حديث ودّي مع مسلم!

(نشر في مجلة السلام والخير عدد آذار)

جوزيف حزبون

 

قرعَ بابي يوماً جار مسلم يطلب أمرا. فسألته من باب الذوق أن يتفضّل بالدخول، ففعل.  وفيما نحن نحتسي الشاي ونتجاذب أطراف الحديث، إذا بنا نوازن بين اللغات الأجنبية والعربية في المدارس الخاصّة وتلك الحكومية، ثم انتقلنا إلى أهميّة معرفة القرآن والإلمام به لمن يطلب إتقان اللغة العربية.  وسألني صاحبي عن مدى إلمامي بالقرآن فقلتُ إنَّ لي به بعض المعرفة وقد قرأت بعضه. فسألني إنْ كنتُ أومن بأنّ القرآنَ هو كلامُ الله؟ فقلت:

لا، أنا لا أومن بأنّ القرآن كلام الله. إنْ آمنتُ بأنّهُ منزَلٌ وأنَّه كلامُ الله لتوجّبَ عليَّ أن أومنَ بما وردَ فيه من تعاليم وأن أعمل بها. ولكنّه ليس كتابا منزلا بالنسبة لنا.

ثم سألني، وكأني به متردّد: صحيحٌ أنَّ الإنجيل يتحدّثُ عن النبي محمّد ويتنبّأُ به؟

فأجبته: لا! ليس في الإنجيل شيءٌ من هذا القبيل.

فسأل: ولكن، إن وُجِدَتْ ثَمّةَ آيةٍ كهذه، فماذا تقول؟

أجبت: لو كان ثمّةَ آية في الإنجيل تُنبئُ بمحمّد، لما كنتُ اليومَ مسيحيّا، لأنّني أومنُ بما وردَ في كتابي وإنجيلي وأومنُ بما علَّمَ وفَعَلَ المسيح.  ولو أنَّ المسيح أنبأني في الإنجيل بمجيءِ نبيٍّ آخر يكون الخلاصُ عن يدِهِ لكنتُ آمنتُ بِهِ وإلا فلن أكون أمينا لتعاليم كتابي! ولكن ليس في الإنجيل إشارةٌ لما تقول.

قال:     ولكن ألا يُعقَل بأن يكونَ الإنجيل محرّفاً أو منسوخا؟

فقلت:  هذا الأمر مستحيل.  فهنالك، بين تاريخ تدوين الإنجيل وظهور محمّد قرابة ستمائة عام من الزمن، انتشرت خلالها المسيحيّة في معظم أرجاء العالم المعروف آنذاك، في أوروبا وأفريقيا وآسيا، بل وفي الجزيرة العربية نفسها- في اليمن ونجران وغيرها. ومع انتشار المسيحيّة انتشر أيضا الإنجيل في نسخ عديدة ليكون المرجع الأمين لتعاليم المسيح لدى جماعة المؤمنين.

          وأنتَ تقرّ بأنّهُ حتّى ظهور محمّد، لم يكن من داعي للتبديل أو التحريف. فالتحريف، إن وقعَ ثمّة تحريف بالفعل، لا بدّ أن يكون قد حصل بعد هذا التاريخ.  فلو افترضنا فعلا أن قد تمّ تحريف بضعة نسخ من الإنجيل، فماذا عن بقيّة النسخ المنتشرة في أرجاءِ العالم؟

وتابعت قائلا: ثمّ هنالك شيء آخر أهم من هذه النقطة. فالأمر يتعدّى مجرّد آية نُسخت أو محيت من الإنجيل.  فالذي يقرأ الإنجيل ويتأمّل في تعاليم السيّد المسيح، يجد فيه تعليما متكاملا قائماً على شخص السيد المسيح بطريقة لا تترك مجالا للشكّ أو للتفكير بوجود آخر من بعده.  بل إنّه يجد أنّ السيد المسيح هو القمّة والملء الذي لا ينقصه شيء.  فالمسيح لم يُبْقِ من ناقِصٍ يستدعي آخر ليكمله.  فإنّه يقول: "أنا نور العالم" وأيضا "أنا الطريق والحق والحياة"، فهل بعد هذا بقي لأحدٍ شيئا يضيفه؟

أجاب:  كلا.

قلت:    فكما ترى، حتّى لو افترضنا جدلا، أن هنالك آيات منسوخات، نصطدم بحقيقة أن الإنجيل يقدّم لنا وحدة واحدة متكاملة غير منقوصة وغير غامضة، ومسيرة متواصلة تنطلق من بدء إنشاء العالم في روايات التوراة (العهد القديم) وتستمرّ حتى ولادة يسوع وحياته وموته وقيامته وصعوده إلى السماء.

          فإننا نجد تحقيقا إعجازيّا لجميع نبوءات العهد القديم في شخص يسوع المسيح. فليس لدينا أدنى شك يدعونا إلى الاعتقاد بوجوب مجيء نبي آخر.

فقال:    ولكنّ المسيح مذكورٌ في القرآن ونحن نؤمن بأنه نبي.  والقرآن يقول بأن المسيح تنبّأ عن مجيء محمد.  فلماذا لا تؤمنون به؟

أجبت:  نعم، يذكر القرآن على لسان المسيح قوله: "ومبشرا برسول من بعدي اسمه أحمد.."، ولكن كما قلتَ أنتَ، هذه كلمات القرآن لا كلمات الإنجيل.  والقرآن كتاب موضوع ستة قرون بعد الإنجيل. لنفرض أنّ جماعةً دينيّةً ظهرتْ في أيامنا هذه، ولنفرض أنّ اسمها "الترفيعيّة"، وجاء في كتابها أنّ النبيّ محمّد تنبّأ في القرآن عن ظهور هذه الديانة وعن نبي اسمه "ترفيع" سيظهر من بعده.  هل كنتم ستؤمنون به وتصدقون كلامه؟

أجاب:  بالطبع لا!

فقلت:  وهذا هو حالنا.  فنحن لا نرفض الإيمان بالقرآن أو بمحمّد عنادا أو عن سوء نيّة ، بل بكلّ بساطة لأنّ كتابنا لا يذكر من أمرهما شيء.

فقال:    ولكنّنا نعتقد أيضا بأنّ المسيح سيعود في آخر الأيام، فهو بحسب تعاليم القرآن، رُفع إلى السماء ولم يمت؟

فسألته: ولماذا سيعود؟

أجاب:  سيعود، لأنّ الدينونة ستكون عن يده.

 

وأنا في الحقيقة لم أكن أعلم بهذا الأمر، فقلت في نفسي: فإذا كانت الدينونة ستتم عن يد المسيح فلماذا أومن بمحمد؟ ولكنّني اكتفيتُ بالتعليق:  "اليهودية والإسلام والمسيحية جميعها تؤمن بالمسيح ولكن كلاً منها بطريقة مختلفة. فاليهود ينتظرون مجيئه، ونحن نؤمن أنّه جاء وسيأتي ليدين العالم، وأنتم تؤمنون أنّه نبي وسيعود في الآخرة"!

 

وهنا أدركنا الوقت واضطرّ صاحبي إلى المغادرة.

 

1 الفهرس