"الله" في الكتاب المقدس

 

في صفحة 22 من كتيِّبه "هل الكتاب المقدس كلام الله؟" يعيد ديات طبع نبذة يزعم أنها ترينا الكلمة العربية "الله ALLAH" موجودة في ترجمة سكوفيلد للكتاب المقدس. ولحُسن الحظ فإنَّ الدليل في هذه الحالة موضوع أمامنا لنتأمله. ففي ترجمة سكوفيلد للكتاب المقدس نجد تعليقاً في هامش الكتاب وليس في النص نفسه يقول إنَّ اسم "الله" في اللغة العبرية هو "إلوهيم ELOHIM". وهو مشتقٌ من كلمتين "إل EL" ومعناها قوة, و"ألاه ALAH" ومعناها يحلف.

ويعلّق ديدات على ما جاء بهامش ترجمة سكوفيلد, فيقول: "يبدو أنَّ النصارى اعترفوا أخيراً أنَّ اسم الرب الصحيح هو "الله Allah". ولكنهم لصعوبة هذه الحقيقة عليهم قاموا بكتابتها ب L واحدة. وفي الطبعة التي تلتها من مرجع سكوفيلد للكتاب المقدس كانت مطابقة تماماً للطبعة السابقة, ولكنهم "بشطارة" وخفَّة يد استطاعوا أن يتخلَّصوا من كلمة " ALAH" فلم يبقَ لها أثر" صفحة 2.

وديدات هنا يحاول التدليل على نقطة يصعب تصوّرها! فكلمة " ALAH" العبرية معناها "يحلف", فكيف يجعلها ديدات برهاناً على أنَّ كلمة "الله" العربية تعني "الإله"؟! إنَّ اللغة العبرية ليست هي العربية! فبأي منطق, وعلى أي أساس يحلل ديدات الكلمات؟

ويفترض ديدات أنَّ حذف كلمة " ALAH" في طبعة حديثة من ترجمة سكوفيلد دليل على خفَّة اليد! بينما الكلمة جاءت في هامش تفسيري, وليس في نصّ الكتاب المقدس! ويقول ديدات في صفحة 17 من كتابه إنَّ المسيحيين لا يعتبرون الهامش أسفل الصفحة جزءاً من كلمة الله - فكيف لا يلتزم ديدات بالمقاييس التي يضعها بنفسه؟!

أما اسم "الله" في اللغة العربية فمشتقَّ من السريانية "ألاها ALAHA" وكانت الكلمة هي اسم الجلالة قبل القرآن, فمحمد نبي المسلمين هو ابن عبدالله. فليس هناك ما يريد ديدات أن يثبته, وليس هناك ما يستدعي ثورته وهيجانه على "خفة يد" ناشر ترجمة سكوفيلد للكتاب المقدس!الفقرات المتماثلة في الكتاب المقدس

لا نحتاج أن نتعامل بتوسُّع مع الفصل الذي كتبه ديدات بعنوان "اعترافات ملعونة" فليس فيه سوى إقراره أنَّ الإنجيل قد عانى من أخطاء نصّية مثل تلك التي تعرَّضنا لها فيما سبق. ولقد قلنا إنَّ القرآن تواجهه أيضاً نفس المشاكل, ولذلك لا نعتقد أنَّ علينا أن نعير أي اهتمام لما يثيره ديدات من أمور غير جدية.

غير أننا نتعجّب بشدة, لتصريح فادح الخطأ لديدات قال فيه: "من بين أربعة آلاف مخطوطة مختلفة يتفاخر بها المسيحيون, اختار آباء الكنيسة أربعاً فقط تتفق مع تحيُّزهم وأسموها أناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا" صفحة 24. مرة أخرى يكشف ديدات عن جهله الرهيب بموضوعه, حيث أنَّ هذه الأربعة آلاف مخطوطة هي نسخ من 27 سفراً تكوَّن منها العهد الجديد. ومئات من هذه المخطوطات هي نسخ من الأربعة أناجيل المشار إليها. وأنَّ مثل هذه التصريحات تجبرنا على أن نستنتج أنَّ ما كتبه ديدات لا يمكن - مهما اتَّسع به الخيال - أن يُعتبر نقداً علمياً للكتاب المقدس! بل هو وابل من السباب الصاخب ضد الكتاب المقدس, من رجل لا يطابق جهله سوى تحامله البالغ الشدة ضد الكتاب المقدس.

هذا التحامل يكشف عن نفسه بوضوح في الصفحة التالية, حيث يزعم ديدات أنَّ كتب موسى الخمسة لا يمكن اعتبارها كلمة الله ولا كلمات موسى. فأسفار موسى تقول: "قال الرب لموسى" وهذا خطاب للغائب يتكرر كثيراً. وكأنَّ ديدات لا يدرك أساليب الكتابة, فقد اختار موسى أن يتكلم عن نفسه بضمير الغائب - وديدات يزعم أنَّ هذه الكلمات تأتي "من شخص ثالث يسجّل أحداثاً سمع عنها" صفحة 25. فإذا صحَّ كلام ديدات عن أسفار موسى, فهو يصحّ أيضاً على القرآن, فلا يكون القرآن كلمة الله أو حتى كلمات نبي, بل "كتابة شخص ثالث يسجل أحداثاً سمع عنها". لأننا نقرأ في القرآن: "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ" سورة المائدة 5:110. ولا نرى فرقاً بين كلام الرب لموسى في الكتاب المقدس وكلام الله للمسيح في القرآن. وهكذا نرى أنَّ أي نقد للكتاب المقدس يستخدم منطق ديدات هذا لا بد أن يرتد فيصيب القرآن بالمثل.

وبالطبع لم يكتب موسى تفاصيل موته كما يسخر ديدات فالتثنية 34 كتبه خليفة موسى, النبي يشوع, وهو أيضاً الذي كتب السفر الذي يحمل اسمه, والتالي مباشرة لهذا الأصحاح - فالتوراة كلها وحي الله لأنبياء الله.

ويتناول ديدات في الفصل السادس من كتيبه موضوع أصالة الأناجيل الأربعة. ويبدأ مفترضاً أنَّ هناك دليلاً من داخل إنجيل متى يثبت أنَّ متى ليس هو كاتب الإنجيل الأول صفحة 26. ويعلل ذلك بأنَّ متى يتكلم عن نفسه في الإنجيل بضمير الغائب. وقد رأينا فيما سبق ضعف هذا النهج من التفكير. فالقرآن الذي يقول المسلمون عنه إنه كلام الله, يجيء الكلام فيه أحياناً عن الله بضمير الغائب. ولا نستطيع أن ندرك كيف يجادل مسلم بشأن أصالة أي سفر من الكتاب المقدس لمجرد أنَّ كاتبه يتحدث عن نفسه بضمير الغائب.

ويقدم ديدات في كتابه صورة لمقدمة إنجيل متى لكاتبها ج.ب. فيليبس تقدم فهماً أكبر. يقول فيليبس: "نَسَب التراث القديم هذه البشارة إلى متى الرسول, ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي. والكاتب الذي ندعوه الآن "متى" للراحة واختصار الوقت اعتمد على المصادر الغامضة, التي ربما كانت مجموعة من التراث الشفهي" صفحة 28. وللتعليق نقول: إنَّ أي شخص يعرف معنى "التفكير السليم" سيفكر ملياً في الحقائق التالية:

1 نسب التقليد المسيحي المبكر هذا الإنجيل بالإجماع إلى البشير متى. واعتقاد بعض "علماء اليوم" ليس بذي وزن في مواجهة الشهادة الموضوعية لأولئك الذين عاشوا في الوقت الذي نُسخ كُتب فيه الإنجيل ووُزِّع لأول مرة. وواضح أنَّ ليس كل علماء اليوم يرفضون أنَّ متى هو كاتب هذا الإنجيل. إنها مدرسة معينة من العلماء التي تفعل ذلك, هم أولئك الذين لا يؤمنون بعقيدة الخليقة, ويعتبرون قصة نوح والطوفان خرافة, كما يستهزئون من أنَّ يونان أمضى ثلاثة أيام في بطن حوت! ونحن على ثقة أنَّ قراءنا المسلمين يعرفون كيف يزِنون قدر مثل هؤلاء "العلماء". أما العلماء الذين يقرُّون بأنَّ هذه القصص حقائق تاريخية فإنهم يقبلون وبدون استثناء أنَّ متى هو كاتب هذا الإنجيل.

2 يقول فيليبس إنَّ كاتب هذا الإنجيل لا زال "بكل راحة" يمكن أن يُسمَّى متى, حيث لا بديل معقول لغير ذلك, كما أنَّ تاريخ الكنيسة الأولى لم يفترض كاتباً غيره في أي وقت من الأوقات.

3 ما يسمّونه "المصادر الغامضة" هي غامضة في نظرهم فقط لأنها حصيلة الوهم الذي أوحى به خيال "علماء اليوم". إنها ليست غامضة فقط, بل هي خرافة ومعتقد زائف. ليس هناك دليل تاريخي من أي نوع على أنَّ مجموعة من التقاليد الشفهية كان لها وجود في أي وقت من الأوقات.

إنه لأمر صعب أن نعطي اهتماماً جدياً لشكاوى ديدات على أنَّ متى نقل عن مرقس, وأنَّ إشعياء 37 مكرر في 2ملوك 19. إنَّ منطقه الذي يبني عليه افتراضه بأنَّ مثل هذا النقل الحرفي ينفي أن يكون الكتاب المقدس هو كلمة الله, منطق يصعب علينا متابعته. ويحتاج المرء أن يعرف فقط خلفية إنجيل مرقس ليكتشف حماقة النهج الذي يتبعه ديدات في جدله. لقد سجل لنا بابياس وهو من آباء الكنيسة أنَّ الرسول بطرس كان مصدر المعلومات لإنجيل مرقس, فقد كانت لدى بطرس معلومات مباشرة عن حياة المسيح أكثر من متى. والتغيير الذي حدث لبطرس جاء ذكره في إنجيل متى الأصحاح الرابع, بينما التغيير الذي جرى في حياة متى يذكره في أصحاح 9, أي بعد فترة كبيرة تمَّت فيها أحداث كثيرة شاهدها بطرس. وكان بطرس دائماً مع المسيح بخلاف متى. لقد شاهد بطرس واقعة التجلي مرقس 9:2 كما كان حاضراً في بستان جثسيماني مرقس 14:33 بينما متى كان غائباً في الحالتين.

لم يكن متى يستطيع أن يجد مصدراً لإنجيله يمكن الاعتماد عليه أكثر من هذا. وحيث أنه نقل عن نص إنجيلي للكتاب المقدس, لا نستطيع أن ندرك كيف يمكن أن يفقد إنجيله اعتباره كمرجع وكتاب أصيل!!

وإذا كان ديدات يستطيع أن يبرهن أنَّ روايات الكتاب المقدس - كتلك التي يقدّمها على أنَّ لها متشابهات في كتب مقدسة أخرى - سابقة تاريخياً على الأناجيل, وأنَّ هذه الأعمال مجموعة خرافات أو قصص خيالية, إذن لكنا نتناول ما يثيره من نقاط بجدية أكثر! ولكن توجد قصص كثيرة في القرآن قُدِّمت على أنها تاريخ حقيقي, بينما لها متشابهات في القرآن نفسه. فقصة آدم وردت في عشر سور, وقصة خلقه وردت في الحجر والكهف وص, وسقوطه في البقرة والأعراف وطه. وقصة إبراهيم وردت في خمس وعشرين سورة قرآنية. ثم أن لقصص القرآن متشابهات في كتب القصص اليهودية في فترة ما قبل الإسلام. فمثلاً يسجل القرآن قصة قتل قايين أخاه هابيل سورة المائدة 5:27-32 وهي قصة موجودة في سفر التكوين. على أننا نجد إضافة قرآنية لا شبيه لها في الكتاب المقدس, فيقول القرآن: "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ" سورة المائدة 5:31. وفي كتاب يهودي للقصص الشعبية نقرأ أنَّ آدم بكى هابيل ولم يعرف ماذا يفعل بجثته, إلى أن رأى غراباً ينقر في الأرض ويدفن قرينه الميت. عند ذلك قرر آدم أن يفعل مثل ما فعل الغراب كتاب الربي أليعازار فصل 21. ويقول القرآن إنَّ قايين هو الذي رأى الغراب, بينما في الكتاب اليهودي آدم هو الذي رآه. ولكن فضلاً عن هذا الاختلاف الصغير فإنَّ التشابه بين القصتين واضح. وحيث أنَّ الكتاب اليهودي يسبق القرآن, فيبدو أنَّ القرآن أخذ القصة بتعديل مناسب ليجعلها جزءاً من الوحي. فإذا لقي هذا الاستنتاج رفضاً, فليقولوا لنا لماذا يرفضونه.

ونقرأ في القرآن: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" سورة المائدة 5:32. عند النظرة الأولى تظهر هذه الآية كما لو لم تكن لها علاقة بما قبلها. لماذا تكون حياة أو موت شخص كإحياء أو إبادة كل الجنس البشري؟ هذا أمر غير واضح. ولكن عندما نرجع لتقليد يهودي آخر نجد نقطة الوصل بين القصة وما تلاها. ونرجع هنا إلى المشنا حيث نقرأ: "نجد أنه قيل في موضوع قايين الذي قتل أخاه: "صوت دماء أخيك يصرخ" تكوين 4:10. لم تَقُل التوراة "دم" بالمفرد بل "دماء" بالجمع, أي دمه ودم نسله. لقد خلق الإنسان فرداً ليُظهر أنَّ مَنْ يقتل فرداً واحداً فكأنما قتل الجنس كله, وأنَّ من يحفظ حياة فرد واحد فكأنما حفظ الجنس كله" مشنا سنهدريم 4:5. وطبقاً للمعلم اليهودي الذي كتب هذه الكلمات, فإنَّ استخدام كلمة "دماء" بالجمع في التوراة يعني ليس فقط دم رجل واحد ولكن دم كل نسله. ونحن نعتبر تفسيره هذا تخميناً مبالغاً فيه. ولكننا مضطرون أن نسأل: كيف يكون الوحي الإلهي في القرآن تكراراً واضحاً لمعتقدات معلم يهودي؟ لا يمكننا إلا أن نستنتج أنَّ القرآن أخذ هذا التعليم المتعلق بكامل الأمة من مصدر يهودي, دون أن يذكر من أين نشأت هذه الصلة.

إنَّ ما تحويه قصة الغراب من توافق بين القرآن والقصص الشعبية اليهودية, ثم توافق فلسفة أنَّ قتْل رجل واحد يتضمن قتل نسله معه, يجعلاننا نرى بوضوح رداً قوياً على تهجُّمات ديدات التي لا مبرر لها! وعلى ديدات من باب أوْلى أن يفسر لنا كيف تشابه بعض فقرات قرآنية كتباً يهودية عن القصص الشعبية.

ويختتم ديدات هذا الفصل حيث يصف الذين يؤمنون أنَّ كل كلمة وفاصلة ونقطة في الكتاب المقدس هي كلمة الله, هم "دعاة الإنجيل الصخَّابون" صفحة 33. ونحن لا نتعاطف مع المتعصّبين ولكن في ضوء الأدلة التي درسناها حتى الآن, نستطيع أن ندعو ديدات "أحد دعاة القرآن الصخَّابين".المتناقضات المزعومة في الكتاب المقدس

يبدأ ديدات فصله السابع "اختبار الصلاحية" بادعاء أنَّ هناك تناقضاً بين سفر صموئيل الثاني 24:1 حيث نقرأ أنَّ الرب حرَّك داود ليحصي بني إسرائيل, وسفر أخبار الأيام الأول 21:1 حيث يذكر أنَّ الشيطان هو الذي حرَّكه لفعل ذلك. وأي شخص له معرفة معقولة بالكتاب المقدس والقرآن سيدرك في الحال أنَّ ديدات لا يقدم شيئاً سوى فهمه الميئوس منه وغير السليم لصفة مميزة للفلسفة الدينية لكلٍّ من الكتابين. ففي القرآن نجد فقرة مشابهة تلقي ضوءاً على هذا الموضوع: "أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُّزُهُمْ أَّزاً" سورة مريم 19:83. نرى هنا أنَّ الله يسلِّط الشياطين على الكافرين. ومع أنَّ الله هو الذي يحركهم للأذى والإرباك, فإنه يستخدم الشياطين لإثارتهم في هذا الاتجاه. وبنفس الطريقة عمل الله ضد داود واستخدم الشيطان لحثِّه على إحصاء إسرائيل. وعلى نحو مشابه نقرأ في سفر أيوب بالكتاب المقدس أنَّ الشيطان أُعطي سلطاناً على أيوب ليؤذيه أيوب 1:12. ولكن الله تكلم فيما بعد كما لو كان هو الذي تحرك ضد أيوب أيوب 2:3. ففي أي وقت يثير الشيطان الإنسان, يمكن وصف ذلك أنه من الله, لأنه بدون إذن الله لا يقدر الشيطان أن يحقق شيئاً. وإليك ما قاله الزمخشري في الكشاف تفسيراً لسورة البقرة 2:7 "خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمِْ غِشَاوَةٌ" : "فالشيطان هو الخاتم في الحقيقة, أو الكافر. إلا أنَّ الله سبحانه, لما كان هو الذي أقْدره ومكَّنه, أُسند إليه الختم كما يُسند الفعل إلى المسبِّب".

إنَّ أشخاصاً عديمي الخبرة مثل ديدات, يجب أن يأخذوا دروساً في فقه وفلسفة القرآن من علماء مشهورين مثل الزمخشري, قبل أن يُعرّضوا أنفسهم للسخرية بسبب هجومهم الذي لا مبرر له على الكتاب المقدس.

وأثار ديدات الشكوك في صحة الكتاب المقدس بسبب اختلاف أرقام بين سفر وآخر من أسفار التوراة. ولا شيء من ذلك في العهد الجديد. والواضح أنَّ كل ما أثاره ديدات لا يؤثر على عقيدة, وما يعتبره أخطاءً, لا قيمة له على مضمون الكتاب المقدس ككل.

ولا يُخفى أنَّ هذه قد تكون أخطاءً قليلة الأهمية من الناسخين - ولكن هناك ردوداً توضيحية على كل ما أثاره ديدات.

1 فالفرق بين عدد سنوات الجوع في سفري صموئيل الثاني 24:13 وأخبار الأيام الأول 21:12 ثلاث سنوات أو سبعاً مرجعه أنَّ النبي الذي كتب سفر صموئيل حَسَب سنتين من مجاعة خفيفة, يقل فيهما الطعام المخزون لانعدام المطر, ثم ثلاث سنين من مجاعة شديدة, وبعدها حسَب سنتين من مجاعة خفيفة بعد نزول المطر.

2 والفرق بين عدد المركبات في صموئيل الثاني 10:18 سبعمائة مركبة وعددها في أخبار الأيام الأول 19:18 سبعة آلاف مركبة أنَّ النبي الذي كتب صموئيل الثاني كتب عدد المركبات, أما النبي الذي كتب سفر أخبار الأيام الأول فكتب عدد الرجال الذين في المركبات. في كل مركبة عشرة, فصار سبعة آلاف. والدليل على ذلك قوله إنَّ داود "قتل" المركبات. ولا شك أنَّ الذين قُتلوا هم الفرسان لا المركبات. أما ذكر الرجال كمشاة مرة وكفرسان مرة أخرى, فلأنهم تحاربوا مرة مشاة وأخرى على الخيل.

3 والفرق بين سعة الحوض كما يوردها سفر ملوك الأول 7:26 ألفي بث وبين السعة كما يوردها سفر أخبار الأيام الثاني 4:5 ثلاثة آلاف بث أنَّ النبي الذي كتب سفر الملوك الأول يذكر ما يسعه الحوض بدون أن يفيض على حافتيه عند الاغتسال فيه, بينما النبي الذي كتب سفر أخبار الأيام الثاني ذكر سعة الحوض عندما يمتلئ لآخره بالماء.

4 أما أنَّ سفر أخبار الأيام الثاني 9:25 يذكر أنه كان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل, بينما يذكر سفر الملوك الأول 4:26 أنه كان له أربعون ألف مذود خيل, فلأنَّ سليمان كان له أربعة آلاف مذود خيل كبيرة, بكل واحد عشرة مذاود صغيرة - فالمذود الكبير يسع عشرة رؤوس من الخيل.

ولو استعملنا منطق ديدات لادَّعينا أنَّ هناك تناقضاً ملموساً في القرآن, حيث يوم واحد عند الله كألف سنة عند الإنسان سورة السجدة 32:5 بينما في سورة المعارج يوم واحد كخمسين ألف سنة سورة المعارج 70:4. فعلى ديدات أن يفسر لنا كيف اختفت من القرآن 49000 سنة!

الكتابات الفاضحة في الكتاب المقدس

في الفصل الثامن من كتيّبه يبني ديدات الكثير على قصة زنا يهوذا بإحدى محارمه وهي ثامار سفر التكوين 38 وقصص أخرى مشابهة مثل قصة علاقة لوط بابنتيه سفر التكوين 19. ويبني ديدات على هذا أنَّ الكتاب المقدس لا يمكن أن يكون كلمة الله لوجود مثل هذه القصص فيه.

ومن الصعب علينا تتبُّع هذا الخط من التفكير. فلا يمكن أن نرفض كتاباً يقول إنه كلمة الله لمجرد أنه يُظهر الناس - حتى أحسن الناس - في أسوأ حالاتهم. إنَّ كل القصص التي يهاجم بها ديدات تتصل بشرّ الإنسان, ولكنه يغفل قصص الصالحين الأتقياء.

ويظهر الله في الكتاب المقدس كله بأنه كلي القداسة وتام الصلاح وعظيم في محبته. ونحن سعداء أنَّ ديدات لا يقول إنَّ صفات الله في الكتاب المقدس موضع لوم, وهذا هو كل ما يهمنا حينما يتصل الأمر بتحديد ما إذا كان كتابٌ ما هو كلمة الله. فإذا كان الكتاب المقدس يكشف عن خطايا البشر, فإنه في الواقع يرفض أن يغطي زلات أحسنهم. ولذلك فهو جدير بأن يكون كلمة الله, لأنه يعني بتسبيح وحمد الله لا الإنسان. إنَّ مجد الله هو هدف الكتاب المقدس وليس المجد الزائف للإنسان!

ونتعجب كيف تجاهل ديدات قصةً في الكتاب المقدس تكشف شراً أعظم من كل الشرور التي اختار أن يكتب عنها. ففي سفر صموئيل الثاني 11 نقرأ أنَّ داود رأى بثشبع تستحم فأمر بإحضارها وارتكب معها الزنا. وعندما حملت بطفل عمل داود على قتل زوجها أوريا واتَّخذها زوجة له. إنَّ هذه القصة - على أقل تقدير - تساوي جميع القصص التي أشار إليها ديدات معاً في شرها, ولكنه اختار بعناية أن لا يذكرها, لماذا؟ لأنَّ القرآن أيضاً يذكرها. نقرأ في سورة "ص" أنَّ رجلين مثلا أمام داود, واحد كان له 99 نعجة, وجاره عنده نعجة واحدة. وطلب صاحب النعاج التسعة والتسعين النعجة الوحيدة التي عند جاره. فحكم داود بأنَّ الذي له 99 نعجة قد أخطأ في حق جاره بطلب نعجته الوحيدة. بعد ذلك, نقرأ أنَّ داود أدرك أنَّ المثل كان ضده شخصياً. ويذكر القرآن أنَّ الله قال له: "وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ 25 فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ" سورة ص 38:24و25. فما هي فتنة داود التي تاب عنها, فنال مغفرة الله؟ لا بد لنا من الرجوع إلى التوراة لنجد الإجابة. في صموئيل الثاني 12 نقرأ أنَّ النبي ناثان حدَّث داود عن غني عنده قطيع من الخراف, ولكنه عندما احتاج لخروف من أجل وليمة, أخذ الخروف الوحيد الذي يملكه أحد خدامه. فغضب داود على الرجل الغني, فقال ناثان: "أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ, وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذلِكَ قَلِيلًا كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلامَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ, وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً, وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ." 2صموئيل 12:7-9. واضح الآن كيف "فتن الله" داود! كما يقول القرآن. لقد كان له أكثر مما يحتاج وزوجات كثيرات, لكنه أخذ لنفسه الزوجة الوحيدة لخادمه. وعندما قال داود: "قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ". أجابه ناثان: "الرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ" 2صموئيل 12:13. فالقرآن والكتاب المقدس متشابهان في رواية ارتكاب داود الزنا مع بثشبع. ونحتاج فقط لأن نركز على قول أمرين:

1 واضح أنَّ ديدات اختار أن يتجاهل هذه القصة عن شر داود, لأنه يعرف أنَّ لها ما يطابقها في القرآن.

2 إنَّ القرآن يؤيد رواية الكتاب المقدس, فلا يوجد اعتراض سليم على ما ورد به من قصص يهاجمها ديدات.

جميع الأنبياء هم من دم ولحم, وارتكابهم لأي ذنب جسيم كان أمراً محتماً, شأنهم شأن سائر البشر, ولا يمكن أن نهاجم الكتاب المقدس لأنه لم يرحم الأنبياءحينما كشف أعمالهم. محمد نفسه كان رجل عاطفة مشبوبة, مثل أي رجل آخر. ورغم أنه كان له تسع زوجات في وقت واحد, لكنه لم يستطع أن يكبح رغبته في أن يعاشر من يقع عليها اختياره بدلاً من معاشرة كل واحدة بالدور. وعندما نزلت سورة الأحزاب 33:51 والتي أعطته "إذناً إلهياً" أن يعاشر أياً من زوجاته حينما يرغب في ذلك, قالت له زوجته المفضلة, عائشة: "إنَّ الله يسرع لك في هواك" صحيح البخاري مجلد 6 صفحة 295.

أما المسيح فهو الإنسان الوحيد الذي عاش دون أن يخضع لنزوات ورغبات وضعفات باقي البشر. ويسأل ديدات في ضوء ما جاء في 2تيموثاوس 3:16: تحت أي عنوان نستطيع أن نرتب القصص التي يذكرها؟ وسوف أعطيه جواباً على سؤاله:

1 من أجل التعليم: بأنَّ كل الناس خطاة بما في ذلك الأنبياء وأحسن الناس. والجميع في حاجة إلى الغفران, الذي هو هبة نعمة الله في المسيح يسوع.

2 من أجل التوبيخ: لا يمكن أن يرتكب الإنسان الشر ضد الله دون أن يجني العواقب.

لقد كان يهوذا أكبر من شقيقه يوسف. ولقد ارتكب يهوذا الإثم المعيب مع زوجة ولده دون أن يعرف من تكون. ولكن يوسف رفض أن يرتكب الإثم مع زوجة فوطيفار. وعاقب الله يهوذا وكافأ يوسف, عندما جثا يهوذا وإخوته جميعاً أمام يوسف حاكم مصر, وهم يطلبون منه الطعام الذي يمسك رمقهم!

3 من أجل التقويم: رغم أنَّ الله قد يغفر لنا ذنوبنا, لكنه قد يجعلنا نعاني من نتائجها, لأنَّ في هذا خير لنا. لقد نال داود الغفران عما ارتكبه من زنا, ولكنه عانى من أربع هزائم كبيرة في حياته نتيجة لخطيته. وقد ساهم ذلك في تقويمه, فلم يرتكب مثل ذلك الإثم مرة أخرى.

4 من أجل التدريب في البر: هذه الأحداث جميعاً ترينا أنَّ الإنسان ليس فيه برٌ موروث, لكن لديه فقط أشر الإمكانيات إذا توافرت له الفرصة أن يرتكب أفظع الشرور. وما يعوزنا هو أن نفتش عن بر الله الذي نناله بالإيمان بالمسيح.

بعد أن تاب داود عن جريمته النكراء صلَّى قائلا: "قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. لا تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ, وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لا تَنْزِعْهُ مِنِّي. رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاصِكَ, وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي" مزمور 51: 10-12.

يستطيع الخطاة أن يحصلوا على بر الله بالتوبة عن خطاياهم وطلب غفران الله والثقة فيه لنوال الخلاص. قد عبَّر بطرس الرسول عن ذلك بقوله: "تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا, فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" أعمال الرسل 2:38.

سلسلة نسب المسيح

يبدأ ديدات الفصل الاخير من كتيِّبه مفترضاً أنَّ هناك تناقضاً بين سلسلة نسب المسيح كما جاءت في إنجيلي متى ولوقا, وذلك لوجود اختلاف كبير في الأسماء كما أوردها الكاتبان. وهذا الاختلاف بين القائمتين - في رأي ديدات - يثبت أنَّ "كلاً من الكاتبين كاذب مرتبك" صفحة 54. وإنه لأمر شديد الوقْع على فهمنا أن نصدق اتهام ديدات رجالاً ثابروا على تسجيل أقدس وأصدق تعليم في تاريخ الإنسانية, فيقول إنهم كانوا "كاذبين مرتبكين" كما يزعم! ولحسن الحظ أننا لا نشارك ديدات في تحامله على الكتاب المقدس, ونستطيع لذلك أن نفحص هذا السؤال بموضوعية.

من الحقائق الواضحة أنَّ نسب الإنسان محدَّد بسلسلتين من النسب لا ثالث لهما, إحداهما من أبيه, والثانية من أمه. لم يكن يوسف الأب الجسدي ليسوع, ولكن كان لا بد أن يُنظر إليه على أنه أبوه فيما يتعلق بسلسلة نسبه, بحسب نظام الشريعة اليهودية. ولذلك يكتب متى نسب يسوع من جهة أسرة يوسف. وفي روايته بعد ذلك عن مولد المسيح يركز على دور يوسف باعتباره وليّ أمره الطبيعي, وباعتباره خطيب مريم أمه.

ويذكر ديدات عَرَضاً أنه طبقاً للوقا 3:23 "يُظَن أنَّ يوسف كان أبا يسوع" صفحة 52 دون أن يضيف أي تعليق. وهنا, وعند هذه الكلمة الواحدة, نجد مفتاح نسب يسوع كما ورد في إنجيل لوقا. ففي قائمة السَّلف الذين يذكر أسماءهم لا نجد ذِكراً لامرأة. ورغم أنه يركز على دور مريم في ولادة المسيح, إلا أنه عندما يأتي لسلسلة نسبها لا يصف يسوع كابن مريم, بل "كما كان يُظنّ ابن يوسف" بمعنى أنه حتى يحتفظ بسلسلة النسب من الذكور, وضع اسم يوسف بدلاً من اسمها. وقد كان لوقا حريصاً جداً أن يذكر كلمة "يُظَن" في سلسلة النسب حتى لا يكون هناك أي لبس بشأنها, وحتى يُفهم قرّاءه أنها ليست سلسلة نسب يوسف. وهذا الشرح البسيط يزيل فوراً ما يزعم ديدات أنه تناقض! وبرغم أنَّ الحقائق الصادقة قد شُرحت على مرّ القرون, فإنَّ الذين أعماهم التحامل يستمرُّون في كيل هذه التهمة الصبيانية أنَّ متى ولوقا متناقضان!

وبينما يحاول ديدان أن يحافظ على زعمه بوجود تناقضٍ بين كُتَّاب الكتاب المقدس, فهو يتهم متى أنه يعطي المسيح سلسلة سلف مخزية, إذ يذكر متى أسماء "زناة من الأسلاف الحقراء" صفحة 52. فإذا فحصنا إنجيل متى نجد أربع نساء في سلسلة نسب يسوع, هنَّ ثامار التي عاشرت يهوذا وهو من محارمها, وراحاب وهي عاهرة من الأمم, وراعوث وهي أيضا أممية, وأخيراً بثشبع التي زنت مع داود. وذكْر متى هؤلاء النسوة الأربع أمر له دلالة كبيرة. فواضح أنه لم يرِدْ إهانة يسوع بذكر أسمائهن ولو كانت هناك أي وصمة عار تتصل بمثل هذا السَّلف لذَكَر متى أسماء نساء تقيات انحدر يسوع منهنَّ مثل سارة ورفقة. فلماذا اختار أن يذكر على وجه التحديد أسماء أولئك النسوة الأربع اللائي "أفسدن نقاوة سلسلة سلفه"؟ ما أسرع ما يعطينا متى جوابه على ذلك! فالطفل الذي سيولد: "اسْمَهُ يَسُوعَ, لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ" متى 1:21.

جاء يسوع للعالم لأجل أشخاص مثل ثامار وراحاب وراعوث وبثشبع. جاء ليخلِّص مثل هؤلاء من خطاياهم, ويكون خلاصه في متناول جميع الناس, يهوداً أو أمماً على حد سواء. وكما قال هو نفسه لليهود وللتلاميذ في إحدى المناسبات: "لا يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً, لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" متى 9:12و13.

فإذا كنت أيها القارئ تتصور أنَّ المجهودات الدينية التي تبذلها على مرّ السنين تُحسب لك براً أمام الله, وأنَّ الله سيتغاضى عن ذنوبك, إذن لتتابع بحثك غير المثمر عن البر الذاتي. لا يلزمك أن تنظر ليسوع, فهو لن يساعدك وأنت بهذا الفكر.

لكن إن كنت تعرف أنَّ خطاياك كثيرة, وإن كنت قد اكتشفت حقيقة ذاتك, وأنه لا يوجد فيك برٌ, وإن كنت أميناً مع نفسك وآمنت بهذه الحقائق, إذن تعال إلى يسوع, فهو قد جاء ليخلص من هم مثلك, وهو قادر أن يطهرك ويخلّصك من جميع خطاياك.

ولسنا نريد أن نتعامل طويلاً مع تساؤلات ديدات عمن كتبوا الكتاب المقدس, فقد أكد يسوع أنَّ كل كتب العهد القديم كما تسلّمها اليهود هي كلمة الله الموحى بها, واستشهد منها, وأعلن أن الكتب المقدسة كما تسلّموها لا يمكن نقضها يوحنا 10:35, وشهد الروح القدس بمثل ذلك تماماً في جميع مواقع الكنيسة المسيحية بالنسبة لكتب العهد الجديد. والقرآن أيضاً يقدم تأييداً كاملاً للكتب المقدسة الخاصة باليهود والمسيحيين, لأنه يعلن أنَّ محمداً جاء مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه, يشهد له بالصحة ويحافظ عليه سورة المائدة 5:48.الخاتمة

نستخلص نتيجة واحدة من كل ما سبق. لقد فشل ديدات في أن يشكّك في الكتاب المقدس على أنه كلمة الله. ومثله مثل جومَّال من قبله, لقد كشف عن نفسه كناقد لا قيمة لنقده للكتب المقدسة المسيحية.

يُضاف إلى ذلك, أنه مما يؤسف له حقاً أن نرى فقط روح السلبية في سلوكها التي تملأ كل صفحة من كتيبه. ليس هناك أي جهد في أي مكان من كتيبه لتناول ما يحتويه الكتاب المقدس بطريقة موضوعية. لم تصدر كلمة طيبة ولو مرة واحدة عن الكتاب المقدس. وإنه لمما يدعونا للعجب أن يستطيع إنسان ما أن يقرأ الكتاب المقدس ويتفحَّصه ثم يكتب عنه بحثاً ليس فيه غير النقد السلبي. فمن أول صفحة إلى آخر صفحة يواجه ديدات قارئه بروح من التحامل المسرف, لا يستحق معه أن نقبل ما يدَّعيه لنفسه أنه "عالم في الكتاب المقدس".

في صفحة 41 من كتيبه يحض ديدات قرَّاءه أن يحصلوا على نسخة مجانية من الإنجيل من "مركز الصداقة" الذي لنا. ولقد قررت مرة أن أزور واحداً من المسلمين العديدين الذين - نتيجة لذلك - كتبوا لنا طالبين كتاباً مقدساً. وقد وجدت أنَّ هذا الشاب قد اتبع نصيحة ديدات الواردة في نفس الصفحة بأن يضع خطاً بمداد ملوَّن أسفل كل ما يزعم أنه تناقض أو فقرات فاضحة. ولم يضيّع هذا الشاب وقتاً في العثور على النصوص التي كان يبحث عنها, والتي وعده ديدات - بلا جدوى - أنها سوف تربك وتدحض حجة أي مبشر أو عالم مسيحي يقابله صفحة 41. وفيما عدا هذه النصوص التي طالب ديدات قرَّاءه بقراءتها لم يبذل هذا الشاب أي جهد ليقرأ الكتاب المقدس أو يعرف ما يعلّمه.

لقد كنا نأمل أن تكون روح الحرب الصليبية قد دُفنت, لكن يظهر أنَّ بعض المؤلفين المسلمين مصممون على إحيائها في قلوب شباب المسلمين اليوم. أي فائدة تُرجى عندما يطالع قارئ كتاباً لا لهدف سوى للعثور على أخطاء فيه؟! وأي عقلية هذه التي تحرك الناس للبحث عن لا شيء سوى أخطاء مفترضة في كتاب, حتى وقبل أن يقرأوا كلمة واحدة منه؟! لقد أحسن مؤلف مسيحي حين قال عن الكتاب المقدس: "إنه كلمة مدهشة أعطاها الله للإنسان. وإنَّ عمق وجمال هذه الكلمة سوف يغيب عن الذين يقرأونها بهدف النقد فقط".

لقد تشجعتُ كثيراً باستلام خطابات من المسلمين يطلبون نسخاً من الإنجيل, ويُبْدون قدراً كبيراً من الاحترام له, وتشجَّعت كذلك لما اكتشفت أنَّ هناك مؤلفين مسلمين آخرين في أنحاء العالم يتناولون كتابنا المقدس بطريقة مختلفة. فالمؤسسة الإسلامية وهي مؤسسة إسلامية مشهورة نشرت عدة كتب عن الإسلام اتَّبعت نهجاً أكثر نضجاً واحتراماً للكتاب المقدس. وهي تقول عن الإيمان المسيحي في إحدى مطبوعاتها: "إنَّ أهمية حاجة المسلم لأن يدرس المسيحية لا تحتاج لتأكيد. فبينما يدرس كثير من التلاميذ المسيحيين الإسلام, فإنَّ قليلين من المسلمين قد أخذوا على عاتقهم أن يدرسوا المسيحية بجدية. إنَّ الحالة التي يجد المسلمون أنفسهم فيها اليوم تتطلب منهم أن يدرسوا المسيحية. وبالتأكيد فإنَّ أحسن طريقة لدراسة المسيحية هي أن نستشير منابعها, وأن نحلل أفكار وآراء معتنقيها, بدلاً من الخوض في جدل رخيص كما فعل للأسف بعض الكتَّاب المسلمين في الماضي" أحمد فون دنفر - "كتب عامة ومقدمات عن المسيحية" ص 4. (AHMAD VON DENFFER, GENERAL AND INTRODUCTOR; BOOKS AND CHRISTIANIT).

يا لها من كلمات سليمة حكيمة هذه! وللأسف - وكما رأينا - فليس الأمر قاصراً على بعض الكتَّاب المسلمين في الماضي الذين خاضوا في هذا الجدل الرخيص ضد الكتاب المقدس, فلا زال هذا الأمر يحدث اليوم من خلال أمثال ديدات وجومّال. ولا نستطيع غير أن نزكي المشاعر الطيبة في الاقتباس الذي أوردناه, كما نقول لقرائنا المسلمين إنهم لن يحصلوا على أي شيء سوى صورة مشوَّهة تماماً عن المسيحية من كتيّباتٍ مثل الذي نردّ عليه في كتابنا هذا.

إنَّ الذين يشاركون ديدات في تحامله على الكتاب المقدس لن يهتموا حتى بتصفّحه كي لا يتغيَّر سلوكهم من جهته, فهم يشبهون الذين يصفهم القرآن أنهم كمثل حمار يحمل أسفاراً سورة الجمعة 62:5. فكما أنَّ الحمار لا يعلم قيمة ما يحمله, كذلك مثل هؤلاء الناس يجهلون الكنز الروحي الذي أخذوه بأيديهم الملطخة. ليت الله القدير في عظيم رحمته ومحبته, يمنحنا جميعاً أن نُقبل إلى معرفة حقه المقدس, راغبين في البحث عنه حيثما يمكن أن نجده. وليت جميع المسلمين الذين لديهم الكتاب المقدس أن يكتشفوا ما به من حقائق مجيدة وجمال مشع, إذ يقرأونه بعقل متفتّح ورغبة صادقة أن يعرفوا ويفهموا تعاليمه وإرشاداته

الصفحة الرئيسية