الحديث.

ودعنا نبتدئ بأبجديات الفيزياء لنكّون فكرة عن العالم الذي نعيش فيه. لنبدأ بالضوء الذي يسافر بسرعة 186000 ميلاً في الثانية الواحدة. وضوء الشمس، وهي تبعد عنا ثلاثة وتسعين مليون ميلاً، يستغرق ثماني دقائق ليصلنا عندما تشرق الشمس في الصباح. ويتكون عالمنا هذا من عدة مجرات، والمجرة التي بها ارضنا وشمسنا تسمى The Milky Way وهي تتكون من بلايين النجوم، بعضها اكبر من شمسنا. وتبعد الارض عن مركز هذه المجرة مسافة 26000 سنة ضوئية، فاذا علمنا ان السنة الضوئية تساوي المسافة التي يسافرها الضوء في 3.26 سنة (والضوء يسافر في اليوم الواحد 16,070,400 ميلاً ، اي 16 مليون ميلاً بالتقريب، وإذا ضربنا هذا الرقم ب 365 يوماًً، نحصل على المسافة التي يسافرها الضوء في السنة الواحدة، والسنة الضوئية الواحدة تساوي ما يعادل 190,384,000,000 ميلاً)، يتضح لنا بعد الارض عن مركز المجرة. بينما تبعد الشمس عن مركز المجرة مسافة يصعب على الانسان تخيلها إذ تبلغ بالاميال 200,000,000,000,000,000 ( أثنين وبعدها 17 صفراً ). وإذا أضفنا ملايين المجرات الاخرى، يتضح لنا مدى ضخامة هذا الكون.

ولنبدأ بخلق السماء والارض كما يراه العلماء. فالدكتور موريس يخبرنا ( أنه في البداية كان العالم عبارة عن كتلة من غازات الهايدروجين والهيليوم، تُسمي " Nebula ". وبالتدريج انقسمت هذه الغازات الى كُتل مختلفة الحجم، بعضها يبلغ مائة بليون مرة حجم الشمس. وحجم الشمس يساوي 300000 مرة حجم الكرة الارضية. وكنتيجة لهذا الانقسام تكونت المجرات التي تحتوي على بلايين النجوم، بعضها أضعاف حجم شمسنا. وكذلك تكونت الكواكب مثل ألارض وزحل والمريخ. ولابد أن تكون هناك أراضيٍ كأرضنا هذه لم يكتشفها العلم بعد. وعندما انقسمت هذه الغازات وكونت النجوم والكواكب، كان سطح الكواكب والنجوم في درجة عالية جداً من الحرارة نتيجة التفاعلات الذرية التي مازالت تجري في داخل النجوم والكواكب. وكان سطح الارض ساخناً جداً لا يسمح بالحياة. ولم يكن هناك أي تسلسل او إنتظام في تكوين الاجسام السماوية هذه.) [184]

ويقول الدكتور موريس كذلك ( قد قدر العلماء عمر مجرتنا هذه بعشرة بلايين سنة، وشمسنا وأرضنا عمرهما حوالى أربعة بلايين ونصف البليون من السنين. والمجرة التي نحن بها " The Milky Way " تحتوي على مائة بليون نجم، ويصعب تخيل حجمها إذ يحتاج الضوء لمدة 90000 سنة ضوئية ليسافر من طرف مجرتنا الى طرفها ألآخر) [185] .

هذا ما يقول به العلم الحديث باعتراف الدكتور موريس. وألان أنظر ما ذا يقول القرآن: " قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق ألارض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيامٍ سواء للسائلين. ثم أستوى الى السماء وهى دخان فقال لها وللارض إئتيا طوعاً أو كُرهاً قالتا أتينا طايعين. فقضهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماءٍ أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم". [186]

فالله هنا خلق ألارض وهي كوكب واحد في يومين، ثم جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها وبارك فيها في أربعة أيام، ثم استوى الى السماء وهي دخان، وخلق كل هذه المجرات التي ذكرنا سابقاً والشمس وبلايين النجوم التي يصل حجم بعضها الى ملايين المرات مثل حجم الشمس، التي يبلغ حجمها 300000 مرة حجم الارض، وخلق كذلك عدة كواكب منها عدد يشبه أرضنا، ربما سيكتشفها العلم في المستقبل، كما يقول الدكتور موريس، خلق كل هذا في يومين فقط. فهل يتفق هذا مع العلم الحديث؟

الدكتور موريس يقول إن ألايام هنا لا تعني نفس ألايام التي نعرفها نحن، وأن الله قصد بها فترات من الزمن قد تصل الى آلاف السنين لليوم الواحد. وحتى لو أخذنا بهذا الرأي، فيجب أن تكون الفترات متساوية في الطول الزمني حتى يتسنى لنا استعمالها كمقياس للزمن. فكيف يخلق الله كوكباً واحداً في فترتين، ويقدر في هذا الكوكب قوته في أربعة فترات ثم يخلق نجوماً لا تُحصى على مسافات يصعب تخيلها في فترتين فقط؟ فالمنطق يُخبرنا أن هناك شئ غير مقبول في هذه النسب الحسابية. فالدكتور موريس قد أخبرنا سابقاً أن عمر مجرتنا عشرة بلايين سنة وعمر الشمس وألارض إربعة بلايين ونصف البليون سنة، فلا بد أن تكون معظم نجوم مجرتنا إن لم نقل كل المجرات ألاخرى قد خُلقت قبل الارض. ولكن ألآيات السابقات تخبرنا أن الله قد خلق الارض أولاً ثم السماء وزينتها من الكواكب.

وفي نفس ألآية يخبرنا القرآن أن الله قدر في الارض أقواتها، يعني الاشجار والنباتات الاخرى كقوت للحيوانات في اربعة أيام أو اربعة فترات كما يحب الدكتور موريس، قبل أن يخلق السماء. والعلم الحديث يخبرنا أن الحياة ابتدأت من حيوانات ذات خلية واحدة تكونت في الماء ومنها ابتدأت الحياة النباتية وبعد ملايين السنين ظهرت الحيوانات البدائية. والدكتور موريس يوافق على هذا الراي. [187]

وكذلك يقول الدكتور ان المحيطات والماء ظهر على الارض قبل حوالى نصف بليون عام تقريباً. [188] فإذاً النباتات ظهرت قبل نصف بليون سنة على أكثر تقدير، وقد يكون أقل من ذلك بكثير. فإذاً تقدير أقوات الارض لم يتم الا قبل بضع ملايين من السنين في حين أن ألارض عمرها أربعة بلايين ونصف البليون سنة. وبما أن الله لم يخلق السماء إلا بعد أن اكمل تقدير قوت الارض، نستطيع أن نقول أن ألسماء عمرها لا يزيد عن بضع ملايين سنة. ولكننا نعرف ألان أن عمر مجرتنا عشرة بلايين من السنين، ناهيك عن المجرات ألاخرى. فأين علم القرآن هنا من العلم الحديث؟

ثم أنظر الى سورة النازعات، ألآيات 27-33:

27- " أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها"

28- " رفع سمكها فسواها"

29- " وأغطش ليلها وأخرج ضحاها"

30- " وألارض بعد ذلك دحاها"

31- " أخرج منها ماءها ومرعاها"

32- " والجبال أرساها"

33- " متاعاً لكم ولانعامكم"

فالقرآن هنا يخبرنا أن الله خلق السماء وسواها، وخلق الليل والنهار أي خلق الشمس ثم بعد ذلك دحا الارض أي سطّها واخرج منها الماء. فإذاً نستطيع أن نقول أن الله خلق الارض بعد أن خلق السماء، وهو عكس ألآيات السابقات، أو أنه خلق ألارض أولاً لكنها كانت مكورة فبسطها وسطّحها بعد أن خلق السماء، ويكون هذا اعترافاً بأن الارض مسطحة.

وألآية 31 تخبرنا انه أخرج من الارض ماءها ومرعاها بعد أن خلق السماء، وبما أن النباتات لا تنمو إلا بالماء، فإن الله يكون قد خلق السماء والنجوم قبل ان يسطح الارض ويخرج منها النبات الذي هو أقوات ألارض. وهذا كذلك عكس ما أخبرنا القرآن سابقاً، إذ أنه قال أن الله قد قدر أقوات الارض في اربعة أيام قبل أن يخلق السماء في يومين.

وقد تنبه بعض المفسرين الى هذا الاختلاف في خلق الارض والسماء وقال بعضهم أن " بعد ذلك" تعني " ومع ذلك" وليس بعد أن خلق السماء، وعلق القرطبي على ذلك بقوله:" فان قال قائل: فانك قد علمت ان جماعة من اهل التاويل قد وجهت قول الله " والارض بعد ذلك دحاها" الي معني " مع ذلك دحاها" فما برهانك علي ما قلت من ان "ذلك" بمعني "بعد" التي هي خلاف "قبل"

قيل: المعروف من معني "بعد" في كلام العرب هو الذي قلنا من انها بخلاف معني " قبل" لا بمعني "مع" وانما توجه معاني الكلام الي الاغلب عليه من معانبه المعروفه في اهله، لا الي غير ذلك." [189]

وفي سورة هود الآية السابعة نجد: " وهو الذي خلق السموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء". وسئل ابن عباس، كما يقول ابن كثير في تفسيره، عن قوله " وكان عرشه على الماء" على اي شئ كان الماء؟ قال: كان على متن الريح. فاذاً اول شئ خلق الله كان الريح ووضع عليها الماء ثم وضع عرشه على الماء قبل أن يخلق الارض والسماء.

واذا كنا نتحدث عن العلم البحت، فليس من الممكن ان يحمل الريح الماء الذي يجلس فوقه العرش. واذا كنا نقصد أن الماء هو السحاب، فالريح يمكن ان تحمل السحاب ولكن لا يمكن للسحاب، وهو بخار الماء، ان يحمل العرش. واي انسان رأى الضباب، وهو سحاب على مستوى منخفض، يعرف انه لا يستطيع ان يحمل اي شئ، ناهيك عن العرش.

وهذه طبعاً فكرة مأخوذه من اليهودية. ففي سفر التكوين، الاصحاح الاول، نجد في البدء خلق الله السموات والارض وكانت الارض خاوية خالية وعلى وجه الغمر ظلامٌ وروح الله يُرف على وجه المياه. وقال الله: " ليكن نورٌ، فكان نورٌ. وراى الله ان النور حسنٌ. وفصل الله بين النور والظلام. وسمى الله النورَنهاراً، والظلامُ سماه ليلاً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ: يومٌ أولٌ.

وقال الله: ليكن جَلدٌ في وسط المياه وليكن فاصلاً بين مياه ومياه". فكان كذلك. وصنع الله الجَلَدَ وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وسمى الله الجلد سماءً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ، يومٌ ثان.

وقال الله: " لتتجمع المياه التي تحت السماء في مكان واحد وليظهر اليبس". فكان كذلك. وسمى الله اليبس أرضاً وتجمع المياه سماه بحاراً. وراى الله ان ذلك حسنٌ. وقال الله: لتنبت الارضُ نباتاً عُشباً يُخرج بزراً وشجراً مثمراً يُخرج ثمراً بحسب صنفه بزره فيه على الارض" فكان كذلك. فأخرجت الارض نباتاً عُشباً يُخرج بزراً بحسب صنفه وشجراً يُخرج ثمراً بزره فيه بحسب صنفه وراى الله ذلك حسنٌ. وكان مساء وكان صباحٌ: يومٌ ثالثٌ.

وقال الله: " لتكن نيراتٌ في جَلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون علاماتٍ للمواسم والايام والسنين.....وهكذا تستمر قصة الخلق.

وحتى اليهودية ربمااخذت الفكرة من البابليين القدماء، الذين قالوا، كما رأينا في المقدمة، ان الآلهة ظهروا، كل إلآهين مع بعض، من ماء مقدس كان موجوداً منذ القدم. واكبر ثلاثة من الآلهة كانوا: أبسو Apsu " إله المياه العذبة، وزوجته " تيامات Tiamat " إلهة المياه المالحة، و " مومو Mummu " إله الفوضى. وخلقت الالهة بقية العالم.

ويستمر تسلسل الخلق في القرآن فيقول في سورة الذاريات، الآية 47: " والسماء بنيناها بايدٍ وانا لموسعون". فالله قد بنى السماء اما بأيديه او كلف الملائكة ببنائها. وهذا دليل قاطع ان السماء صلبة وبُنيت بايدٍ، وقال الله هذا القول لتأكيد ان السماء صلبة، لانه في العادة اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون. فلو اراد الله للسماء ان تكون لقال لها: كوني، فكانت. لكنه للتأكيد قال بنيناها بأيد.

ويقول الدكتور موريس " وإنا لموسعون" تعني أن الكون أو السماء ما زال يتوسع وينتشر. [190] وهذه حقيقة علمية لكون دوران المجرات يخلق قوة " Centrefugal Force " تجعلها تبتعد عن بعضها البعض. ولكن كلمة موسعون في اللغة تعني المال والغنى. وإذا قلنا أوسع الرجل يعني أصبح ذا غنى ومال. ويقول القرطبي في تفسيره لهذه ألاية: أن الله غني وسيوسع الرزق لعباده. فكون المجرات ما زالت تبتعد عن بعضها البعض اي تتوسع، لا تعني بالضرورة ان القرآن قصد هذا عندما قال " وانا لموسعون".

وهناك من يقول أن السماء هو كل ما سما فوقك أي أرتفع، وبالتالي يكون الهواء سماء. ولكن الدليل ان السماء صلبة نجده في سورة الحج كذلك، الآية 65: " ويمسك السماء ان تقع على الارض الا بإذنه". وطبعاً لا يمكن ان يقع الهواء على الارض، فلا بد ان تكون السماء صلبة لتقع على الارض.

وهناك دليل آخر في سورة الانبياء، الآية 104: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب". فلا بد ان تكون السماء صلبة ومسطحة حتى يتسنى له أن يطويها كطي الصحيفة. فكل هذه الآيات تخبرنا ان السماء صلبة ومحسوسة وبنيت وسوف تُطوى كطي السجل.

ثم نزيد قليلاً في ذلك ونرى ان القرآن يقول في سورة نوح، الآية الخامسة عشر: " ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً". فاذا كانت السماء صلبة، وخلق الله سبع سموات طباقاً، وزينهن بالقمر والنجوم، فلا بد ان يكون القمر والنجوم في السماء الدنيا حتى نراهن. وقد قال الله في سورة الصافات، الآية السادسة: " انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب".

وفي العقود القريبة الماضية وصل الانسان الى القمر ومشى فوقه ولم ير اي سماء. فهل نفهم من ذلك ان القمر معلق بين السماء والارض؟ وماذا عن الكواكب، فقد وصلت المركبات الفضائية الى المريخ ولم تعثر على سماء. والتلسكوبات الفضائية الحديثة خاصة تلسكوب " هوبارد" الذي يحوم في الفضاء الخارجي للارض، مكننا من ان نرى نجوماً تبعد عن الارض بلايين الاميال، ويستغرق ضوء بعض هذه النجوم ملايين السنين ليصل الينا، ، ولكن حتى ألان لم نر سماءً. فما الذي حدث هنا؟ اما ان لا يكون هناك سماء، او ان السماء ليست صلبة، وبالتالي نجد مشكلة في تفسير الايات السابقة التي تقول أن السماء بنيناها بأيدٍ ويمكن ان تقع على الارض.

وسورة الطور، الآية الرايعة وما بعدها، تقول: " والطور، وكتابٍ مسطور، في رقٍ منشور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع ". وفي قصة الاسراء والمعراج يحدثنا روح بن جناح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة عن النبي (ص) انه قال: " في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة وفي السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه انغماسة ثم يخرج، فينتفض انتفاضةً يخر عنه سبعون الف قطرة يخلق الله في كل قطرة ملكاً يؤمرون الى البيت المعمور فيصلون فيه". وفي الصحيحين ان رسول الله (ص) قال في حديث الاسراء بعد مجاوزته الى السماء السابعة: " ثم رُفع بي الى البيت المعمور واذا هو يدخله كل يوم سبعون الفاً لا يعودون اليه".

ولو صدقنا قصة الاسراء والمعراج كما يرويها المفسرون، والبيت المعمور هذا، فلا بد ان يكون النبي قد سافر كل هذه البلايين من الاميال في ليلة واحدة ورجع للارض، وفي هذه الحالة يكون قد سافر بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهذا مستحيل اذا كنا نتكلم عن العلم ومعجزة القرآن العلمية، او تكون الرحلة كلها ميتافيزيقية، وبالتالي لم يصعد فعلياً الى السماء السابعة ولم ير آدم في السماء الدنيا وابراهيم في السماء السادسة وسدرة المنتهى في السابعة، او البيت المعمور.

واذا نظرنا الى خلق الارض، نجد في سورة الحجر، الاية التاسعة عشر: " والارض مددناها والقينا فيها رواسي وانبتنا فيها من كل شئ موزون ". ويقول ابن كثير في تفسير هذه الاية: مد الارض يعني وسّعها وبسطها وجعل فيها من الجبال الرواسي. وفي سورة الرعد، الآية الثالثة: " وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ". وفي سورة الانبياء، الآية 31: " وجعلنا في الارض رواسي ان تميد بهم ". وفي سورة النحل، الآية الخامسة عشر: " والقى في الارض رواسي ان تميد بكم وانهاراً وسبلا ". وفي سورة لقمان، الآية العاشرة: " خلق السماء بغير عمد ترونها والقى في الارض رواسي ان تميد بكم ". وفي سورة النازعات، الآية 27-29: " أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها واخرج ضحاها والارض بعد ذلك دحاها ". و دحا، يدحو، تعني " سطّح " او " بسط "، كما يقول الشاعر، وهو يصف خبازاً يسطح عجينة الخبز المكورة ليجعلها مستديرة كالقرص قبل أن يضعها في الفرن:

إن انسى لا انسى خبازاً مررت به يدحو الرقاقة وشك اللمح والبصر

ما بين رؤيتها في كفه كُرةً وبين رؤيتها غوراء كالقمر

الا بمقدار ما تنداح دائرةٌ من الماء يُلقى فيه بالحجر

فهو هنا يراه يدحو كرة العجين فتصير غوراء كالقمر، أي مسطحة. وكل الآيات المذكورة اعلاه تخبرنا ان الله خلق الارض مسطحةً وجعل فيها جبالاً لترسيها وتمنعها من ان تميد او تنقلب بنا لانها مسطحة.

وكذلك في سورة الشمس، ألآية السادسة: " والسماء وما بناها، والارض وما طحاها". ويقول القرطبي في تفسيره: طحاها يعني بسطها من كل جانب، مثل دحاها، قاله كذلك الحسن ومجاهد وغيرهما.

وفي سورة الكهف عندما يتحدث القرآن عن ذي القرنين في الآية 86: " حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً قلنا يا ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ منهم حسناً ". فهذا هو ذو القرنين مشى في الارض حتى بلغ مغرب الشمس ووجدها تغرب في عينٍ حمئة. وقال المفسرون انه وجدها تغرب في طينٍ اسود. وطبعاً اذا لم تكن الارض مسطحةً فكان لابد لذي القرنين ان يصل احدى المحيطات( إذ أن سبعين بالمائة من سطح الارض تغطيه المحيطات) ويرى الشمس تغرب في الافق و يتبين له كانها تغرب في المحيط. ولكن لان الارض في نظرهم مسطحة، وصل ذو القرنين آخرها ووجد الشمس تغرب في طين اسود.

ويقول ابن كثير في تفسيرة للاية: " فسلك طريقاً حتى وصل الى اقصى ما يُسلك فيه من الارض من ناحية المغرب. ووجدها تغرب في طين اسود"، وبه قال ابن عباس ومجاهد. ولو كانت الارض غير مسطحة ما كان ممكناً لذي القرنين ان يصل الى اقصى ما يُسلك فيه من الارض، بل كان سيدور حول الارض ويرجع الى مكان ابتداء رحلته.

وفي نفس السورة، الآية 90: " حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قومٍ لم نجعل لهم من دونها ستراً ". ويقول ابن كثير: " ولما وصل الى اقصى ما يُسلك فيه من الارض من ناحية الشرق وجد الشمس تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراَ، اي ليس لهم بناء يكنهم ولا شجر يظلهم ويسترهم من حر الشمس. قال سعيد بن جُبير كانوا حًمراً قصاراً مساكنهم الغيران، اكثر معيشتهم من السمك".

ونفهم من العرض الذي سبق ان الارض مسطحة واراد الله ان يحفظ توازنها فالقى بها جبالاً ليمنعها ان تنقلب بنا. وهذه الفكرة قديمة قدم التاريخ، فالمصريون القدماء قبل حوالي الفين عام قبل الميلاد، زعموا ان الارض مسطحة ومستديرة كالقرص، وان مصر في وسطها وبلاد العالم الاخري، خاصة التي بها جبال، في اطراف القرص لتحفظ توازنه [191] .

والدكتور موريس يعترف أن الرسول واصحابه كانوا يعتقدون أن ألارض مسطحة عندما يقول: " من السهل على انسان اليوم ان يفهم توالي الليل والنهار لانه يعرف ان الارض تدور حول نفسها، والقرآن وصف هذه الحركة كأنما مفهوم ان الارض مكورة كان مفهوماً في تلك الايام، ولكن هذه لم تكن الحالة في تلك الايام" [192] . إذاً النبي محمد لم يكن يعرف أن ألارض كروية وإلا لأخبر أصحابه بذلك. فإذا كان الناس الذين نزل عليهم القرآن لا يعرفون أن الارض مكورة، ورسولهم لم يخبرهم بذلك، ربما لانه ما كان يعرف ذلك، فهل نفهم أن القرآن قصد مخاطبة الاجيال المستقبلية عندما قال بتتابع الليل والنهار؟

قد رأينا أن فكرة أن الارض مسطحة كانت سائدة في العصور البدائية وحتى بعد الميلاد عندما دافعت الكنيسة عن فكرة أن الارض مسطحة. ولكن في القرن السادس قبل الميلاد قال بعض اعضاء جمعية " Pythagoreans " في جنوب ايطاليا، وهذه الجماعة مسماة على عالم الرياضيات " Pythagorus "، قالوا ان الارض كروية وتدور حول نفسها، وقد ذكر هذا الدكتور موريس في كتابه [193] . فإذا كانت فكرة أن الارض كروية كانت معروفة منذ ستة قرون قبل الميلاد، كيف نفسر أن القرآن ظل يكرر ان الله دحا وبسط الارض، وأن الرسول وأصحابه لم يكونوا يعرفون أن الارض مكورة؟

وقد تعرض أعضاء جمعية Pythagorus الى القتل والتعذيب من قبل الكنيسة، مما اضطر بعضاً منهم للهرب الى اليونان وانشاء مذهبهم او مدرستهم هناك. واي شخص تجرأ وعارض فكرة ان الارض مسطحة وان الشمس تدور حول الارض، قُتل او عُذب. وحتى في القرن الخامس عشر للميلاد، عندما قال كوبرنكس " Copernicus " العالم البولندي، ان الارض تدور حول نفسها وتدور كذلك حول الشمس، اتهموه بالذندقة، ولولا انه مات بعد نشر نظريته بوقت قصير، لحاكموه بالذندقة وقتلوه، كما حاكموا جاليليو " Galileo " في عام 1534 في ايطاليا عندما قال ان الشمس ليست مركز الكون. وقد حكموا على جليليو بالحبس المنزلي ولم يسمحوا له بمغادرة بيته، حتى مات بعد ثماني سنوات من نشر نظريته.

وبما انهم كانوا يعتقدون ان الارض مسطحة، نجد القرآن يخبرنا ان الله ألقى في الارض رواسي كي لا تميل بنا. ونفهم من هذا ان الله ألقى الجبال من السماء على الارض، لان الالقاء يكون من اعلى الى اسفل. ولكننا ألان نعلم ان الجبال لم تُلقى بل ارتفعت من داخل الارض نتيجة البراكين العديدة عندما كانت الارض ساخنة بعد انفصالها من الشمس.

وبمناسبة الحديث عن السماء، دعنا ننظر للآية 43 من سورة النور: " ألم تر ان الله يزجي سحاباً ثم يُؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من بَرَد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء".ٍ يقول ابن كثير: من جبال فيها من برد معناه ان في السماء جبال بَرَد ينزل الله منها البَرَدَ. ". ( أنظر تفسير أبن كثير للآية). ولكن الدكتور موريس يقول في شرح هذه ألآية: " أن الله يُنزل من السماء جبال برد" [194] . وهذا طبعاً تغيير كامل للآية التي تقول: " وينزل من السماء من جبال فيها من برد".

ونحن نعرف الان ان ليس في السماء جبال من ثلج ينزل منها البَرَدُ او الجليد. والبَرَد هو عبارة عن قطرات مطر تجمدت اثناء نزولها من السحاب لشدة برودة الطقس، وكذلك الجليد يتكون عندماء يكون الطقس بارداً ولكن اقل برودة من الطقس الذي يسبب البَرَد [195] . فالعلم هنا ابعد ما يكون عن منطق القرآن.

والعرب كغيرهم من الناس منذ بدء الحياة على ألارض قد لاحظوا أن الشمس تشرق من الشرق وتبدو كأنها تسير نحو الغرب وتختفي في الافق لتظهر لهم مرة أخرى من الشرق. وكذلك يتغير شكل ومجرى القمر. وهذه ملاحظة بسيطة لا تحتاج لذكاء أو لعلم. وأخذ القرآن هذه الملاحظة البسيطة وكررها في عدة سور ليؤكد ان الشمس والقمر كلُ يجري لأجل مسمى:

" الله الذي رفع السموات بغير عمدٍ ترونها ثم أستوى على العرش وسخر الشمس والقمر كلُ يجري لأجلٍ مسمى" [196]

" ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري الى أجلٍ مسمى" [197]

" يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كلٍ يجري لأجل مسمى" [198]

" يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كلٌ يجري لأجل مسمى" [199]

" وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلٌ في فلكٍ يسبحون" [200]

ونلاحظ هنا أن القرآن لم يذكر ولو مرةً واحدةً أن الارض تجري لأجل مسمى. والسبب طبعاً أنهم كانوا يعتقدون ان الارض مسطحة وثابتة والشمس تجري حولها، وهذه كانت الفكرة السائدة في تلك الحقبة من الزمن، وكانت تعتمد على ملاحظة أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، وتبدو كأنها تسير و تجتاز السماء من الشرق الى الغرب، وكذلك القمر. والدكتور موريس يقول: ( يثبت القرآن أن الشمس تجري في فلك، ولكنه لا يحدد صلة هذا الفلك للارض. ففي زمن نزول القرآن كانوا يعتقدون أن الشمس تتحرك وأن الارض ثابتة. وهذه كانت النظرية الشائعة منذ زمن بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد، واستمرت حتى أيام كوبرنكس في القرن السادس عشر بعد الميلاد. ومع أن الناس في أيام محمد كانوا يوقنون بهذه الفكرة، إلا أن القرآن لم يذكرها اطلاقاً) [201] .

ويحق لنا أن نسأل لماذا لم يذكر القرآن أن الارض كروية وتتحرك، ليثبت للعرب أن بطليموس كان خاطئاً وانه لا يعلم اسرار الكون كما يعلمها الله الذي خلق الكون؟ فالقرآن، كما يخبرنا الدكتور موريس وأمثاله، كتاب أحتوى كل تفاصيل العلم الحديث عندما نزل في القرن السابع الميلادي، وليس هناك ما يظهر من اكتشافات في العلم الحديث إلا وكان القرآن قد ذكرها.

ونحن الان نعرف أن القمر يدور حول نفسه وكذلك يدور حول الارض في تسعة وعشرين يوماً ونصف اليوم. والارض نفسها تدور حول نفسها في 24 ساعة وتدور حول الشمس في 365 يوماً. والشمس تدور حول نفسها في 25 يوماً ولا تدور حول شئ آخر. وكل المجرة بما فيها الشمس والقمر والارض، تدور حول مركز المجرة في حوالي 250 مليون سنة تقريباً.

ويتضح من هذا أن الشمس أقل دوراناً من الارض، والارض أقل دوراناً من القمر. فما دامت الشمس أقل دوراناً من ألارض، لماذا ذكر القرآن أن الشمس تجري لمستقر لها ولم يذكر الارض التي تجري أكثر من جريان الشمس؟ ولماذا لم يذكر بقية النجوم والكواكب، وكلها يجري لمستقر له؟

الجنين :

يأكد لنا العلماء المسلمون ان القرآن صالح لكل زمان ومكان وانه يواكب تطور العلم الحديث وعنده الجواب لكل شئ. فدعنا ننظر الى خلق الجنين لنرى اذا كان القرآن فعلاً قد سبق تطور العلم. فالقرآن يخبرنا في سورة الطارق، الآية الخامسة وما بعدها: " فلينظر الانسان مما خُلق، خُلق من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب ". وتفسير العلماء ان الماء الدافق هو المني يخرج دافقاً من الرجل ومن المرأة، فيتولد منه الولد.

وطبعاً ليس للمرأة ماءٌ دافق كالرجل. وليس لها ماء اطلاقاً غير السوائل المخاطية التي يفرزها المهبل عند تهيج المرأة قبل بدء الجماع، لتسهيل عملية الايلاج. وهذه السوائل لا تلعب اي دور في خلق الجنين. وعليه فإن الجنين يُخلق من الماء الدافق الذي يخرج من الرجل. وهذه طبعاً نصف القصة، فلا بد من بويضة المرأة لتكوين الجنين، والقرآن لا يذكر دور المرأة في تكوين الجنين. وقد يكون هذا مفهوماً في ذلك الوقت اذ ان كل ما رأوه كان المني يخرج من الرجل ولم يروا البويضة.

ومن اين يخرج هذا الماء الدافق من الرجل؟ يخرج من بين الصلب والترائب. والمفسرون لم يتفقوا على ماهي الترائب. وسئل ابن عباس: ماهي الترائب؟ قال هذه الترائب، ووضع يده على صدره. واما مجاهد فقد قال: الترائب ما بين المنكبين الى الصدر. وقال سعيد بن جُبير: الترائب اربعة اضلاع من الجانب الاسفل. واما الضحاك فقد قال: الترائب ما بين الثديين والرجلين والعينين. ومعمر بن ابي المدني قال انه بلغه في قول الله عز وجل " يخرج ما بين الصلب والترائب" هو عُصارة القلب، من هناك يكون الولد. واما قتادة فيقول ان الماء الدافق يخرج من بين صلب الرجل ونحره، حسب تفسير ابن كثير. وقول قتادة هو الذي كان سائداً في ذلك الوقت، وحتى الوقت الحالي. فمعظم الناس يعتقدون ان المني يخرج من الظهر، ولذلك يقولون فلان ابن ظهر فلان. والرجل يقول هذا ابني من ظهري.

والحقيقة ان المني لا يخرج من الظهر ولا من بين الصلب والترائب. فالمني يتكون في جهاز خاص به تحت مثانة البول، يسمى البروستاتة، وكذلك من اكياس صغيرة بجنبي البروستاتة وعلى اتصال بها، تسمى " Seminal Vesicles " أي الاكياس المنوية، والحيوانات المنوية تتكون في الخصيتين، ثم يجتمع الاثنان ويخرج المني وقت الجماع ليختلط ببويضة المرأة ومنهما يتكون الجنين.

ويعلق الدكتور موريس على هذه ألآية فيقول: ( يخرج هذا الماء كنتيجة التقاء منطقة الرجل الجنسية، وهي الصلب، مع منطقة المرأة الجنسية، وهي الترائب. وهذا التفسير أكثر ملاءمة من الترجمة الانجليزية او الفرنسية التي تقول ان الماء يخرج من بين الظهر وعظام الصدر. فهذا القول يكون تفسيراً اكثر منه ترجمة) [202] . وفي الحقيقة أن الترجمة الانجليزية او الفرنسية أصدق قولاً وملاءمةً للقرآن من تفسير الدكتور.

وفي سورة " المؤمنون" الآية الثانية عشر وما بعدها تقول: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مُضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً آخر فتبارك الله احسن الخالقين ".

ونحن نعرف ان " ثم" و " ف" حروف تُستعمل لتفيد التسلسل والتتابع. ففي الآية اعلاه يقول جعلناه نطفةً في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة، اي بعد ان كان نطفة صار علقة. فخلق العلقة مضغة فخلق المضغة عظاماً ثم كسا العظام لحماً. فنفهم من هذا التسلسل المنطقي ان العظام خُلقت اولاُ ثم كُسيت لحماً. غير ان الواقع غير ذلك.

ولكن دعنا أولاً نرى ماذا يقول علماء الاسلام ومفسروه عن خلق الجنين. فقد روي الاستاذ شمس الدين بن قيّم الجوزية عن ابن مسعود انه قال: حدثنا رسول الله ( ص) وهو الصادق المصدوق: " إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ". [203]

وقال الامام أحمد، حدثنا هشيم أنبأنا علي بن زيد سمعت أبا عتبة بن عبد الله يحدث قال: قال عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (ص): "إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغير، فإذا مضت له أربعون صارت علقة، ثم مضغة كذلك، ثم عظاما كذلك، فإذا أراد الله ان يسوي خلقه بعث الله اليه الملك، فيقول الملك الذي يليه: أي رب! أذكر أم أنثى، أشقي أم سعيد، أقصير أم طويل، أناقص أم زايد، قوته وأجله، أصحيح أم سقيم؟ فيكتب ذلك كله، فهذا الحديث فيه الثقة. ,ان الحادث بعد الاربعين الثالثة – تسوية الخلق عند نفخ الروح فيه" [204]

وعلق الدكتور الذي حقق هذا الكتاب على هذا الحديث بقوله ( وهذا التوفيق ليس صحيحاً إذ أن بعث الملك في الحديث جاء بعد هذه المراحل وعبر عنه بلفظ " ثم" وهي تفيد الترتيب والتعقيب،، والتوفيق الصحيح هو ما ذكرناه آنفاً بحيث يكون في حديث ابن مسعود دخول الملك بعد الاربعين الثالثة وحديث حذيفة يبين دخول الملك بعد اربعين يوماً تالية للاربعين الثانية التي يكون فيها جمع الخلق في العلقة وهو ما عبر عنه بلفظ " بعد ما تستقر" حيث ان الاستقرار يعني تعلق النطفة في جدار الرحم)

ولا ادري أي ملك يتحدث عنه الدكتور إذا كنا نتحدث عن العلم. فعلم الاجنة كما درسناه لا يتحدث عن دخول ملائكة الى رحم المرأة الحامل لتنفخ الروح في جنينها. وقد تكون هذه وقفة مناسبة نسأل فيها الدكتور، من ينفخ الروح في أجنة الكلاب وهي في أرحام أمهاتها؟ فنحن نعلم من الاحاديث النبوية ان الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب. وبالتالي نستطيع ان نقول ان الملائكة لن تدخل رحم كلبة حبلى، فمن أين تأتي الروح لأجنة الكلاب؟ هل ينفخها الشيطان أم تدخل في الكلب دون ان تُنفخ. فإن كان الاخير، فلا داعي إذاً لملك ينفخ الروح في الجنين.

وحسب الاحاديث السالفة يستغرق الجنين من كونه نطفة فعلقة فمضغة مائةً وعشرين يوماً، ثم عشرة أيام لنفخ الروح، اي ما يزيد عن ثمانية عشر اسبوعاً ثم ينفخ فيه الروح ويُحدد له ان يكون ذكراً أو أنثى. وهذا الكلام أبعد ما يكون عن العلم الحديث. فدعنا ننظر ماذا يقول العلم عن تكوين الجنين.

علم ألاجنة أي أل " Embryology " كما يُدرّس في كليات الطب الحديثة يقول: أن الحيوان المنوي الذي يحمل ستةً واربعين من " الكروسومات"، واحد منها يسمى " اكس" وهو كروموسوم الانوثة، وواحد يسمى " واي" وهو كروموسوم الذكورة يدخل الرحم وقت الجماع ويسافر في فراغ الرحم حتى يدخل احد الانبوبتين اللتين توصلان بين المبيض والرحم، وإذا قابل بويضة الانثي التي تحمل ستةً واربعين من " الكروسومات"، أثنين منها تدعى " اكس" وهي كروموسومات ألانوثة، حصل التلقيح وابتدأت البويضة في الانقسام الى خليتين ثم أربعة ثم ثمانية وهكذا. وفي نفس الوقت تواصل تقدمها في الانبوب نحو الرحم. فإذا وصلت الرحم التصقت بجداره وواصلت انقسامها، وإذا لم تصل الرحم، تظل في الانبوب وتواصل انقسامها الى ان ينفجر الانبوب، وهذا ما يسمى بالحمل الانبوبي أي حمل خارج الرحم.

أما إذا دخلت الرحم والتصقت به وواصلت انقسامها، تنفصل الخلايا الى ثلاثة طبقات: أكتوديرم وميسوديرم واندوديرم. الطبقة الاولى يتكون منها المخ والاعصاب والجلد. والطبقة الثانية يتكون منها العظام والعضلات والاوعية الدموية. أما الطبقة الاخيرة فيتكون منهاالامعاء والرئتين والكبد والبنكرياس. وكل هذه الاعضاء تنموا بالتوازي وليس بالتسلسل.

بنهاية الاسبوع الرابع يكون طول الجنين سنتيمتراً واحداً ووزنه جراماً واحداً وقد ظهر منه الرأس والبدن والذنب وظهرت مواضع العينين. وبنهاية الاسبوع الثامن يكون طول الجنين ثلاثة سنتيمترات ووزنه اربعة جرامات وقد ظهرت منه الايدي والاصابع والارجل والاقدام بأصابعها. وهنا يكون قد ابتدأ في الظهور أول عظم بالجسم، وذلك عظم الترقوة. بقية العظام ما زالت مكونة من غضروف ولا بد ان , تترسب املاح الكالسيوم في هذه الغضاريف لتصير عظاماً. [205]

وبنهاية الاسبوع الثاني عشر يكون الجنين قد اكتمل تكوينه وصار طوله حوالي تسعة سنتمترات ووزنه ستون جراماً. وتكون المشيمة قد اكتمل نموها لتمد الجنين بالغذاء اللازم لنموه وبالاكسجين. وبنهاية الاسبوع السادس عشر يبدأ القلب في ضخ الدم حول الجسم ويبدأ الطفل الحركة داخل الرحم. وينمو الجنين بعد ذلك بسرعة كبيرة وتترسب املاح الكالسيوم في الغضاريف لتكوّن العظام.

أما كون الجنين ذكر أم أنثى فهذا يتحدد في اللحظة التي يتم فيها تلقيح البويضة، فإن خالط البويضة كروموسوم واي وهو الذكر صار الجنين ذكراً وإن خالطها كرومسوم اكس وهو كروموسوم الانوثة، صار الجنين أنثى. فالحيوان المنوي هو الذي يحدد جنس الجنين إذ أن البويضة تحمل كروموسومات الانوثة فقط، بينما يحمل الحيوان المنوي كروموسومات الانوثة والذكورة

فنحن نرى هنا انه بنهاية الاسبوع السادس عشر يكون شكل الجنين قد اكتمل وبدأ قلبه يضخ الدم وبدأ هو بالحركة، فهو إذاً حيّ يتحرك ولم تتكون منه الا أجزاء من عظام ترسب فيها الكالسيوم. ويحدث كل هذا بنهاية الاسبوع السادس عشر وليس في منتصف الاسبوع الثامن عشر كما تقول الاحاديث سابقة الذكر، عندما يدخل الملك لينفخ فيه الروح.

وكما ذكرنا سالفاً أن أول عظم يبدأ بالظهور في الجنين هو عظمة الترقوة، وتبتدئ بالظهور في الاسبوع السابع من تكوين الجنين. وبقية العظام تكون مكونة من غضروف تترسب به املاح الكالسيوم بالتدريج. وبعض العظام ( كعظام الرسغ) لا يتم تكوينها النهائي الا بعد سنوات من ولادة الطفل. فاذاً فكرة خلق العظام اولاً ثم كسوتها لحماً فكرة غير صحيحة.

وتتكرر نفس الفكرة في سورة البقرة ألآية 259 عندما أمات الله رجلاً وحماره مائة عام ثم احياه وقال له كم لبثت؟ قال لبثت يوماً او بضع يوم. فقال الله له انظر الى عظام حمارك الميت: " وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً". أي انظر الى عظام الحمار الميت كيف نربطها بعضها على بعض ثم نكسوها لحماً ثم نُحي الحمار. فهو هنا مرة اخرى يخلق العظام ويربطها ببعضها ثم يكسوها لحماً.

وحتى الاحاديث المنسوبة للنبي لا تمت للعلم بشئ. فقد ذكر ابن كثير في تفسيره للآية المذكورة اعلاه أن بعض الناس يقرأها " فخلقنا المضغة عظماً " وقال ان ابن عباس قال: هو عظم الصُلب، وروى حديث ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (ص): " كل جسد ابن آدم يبلى الا عجب الذنب، منه خُلق ومنه يُركّب". وطبعاً الانسان لا يُخلق من عظم العجب، وليس عظم العجب أقوي شئ فيه. فالمعروف ان اسنان الانسان هي اقوي شئ في جسمه إذ تتكون من مادة ال Enamel وهي آخر ما يبقى من جسم الانسان.

وفي حديث آخر قال الامام احمد حدثنا حسن بن الحسن، حدثنا ابو كدينة عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابيه عن عبد الله قال: مر يهودي برسول الله (ص) وهو يحدث اصحابه، فقالت قريش: يا يهودي، ان هذا يزعم انه نبي. فقال اليهودي: لأسألنه عن شئ لا يعلمه الا نبي. فقال: يا محمد مم يُخلق الانسان؟ قال من كلٍ يُخلق، من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة، فاما نطفة الرجل فنطفةٌ غليظة منها العظم والعصب واما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم. وطبعاً هذا الكلام لا يمت للحقيقة بشئ، ولا يستحق التعليق عليه.

وأما لماذا يشبه المولود أباه أو أمه؟ فنحن الآن نعرف أن ذلك ناتج عن جينات الوراثة التي يكتسبها الطفل من ابويه وقت تلقيح البويضة، فإذا كثرت جينات الاب صار الطفل أشبه بأبيه، وإن كثرت جينات الام ، صار أشبه بأمه. ولا بد للطفل ان يرث جينات من أمه وأخرى من ابيه وبذا يكتسب بعض الصفات من الام والبعض الاخر من الاب. ولكن أنظر ماذا يقول علماء الاسلام.

في صحيح مسلم عن عائشة: أن أمرأة قالت لرسول الله (ص) هل تغتسل المرأة اذا احتلمت فأبصرت الماء؟ فقال: نعم، فقالت عائشة: تربت يداك، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: دعيها وهل يكون الشبه الا من قٍبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل – أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه.

هذا الحديث لا شك ألفه رجال لا يعرفون أي شئ عن الفيسيولوجي. فالمرأة إذا احتلمت لا يخرج منها مني، وإذا جامعت الرجل لا يخرج منها ماء ليعلو ماء الرجل أو ليعلوه ماء الرجل. فقد ذكرنا سابقاً ان المهبل وبعض الغدد في شفائف المهبل تفرز مادة لزجة عند التهيج وقبل بدء الجماع لتسهيل عملية الايلاج، ولكن عندما تتهيج المرأة اثناء الجماع " Orgasm " فلا يخرج منها ماء حتى يعلو ماء الرجل أو يعلوه ماء الرجل.

والدكتور عبد الغفار البنداري الذي حقق كتاب ابن قيم الجوزية يعلق على هذا الحديث فيقول: ( أخرجه مسلم، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها/ والشبه هنا غير الجنس والنوع. فالشبه شئ بقدرة الله تعالى. وهو ما فُهم سببه في الطب الحديث بغلبة الصفات الوراثية التي تحملها الجينات الوراثية التي تتكون منها الحيوانات المنوية الموجودة في ماء الرجل او الجينات الوراثية التي تتكون منها خلايا البويضة الموجودة في ماء المرأة. وهذا معنى أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه). [206]

والدكتور أخطأ مرتين هنا: المرة الاولى هي أن بويضة المرأة خلية واحدة فقط وليست خلايا كما يقول، والمرة الثانية انه قال " البويضة الموجودة في ماء المرأة". وقد ذكرنا ان المرأة ليس لها ماء، والبويضة لا تسبح في ماء كما يسبح الحيوان المنوي، إنما تحركها شُعيرات صغيرة داخل الانابيب التي تصل بين المبيض والرحم.

ولسبب ما يقول القرآن عن المني أنه ماء مهين بعد أن كان ماءً دافقاً. ففي سورة السجدة ألآية 8 يقول: " ثم جعلنا نسله من سلالةٍ من ماء مهين". وفي سورة المرسلات، ألآية 20 يقول: " ألم نخلقكم من ماءٍ مهين". ولا أجد أي سبب يجعل المني مهين، لأنه لو كان المني مهين فإن الانسان الذي يُخلق منه يصير مهيناً كذلك، لأن الفرع يتبع ألاصل. لكن الدكتور موريس قدّم تفسيراً من عنده فقال: ( وصف المني بانه مهين ناتج عن كونه يخرج من مجري البول) [207] . ماذا إذاً عن الجنين وهو يخرج من الفرج الذي يخرج منه الحيض، وهو انجس شئ في الاسلام وفي اليهودية كذلك، ويخرج منه البول كذلك، رغم ان البول له مخرج خاص لكنه يفتح داخل شفائف الفرج، وبالتالي يخرج البول من الفرج، فهل يكون الفرج قذراً؟ والمني القذر هذا يُسكب في المهبل وبالتالي يجب أن يكون المهبل قذراً لانه يحتوي على مني قذر. فهل يا تُرى يكون الجنين مهيناً وقذراً لانه يخرج من المهبل؟

ونحن نعرف أن مدة الحمل عند النساء تسعة أشهر قد تزيد بأسبوعين او ثلاثة، وبعدها يموت الجنين إذا لم يولد لان المشيمة تتصلب أوعيتها الدموية بعد هذه المدة ولا تستطيع تغذية الجنين، فيموت. ولذا لا يسمح الاطباء للحمل ان يستمر اكثر من اسبوعين أو ثلاثة بعد اكتمال مدته، وفي هذا الاثناء تكون المرأة تحت مراقبة مستمرة لمعرفة حال الجنين. وعند ظهور أول علامات مضايقة الجنين من عدم وصول الاوكسجين اليه بكمية وافرة، يتدخل الاطباء لإنهاء الحمل. ولكن انظر ماذا يقول علماء الاسلام: " وأما أقصاها ( مدة الحمل) فقال ابن المنذر اختلف أهل العلم في ذلك فقالت طائفة: أقصى مدته سنتان، وروي هذا القول عن عائشة وروي عن الضحاك وهرم بن حيان: أن كل واحد منهما أقام في بطن أمه سنتين وهذا قول سفيان الثوري. وفيه قول ثاني: وهو أن مدة الحمل قد تكون ثلاث سنين. روينا عن الليث بن سعد أنه قال حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين، وفيه قول ثالث: أن أقصى مدته أربع سنين هكذا قال الشافعي. [208]

ولننظر الان الى سورة النحل، الآية 66 : " وإن لكم في الانعام لعبرةٌ نُسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ". فلنرى اولاً ماذا يقول ابن كثير في تفسيره لهذه ألآية. يقول: لبناً خالصاً اي يتخلص الدم بياضه وطعمه وحلاوته من بين فرث ودم في باطن الحيوان، فيسري كلٌ الى موطنه اذا نضج الغذاء في معدته، فينصرف منه دم الى العروق ولبن الى الضرع وبول الى المثانة وروث الى المخرج وكل منها لا يشوب الاخر ولا يمازجه. والفرث هو مافي امعاء الحيوان من فضلات ، ومنه يتكون الروث او البعر.

واي انسان لديه قليل من العلم يعرف ان اللبن لا يتكون في بطن البقرة او النعجة وانما في الضرع، وليس هناك اي مجال لاختلاط اللبن بالروث او بالدم. ولذا قوله " نسقيكم مما في بطونه من بين رفث ودم "، لا يمت للعلم بشئ.

ولكن أنظر ماذا يقول الدكتور موريس: ( التفسير الذي أوردته لهذه ألآية تفسير شخصي لان تفاسير بلاشيري وبروفسير حميد الله غير مقبوله لانه ليس هناك أي اتفاق بينها وبين الافكار الحديثة حتى على أبسط المستويات. ومن المعروف ان المترجم، مهما كانت خبرته، معرض للخطأ في ترجمة الحقائق العلمية، إلا إذا حدث أن كان هو نفسه أخصائي في ذلك المجال. وأحسن تفسير لهذه ألآية هو: ان في انعامكم عبرة لكم. فاننا نسقيكم مما في داخل أجسامها، ويأتي من منطقة اتصال محتويات الامعاء مع الدم، لبناً خالصاً.) [209] ويستمر الدكتور فيقول:

(فأنا قد أخترت " من داخل اجسامها" بدل " من داخل بطونها" لان كلمة " بطن" تعني كذلك " الوسط" أو " داخل الشئ". والكلمة ليس لها معنى محدد في لغة التشريح " Anatomy ". وفكرة مصدر اللبن تأتي من كلمة " بين" وهي أيضاً تستعمل في معنى إحضار شخصين أو شيئين مع بعض. والمواد التي يتكون منها اللبن تأتي من تغيرات كيماوية تحدث على مجرى الجهاز الهضمي. وعندما تصل درجة معينة من الهضم تتسرب وتدخل في الدورة الدموية. واللبن يفرزه الضرع ولكن الضرع يتغذى بمحتويات الدم التي أتت من الامعاء. فالدم إذاً يلعب دور حامل وموزع الغذاء الذي أتى من الامعاء. وهذه الحقائق لم تكن معروفة في أيام النبي محمد. ولأن الدورة الدموية اكتشفها وليام هارفي حوالي عشرة قرون بعد نزول القرآن، فأعتقد أن هذه ألآية واشارتها لاختلاط الغذاء بالدورة الدموية، لا يمكن ان يكون لها تفسير بشري نسبة للزمن الذي نزلت فيه) [210] .

تفسير الدكتور فيه أشياء كثيرة تستحق التعليق:

أولاً: يقول الدكتور انه بدل كلمة " بطونها " فقد اختار لتفسيره كلمة " أجسامها" لان كلمة أجسامها توافق المعنى أفضل من بطونها. فهو هنا غيّر كلمة نزلت في القرآن وبالتالي وضع نفسه في مكان من يصحح الله، وهذا طبعاً غير مقبول لأهل الدين.

ثانياً يقول الدكتور انه اختار كلمة اجسامها لأن كلمة البطن ليس لها تعريف محدد في علم التشريح. وبما أن الدكتور جراح فهو يعرف أن كلمة بطن " Abdomen " معرّفة تعريفاً دقيقاً في علم التشريح. فهي المنطقة الواقعة بين الحجاب الحاجز " Diaphragm " والحوض،وتحدها الخاصرة من كل جانب. فالدكتور هنا اما انه لم يتبع الامانة العلمية او انه يجهل تعريف البطن، وهو شئ مستبعد

وثالثاً يقول الدكتور أن المفسرين مهما كان علمهم باللغة معرضون للخطأ إلا إذا كانوا علماء متخصصين في ذلك الفرع المعين من العلم. فإذاً نستطيع أن نقول أن كل التفاسير التي بحوزتنا يجب أن نرميها في البحر إذا كانت تتعلق بتفسير أي آية فيها شئ من علم الفلك أو الفيزياء أو الكيمياء، لان المفسرين القدماء لم يكونوا اخصائين في هذه العلوم. ويقودنا هذا الى أن نسأل لماذا خاطب الله العرب بلغة علمية لا يفهمون معناها وهو كان يريد اقناعهم ليسلموا؟

ولننظر الان الى المياه الحلوة والمالحة. ففي سورة الرحمن، الآية التاسعة عشر وما بعدها: " مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فباي الاء ربكما تكذبان، يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ". وكلمة " مرج " تعني " خلط "، لان " المروج " هي الحقول الشاسعة الخضراء، كأنما اختلط حقلٌ بحقل، فصارت مروجاً شاسعة. ويقول المعجم الوسيط: مرج تعني خلط [211] . وفي القاموس المحيط للفيروز آبادي: المرج تعني القلق والاضطراب والاختلاط. ولكن ابن عباس يقول (" مرج " يعني ارسلها، وقوله " يلتقيان" قصد به انه منعهما ان يلتقيا، بما جعل بينهما من برزخ.) واما البحر الحلو فهو الانهار. وطبعاً كل هذا اللف والدوران هو محاولة للخروج من مأزق " مرج البحرين يلتقيان" و " بينهما برزخ لا يبغيان". والواضح ان المقصود انه خلط الماء العذب من الانهار بماء البحار. وكل انهار العالم المعروفة تصب في البحار، ماعدا بعض الشواذ التي تصب في بُحيرات، فكيف يقولون انه جعل بينهما برزخاً فلا يلتقيان، لا يمكن تفسيرها تفسيراً علمياً.

وماذا عن " يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان". فأولاً، اللؤلؤ معروف ولكن لا احد يعرف ما هو المرجان. فقد قيل انه صغار اللؤلؤ، قاله مجاهد وقتادة والضحاك ورُوي كذلك عن عليّ. وقيل هو كباره وجيده، حكاه ابن جرير عن بعض السلف، وقيل هو نوع من الجواهر احمر اللون. قال السدي عن ابن مالك: المرجان الخرز الاحمر. فواضح اولاً ان كلمة " المرجان " ادخلت في الآية لتماشي السجع، وليس لها معني مفهوم للعرب رغم ان القرآن نزل بلسان عربي. وثانياً، يُفهم من قوله " يُخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " ان اللؤلؤ يخرج من البحر ومن النهر، وهذا بالتأكيد غير صحيح، فليس هناك نهر بالعالم به لؤلؤ.

وفي سورة الفرقان، الآية 53: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فراتٌ وهذا مالحٌ اُجاجٌ وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً ". ولا جديد في هذه الاية ولا تخدم غرضاً غير التكرار. ولكن في سورة فاطر، ألآية 12: " وما يستوي البحران هذا عذب فراتٌ سايغ شرابه وهذا ملحٌ أجاج ومن كلٍ تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حليةً تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون". وهنا كذلك يخبرنا القرآن اننا نستخرج حليةً من الانهار، وليس هذا بصحيح.

الفصل السادس

منطق القرآن:

بما ان الرسول لم تكن له معجزات مثل موسى او عيسى، فقد حاول اقناع عرب الجاهلية بالمنطق، ولكن منطق القرآن لا يستقيم والمنطق المعروف لدينا الآن. فاذا اخذنا مثلاً سورة الكهف، الآية 22، عندما سأل اهل مكة النبي عن عدد اهل الكهف: " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي اعلم بعدتهم". فأي منطق هذا لاقناع الناس بان القٌرآن من عند الله. هم كانوا يعلمون ان الله اعلم ولذلك سألوا النبي ان يخبرهم بعدد اهل الكهف، ولكن بدلاً من الاجابة المباشرة بعددهم، يخبرنا القرآن ما قال الناس عن عددهم، ويخبرنا أن كل هذا القول تخمين. فلماذا إذاً لا يخبرنا هو بالعدد الحقيقي حتى لا يكون هناك داعي للتخمين؟

واخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس قال: أتت أمرأة النبي فقالت: يا نبي الله، للذكر مثل حظ الانثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل كذا، ان عملت المرأة حسنةً، كُتبت لها نصف حسنة؟ فكان رد النبي بالآية 32 من سورة النساء: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسالوا الله من فضله ان الله كان بكل شئ عليماً". فأين الجواب على سؤال المرأة ان كان سيكتب لها نصف حسنة ام حسنة كاملة. كل ما أخبرها به القرآن هو ألا تتمنى ما فضل الله به الرجال على النساء. وهذا هو شأن القرآن في كل الاسئلة التي وُجهت للرسول.

فمثلاً لما سألوه عن الروح، أجاب: " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي". وفي الآية 189 من سورة البقرة: " يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج". وهذه هي نفس الفكرة التي عبرت عنها التوراة: " وقال الله: لتكن نيراتٌ في جَلد السماء بين النهار والليل وتكون علاماتٍ للمواسم وألايام والسنين" [212] وعرب الجاهلية كانوا يعرفون ان الاهلة مواقيت للحج وكانوا يعرفون بها الاشهر الحرم وغيرها، وكذلك كان يهود مكة على علم أن الاهلة مواقيتٌ للناس، ولكنهم سألوا النبي ليشرح لهم كيف يكون القمر هلالاً ثم يكبر ويصير قمراً. ولكنه لم يكن يدري، فأخبرهم بانها مواقيت للناس.

وان نظرنا ماذا قال الله لزكريا لما طلب منه معجزة ليريها قومه عندما علم أن أمرأته ستلد له ولداً وهو رجلٌ كهل وأمرأته كانت عاقراً: " قال رب اجعل لي آيةً قال آيتك الا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سوياً" [213] . فهل اذا رفض زكريا ان يكلم الناس ثلاث ليالي تكون هذه معجزة؟

وفي نفس سورة مريم، الآية 26، قال لمريم: " فكلي واشربي وقري عيناً فإما ترين من البشر احداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم انسياً". فكون مريم نذرت الا تكلم انساناً في ذلك اليوم، لن يُقنع احداً انها حبلت بعيسى من دون ان يمسسها بشر، وكان الاولى بها ان تكلمهم وتحاول شرح الحمل لهم بدل ان تصوم عن الكلام. والشئ الغريب ان الله امرها اذا رأت من البشر احداً ان تقول له اني نذرت للرحمن الا أكلم اليوم انسياً. وبديهي اذا قالت كل هذه الجملة الطويلة لكل من قابلها من البشر، تكون قد كلمتهم طوال اليوم وبطل نذرها.

وفي سورة البقرة، الآية 258، عندما تجادل الملك النمرود بن كوش مع ابراهيم: " ألم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان آتاه الله الملك اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال انا احيي واميت قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبُهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين". وهذا طبعاً ابسط انواع المنطق، واسهله في قلب الامور رأساً علي عقب. فبدل ان يُبهت النمرود كان ممكناً وبكل سهولة ان يقول لابراهيم: بل اجعل ربك يأتي بالشمس من المغرب وسأتي أنا بها من المشرق مرةً أخرى. وطبعاً في هذه الحالة كان ابراهيم سيكون الذي بُهت.

وفي سورة هود، الآية 46 عندما رفض ابن نوح الركوب معه في السفينة: " قال يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم". فقال له نوح في الاية اللاحقة: " قال رب اني اعوذ بك ان اسالك ما ليس لي به علم". وطبعاً الانسان دائماً يسأل عما ليس له به علم. فلو كان له به علم لصار السوال اضاعة للوقت والجهد.

ولما طلب اهل مكة من النبي ان ينزل لهم معجزةً، اجابهم الله في سورة الاسراء، الآية 59: " وما منعنا ان نرسل الآيات الا ان كذب بها الاولون". وألآيات هنا تعني المعجزات. فرفض الله ان ينزل على محمد معجزة لان الاولين كذبوا بها. فدعنا نستعرض بعض هذه المعجزات. فلنبتدئ بداود الذي سخر له الحديد وسخر له الريح وجعل الجبال تؤب اي تسبّح معه، فكذبه قومه. ثم، كما يٌخبرنا القرآن، ارسل الله من بعد داود ابنه سليمان وعلمه لغة الطير وسخر له الجن والريح والحيوانات كلها واعطاه مالاً وحكماً عظيماً. وكذبه قومه. ثم اخرج لثمود ناقةً من الصخر، فلم يصدقوا نبيهم وعقروا الناقة. وبعد فترة ارسل الله موسى واعطاه بدل معجزة واحدة تسع معجزات حسب الآية 101 في سورة الاسراء: " ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيناتٍ ". ولم يؤمن بنو اسرائيل، ولكن لم يمنع هذا الله من انزال المعجزات على عيسى، فجعله يكلم الناس في المهد، ويحيي الموتى، ويشفي المرضى، وانزل له المن والسلوى من السماء. فاذا كان كل هولاء الانبياء طلبوا المعجزات واعطاهم اياها الله رغم ان الذين قبلهم قد كذبوا بها، لماذا منع آخر نبي من المعجزات لان الذين سبقوا كذبوا بها؟ والجواب طبعاً أنه ما كان في مقدور محمد أن ينزل لهم مائدةً من السماء او يًحيي لهم موتاهم فقال لهم ان الله لم ينزل لهم معجزات لان الذين سبقوهم كذبوا بها.

وسورة الزخرف الآية 33 تقول: " ولولا ان يكون الناس امةً واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون، ولبيوتهم ابواباً وسرراً عليها يتكون، وزخرفاً وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين". ومعنى هذه الايات هو لولا ان يخاف الله ان يصير كل الناس كفاراً لجعل للكافرين ابواباً وسقوفاً ودرجاً لبيوتهم من الفضة ولزخرفها لهم بالذهب ليريهم ان كل هذا جزء يسير من خيرات الاخرة. ولو اخذنا في الاعتبار ان هذه السورة نزلت بمكة لما كان عدد المسلمين لا يتجاوز العشرات، وكل قريش كانت كافرة، ضاع علينا منطق القرآن لان اهل مكة اصلاً كانوا امة واحدة في الكفر باستثناء عدد بسيط من المسلمين. وحتى لو تجاوزنا عن هذا، فليس منطق القرآن بمقنع هنا لانه لو صارت كل منازل الكفار من الفضة، وهم الاغلبية في مكة في ذلك الحين، لاصبحت هذه البيوت شيئاً مألوفاً طبيعياً لا تؤثر في معتقدات الناس. فلو نظرنا الى دول الخليج الان، نجد ان بإمكانهم سقف منازلهم بالفضة لو شاءوا وكذلك جعل ابوابها ودرجها من الفضة، ولكن هذا لم يجعلهم يكفرون بالله ويتخلون عن الاسلام. ونرى ان المنطق الاكثر اقناعاً هو ان يجعل الله بيوت المسلمين الاوائل في مكة من الفضة حتى يُري الكفار ان الله قادر على مكافأة المسلمين في هذه الحياة وفي الحياة الاخرى.

واذا نظرنا للآية الخامسة عشر من سورة محمد نجدها تقول: " مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير آسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين ". فاذا كان الخمر يصلح ان يكون جائزة للمتقين الذين يخافون الله ويفعلون كل ما امر به الاسلام، لماذا حُرمت الخمر في هذه الحياة؟ او اذا وضعنا السؤال بطريقة مختلفة: اذا كان من الممكن في هذه الحياة ان يشرب الانسان ماءً غير آسن ولبناً لم يتغير طعمه وخمراً لذيذ الطعم لذة للشاربين، فماذا يغريه بالعمل الصالح لكي يدخل الجنة غير الحياة الازلية. فالاشياء الاخرى مثل بنات الحورالجميلات والفواكه العديدة والولدان الذين اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً، فكلها يمكن الحصول عليها هنا. اما الأسرة المصنوعة من ذهب او زبرجد فليست مغرية للغالبية العظمى من الناس. فالحياة الازلية هي الشئ الوحيد الذي لا يوجد في هذه الحياة.

ولما لم يكن هذا شيئاً محسوساً ولا يمكن تبيانه للناس لجأ القرآن للتهديد والوعيد بنار جهنم التي يفوق وصفها في القرآن وصف اي شئ آخر. فدعنا نقرأ ما كتب الشيخ محمد سيد طنطاوي، شيخ الازهر الشريف، عن حديث القرآن عن يوم الحساب: (من ألاساليب الحكيمة لتعميق الايمان، تذكير الناس بأهوال هذا اليوم، ومن ألآيات القرآنية التي صورت أهوال هذا اليوم تصويراً ترتجف له القلوب، قوله تعالى: "يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" [214] . وقد أفتتح سبحانه هذه السورة الكريمة بهذا الافتتاح الذي تهتز له النفوس، لكي يزداد الناس إيماناً على إيمانهم، ويقيناً على يقينهم بأن يوم القيامة حق، وان الثواب والعقاب فيه صدق)

وصف مروّع ولا شك، ولكن هل يحتاج الذين آمنوا الى مثل هذا التخويف ليزيدوا ايمانهم، كما قال الشيخ طنطاوي؟

ويستمر الشيخ طنطاوي في تخويف الناس بيوم الحساب فيقول: ( وفي موطن ثالث يذكّر القرآن بأهوال يوم القيامة بأسلوب فيه ما فيه من التهديد والوعيد لمن كذب بهذا اليوم، فيقول سبحانه: "فإذا برق البصر. وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الانسان يومئذ أين المفر. كلا لا وزر. الى ربك يوميذ المستقر. ينيأ الانسان يومئذ بما قدم واخر. بل ألانسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيرة" [215] . والحق ان حديث القرآن عن أهوال يوم الحساب حديث لا تكاد تخلوا منه سورة من سور القرآن الكريم، وأقرأ على سبيل المثال الجزء الاخير من اجزاء القرآن الكريم، تجده مع أن سوره من السور القصيرة نسبياً، زاخراً بالحديث عن أهوال يوم القيامة) [216]

وسورة الحج تصف العذاب الذي يتعرض له الذين لم يؤمنوا بالله:

19- " هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُطّعت لهم ثيابٌ من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم"

20- " يُصهر به مافي بطونهم والجلود"

21- " ولهم مقامع من حديد"

22- : كلما أرادوا ان يخرجوا منها من غمٍ أُعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق"

ويصف الله نفسه بالرحمة ويذكرنا في بداية كل سورة انه هو الرحمن الرحيم، فهل بعد هذا الوصف للعذاب يبقى هناك مكان للرحمة؟ والناس الذين درسوا التوراة دراسة علمية يقولون أن إله موسى إله غاضب وشرس، مولع بالحروب وقتل الناس، والتوراة لا تصف عذاب يوم القيامة بمثل هذا الوصف المخيف. ولا غرو أن القرآن ملئ بالتهديد والوعيد لانه حاول إقناع الناس بمنطقه الذي تحدثنا عنه سابقاً ولم يفلح في إقناعهم، فما بقي له غير التهديد والوعيد.

ولما كان الحديث عن الجنة والنار، دعنا ننظر للآية 23 من سورة الحج: " ان الله يدُخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار يُحلون فيها من اساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير". وعلماء الدين قد حرّموا لبس الذهب على الرجال، وفي الصحيح: " لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا فانه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة". فما الحكمة في تحريم الخمر والذهب والحرير علي الرجال ووعدهم انهم اذا عملوا صالحاً ستكون مكافأتهم نفس هذه الاشياء في الجنة.

وفي سورة الحجرات ، الآية السابعة عشر عندما جاء بنو اسد للنبي وقالوا له ها نحن اسلمنا دون قتال، قال الله لهم: " يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا عليّ اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين ". ونحن نعلم ان الله يهدي من يشاء، وهذا هو قد هدى بني اسد للاسلام ولكن لماذا يمن عليهم ان هداهم، اليس الغاية من ارسال الرسول ان يسلم اكبر عدد ممكن من الناس؟ ويستغرب الانسان لهذا المن من الله علي بني اسد، خاصة لما نعرف ان الله، في سورة المدثر، الآية السادسة، امر محمد الا يمنن: " يا ايها المدثر، قم فانذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكبر ". فكيف ينهى محمد عن المن ويمن هو؟

ومرة اخرى يصعب علينا متابعة منطق القرآن، ففي سورة الحديد، الآية 21، نجده يقول: " سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للذين آمنوا بالله". وقد رأينا في الفصول السابقة ان عرض السماء لا حدود له والارض ليس لها عرض لانها كرة. ولكن نستنتج من هذه الاية ان الجنة من الكبر بمكان يصعب معه حتى تخيل حجمها. والسؤال الذي يطرأ على ذهني هو: لماذا يريد الله ان يخلق الجنة بهذ الحجم وهو يخبرنا في سورة الواقعة، الآية الثانية عشر وما بعدها: " في جنات النعيم، ثُلة من الاولين، وقليل من الآخرين". والله يخبرنا هنا ان ثُلة اي عدداً بسيطاً جداً من الاولين وقليل من الآخرين سيدخل الجنة، لان الغالبية من الناس كلما جاءهم رسول كفروا به ولذلك لن يدخلوا الجنة.

فاذا كان هذا هو الحال، لماذا كل هذه الجنة التي لا حدود لها، ولن يدخلها الا عدد بسيط من الناس. وحتى في هذا العدد القليل من الناس يكون المسلمون اقلية، ففي حديث عن النبي انه قال: " اني لأرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة". واذا كان هذا العدد البسيط من الناس سيدخل الجنة والغالبية العظمى من الناس سيذهبون الى جهنم، وخاصة ان الله يقول: " وما منكم الا واردها"، والحديث هنا عن جهنم، وقال علماء الاسلام ان كل البشر سيردون جهنم ولكن اهل الجنه سيكون ورودهم مؤقتاً ولفترة وجيزة ثم يذهبون للجنة. فاذا كانت كل هذه البلايين من البشر سترد جهنم، فلا بد ان يكون حجم جهنم اضعافاً مضاعفةً من حجم الجنة التي سيدخلها قليل من الناس.

وهذه الجنة عرضها السموات والارض، وليس هذا فحسب، بل هناك جنتان لمن خاف مقام ربه: " ولمن خاف مقام ربه جنتان" [217] . وحتى الجنتان هذه سيكون من دونها جنتان: " ومن دونهما جنتان" [218] . وقال جريج هن اربع جنات، وقال القرطبى: ويحتمل ان يكون " ومن دونهما جنتان" لأتباعه أي اتباع محمد، لقصور منزلتهم عن منزلته، احدهما للحور العين والاخرى للولدان المخلدين ليتميز بهما الذكور عن الاناث. فإين إذاً ستكون جهنم؟

ويكرر القرآن اسئلة عديدة مالها اجابة مقنعة. فمثلاً في سورة الغاشية، الآية السابعة عشر، يسأل: " أفلا ينظرون الى الابل كيف خُلقت". وما كان احد في تلك الايام يدري كيف خُلقت الابل. وخلق الابل في حد ذاته لا يختلف عن خلق القطة او الفأر.. ولكن القرآن اختار الابل للتهويل لان حجمها كبير، رغم ان هذا لا يؤثر في عملية الخلق. ولا بد ان نفترض ان الله قد خلق الديناصورات وحجمها اضعاف حجم الابل، لكنه لم يضرب بها المثل. وقد يقول قائل ان الله لم يضرب بها المثل لانها انقرضت ولم يشاهدها اهل مكة. ولكن نفس أهل مكة هولاء لم يروا في تلك الايام، وحتى عهدٍ قريب، الرمان، لكون مكة صحراء لا ينبت فيها شجر الرمان " ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم" [219] . ولكن هذا لم يمنع القران من أن يذكرهم ان الله سيجازيهم بجنة يأكلون فيها الرمان " فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمان". [220]

ونجد عدة اسئلة من هذا النوع، مثل: " الم ينظروا الئ السماء كيف خُلقت" او " ألم يروا كم اهلكنا قبلهم من قرن". وفي سورة الحج، الآية 70: " ألم تعلم ان الله يعلم مافي السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير". وكيف نعلم ان الله يعلم مافي السماء والارض؟ وفي الآية 63 من نفس السورة: " ألم تر ان الله انزل من السماء ماءً فتصبح الارض مخضرة ان الله لطيف خبير". فمنذ ان نشأ الانسان على وجه الارض وهو يرى الماء ينزل من السماء، فما الدليل ان الذي انزله هو الله؟ فنحن نعلم الان قوانين الطبيعة التي تتحكم في نزول الامطار ولكن ليس لدينا اي برهان ان الله هو الذي خلق هذه القوانين. والغريب في الامر ان القرآن يضرب اغلب امثلته بالمطر والزرع وأهل مكة ما كانوا يرون المطر الا مرة كل عدة سنوات، ولذا كان العرب رُحلاً للبحث عن الكلأ والمرعى. وحتى عندما اسلمت كل الجزيرة العربية لم ينزل الله مطراً عليها كما ينزله على بلاد أخرى، لتصبح مخضرة كما قال.

وفي سورة الانبياء، الآية 30: " أولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما". وطبعاً لم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا ملتصقتين ثم فتقهما، لان ذلك ان كان قد حدث، فحدوثه كان قبل ان يُخلق الانسان، فكيف يكون الانسان قد راى ذلك؟

والقرآن يحاول اقناع الناس بانه من عند الله بان يؤكد عدة مرات ان الله يعلم ما في الارحام، فمثلاً في سورة الرعد، الآية الثامنة: " والله يعلم ما تحمل كل انثي وما تغيض الارحام". ويستطيع الاطباء الان بان يعرفوا اذا كان الجنين ذكراً او انثي، واحداً أم أكثر، وهو بعد في رحم امه. بل اكثر من ذلك انه بامكانهم الان اختيار نوع الجنين قبل ان يزرعوه في الرحم، بل ويمكنهم ان يجروا عليه عمليات جراحية وهو ما زال في الرحم. فهل كون الله يعلم مافي الارحام، منطق كافي لاقناع الناس بوجود الله وبان القرآن من عنده؟

القرآن والارادة:

عندما يقرأ الانسان القرآن، يسيطر عليه شيئان: الاول هو الخوف من نار جهنم والعذاب الذي يصفه القرآن وصفاً دقيقا ومرعباًً، والشئ الثاني هو عدم مقدرة الانسان علي تغيير مجرى الاحداث، اذ ان كل شئ مكتوب ومسطر للانسان من قبل ان يولد. فمثلاً لو اخذنا سورة الحديد، الآية 22: " ما اصاب من مصيبةٍ في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير". فيخبرنا الله هنا انه قد قدر كل شئ من قبل ان يبرأ او يخلق الارض ومن عليها. وكأن هذا لا يكفي، فيؤكد لنا الحديث نفس الشئ، يقول ابن كثير في تفسيره للآية: حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا اخبرنا ابو هانئ الخولاني انه سمع ابا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: " قدر الله المقادير قبل ان يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة". ورواه مسلم في صحيحه

وهاهم الانبياء انفسهم يتحاجون ويتلاومون بما قٌدر لهم، ففي تفسير الآية 122 من سورة طه، نجد ابن كثير يقول: قال البخاري حدثنا قُتيبة حدثنا ايوب بن النجار عن يحيي بن ابي كثير عن ابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي (ص) قال: " حاج موسى آدم فقال له انت الذي اخرجت الناس من الجنة بذنبك واشقيتهم؟ قال آدم ياموسى انت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله قبل ان يخلقني، او قدره الله عليّ قبل ان يخلقني؟". فحتى آدم ليس مقتنعاً أن الذنب الذي أرتكبه كان بمحض إختياره.

وحتى موضوع الايمان بالله وبرسوله ليس في ايدينا، فهذه هي الاية الثانية من سورة التغابن تخبرنا: " هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ والله بما تعملون بصير". وشرح هذه الاية يقول: هوالخالق لكم على هذه الصفة واراد منكم ذلك فلا بد من وجود كافر ومؤمن وهو البصير بمن يستحق الهداية. اي بمعنى آخر حتى لو اردت ان تؤمن، لا يمكن لك ان تؤمن الا اذا كان الله قد قدر انك تستحق الهداية وكتب ذلك لك في اللوح المحفوظ

وهاهي الآية 13 من سورة السجدة تخبرنا لماذا لم يهدي الله الناس كلهم: " ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملان جهنم من الجٍنة والناس اجمعين". وبما ان جهنم لا تمتلئ " فنقول لها هل إمتلات فتقول هل من مزيد"، يجب ان يظل اكثر الناس كافرين حتى يملأ الله جهنم بهم لانه سبق منه القول بذلك، والله لا يخلف قوله.

ومرة اخرى يخبرنا القرآن في سورة النحل الآية 93 ان الايمان لا يكون الا بإرادة الله: " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون". فهو يضل من يشاء ثم يسألهم عما كانوا يعملون. فهل يستوي هذا المنطق مع الارادة الحرة؟

ويظهر ان الله يختم على قلوب من اختارهم للكفر حتى لا يفهموا القرآن فيؤمنوا به، ففي الآية 46 من سورة الاسراء نجد: " وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهون وفي آذانهم وقراً واذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفوراً". والآية 111 من سورة الانعام تقول: " ولو انا انزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قُبلاً ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون". فاذاً كل محاولات الانسان الغير مسلم ان يفهم القرآن ويؤمن به لا تجدي الا اذا كان الله قد قرر مسبقاً لهذا الفرد ان يؤمن، والا سيجعل الله في آذنه وقراً وسيطبع على قلبه فلا يؤمن.

وسورة يونس، الآية 100 تكرر لنا نفس الرسالة: " وما كان لنفسٍ ان تؤمن الا باذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون". وفي نفس سورة يونس الآية 99، نعلم: " ولوشاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً، أفانت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين". وفي سورة هود الآية 118: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين". ونحن نعلم من القرآن ان الانسان لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وانما هو مُسيّر حسب ما قدر الله له، فالآية 49 من سورة يونس تقول: " قل لا املك لنفسي ضراً ولا نفعاً الا ما شاء الله".

وقد يُرسل الله الرسل بلسان قومهم ليشرحوا لهم رسالة الله، ولكن هولاء الناس لا يملكون الخيار في ان يؤمنوا او يكفروا، فالآية الرابعة من سورة ابراهيم تقول: " وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء".

والآية التاسعة من سورة النحل تؤكد لنا عدم مقدرتنا عل تقرير مصيرنا: " وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء الله لهداكم اجمعين". وحتى الرسول نفسه ما كان بأمكانه ان يهدى من احب، كما حدث لابراهيم من قبله عندما حاول ان يهدي اباه للدين الجديد، فما استطاع ذلك. والآية 56 من سورة القصص تؤكد لنا ذلك: " انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين".

وقد رأينا مما تقدم ان الانسان ليست له ارادة ليقرر لنفسه ما يفعل، واكثر من ذلك نجد ان الاسلام يأتي في قصصه بأمثلة تؤكد ان الحساب والعقاب لا يعتمد على ما فعل الانسان وانما يمكن معاقبته بما فعل غيره. فاذا اخذنا مثلاً قصة قوم لوط، لرأينا ان الغالبية العظمى منهم لم يرتكبوا اي ذنب، فنصفهم كان نساء وحوالى الخُمس او السدس كانوا اطفالاً لا يعلمون شيئاً عن الممارسات الجنسية التي كان يمارسها بعض الرجال في المدينة، ولابد أن أغلب الرجال كانوا طبيعيين من الناحية الجنسية بدليل انهم جامعوا نساءهم وانجبوا أطفال المدينة، ونستطيع أن نقول أن عدداً غير كبير من الرجال كان منحرفاً جنسياً وأرادوا مضاجعة ضيوف لوط، ولكن لما جاء عذاب الله، محا المدينة عن الوجود بكل من فيها، المذنب والبرئ، بما فيهم الاطفال.

ويظهر ان القرارات الالهية لا تلتزم بنفس العقاب لذات الاثم، فاذا كان الله قد غضب على قوم لوط ولم يمهلهم لليوم الآخر، وهم قد ارتكبوا اثم اللواط في مدينة واحدة، فلماذا يصبر الله على الملايين الذين يمارسون اللواط الان في كل مدن وقرى المعمورة، وهم يمارسونه من قبل ظهور الاسلام وحتى يومنا هذا، ولا يخفونه كما كان يحدث في الماضي؟ بل صاروا يعقدون الجيزات للمرأة على المرأة، وللرجل على الرجل. وها نحن نقرأ في الصحف يومياً عن القساوسة الذين مارسوا الجنس مع أولاد صغار ممن ينشدون الاناشيد في الكنائس، ولا بد أن هناك مشائخ في العالم الاسلامي يفعلون نفس الشئ. فلماذا لم يعاقبهم الله كما عاقب قوم لوط؟ ولا بد أن يقول شيخ الاسلام إن الله يمهل ولا يهمل، ونقول لهم لماذا إذاً لم يُمهل الله قوم لوط؟

وقد سأل موسى ربه ان كان يريد ان يعاقبهم بما فعل السفهاء منهم، كما فعل بقوم لوط، في الآية 149 من سورة الانعام: " واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما اخذتهم الرجفة قال ربي لو شئت اهلكتهم من قبلي وأياي، أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، ان هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء". فهاهو النبي موسى الذي تكلم مع الله مباشرةً يقول له كيف تعاقبنا بما فعل السفهاء منا؟ وحتى هولاء السفهاء ما فعلوا ما فعلوه الا بعد ان فتنتهم أنت، فهي فتنتك تضل بها من تشاء.

ويظهر ان عمل الانسان في هذه الحياة لا يُعتمد عليه في الدخول الى الجنة او النار، وانما يعتمد كل شئ على القرار الاولي الذي اتخذه الله قبل ان يُخلق الانسان. ولنقرأ هذا الحديث النبوي لنعلم مدى صحة هذا القول: حدثنا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله – وهو ابن مسعود – قال: حدثنا رسول الله (ص) وهو الصادق المصدوق " ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل اهل النار فيدخلها، وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيُختم له بعمل اهل الجنة فيدخلها". فاذاً المسالة مسالة حظ ونصيب، ليس الا.

ويبدو ان بعض الانبياء لا يريدون لقومهم ان يؤمنوا قبل ان يروا عذاب الله، فهذا هو موسى عندما بُعث الى فرعون وقومه، يطلب من الله ان يشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب، وهو يوم القيامة، كما نرى في الآية 88 من سورة يونس: " وقال موسى ربنا انك اتيت فرعون وملأه زينةً واموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم". وليس غريباً ان نفس هذه ألآية موجودة في التوراة: " وأقسى الرب قلب فرعون فلم يؤمن بموسى عندما كلمه الله" [221]

ويبدو ان الله نفسه قد ختم على قلوب بعض الناس ومنعهم ان يؤمنوا قبل ان يريهم العذاب الاليم، كما نرى في الآية 96 وما بعدها من سورة يونس: " ان الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم".

المتناقضات في القرآن:

هناك آيات كثيرة في القرآن يصعب اخضاعها للمنطق. والقرآن في هذا كبقية الاديان السماوية الاخرى، لا يخضع للمنطق، وعلي الانسان اما ان يؤمن بما جاء في الاسلام دون التفكير فيه منطقياً، او اخضاعه للمنطق وادخال الشك الى نفس الانسان. وتعريف الايمان " Faith " هو: التصديق بشئ دون تمحيص ". أي دون برهان. وعليه فان أغلب المؤمنين لا يُخضعون ايمانهم للمنطق حتى لا يتزعزع هذا الايمان. والذي يدفع الانسان لاخضاع الاسلام للمنطق هو اصرار بعض العلماء المسلمين على محاولة جعل القرآن يحتوي على كل شئ من الدين والدولة والعلم، واصرارهم ان القرآن سبق العلم الحديث في تفسير الظواهر الطبيعية. وعليه سنحاول اخضاع بعض آيات القرآن للمنطق.

فلنبدأ بالآية الرابعة من سورة ابراهيم: " وما ارسلنا من رسولٍ الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحليم". والآية السابعة من سورة الشورى تقول: " وكذلك اوحينا اليك قرآناً عربياً لتنذر ام القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير". فالذي يُفهم من هذين الآيتين، حسب المنطق، هو ان الله لا يرسل رسولاً لامة الا بلسانها، ولما ارسل محمداً بلسانٍ عربي لينذر ام القرى، اي مكة، ومن حولها، يكون المقصود بالرسالة هم العرب. ولكن في سورة اخري يخبرنا القرآن ان الاسلام اُنزل مصدقاً ومتمماً للكتب التى سبقته، وكذلك ارسل الله محمداً بالاسلام ليظهره على الدين كله. أي بمعنى آخر، ارسل محمداً لكل البشر رغم ان القرآن نزل باللغة العربية.

ولكن في سورة فصلت الآية 44 نجد: " لو جعلناه قرآناً اعجمياً لقالوا لولا فُصلت آياته، أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء". فاذاً لو جعل الله القرآن اعجمياً لاحتج العرب ولقالوا لولا فُصلت آياته لنا بلغتنا، ولما كان علماء المسلمين يصرون على ان اعجاز القرآن في لغته، يجوز اذاً لغير العرب ان يقولوا ان الله لم يرسل رسولاً لقوم الا بلغتهم، وما دام القرآن ليس بلغتنا، فهو ليس لنا لان ترجمته الى لغاتنا تفقده اعجازه اللغوي، وبما ان محمد لم تكن له معجزات مادية كغيره من الانبياء، وكل معجزته هي لغة القرآن، فاذا فُقدت هذه المعجزة نتيجة الترجمة فقد القرآن قيمته الاقناعية.

وسورة الشعراء تؤكد لنا ذلك في الآية 193 وما بعدها: " نزل به الروح الامين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسانٍ عربي مبين، وانه لفي زُبر الاولين، أولم يكن لهم آيةً ان يعلمه عُلماء بني اسرائيل، ولو نزلناه على بعض الاعجمين، فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين، كذلك سلكناه في قلوب المجرمين، لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم". فهاهو الله يخبرنا انه لو نّزل هذا القران العربي على بعض الاعجمين لم يؤمنوا به حتى يروا العذاب الاليم، وهو يوم القيامة.

وفي نفس الوقت الذي يخبرنا فيه القرآن ان الاسلام هو الدين المنزل لكل الناس، نجد فى الآية 47 من سورة المائدة: " وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون". وفي الآية 68 من نفس السورة: " قل يا اهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والانجيل وما اُنزل اليكم من ربكم". ومعنى هاتين الايتين ان اهل الكتاب من نصارى ويهود يجب ان يتبعوا الانجيل والتوراة ويحكموا بما انزل الله فيهما. ولا بد ان سيقول علماء الاسلام ان هاتين الآيتين منسوختان. ولكن كونهما انزلتا في المكان الاول يدل على ان الله اراد لاهل الكتاب ان يُحّكموا التوراة والانجيل لفترة من الزمن بعد ارسال محمد والى حين النسخ، إذا كانتا فعلاً قد نُسختا.

ويذهب القرآن الى ابعد من هذا ويقول في الآية 69 من نفس السورة: " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". وبما ان اليهود والنصاري يؤمنون بالله واليوم الاخر، فان من عمل منهم صالحاً فلا خوف عليه ولا حاجة به لان يكون مسلماً. ولكن كيف يعللون ان الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فالصابئون اصلهم من فارس وكانوا يعبدون الاصنام. وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية انها نزلت في أصحاب سلمان الفرسي. ولما كان سلمان من المقربين الى الرسول، جلس اليه يوماً وأخبره عن الصابئين وانهم كانوا يؤمنون بمحمد قبل ان يُبعث. فقال له الرسول انهم من اهل النار، وحز هذا في نفس سلمان الفارسي وحزن لهم، فأنزل الله هذه ألآية وقال إن الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وليس هناك في تاريخ فارس ولا فيما وُجد من حفريات شئ يدل على ان الصابئين كانوا أهل دين منزل أو انهم كانوا مؤمنين بمحمد قبل أن يُبعث. فإذاً الصابئون أُضيفوا الى قائمة الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، إرضاءاً لسلمان الفرسي لانه حزن لهم لما أخبره الرسول انهم من أهل النار.

ولما جاء نفر من اليهود يحكّمون النبي في خلاف نشب بينهم، قال الله له في الآية 43 من سورة " المائدة: " وكيف يحكموك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما اؤلئك بالمؤمنين ". فنفهم من هذا ان حكم التوراة هو نفس حكم القرآن، ويتبع من ذلك ان لا فرق بين التوراة والقرآن. فما كان اليهود يحتاجون أن يُحّكموا محمد.

وفي ألآية التي بعدها: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء". فقال الله أنه أنزل التوراة ليحكم بها النبيون، ونحن نعلم أن التوراة نزلت على موسي، ولم يكن بعد موسى الا عيسى ومحمد، فهل قصد الله أن يحكم محمد بالتوراة؟ أم كانت هذه واحدة من ألآيات التي حاول بها محمد استمالة اليهود؟

وفي سورة آل عمرآن عندما يتكلم الله عن اليهود:

113- " ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون"

114- " يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين"

115- " وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه والله عليم بالمتقين"

وهاهو الله يقول أن اليهود ليسوا كلهم سواء، ففيهم أمة يتلون التوراة ويؤمنون بالله وهم من الصالحين، ولذا ما كان يحق لمحمد أن يقتلهم ويطردهم من ديارهم. ولكن المفسرون الاسلاميون قالوا أن القرآن قصد اليهود الذين أسلموا وآمنوا بمحمد. ونحن نعرف من كتب السيرة أن حفنة تُعد على الاصابع هم الذين أسلموا، وهم: عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد [222] ، أما بقية اليهود فقتلهم محمد وسبى نساءهم أو طردهم من ديارهم ونزحوا الى الشام. والاربعة أو الخمس يهود الذين أسلموا لا يكوّنون أمةً حتى يذكرهم القرآن في هذه ألآية.

وفي سورة الشورى الآية 19 يخبرنا الله: " ان الله لطيف بعباده يرزق من يشاء ". ويقول ابن كثير في تفسير هذه الاية: يقول تعالى مخبراً عن لطفه بخلقه في رزقه اياهم عن آخرهم لا ينسى احداً منهم، سواء في رزقه البار والفاجر. وفي سورة هود، الآية السادسة نجد: " وما من دابة في الارض الا على الله رزقها". وتفسيرها: اخبر تعالى انه متكفل بارزاق المخلوقات من سائر دواب الارض صغيرها وكبيرها، بحريها وبريها. فاذا كان هذا هو المفهوم من هذه الايات، لماذا نرى كل عام على شاشات التلفاز ملايين من الاطفال والنساء والرجال العجائز يموتون من اثر المجاعات في اثيوبيا والصومال وبقية افريقيا؟ هل يرجع ذلك الى انهم غير مسلمين؟ في حين يخبرنا ابن كثير ان الله لا ينسى منهم احدا،ً سواء عنده البار والفاجر. أيمكن ان يرجع هذا الى الآية التي تقول: " ومن يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب". فهل يرزق الذين يتقونه فقط، والا كيف تستقيم هذه الاية مع الحقائق التي نراها بأعيننا من مجاعاتٍ متكررة في افريقيا؟

وسورة الزخرف، في الآية 11 تقول: " والذي انزل من السماء ماءً بقدر فانشرنا به بلدة ميتاً كذلك تُخرجون". ويقول تفسير الجلالين: ينزل المطر بقدر حاجتكم اليه، ولم ينزله طوفاناً. ولكن في كل عام نرى بلاداً مثل الهند وبنقلاديش تغمرها الفيضانات من كثرة الامطار مما يؤدي الى موت مئات ان لم يكن آلافٍ من البشر بينما يقتل الجفاف اعداداً هائلة في افريقيا. فهل هذه الفيضانات السنوية بقدر حاجة الهند وغيرها للامطار؟

في سورة الروم، الآية 20، يخبرنا القرآن ان الله خلق الانسان من تراب: " خلقكم من تراب". ولكن في سورة الانبياء الآية 30، يقول القرآن: " وجعلنا من الماء كل شئ حيي أفلا يؤمنون". وبما ان الانسان مخلوق حي، فانه اذاً خُلق من الماء، بينما تخبرنا الاية الاولى انه خُلق من تراب.

ويتحدث القرآن عن يوم القيامة بوصفٍ دقيق لكل انواع العذاب والمسآلة، وهو وصفٌ مخيف، لا شك في ذلك، ولكنه لا يخلو من التناقض، فمثلاً في سورة " المؤمنون "، الآية 101: " فاذا نُفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون". وهذا يعنى ان الانسان يوم الحساب اذا راى ابنه او ابنته فلا يهتم لنسبهم ولا يتساءلون. وفي سورة القصص، الآية 66: " فعميت عليهم الانباء يومئذ فهم لا يتساءلون". وكذلك نفس التاكيد في سورة المعارج، الآية 10: " ولا يسأل حميم حميماً". ويقول كذلك في آية اخرى: " يوم يفر المرء من اخيه وامه وابيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه". فهذه صورة اناس في غاية من الهلع والخوف، يركضون في عدة اتجاهات ولا وقت عندهم للتحدث مع بعضهم البعض حتى لو كانوا انساباً. ولكن سورة الصافات تخبرنا غير ذلك في الآية 26: " بل هم اليوم مستسلمون، واقبل بعضهم على بعض يتساءلون".

ويوم القيامة كذلك يُعطى كل انسان كتابه الذي سجلت فيه الملائكة كل اعماله من حسن وسيئ، ويطلب منه ان يقرأ كتابه ويعترف بذنوبه، كما تخبرنا سورة الاسراء، الآية 13: " وكل انسان الزمناه طيره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباَ يلقاه منشوراً، أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً". ولكن كيف يقرأ هذا الانسان كتابه وتخبرنا نفس السورة في الآية 97: " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عُمياً وبكماً وصُماً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً". وكذلك تخبرنا سورة طه في الآية 124: " ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة اعمى". وهل يستطيع الاعمى ان يقرأ؟

ويوم القيامة يوم يحشرهم الله عُمياً صُماً، يجعلهم كذلك بُكماً لا ينطقون، وهذه سورة المرسلات تؤكد ذلك في الآية 34 وما بعدها: " ويل يومئذ للمكذبين، هذا يوم لا ينطقون، ولا يُوذن لهم فيعتذرون". وسورة يس، الآية 65 كذلك تؤكد هذا: " اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون". فنحن نرى هنا، بلا ادنى شك، انهم لا يستطيعون، ولا يُسمح لهم بالكلام يوم القيامة لان الله قد ختم على افواههم، وعليه تتكلم جلودهم وارجلهم وايديهم التي ليس لها لسان وتشهد عليهم بما صنعوا. وقد يسأل الانسان كيف علم الجلد ماذا صنع صاحبه في الحياة الدنيا، والجلد لا يسمع ولا يرى؟ وبالتالي لا يستطيع أن يشهد على صاحبه لان الانسان أو الجلد لا تُقبل شهادته إن كان قد سمع ما يقول من شخصٍ أو شئ آخر، ولم يره بنفسه.

واذا تركنا هذا جانباً وركزنا على عدم مقدرة الانسان على الكلام يوم القيامة، نرى ان سورة الصافات، في الآية 27 تخبرنا بغير ذلك: " واقبل بعضهم على بعض يتساءلون". وكيف يتساءلون وهم لا بقدرون على النطق لان الله قد ختم على افواههم. واما سورة فصلت، فتخبرنا في الآية 20 وما بعدها: " حتى اذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شئ وهو خلقكم اول مرة واليه ترجعون". فكيف استطاعوا أن يسألوا جلودهم وقد ختم الله على أفواههم؟

وسورة الحاقة، الآية 19 تقول: " فأما من اُتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه اني ظننت اني ملاقٍ حسابيه". فهاهم يتكلمون رغم ان الله قد ختم على افواههم. وفي سورة الزمر ألآية 25: " ثم يوم القيامة يلعن بعضكم بعضاً". فكيف يلعن بعضنا بعضاً اذا ختم الله على أفواهنا.

ولان الله قد ختم على افواههم وانطق جلودهم وايديهم وارجلهم لتشهد عليهم، ماعاد هناك اي داعي لان يُسألوا عن اعمالهم، ولذلك تخبرنا سورة الرحمن في الآية 39: " فيومئذٍ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان". وهذا شئ منطقي، غير ان سورة الحجر، الآية 92، تخبرنا: " فوربك لنسألنهم اجمعين".

وما زلنا نتكلم عن يوم القيامة، يوم يُحشر الجن والانس، كما تقول سورة الانعام، الآية 128: " ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم". وهاهم اولياؤهم من الانس يتكلمون مع الله ويقولون انهم استمتعوا بالجن واستمتع بهم الجن، وهذا يرجع الى بعض الاحاديث التي تقول ان بعض رجال الجن المسلمين تزوجوا نساءً من البشر.

واذا تركنا هذا وركزنا علي جهنم التي يكون الجن والانس خالدين فيها الى ما شاء الله، نجد سورة هود في الآية 105 وما بعدها تقول: " يوم يأت لا تكّلم نفس الا بأذنه فمنهم شقي وسعيد، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء الله ربك ان ربك فعال لما يريد". ولا نفهم هنا كيف يكونوا خالدين في النار مادامت السموات والارض، ونحن نعلم انه عندما يصيح جبريل ليوم الحساب ويخرج الناس من قبورهم، تُطوى السماء كطي السجل وتصير الارض والجبال كالعهن المنفوش. فلا الارض ولا السماء دائمة بعد يوم النشور، وعليه لن يمكث الجن والانس في النار طويلاً اذا لم تدم الارض والسماء. ويقول القرطبي في تفسير هذه ألآية: ( وأختلفوا في تأويلها: فقالت طائفة منهم الضحاك: المعنى ما دامت سموات الجنة والنار وأرضيهما، والسماء هو كل ما علاك فأظلك، وألارض ما استقر عليه قدمك).

هذه محاولة يائسة من القرطبى للخروج من هذا المأزق. فلم يخبرنا الله أن الجنة والنار لهما سموات وارض، بل قال جنة عرضها السموات والارض. وقوله ان السماء هو كل ما علاك واظلك، قول خاطئ لان الله قال " السماء بنيناها بأيد"، والبناء لا يكون للهواء والفراغ، والسماء لا تظلنا خاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية حيث الشمس تسطع على الرؤوس طوال اليوم. واذا تتبعنا هذا المنطق نستطيع أن نقول أن الشجرة سماء، لأنها تعلونا وإذا وقفنا تحتها فهي تظلنا من الشمس، ولكن الله لم يبن الشجرة بأيدٍ لاننا نراها تنمو من حبة صغيرة على مدى سنين، وكذلك البناء الشاهق فهو يعلونا ويظلنا ولكنه ليس بسماء.

وقوله أن الارض هو كل ما استقر عليه قدمك، قول خاطئ كذلك، لأن الانسان الذي وقف ومشى فوق القمر كانت رجله تستقر على القمر، ولكن القمر ليس ألارض.

ويخبرنا القرآن ان الله سوف يطوي السماء كطي السجل يوم القيامة وسوف يجعل الارض والجبال كالعهن المنفوش، أو يدك ألارض دكاً " كلا إذا دُكت الارض دكاً، وجاء ربك والملك صفاً صفا" [223] . ولكن في سورة الزمر يخبرنا أن الذين يدخلون الجنة يوم القيامة سيقولون: " وقالوا الحمد لله الذي أورثنا ألارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين" [224] . فإذاً الجنة ستكون على الارض وسوف يرثها الذين عملوا صالحاً، فكيف يرثون الارض وهي كالعهن المنفوش. والقرآن كذلك يخبرنا مراراً أن الجنة عرضها كعرض السموات والارض، فكيف تكون الجنة على ألارض؟

ويقول القرآن في سورة التكوير، الآية الاولى ان الشمس تكور يوم القيامة، ونفهم من هذا ان الشمس قرص مسطح سوف يكور فيما بعد: " اذا الشمس كُورت". ولتأكيد أنهم كانوا يعتقدون ان الشمس قرص مستدير، فلينظر القارئ ماذا يقول الرسول عن الشمس:

فمما روي عن رسول الله (ص) في ذلك، ما حدثنا به محمد بن ابي منصور الاملي، حدثنا خلف بن واصل قال: حدثنا عمر بن صبح ابو نعيم البلخي، عن مقاتل بن حيان، عن عبد الرحمن بن ابزي، عن ابي ذر الغفاري قال: كنت آخذ بيد رسول الله (ص) ونحن نتماشي جميعاً نحو المغرب، وقد طفأت الشمس، فما زلنا ننظر اليها حتي غابت، قال: قلت: يارسول الله، اين تغرب؟ قال: تغرب في السماء، ثم تُرفع من سماء الي سماء حتي تُرفع الي السماء السابعه العليا، حتي تكون تحت العرش، فتخر ساجده، فتسجد معها الملائكه الموكلون بها، ثم تقول: يارب من اين تامرنى ان اطلع، امن مغربي أم من مطلعي؟ قال: فذلك قوله عز و جل: "والشمس تجري لمستقر لها" حيث تحبس تحت العرش، " ذلك تقدير العزيز العليم" (سورة يس 38 ) [225]

وواضح من هذا الحديث أنهم كانوا يعتقدون أن الشمس قرص مستدير يقف على حافته. وعندما يصل هذا القرص تحت العرش يخر ساجداً أي يقع على وجهه. فلو كانت الشمس كرةً لما قالوا سجدت لان الكرة تتدحرج ولا تقع على وجهها.

وقال ابن جرير ان التكوير جمع الشئ بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة، فمعنى قوله : كورت" جُمع بعضها الى بعض ثم لفت فرمي بها، ولذا ذهب ضوءُها. وشرح بعضهم " كورت"، بمعنى ذهب ضوءها كما يخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري عن ابن ابي طلحة عن ابن عباس: " اذا الشمس كورت" يعني ذُهب بضوئها واظلمت، وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت. وقال قتادة: ذهب ضوءها وقال الربيع بن حثيم: كورت يعني القيت. ونفهم من هذا انه لن تكون هناك شمس يوم القيامة.

ولكن دعنا ننظر الى سورة الانسان، الآية 12 وما بعدها، عندما يصف الله الجنة: " وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً، متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً، ودانية عليهم ظلالها وذُللت قطوفها تذليلاً". فمن اين يا تُرى جاءت الظلال اذا لم تكن هناك شمس؟

النسخ في القرآن:

يقول القرآن في سورة هود، الآية الاولى: " ألر كتابٌ اُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير". نفهم من هذه ألآية أن الله قد أحكم آيات القرآن من قبل أن يُنزله على محمد، ثم فصّل آياته كما يُفصل الخياط الثوب، فأنزل ألآيات المناسبة في المناسبات المناسبة لها، وهذا تقديرٌ من إله حكيم وخبير ببواطن الامور وبما سيحدث في المستقبل القريب والبعيد.

وفي سورة البروج، الآية 21 : " بل هو قرآن مجيد، في لوحٍ محفوظ". وشطح المفسرون شطحات بعيدة في وصف هذا اللوح المحفوظ، فمنهم من جعله من درة بيضاء طوله بطول السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب، ومنهم من جعله بين عيني اسرافيل ومنهم من جعله على جبهته. هذا اللوح خُلق قبل ان يخلق الله الارض والسماء، وكُتب فيه كل شئ سوف يحدث لكل انسان او حيوان الى ان تقوم الساعة، وفي هذا اللوح كتب الله القرآن [226] .

فاذاً القرآن كُتب قبل ان تُخلق الارض. ويقدر العلماء عمر الارض بأربعة مليارات ونصف المليار من السنين، وقدروا عمر جبال الثلج بالقطب الجنوبي بحوالي 35 مليون سنة. واول انسان بدائي ظهر على سطح الارض قبل سبع ملايين من السنين [227] . ونستطيع ان نقول ان الله خلق القرآن قبل أربعة مليارات من السنين على اقل تقدير، وفي هذه الفترة خلق القرآن وحفظه في اللوح المحفوظ ، وأحكم الله آيات القرآن، كما اخبرنا في الآية المذكورة اعلاه. واذا تتبعنا هذا المنطق، فليس هناك اي سبب يجعل الله يبدل آيةً مكان آية، اذا كان القرآن في حوزته كل هذه السنين، وقد اخبرنا هو نفسه ان آياته قد اُحكمت طوال هذه السنين.

ولكن دعنا ننظر للآية101 من سورة النحل: " واذا بدلنا آيةً مكان آية والله اعلم بما يُنزل قالوا انما انت مفتري بل اكثرهم لا يعلمون". وفي سورة البقرة، الآية 106: " ما ننسخ من آية او نُنسها نأت بخير منها او مثلها ألم تعلم ان الله على كل شئ قدير". وهنا مربط الفرس. أولاً لماذا احتاج الله ان ينسخ اي آية في القرآن الذي كان بحوزته كل هذه المليارات من السنين، وهو قد احكم آياته. لماذا لم يغير هذه الايات قبل ان يُنزلها على محمد؟ وثانياً اذا نسخ آية، لماذا يريد ان يأتي بمثلها؟ فما الغرض من نسخها ان كان الله يريد ان يأتي بمثلها؟ وثالثاً اذا اراد ان يأتي بأحسن منها، فقد كان القرآن عنده كل هذه السنين، فكان ألاجدر أن يغير ألآيات التي أراد أن يأتي بأحسن منها قبل أن ينزلها على الرسول. ولكنه قد فعل هذا بعد ان نزل القرآن على محمد، واذاً هذه الآيات الجدد لم تكن في اللوح المحفوظ من قبل ان يخلق الله الارض، وانما خلقها الله حديثاً لتحل محل الآيات القديمة المنسوخة، والا لو كانت ألآيات الجديده موجودة في اللوح المحفوظ منذ الابد، ما كان هناك داعي لانزال الآيات المنسوخة لان الله قد كتب بدلاً عنها آيات جديدة. فاذاً نستطيع ان نقول ان اجزاء من القرآن لم تكن في اللوح المحفوظ، وعليه فان اللوح المحفوظ لا يحتوي على كل شئ كما اخبرنا القرآن، وان القرأن مخلوق كما قال المعتزلة.

والسبب الرئيسي في النسخ، في اعتقادي، هو انتشار الاسلام على مرحلتين، واعني مكة والمدينة. فلما كان محمد في مكة يحاول نشر الاسلام بين قريش، كان مستضعفاً لا يحميه من قريش غير عمه ابو طالب. فما كان باستطاعته مخاطبة قريش بلهجة آمرة. فأغلب الآيات المكية فيها تسامح شديد مع الذين لم يؤمنوا. فمثلاً:

" وأن أتلوا القرآن، فمن أهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين" [228]

" ولا تجادل اهل الكتاب الا بالتي هي احسن" [229]

" من كفر فلا يحزنك كفره" [230]

" فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون" [231]

" فمن أهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل" [232]

" واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً". [233]

" وذرني والمكذبين اولي النعمة وامهلهم قليلاً". [234]

" فإن اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد". [235]

" ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". [236]

والآيات المكية اغلبها قصص عن يونس وهود ويوسف وابراهيم والكهف والاسراء ومريم ونوح وما الى ذلك. وكان النبي يجلس مع اهل مكة يحكي لهم قصص الاولين ويصف لهم الجنة وخيراتها والنار ودرجات العذاب بها. وكان اهل مكة يضحكون عليه و من قصصه، لأن النضر بن عبد بن الحارث كان يتبعه في مجلسه ويحكي لهم قصصاً أطرف عن ملوك الروم. ودفع النضر حياته فيما بعد ثمناً لهذا.

ولكن بعد أن هاجر محمد الى المدينة واستقر به الحال وسط الأوس والخزرج وقويت شوكته، تغيرت لهجته كذلك واصبحت ألآيات اكثر جرأة وصارت تحض على القتال. ولذا كان لا بد من الغاء او تعطيل الآيات المكية التي كانت تنصحه بان يتساهل مع الكافرين واهل الكتاب، فادخل بعض الآيات المدينية المتشددة على الكفار في سور مكية كان قد اكتمل انزالها وهو في مكة، ومن هذه السور المكية التي أدُخلت بها آيات مدينية نذكر على سبيل المثال:

سورة ألانعام وعدد آياتها 65 وبها 6 آيات مدينية

سورة الاعراف وآياتها 205 وبها 5 آيات مدينية

سورة يونس وآياتها 109 وبها آيتان مدينيتان

سورة النحل وآياتها 128 وبها آية واحدة مدينية

سورة ألاسراء وآياتها 110 وبها 8 آيات مدينية

سورة مريم وآياتها 98 وبها 3 آيات مدينية

سورة القصص وآياتها 87 وبها 5 آيات مدينية [237]

وهناك سور مدينية اُدخلت بها آيات مكية، مثل سورة الانفال وهي مدينية الا سبعة آيات ابتداءً من الآية العشرين. وبسبب هذه الاضافة للسور التي كان قد اكتمل انزالها، كان لابد لبعض هذه الآيات ان تخالف ما كان قد ذُكر في هذه السور المكية أو المدينية، ولذا ابتكروا فكرة النسخ هذه

وفي الحقيقة أن هذه ألآيات لم تُنسخ وانما تعارضت ألآيات التي أُضيفت جديداً للسور المكية مع الآيات القديمة، ولذا قالوا عندما لاحظوا التضارب، انها نُسخت. وهذا يقودنا الى ان نسأل نفس السؤال السابق: اذا كان هذا القرآن قد كُتب في لوح محفوظ قبل ان يُخلق العالم، لماذا لم تُرتب هذه السور ترتيباً دقيقاً دون الحاجة لأدخال آيات مدينية في سور مكية والعكس بالعكس؟

واول سورة نزلت بالمدينة بعد ان احتمى محمد بالاوس والخزرج وقويت شوكته، كانت سورة البقرة، ونزلت فيها الآية 190 تقول: " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين". فهنا سمح الله لمحمد أن يقاتل المشركين ولكن لا يعتدي عليهم إن لم يعتدوا عليه. ثم الآية 91 تقول: " واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القتل". وهذا هو الله يأمر محمد بمجرد ان قويت شوكته ان يحارب المشركين ويقتلهم حيثما وجدهم.

وفي سورة التوبة، الآية 12 : " وان نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون". وفي الآية الخامسة من نفس السورة: " فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم". وهذه هي آية السيف المشهورة [238] التي قال عنها أبن كثير في تفسيره: ( قال الضحاك بن مزاحم إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة)، وهذه ألآية بمفردها نسخت من القرآن مائة وأربعاً وعشرين آية. [239] ويقول الزمخشري ان اول آية نزلت في المدينة تبيح القتال، نزلت بعد اكثر من سبعين آية تحض على التسامح والغفران، اغلبها مكية. ولذا اكثر الآيات الناسخة مدينية واكثر الآيات المنسوخة مكية.

ويقول الله في سورة الرعد، الآية 39 : " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب". ويقول الرازي: إن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ، وجميع حوادث العالم العلوي، والعالم السفلي مثبتة فيه، عن النبي (ص) انه قال: " كان الله ولا شئ معه، ثم خلق اللوح، واثبت فيه احوال جميع الخلق الى قيام الساعة". وفي حديث عن ابي الدرداء عن النبي (ص) انه قال: " ان الله في ثلاث بقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه احدٌ غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء" [240] . فإذاً حتى الكتاب المحفوظ ( أم الكتاب) عُرضة للنسخ والتغير. وهذا يفسر العدد الهائل من الآيات المنسوخة في القرآن.

وقد قسّم علماء الاسلام النسخ الى ثلاثة اقسام: القسم الاول: منسوخ التلاوة دون الحكم، ويعني هذا أن ألآية مُسحت واُزيلت من القرآن لكن بقي حكمها، والقسم الثاني: منسوخ التلاوة والحكم، أي مُسحت الآية من القرآن وكذلك أُلقي حكمها، والقسم الثالث: منسوخ الحكم دون التلاوة، أي بقيت الآية كما هي لكن أُبطل حكمها.

فاذا اخذنا القسم الاول نجد هناك آيات نُسخت تلاوتها ولكن بقي حكمها. فمثلاً قال الحسين بن المناوي: " ومما رُفع رسمه من القرآن، ولم يُرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت و الوتر، وتُسمى سورتي الخلع والحفد". وقد نُقل عن ثبوت سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس ومصحف اُبي بن كعب: " اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك، ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد، واليك نسعى ونحفد ونرجوا رحمتك، ونخشى عذابك ان عذابك بالكافرين ملحق" [241]

لا شئ في هذه الآيات يستدعي نسخها، فكل ما يُقال فيها ما زال موجوداً في آيات اخرى في القرآن. فما السبب في نسخها؟ هل حدث هذا ليقلل الله من حجم القرآن ويمنع تكرار ما هو موجود في سور اخرى؟ وهذا شئ بعيد الاحتمال اذ ان ثلاثة ارباع القرآن تكرار، أم أن السبب الرئيسي في عدم وجود هذه الآيات في القرآن ان محمداً او الذين جمعوا القرآن من بعده قد نسي هذه الآيات، بدليل انها موجودة في مصحف ابن عباس ومصحف اُبي بن كعب. وهذا قد يخلق مشكلة للعلماء المسلمين لان الله تعالى قال: " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" [242] .

وهناك آيات عديدة مثل هذه نُسخت من المصحف لكن حكمها ظل باقياً. فقد قال ابو عبيد: حدثنا حجاج عن ابن جريح عن حميدة بنت ابي يونس قالت: قرأ عليّ ابي، وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: " ان الله وملائكته يصلون على النبي يايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، وعلى الذين يصلون الصفوف ألاول" [243] . وهذه ألآية قد اختفت من المصحف. وعن المسور بن مخرمة، قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: " ألم تجد فيما اُنزل علينا ان جاهدوا كما جاهدتم أول مرةٍ، فإنا نجدها؟" قال عبد الرحمن: " سقطت فيما سقط من القرآن " [244] . ولعل اجابة عبد الرحمن بن عوف تلقي بعض الضوء علي ما حدث، فقد قال عبد الرحمن: سقطت فيما سقط من القرآن، ولم يقل نُسخت فيما نُسخ من القرآن. فكل النسخ في هذا الباب ليس بنسخ وانما سقوط راجع للنسيان، وليس هناك اي سبب آخر يجعل الله تعالى ينسخ آيات ويحفظ حكمها

وقال أبو عبيدة: حدثنا أبن أبي مريم عن أبن الهيعة عن أبي الاسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو ألان [245]

وأخرج الطبراني عن إبن عمر قال: قرأ رجلان سورةً، أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلةٍ يصليان، فلم يقدرا منها بحرف، فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكرا ذلك، فقال: إنها مما نُسخ ونُسى، فألهو عنها. [246]

والقسم الثاني- منسوخ التلاوة والحكم، أي نُسخ الحكم وأُزيلت أللآية من المصحف. وقد حدث هذا بعلم الرسول، فقد روى عن عبد الله بن مسعود قوله: أقرأني رسول الله (ص) آيةً فحفظتها وكتبتها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت الى مضجعي فلم اُرجع منها بشئ، وغدوت على مصحفي، فاذا الورقة بيضاء، فأخبرت النبي (ص)، فقال: يابن مسعود تلك رُفعت البارحة [247] . ومع صعوبة تصديق هذه الرواية، اذ ليس من المعقول ان يُنزل الله آيةً ثم يكلف نفسه او ملائكته برفعها فعلياً من المصاحف، الا انها تبين لنا ان هناك آيات ضاعت وضاع حكمها كذلك ولم يعد احد يتذكرها بالمرة، ربما لعدم قراءتها لفترةٍ فنسيها الناس. فقد قال لنا علماء الاسلام إن النسخ حدث لان الاحكام تغيرت تدريجياً مثل تحريم الخمر مثلاً، ولكن هذه الآيات التي ذكرنا لم يكن بها حكم ولم يتغير اي حكم بنسخها، فلماذا نُسحت؟

والقسم الثالث- منسوخ الحكم دون التلاوة هو اكثرهم مادةً وبه اغلب الآيات المتعارف بنسخها، وعدد السور التي بها آيات نُسخ حكمها ولكن بقيت ألآيات، ثلاثة وستون سورة [248] . فمثلاً قوله تعالى: " يايها الذين آمنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لكم واطهر، فان لم تجدوا فان الله غفور رحيم" [249] وعندما نزلت هذه الآية طلب الله من المسلمين، اذا استشاروا النبي، او حضروا مجلسه لأي سبب ان يقدموا له هديةً. وربما احتج المسلمون او رفضوا دفع الهدية، فنسخ الله الآية بالآية التي تليها في سورة المجادلة. فنفهم من هذا ان النسخ حدث سريعاً بعد نزول الآية. فهل يدل هذا على ان الذي انزل الآية لم يفكر في عواقبها، كما قال اليهود في مكة؟ أم ان الذي اتى بالآية بشر معرض للخطأ مثله مثل السياسيين في زمننا هذا، يأتون بقرار ويلغونه بعد أيام اذا احتج الشعب عليهم. وما دام الله قد نسخ حكم ألآية، فما الفائدة من ترك ألآية بالمصحف، لماذا لم تُرفع كما رٌفعت ألآيات في قسم ألاول: منسوخ التلاوة دون الحكم.؟

إن فكرة أن الله قد نسخ حكم بعض ألآيات ولكن ترك ألآيات بالمصحف، ورفع بعض ألآيات من المصحف ولكن ترك حكمها باقياً لا تتماشى والمنطق اطلاقاً.

ويقول ابن سلامة: نزول المنسوخ بمكة كثير، ونزول الناسخ في المدينة كثير. فأغلب الآيات المنسوخة هي من الآيات المكية عندما كان الرسول مستضعفاً واراد ان يُحبب الاسلام الى اهل مكة بمعاملتهم معاملة لينة متساهلة.

وسور القرآن تُقسم الى ثلاثة اقسام: القسم الاول يحتوي على السور التي بها ناسخ وليس بها منسوخ، وهذه كلها مدينية ما عدا سورة واحدة ( الاعلى) وعددها ستة. وهي الفتح والحشر والمنافقين والتغابن والطلاق والاعلى. والقسم الثاني هو السور التي دخلها المنسوخ ولم يدخلها الناسخ، وهي اربعون سورة، اغلبها مكية، واولها سورة الانعام وآخرها سورة الكافرون. والقسم الثالث هو السور التي دخلها الناسخ والمنسوخ، وهي خمسة وعشرون سورة، اولها سورة البقرة وآخرها سورة العصر [250] .

والنسخ عادة يكون بآية تنسخ آيةً قبلها في نفس السورة او آية في سورة اخرى، الا الآية 234 من سورة البقرة: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشراً"، نسخت الآية التي تأتي بعدها، اي الآية 240 من نفس السورة: " والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاَ وصية لأزواجهم متاعاً الى الحول غير إخراج". فكيف يستقيم المنطق هنا اذا انزل الله آيةً ينسخ بها آيةً لم تنزل بعد. لماذا لم يُلغي الآية الاتية قبل ان تنزل اذا كان قد نسخها بآية قد سبق وانزلها؟

والتفسير الاكثر منطقاً هنا هو ان الله انزل الآية الاولى التي تقول ان المرأة التي مات زوجها تتربص بنفسها اربعة اشهر وعشرة، ثم اختلط الامر او نسي الكاتب انه سجل الآية الاولى وكتب الآية اللاحقة التي تقول متاع هذه المرأة الى الحول، اي لمدة سنة كاملة، وهذه كانت عادة العرب قبل نزول الاسلام، ولما كانت الآية الاولي اقرب الى آية اخرى تقول ان عدة المطلقة ثلاثة شهور، قالوا ان الآية الاولى نسخت التي تليها، وهو عكس المنطق.

وقد يفهم الانسان ان ينسخ الله آيةًً انزلها ولكن ان تنسخ السُنة المحمدية آيةً محكمة من عند الله، فهذا امر يدعو للاستغراب، خاصة أن القرآن يقول لنا: " ألر كتاب أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير" [251] وكذلك: " سورةُ أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها بينات لعلكم تذكرون" [252] فهاهو الله يقول انه انزل هذه السورة وفرضها على الناس. ومن الاحكام التي فرضها: " الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة". ولا نجد في القرآن اي آية تنسخ هذه الآية المفروضة، ولكن لان النبي رجم أمرأةً زنت، اخذت السنة مكاناً ارفع من القرآن ونسخت آية مفروضة.

والمتعارف عليه ان القرآن يأتي اولاً ثم السنة ثم افعال واقوال الصحابة. ولكن هبة الله بن سلامة البغدادي يقول قد تُنسخت ألآيات الكريمة بألاحاديث الشريفة. [253] فإذا كان الله قد قال: " إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، فكيف إذاً يكون للحديث الذي قاله الرسول قوةٌ فوق قوة الله الذي قال انه سيحفظ القرآن كما أنزله.

واذا كان النسخ لاسباب مفهومة لإبدال تشريع مكان آخر لان التشريع الجديد يفيد المسلمين اكثر، لفهمنا ضرورة النسخ، ولكن ان يكون النسخ لاسباب سياسية لا نفع منها للمسلمين، يصبح الامر اكثر صعوبة في القبول. فمثلاً عندما كان محمد في مكة وكان يحاول استمالة اليهود الى دينه الجديد، جعل بيت المقدس قبلته وجعل اليهود وقصصهم المحور الرئيسي لمعظم سور القرآن التي نزلت في مكة. واستمر يصلي نحو بيت المقدس في القدس مدة ثلاث عشرة سنة بمكة وحتى عندما هاجر للمدينة وكان يؤمل استمالة يهود يثرب اليه، ظل يصلي نحو القدس، ولكن بعد مرور سبعة عشر شهراً بالمدينة دون اي نجاح في استمالة اليهود، نجد محمد قد غير قبلته الى مكة، التي لم يصلي نحوها حتى عندما كان بها. وعندما سأل الناس لماذا هذا التغير الذي لا يخدم غرضاً، جاء الرد في سورة البقرة، الآية 142: " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى صراط مستقيم".

هذه الاجابة تترك السؤال كما هو دون اجابة. نحن نعلم ان لله المشرق والمغرب، والقدس لا تخرج من هذه الاتجاهات، فلماذا التغير؟ لماذا لم يستمر يصلي نحو المقدس ما دام لله المشرق والمغرب وليس مهماً في أي إتجاه تصلي؟ وحتى هذه ألآية نُسخت فيما بعد بألآية:" فول وجهك شطر المسجد الحرام".

والجواب الثاني في الآية 143 من نفس السورة ليس مقنعاً اكثر من الاول: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه". فالله قد امر محمد ان يصلي في اتجاه القدس لمدة تقارب خمسة عشر عاماً ليعلم من يتبع الرسول ومن ينقلب على عقبيه؟ لم ينقلب اي شخص اسلم عندما كانت القبلة نحو بيت المقدس وصلى كل المسلمون اليها ولم ينقلبوا. ثم ان الله يعلم ماذا سيفعل كل شخص قبل ان يخلقهم، فكيف سيختبرهم بجعل القبلة نحو بيت المقدس؟

ثم جاء جواب ثالث في الآية 144: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها، فولي وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره". فاذاً تغير القبلة كان لان محمد لم يرض القبلة الاولى التي صلى عليها ما يقارب الخمس عشرة سنة. فلماذا لم يقل لله من قبل انه لا يرضى هذه القبلة، ولماذا لم يعلم الله أن رسوله لا يرضى هذه القبلة؟ ولما استمر اليهود في سخريتهم من تغير القبلة، اجابهم بالآية 145: " ولئن اتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما انت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض". فإذاً هذا تأكيد انه صلى نحو بيت المقدس ليستميل اليهود، ولكن الله أخبره انه حتى لو أتاهم بكل المعجزات فلن يتبعوا قبلته الجديدة. والواقع ان القدس هي قبلة اليهود والنصارى كذلك وكانت قبلة المسلمين لفترةٍ طويلة. فاذن القول " وما بعضهم بتابع قبلة بعض" ليس صحيحاً. وهذه ألآية تكاد تكون نفس سورة " الكافرون" التي نزلت بمكة في بداية الوحي: " قل يايها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم".

وعندما يئس محمد من استمالة اليهود حاول استمالة قريش بالجلوس في مجالسهم وقراءة القرآن لهم. وفي احد هذه المجالس كان يقرأ سورة النجم ولما جاء للآية 19 قرأ: " أفرايتم اللآت والعُزى، ومناة الثالثة الاخرى، تلك القرانيق العلى وان شفاعتهن لترجى". فرح عندئذ القرشيون وقالوا ان محمداً قد اعترف بآلهتنا ولا بأس من الدخول في دينه. غير ان النبي تنبه لما قد قال، فنسخ الجزء الاخير من الآية وقال هذا ألقاه الشيطان عليّ. فسميت هذه الآيات بالآيات الشيطانية. وعندما اشتد الحزن بالنبي علي ما فعل، انزل الله اليه الآية 52 من سورة الحج: " وما ارسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي الا اذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يُلقي الشيطان ثم يُحكم الله آياته".

فإذاً الشيطان قد تدخل في الوحي الذي ارسله الله لكل الانبياء والرسل قبل محمد، ولكن الله نسخ ما قاله الشيطان. لماذا يصبر الله على الشيطان هذا الصبر الكثير، ولماذا لم يجد الله طريقة اكثر ضماناً لايصال الوحي الى انبيائه دون ان يجد الشيطان طريقةً ليتدخل مما يضطر الله ان ينسخ الآيات التي قالها الشيطان. فقد رأينا الله يُرسل شُهباً لتحرق الشياطين وتمنعهم من استراق السمع للملائكة، أليس من السهل على الله ان يجد طريقة مماثلة لحماية وحيه لأنبيائه؟ وقد قال الله في الآية المذكورة: " ثم يُحكمُ الله آياته"، أي بعد ان ينسخ ما ادخله الشيطان، يُحكم آياته. أليس الافضل ان يُحكم الآيات قبل ان ينزلها حتي لا يستطيع الشيطان التدخل فيها؟ ونحن نعلم ان الله اذا أراد شيئاً ان يقول له كُن، فيكون. لماذا إذاً لم يقل الله للشيطان " قف، ولا تعبث بآياتنا"، أو اي شئ من هذا القبيل. خاصة ان الشيطان قد غير الوحي لكل الانبياء قبل محمد، وقد رأينا من قبل ان الشياطين كانوا يسترقون السمع عندما كان الله يتكلم مع الملائكة قبل ان يبعث محمد، ولما بعث محمداً حرس السماء بالشهب حتى لا تسترق الشياطين السمع.

الفصل السابع

المرأة في الاسلام :

يخبرنا علماء الاسلام ان المرأة في الجاهلية كانت مضطهدة ولم يكن لها نصيب في الارث بل كانت هي نفسها تُورث ان مات زوجها، يرثها ابنه الاكبر، وانها كانت تُوأد كطفلة. ولكن قد رأينا في الفصول السابقة ان المرأة في الجاهلية كان بامكانها تطليق زوجها، وان بعضاً من النساء قد ورثن ازواجهن، وان " ذو المجاسد" عامر بن جشم بن غنم بن حبيب بن كعب يشكر كان اول من سن " للذكر مثل حظ الانثيين" في الميراث من قبل ان يأتي بها الاسلام. واما قصة وأد البنات فلم تكن متفشية في كل القبائل العربية, ولا حتى في قبائل معينة، والا لانقرضت تلك القبائل، وربما انقرض العرب كلهم منذ امد بعيد قبل ظهور الاسلام لو كانت العادة متفشية فيهم وقتلوا بناتهم وهن صغار.

ربما كان هناك بعض الرجال ممن يقتلون بناتهم خشية املاق ( فقر)ٍ، ولم يكن قتل الاطفال محصوراً على البنات فقط، بل كانوا يقتلون الاولاد كذلك، كما يبين لنا القرآن في الآية 31 من سورة الاسراء: " ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطئاً كبيراً". فقتل الاولاد والبنات كان يقوم به بعض الاشخاص خوف الفقر والاملاق. وقد رأينا ان احد الاحناف، وهو زيد بن عمرو بن ثفيل بن عبد العُزى من قريش، كان يقول للرجل اذا اراد وأد ابنته: " مهلاً، لا تقتلها، انا اكفيك مؤونتها ". وكان الاب يعطيه ابنته. وهذا يدل على ان الوأد كان بسبب الفقر وليس لانهم كانوا يستاءون من البنات. ولو كانوا يستاءون من البنات لما جعلوا آلهتهم اناثاً مثل اللات والعزة ومناة.

وكذلك تخبرنا كتب السيرة ان الجاهليين كانوا يتزوجون عشرة نساء او اكثر حتى جاء الاسلام وحدد عدد الزوجات بأربعة. فلو كان هذا صحيحاً من أين أتوا بكل هولاء النساء حتى يستطيع الرجل منهم ان يتزوج عشرة نساء، اذا كانوا يقتلون بناتهم عند الولادة؟ المنطق يخبرنا أنهم إذا وأدوا بناتهم فسيكون عدد الرجال أكبر بكثير من عدد النساء، وبالتالي قد يكون من نصيب المرأة الواحدة عدة رجال. ولكن بما أن عدد النساء كان كبيراً، فقد تيسر لبعضهم أن يتزوج عشرة نساء. فأذاّ وأد البنات ، إذا حدث، كان محصوراً في جيوبٍ صغيرة فقط وكان بسبب الفقر.

والقرآن نفسه لا يُعامل المرأة معاملة كريمة بدليل ان عدداً من الايات تجعل الله يبدو وكأنه يستعفف ان تكون له البنات وللاعراب الاولاد، ولذا نجد عدة آيات في القرآن تسأل الجاهليين ان كان الله قد اصطفاهم بالبنين واتخذ لنفسه الاناث. فنجد في سورة الاسراء، الآية 40: " أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة اناثاً انكم لتقولون قولاً عظيماً". فالله هنا يخبر الجاهليين انهم ارتكبوا اثماً عظيماً اذ جعلوا الملائكة اناثاً، كانما هو عار ان تكون الملائكة اناثاً.والمسيحيون يعتقدون أن الملائكة نساء ويسموهن Fairies ويرسمون صورهن في شكل بنات جميلات.

وفي سورة النحل، الآية 57: " ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون". ومرة اخرى نرى الله يقول سبحانه كيف تكون له الاناث وللجاهليين الاولاد. ونجد في سورة الطور، الآية 39: " أم له البنات ولكم البنون". وفي سورة النجم، الآية 21: " ألكم الذكر وله الانثى، تلك اذاً قسمة ضيزى". والله لا يرضى ان تكون له البنات ولهم البنون لان هذه قسمة ضيزى اي غير عادلة. وفي نفس السورة، الآية 27: " ان الذين لا يؤمنون بالاخرة ليسمّون الملائكة تسمية الانثى". فهولاء الجاهليون الذين لا يؤمنون بالاخرة يسمون الملائكة اسماء مؤنثة، وذلك لا يُرضي الله.

وفي سورة الصافات، الآية 149، يطلب الله من النبي ان يستفتي قومه: " فأستفتهم ألربك البنات ولهم البنون". والآية 16 من سورة الزخرف تقول: " أم اتخذ مما يخلق بناتٍ واصفاكم بالبنين". وفي الآية 19 من نفس السورة يقول: " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثاً أشهدوا خلقهم، ستُكتب شهادتهم ويُسألون". ويبدو من كل هذه الايات ان الله لا يرضى ان تكون له البنات ولهم البنون، مما يوحي للسامع ان البنت اقل مرتبة وشأناً من الولد.

وبعد أن قال الله أن العرب جعلوا الملائكة إناثاً وانه سيكتب شهادتهم هذه ويسألهم عنها يوم القيامة، نراه في سورة الصافات يجعل الملائكة إناثاً ويقسم بهن: " والصافات صفاً، فالزاجرات زجراً، فالتاليات ذكراً". ورغم أن " الملائكة" جمع تكثير ويجوز ان يُخاطب بصيغة المؤنث، مثل أن نقول " الطير صافات"، والطير فيه المذكر والمؤنث، إلا أن القرطبي في تفسيره لهذه ألآيات قال: ( " والصافات" قسمٌ، الواو بدل الباء، والمعنى برب الصافات، والزاجرات عُطفت عليه. وهن الملائكة في قول أبن عباس وأبن مسعود وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة، تُصَفُ الملائكة في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة، وقيل تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد). فالقرطبي هنا يقول " هن" الملائكة، و " هن" لا شك ترمز للاناث. مثالٌ آخر للمتناقضات.

وهذا هو المنوال الذي سار عليه القرآن في كل ما يتعلق بالمرأة. فلما كان الرسول بمكة، وقد ظل بها ثلاث عشرة سنه بعد بدء الرسالة، لم يفرض على النساء حجاباَ، ولكن بمجرد ان استتب له الامر في المدينه وبدأ بالتشريع، فرض الحجاب على المسلمات وامرهن الا يخرجن من بيوتهن الا لقضاء الحاجة اذ لم تكن هناك مراحيض داخل البيوت. فسورة النور، الآية 31 تقول: " وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او لآبائهن او آباء بعولتهن........". فالمرأة اذاً لا تترك بيتها الا للضرورة القصوى، ووقتها يجب ان تغطي كل جسمها ورأسها بحيث لا يبدو منها غير الوجه واليدين، ويجب الا تلبس زينةً او تتطيب بطيب، حتى لا يطمع بها الرجال. وفي حديثٍ رواه ابو داود والنسائي: " كل عينٍ زانية والمرأة اذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي زانية ".

ولا يصح للمرأة المسلمة ان تكشف عن جسمها حتى امام النساء الغير مسلمات، لئلا يصف هولاء النساء الغير مسلمات لرجالهن ما رأين من جسم المرأة المسلمة، فيطمع الرجال الغير مسلمين بالمرأة المسلمة.

وكتب الخليفة عمر بن الخطاب الى ابي عبيدة بن الجراح: " اما بعد، فانه بلغني ان نساءً من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء اهل الشرك، فانه من قبلك، فلا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان ينظر الى عورتها الا اهل ملتها". فهذا هو امير المؤمنين يؤكد لنا ان المرأة المسلمة لا يجوز لها ان تكشف عن ساقيها او ذراعيها حتى امام نساء اخريات ان كان هولاء النساء غير مسلمات. وعليه لا يجوز لكل الملايين من النساء المسلمات اللائي يعشن في الغرب دخول حمامات السباحة التي تفرض يوماً معيناً للنساء فقط، لان هولاء النساء غير مسلمات ولا يجوز لهن ان ينظرن الى جسم امرأة مسلمة. وربما يكون هذا هو السبب في ان النبي قال: " علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل" ولم يقل علموا بناتكم السباحة، فليس مهماً للبنت ان تتعلم السباحة حتى تستطيع ان تنقذ نفسها من الغرق اذا غرقت الباخرة التي هي مسافرة عليها، فحياة المرأة ليست مهمة لهذه الدرجة.

ولم يكتف الاسلام بالحجاب بل فرض قيوداً حتى على صوت المرأة حينما تتحدث، فاعتبر صوت المرأة عورة، ويجب الا ترفع صوتها اذا تحدثت. وفي الحقيقة فان الاسلام اعتبر المرأة كلها عورة. فلما نزلت سورة الاحزاب، الآية 32 وما بعدها: " يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً"، زعموا ان النبي قال ان المرأة كلها عورة. فقد روى محمد بن المثنى عن عمرو بن عاصم عن قتادة عن مورق عن ابي الاحوص عن عبد الله عن النبي قال: " المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان واقرب ما تكون برحمة ربها وهي في قعر بيتها".

وقد امر الاسلام نساء النبي، وبالتالي نساء المسلمين الا يتبرجن تبرج الجاهلية الاولى. فقال مجاهد في شرح التبرج: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدى الرجال فذلك تبرج الجاهلية. وقال بعضهم ان المرأة اذا مشت في وسط الطريق وهي مرتدية الحجاب، يُعتبر هذا تبرجاً، ولذا يجب ان تسير المرأة بالقرب من الجدار حتى يحتك ثوبها به.

والاسلام لا يستحي ان يقول ان الله قد فضل الرجال على النساء، ولذلك عاتب الله الجاهليين في عدة آيات عندما قالوا لله البنات ولهم البنون. فهاهو القرآن يخبرنا في سورة النساء، الآية 34: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم....". فالرجال قوامون على النساء لان الله فضلهم على النساء ولانهم ينفقون اموالهم على النساء. فاذا كان الشخص الذي ينفق ماله على الاخر ليعوله، قوّام عليه، ويفضله الله، فالملايين من النساء العاملات اليوم، وينفقن على ازواجهن واطفالهن يجب ان يكن قوامات على الرجال، ولكن هذا لا يصح في الاسلام.

ولان الاسلام يفضل الرجال على النساء، تُمنع المرأة المسلمة من ان تكون شاهدة في قضية قتل او اي قضية جنائية تستوجب القتل. وكذلك يُحرم عليها ان تكون قاضية بالمحكمة، حتى لو حفظت القرآن عن ظهر قلب وفاقت الرجال في امور الفقه. ويجب الا تُئم الرجال في الصلاة، ولا تكون رئيسة دولة. وهناك حديث متعارف عليه يقول: " لا يفلح قومٌ ولوا امرهم إمرأة". ويحدثنا التاريخ ان النساء حكمن دولاً قبل ظهور الاسلام، فعندما قُتل عمرو بن ظرب ملك العماليق، خلفته ابنته الزباء على الملك، وبنت قصراً لأختها على ضفاف دجلة. [254] وهناك دول عديدة في العصر الحاضر تتولى أمورها نساء، وبكل جدارة ونجاح. فعلى سبيل المثال نذكر أنديرا غاندي بالهند ومارجريت ساتشر بانجلترا. ونيوزيلندا تتولى رئاسة وزرائها أمرأة.

وشهادة المرأة المسلمة، كما نعلم، نصف شهادة الرجل لان الاسلام يعتبر المرآة ناقصة عقل ودين. وبما انها ناقصة عقل فهي اقرب الى ان تُضل من الرجل، ولذلك جعل الله شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد حتى اذا ضلت احداهما تذكرها الاخرى، ونرى هذا موضحاً في الآية 282 من سورة البقرة: " واستشهدوا شاهدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وأمراتان ممن ترضون من الشهداء ان تُضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى".

وفي الميراث، طبعاً، للمرأة نصف ما للرجل، كما نرى في سورة النساء: " يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين". أما المرأة غير المسلمة التي يتزوجها رجل مسلم فليس لها أي حقوق في الاسلام. فإذا مات عنها زوجها فليس لها حق في الميراث وليس لها حق في حضانة أطفالها.

والمرأة ليس لها اي قول في ما يحدث لها حتى في العلاقات الجنسية التي تتعلق بجسدها. فالاسلام، كاليهودية قبله، يعتبر المرأة نجسة اذا كانت حائضاً او نفساء، وعليه لا يجوز لها ان تصوم او تصلى او حتى ان تلمس المصحف وهي حائض.

اما عندما نأتي للمباشرة الجنسية فليس هناك اتفاق بين جميع العلماء. فلما سأل المسلمون الاوائل النبي عن المحيض، نزلت الآية 222 من سورة البقرة: " ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فاذا تطهرن فأتوهن من حيث امركم الله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين". وقالوا في شرح هذه الآية ان الله يقول اعتزلوا الفرج، وعليه ذهب كثير من العلماء او اكثرهم، كما يقول ابن كثير، الى انه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج.

ولم يخبرنا أحد من العلماء المسلمين حتى ألان ما هو ألاذي الذي يُصيب المرأة أو الرجل إذا جامع أمرأته وهي حايض. أنا كطبيب لا أعلم بأي أذي يصيبهم، وأما الدكتور موريس فأكتفى بأن قال تعليقاً على هذه ألآية: ( هذه ألآية واضحة في معناها، فهي تُنهي صراحةً أي رجل من أن يتصل جنسياً بإمرأةٍ حائض.) [255]

قال ابو داود عن موسى بن اسماعيل عن بعض ازواج النبي: كان اذا اراد من الحائض شيئاً القى على فرجها ثوباً. وحدثنا بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا ايوب عن كتاب بن قلابة ان مسروقاً قال انه سأل عائشة: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقالت: كل شئ الا فرجها. ولذا يُحل بعض العلماء ان يأتي الرجل امرأته من دبرها ان كانت حائضاً، وهذا هو الفعل الذي من اجله اهلك الله قوم لوط.

ولكن بعض العلماء احلوه للمسلمين. والعلماء متفقون على ان الذي يأتي امرأته وهي حائض فقد أثم، ولكن لم يتفقوا على هل تكون عليه الكفارة ان فعل ام لا. [256] فقال الامام احمد واهل السنن عن ابن عباس عن النبي: الذي يأتي امراته وهي حائض يتصدق بدينار او نصف دينار. يتصدق بدينار اذا كان الدم احمراً وبنصف دينار اذا كان الدم اصفراً. وقول الجمهور انه لا كفارة عليه بل يستغفر الله. [257]

وهل يأتي الرجل امرأته من قبلها ام من دبرها لا يقتصر على المحيض، انما هي مشكلة للمسلمين حتى بدون المحيض، ففي سورة البقرة، الآية 223: " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم انّى شيئتم ". والكل يعرف ان الظرف " أنى" قد تكون ظرف زمان او ظرف مكان. او بمعني آخر قد تكون للمكان او الزمان او حتى بمعنى " كيف". فعندما يقول " أتوا حرثكم انى شيئتم" فقد يكون تفسيره متى شيئتم او في اي مكان شيئتم، من القبل او الدير او كيف شيئتم، بدليل ان الآية 101 من سورة الانعام تقول: " بديع السموات والارض أنى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبة". فهو هنا استعمل " أنى" بمعنى " كيف". وهناك من يقول ان القران، عن قصد، استعمل " أنى" وكان ممكناً ان يقول " متى"، لانه اراد ان يعطي المسلمين الخيار. ورغم ان بعض العلماء يقول ان الله اراد القُبل وليس الدبر لانه قال " نساؤكم حرث لكم" والحرث هو الحقل الذي ينتج المحصول، وعليه يجب ان يأتي الرجل امرأته من القبل حتى تأتى بالمحصول وهو الاطفال، يظل الباب مفتوحاً للذين يفسرون " انى" على انها ظرف مكان. وحتى التشبيه نفسه لا يجعل للمرأة اي قيمة انسانية كشريكة حياة او زوجة، انما هي حقل لكم لترموا فيه البذور متى شئتم لتنجب لكم اطفالاً.

وهنا يقدم لنا الدكتور موريس شرحاً غريباً للآية " نساؤكم حرث لكم" فيقول: ( هذه ألآية تؤكد بطريقة غير مباشرة أهمية أن يتذكر الناس أن الهدف الاساسي من الاجتماع الجنسي هو التناسل) [258] . وهذا طبعاً قول ينطبق على الحيوانات الاخرى، غير الانسان. فأغلب الحيوانات لا تمارس الجنس الا عندما تكون ألانثى في فترة الاخصاب، بمعنى أنها جاهزة لفرز بيويضاتها وبالتالى قابلة للحمل. وعندها تفرز ألانثى في بولها وفي مهبلها مادة هورمونية تُسمى " Fermone " ذات رائحة قوية لتجذب انتباه الذكور الى انها راغبة في الجماع الجنسي. واذا لم تكن ألانثى قابلة للحمل فانها تصد كل الذكور الذين يقتربون منها. فالجنس هنا غرضه الوحيد الانجاب.

ولكن مع تقدم الانسان في سلم التطور البيولوجي أرتقى عن بقية الحيوانات تضاءلت مقدرة الانثى على فرز الفيرمونات وبالتالي صارت قابلة للجماع في أي وقت، دون أن تكون قابلة للحمل. والمرأة هي الحيوان الانثوي الوحيد الذي يفعل ذلك.

ولو كان الغرض الاساسي من الجنس هو التناسل، إذاً لفرض الله علي الرجل الا يجامع زوجته طوال فترة حملها، أي تسعة أشهر، وهذا طبعاً لم يحدث. وكذلك يوعد الله المؤمنين بأعداد هائلة من بنات الحور في الجنة. ونحن نعرف من المفسرين أن بنات الحور أبكار ولا يأتيهن الحيض حتى يتسنى للمؤمنين الاستمتاع بهن في أي لحظة شاءوا. وما دامت بنات الحور لا يُحضن، فنستطيع أن نقول انهن لن يحملن، وبالتالي إذا كان الهدف الاساسي من الجنس هو التناسل، فيجب على المؤمنين الا يُجامعوا بنات الحور

والاسلام قد حدد عقوبة للمرأة التي تاتي بفاحشة غير العقوبة التي حددها للرجل. ففي سورة النساء، الآية 15: " واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفهن الموت او يجعل الله لهن سبيلاً". وكان هذا قبل ان يفتي الخليفة عمر بن الخطاب بالرجم، رغم انه ليس في القرآن، ولكنه قال ان النبي رجم ويجب على المسلمين ان يرجموا. فعقوبة المرأة قبل الرجم كانت ان تُمسك في بيتها لا تخرج منه حتى يتوفاها الموت. اما العقوبة للرجال فتختلف كل الاختلاف. ففي الآية 16 من نفس السورة نجد: " واللذان يأتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان تواباً رحيماً". فالرجل اذا ارتكب إثم اللواط مع رجل آخر، فاذوهما، اي اضربوهم بالنعل، فان تابا فاعرضوا عنهما. فالرجال لا يُحبسون في بيوتهم حتى يتوفاهم الموت، رغم ان اللواط، كما سبق ان قلنا، كان سبباً كافياً لله ان يخسف الارض بقوم لوط. ولكن الله " كان تواباً رحيماً" للرجال، كما يبدوا، اما النساء فيجب ان يكملن مدة عقوبتهن.

والاسلام احل للرجل ان يضرب زوجته ان لم تطعه. ففي سورة النساء، الآية 34 نجد: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً". فالمرأة التي لا تطيع زوجها، يهجرها الزوج في المضاجع ويستمتع هو بالزوجات الاخريات او بما ملكت ايمانه حتى ترضخ الزوجة للواقع وتطيعه، وان لم ينفع معها الهجر، يضربها، وقال العلماء يجب ان يكون الضرب غير مبرح.

وهولاء العلماء، طبعاً، لم يخطر بذهنهم ان ضرب المرأة ولو كان بقطعة من ثوب او حتى باقةٍ من الزهور، ان شئت، فيه اذلال للمرأة قد يؤلمها اكثر من ان لو ضُربت بالعصا. والقرآن يخبرنا ان ضرب المرأة كان مباشراً من ايام النبي ايوب الذي ضرب زوجته، قال بعضهم لانها خانته وقال آخرون لانها باعت ضفيرةً من شعرها عندما كان زوجها مريضاً ولا يستطيع العمل ليقتني لهما قوتاً، باعتها بخبزٍ لتطعمه، فغضب عليها وحلف ان شفاه الله ليضربها مائة جلدة. ونقرأ هذه القصة في سورة " ص" الآية 44 : " وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث انا وجدناه صابراً نعم العبد انه اواب". ويقول علماء الاسلام انه عندما شُفي ايوب من مرضه واراد ان يبر بقسمه، امره الله ان ياخذ شمراخاً به مائة قضيب ويضربها به مرة واحدة ويكون قد ابر بقسمه بان يضربها مائة مرة. [259] اين جزاء الاحسان بالاحسان؟ المرأة قصت شعرها لتشترى خبزاً تطعمه به ويكون جزاؤها الضرب مائة جلدة. وعلماء الاسلام تفننوا في تخفيف العقوبة فاخترعوا الشمراك ذا المائة قضيب. ومرة اخرى غاب عن ذهنهم تحقير المرأة بضربها ولو مرة واحدة.

والقصة اصلاً ماخوذة من اليهودية ومحرفة. فسفر ايوب الاصحاح الثاني، الآية 9 وما بعدها يخبرنا ان زوجة ايوب قالت له عندما اشتد عليه المرض، أما زلت تؤمن بربك هذا بعد ما فعل بك هذا؟ فأنّبها ايوب على قولها وقال لها هل نشكر الله على الخيرات ونلومه على المصائب. ولا تذكر التوراة ان ايوب ضرب زوجته.

اما الحديث عما يحل للرجل المسلم من نساء فطويل، وقد يكون مملاً من كثرة ما كُتب عنه. فنحن نعرف ان الذي حُلل اكثر من الذي حُرم من النساء للمسلم. فبعد تحريم الامهات والاخوات وما الى ذلك ، نجئ الى المحلل. فقد اُ حل للرجل اربعة زوجات في عصمته في آن واحد. والغريب في الامر ان الآية الثالثة من سورة النساء تقول: " وإن خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة ". والآية 129 من نفس السورة تقول: " ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ". فالله الذي يعلم كل شئ قال لنا ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، وكذلك يقول وان خفتم الا تعدلوا فواحدة. فلماذا اذاً احل للمسلمين اربعة ازواج وهو يعلم انهم لن يعدلوا ولو حرصوا؟

ولا شئ يمنع الرجل المسلم من تطليق زوجة واستبدالها بأخرى صغيرة، كما يبدل البعض سياراتهم كل عام او عامين بموديل جديد، او كما كان يفعل الملك عبد العزيز آل سعود في المملكة العربية السعودية، اذ كان كلما زار قبيلةً طلق احدى زوجاته الاربع وحل محلها بزوجة من تلك القبيلة، ولهذا يصعب على الشخص معرفة عدد زوجاته او حتى عدد اطفاله اذ كل الاهتمام ينصب في حصر الاطفال الذكور، ولا يعرف احد عدد البنات.

ونجد مثلاً في سورة النساء، الآية 24: " والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتاب الله عليكم واحل لكم ما وراء ذلك ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان الله كان عليماً حكيماً". فقد حرم عليهم المحصنات، اي المتزوجات من النساء، الا ما ملكت ايمانهم. وهذا يعني اذا اسر الرجل المسلم امرأةً في احدى الغزوات وكانت هذه المرأة متزوجة، يحل له ان يعاشرها جنسياً لانها من ما ملكت يمينه، وينطبق هذا على النساء اللائي يشتريهن بماله. وطبعاً ليس هناك اي عدد محدد لما يمكن للرجل ان يشتري او يسبي من النساء، اضافة الى زوجاته الاربعة، اللائي يمكن له ان يغير اي منهن.

وكأن هذا لا يكفي، فيمكن للرجل المسلم ان يستمتع يأمرأة اضافية لعدد محدد من الايام او الشهور اذا اتفق معها على أجر معين لقاء استمتاعه بها، وهذا ما يُعرف بزواج المتعة. فيذكر ابن كثير في تفسيره: حدثنا عبد الرزاق اخبرنا سفيان وهو الثوري عن عثمان البتي عن ابي الخليل عن ابي سعيد الخدري قال: أصبنا سبياً من سبي أوطاس ولهن ازواج، فكرهنا ان نقع عليهن ولهن ازواج فسألنا النبي (ص) فنزلت الاية " والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم". فاستحللنا فروجهن، وهكذا رواه الترمزي. وعن قيس بن عبد الله قال: كنا نغزوا مع رسول الله – ص- وليس معنا نساء فقلنا الا نختصي فنهانا عن ذلك فرخص لنا بعد ذلك ان نتزوج المرأة بالثوب ثم قرأ: " يا ايها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم". ( المائدة/87 ). [260]

وقد استدل بهذه الآية على زواج المتعة وكذلك بألآية 24 من سورة النساء: " فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضةً ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة". ولا شك انه كان مشروعاً في ابتداء الاسلام ثم نُسخ. وقد روى ابن عباس وطائفة من الصحابة باباحته للضرورة. وكان ابن عباس واُبي بن كعب وسعيد بن جبير يقرءون " فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى فاتوهن اجورهن فريضة"، فادخلوا " الى اجل مسمى". وعلى هذه القراءة يعتمد الشيعة الذين يحللون زواج المتعة حتى الان. وزواج المتعة قد يكون ثلاثة ليالي أو أطول، ولكن في ايران قد يكون زواج المتعة لعدة ساعات فقط. وهو في الحقيقة نوع من الدعارة المباحة. وقد رووي عن امام الشيعة الخامس انه قال: لو لم يحرم عمر بن الخطاب زواج المتعة فما كان من المحتمل لاي مسلم ان يرتكب جريمة الزنا، ما عدا اقلية منحطة. [261]

ويقول أمير طاهري أن اعداداً كبيرة من الارامل صغيرات السن يتجمعن في مدينة قُم نسبة لوجود اعداد كبيرة من طلبة العلوم الدينية الذين لا تكون معهم زوجاتهم او لا يستطيعون الزواج العادي، فيمارسون زواج المتعة مع هولاء الارامل اللائي يدخلن في مثل هذه الزيجات كوسيلة لكسب لقمة العيش. [262]

والأمة لا حق لها في الاسلام، فحتى لو كانت متزوجة وباعها سيدها تعُتبر طالقةً ولا حق لها او لزوجها في الاعتراض، وسيدها الجديد احق ببضعها. والأمة لا يجوز لها ان تتزوج الا بأذن سيدها، ولكن اذا كانت مملوكةً لأمرأة، فلا يمكن لمالكتها ان تزوجها، ولا بد لزوج المالكة او ولي امرها ان يعطي الموافقة بزواج الأمة. وحتى المرأة الحرة لا يمكنها ان تزوج نفسها، فالآية 25 من سورة النساء تقول: " فانكحوهن بأذن اهلهن". والحديث يقول: " لا تزوج المرأةُ المرأةَ ولا المرأةُ نفسها، فان الزانية هي التي تزوج نفسها". وغني عن القول أن المرأة المسلمة التي تمتلك عبيداً لا يحق لها ان تنكح واحداً منهم أو أكثر حتى وان لم تكن متزوجة. فهم مما ملكت ايمانها، لكنها، عكس الرجل، لا يحق لها الاستمتاع بما ملكت يمينها.

والمرأة في الاسلام هي " فرج" لا اكثر ولا اقل. والكلام عن المرأة دائماً يكون عن الفرج. فابو سعيد الخضري عندما تكلم عن سبايا اوطاس في القصة المذكورة اعلاه قال: فاستحللنا فروجهن، ولم يقل استحللنا النساء. والقرآن والعلماء المسلمين لا يقولون تزوج فلانٌ فلانةً وانما يقولون نكحها. وعندما يذكرون قصة حفصة بنت عمر بن الخطاب زوجة النبي، عندما دخلت بيتها ووجدت النبي مع مارية القبطية، قالوا: " دخلت عليه وهو يطأ مارية". والانسان يطأ الشئ بقدمه او بنعله، ويُعتبر الشئ الموطوء تافهاً ولا قيمة له.

والرسول في حجة الوداع قال: إتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله وأستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرّح. [263] فالرسول هنا يقول قد استحللتم فروجهن، ولم يقل حبهن أو صداقتهن، وانما فروجهن.

والاسلام دائماً يعامل المرأة معاملة تختلف عن معاملة الرجل. ففي سورة الممتحنة الآية 10 وما بعدها، نجد: " يايها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فأمتحنوهن، الله اعلم بايمانهن، فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن واتوهم ما انفقوا ولا جناح عليكم ان تنكحوهن اذا اتيتموهن اجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما انفقتم وليسئلوا ما انفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم". فاذا جاء رجل وقال للمسلمين انه قد اسلم فلا امتحان عليه ولكن اذا جاءت امرأة وقالت انها اسلمت، يجب ان نمتحنها لنعرف مدى صدقها، رغم ان الله قال في الاية " اذا جاءكم المؤمنات"، فهو قد علم مسبقاً انهن مؤمنات وخاطبهن ب " المؤمنات" ولكن يجب ان نمتحنهن.

والاسلام دائماً يعامل المرأة على اساس انها سلعة تباع وتشترى ولها ثمنها. فالله يقول للمسلمين اسألوا الكفار كم انفقوا واعطوهم ما انفقوا وامسكوا النساء عندكم وانكحوهن، واذا واحدة من نسائكم ذهبت للكفار، اطلبوا منهم ما انفقتم عليها.

وما دامت المرأة سلعةً ولها ثمن فهي اذاً جائزة تقدم للمسلم الذي يعمل صالحاً ويدخل الجنة. وبما ان المرأة في الاسلام عبارة عن " فرج"، نجد الاسلام مهوس بالبكارة وبالعذارى، فعندما يصف القرآن الجنة دائما يوعد الرجال الذين يعملون صالحاً عذارى من الحور، فمثلاً في سورة الرحمن، الآية 56: " فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن قبلهم انس ولا جان".

وفي سورة الواقعة، الآية 35 وما بعدها: " إنا أنشأنهن إنشاءً، فجعلنهن ابكاراً، عُرباُ اتراباً". وفي سورة الدخان، الآية 53: " يلبسون من سندس واستبرق متقابلين، كذلك وزوجناهم بحور عين". وفي سورة " ص " الآية 51: " متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب، عندهم قاصرات الطرف اتراب". ويقول المفسرون ان بنات الحور عذارى، ولا يأتيهن الحيض حتى لا تكون عليهن نجاسة، وكل ما جامع الرجل احدى بنات الحور العذارى رجعت عذراء كما كانت بحيث انه في كل مرة يجامعها فهي عذراء.

وعندما وجدت حفصة النبي مع مارية القبطية في سريرها، طلب منها النبي الا تخبر عائشة وتعهد ان يُحرّم مارية على نفسه ولا يقربها ابداً. ولكن حفصة اخبرت عائشة، فغضب النبي على نسائه وكاد ان يطلقهن، فانزل الله سورة التحريم، الآية 5: " عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وابكاراً" ويقول ابن كثير في شرح " ثيبات وابكارا" : " اي منهن ثيبات ومنهن ابكاراً ليكون ذلك اشهى الى النفس، فان التنويع يبسط النفس ". فالمرأة خُلقت واُعطيت غشاء البكارة لتبسط الرجل الذي يحب التنويع بين العذراء والثيب. وقال محمد بن مرزوق عن عبد الله بن امية: " ثيبات وابكاراً" لان الله كان قد وعد نبيه (ص) ان يزوجه بثيب وابكاراً في الجنة، والثيب هي آسية أمرأة فرعون والابكار مريم بنت عمرآن وكلثم اخت موسى.

وفي احدى الروايات ان النبي دخل على خديجة وهي في الموت فقال: " يا خديجة اذا لقيت ضرائرك فاقرئيهن مني السلام". فقالت: يا رسول الله وهل تزوجت قبلي؟ قال: " لا، ولكن زوجني الله مريم بنت عمرآن وآسية أمرآة فرعون وكلثم اخت موسى". ولان المسلمين مولعين بالعذارى انتحلوا مثل هذه الاحاديث، وغاب عنهم ان الاسلام يُحرم الجمع بين الاختين، فكيف اذاً يزوج الله النبي محمد من مريم بنت عمرآن وهي اخت هارون، حسب ما يقول القرآن ( يا أخت هارون)، وكلثم اخت موسى، اي بمعنى آخر اخت هارون كذلك.

ولا نرى في القرآن ولو آيةً واحدةً تقول للنساء المؤمنات القانتات، اذا عملن صالحاً سيجازيهن الله بفتيان من الملائكة او الحور. وقد يقول قائل إن هذا يرجع الى أن المرأة المسلمة اذا كانت متزوجة فهي حرام على غير زوجها. ولكن لماذا لا يجازي الله النساء اللائي لم يتزوجن أو متن وهن مطلقات او طفلات صغيرات، برجالٍ من الملائكة مثل ما جازي الرجال ببنات الحور. وهناك ملايين النساء المسلمات اللائي يمتن دون ان يتزوجن، فما هو جزاءهن في الجنة. وما جزاء المرأة المتزوجة والتى تعمل صالحاً وتدخل الحنة؟ هل تُترك بدون رجل و بدون متعة جنسية لان زوجها لديه العشرات من بنات الحور اللائي لا يحضن وتكون الواحدة منهم عذراء في كل مرة يأتيها زوجها؟، فهي حتماً لا تستطيع ان تنافس بنات الحور. أم يُتوقع منها ان تكتفي بالفواكه وانهار الخمر والعسل؟

والاسلام هو الدين الوحيد الذي اقر صراحةً زواج الطفلة التي لم تبلغ سن المحيض. ففي سورة الطلاق نجد انه اباح لهم ان يتزوجوا الطفلة و يطلقوها، ولم تكن بعد قد بلغت سن المحيض: " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن واولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن". ويقول ابن كثير: عدة الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض ثلاثة شهور. وقد سبق ان ذكرنا ان النبي تزوج عائشة وعمرها ست سنوات ودخل عليها وعمرها تسع سنوات.

وباختصار المرأة في الاسلام اداة لأستمتاع الرجل لا يحق لاي رجل آخر النظر اليها كي لا يطمع بها، ولذا وجب علينا حبسها في منزلها لا تبرحه الا للضرورة القصوي، وعندئذ يجب ان تغطي كل جسمها من رأسها الى اخمص قدميها. واذا مشت في الطريق يجب ان تحتك بالحائط ولا تمشي بوسط الطريق لان هذا تبرج. ولان المرأة تحيض فهي نجسة اذا لمسها المتوضي انتقض وضوءه ويجب عليه ان يتوضأ مرةً اخرى، حتى وان لم تكن المرأة حائضاً وقتها.

والقرآن يخبرنا في سورةالنساء الآية 43: " وان كنتم مرضى او على سفر او جاء احدكم من الغائط او لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً". ونلاحظ هنا في نواقض الوضوء ان المرأة ذُكرت بعد الغائط ( البراز) مباشرة، فهي نجسةٌ و قذرةٌ ولذلك اذا جامع الرجل المسلم امرأته قام عنها بمجرد ان قذف ماءه فيها، ولا يصح له ان يظل بداخلها اي مدة اطول من الضروري لاخصابها. والمرأة لا يُعتمد عليها لانها ناقصةٌ عقل ودين ولذلك شهادتها نصف شهادة الرجل. وفي رواية عن عمر بن الخطاب: يحلفن وهن الكاذبات ويتمنعن وهن الراغبات.

وعلى المرأة الطاعة العمياء لزوجها لدرجة ان بعض العلماء يقولون اذا كان للرجل عذر شرعي يحل له ان يفطر في رمضان فعلى زوجته ان تفطر معه حتى وان لم يكن لها عذر للافطار، لان زوجها قد يخطر له ان يقبلها او يجامعها اثناء النهار. واذا رفضت المرأة ان تطيع زوجها طاعة عمياء يحق له ان يضربها.

والاسلام لا يعترف بالاغتصاب. فإذا ادعت المرأة ان رجلاً اغتصبها، فعليها ان تأتي بأربعة شهداء ذكور، فشهادة المرأة لا تقٌبل في هذه الحالة لان الجرم إذا ثبت يستدعي الرجم إذا كان الرجل محصناً، ولذلك لا تقبل شهادة الانثي. فلو اتت المرأة بعشرة شهود من النساء ليثبتن انه اغتصبها، فلا وزن لهذه الشهادة. ويقول احمد بن نجيب المصري: " اذا كان الجرم يختص بالزنا او اللواط، فيجب احضار اربعة شهود من الرجال" ويجب ان يكونوا قد رأووا المرود في المكحلة. ولذلك عندما اشتكى أحد ألاباء في باكستان ان احد رجال الدين قد أغتصب ابنته البالغة من العمر الثالثة عشر، لم تستطع الشرطة ان تقدم رجل الدين للمحاكمة لان قانون باكستان الاسلامي يتطلب احضار اربعة شهداء رجال. [264] وهل هناك رجل عاقل يغتصب إمرأة بحضور أربعة رجال آخرين في نفس الغرفة، ليشهدوا عليه؟

وعندما كان المسلمون يتهمون زوجاتهم بالخيانة الزوجية ونزلت الآية" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون"، [265] احتج المسلمون للرسول وقالوا من اين لهم باحضار أربعة شهداء. وقال القرطبي: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات قال سعد بن معاذ: يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أأمهله حتى آتي بأربعة! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه. فقال رسول الله –ص- أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه والله أغير مني [266] . وبعد هذا الاحتجاج من الرجال المسلمين نزلت آية الملاعنة، وسُمح للرجل اذا وجد رجلاً آخر مع أمرأته ولم يكن هناك شاهد غيره، ان يشتكي للحاكم ويُحضر الحاكم المرأة والرجل ليقسم كل واحد منهم انه على حق، فيُفرّق بينهما. ولكن هذا الحكم لا ينطبق على المرأة التي تدعي ان رجلاً اغتصبها.

ولا يوجد في الشريعة الاسلامية تعريف للاغتصاب. ولهذا السبب أي امرأة مسلمة تدعي ان رجلاً اغتصبها قد تنتهي مدانة بجريمة الزنا، لانها لا تستطيع ان تحضر الاربعة شهداء، وهذا ما يحدث في باكستان كما تقول جمعية الاخوات المسلمات. [267] وليس ببعيد عن الاذهان قصة المرأة النيجيرية، صفياتو حسيني، التي تقول ان جارها، يعقوبو أبو بكر، قد اغتصبها واصبحت حبلى. وكالمتوقع فإن أبو بكر انكر انه رآها، ناهيك عن انه اغتصبها. وبالتالى حكمت المحكمة الشرعية على صفياتو بالرجم [268] . وتقول جمعية الاخوات المسلمات أن 75 يالمائة من النساء في سجون باكستان من المتهمات بالزنا هن في الواقع ضحايا اغتصاب. [269]

الفصل الثامن

الرق في الاسلام

منذ أمد بعيد في التاريخ والرق معروفٌ لدى كافة الشعوب وفي كل القارات. وكان المصدر الرئيسي للرق هو الحروب التي لا بد ان يكون فيها هازم ومهزوم. والمهزوم كان مصيره ان يُستعبد ويصير اليد العاملة في الحقل او الرعي ان كان رجلاً، او خادماً بالبيت، خاصة اذا كان أمرأة. وبعض النسوة المملوكات اصبحن اداة للمتعة الجنسية للمالك. ومع تقدم الانسان ونشوء الدول والجيوش التي تدافع عن هذه الدول، ازداد الطلب لامتلاك العبيد للقيام بكافة الاعمال التي كان يقوم بها الرجال الاحرار قبل انضمامهم للجيش وانشغالهم بالحروب. وكانت الامبراطورية الرومانية خير مثلٍ لما نقول، فعندما اتسعت رقعة الامبراطورية وشملت معظم اجزاء العالم المعروف في تلك الايام وانتشر الجيش الروماني في تلك البلاد، قل عدد الرجال الباقين في روما، مما اضطر الدولة للاعتماد علي العبيد للقيام بكافة الاعمال.

حتى الجيش الروماني نفسه كان اعتماده علي العبيد كبيراً اذ احتاجهم في سفن الاسطول الحربي التي كانت تعتمد في حركتها على المجاديف اذا لم تكن الريح كافية لدفعها. ومع اكتشاف اميريكا وانتشار زراعة القطن بها احتاج الرجل الابيض لعدد كبير من الايدي العاملة لزراعة وحصد القطن، فغزا تجارهم السواحل الافريقية لاصطياد الافارقة وبيعهم في اميريكا واوربا كعبيد.

والجزيرة العربية بحكم قرب شواطيها من افريقيا جلب تجارها العبيد من تلك القارة ومن اجزاء اخري من العالم. فكان مثلاً لبني مخزوم الاثرياء جملة جواري يونانيات، كما كان للعباس عم النبي جوار يونانيات كذلك. واُشير الى وجود جواري فارسيات، وكان هذا الرقيق الابيض ذكوراً واناثاً من جنسيات متعددة، منهم من كان من اصل رومي، ومنهم من كان من عنصر اوربي، ومنهم من كان من اهل العراق مثل نينوى وعين التمر، ومنهم من كان من بلاد الشام او من اقباط مصر [270] . وقد كانت هناك بمكة كذلك جالية كبيرة من العبيد عُرفوا ب " الاحابيش". وبينهم عدد كبير من النصارى استوردوا للخدمة وللقيام بالاعمال اللازمة لاثرياء مكة. [271]

وعند ظهور الاسلام كانت كل الاسر المعروفة في مكة تملك عبيداً. وقد رأينا ان اول من آمن بمحمد كانوا خمسة أعبدٍ وخديجة وابو بكر. والرسول نفسه كان له عدة عبيد وإماء، ذُكر منهم: أسامة بن زيد بن حارثة، وأمه وكان اسمها بركة، كانت حاضنة رسول الله في صغره، ومنهم ابو رافع القبطي ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي ومنهم ثوبان بن يُجدد ويُقال له ابو عبد الكريم ومنهم حنين وهو جد ابراهيم بن عبد الله بن حنين، ومنهم رافع او ابو رافع ويقال له ابو البهي، ومنهم رباح الاسود ومنهم رويفع ومنهم زيد بن حارثة الكلبي ومنهم زيد ابو يسار، ومنهم سفينة ابو عبد الرحمن وهذا لقب اعطاه إياه الرسول، ومنهم سلمان الفارسي ومنهم شُقران الحبشي ومنهم ضُميرة بن أبي ضُميرة الحميري ومنهم عُبيد مولى النبي ومنهم فضالة ومنهم قفيز وكركرة وكيسان ومابور القبطي الخصي ومنهم مدعم وكان اسود من مولدي حسمي بارض الشام ومنهم مهران أو طهمان وميمون ونافع ونُفيع وواقد وهشام مولي النبي ويسار ويقال انه الذي قتله العرنيون ومثلوا به، ومنهم ابو الحمراء وابو سلمى راعي النبي وابو ضميرة وابو عسيب وابو كبشة الانماري وابو مويهبة. وكان له عدد كبير من الاماء.

وبعد الهجرة الى المدينة وابتداء الغزوات زاد عدد الاماء والعبيد الذين اُسروا في المعارك. وفي أيام الدولة الاموية عندما امتدت اطراف الدولة الاسلامية الى افريقيا والاندلس واوربا، رجعت الجيوش العربية بكميات هائلة من الجواري والعبيد، ويقال انه بعد فتح اسبانيا رجع بعض الجنود ومعهم خمسة وعشرون ألف فتاة اسبانية هديةً للخليفة الاموي.

ورغم ان الاسلام حاول تشجيع المسلمين على اعتاق عبيدهم بجعله تحرير رقبة مكان الكفارة عن عدة معاصي، فمثلاً في الآية 92 من سورة النساء نجد: " وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً الا خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة". وفي سورة المائدة، الآية 89: " لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة". وسورة المجادلة، الآية الثالثة تقول: " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا". الا انه في نفس الوقت شجعهم على امتلاك عدد متزايد من العبيد والاماء بجعل الجهاد في سبيل الله فريضة على كل مسلم قادر على حمل السلاح. وكما ذكرنا سابقاً فان الحروب التي خاضها المسلمون لنشر الاسلام جلبت لهم عدداً من العبيد والاماء يفوق عدد الذين اعتقوا.

ومعاملة الاسلام للعبيد في النواحي الشرعية لا تساويهم باخوانهم واخواتهم المسلمين الاحرار رغم ان الاحاديث النبوية تقول: " لا فرق بين عربي وعجمي الا بالتقوى" وكذلك " المسلمون سواسية كاسنان المشط". فنجد اختلافاً بيناً في القصاص. ففي الآية 178 من سورة البقرة نجد: " يايها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى". فحياة العبد لا تساوي حياة الحر، فلو قتل حرٌ عبداً لا يُقتل الحر بالعبد، ولكن يُقتل العبد اذا قتل حراً. أما الاماء فلا تساوي الواحدة منهن، حتى المسلمة، الا نصف الحرة حتى في العقاب. فالمرأة الحرة كلها عورة ولا يجوز ان تكشف اي جزء من جسمها غير وجهها ويديها، ام الامة فعورتها من سرتها الى ركبتيها، ولذا يجوز لها ان تكشف صدرها ان ارادت. والأمة اذا طُلقت او مات زوجها فعدتها نصف عدة الحرة. والأمة او العبد لا يتزوجوا الا بإذن سيدهم. وألأمة اذا كانت متزوجة وباعها سيدها، تُعتبر طالقةً من زوجها وليس له الحق في الاعتراض.

والآية 25 من سورة النساء تخبرنا عن الاماء: " فاذا أُحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب". وعليه اذا زنت ألأمة لا تُرجم حتى وان كانت متزوجة بل تُجلد خمسين جلدةً، ويُقاس عليهن العبيد كما يقول تفسير الجلالين [272] . وأما نكاح الاماء فمباح للسيد متى ما شاء واي عدد من الاماء شاء. ومن لم يستطع من المسلمين نكاح المحصنات المؤمنات لعدم مقدرته مادياً فلينكح أمةً بإذن اهلها، ولكن هذا غير مستحب لان اولاده منها يكونون ملكاً لسيدها.

والعرب عامةً كانوا يعتبرون العبيد اقل منهم شأناً، فقد روى النسائي عن أنس قال: لما جاء نعي النجاشي ملك الحبشة، قال الرسول (ص) : " صلوا عليه"، قالوا: يا رسول الله، نصلي على عبدٍ حبشي؟ [273] رغم ان النجاشي آواهم واطعمهم لما كانوا مستضعفين بمكة، وهاجروا اليه ليحميهم من قريش ولم يقولوا وقتها انه عبد حبشي. وفي حديث للنبي انه قال: " أطيعوا أولو ألامر فيكم ولو كان عبداً حبشياً رأسه كالزبيبة ". "ولو" اصلاً حرف امتناعٍ لأمتناع، وهذا يعني انه أمتنع ان يكون ولي الأمر فيكم لكونه عبدٌ حبشيٌ رأسه كالزبيبة. والحديث يعني انه حتى لو صار ولي الامر فيكم احقر شخص بينكم، وهو العبد الحبشي، اطيعوه.

وقد يفهم الانسان ان المجتمعات التي تحكمها القوانين الوضعية قد اباحت الرق في فترة من تاريخها، لكن كل هذه البلاد قد حرمت الرق في القرنين التاسع عشر والعشرين. ولكن الاسلام دين سماوي من عند الله، الذي خلق كل الناس من آدم وحواء وجعلهم متساوين، والخليفة عمر بن الخطاب قال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً، فكيف يبيح دين سماوي الرق؟ وفي اعتقادي ان التشجيع على اعتاق رقبةٍ مؤمنة لا يتساوى مع تحريم الرق، وكان يجب على الاسلام ان يحّرم الرق بالنص. والجدير بالذكر ان الدول العربية لا تحرم الرق في دساتيرها وان كانت لا تمارسه، وإن كان لا يزال ممارساً في موريتانيا والسودان، لان الرق مسموح به في الاسلام.

والجدير بالذكر أنه وفقاً للأنباء المتسربة من موريتانيا مؤخراً يبدو أن البلد يعاني حالياً من صراع داخلي بسبب مؤسسة الرق والمحاولات الجارية لإلغائها. يبدو كذلك أن القطاع الحديث و"المتغرب" (اللجنة الوطنية للخلاص الوطني) هو الذي اتخذ القرار بإلغاء العبودية، مما يشكل قطعاً مع الموروث الثقافي الإسلامي، وإن القطاع التراثي العضوي في المجتمع هو الذي يقاوم هذا الإجراء التحديثي ويطالب الحكومة بدفع التعويضات لسادة العبيد (وليس للعبيد طبعاً) والعبد الذي يهرب من سيده يعاد إليه قسراً إستناداً إلى فتوى إسلامية رسمية ملزمة. (أنظر السفير اللبنانية في 7/7/1980)

وفي القرن التاسع عشر عندما ابتدأ الانجليز يضغطون على البلاد التي كانت تمارس الرق ليحملوهم على تحريمه، كتب سلطان المغرب: " تجارة الرقيق أمر اتفقت عليه جميع المذاهب والامم من زمن ابينا آدم حتى اليوم. وانا لا اعتقد ان هناك اي أمة او مذهب حرمها، وحتى مجرد ان يفكر شخص ان تجارة الرقيق غير أخلاقية، فأمر عجيب. ولا يحتاج احد ان يسأل هذا السؤال لان الاجابة عليه باينة للعالي والواطي ولا تحتاج لتبيان اكثر مما يحتاج ضوء الشمس لتبيان" [274]

الفصل التاسع

الجهاد وانتشار الاسلام

قد رأينا فيما سبق ان الرسول عندما كان مستضعفاً بمكة كان متسامحاً مع الكافرين، ولكن بمجرد أن هاجر الى المدينة وقويت شوكته، ابتدأت تظهر بعض ألآيات التي تُحض على قتالهم. وأول سورة نزلت بالمدينة كانت سورة البقرة، وفيها نجد: " وأقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة أشد من القتل". [275]

ثم ظهرت ألآية: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن إنتهوا فلا عدوان الا على الظالمين" [276] . ومن حينها صار قتال المشركين فرضاً على المسلمين، وسموه جهاداً، وصار الجهاد فرض عين واجباً على كل مسلم قادر، ونزلت ألآية: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً" [277]

وقد يقول قائل أن الله قد قدم المجاهدين بأموالهم على المجاهدين بأنفسهم، ولذا قصد بالجهاد التبرع بالاموال. ولكن يجب أن نتذكر أن هذه ألآيات نزلت في بداية هجرة الرسول الى المدينة، حينما أبتدأ في تكوين أول دولة للمسلمين، وهذه الدولة كانت في حاجة للمال لتجهيز الجيش وإعالة أهل من قتل من المسلمين، ولذا كان ذكر الاموال مهماً. ولكن بعد فترة قصيرة صار التركيز على القتال واضحاً. ففي سورة النساء، ألآية 74 نجد: " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالاخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يُغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً".

ثم توالت ألآيات التي تُحض على القتال، فنجد: " سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الاعناق وأضربوا منهم كل بنان" [278] . وكذلك: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منّاً بعد وأما فداء حتى تضع الحرب أوزارها" [279] . واخيراً نزلت أية السيف التي ألغت كل معاهدة مع اليهود والمشركين وفتحت باب الجهاد على مصراعيه: " فإذا انسلخ الاشهر الحُرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم" [280] . وكذلك في نفس سورة التوبة ألآية 29 تقول: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون".

وبعد التحريض على القتال جاء تحذير المجاهدين من الفرار من المعارك: " ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم ألادبار. ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفاً لقتال أو متحيزاً الى فئةٍ فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" [281]

وفي آية أخرى يسأل الله المؤمنين إن حسبوا أنهم سيدخلون الجنة بدون جهاد: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" [282] . وبعد أن حذّر الله المؤمنين من الفرار من المعارك وأخبرهم أنه يريد أن يعلم المجاهدين منهم حتى يدخلهم الجنة، أمتشق المؤمنون سيوفهم، واندفعوا في غزواتهم داخل المدينة وما حولها، ضد اليهود والمشركين. ومن الصعب تحديد هل كان الدافع الاهم الجهاد ام الغنيمة التي أحلها لهم الله من سبايا وأموال. وعلى كل حال أخضعوا نجد والحجاز وكل اواسط الجزيرة في حياة النبي، واجبروا كل من لم يسلم على دفع الجزية بيدٍ وهم صاغرون.

وبعد وفاة الرسول جهز الخليفة أبو بكر جيشاً لغزو سوريا في عام 634 ميلادية. وفي هذه الحملة قتل جيش المسلمين أربعة آلاف من المسيحيين واليهود وحرقوا الكنائس والاديرة وحطموا الاصلبة، حسب شهادة القديس سوفروس في القدس [283] . وفي منطقة ما بين النهرين " Mesopotamia " ما بين سنة 635 و642 دمر جيش المسلمين كل الاديرة وقتلوا الرهبان، وأجبروا العرب المسيحيين على اعتناق الاسلام.

وأما عمرو بن العاص عندما غزا مصر فعل بالسكان ما لم يفعله فرعون باليهود، حسب مذكرة الاسقف جون، فعندما دخلوا مدينة بهنيسة قرب الفيوم قتلوا كل من سلّم نفسه لهم ولم يرحموا لا النساء ولا الاطفال. ولم يكن مصير أهل الفيوم بأحسن من مصير جيرانهم. وكل شمال افريقيا عانى نفس المصير، خاصةً طرابلس التي اجتاحوها في عام 643 ميلادية. وفعل معاوية في قبرص ما فعل عمرو بن العاص في مصر.

أما غزو السند والهند في ايام الحجاج بن يوسف فقد وُصف بأنه القمة التي وصلت اليها القسوة في الجهاد. وقائد جيوش الحجاج في السند في عام 712 ميلادية كان محمد بن القاسم، وقد أمره الحجاج أن يجلب الدمار على الكفار، الا إذا أسلموا وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يقتل كل من لا يسلم. ويوم أن احتلوا ميناء " ديبال" أعطى القائد جنوده ثلاثة أيام ليستبيحوا المدينة، ولكنه تساهل مع السكان الذين بقوا على قيد الحياة بعد اليوم الثالث وسمح لهم بممارسة معتقداتهم، غير أن هذا لم يعجب الحجاج بن يوسف الذي كتب الى قائده يذكره أن الله قد قال: " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق" [284] . وكرر عليه أن أوامره كانت بقتل كل الرجال المحاربين وعلى أن تؤخذ بناتهم واولادهم أسرى، وعليه لما دخل جيش المسلمين مدينة " برهامباد" أمر محمد بن القاسم بقطع رأس كل الرجال المنتمين الى الجندية، وقد قدروا عدد الذين قُطعت رءوسهم بحوالي ستة ألآف رجل، وقال بعضهم ستة عشر ألف رجل [285] .

أما الهند فقد غزاها محمود القازني في عام 1000 ميلادية ومر بها مرور العاصفة، فحطم معابدها وسلب ذهبها ومجوهراتها وقتل ما شاء الله له ان يقتل، وبرر كل هذا بالجهاد من أجل الله والاسلام. وقد ابتدأ حملته بأسر ملك البنجاب واجبر سكان منطقة " قور" على اعتناق الاسلام. وعندما أحتل مدينة " ماتورا" المقدسة، التي كانت معقل الإله كرشنا، حطم أكبر معبد بها واستولى على خمسة تماثيل من الذهب الاحمر، طول كل تمثال خمسة ياردات، وعيونهم مصنوعة من الاحجار الكريمة [286] . وفي مدينة سومنات قتل محمود حوالي 50,000 شخصاً وسلب ما طاب له.

والاندلس لم تكن أحسن حظاً عندما دخلها خالد بن الوليد، فقد واصلوا القتل والسلب وفرضوا الجزية على من لم يسلم. وفي كتاب التاريخ الكامل لابن ألاثير ( 1160-1233) نجد تفاصيل حروبهم في الاندلس. ففي عام 793 ارسل الامير هشام جيشاً تحت إمرة عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث الى اواسط الاندلس ووصل حتى القيروان، ولعدة أشهر جاب طول البلاد وعرضها يقتل ويسلب ويسبي النساء، ورجع سالماً وخلفه عدد من الاسرى لا يعلم بعددهم الا الله. [287]

وكنتيجة لهذا الجهاد انتشر الاسلام في الجزيرة العربية وشمال افريقيا وتركيا والهند والسند وأرمينيا وفارس والاندلس واجزاء من اوربا الشرقية. ومما لا شك فيه أن كل السكان الاصليين في تلك البلاد اعتنقوا الاسلام تحت تهديد القتل او الجزية، فلم يكن لديهم الخيار ولم يقنعهم أحد باعتناق الاسلام عن طريق المحاورة والجدال. والدليل على ذلك أنه بمجرد أن دارت الايام على الجيوش العربية في الاندلس، التي ظلوا بها حوالي خمسمائة عام، رجع السكان الاصليون الى المسيحية ولم يبق في اسبانيا غير حفنة بسيطة من المسلمين. ونفس الشئ حدث في أوربا الشرقية وأرمينيا وغيرها.

وأغلب الذين اسلموا في جزيرة العرب فعلوا ذلك تحت حد السيف، كما هو واضح من خُطبة ثابت بن قيس بن شماس يوم قدمت بنو تميم لتبايع الرسول، فقد قال: " فنحن انصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا، فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً وكان قتله علينا يسيراً" [288] . فإذاً لم يكن أمام الناس في تلك ألايام خيار، أما الاسلام أو القتل. وبمجرد أن مات الرسول ارتدت القبائل العربية عن الاسلام، مما اضطر الخليفة ابا بكر أن يشن عليهم حروب الردة ويجبرهم على الرجوع الى حظيرة الاسلام.

وحتى المسلمين الان في البلاد العربية وغيرها أسلموا بالوراثة لانهم نشأوا في بيوت مسلمة وما عرفوا اي ديانة اخرى، أو بمعنى آخر لم يكن لهم الخيار في اختيار عقيدتهم. وفيما بعد إذا حاول أي منهم الخروج من الاسلام، أعتبروه مرتداً وأباحوا دمه كما فعل أبو بكر قبل 1400 سنة. وهناك أمثلة كثيرة من مصر والكويت وباكستان وغيرها عن مسلمين حاولوا اعتناق المسيحية ووجدوا انفسهم امام المحاكم الشرعية لانهم مرتدون.

فهل يستطيع أي مسلم الان أن يقول أن ألآية: " لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" تعني أي شئ لأي منهم؟ ورغم وجود هذه ألآية فهناك أعداد كبيرة من المتزمتين الذين يقفون على أهبة الاستعداد لشن الجهاد ضد من يحاول الخروج من الاسلام، بدعوى أن ألآية سابقة الذكر نُسخت بآية السيف، ويدّعون أنهم انما يفعلون ذلك بتفويض من الله. ولكن الله قال: " وما محمد إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين". [289] ويقول القرطبي في تفسيره لهذه ألآية: انقلبتم تعني ارتددتم عن الاسلام. فالذين يرتدون لن يضروا الله شيئاً، فلماذا يجاهد المتزمتون بالانابة عن الله كانما الله عاجزٌ عن أن يعاقب من ارتد إن أراد ذلك.

وانتهز السلفيون مفهوم الجهاد هذا وأجروا عمليات غسيل المخ لأطفال أبرياء، أقنعوهم أنهم إذا قتلوا أنفسهم في الجهاد في سبيل الله فسوف يجازيهم الله ببنات الحور اللائي ما زلن منذ الان في انتظارهم في جنة الفردوس. وراح العشرات ضحايا هذا الاستشهاد في سبيل الله.

وقد يقول قائل أن هذا الاستشهاد ليس وقفاً على المسلمين، فقد فعله اليابانيون في الحرب العالمية الثانية عندما قاموا بعمليات " الكاماكازي" ضد السفن الحربية الامريكية. واليابانيون في ذلك الوقت كانوا كالمتزمتين الاسلاميين الان، فكانوا يؤمنون بمصطلح " ألامبراطور الإله"، أي يمعنى أنهم كانوا يؤمنون أن أمبراطورهم " هيراهيتو" كان التجسيم الانساني للإله. وما قاله الامبراطور هو قول الله. وأمرهم أمبراطورهم ( إلههم) بتفجير سفن العدو والاستشهاد في سبيل الامبراطور والوطن. ففعلوا. وليس هناك أي ديانة أخرى تُحث معتنقيها على قتل أنفسهم في سبيل إلههم.

الفصل العاشر

ماذا اخذ الاسلام من الديانات الاخري:

الاسلام، مما لا شك فيه، قد اقتبس من الديانات الاخرى بحكم الجوار واختلاط عرب الجزيرة باليهود والنصارى والفارسيين واالحبشة والهند. فلنبدأ باليهودية لانها اكثر أثراً في الاسلام. فهناك كلمات معينة في القرآن ليست عربية ويسهل ارجاعها الى العبرية. فخذ مثلاً:

التابوت:

هذه ليست كلمة عربية. والكلمات التي تنتهي ب " وت" اما ان تكون عبربية او كلدانية او سريانية. واستعمل القرآن كلمة " تابوت" مرتين وبمعنى مختلف في كل مرة. في سورة طه الآية 39 عندما يتكلم القرآن عن موسى عندما وضعته أمه في النهر: " أن اقذفيه في التابوت فأقذفيه في أليم فليلقه أليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له". والتابوت هنا تعني سلة صغيرة وُضع فيها موسى. ونفس الشئ موجود في التوراة: " وعندما لم تستطع إخفاءه اطول من ذلك، أخذته ووضعته في تابوت من الحشائش وطلت التابوت بالغار ووضعت فيه الطفل، ووضعته بضفة النهر" [290] . والمرة الثانية التي يذكر فيها القرآن التابوت فهي في سورة البقرة الآية 248 عندما قالوا لنبيهم شمويل: انزل لنا مًلكاً نقاتل معه: " وقال لهم نبيهم إن آية مُلكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينةٌ من ربكم ". والتابوت هنا ، حسب تفسير الجلالين، يعني صندوق به صور الانبياء انزله الله على آدم واستمر الى بني اسرائيل. بينما اليهودية تستعمل كلمة التابوت لتعني الميثاق بين الله وبني اسرائيل " The Ark of the Covenant ".

جهنم:

وهذه الكلمة كذلك مشتقة من العبرية وكانت تدل اولاً على اسم مكان يدعى وادي هينوم " The Vale of Hinnom ". وكان هذا المكان مخصص لعبادة الاصنام، ولكراهية اليهود لعبادة الاصنام اصبح هذا الوادي يعرف بوادي العذاب او جهنم، " Gehinnom " وقد ورد هذا الاسم في تلمود اليهود. وكذلك ورد في الانجيل ك " جهينا" دون الميم، " Gehenna ". وهذه كلمة من اصل سرياني. وقد يكون محمد قد سمع هذه الكلمة من النصارى ولكن اغلب الظن انه سمعها من اليهود في مكة.

احبار:

الكلمة العبرية لأحبار هي " Habber " وتعني " مرافق" وذُكرت في المشنة اليهودية. والكلمة اصلاً اُستعملت لترمز الى جماعة من اليهود المتدينيين فصلوا انفسهم عن بقية اليهود وتفرغوا للعبادة، وكانوا متحمسين لنقل التراث شفهياً. ولكي يفعلوا هذا كان لا بد لهم من ملاقاة الناس وتدريسهم التراث، ولذلك اعتبروهم معلمين او مدرسين. والواحد منهم كان يُعرف ب " حبيرم" " Habberim " أما كلمة " الرهبان" والراهب فمشتقة من اللغة السريانية التي كان يستعملها النصاري في الجزيرة العربية. واصل الكلمة في اللغة السريانية " رحبوي" " Rahboye " وتعني " الخوف اي الذي يخاف الله". وكذلك كلمة قسيسين مشتقة من الكلمة السريانية " Gashishoye " وتعني " الكبار" اي رؤوس القبيلة [291] . ونجد القرآن يجمع بين الاثنين في آية واحدة وهي الآية 82 من سورة المائدة: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وانهم لا يستكبرون".

رباني:

وهذه كلمة عبرية أُستعملت في اليهودية لتعني " معلم"، واصلها " راباي" " Rabbi " وهي مستعملة في عصرنا هذا لتعني رجل الين اليهودي اي المعلم، الذي يعلم اليهود دينهم. ويبدو ان " ربان" اعلى درجةً من " راباي". وقد ذكرها القرآن في الآية 44 من سورة المائدة: " إنا انزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا علية شهداء".

السبت:

الايام الخمسة الاوائل من ايام الاسبوع عند العرب سميت علي عددٍ من واحد الى خمسة، فنجد الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس، اما اليوم السادس فكان اليوم الذي يجتمع فيه اهل مكة ليتشاوروا فيما بينهم في دار الندوة ولذلك سموه الجمعة. واليوم الوحيد الذي يختلف عن هذه التسميات هو يوم السبت، الذي أُخذ من اليهود الذين سموا سابع ايام الاسبوع " Sabbath " فصار سبتاً عند المسلمين، وذُكر في القرآن في الآية 65 من سورة البقرة: " لقد علمتم الذين أعتدوا فيكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين".

المثاني:

قد قلنا سابقاً ان الاحبار هم الذين كانوا متحمسين لنقل التراث شفهياً، واصبحت هذه الطريقة من التدريس تسمى مشنة " Mishnah " ولما كان الشين في العبرية يحل محل السين في العربية، تصبح الكلمة العبرية " مسنة " عندما تترجم للعربية. وبما انها مفرد، قال العرب ان جمعها يكون " مساني"، ودخل عليها بعض التحريف الذي غير السين الى ثاء فصارت " مثاني" كما في الآية 87 من سورة الحجر: " ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم". وقد قلنا سابقاً ان " مثاني" ليست كلمة عربية ولا احد من الذين شرحوا القرآن يعرف معناها او اصلها.

أما الافكار التي أقتبسها الاسلام من الهودية فعديدةٌ. فاذا أخذنا مثلاً خلق السماوات والارض، نجد ان الاسلام يقول ان الله قد خلق الارض والسماوات في ستة أيام، تماماً كما يقول اليهود والنصارى، والفارق الوحيد ان اليهود والنصارى قالوا ان الله استراح في اليوم السابع والقرآن انكر ذلك كما في الآية 38 من سورة "ق": " ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب".

واليهود يقولون ان الله ارتاح في اليوم السابع ليس من التعب بعد خلق السموات والارض، وانما ارتاح ليضرب مثلاً عملياً للانسان ليرتاح يوم السبت. ويقول العلماء المسلمون لما خلق الله العالم في ستة أيام كان عرشه على الماء: " وهو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء" [292] ، وهذه نفس فكرة اليهود عن الخلق. واليهودية نفسها قد تكون أخذت فكرة خلق العالم من

البابليين القدماء وفكرتهم عن خلق الاله مردوخ للعالم، وكيف ان الآلهة نفسهم خلقوا انفسهم من ماء ازلي كان موجوداً منذ القدم. وفكرة السماوات السبعة كذلك مأخوذة من اليهود الذين اعطوا كل سماء اسماً مختلفاً، وسموا السماء الدنيا" Vilon " وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية " Velum " وتعني ستارة، وقالوا ان السماء الدنيا ستارة تحجب عظمة الخالق [293] .

والاسلام يقول ان آدم خُلق من تراب ثم خلق الله زوجته من احدى اضلاعه وقال لهما كلا من كل اشجار الجنة الا شجرة واحدة منعهما ان يأكلا منها، ولما أكلا منها بدت لهما سوأتاهما: " ويا آدم اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشحرة فتكونا من الظالمين. فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ورئ عنهما من سوءاتهما" [294] . ونجد نفس القصة في التوراة، سفر التكوين، الاصحاح الثاني، الآية 21 وما بعدها: " فأوقع الرب الاله سُباتاً عميقاً على الانسان فنام. فأخذ إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم. وبنى الرب الاله الضلع التي أخذها من الانسان إمرأةً، فأتى بها الانسان. فقال الانسان: هذه المرأة هي عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تُسمى إمرأة لانها من أمريٍ اُخذت. ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم أمرأته فيصيران جسداً واحداً. وكانا كلاهما عريانين، الانسان وأمرأته، وهما لا يخجلان". ونرى هنا ان اليهودية تقول ان آدم وحواء كانا عريانين في الجنة ولكنهما لم يخجلا من عريهما، والسبب في عدم خجلهما هو انهما لم يريا اعضاءهما التناسلية الا بعد ان أكلا من الشجرة المحرمة.

والاسلام كذلك يقول رغم انهما كانا عريانين الا انهما لم يريا عوراتهما الا بعد ان أكلا من الشجرة المحرمة عليهما، فظهرت لهما عورتاهما فراحا يخصفان عليهما من ورق الشجر.والمنطق يُحتم علينا ان نسأل انفسنا كيف يقف شخصان عريانان امام بعضهما البعض ولا يريان عوراتهما، وخاصة عورة الرجل. وحتى لو بانت لهما عوراتهما بعد ان أكلا من الشجرة، لماذا شعرا بالخجل وكانت هذه اول مرة يريا فيها اعضاءً تناسلية ولم يكونا يعرفان حتى الغرض منهما؟ وكنا نتوقع منهما ان يكونا متشوقين لمعرفة لماذا تختلف اعضاؤهما التناسلية، كما يفعل الاطفال عندما يرون انفسهم عراة مع اطفال آخرين.

وحتى في عصرنا الحاضر هناك قبائل بدائية يعيشون في الادغال في اميريكا الجنوبية وفي جزر جنوب شرق أسيا ولا يلبسون اي ملابس تسترهم ولا نراهم يخجلون حتى امام عدسات كاميرات التلفزيون. وفي العالم الغربي اندية للعراة وبلاجات يُحرّم فيها لبس أي نوع من الملابس، ونرى الرجال والنساء والاطفال يسرحون ويمرحون عراة كما ولدتهم أمهاتهم، ولا يخجلون من عريهم. فلماذا خجل آدم وحواء وهما لم يكونا قد مارسا الجنس بعد ولم يكن لهما علم بان الاعضاء التناسلية الغرض منها ممارسة الجنس؟

والقصة أُخذت من اليهودية دون تمحيص، ففي سفر التكوين نجد " ورأت المرأة أن الشجرة طيبة للأكل ومتعةٌ للعيون وأن الشجرة منيةٌ للتعقل. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت أيضاً زوجها الذي معها فأكل. فأنفتحت أعينهما فعرفا أنهما عريانان. فخاطا من ورق التين وصنعا لهما منه مآذر" [295]

والقرآن يخبرنا ان الله علّم آدم أسماء جميع الحيوانات وطلب من الملائكة ان تخبره اسماء الحيوانات ولكنها لم تستطع، فسأل آدم عن أسمائها فأخبره إياها: " وعلّم آدم ألاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هولاء ان كنتم صادقين" [296] . وصيغة القصة في التوراة كالاتي: " وجبل الرب الاله من الارض جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء وأتى بها ألانسان ليرى ماذا يُسميها. فكل ما سماه ألانسان من نفس حيةٍ فهو أسمه. فأطلق ألانسان أسماء على جميع البهائم وطيور السماء وجميع وحوش الحقول" [297] . ولم تكن هناك منافسة بين الانسان والملائكة لمعرفة من يعرف اسماء الحيوانات.

لما تبلورت فكرة الجنة والنار لجزاء الذين يعملون الخيرات والسيئات على التوالي، ظهرت لأهل الدين مشكلةٌ صعبة، وهي ماذا يفعلون بالاشخاص الذين تستوي حسناتهم مع سيئاتهم؟ علماء اليهودية حلوا هذه المشكلة بأن جعلوا مكاناً بين الجنة والنار ليستوعب هذا النوع من الناس، وقال بعض الربانيون ان هذا الفاصل بين الجنة والنار هو حائط، بينما قال آخرون تفصلهما مسافة شبر واحد فقط ويمكن لهولاء الناس الذين علي هذا البرزخ ان يروا اهل الجنة واهل النار [298] . أما القرآن فيقول في سورة الاعراف، الآية 46: " وبينهما حجابٌ وعلى ألاعراف رجالٌ يعرفون كُلاً بسيمائهم ونادوا اصحاب الجنة ان سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون". وقال ابن جرير في شرح هذا الحجاب انه السور الذي قال عنه الله: " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب "، وقال مجاهذ: الاعراف حجاب بين الجنة والنار، سور له باب. وقال ابن جرير الاعراف جمع عُرف وهو كل ما ارتفع من الارض، وانما قيل لعرف الديك عرف لارتفاعه.

سورة النور، الآية 24 تقول: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون". وهذه الفكرة موجودة في التلمود الذي يقول: " وأعضاءألانسان نفسها سوف تشهد عليه " [299] . وقد أمر الاسلام الناس ان يصلوا واقفين، وان لم يستطيعوا فتجوز الصلاة للشخص وهو جالسٌ او حتى راقد على جنبه.فالآية 238 من سورة البقرة تقول: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" وسورة آل عمران، الآية 191 : " الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض". وفي اليهودية كذلك الصلاة تكون والانسان واقفٌ. وتقول كتابات الربانيين ( اليهود) اذا كان الشخص راكباً على حمارٍ واتى وقت الصلاة، يجب ان يترجل الراكب لاداء الصلاة، وان لم يستطع فعليه إدارة وجهه الى القدس " [300] .

والاسلام يُبيح للمسلمين ان كانوا مسافرين او في الجهاد ان يُقصروا الصلاة، ففي سورة النساء، الآية 101 ، نجد: " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جُناح أن تُقصروا في الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا". واليهودية كذلك أباحت لليهود ان يُقصروا الصلاة ان كانوا في موقعٍ او موقف فيه خطرٌ عليهم [301] .

وعندما جاء عمر او احد الصحابة الآخرين الى الصلاة وهو سكران، نزلت الآية 42 من سورة النساء: " يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جُنباً الا عابري سبيل حتى تغتسلوا". ونجد في المشنة كذلك ان الصلاة حُرمت على اليهود اذا كانوا سُكارى او لامسوا النساء [302] .

ويُحث الاسلام وكذلك اليهودية على الاغتسال بالماء لازالة النجاسة قبل الصلاة، ولكن اذا لم يتوفر الماء، فقد أباح الاسلام للمسلمين ان يتيمموا بالرمل، ففي سورة المائدة، الآية 6 : " وان كنتم مرضى او على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فأمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه". ونجد كذلك نفس السماح بالتيمم في اليهودية اذ تقول: يطهر نفسه بالرمل ويكون قد فعل ما فيه الكفاية [303] .

وصلاة الفجر في اليهودية تحين عندما يتبين للانسان الخيط الازرق من الخيط الابيض بضوء الفجر [304] . واذا نظرنا الى الآية 187 من سورة البقرة وهي تشرح للمسلمين وقت الامساك عن الاكل والشرب في رمضان، نجد: " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل". فالا سلام قد أبدل الخيط الازرق بالخيط الأسود.

وبعض الاحكام التي تخص النساء متطابقة بين اليهودية والاسلام. فمثلاً عُدة المرأة المطلقة ثلاثة شهور في الديانتين، ورضاعة الطفل عامين في الديانتين كذلك.

واذا أخذنا الاشياء التي تُفسد الوضوء في الاسلام، نجد ان الاستمناء يفسده وعلي المسلم ان يغتسل قبل الصلاة اذا استمنى. ونجد نفس الشئ في التوراة، " اذا خرج المني من الرجل يجب عليه ان يغسل كل جسمه بالماء". [305] وكذلك نجد في نفس الاصحاح، الآية 16، " إذا أضجع رجلٌ مع أمرأة وخرج منه منيٌ فعلى كليهما الاغتسال بالماء". وفيما يختص بالمحيض، نجد القرآن يقول في سورة البقرة، الآية 222: " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فأعتذلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن". ونجد في التوراة " عندما يكون على المرأة نزول الدم المعتاد، فان عدم طهارتها الشهرية يستمر سبعة أيام، وكل من يمسها يصبح غير طاهر". [306] وكذلك في اللاويين، الاصحاح 18، الآية 19 : " لا تقترب من إمرأة بقصد الجماع في فترة عدم طهارتها الشهرية".

والآية 23 من سورة النساء تبين النساء المحرمات على المسلم: " حُرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا قد دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم وان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف".

والتوراة تقول: " لا تؤذي أباك بأن تضاجع أمك، ولا تضاجع زوجة أبيك. لا تضاجع أختك من ابيك او اختك من أمك، لا تضاجع عمتك ولا تضاجع خالتك. لا تضاجع زوجة ابنك ولا زوجة اخيك. لا تضاجع أمرأةً وابنتها. لا تتزوج اخت زوجتك وزوجتك على قيد الحياة [307] .

والحيوانات التي يُحرم على المسلم أكلها، والتي تحل له، هي نفسها في التوراة، " بإمكانك ان تأكل كل الحيوانات التي تجتر وظلفها مشقوق. أما الحلوف ( الخنزير) مع ان ظلفه مشقوق، لكنه لا يجتر، ولذا حُرم عليك. وكل حيوانات البحر التي عليها زعانف محللة لك. ومن الطيور يجب الا تأكل النسر والصقر والحدأة والغراب والبومة. والحشرات التي تطير وتمشي على اربعة محرمة عليك الا الجراد والصرصار" [308] .

والاسلام يُحرّم الربا في الآية 278 من سورة البقرة، " يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين". والتوراة تقول: " إذا أقرضت احد عبادي المحتاجين مالاً، فلا تطلب منه ربحاً" [309]

وأما القصص القرآنية، وقد ذُكرت في القرآن كقصص تاريخية فقط، ولم تجئ لتأكد أحكاماً شرعية او لتقدم شرحاً لما صعُب من الاحكام، فنستطيع ان نقول انها مأخوذة من اليهودية بكاملها ما عدا قصة الاسراء والمعراج، وقصة عيسى بن مريم وقصة أهل الكهف. وقد رأينا في الصفحات السابقة ان قصة خلق الكون وخلق آدم وتعليم آدم اسماء كل الحيوانات، هي نفس القصص في المصدرين. ولكن الاسلام اختصر قصة آدم واهله اختصاراً شديدا ولم يذكر غير قتل أحد أبناء آدم لأخيه، ولم يسمي القرآن ابناء آدم، وهم " Cain " و" Abel " كما تسميهم التوراة، ولكن الاسلام سماهم فيما بعد ب هابيل وقابيل. أما بقية قصص الانبياء من ابراهيم الى موسى ويوسف فهي متشابهة مع تغيرات واضافات او حذف بسيط، باستثناء قصة سليمان وملكة سبأ، التي تعج بالمبالغات.

أما قصة أهل الكهف فهي مأخوذة من القصص الاغريقية وظهرت في كتاب باللغة اللاتينية اسمه " قصة الشهداء" لكاتب أسمه جرجوري " Gregory of Tours " وتحكي القصة حالة المسيحيين الذين كانوا مضطهدين في الامبراطورية الرومانية في عهد الامبراطور ديسيس " Decius " عام 249-251 ميلادية. ولينجوا بدينهم وحياتهم قرر سبعة من الرجال من مدينة أفيصص " Ephesus " اللجو الى كهف بالقرب من المدينة، وغلب عليهم النوم وناموا لمدة مائتي عام. ولما أفاقوا من نومهم كان الامبراطور في ذلك الوقت ثيودورس الثاني عام 447 ميلادية. وذهب واحد منهم للمدينة ليستطلع الاخبار لهم، ودُهش عندما رأى ان المسيحية قد انتصرت على اليهودية وصارت الديانة الرسمية للدولة. ولم تذكر القصة أي كلبٍ لهم ولم يكن هناك اختلاف في عددهم. والقصة اصلاً قصة رمزية تُعبر عن اضطهاد المسيحيين في الامبراطورية الرومانية في بداية عهد المسيحية الى ان صارت المسيحية الديانة الرسمية للدولة.

أما قصة عيسى ومريم فواضح انها أُخذت من المسيحية وحدثت بها بعض أخطاء مثل " يا أخت هارون" التي خاطب بها القرآن مريم أم عيسى وكان بينها وبين هارون 1570 عاماً. ومريم هي أصلاً مايري " Mary " وقد تزوجت يوسف النجار بعد أن حملت بعيسى، ثم ولدت خمسة أولاد بما فيهم عيسى، وكذلك ولدت بنتين. وأخوان عيسى الاربعة هم: جيمس ويوسف و جوداس و سيمون. [310]

أما زكريا الذي يذكره القرآن على انه ربى مريم في المحراب، فهو فعلاً نبي من انبياء بني اسرائيل لكن لم تكن له أي صلة بمريم. فالعهد القديم يخبرنا: " في الشهر الثامن من السنة الثانية من حكم دارياس، أتت كلمة الرب الى النبي زكريا" [311] . ودارياس هذا كان ملك الميديس في بابل في ايام المنفي الثاني لليهود في حوالى العام 539 قبل الميلاد [312] . وبالتالى يكون الفارق الزمني بين مريم أم عيسى وبين النبي زكريا حوالي خمسمائة عام.

وكذلك حصلت أضافات مثل معجزة المن والسلوى، في سورة المائدة، الآية 114: " إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدةً من السماء قال أتقوا الله ان كنتم مؤمنين. قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم انه قد صدقنا ونكون عليها من الشاهدين، قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآيةً منك وارزقنا وانت خير الرازقين".هذه إضافة لا يوجد لها اصل لا في الانجيل ولا في كتابات المسيحيين.

وبعض الآيات يبدو انها نُقلت نقلاً من الانجيل، فهناك آية الاغنياء والجنة في الانجيل: " وأقول لك مرة أخرى، انه أسهل للجمل ان يدخل في سُم الابره، من أن يدخل رجلٌ غنيٌ ملكوت الله" [313] . ونجد في القرآن، الآية 39 من سورة الاعراف: " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا لا تُفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط".

وحتى فكرة أهل اليمين وأهل اليسار في يوم القيامة عندما يحاسبهم الله ويدُخل أهل اليمين الجنة ويُدخل أهل اليسار النار، مأخوذة من المسيحية، فالانجيل يخبرنا: " يوم يعود المسيح في كل عظمته وحوله الملائكة ويجلس فوق عرشه في السماء، سوف تأتي أمامه جميع ألامم، وسوف يفصلهم عن بعضهم البعض كما يفصل الراعي الغنم من الماعز. وسوف يضع الغنم عن يمينه والماعز عن يساره. وسوف يقول للذين عن يمينه: تعالوا أيها الذين بارككم أبي، خذوا إرثكم، المملكة التي أُعدت لكم منذ خلق العالم. وسوف يقول للذين عن يساره: أرحلوا عني أيها الملعونون وادخلوا النار الخالدة التي أُعدت للشيطان وملائكته" [314]

وقبل مولد الرسول واثناء بعثته كانت أجزاء كبيرة من الجزيرة العربية تحت الحكم الفارسي. فكسرى نشروان كان قد ارسل جيشاً للحيرة وازاح الملك الحارث وولى نصر بن ربيعة حاكماً عليها، وكذلك ارسل جيشاً لليمن التي كانت تحت حكم الحبشة وطرد الاحباش من اليمن وعين عليهاحاكماً فارسي. وتعاقب ثمانية حكام فارسيين على اليمن قبل ظهور الاسلام. وكان لهولاء الفرس اثُرٌ كبير على العرب عن طريق القصص والكتب التي ادخلوها معهم. وواحدٌ من هذه الكتب أسمه " Arta Viraf Namak " كُتب حوالي اربعمائة سنة قبل الهجرة في أيام الملك " أردشير". وتدور قصة هذا الكتاب عن شخص زرادشتي أسمه أرتا بعثه ملك فارس الى السماء ليُحضر للناس بشارةً من السماء تُنعش الديانة الزرادشتية التي كانت آخذةً في الاضمحلال.

وصعد هذا الرسول الى السماء الدنيا ثم مر بكل السماوات، وأخيرأً أمره " أُورمزد" بأن يعود الى الارض. وحكى هذا الرسول حكايته للناس وقال: " أول ما وقفنا كان بالسماء الدنيا وهناك رأينا ملكاً يشع نوره، فسألت ساروش المقدس وأزار المَلك: ما هذا المكان ومن يكون هولاء الناس؟. ثم تخبرنا القصة ان أرتا صعد للسماء الثانية ثم الثالثة والى سماوات أخرى. ويستمر أرتا في سرد قصته ويقول: وقام باهمان من عرش مطلي بالذهب وقادني حتى وصلنا الى " أورمزد" وحوله الملائكة في ثيابٍ مزركشة لم أرى مثيلها من قبل. وقدمني دليلي الى " اورمزد" الذي رحب بي وطلب من ساروش ومَلك النار ان يطوفا بي على المكان الذي اُعد للمتقين، وكذلك المكان المُعد لعقاب العُصاة. وبعد ان رأينا الجنة والنار، رجعنا الى " اورمزد" الذي قال لي : أرجع الى العالم المادي يا أرتا". [315]

هذه القصة، ولا شك، هي الاساس لقصة الاسراء والمعراج التي سردناها في فصلٍ سابق، خاصةً اذا أخذنا في الاعتبار ان عائشة قالت ان جسم الرسول لم يبارح فراشه ليلة الاسراء، ولكن الله حمل روحه. وإذاً الاسراء لم يكن جسدياً وانما كان رحلةً معنوية مثل القصة اعلاه.

وكُتب الديانة الزرادشتية تحكي عن مخلوقات من الارواح جميلة للغاية وتُدعى " Paries " وهو ما يُعرف في اللغة الانجليزية ب " fairies " وهي أرواح في هيأة بنات ولهن اجنحة يطرن بها بين السماء والارض. وحتى كلمة " حوري" مشتقة من كلمة فارسية " Hur " وتعني شمس [316] .

خاتمة

عندما كان باب الاجتهاد مفتوحاً للمسلمين في صدر الاسلام، شكك جماعةٌ من الخوارج والمعتزلة في كون القرآن كُتب في لوح محفوظ منذ الازل وقبل ان يخلق الله الارض والسماء، وقالوا ان القرآن مخلوق. ولو كان صحيحاً أن القرأن مكتوب في لوح محفوظ لنزلت أياته بدون الحاجة الى مناسبات بعينها لإنزال الايات. ولكن الذي حدث ان اغلب الايات، باستثاء القصص، نزلت في مناسبات معينة أو عندما سأل الناس النبي اسئلة معينة. وبعض المناسبات التي نزلت بها آيات ما كانت تستدعي نزول آيات، فمثلاً:

لما عادت حفصة بنت عمر، أحدى زوجات النبي، من زيارة أبيها ووجدت النبي مع مارية القبطية في سريرها، بكت، فخرج النبي يتصبب عرقاً، وأقسم لها أنه سيحرّم على نفسه مارية القبطية وطلب من حفصة ألا تخبر أحداً بما حدث. وكما نتوقع، لم تستطع حفصة كتمان الخبر، فأخبرت عائشة بما حدث. ولما علم النبي بذلك ثارت ثائرته وأعتزل نساءه. فأنزل الله: " وإذ أسر النبي الى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره ألله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير، إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرُ" [317]

وهذه واقعة أُسرية تخص محمد وزوجاته فقط، وليس لبقية المسلمين دخل بما حدث بين محمد وازواجه، فلماذا، يا تُرى، اضطر الله ان ينزل آياتٍ بسببها. فاذا كان القرآن مكتوباً منذ الازل في اللوح المحفوظ وعلم الله ان محمداً سوف يُضاجع مارية القبطية في بيت حفصة، أما كان من الممكن تفادي ما حدث قبل أن يحدث؟ ثم لماذا كل هذا العدد الهائل من النصراء لمحمد ضد عائشة وحفصة؟ فإن لم يتوبا فسيكون الله وجبريل والملائكة وصالح المسلمين عوناً له ضدهما.

وحادثة الافك، لما اصطحب الرسول زوجته عائشة في إحدى غزواته وقد عسكر الجيش في مكانٍ ما، ولما هموا بالرحيل رفع بعض الرجال هودج عائشة على الجمل، ظناً منهم أن عائشة به، وعائشة كانت قد خرجت للخلاء لقضاء حاجتها، فرحلوا من دونها. فلما رجعت عائشة للمعسكر لم تجدهم فجلست مكانها حتى أتى عليها رجل يدعى صفوان بن المعطل السلمي، فحملها على بعيره حتى لحق بها الركب، فتهامس الناس أن عائشة وصفوان خانا الرسول مع بعضهما. فغضب الرسول ولم يكلم عائشة لمدة شهر أو أطول من ذلك فنزلت: " إن الذين جاءوا بالافك منكم عُصبة ..." [318] ، فقال الرسول إن الله برأ عائشة وأمر النبي بجلد حسان بن ثابت و حمنة أخت زينب بنت جحش ومسطح بن أثاثة. [319] وهذه كذلك كانت مسألة شخصية تخص محمداً وعائشة ولا منفعة لعامة المسلمين من الذي حدث. ونسأل مرة أخرى: لو علم الله مسبقاً بأن عائشة سوف تتخلف عن الركب ويحدث ما حدث، أما كان الاجدر ان ينبه محمداً الى ان عائشة ليست بهودجها وليرسل وراءها من يُحضرها قبل ان يتحرك الركب؟

والمعتزلة الذين قالوا ان القرآن مخلوق، كانت حجتهم ان جزءاً لا يستهان به من ألآيات نزل بإيعاز من الصحابة وخاصة عمر بن الخطاب. وهناك فصل في كتاب " الاتقان " للسيوطي يتكلم عن الآيات التي أُنزلت بإيعاز من الصحابة. ويقول مجاهد بن جبر، أحد العلماء المتشددين، يقول: ان عمر بن الخطاب كان يأتي برأي ثم ينزل القرآن بما قال. وعمر نفسه قال ان هناك أربع آيات نزلت بالرأي الذي أبداه. فيحدثنا يونس بن حبيب، حدثه أبو داود، حدثه حماد بن سلمى حدثه علي بن يزيد عن أنس قال: قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في أربعٍ. فقد نزلت هذه الآية: " ولقد خلقنا ألانسان من سلالة من طين" فقلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين. فنزلت ألآية: " فتبارك الله أحسن الخالقين" [320] . وواضح ان هذه الاضافة ليس لها معنى مفيد، اذ ان هناك خالقٌ واحدٌ فقط هو الله، فكيف يكون الله احسن الخالقين وليس هناك خالقون غيره؟

ولما وجدت حفصة الرسول مع مارية القبطية وأخبرت عائشة بذلك، غضب عليهن الرسول واعتزل جميع نسائه، فدخل عليه عمر ووجده مغتماً فقال له: يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وأنا وابو بكر والمؤمنون معك. فتبسم الرسول ونزلت الآية: " عسى ربه إن طلقكن أن يُبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تآئبات عابدات سائحات ثيب وابكاراً" [321] . فقال عمر: أحمد الله، قلّ ما تكلمت بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي. [322]

ويحدث مجاهد عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي (ص) حيساً في قعب ( وعاء) فمر عمر فدعاه فأكل معنا، فأصاب أصبعه أصبعي فقال: لو تأمر نساءك يتحجبن ولا يكلمن الرجال الا من وراء حجاب. فنزلت الآية: " يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يُوذن لكم الى طعام غير ناظرين إناءه ولكن إذا دُعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فأنتشروا ولا مستأنسين لحديثٍ إن ذلكم كان يُؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن فأسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم" [323] .

وقد سبق أن ذكرنا انه بعد موقعة بدر لما سأل النبي اصحابه ماذا يفعل بالاسرى، وقال له عمر: نقتلهم، ونصح ابو بكر بقبول الفداء، وأخذ الرسول برأي أبي بكر فنزلت الآية: " ما كان لنبي ان يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض" مؤيدة لما قال عمر.

ويقول الامام الرازي في تفسيره: مر النبي – ص- بالمقام ومعه عمر فقال يا رسول الله: أليس هذا مقام أبينا ابراهيم؟ قال: بلى، قال أفلا نتخذه مصلى؟ قال: لم أُمر بذلك فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت ألآية " وأتخذوا من مقام إبراهيم مصلى". [324]

وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن يهودياً لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا. فقال عمر: من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين. فنزلت ألآية الثامنة والتسعون من سورة البقرة مطابقة لما قال عمر. [325]

وروي من حديث عُقبة بن عامر وأبي هريرة عن النبي – ص- أنه قال: لو كان بعدي نبي لكان عمر. [326]

وحتى اقرب الاقربين الى محمد كان يساورهم الشك في نزول بعض آيات القرأن، فمثلاً لما عرضت إحدى النساء نفسها على النبي بعد الهجرة وقبلها النبي، قالت له عائشة: ألا تستحي المرأة تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله: " تُرجي من تشاء منهن وتُؤوي إليك من تشاء" [327] . فقالت له عائشة: إني أرى ربك يُسارع لك في هواك [328] .

ورغم أن الاسلام يقول المسلمين سواسية كأسنان المشط، نجد أن معاملة الرسول لأهل بيته ولبني هاشم تختلف عن معاملته لبقية المسلمين، وهذا لا يجوز ان يحدث من نبي ارسله الله لكافة البشر، فيجب عليه ان يعامل الناس معاملة متساوية، ولكن هذا لم يحدث، فقد قال ابن اسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن عبد الله بن عباس، أن النبي قال لأصحابه يوم وقعة بدر: " إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي ابا البختري بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب (عم رسول الله ) فلا يقتله، فإنه إنما أُخرج مستكرهاً ". فقال ابو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف. فبلغ ذلك رسول الله فقال لعمر: " يا أبا حفص، أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف". فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه ( يعني ابا حذيفة) بالسيف فوالله لقد نافق [329] .

وبعد المعركة كان في الاسرى أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزى بن عبد شمس، زوج زينب بنت الرسول، ولم يكن قد أسلم بعد. وكان الذي أسره خراش بن الصّمة. فلما بعث أهل مكة المال في فداء اسراهم، بعثت زينب (وكانت بعدها في مكة لم تهاجر الى المدينة) في فداء أبي العاص بمالٍ وبعثت فيه قلادة كانت خديجة قد أدخلتها بها على أبي العاص. فلما رأى الرسول القلادة رق لها رقةً شديدة وقال: " إن رأيتم ان تُطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فأفعلوا". فأطلقوا أبا العاص وردوا لها الذي لها، ولكن لم يردوا لبقية أهل مكة مالهم [330] .

وكانت زينب يومها في مكة وزوجها ابو العاص كافر، ولم يسلم حتى عام ثمانية للهجرة. وهذا يعنى انها ظلت متزوجة من كافر مدة تزيد عن العشرين سنة ( ثلاثة عشر سنة التي قضاها الرسول في مكة قبل الهجرة) وثماني سنوات بعد أن هاجر النبي الى المدينة. فهي إن كانت قد أسلمت مع أمها خديجة، فقد ظلت متزوجة من كافر كل هذه السنين رغم تحريم هذا النوع من الزواج، او انها لم تسلم حتى هاجرت الى المدينة بعد عامين من هجرة الرسول اليها.

وقبيل فتح مكة في عام ثمانية للهجرة، خرج ابو العاص ( زوج زينب) في تجارةٍ فلما قفل من الشام، لقيته سرية من المسلمين فأخذوا ماله لكنه هرب منهم والتجأ الى زينب بنت الرسول في المدينة. فأجارته زينب وصاحت في المسجد بعد صلاة الصبح: أيها الناس أجرت أبا العاص بن الربيع. فحث رسول الله المسلمين على رد ماله له، ففعلوا. وذهب الرسول الى زينب وقال لها: " أي بُنية أكرمي مثواه ولا يخلص اليك فانك لا تحلين له" [331] . وقد رأينا أنها حلت له ما يقارب العشرين عاماً. وعندما اسلم ابو العاص في نفس العام رد عليه رسول الله زينب على النكاح الاول ولم يُحدث شيئاً. [332] وهذا يعني انها لم تكن تطلقت منه اصلاً والا لكانت تحتاج الى عقد زواج جديد.

وقالوا أن الرسول منع علي بن أبي طالب من ان يتزوج على فاطمة بنت الرسول وقال: " فاطمة بضعةٌ مني، يُريبني ما يُريبها ويُؤذيني ما أذاها". فلم يتزوج عليها عليّ حتى مات الرسول. فإذا كان زواج أكثر من واحدة يؤذي الزوجة الاولى، لماذا سمح الاسلام للمسلمين بزواج اربعة ازواج؟

كل هذه الاشياء مجتمعة جعلت المسلمين الاوائل يُشككون في الاسلام وودوا ان يرتدوا ولكنهم خافوا أن يحاربهم النبي كما حارب المشركين. وبعد موته مباشرة ارتدت أعداد هائلة منهم ولكن ابو بكر شن عليهم حروب الردة وأرجعهم للاسلام بالقوة. ولذلك يرى أُناس كثير ان الاسلام انتشر بحد السيف ولا خيار فيه للمرء. كل من ترك الاسلام فهو مرتد ويُقطع رأسه.

والمسلمون طبعاً يقولون ان القرآن غير قابل للتغير او المحاكاة Inimitable . وكذلك قال المسيحيون عن الانجيل في القرون الماضية، وقالوا انه غير قابل للخطأ Inerrant و قد قال جون وليام بيرغن John William Burgeon قبل اكثر من مائة عام: " ألانجيل ليس الا صوت الأله الذي يجلس على العرش. كل كتاب منه، وكل سورة، وكل آية، وكل كلمة، وكل حرف هو صوت ألإله ". ولكن بمرور الزمن ومع اغتناء الغربيين حرياتهم المطلقة التي سمحت لهم بإنتقاد كل شئ، بما في ذلك الدين، لم يعد هناك من يصدق ما قاله جون بيرغن.

أما في الاسلام فالتزمت والتعصب لا يسمح لأحد بنقد الخلفاء الراشدين، دع عنك الرسول او القرآن. وعندما قال الكاتب والاستاذ الجامعي المصري نصر ابو زيد يجب ان يخضع القرآن لدراسات علمية، إتهموه بالزندقة وحكموا عليه ان يُطلّق زوجته. وعندما هرب من مصر، ابتهج الشيخ يوسف البدري الذي قاد الحملة ضده وكتب: نحن لسنا إرهابيين، لم نستعمل رصاص او بنادق لنوقف عدو الاسلام أبو زيد من الاستهزاء بالاسلام. لن يتجرأ أحد بعد اليوم على ألاساءة الى الاسلام.

وفي عام 1992 أُقتيل الصحفي المصري فراج عودة لكتاباته ضد الاخوان المسلمين. وفي عام 1994 طُعن الكاتب نجيب محفوظ لانه كتب " أطفال ٌقبلاوي" وفيه نقد غير مباشر للاسلام. وحتى طه حسين اعتبروه مرتداً لان كتاباته فيها تشكيك في بعض المعتقدات الاسلامية. وقصة سلمان رشدي وفتوة الخميني ضده ليست بعيدة عن الاذهان.

كل هذا حمل المستشرق وليام ميور William Muir ان يكتب عن المسلمين والقرآن: أنهم أشد اعداء الحضارة، والحرية والحقيقة التي عرفها عالم اليوم.

والاسلام لا يعرف التسامح مع الديانات الاخرى. فبمجرد أن نزلت ألآية 29 من سورة التوبة: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحّرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اُوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون". حتى سمى المسلمون كل اليهود والنصارى والصابئيين الذين قال عنهم القرآن " لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، ذميين وطلبوا منهم الجزية، التي يجب أن تُدفع وهم صاغرون.

وقد قالوا " صاغرون" يعني ذليلون حقيرون مهانون، فاذا لا يجوز اعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء. [333] ولذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم.

وقد كتب عبد الرحمن بن غنم ألاشعري كتاباً الى عمر بن الخطاب حينما صالح نصارى من أهل الشام: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا: إنكم لما قدمتم علينا سألناكم ألامان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نُحيي منها ما كان خططاً للمسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليلٍ ولا نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وأبن السبيل وأن ننزل من رأينا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ولا نئوي كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً ولا نكتم غشاً للمسلمين ولا نُعلّم أولادنا القرآن ولا نُظهر شركاً ولا ندعوا اليه أحداً ولا نمنع أحداً من ذوي قرابتنا الدخول في الاسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شئ من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتب بكتابهم ولا نركب السروج ولا نتقلد السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رءوسنا وأن نلزم زيناً حيثما كنا وأن نشد الزنانير على أوساطنا وان لا نُظهر الصليب على كنائسنا وأن لا نُظهر صلبنا ولا كتبنا في شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفيفاً وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا ولا نخرج شعانين ولا بعوثاً ولا نرفع أصواتنا في موتانا ولا نُظهر النيران معهم في شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم". [334]

وكأن كل هذا التحقير للذميين حتى بعد أن يموتوا لا يكفي، فعندما أتى الكتاب الى عمر بن الخطاب أضاف عليه: " ولا نضرب أحداً من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عليه ألامان فإن نحن خالفنا في شئ مما شرطناه لكم ووظفنا على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يُحل من أهل المعاندة والشقاق".

والرجل الغير مسلم، أي الذمي، لا تُقبل شهادته في المحاكم الاسلامية اذ انه لا يحلف على المصحف، ومن لا يحلف على المصحف لا تقبل شهادته. ويقول احمد بن نقيب المصري: " الشهادة القانونية تقبل فقط من رجل مؤمن، فعدم الايمان أسوأ انواع الفساد". [335]

والانسان الغير مسلم لا يسمح له بممارسة العبادة بحرية في بلاد كالسعودية وايران والكويت، ولا يسمح للمسيحيين ببناء كنائس في هذه البلاد لاعتماد اهل هذه البلاد على حديث ينسب للرسول يقول: " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب". ولكن نفس هولاء المسلمين يشترون احسن الاراضي في أوربا وامريكا لبناء المساجد، وعندما بنى الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود مسجداً ضخماً في روما، هللت الصحف المسلمة بالحدث.

وهذا هو الامير سلطان بن عبد العزيز يقول عندما سُئل عن وجود كنائس في المملكة مع كثرة وجود الجنود الاميريكان بها: " من قال هذا الكلام هم أهل الكنائس، ونحن نقول أن وجود كنائس في السعودية لا صحة له سابقاً أو حالياً أو لاحقاً". [336]

ونفس هذه الروح بعدم التسامح مع الاديان الاخرى تنطبق على عدم التسامح او الاعتراف بحقوق الانسان المتعارف عليها في الاتفاقيات الدولية. فهاهو سيد رجاء خراساني، الممثل الدائم لجمهورية ايران الاسلامية لدى الامم المتحدة، يعلن: " نفس مفهوم حقوق الانسان مفهوم مسيحي يهودي لا يُسمح به في الاسلام..... وكما قال آيات الله خمينى انه من اكبر الكبائر ان ايران كانت من أولى الدول التي اجازت وثيقة حقوق الانسان بالامم المتحدة تحت حكم الشاه" [337] .

والاسلام لا يتسامح حتى مع الاقليات المسلمة في البلاد الاسلامية، فمثلاً في مدينة مزاري الشريف في افغانستان في أغسطس عام 1998 قال المولى مانون نيازي عن قبيلة الحزارة الشيعية: " الحزارة غير مسلمين، يمكنكم قتلهم، فدمهم مباح ولا يمثل قتلهم جريمة" [338] . وقد قتلت حركة الطلبان اعداداً هائلة من الحزارة. [339] وفي المملكة العربية السعودية لا يعترف الوهابيون بالشيعة ويعتبرونهم كفاراً. فهذا هو الشيخ علي خرسان من مؤسسة الدعوة، ومن الداعين للوهابية يقول عن الشيعة: " هولاء الناس كفار لانهم لا يتّبعون السنة المحمدية، ويدعّون ان القرآن غير كامل ويكرهون السنيين". [340]

وزعماء المسلمين يعتبرون ان الاسلام " دينٌ و دولة" وهو كامل لا يحتاج الى قوانين وضعية من صنع الانسان. وحتى الاصلاحيين من علماء المسلمين مثل العالم المصري محمد عبده ( 1849-1905)، يقولون ان الشورى الاسلامية هي بمثابة البرلمان في الدول الغربية، واجماع العلماء المسلمين بمثابة الراي العام.

والاستاذ محمد عبده كان يعلم ان مجالس الشورى المنتشرة في البلاد العربية ليست الا تمويه للحقيقة. فلم تكن هذه المجالس منتخبة انتخاباً حراً كالذي يحدث في البلدان اليمقراطية. وحتى لو تم انتخاب مثل هذه المجالس انتخاباً حراً، فالقانون في اي دولة اسلامية يجب ان ينبع من الشريعة " ومن لم يحكم بما انزل الله فقد ضل ضلالاً بعيدا". وفي اعتقادي ان الذي اتاح لامريكا ان تصبح اعظم دولة في العالم، بعد ان كانت مستعمرة انجليزية، في ظرف مائتين وخمسين عاما، ان مؤسس الدولة، توماس جيفرسون قال عندما طرد الانجليز: " يجب ان يكون هناك حائطٌ بين الدولة والكنيسة" [341] .

وعلى النقيض من هذا القول، نجد تلميذ المفكر محمد عبده، محمد رشيد رضا ( 1865-1935 ) يقول: " يجب ان تخضع كل أمور الدولة المسلمة الى دستور مستمد من القرآن والحديث واقوال وافعال الخلفاء الراشدين". والصحفي التونسي محمد الهاشمي حمدي كذلك يقول: " جوهر الامر انه ليست هناك اي دولة مسلمة يمكن ان تكون سلطتها شرعية في نظر مواطنيها اذا لم تتبع هذه الدولة تعاليم الشريعة الاسلامية" [342] .

والمفكر المصري سيد قطب، احد مؤسسى جماعة الاخوان المسلمين في مصر، قال: " الله، وليس الانسان، هو الذي يحكم. الله هو مصدر كل السلطة، بما فيها السلطة السياسية. والفضيلة، وليست الحرية، هي اقيم المثُل الانسانية. ولذا يجب ان يكون قانون الله، وليس قانون الانسان الوضعي، هو الذي يحكم أي مجتمع". [343]

وهذا هو الامام الخميني يتباكي على عجز علماء المسلمين عن تطبيق الشريعة، فيقول: " ما فائدة علماء المسلمين عندما يفتون بقطع يد السارق او رجم الزاني والزانية، وليس في ايديهم السلطة لتطبيق هذه الاحكام؟" [344] أما الشيخ المصري محمد الغزالي ( 1917- 1966 ) فقد قال في فتوة مشهورة: " ان الذين يدعون الى فصل الدين من الدولة فهم مرتدون، وليس في الاسلام عقاب لمن يقتل هولاء المرتدين". [345]

وهذا هو عباس الفاس، الامين العام لحزب الاستقلال المغربي المشارك في الحكومة، يقول في لقاء صحفي: " الشعب المغربي لا يرغب ولا يفكر اليوم في فصل الدين عن الدولة، فالمغرب بلد اسلامي اراد الاسلام وقبل به كدين ودولة، اسلام مبني على الانفتاح والتسامح والتضامن والعدل ومحاربة الظلم" [346] . كلام جميل ولا شك ولكن من أين سيأتي الشعب المغربي بهذا الاسلام المبني على التسامح والانفتاح ومحاربة الظلم. وعدم التسامح في الاسلام هو الذي يقودنا للارتداد.

لم يذكر القرآن ولو مرة واحدة ان المرتد عقابه القتل، ولم يرتد أحد في حياة النبي، لنعلم منه حكم السنة في الارتداد، الا كاتب الوحي عبد الله بن سعد بن ابي سرح، وكان من ضمن الذين أمر الرسول بقتلهم حينما فتح مكة، لكن عبد الله هذا أستأمن بعثمان بن عفان فعفا عنه الرسول. والقران يخبرنا صراحة في سورة البقرة ألآية 217: " ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". فالله هنا لم يقل أقتلوا من أرتد. وكذلك في سورة المائدة الآية 54: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم".

ولكن لان علماء المسلمين جعلوا الخلفاء كالنبي، معصومين عن الخطأ، اصبح ما فعله ابو بكر حكماً شرعياً.

وحكم الارتداد في الاسلام لا يتطلب ان يقف الشخص في مكان عام ويقول اني قد ارتديت عن الاسلام. يكفي ان تقول اي شئ يُعتبر اهانة للرسول او احد زوجاته او احد الخلفاء الراشدين. فكم من صحفي مسلم يقبع في السجون الآن في البلاد العربية، وكم من صحيفة صودرت ومُنعت من النشر لان احد المحررين كتب شيئاً يُعتبر غير لائق بالذات العليا، كما حدث في الاردن مع مجلة الهلال التي نشرت مقال اعتبره المتزمتون اساءةً لاحد زوجات الرسول، وفي بيروت مع صحيفة النهار عندما نشرت " رسالة الى الله" [347] . وأما في السودان فقد شُنق الكاتب محمود محمد طه لان كتاباته أعتبرت ارتداداً عن الاسلام.

وحتى غير المسلمين لا يسلمون من هذه الاحكام التعسفية، فمثلاً أيوب مسيح، وهو مسيحي باكستاني، اتهمه احد المسلمين بانه قال كل مسلم يجب ان يقرأ كتاب سلمان رشدي " آيات شيطانية". هذا ألايوب محكوم عليه بالاعدام لانه اساء للاسلام بطريقة غير مباشرة، رغم انه انكر انه قال تلك الجملة. ولكن شهادة الذمي لا تُقبل، ولذا وجدت المحكمة ان التهمة ثابتة عليه. [348] وحتى في مصر التي تُعتبر من اكثر البلاد المسلمة انفتاحاً، حكمت محكمة سوهاج على سوريال قايد اسحاق، وهو قبطي، بالحكم ثلاثة سنوات في يوليو عام 2000 لانه اساء للاسلام. [349]

فهل بعد كل هذا يتجرأ شيوخ الاسلام ويكتبون ان الاسلام دين سلام وتسامح وعدل؟ وهل سيجد شعب المغرب الدين الاسلامي المتسامح الذي قال امين عام حزب الاستقلال المغربي انهم قبلوا به ديناً ودولة، وكأنه استفتأ الشعب المغربي في هذا الامر واخبره الشعب ان هذا هو مطلبهم. ولكن المأساة انه في كل البلاد الاسلامية والعربية يزعم كل شيخ وكل حاكم انه أعلم بخبايا نفوس الشعب وانه أحرص على ادخالهم الجنة اكثر من حرصهم هم انفسهم على دخول الجنة.


[1] Why I am not a Muslim by Ibn Warraq, Promethius Books, New York 1995, p 6

[2]

Vadja, Georges : Les Zindiqs en pays d Islam au debut de la periode Abbaside.

In RSO, vol. 17 (1938), p 173-229), Quoted in Why Iam not a Muslim by Ibn Warraq, p 253

[3] Armstrong, Karen: A History of God, Vintage 1993, p 264

[4] الفكر المصري في العصر المسيحي لرأفت عبد الحميد – الهيئة المصرية للكتاب/ القاهرة/ نقلاً عن النص المؤسس ومجتمعه – تأليف خليل عبد الكريم – منشورات الجمل – دار مصر المحروسة، ص 175

[5] تاريخ الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، المجلد الثاني، ص 233

[6] نفس المصدر ص 232

[7] نفس المصدر ص 586

[8] نفس المصدر ص 452

[9] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 661 ( مصدر سابق)

[10] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 659 ( مصدر سابق)

[11] نفس المصدر، ص 661

[12] نفس المصدر ص 493

[13] نفس المصدر ص 567

[14] تاريخ الطبري، دار الكتب العلمية، بيروت، المجلد الخامس – ص 236

[15] Karl Marx, Contribution to the Critique of Hegels Philosophy of Right. Quoted from The Contradiction of Christianity by David Jenkins, 1976, SCM Press Ltd.London, p 107

Encyclopaedia Britannica, 1994, “ History of Religion” 1

Colson,A.B. and de Armellado,C., 1983, An Amerindian derivation for Latin American 2 Creole illnesses and their treatment, Soc.Sci Med 17, 1229-48

 

[18] تاج العروس، المجلد الثامن، ص 303/ نقلاً عن: تاريخ العرب قبل الاسلام تأليف د/ جواد علي، مطبعة المجمع العلمي العراقي/ بغداد، المجلد الخامس ص 168

Karen Armstrong, A History of God, 1993, Vintage, P. 12 1

[20] Karen Armstrong P 14

[21] Karen Armstrong p 17

[22] سليمان مظهر: قصة الديانات، مكتبة مدبولي، القاهرة 2002 ، ص 23

[23] Genesis, Chapter 12:8 ( سفر التكوين، الاصحاح 12، ألآية 8)

[24] سفر ماثيو، الاصحاح 15، ألآية24 ( Mathew 15:24 )

[25] تاريخ العرب قبل الاسلام، د/ جواد علي/ مطبوعات المجمع العلمي العراقي- بغداد- المجلد الرابع، ص 200

[26] تاريخ الطبري، المجلد الاول ص 554

1 تاريخ العرب قبل الاسلام، د. جواد علي، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، بغداد، المجلد الخامس، ص 258

[28] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 377 وما بعدها ( مصدر سابق)

[29] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس،ص 215 ( مصدر سابق)

[30] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 230 ( مصدر سابق)

[31] المشرق: السنة السابعة والثلاثون، كانون الثاني- آذار 1939 ص92

[32] لسان العرب، المجلد الرابع، ص 275/ نقلاً عن تاريخ العرب، المجلد الخامس، ص 273

[33] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس ص 274 ( مصدر سابق )

[34] تاج العروس، المجلد الاول، ص 732/ نقلاً عن تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 294 ( مصدر سابق)

[35] تفسير إبن كثير للآية 68 من سورة الفرقان

[36] -cias.com/e.o/texts/political/code_hammurabi.htm http://i

[37] مختصر السيرة لابن كثير، ص 24 ( مصدر سابق)

[38] Ali Dashti, 23 years, A study of the prophetic career of Mohammad, Mazda Publications, 1994, p. 12

[39] [39] مختصر السيرة، لابن كثير ص 34 (مصدر سابق)

[40] تاريخ الطبري، المجلد الاول، دار الكتب العامية، بيروت، ص 553

[41] مختصر السيرة لابن كثير، ص 512

[42] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 208

[43] مختصر السيرة، ص 119

[44] سورة المائدة، الاية 48

[45] سورة الانعام، الاية 39

[46] Ali Dashti, p. 17

[47] سورة الزخرف، الاية 31،32

[48] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 206 ( مصدر سابق)

[49] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 11 ( مصدر سابق)

[50] مختصر السيرة لأبن كثير،ص 187 ( مصدر سابق)

[51] سيرة أبن هشام تحقيق د/ محمد فهمي السرجاني – الجزء الثاني ص 175، طبعة 1978، المكتبة التوفيقية/ مصر

[52] إمتاع الاسماع للمقريزي، تحقيق محمد عبد الحميد النميسي – المجلد الاول- ص 70، الطبعة الاولى 1981 / دار الانصار/ القاهرة

[53] السيرة النبوية لابن هشام/ الجزء الثاني، ص 177 ( مصدر سابق)

[54] سورة البقرة، الاية 217

[55] السيرة النبوية لابن هشام، الجزء الثاني، ص 178 ( مصدر سابق)

[56] إمتاع الاسماع للمغريزي، الجزء الاول، ص 70 ( مصدر سابق)

[57] مختصر السيرة لابن كثير، ،ص 196 وما بعدها ( مصدر سابق)

[58] مختصر السيرة لأبن كثير،،ص 221 ( مصدر سابق)

[59] سورة محمد، ألآية 4

[60] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 49 ( مصدر سابق)

[61] المغازي لمحمد بن عمر بن واقد المعروف بالواقدي، المجلد الثاني، ص 178/ نقلاً عن تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 49 ( مصدر سابق)

[62] مختصر السيرة لابن كثير،،ص 221 ( مصدر سابق)

[63] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 54 ( مصدر سابق)

[64] مختصر السيرة لابن كثير،،ص 269 ( مصدر سابق)

[65] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 49 ( مصدر سابق)

[66] السيرة النبوية لابن أسحق، المجلد الاول، ص 339/ الطبعة الاولى- القاهرة 1998م

[67] أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي)، للامام ناصر الدين ابو الخير عبد الله بن عمر الشيرازي البيضاوي، دار الفكر، ص 725

[68] المغازي للواقدي، الجزء الاول، ص 372 ( مصدر سابق)

[69] سورة الحشر: آية 5

[70] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 152 ( مصدر سابق)

[71] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 135 ( مصدر سابق)

[72] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 122( مصدر سابق)

[73] Ali Dashti, p. 98 ( مصدر سابق )

[74] مختصر السيرة لابن كثير،،ص 386 (مصدر سابق)

[75] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 160 ( مصدر سابق)

[76] مختصر السيرة لابن كثير،،ص 388 ( مصدر سابق)

[77] إمتاع الاسماع للمقريزي، – المجلد الاول- الطبعة الاولى 1981، ص 210 ( مصدر سابق)

[78] النص المؤسس ومجتمعه: خليل عبد الكريم، منشورات الجمل، دار مصر المحروسة ص 174

[79] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 55 ( مصدر سابق)

[80] مختصر السيرة لابن كثير ص 241 ( مصدر سابق )

[81] المحبر لابي جعفر بن حبيبـ تحقيق سيد كسروي، طبعة 2000، دار الغد العربي بمصر، ص 139/ نقلاً عن النص المؤسس ومجتمعه تأليف خليل عبد الكريم، ص 174 ( مصدر سابق)

[82] النص المؤسس ومجتمعه، خليل ابراهيم، ص 174 ( مصدر سايق)

[83] Ali Dashti, p. 10 0 ( مصدر سابق )

[84] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 210 ( مصدر سابق)

[85] نساء النبي للدكتورة بنت الشاطئ- دار الهلال/ مصر، ص 192

[86] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 210

[87] أم سلمة أم المؤمنين – تأليف أمينة أمزيان الحسني، الجزء الاول، الطبعة الاولى، وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، المملكة المغربية، ص 107،

[88] نفس المصدر، الجزء الاول ص 58

[89] سورة الاحزاب الاية 36

[90] المحبّر: لابي جعفر بن حبيب- تحقيق سيد كسروي- ص 108 / نقلاً عن النص المؤسس ومجتمعه لخليل عبد الكريم( مصدر سابق)

[91] السيرة النبوية لابن اسحق، المجلد الاول، ص 339 (مضدر سابق)

[92] تفسير القرطبي لابي عبد الله محمد بن احمد الانصاري القرطبي، المجلد الثامن ( مصدر سابق)

[93] سورة الاحزاب الاية 37

[94] تاريخ الطبري، المجلد الثاني، ص 210 وما بعدها ( مصدر سابق)

[95] نساء النبي للدكتورة بنت الشاطئ، ص 190 ( مصدر سابق)

[96] المشرق: تشرين الثاني 1931، ص 820

[97] القراؤون والربانيون: مراد فرج، مطبعة الرغائب بمصر، ص 182

[98] سورة آل عمران، الاية 20

[99] سورة آل عمران، الاية 75

[100] مختصر السيرة لابن كثير، ص 52 ( مصدر سابق)

[101] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 200 ( مصدر سابق)

[102] مختصر السيرة لابن كثير، ص 54 ( مصدر سابق)

[103] نفس المصدر ص 50

[104] نفس المصدر، ص 496

[105] Montgomery Watt & Richard Bell, Introduction to The Quran, Edinburgh, p 17

[106] مختصر السيرة لان كثير ص 52 ( مصدر سابق)

[107] نفس المصدر ، ص 51

[108] نفس المصدر ، ونفس الصفحة

[109] Ibn Warraq, The Origins of the Koran, 1998, Prometheus Books , p20.

[110] Same reference p 152

[111] Same reference p 99

[112] Edinburgh, p42 Introduction to The Quran, Montgomery Watt & Richard Bell

[113] نفس المصدر ونفس الصفحة

Chron. Arab., Edit. Beirut, p. 194 / Quoted by Ibn Warraq, The Origins of Koran, p 102 4

Dictionary of Learned Men of Yakut VI pp 301 ( edit. D S Margoliouth) Quoted by Ibn Warraq, Origins of the Koran, p 103 1

W Muir, The Caliphate: Its Rise, Decline and Fall (1915), Quoted by Ibn Warraq, The Origins of the Koran, pp108 1

[117] أسباب النزول للواحدي، طبعة 1968، مؤسسة الحلبي بمصر، ص 117

[118] سورة عبس، ألآيات 1،2

[119] تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: للفيروزي – ص 358- الطبعة الثانية 1950 مكتبة مصطفى البابي الحلبي – مصر

[120] سورة الطلاق، ألآية 4

3 تفسير الجلالين، ، الطبعة الثالثة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص 3

 

[122] الناسخ والمنسوخ تأليف هبة الله سلامة بن نصر بن علي البغدادي/ دراسة وتحقيق الدكتور موسى بناي علوان العليلي، الدار العربية للموسوعات – بيروت ص 32

 

[123] نفس المصدر، ص 29

[124] نفس المصدر، ص 28

[125] نفس المصدر ونفس الصفحة

[126] تفسير أبن كثير للآية السادسة من سورة الاحزاب

[127] تفسير القرطبي للآية السادسة من سورة الاحزاب

[128] الاتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي، المطبعة الازهرية بالقاهرة 1318، المجلد الثاني ص 25 نقلاً عن الناسخ والمنسوخ للبغدادي، ص 31 ( مصدر سابق)

[129] Ibn Warraq, The origins of Koran, p 153

[130] تاريخ الطبري، المجلد الثاني ص 83 ( مصدر سابق)

[131] سورة آل عمران، الاية 169

[132] ألاتقان في علوم القرآن للسيوطي، المجلد الثاني، ص 25/ نقلاً عن الناسخ والمنسوخ: لهبة الله بن سلامة البغدادي، تحقيق الدكتور موسى بناي العليلي، ص 30 ( مصدر سابق)

Ibn Warraq, The Origins of the Koran, 1998, Prometheus Books , p. 156 4

1 Noldeke, Neue Beitrage Samitischen Sprachwissenschsft, p. 36, Quoted in

تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 190 ( مصدر سابق)

[135] شرح المعلقات السبع للزوزني، دار الجيل، بيروت ص 7

[136] عجائب المخلوقات للقزويني, المجلد الاول،ص 371/ نقلاً عن تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 196 ( مصدر سابق)

[137] مختصر السيرة، لابن كثير ص 172 ( مصدر سابق)

[138] The Bible, The Quran and Science,by Dr Maurice Bucaille, Published by Tahrike Tarsile

Quran Inc. New York, p 134

[139] سورة مريم، ألآية 15

[140] سورة مريم، ألآية 33

Ali Dashti, p. 48 1

[142] تفسير أبن كثير للآية 68 من سورة الفرقان/ وتفسير القرطبي كذلك

[143] تفسير القرطبي للآية 64 من سورة العنكبوت

[144] تفسير أبن كثير للآية 31 من سورة عبس

[145] تفسير القرطبي للآية 18 من سورة الانسان

[146] سورة الرعد ألآية 39

[147] تفسير أبن كثير للآية الثالثة من سورة الفيل

[148] F. Leemhuis. Quranic sijjil and Aramaic sygl, JSS 27 (1982) 47-56 ( Quoted in What the Koran Really Says, Ibn Warraq, Prometheus Books, 2002)

[149] Introduction to The Quran, W Montgomery Watt and Richard Bell, Edinburgh, p 85

[150] سورة المجادلة، ألآية 21

Ali Dashti, p. 48 2

[152] تفسير الجلالين، الطبعة الثالثة، ص 27 ( مصدر سابق)

1 سليمان مظهر: قصة الديانات ص 25 ( مصدر سابق)

[154] مقدمة ابن خلدون، المجلد الثالث، ص 126 / نقلاً عن تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 338 ( مصدر سابق)

[155] عمدة القارئ، المجلد الاول، ص 278 / نقلاً عن تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس، ص 338 ( مصدر سابق)

[156] صحيح مسلم، المجلد السابع، ص 14/ نقلاً عن تاريخ العرب قبل الاسلام المجلد الخامس ص 240 ( مصدر سابق)

 

[158] تاريخ العرب، المجلد الخامس، ص 344 ( مصدر سابق)

[159] لسان العرب ، المجلد 19، ص 49 / نقلاً عن تاريخ العرب، المجلد الخامس، ص 350

[160] تفسير الجلالين، الطبعة الثالثة، ص 60 ( مصدر سابق)

1 سورة الجن، الاية1

 

[162] المقبول من أسباب النزول/ للدكتور أبو عمر نادي بن محمود حسن ألازهرين ص 88 / نقلاً عن النص المؤسس ومجتمعه لخليل عبد الكريم، ص 165 ( مصدر سابق)

[163] Introduction to the Quran, W Montgomery Watt and Richard Bell, Edinburgh, p 63

[164] سورة الصافات، ألآية 1-3

[165] سورة الذاريات، ألآية 1-4

[166] سورة المرسلات، ألآية 1-3

[167] سفر جونا " يونس"، الاصحاح الاول، ألآية 17

[168] سورة البقرة، ألآية 133

[169] سورة الاحقاف، الاية 17

[170] سورة البقرة، الاية 73

[171] مختصر السيرة لابن كثير، ص 110 ( مصدر سابق)

[172] تفسير القرطبي للآية 28 من سورة مريم

[173] تفسير القرطبي للآية 28 من سورة مريم

Ency. Britannica, under Purim 1

The Old Testament, Book of Esther 2

[176] سفر التكوين، الاصحاح 25، الآية24

[177] Why I am not a Muslim, Ibn Warraq, p 134

1 Ency. Britannica, under “ Solomon

[179] الملوك الاول، الاصحاح الحادي عشر، ألآية 4 وما بعدها

[180] تفسير القرطبي للآية 46 من سورة آا عمرآن

[181] سورة النساء، الاية 157

[182] A Textbook for Midwives by Margaret Miles, Livingstone, Edinburgh and London, 1966, p 43

[183] تفسير القرطبي للآية 124 من سورة آل عمران

[184]

The Bible The Quran and Science By Dr Maurice Bucaille

Published By Tahrike Tarsile Quran Inc, New York 1982, P150

[185] Same Reference, p 151

[186] سورة فصلت، ألآيات 9-12

[187] The Bible the Quran and Science, P 198

[188] Same reference p 190

[189] تاريخ الطبري، المجلد الاول، ص 38 ( مصدر سابق)

[190] The Bible The Quran and Science, p173

[191] The Columbia Encyclopedia, Sixth Edition, under “ EgyptianReligion” http://www.bartelby.com/65/

[192] The Bible The Quran and Science, p 171

The Bible The Quran and Science, p 169 3

[194] The Bible Quran and Science, p 185

[195] Encyclopedia Britannica, under Snow

[196] سورة الرعد، ألآية 2

[197] سورة لقمان، ألآية 29

[198] سورة فاطر، ألآية 13

[199] سورة الزمر، ألآية 5

[200] سورة ألانبياء، ألآية 33

[201] The Bible The Quran and Science, p 166

[202] The Bible The Quran and Science, Dr Maurice Bucaille, p 221

[203] ألامام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحفة الودود بأحكام المولود، تحقيق الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري، دار الجيل، بيروت، ص276

[204] نفس المصدر ص 280

[205] Margaret F Myles, A Textbook For Midwives, Third Edition, E & S Livingstone Ltd, 1966 P42

[206] أبن قيم الجوزية، تحفة الودود، ص 293 ( مصدر سابق)

[207] The Bible The Quran and Science, p 215

[208] أبن قّيم الجوزية، ص 286 ( مصدر سابق)

[209] هذه ترجمة المؤلف لما قاله د/ موريس بالانجليزية

[210] The Bible The Quran and Science, p 209

[211] المعجم الوسيط: ابراهيم مصطفى وآخرون، المكتبة الاسلامية للطباعة والنشر، استانبول

[212] سفر التكوين: الاصحاح الاول، ألآية14

[213] سورة مريم، ألآية 10

[214] سورة الحج، ألآيات 1 و 2

[215] سورة القيامة، ألآية 7 وما بعدها

[216] صحيفة الاهرام ، عدد يوم أول مايو 2003 : http://www.ahram.org

[217] سورة الرحمن، ألآية 46

[218] سورة الرحمن، ألآية 48

[219] سورة ابراهيم ألآية 37

[220] سورة الرحمن، ألآية 68

[221] الخروج Exodus الاصحاح التاسع، الآية 12

[222] تفسير القرطبي للآية 113 من سورة آل عمران

[223] سورة الفجر، ألآية 21 و 22

[224] سورة الزمر، ألآية 74

[225] تاريخ الطبري، المجلد الاول ص 46 ( مصدر سابق)

[226] تفسير أبن كثير للآية 21 من سورة البروج

2 The Encyclopedia of World History, under Prehistory http://www.bartleby.com

سورة النمل ألآية 92، مكية [228]

[229] سورة العنكبوت ألآية 46، مكية

[230] سورة لقمان ألآية 23، مكية

[231] سورة السجدة ألآية 30، مكية

[232] سورة الزمر ألآية 41 ، مكية

[233] سورة المزمل ألآية 10، مكية

[234] سورة المزمل ألآية11

[235] سورة آل عمرآن ألآية 20 ، مكية

[236] سورة فصلت ألآية 34، مكية

[237] أعتمدت في عدد الآيات المكية والمدينية على تفسير الجلالين، الطبعة الثالثة عام 2000 ، مؤسسة الرسالة، بيروت ( مصدر سابق)

[238] الناسخ والمنسوخ: هبة الله بن سلامة البغدادي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، ص 128

[239] نفس المصدر ونفس الصفحة

3 الرازي: التفسير الكبير، المجلد 19، ص 66 نقلاً عن تفسير القرطبي للآية 39 من سورة الرعد

1 البيان في تفسير القرآن للخويي، المجلد الاول ص 142 نقلاً عن الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 31

1 سورة الحجر ألآية 9

[243] الاتقان في علوم القرآن، المجلد الاول، ص 25 نقلاً عن الناسخ والمنسوخ ص 29

3 الناسخ والمنسوخ، ص 30

[245] ألاتقان في علوم القرآن المجلد الاول ص 25/ نقلاً عن الناسخ والمنسوخ للبغدادي ص 29( مصدر سابق)

[246] الناسخ والمنسوخ لابن سلامة البغدادي،ص 31 ( مصدر سابق)

[247] الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ( طبعة 1960) ص 5

[248] نفس المصدر، ص 66

[249] سورة المجادلة، الآية 12

[250] الناسخ والمنسوخ، ص 48 ( مصدر سابق)

[251] سورة هود ألآية الاولى

[252] سورة النور ألآية ألاولى

[253] الناسخ والمنسوخ ص 26 ( مصدر سابق)

[254] تاريخ الطبري، المجلد الاول ص 364

[255] The Bible The Quran and Science, p 221

[256] تفسير ابن كثير للآية 222 من سورة البقرة

[257] أنظر تفسير القرطبي للآية المذكورة

[258] The Bible The Quran and Science, p. 222

[259] أنظر تفسير ابن كثير للآية ص 44

[260] صحيح البخاري – الجزء الخامس- ص 66، طبعة دار الشعب بالقاهرة

[261] Sayyid Mujtaba Busavi Lari, Temporary Marriages. Light of Islam http:// home.swipnet.se/islam/english.htm

2 Amir Tahiri: The Spirit of Allah, Khomeini and the Islamic Revolution, ( Adler & Adler, 1986) p 86

[263] مختصر السيرة لابن كثير، ص 484 ( مصدر سابق)

[264] Naipaul, Among the believers, p 165

[265] سورة النور، اللآية الرابعة

[266] تفسير القرطبي، المجلد السابع ص 575

[267] Sisters in Islam,Rape, Zina and Incest, www.muslimtents.com/sistersinislam.htm

[268] Robert Spencer, Islam Unveiled, Encounter Books 2002, p90, San Francisco

[269] Sisters in Islam,Rape, Zina and Incest

[270] المشرق: السنة الخامسة والثلاثون، 1937 ص 88 وما بعدها

[271] تاريخ العرب قبل الاسلام، المجلد الخامس ص 202 (مصدر سابق)

[272] تفسير الجلالين، ص 82

[273] نفس المصدر ص 114

[274] Bernard Lewis, Race and Slavery in the Middle East ( Oxford University Press), p 108

[275] سورة البقرة، ألآية 191

[276] سورة البقرة، ألآية 193

[277] سورة النساء، ألآية 95

[278] سورة الانفال، ألآية 12

[279] سورة محمد، ألآية 4

[280] سورة التوبة، ألآية 5

[281] سورة الانفال، ألآيتين 15و16

[282] سورة آل عمران، ألآية 142

[283] Ibn Warraq, Why I am Not A Muslim, p 219

[284] سورة محمد، ألآية 4

[285] Ibn Warraq, Why I am Not a Muslim, p 220

[286] Smith, V A, The Oxford History of India, Delhi, 1985, p 207 ( Quoted in Ibn Warraq, Why I am not A Muslim p 221

[287] Robert Spencer, Islam Unveiled, p 136

[288] مختصر السيرة لابن كثير، ص 436 ( مصدر سابق)

[289] سورة آل عمران، ألآية 144

[290] سفر الخروج: الاصحاح الثاني، الآية الثالثة

[291] The Origins of the Koran: Ibn Warraq, Prometheus Books, p.168

[292] سورة هود، الآية 7

[293] The Origins of the Koran, Ibn Warraq, p. 174

[294] سورة الاعراف، الآية 19

[295] نشأة العالم والبشرية " قراءة معاصرة لسفر التكوين" إعداد نخبة من المختصين، بيسان، ص 164

[296] سورة البقرة، الآية 31

[297] سفر التكوين: الاصحاح الثاني، الآية 19 وما بعدها

[298] The Origins of the Koran, Ibn Warraq, p. 176

[299] Chagiga 16, Taanith 11, Quoted from Ibn Warraq, The Origins of the Koran, p 177

[300] The Origins of the Koran: Ibn Warraq, p. 182

[301] Same reference, p 183

[302] Same reference and same page

[303] The Origins of the Koran: p.183

[304] Mishna Berachoth I. 2.

[305] اللاويون ( Leviticus ) الاصحاح 15، الآية 16

[306] نفس المصدر، الآية 19

[307] اللاويون، الاصحاح 18، الآية 7 وما بعدها

[308] اللاويون، الالصحاح 11، الآية 3 وما بعدها

[309] الخروج، الاصحاح 22، الآية 25

[310] الانجيل: مارك، الاصحاح السادس، الآية الثالثة

[311] سفر زكريا، الاصحاح الاول، ألآية الاولى

[312] The Columbia Encyclopedia, under Darius: http://www.bartleby.com/65

[313] Matthew: 19/ 24

[314] سفر ماثيو، الاصحاح 25، ألآية 31

[315] The Origins of the Koran: Ibn Warraq, p 279

[316] The Origins of the Koran: p. 281

[317] سورة التحريم، ألآيه 3 و4

[318] سورة النور، ألآية 11

[319] مختصر السيرة لابن كثير، ص 318 ( مصدر سابق)

[320] تفسير ان كثير للآية 14 من سورة المؤمنون

[321] سورة التحريم: الآية 5

[322] المقبول من أسباب النزول للدكتور أبو عمر نادي بن محمود حسن ألازهري ص 686 ( مصدر سابق)

[323] سورة الاحزاب: اللآية 53

[324] التفسير الكبير للامام فخر الدين الرازي – المجلد الثاني- الجزء الرابع، ص 403: نقلاً عن النص المؤسس ومجتمعه لخليل عبد الكريم ص 202( مصدر سابق)

[325] المقبول من أسباب النزول، للازهري ص 67 ( مصدر سابق)

[326] الاستيعاب في معرفة الاصحاب لابي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري/ دار الغد العربي بمصر، ص 142

[327] سورة الاحزاب: الآية 51

[328] تفسير ابن كثير: سورة الاحزاب

[329] مختصر السيرة لابن كثير: ص 217

[330] نفس المصدر، ص 227

[331] مختصر السيرة لابن كثير ص 230

[332] مختصر السيرة لابن كثير، ص 230 ( مصدر سابق)

[333] تفسير ابن كثير للآية 29 من سورة التوبة

[334] نفس المصدر ونفس ألآية

[335] Ahmed ibn Naqib al-Misri, Reliance of the Traveller: A Classic Mannual of Islamic

Sacred Law, Amana Publications 1999

[336] صحيفة الشرق الاوسط عدد 10 مارس ( آذار) 2003

[337] Amir Tahiri,The Spirit of Allah, quoted in: Robert Spencer, Islam Unveiled, p 57

[338] Mullah Manon Niazi, Fatwa on the Hazaras, www.hazara.net

[339] Human Rights Watch, Massacres of the Hazaras in Afghanistan, vol.13, no. 1C,

February 2001, quoted in Islam Unveiled, p 62

[340] Ismaili Shiite Group Seeks an End to Saudi Religious Discrimination,

Wall Street Journal, 9 January 2002

Thomas Jefferson, Letter to the Danburry Baptist Association, http://w3.trib.com/FACT [341]

[342] Mohamed Elhachemi Hamdi, Islam and Liberal Democracy: The Limits of Western

Model, Journal of Democracy 7.2 (1996) pp 81-85

[343] Dinesh D Souza, What is so great about America ( Regency Publication) p 97

[344] Quoted in Amir Tahiri, The Spirit of Allah,p 163

[345] Quoted in Bassam Tibi, The Challenge of Fundamentalism, Political Islam and the

New World Disorder ( University of California Press 1998) P 169

[346] صحيفة الشرق الاوسط، عدد 18 مارس ( آذار) 2003

[347] رسالة الى الله، بقلم عقل العويط، صحيفة النهار اللبنانية، عدد الجمعة 14 مارس 2003

[348] Robert Spencer, Islam Unveiled , p 62

[349] Amnesty International, Egypt Report. www.amnesty.org

عودة