صلبوه وقتلوه أم شبه لهم

صلبوه وقتلوه

أم شبه لهم؟
سليم عطية

لوجوس

 

الكـتاب : صلبوه وقتلوه أم شبه لهم

الكـاتب : سليم عطية

 

الجمع والإخراج الفني والطباعة

لوجوس سنتر

تليفون / فاكس 2906161

ص . ب . 2455 الحرية

هليوبوليس - القاهرة

E-mail: logoscenter@yahoo.com

حقوق الطبع محفوظة

رقم الإيداع :  2003/19900

الترقيم الدولي: 977/5607/99/x

تمهيد

صلبوه وقتلوه أم شبه لهم؟

الجزء الأول

قبل الصلب

مرقس 14

اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ

لماذا كانوا يطلبون قتله؟

كسر قارورة الطيب

يهوذا يطلب أن يسلم يسوع

الفصح والمسيح

المسيح يعلم من يسلمه

جسدي ودمي

يسوع يصلي إلى الآب

المسيح يحزن ويكتئب

لماذا لم يساعد الله المسيح

القبض على المسيح

هل القىالله  شبه المسيح على يهوذا؟

إشكالات الرازي و إلقاء الشبه

قطع أذن عبد رئيس الكهنة

الاتهامات الموجهه للمسيح

إنكار بطرس

الجزء الثاني

المحاكمة و الصلب

مرقس15

اَلأَصْحَاحُ الْخَامِسُ عَشَرَ

أمام بيلاطس

وما معنى هذا السؤال بالنسبة لليهود وبالنسبة للرب يسوع؟

باراباس أم المسيح؟

الساعة التي صُلب فيها الرب يسوع المسيح

الساعة الثالثة

هل عجز الرب يسوع المسيح عن تخليص نفسه من الصليب؟

كلمات الرب يسوع على الصليب

لمن كان الرب يسوع المسيح (له المجد) يصلي؟

وهل هذا حصل فعلاً؟

انشقاق الهيكل

شهادة قائد المائة

دفن المسيح

بيلاطس يتعجب من سرعة موت المسيح

 

تمهيد 

يعتبر الأصحاحان الرابع عشر والخامس عشر من إنجيل مرقس من أكمل الأصحاحات التي جاءت في البشارة، بل وسائر فصول الكتاب المقدس، والتي تتحدث عن أحداث الصلب.

وسنتناول الأصحاحين بالشرح عن طريق السؤال والجواب، وسنركز على النقاط الخلافية والأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على صحة حادث الصلب، وكذلك مناقشة قضية إلقاء شبه المسيح على آخر، وغيرها من الموضوعات الهامة.

صلبوه وقتلوه أم شبه لهم؟

الجزء الأول


قبل الصلب

مرقس 14

 

اَلأَصْحَاحُ الرَّابِعُ عَشَرَ

1وَكَانَ الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ 2وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ».

3وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. 4وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: «لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هَذَا؟ 5لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. 6أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: «اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً. 7لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْراً. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. 9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَاراً لَهَا».

10ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ وَاحِداً مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. 11وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ.

12وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» 13فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. 14وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ 15فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». 16فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا الْفِصْحَ.

17وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاِثْنَيْ عَشَرَ. 18وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!» 19فَابْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِداً فَوَاحِداً: «هَلْ أَنَا؟» وَآخَرُ: «هَلْ أَنَا؟» 20فَأَجَابَ: «هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ. 21إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!».

22وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي». 23ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. 24وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. 25اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ». 26ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.

27وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ الْخِرَافُ. 28وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». 29فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ!» 30فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنَّكَ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». 31فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ». وَهَكَذَا قَالَ أَيْضاً الْجَمِيعُ.

32وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ». 33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 39وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 40ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. 41ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 42قُومُوا لِنَذْهَبَ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ».

43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ. 44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدِي يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ. 47فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ.

48فَقَالَ يَسُوعُ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! 49كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكُمْ فِي الْهَيْكَلِ أُعَلِّمُ وَلَمْ تُمْسِكُونِي! وَلَكِنْ لِكَيْ تُكْمَلَ الْكُتُبُ». 50فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا. 51وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِساً إِزَاراً عَلَى عُرْيِهِ فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ 52فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَاناً.

53فَمَضَوْا بِيَسُوعَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَاجْتَمَعَ مَعَهُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ. 54وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ وَكَانَ جَالِساً بَيْنَ الْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ النَّارِ. 55وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا 56لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. 57ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً قَائِلِينَ: 58«نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هَذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ». 59وَلاَ بِهَذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ. 60فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ فِي الْوَسَطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هَؤُلاَءِ عَلَيْكَ؟» 61أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً: «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» 62فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً فِي سَحَابِ السَّمَاءِ». 63فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ 64قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ. 65فَابْتَدَأَ قَوْمٌ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: «تَنَبَّأْ». وَكَانَ الْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ.

66وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 67فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» 68فَأَنْكَرَ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!» وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى الدِّهْلِيزِ فَصَاحَ الدِّيكُ. 69فَرَأَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضاً وَابْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: «إِنَّ هَذَا مِنْهُمْ!» 70فَأَنْكَرَ أَيْضاً. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: «حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ». 71فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!» 72وَصَاحَ الدِّيكُ ثَانِيَةً فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى.

 

لماذا كانوا يطلبون قتله؟ 

1وَكَانَ الْفِصْحُ وَأَيَّامُ الْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ

o               لماذا طلب رؤساء الكهنة أن يمسكوا الرب يسوع، ويقتلوه، وهو المكتوب عنه أنه جال يصنع خيراً، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس؟

هناك سبب أساسي وجوهري وهو سبب روحي دفين في هؤلاء الناس دفعهم لمحاولة صلب السيد المسيح (له المجد)، وهو كما يقول الكتاب إن الإنسان الطبيعي، أي الإنسان العادي. غير الممتلئ بروح الله أو المولود من الله لا يفهم أمور الله، لأن عنده جهالة كما يقول الكتاب. لذلك هؤلاء الناس لم يستوعبوا أمر مجيء المسيح (تبارك اسمه) إلى العالم؛ ليخلص الخطاة بموته البديل عنهم. وهذا هو الذي جعلهم يقاومونه بكل قوة وشدة. كانت هناك أيضاً عدة أسباب ظاهرية واضحة، وإن كانت ناتجة عن السبب الأول الذي تكلمنا عنه. وهذه الأسباب هي التعبير عن السبب الدفين. أهم هذه الأسباب أن المسيح (له المجد) في تعاليمه ساوى نفسه بالله مدعياً أنه ابن الله أي الله الظاهر في الجسد. سبب ثانٍ: إنه أقام لعازر من الأموات، وهذا العمل سبب للسيد المسيح له المجد شهرة كبيرة، فواصل الناس الإيمان به مما أثار حقد رؤساء الكهنة. سبب ثالث: هو أنهم كانوا منتظرين المسيا الذي سيخضع الشعوب تحت أرجلهم فلما أتى المسيح وديعاً متواضعاً، شك فيه الجميع وقاوموه وطلبوا أن يمسكوه ويقتلوه.

كسر قارورة الطيب

3وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. 4وَكَانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا: «لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ الطِّيبِ هَذَا؟ 5لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. 6أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: «اتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً. 7لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْراً. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِالطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. 9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهَذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تَذْكَاراً لَهَا».

ما قصة هذا الطيب؟ وأين موقع هذه القصة في هذه الأحداث؟

في هذه القصة تعاليم سامية مرتبطة بأحداث الصليب. فالقصة تقول: "وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين كثير الثمن، فكسرت القارورة وسكبته على رأسه." (مرقس14 :1-9) وهنا نرى أن ما يبحث عنه الله سبحانه وتعالى في داخل الإنسان هو الحب والتقدير له، فالموقف هنا لم يكن يتحمل هذا الحدث لكن السيد المسيح قدّره كل التقدير. فقارورة الطيب ناردين خالص كثير الثمن كما يقول الكتاب العزيز الحكيم، وهذا يعني أن هذه المرأة كانت تكن كل محبة واحترام للسيد (له كل المجد). الأمر الثاني: هو إخبار السيد المسيح لتلاميذه بأنه سيموت، ولكن لن يوضع على جسده العطور والحنوط التي تعودت النساء أن تضعها على جسد الميت في اليوم الثالث. لأن الكتاب المقدس يقول عندما ذهبت المريمات بالحنوط والعطور إلى القبر، وجدن السيد المسيح (له المجد) قد قام. والأمر الثالث: هو نبوءة الرب يسوع له المجد أن هذا الإنجيل سيكتب وسيكرز به في كل العالم.

ما المقصود بكلمة الإنجيل الواردة في الآية 9 عندما يقول الرب يسوع (له كل المجد): "الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها"؟

المقصود بكلمة الإنجيل هنا، هو نفس هذا الإنجيل أو البشارة السارة التي نحن بصددها، لأن الإنجيل هو مجموع التعاليم والأحداث والأعمال التي عملها الرب يسوع المسيح منذ مولده وحتى رفعه حياً إلى السماء. وهذا الإنجيل، وإن لم يكتبه الرب يسوع بالحبر على أوراق أو ألواح في الأرض أو السماء. لكنه كتبه (له المجد) بأقواله وأعماله ونقشه على قلوب تلاميذه وسامعيه، وقاموا هم بدورهم مسوقين بالروح القدس أي روح المولى القدير جل شأنه بوضعه كاملاً على حياة وقلوب غيرهم من البشر إلى أن جاء اليوم الذي دون فيه أربعة من تلاميذ الرب يسوع المسيح  (تبارك اسمه) هذا في كتابات أربعة عرفت بالإنجيل بحسب البشيرين متى ومرقس ولوقا ويوحنا.

يهوذا يطلب أن يسلم يسوع

10ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ وَاحِداً مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. 11وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ.

كيف يمكن أن واحداً من تلاميذ السيد (له المجد)، بعد ما عاش معه كل هذه المدة، يصبح هو مسلمه لليهود؟

ليست العبرة بكم يقضى الشخص من وقت في اتباع المسيح (له المجد) أو الصوم والصلاة ومحاولة إصلاح النفس لكن العبرة بالتغيير الحقيقي الذي لا بد أن يحدث للقلب والطبيعة الإنسانية. فكم من الناس الذين لهم صورة التقوى وهم يّدعون أنهم تلاميذ المسيح أو يدعوهم الناس أولياء اللـه الصالحين لكن ما زالت قلوبهم غير مغيرة، وبالتالي ما زالوا تحت ثقل خطاياهم وطرقهم الشريرة، وهذا الذي عبر عنه السيد المسيح (له المجد) بنفسه عندما قال: "ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السماوات". وبعض الناس ستقول له (تبارك اسمه): "باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين". والكتاب يقول: إنه سيجيبهم ابعدوا عني يا ملاعين إلى النار المعدة لإبليس وجنوده إني لـم أعرفكم قط.

لكن ما السبب الذي دفع يهوذا أن يعمل هكذا؟

إلى جانب عدم تغييره من الداخل، كان يهوذا كما ما وصفه الكتاب المقدس سارقاً ولصاً مع أنه كان مسئولاً عن الخزانة أو بتعبير آخر كان أمين صندوق الجماعة. وقال عنه الكتاب العزيز: إنه أحب أجرة الظلم، ولما ذهب للكهنة جعلوا له ثلاثين من الفضة؛ ليسلم المسيح لهم، لأن يهوذا سألهم ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم، وهذا حسب رواية البشير متى. هذا بالإضافة إلى أن الكتاب المقدس يقول: إن الشيطان ألقى في قلبه أن يسلم المسيح (له المجد)، وقد أطاع هو الشيطان.

وهل الذي عمله يهوذا الإسخريوطي أفظع من الذي عمله القديس بطرس في نفس الوقت عندما أنكر المسيح أمام الجارية وقال أنا لا أعرفه؟

قد تكون إجابتك: طبعاً لأن يهوذا ارتكب كما أظن أشنع خطية في حق المسيح وإلا كان ممكناً أن الله (سبحانه وتعالى) يغفرها له كما غفر للبشير بطرس.

الحقيقة أن خطية بطرس الرسول لم تكن أقل بأي شكل في حق المسيح (له المجد) من خطية يهوذا. فبطرس أنكر المسيح أمام العبيد والجواري، وقال عنه: إنه لا يعرف من هو المسيح، وفي الإنجيل بحسب البشير متى يقول عن بطرس الرسول: إنه بعد أن أنكر المسيح ابتدأ يلعن ويحلف إني لا أعرف هذا الرجل أي لا أعرف المسيح.

إذاً إن كانت الخطيتان مثل بعضهما، لماذا اختلفت النهاية، بطرس الرسول رجع مرة أخرى إلى عداد التلاميذ، ويهوذا مات مشنوقاً؟

السبب الوحيد في ذلك أن بطرس عندما نظر إليه المسيح يسوع (له المجد) تأثر وتاب وبكى بكاء مراً، كما يقول الكتاب المقدس، وبالتالي سمع المولى القدير صلاته وبكاءه واعترافه بمعصيته فرجع إلى مكانه. لكن يهوذا بالرغم من أن السيد المسيح (له المجد) كلمه في هذا الموضوع وكان رقيقاً جداً معه، حتى أنه كان يدعوه يا صاحب، لم يتب ولا رجع للسيد المسيح طالباً عفوه وغفرانه بل مضى وشنق نفسه عندما تملكه اليأس. فالعبرة هنا بتوبة الإنسان ورجوعه إلى الله مهما كانت خطيته، فالمولى (عز وجل) هو الغفور الرحيم غافر الإثم وصافح عن الزلات.

الفصح والمسيح

12وَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ الْفِصْحَ قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» 13فَأَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَيُلاَقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. 14وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: إِنَّ الْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ 15فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». 16فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا الْفِصْحَ.

ما المقصود بالفصح؟

عيد الفصح عند اليهود هو واحد من أهم وأشهر الأعياد، ونقرأ عنه في سفر الخروج في الإصحاح 12 لما كلم الله (سبحانه وتعالى) عبده ونبيه موسى، وطلب منه أن يذبح كل شعب إسرائيل في كل أسرة وعائلة شاة ذكراً ابن سنة، يؤخذ من الخرفان والماعز وفي اليوم الرابع عشر من الشهر يذبح كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية، ويأخذون من الدم، ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها، ويأكلون اللحم تلك الليلة مشوياً بالنار مع فطير على أعشاب مرة. وهذه كلها رموز وظلال في العهد القديم شرحت ووضحت في العهد الجديد أو" الإنجيل".

ما معنى كلمة فصح؟ وما الذي دعا المولى (عز وجل) أن يطلب من بني إسرائيل أن يعملوا هذا الفصح؟ وما دلالة أو معنى رش دم خروف الفصح على الباب من الخارج؟

كلمة فصح هي كلمة عبرية معناها: عبور. وحادثة الفصح كانت لما أراد الله أن يعبر شعب إسرائيل، ويذهب إلى أرض كنعان. والذي دعا المولى القدير أن يطلب من بني إسرائيل في أرض مصر أن يذبحوا هذا الفصح هو أن الله (سبحانه وتعالى) أراد أن يخرج بني إسرائيل، فضرب المولى القدير مصر بعشر ضربات حسب رواية التوراة والإنجيل -وليست تسعة كما يظن البعض- وكانت الضربة العاشرة هي أن ملاكاً مهلكاً كان مزمعاً أن يعبر في كل أرض مصر، ويضرب جميع الأبكار أي الولد الأول أو الأكبر لكل عائلة مصرية وحتى أبكار البهائم. ووضع الله سبحانه وتعالى علامة لهذا الملاك المهلك وهي الدم. دم هذا الخروف خروف الفصح، وطلب أن توضع علامة الدم. كان لا يمكنه أن يدخل البيت ولا يميت البكر فيه بل كان يعبر (يعمل عملية عبور) عن هذا البيت. هذا ما دعا المولى (عز وجل) أن يطلب من بني إسرائيل صنع هذا الفصح.

o               كيف يكون الدم علامة يفرق بها الملاك بين بيوت المصريين والإسرائيليين؟ ولماذا لم يضعوا علامة أخرى؟

الدم لم يكن فقط لمجرد وضع علامة على الباب حتى يعرف بها الملاك المهلك بيوت المصريين، وإلا كان من الممكن أن يختار أية علامة أخرى غير الدم. لكن استخدام الدم هنا بهذه الحادثة أو هذا العيد له دلالات روحية جداً فمثلاً، هذا الدم بوضعه على الباب لابد أن يذبح شاة أو خروفاً بريئاً لا ذنب له، ولا دخل له في قصة خروج شعب إسرائيل من أرض مصر. وفي هذا إشارة للفداء أي موت الشاة بدلاً عن موت البكر أو نيابة عنه، فإن لم يذبح الشاة كان لابد أن يهلك الابن البكر، وهذا قضاء الله، ولا رد لقضائه وهذا واضح في مختلف الممارسات في معظم أديان العالم.

ماذا عن الفداء في الديانات الأخرى؟ هل تؤمن بالفداء؟

دعونا نرجع للتاريخ قبل بداية ظهور أي دين لقصة تقديم هابيل الصديق وأخيه قايين ذبيحة لله (تبارك اسمه). فالكتاب المقدس يذكر في سفر التكوين أن هابيل قدم لله قرباناً أو تقدمة من أبكار غنمه وسمانها أي أفضل الغنم. فنظر الرب وقبل تقدمته، وهي التقدمة التي فيها ذبح ودم، وأما قايين فقدم لله سبحانه وتعالى قربانه من ثمار الأرض لكن الله لم يقبل تقدمة قايين. فالاثنان أرادا أن يرضيا المولى القدير، وأن يقدما له تقدمة، لكنه تعالى قبل الذبيحة وأبكار الغنم ورفض ثمار الأرض. أما بالنسبة للديانات الثلاثة فاليهودية والمسيحية والإسلام جاء فيها ذكر الفداء وموت الكبش أو الخروف نيابة عن الإنسان. وقد ذكر في الديانات الثلاثة قصة نبي الله إبراهيم فقد قيل عن إبراهيم إنه بعد أن أهم بقتل ابنه ناداه صوت من خلفه أن يرفع يده عن الغــــلام. وفي رواية أخرى: "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وإن كذلك بنذر المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم" وهناك في اليهودية عيد الفصح الذي نحن بصدده وعيد القيامة أي موت السيد المسيح وقيامته عند المسيحيين وعيد الأضحى لدى المسلمين الذي قيل فيه: "فصلّ لربك وانحر" بمعنى أن الأديان الثلاثة جاء فيها ذكر للفداء.

لماذا الدم؟ بعض الناس يقولون لماذا تصورون الله إلهاً دموياً يحب أن يرى الدم، وأنه لا يغفر للإنسان إلا بعد أن يفديه بدمه؟

كما قلنا: إن الدم يدل على أنه هناك ذبح أو نحر أو ذبيحة. والدم بالذات هو المطلوب. إن الكتاب المقدس يقول: إن نفس الإنسان في دمه وأيضا نفس أي كائن من الحيوانات هي في دمه. فسفك الدم يعني موت الإنسان أو الحيوان، ولأن الملاك المهلك أتى لكي يهلك ويميت الابن البكر في كل عائلة، فكان لابد أن آخر يفديه أو يموت بدلاً عنه أي يسفك دمه بدلاً عن دم هذا الابن. وقد حدد لهم المولى القدير دم خروف الفصح، فكان يرش الدم على باب بيته من الخارج كأنه يقول للمولى (سبحانه وتعالى) عدة أشياء أولاً: كأنه يقول أنا أقبل طريقتك في فداء ابني البكر بأن أفديه وأذبح عنه هذه الشاة. وأيضاً يقول أنا أضع هذا الدم على الباب إعلاناً لقبول فداء ابني أو نفسي وأنا أحتمي من الملاك المهلك في قبولي لعمل هذا الدم، وأشياء أخرى كثيرة يدل عليها هذا الدم.

هل هناك علاقة بين دم المسيح (له المجد) والأحداث المصاحبة له في هذا التوقيت بالذات، وهو توقيت عيد الفصح عند اليهود؟

الحقيقة إنه لم يكن للرب يسوع أن يموت في توقيت آخر لأن السيد المسيح (تبارك اسمه) كان هو الشرح أو التوضيح والمثل الحقيقي الذي تحققت فيه كل رموز هذا الفصح. والعهد الجديد يعلم بكل صراحة ووضوح أن المسيح بالنسبة لنا تماماً كخروف الفصح عند اليهود. وهذا واضح من وصف خروف الفصح عند اليهود أنه لابد أن يكون بلا عيب. وواضح أن السيد المسيح هو الوحيد بين كل من عاش على الأرض الذي لم يعمل خطية، ولم يكن في فمه غش. فهو لم يكن محتاجاً إلى من يغفر له ذنبه أو يكفر عنه وزره، وهو الوحيد الذي لم يستطع أن يمسه الشيطان وهو الوحيد أيضاً الذي قيل عنه: "وجيها في الدنيا والآخرة" وجاهة الدنيا تعني: عصمته منذ مولده وحتى رفعه. ووجاهة الآخرة تعني: قبول شفاعته لتابعيه وهو أيضاً من مات وسفك دمه من أجل الآخرين فداء ونيابة عنهم.  فأرضى عدالة الله وغيرها من العلامات التي تحققت فيه (تبارك اسمه). لذلك كان يجب أن يموت (تبارك اسمه) في وسط أحداث عيد الفصح اليهودي.

إن كان المسيح يسوع )تبارك اسمه( هو الفصح أو المشبه بخروف الفصح الذي جاء من الله ليفدينا؟ لماذا كان هو ملزماً أن يعمل وتلاميذه تقليد عيد الفصح اليهودي؟

الرب يسوع المسيح )تبارك اسمه( قال بفمه الطاهر: إنه لم يأتِ ليبطل الناموس بل ليكمل ويتمم الناموس بما فيه ممارسة تقديم خروف الفصح. فمع أنه وهو عالم أنه هو الفصح الحقيقي، وهو الذي يحقق بذبيحة نفسه وموته النيابي عنا مفهوم، ومعنى تقديم خروف الفصح. إلا أنه كإنسان كان يجب عليه أن يذبح خروف الفصح، ويأكل منه. فالسيد المسيح (تبارك اسمه) هو الله الظاهر في الجسد، وهناك فرق بين طبيعة الرب الإلهية أو جوهر الله الذي ظهر في المسيح وبين طبيعته الجسدية، أي جسده الذي يشبه أي جسد آخر لأي إنسان ماعدا الخطية. فهو الوحيد الذي لم يعمل خطية، ولم يكن في فمه غش.

هل هناك علاقة بين الفصح ولاهوت المسيح؟

قصة إعداد الفصح التي نحن نتكلم عنها تقول: إن المسيح (تبارك اسمه) قال لاثنين من تلاميذه "اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء، اتبعاه وحيثما يدخل، فقولا لرب البيت إن المعلم يقول: أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟ فهو يريكما علية كبيرة مفروشة ومعدة هناك أعدا لنا. فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة، ووجدا كما قال لهما فأعدا الفصح" وهنا نرى الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) يعلم الغيب لأنه كان بعيداً عن المدينة وقال لتلميذيه عندما تصلان المدينة ستريان رجلاً حاملاً جرة ماء، فامشيا وراءه. كيف علم السيد المسيح (له كل المجد) وكيف ضبط التوقيت بحيث إن التلميذين عندما يصلان إلى المدينة سيكون هناك رجل حامل جرة ماء وماشياً؟!  وليس أي رجل بل رجل معين لأن الرب يسوع يعلم من هو بدليل أنه قال لهما "اتبعاه لغاية البيت الذي سيدخله"، وفي البيت هذا ستقابلان صاحب البيت واسألاه أين الغرفة التي عنده التي سنعمل فيها الفصح؟! فالمسيح هنا هو علام الغيوب وعلام الغيوب هو واحد فقط لا شريك له أو مثيل سبحانه جلت قدرته. أما كونه أنه كان يجب أن يأكل الفصح مع تلاميذه، فهذا يدل على كونه إنساناً كأي إنسان آخر لكن بلا خطية. فجوهر الله (سبحانه وتعالى) في المسيح لا يحتاج أن يأكل ويشرب أو يعمل الفصح، فهذا الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. أما جسد السيد المسيح، فكان محتاجاً إلى كل ذلك.

ماذا نقول لمن يزال لا ينكر الصليب؟

في بداية كلامنا عن أحداث صلب المسيح، أحب أن أقول لكل أخ كريم لا يؤمن بصلب المسيح لسبب أو لآخر أو مهما كان دينك أو معتقدك أو كتابك نص على أن المسيح لم يصلب، أحب أن أشجعك أن تواصل قراءة هذا الجزء بالذات من دراسة الإنجيل بحسب القديس مرقس عن صلب السيد المسيح. فهو في غاية الأهمية في حياتك في الدنيا والآخرة. وأسألك وأنت تقرأ أنك تفتح قلبك وعقلك للمولى القدير حتى تستطيع أن تستوعب ما يقال نابذاً لكل تعصب أو تمسك بأية أفكار قد تعطل فهمك لهذا الجزء الأساسي من هذه البشارة. وأحب أن أقول لك لو أن القدير أنزل في كتاب من كتبه أن السيد المسيح جاء إلى الأرض، وعاش ثم مات وصلب وصدقته الناس في زمانه لدرجة أن عشرات بل آلافاً من الناس فقدوا حياتهم دفاعاً عن هذه الفكرة. وبعد 600 سنة جاء من قال: إن هذا الكلام غير صحيح هذا الرسول لم يمت مصلوباً. فماذا يكون ردك عليه؟ أعتقد أن أفضل شيء تعمله أنك تبحث عن بعض الأدلة أو البراهين التي تؤدي بك في النهاية إلى تصديق أو تكذيب أحد القولين. وهذا الذي نحن نشجعك أن تعمله معنا في هذه الدراسة.

المسيح يعلم من يسلمه

 

17وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ الاِثْنَيْ عَشَرَ. 18وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!» 19فَابْتَدَأُوا يَحْزَنُونَ وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِداً فَوَاحِداً: «هَلْ أَنَا؟» وَآخَرُ: «هَلْ أَنَا؟» 20فَأَجَابَ: «هُوَ وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ الَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ. 21إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!».

o               " كيف علم الرب يسوع (تبارك اسمه) هذا الكلام؟

هذا الأصحاح بالذات أصحاح 14 من الإنجيل بحسب القديس مرقس مليء بالأدلة على أن الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) كان يعلم الغيب. ففي بداية الأصحاح نراه يخبر الجموع بأنه سيموت، ولكن لن يتم تكفينه ووضع الحنوط عليه حسب عادة اليهود. ثم يخبرهم بأن الإنجيل أو الخبر السار الذي نحن نتكلم عنه سينادى به في كل الأمم. بالطبع في تلك الأيام لم توجد وسيلة تقول بأنه ممكن أن كتاباً واحداً ينادى به في كل الأمم كما عندنا الآن الستلايت والتلفزيون والإنترنت مثلاً. ثم يخبر تلميذيه بأنه عندما يدخلان المدينة سيلتقيان بالرجل الذي كان حاملاً الجرة إلى آخر القصة وهذا كله تحقق حرفياً بالكامل. والآن هو يقول لتلاميذه: واحداً منكم سيسلمني وهذا إخبار بالغيب.لأن هذا الأمر لم يكن يعلمه إلا يهوذا فقط ورؤساء الكهنة والمولى القدير سبحانه وتعالى. أما التلاميذ فلم يكن يعلم واحد منهم أي شيء عن هذا الموضوع.

من قال بعدم علم التلاميذ؟

لأن القصة تقول: بأنهم ابتدءوا يحزنون، ويقولون واحد: هل أنا؟ وآخر: هل أنا؟ ولم يسكتوا إلا عندما قال واحد من الاثنى عشر الذي يغمس يده معي في الصحفة. وهنا قال شيئاً خطيراً جداً: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد".

ما خطورة هذه العبارة؟ ولماذا قال ابن الإنسان يسلم كما هو مكتوب؟ 

خطورة هذه العبارة في الحقيقة أنها توضح أن ابن الإنسان أي الرب يسوع المسيح (له كل المجد)، وهنا لم يستخدم كلمة ابن الله أي الله سبحانه وتعالى، لأن الله أو جوهر الله في المسيح لا يمكن أن يسلم ليد الناس. بل المولى مستو على العرش قائم بذاته، ولا يمكن للبشر إمساكه بأية حال. قال الرب يسوع في هذه الجملة: "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب". أي: مقضى أو محتم منذ الأزل. فليست خيانة يهوذا هي التي تسببت في موت المسيح، وليست مكيدة رؤساء الكهنة أو حقدهم عليه هو الذي أدى إلى موته. بل هذا كان قضاء مقضياً منذ الأزل وارتضى به الرب السيد المسيح (له كل المجد) فداء للبشرية وإنقاذاً لها من الخطية.

إن كان هذا أمراً مقضياً، ما ذنب يهوذا الإسخريوطي لأنه في كل الأحوال كان سيسلم بيد آخر؟

لم يكن لازماً أن يسلم. فالكتاب كتب أن المسيح (له كل المجد) كان يجب أن يصلب. لكن يهوذا هو الشخص الذي اختار بإرادته أن يسلم الرب يسوع المسيح لليهود. فكون أن الكتاب كتب عن يهوذا أنه سلمه، هذه كانت نبوة حققها يهوذا بمحض إرادته بتسليمه الرب يسوع لليهود. وعلى كل حال فالمسيح (له كل المجد) مستعد لقبول أي خاطئ تائب راجع من قلبه حتى ولو كان الشخص الذي أنكره أو الذي سلمه.

جسدي ودمي

22وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي». 23ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. 24وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. 25اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ». 26ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.

الحقيقة هذه الفريضة أو حادثة تقديم الخبز والكأس للتلاميذ؛ ليأكلوا ويشربوا منها كانت ولا تزال واحدة من أكثر الحوادث التي ثار حولها جدال كبير بين المسيحيين وغير المسيحيين. فادعى البعض أن المسيحيين يأكلون أجساد الموتى ويشربون الدم في الكنائس. فاستشهدوا بهذه الآية التي نحن بصددها بالرغم من أن الآية تقول: أخذ خبزاً وكسر وقال هذا هو جسدي. والذي كان في الكأس كما يقول الكتاب هو نتاج الكرمة، أي: عصير العنب كمثال لدمي، وكلوا من الخبز كمثال لجسدي.

حتى لو كان مجرد رمز -أقصد الخبز وعصير العنب- لماذا طلب الرب يسوع من تلاميذه أن يأكلوه، ويشربوه كأنه جسده؟

هذا الخبز والخمر أو عصير العنب له دلالات روحية كبيرة في الكتاب المقدس. فالمسيح له كل المجد شبه في الكتاب بالخبز الحقيقي الذي نزل من السماء. أي: هو مصدر الشبع لكل إنسان يعرفه. والكتاب مليء بمثل هذه التشبيهات والاستعارات والكتابات التي توضح هذه الحقيقة. فعندما قال النبي مثلاً: "وجد كلامك فأكلته" فكلام الرب ليس شيئاً مادياً. يمكن أن يؤكل، لكن قصد النبي أن معرفة كلام الرب والشبع به كأن الإنسان أكل كلام الرب. والشبع بمعرفة المسيح المشبه بالكتاب بالخبز الحقيقي النازل من السماء، كأن الإنسان أكل جسد المسيح.

وهكذا الحال مع عصير العنب الذي يرمز إلى الدم بدم السيد المسيح (له كل المجد). وكما هو معروف فالدم يرمز للحياة التي داخل الإنسان. فعندما قال السيد المسيح للتلاميذ: "اشربوا دمي" يقصد هنا إنني أعطيتكم حياتي وهذا قائم على الصليب في موت المسيح. فقد كسر جسده أو كما قال الكتاب: "العار كسر قلبي"، وليست عظامي فعظم منه لا يكسر. وأريق دمه، فبذلك أعطى حياته لنا. لكن الكتاب لا يقصد أبداً أن يأكل المسيحيون جسد المسيح أو يشربوا دمه الحقيقي.

o               ما معنى عبارة: هذا هو جسدي، وهذا هو دمي الذي يسفك للعهد الجديد؟ وما المقصود بالعهد الجديد هنا؟

كلمة العهد الجديد هنا تقابل العهد القديم أي ما قبل موت وقيامة السيد المسيح. ففي العهد القديم كان لابد أن تقدم ذبائح دموية أي ذبائح حيوانية تذبح ويسفك دمها على المذبح، فتكفر عن الإنسان. لكن لما جاء المسيح أراد أن يفهم تلاميذه أنه سيقدم جسده كذبيحة وسيسفك دمه تماماً كما كان يسفك الدم في العهد القديم على المذبح. فأراد أن يفهمهم عندما أقدم جسدي ودمي كذبيحة، سيبدأ عهد جديد. عهد لن يحتاج فيه الإنسان لتقديم ذبائح حيوانية بعد ذلك. بل سيدخل إلى العهد الجديد الذي فيه قدم المسيح نفسه عنا مرة واحدة، فوجد فداء أبدياً.

يسوع يصلي إلى الآب

27وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ الْخِرَافُ.

لماذا قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه هذه العبارة؟ وما أهميتها في سياق الكلام؟

أحداث الصليب كانت أحداثاً أليمة بالنسبة للتلاميذ جداً حتى أنهم لم يفهموا أبعادها. والرب يسوع قصد أن يوضح لهم بالضبط الذي سيحصل منهم بالتفصيل الكامل، لأنه كان يعلم أن التلاميذ سوف ينتابهم حالة من الخوف والفزع والشك. وكلمة تشكون في بعض الترجمات بمعنى تسقطون بعيداً أو تتفرقون أو تبتعدون، وهذا ما حدث بالفعل. وقد تم ذلك حرفياً عندما قبض على الرب يسوع المسيح، كل التلاميذ بلا استثناء تركوه وخافوا. حتى بطرس الذي قال له: "وإن شك فيك الجميع أنا لا أشك" أنكره أمام جارية. وهنا تظهر صفة  من صفات المولى القدير (تبارك اسمه)، وهي قدرته على معرفة الغيب. فلقد علم السيد المسيح أن جميع تلاميذه سوف يتركونه. علم أنه سيموت، وأنه سيقوم من الأموات. وهذا مذكور في عدد 28 عندما قال لتلاميذه" إني أسبقكم إلى الجليل"، ثم أنبأهم أنه سيسبقهم إلى الجليل. وتنبأ عن بطرس الرسول قائلاً له: "قبل أن يصيح الديك مرتين، ستنكرني ثلاث مرات".

كيف يترك التلاميذ المسيح في هذه المحنة، ويهربون؟

هذا ليس غريباً على الإنسان. فالإنسان هو الإنسان مهما يعد ويؤكد بتشديد مثل بطرس عندما قال للرب (تبارك اسمه) "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" لكن عند الجد تركوه وهربوا، ولم يشترِ أحد الجنة بالموت بدلاً عنه كما يعتقد البعض.

o               ما معنى العبارة الأخيرة؟  وما موقعها في الكلام؟

الحقيقة حاول البعض التأكيد على أن اليهود ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. فقال البعض: "إنه عندما جاء العسكر ليمسكوا المسيح، قال لتلاميذه" من يشتري الجنة بالموت بدلاً عني، فقال أحد الحواريين: "أنا أشتريها"، فألقى السيد المسيح ظله على هذا التلميذ؛ فقبض عليه العسكر بدل السيد المسيح (له كل المجد). والحقيقة إن هذه القصة غير أو عكس رواية الإنجيل تماماً. فالمقطع الذي نحن نتكلم عنه يقول: أن التلاميذ كانوا يؤكدون له أنهم سيبقون معه، وسيدافعون عنه ضد اليهود حتى الموت، ولم يخطر ببالهم أنه سيموت بأيدي الأثمة. لكن هو الذي كان مصراً أنه كان سيسلم لأيدي اليهود. وقال البعض إن الله ألقى شبه السيد المسيح على يهوذا الإسخريوطي، فقبض عليه العسكر. وراح البعض في تطرفه في هذا الأمر أن السيد المسيح هو الذي صلب لكن لم يمت على الصليب بل كان مغمى عليه. لكن الأحداث لغاية الآن تؤكد بأن المسيح يسوع (تبارك اسمه) كان مستعداً تماما للموت، وقد أنبأ تلاميذه بأنه سيموت وسيقوم في اليوم الثالث.

المسيح يحزن ويكتئب

32وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ».

o               إن كان المسيح هو الله الظاهر في الجسد، وكان يعلم أنه سوف يموت على الصليب، وجاء خصيصاً على الأرض لذلك، ما الذي جعله يحزن ويكتئب؟

إن هناك فرقاً بين طبيعة السيد المسيح كالله الظاهر في الجسد، أو جوهر الله (سبحانه وتعالى) أو ما يعرف بلاهوت المسيح (تبارك اسمه) وبين جسده وكونه اتخذ جسد إنسان. وهذا الجسد الإنساني هو الجزء الذي كان يحزن ويكتئب، لأن عملية الصليب والصلب لم تكن تمثيلية أو قصة مثلها الرب يسوع المسيح، على الصليب بل كانت عذاباً حقيقياً ومراراً وألماً، معاناة حقيقية من أجل البشر. وهذا كله كان لابد أن يقع على جسد المسيح، وهو كأي جسد كما قلت مع فارق واحد وهو بلا خطية.  فبالتالي كان لابد أن يحزن ويكتئب لما سيقدم عليه من آلام. وهذا يوضح الجزء الذي يلي هذه الآية. فالكتاب يقول: إن الرب يسوع كان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن. وكان يقول لله الآب: "يا أبا الآب كل شيء مستطاع لك فأجز عني هذه الكأس، ولكن ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت".

أليس هذا أمراً محيراً أننا نقول إن المسيح هو الله الظاهر في الجسد، وهو في نفس الوقت يصلي لله (سبحانه وتعالى) في السماء. هو جاء حتى يصلب، وهو يقول لله أجز عني هذه الكأس؟

مرة ثانية نقول إذا فهمنا أن الرب يسوع كإنسان كان يصلي لله (سبحانه وتعالى)، ويعبر عن المشاعر الإنسانية الحزينة والمتألمة لما سيحدث له على الصليب، لكن بطبيعته الإلهية كان يعلم أنه لابد أن يموت. لذلك طلب مشيئة الله الآب لكي تتم. وفي مرات كثيرة كان الرب يسوع يؤكد أنه جاء ليفعل مشيئة الله الآب. فمرة ردد وقال "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت" ومرة يقول إن "الابن" متكلمًا عن نفسه لا يعمل من نفسه شيئاً بل كل ما يرى الآب يعمل فذلك يعمل، أيضاً. وهكذا أهم ما في الموضوع هو التفريق بين طبيعة السيد المسيح (له كل المجد) كإنسان، وطبيعته اللاهوتية أي الله الظاهر في الجسد. عندما يفهم المرء هذه الحقيقة بالروح القدس، لن تشكل عنده هذه الأمور أية حيرة. بل بالعكس ستكون مفتاحاً لتوضيح وتصحيح أشياء كثيرة غامضة في هذه الأمور.

والآن لخص لنا أحداث الصليب إلى هذه النقطة.

درسنا سابقاً موضوع خيانة أحد تلاميذ الرب يسوع (له كل المجد)، واتفاقه مع رئيس الكهنة والحكم عليه. ثم ممارسة الرب ووضعه لفريضة كسر الخبز وإعطاء هذه الفريضة أبعادها الروحية الصحيحة. وبعدها تكلمنا عن ذهابه إلى ضيعة جثسيماني وحزنه واكتئابه وطلبه من الآب أي: الله الواحد الجالس على العرش، أنه إن أمكن، فليعبر عنه كأس العذاب والمرار والموت. لكن الرب يسوع المسيح وضع شرطاً لتحقيق هذا الطلب، وهو لتكن ولتتم مشيئة الله، وليس مشيئته هو كإنسان. وتكلمنا عن نقطة مهمة، وهي لابد من معرفة أن الرب يسوع (له كل المجد) هو الله المتجسد في جسد المسيح. أي أن هناك عنصراً إلهياً لاهوتياً وعنصراً إنسانياً أو ناسوتياً. وهذا العنصر أو الجسد الإنساني هو الذي كان يحزن ويكتئب ويصلي وغيره. أما العنصر الإلهي أو جوهر الله في المسيح، فهذا قائم بذاته منزه عن كل ملموس أو محسوس.

 لماذا لم يساعد الله المسيح

32وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي فَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ». 33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 39وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 40ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. 41ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 42قُومُوا لِنَذْهَبَ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ».

ما تفسير هذا الجزء؟

في هذا المقطع الصغير من كلمة الله، هناك عمق وبعد كبير ودروس رائعة كثيرة. فهنا نرى أن تلاميذ المسيح (له كل المجد)، بالرغم من عدم تفريق المسيح بينهم ومحبته لهم جميعاً بقدر متساوٍ. لكن كان هناك دائرة أقرب إليه ملتصقة به أكثر من غيرها وهم: بطرس ويعقوب ويوحنا. وهؤلاء كان الرب يأخذهم معه فقط في أحداث عديدة، كما جاء في الحادثة المعروفة بالإنجيل بحادثة التجلي وغيرها. ونرى أيضاً أن آلام الرب يسوع النفسية وحزنه على ما كان يمر به من عذاب, لم يمنعه من استكمال تعليمه لتلاميذه حتى قبل الصليب بدقائق معدودة. فهنا  يكلمهم عن أهمية السهر والصلاة.

ما المقصود بالسهر هنا، هل يا ترى كان الرب يسوع يقصد هنا أن تلاميذه يسهرون معه، ولا ينامون؟

المقصود بالسهر هنا هو السهر بكلا معنييه: الروحي أي اليقظة الروحية وتمييز الأمور بطريقة صحيحة وعدم الغفل والتهاون الروحي. وأيضا مقصود به في هذا المقام عدم النوم الطبيعي أو الاستمرار في الاستيقاظ. هذا يعني أن الرب يسوع كأي إنسان لما كان يمشي كان يتعب. كما قلنا إنه عند الصليب كان حزيناً ومكتئباً، وكان محتاجاً لأحد أن يصلي معه ويشدده ويشجعه. وليس هذا فقط بل كان محتاجاً لأحد أن يصلي معه ويقويه. فالكتاب يقول: إن الملائكة جاءت لتقويه. وأكرر أننا هنا لسنا نتكلم عن الجزء الإلهي أو طبيعة الله أو جوهر الله في المسيح لأن هذا لا يتعب ولا يحتاج لمن يقويه بل هو كلي القدرة والقوة.

لماذا لم يساعد جوهر الله في المسيح أو الله (سبحانه وتعالى)، المسيح في تحمل آلام الصليب وعبور الكأس عن الرب يسوع المسيح. ألم يكن بالأولى أن تأتي المساعدة من الله؟

كما قلنا إن أحداث الصليب لم تكن تمثيلية يؤديها المسيح، بل كانت حدثاً أليماً وكبيراً كان لابد للسيد المسيح من اجتيازه دون أدنى تدخل أو مساعدة من الله (سبحانه وتعالى) للسيد المسيح. فالله الآب هنا بالرغم من حبه للبشر ومحبته التي بلا حدود للسيد المسيح، كان الله هنا في مقام الديان العادل الذي كان لابد له من أخذ حساب الخطية كاملة من شخص السيد المسيح (له كل المجد) على الصليب. فلو ساعد الله (سبحانه وتعالى) المسيح في تحمل آلام الصليب، يكون الرب يسوع (له كل المجد) لم يدفع عقاب الخطية كاملاً. وبالتالي يظل العدل يطلب الإنسان أن يدفع حساب خطيته، ولكانت قصة الصليب تمثيلية لا قيمة لها. لكن من الواضح من نداء الرب يسوع المسيح مخاطباً الآب عندما قال: "إلهي، إلهي لماذا تركتني؟". إن الله الآب لم يساعد الرب يسوع إطلاقاً على تحمل الصليب. وبذا فالمسيح تحمل جميع عقاب خطايانا لكي يفدينا وحده.

لماذا لم يسهر تلاميذ الرب يسوع، ويشجعوه في المحنة التي كان يمر بها؟

الحقيقة نحن نشكر الرب جداً لأن أي أحد من التلاميذ لم يساعده في المحنة التي مر بها وفي تحمل أحداث الصليب منذ بدايتها. وأن الكل كانوا نياماً وهو يصارع في جثسيماني. ثم كلهم تركوه وهربوا، لماذا؟ حتى لا يدعى أحد القديسين أو التلاميذ أنه ساهم ولو بقدر بسيط في خلاص الإنسان. وبالتالي يبقى الرب يسوع المسيح (له كل المجد)، وحده المخلص الوحيد لنا من خطايانا، والوحيد الذي دفع وتحمل عقاب آثامنا. ويصبح كما قال الكتاب: "هو خلاصنا" وهو الطريق الوحيد إلى السماء. وهو (له كل المجد) الشفيع الوحيد أمام الله. وباختصار، هو الكل في الكل. أما لماذا أخذ التلاميذ هذا الموقف. هم كانوا نياماً عيونهم ثقيلة، فهم بشر عندما يحل النوم عليهم ينامون.

وما بقية الدروس الموجودة في هذا المقطع؟

كما قلنا إن الرب يسوع تكلم عن أهمية السهر، وأيضاً عن أهمية الصلاة. فكان يعلمهم أن الصلاة تقيهم شر التجارب، وتتصدى لعدو الخير وهو المجرب ووضع لهم شرحاً بسيطاً للمعركة التي دائماً تدور بين روح الإنسان وتطلعاته الروحية وبين جسده أي جسد الإنسان، أو الطبيعة الجسدية التي قال عنها الكتاب في مكان آخر إنها تصارع ضد الروح. وقال لهم إن السهر واليقظة الروحية والصلاة تجعل الروح نشيطاً. وبذلك يستطيع أن يقاوم طبيعة الجسد وهذا متوافق تماماً مع القول: إنه بالروح تميتون أعمال الجسد.

الرب يسوع المسيح قال لتلاميذه ثلاث مرات: اسهروا، وكل مرة يرجع يراهم نياماً. وفي آخر مرة قال لهم ناموا الآن واستريحوا. وبعدها قال لهم في نفس الوقت قوموا لنذهب. ما معنى هذا الكلام؟

في الثلاث المرات: الأولى: التي قال فيها اسهروا وصلوا، كان يريد أن يعلمهم كما قلنا أنه كان لابد لهم أن يسهروا ويصلوا من أجل أنفسهم ضد مكايد وتجارب إبليس. الثانية: وعندما اقترب موعد مجيء مسلمه والجنود ليقبضوا عليه قال لهم" ناموا الآن واستريحوا" أي أن الفترة التي كان يجب فيها أن تسهروا معي، وتصلوا قد انتهت، ولم يساعدني فيها أحد. وأخيراً طلب منهم أن يقوموا ليذهب إلى مسلمه لذلك قال" هوذا الذي يسلمني قد اقترب"، وأنا أريد أن أقول: إن الرب يسوع المسيح، كان وكأنه يرى شريطاً سينمائياً أمامه يصور فيه كل ما حدث. وهو يصلي كان يعلم أن مسلمه ذهب إلى اليهود، وأنهم آتون ليقبضوا عليه، فهو علام الغيوب. ولو أراد الرب يسوع أن يهرب من هذا الموقف، لاستطاع في منتهى السهولة قبل مجيئهم إليه ولم يكن في احتياج أن يلقي شبهه على أحد بل هو الذي قرر الذهاب إلى الصليب طوعاً واختياراً؛ ليفديني ويفدي كل خاطئ مثلي.

القبض على المسيح

43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا وَاحِدٌ مِنَ الاِثْنَيْ عَشَرَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ.

 لماذا كان كل هذا العدد؟ ألم يكن عدد قليل يستطيع القبض عليه؟ معروف أن الرب يسوع (له كل المجد) كان شخصاً مسالماً، ولم يكن محتاجاً لكل هذه الضجة.

الناس والكتبة والكهنة والشيوخ، لم يكن منهم من فهم الرب يسوع. فالشيء الطبيعي أن يقاوم عملية القبض عليه وخصوصاً في وسط هذه الغوغاء. فكم وكم شخص الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) وهو القوي صلب الإرادة، الذي كان ينتهر الكتبة والفريسيين، ويوجه لهم أقصى الكلمات طلباً لإصلاحهم ورجوعهم إلى الله. فكانوا يخافون أن يقاومهم. وكانوا عالمين أنه ليس وحده بل معه أحد عشر رجلاً آخر ممكن أن يدافعوا عنه. وليس هذا فقط بل كانوا عالمين أن الناس تحبه، فخافوا أن ينتشر الخبر، ويواجهوا مقاومة من عامة الشعب. وهذه كانت ستصبح فتنة كبيرة في البلد. لذلك توجهوا للقبض عليه ليلاً مع كل هذه الجموع الغوغائية.

لماذا ذهبوا ليقبضوا عليه في الليل والرب يسوع المسيح لم يصدر منه أو من تلاميذه أية مبادرة للمقاومة؟ وكيف استسلموا بهذه السهولة لهؤلاء الغوغاء على حد تعبيرك؟

لأنهم كما قلت كانوا خائفين من الناس ومن تلاميذه. ولكن لم تصدر من الرب يسوع أية بادرة للمقاومة. ولماذا يقاوم وهو جاء لأجل هذه الساعة بالذات؟ فرسالة الرب يسوع المسيح لم تكن تأسيس مملكة أو أمة تخضع الشعوب تحت أقدامها. ولم تكن رسالته شفاء المرضى وإقامة الموتى وتغيير الطبيعة الإنسانية الفاسدة. لكن رسالته كانت الصليب لفداء البشرية. وبالتالي لم يكن محتاجاً إلى مقاومة. لذلك وقف يتكلم مع من جاءوا للقبض عليه، ويقول لهم: "كأنكم على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني. كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني، ولكن لكي تكمل الكتب".

ما معنى هذا الكلام " لكي تكمل الكتب"؟ وما الكتب التي يتكلم عنها أنها ستكمل؟

الكتب هنا تعني: ما كتب أو ورد عن شخصه (تبارك اسمه) في الكتب والأنبياء. وتكمل معناه: يتحقق ما جاء فيها من نبوات.

هل هذا يعني أن يسوع المسيح (تبارك أسمه) يذكر أن هناك نبوات كتبت عن عملية الصليب قبل أن تحصل. ما هذه النبوات؟

طبعا الرب يسوع وهو العليم بكل شيء، كانت الشريعة وكلام الله مثل ما يقول عنه الكتاب المقدس: "في وسط أحشائي". ومرة قال لليهود عندما قاوموه: " فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة وهي التي تشهد لي" أما عن الأمثلة والنبوات التي وردت عن صلب المسيح قبل موته. فقد شملت سجلاً تفصيلياً عن أحداث الصليب لدرجة أنه لو لم يقرأ إنسان ما قصة الصليب في العهد الجديد لكن درس العهد القديم، يستطيع أن يرويها تماماً كما حدث مع السيد المسيح عند الصلب. والأمثلة كما قلت كثيرة، وهي تنقسم إلى قسمين: أمثلة ضمنية وأمثلة حرفية.

ما المقصود بالأمثلة الضمنية والأمثلة الحرفية؟

الأمثلة عن النبوات الضمنية أنها نبوات جاءت في العهد القديم. ويفهم منها ضمناً وليس صراحة أن المقصود بها هو شخص الرب يسوع المسيح تبارك اسمه. فمثلاً قصة ذبح خروف الفصح الذي مارسه اليهود عندما خرجوا من مصر، كانت رمزاً ضمنياً في العهد القديم إشارة للرب يسوع المسيح الذي قدم نفسه كذبيح لأجل البشرية. والعهد الجديد ينص صراحة في رسالة كورنثوس الأولى 5: 7" لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا".

وما الأمثلة الحرفية؟

الأمثلة عن النبوات الحرفية، تعني أن هذه النبوات تحققت حرفياً في حادثة صلب المسيح وهذه ما أكثرها. على سبيل المثال نبوة في سفر المزامير، وهو المكتوب قبل ميلاد السيد المسيح تقريباً بألف سنة. في مزمور 41 وعدد 9 يتنبأ الكتاب أن أحد المقربين إليه (تبارك اسمه) هو الذي سيسلمه. الكتاب قال" رجل سلامتي الواثق به آكل خبزي، رفع علي عقبه"، ونبوة أخرى في سفر زكريا تقول إن السيد المسيح سيباع بثلاثين من الفضة. وهذا ما فعله يهوذا مسلمه. نبوة ثالثة تقول: أن شهوداً زوراً سيقومون وهذا مذكور في أصحاحنا، أصحاح 14 في الإنجيل بحسب القديس مرقس. في عدد 56 مكتوب: "لأن كثيرين شهدوا عليه زوراً، ولم تتفق شهاداتهم". نبوة رابعة عن صمت الرب يسوع المسيح أمام متهميه في سفر إشعياء 53 : 7 تحققت في أصحاحنا وعدد 60. نبوة خامسة تقول أنه سيصلب مع أثمة في أشعياء 53 وعدد 12 وتمت في مرقس 15. وهكذا الأمثلة كثيرة مما لا حصر له.

هل القىالله  شبه المسيح على يهوذا؟

44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ وَامْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدِي يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ وَأَمْسَكُوهُ.

o         هل الجمع الذي جاء ليقبض على المسيح يعرفون المسيح شخصياً أم لا؟ وإذا كانوا يعرفون، لماذا كان يلزم على يهوذا أن يعمل لهم علامة؟ ويذهب ويقبله؟ وماذا حدث بعدها؟

الناس الذين جاءوا ليقبضوا على المسيح، كانوا يعرفونه جيدا للأسباب الآتية:

- يسوع كان شخصية معروفة ومشهورة. قضى أكثر من ثلاث سنوات وثلث يتجول في البلاد مع تلاميذه، ويعمل المعجزات علناً. وكان أيضاً نبياً مبجلاً، فلا يعقل أن أحداً ما في أورشليم لم يكن يعرف يسوع (له المجد).

- الرب يسوع نفسه يقول لهم "كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم"، فهو يكلم أناساًً يعرفهم ويعرفونه.

إذاً لماذا لزم على يهوذا أن يقودهم إلى المكان الذي فيه المسيح، وأن يعطيهم علامة أنه هو المسيح؟

لزم على يهوذا أن يقود الجموع إلى يسوع (تبارك اسمه)، لأن يهوذا كان يعلم أين يجد سيده في مثل هذه الساعة من الليل. فكان يعلم خط سيره. فبعد العشاء الأخير معه، كان يعلم أنه سيذهب إلى جبل الزيتون مثلما يقول الكتاب كعادته. أي أن الرب يسوع كان معتاداً أن يذهب إلى هذه الضيعة. أما لزوم القبلة، فكانت لأن الجمع الذي كان مع يهوذا كان لهم هدف واحد، وهو القبض على الرب يسوع (تبارك اسمه). وإن لزم الأمر قهر تلاميذه إذا دافعوا عنه. كان الرب يسوع (له المجد)، واحداً من اثني عشر رجلاً. وهم كانوا يريدون أن يتمموا مهمتهم بأقصى سرعة خوفاً من انضمام العامة إلى صف المسيح. وبالتالي، فإن نزول عدد كبير من الناس على مجموعة مكونة من اثنى عشر رجلاً للقبض على رجل واحد، كان أمراً شبه مستحيل. لذلك وضعوا الخطة أن رجلاً واحداً منهم هو الذي يتقدم نحو السيد وتلاميذه ويعانق السيد. أي يلتصق به، فيصبح من الواضح من التصاق الاثنين معاً لبقية الرجال من هو الرجل المراد القبض عليه بأقل مجهود، وأسرع وقت وأبسط وسيلة وقد كان لهم ما أرادوا. فما هو رأيك أنت في إجابة السؤال الثاني؟ هل كان ممكناً على الجمع أن يخطئ في معرفة السيد المسيح له كل المجد؟

ألم يكن من الممكن أن يلقي الله شبه المسيح على يهوذا في هذه اللحظة، لحظة احتضان يهوذا للمسيح؟

إن الأحباء الأئمة والمفسرين والعلماء المسلمين، اختلفوا في من هو المصلوب. وكلهم لديهم الحق لأن عندهم نصاً يجب أن يثبتوه، وإلا فالعاقبة هي أفظع مما يمكن أن يحتملها من يؤمن بهذا القول. وسبب الاختلاف هو أن في كل شخصية افترضها أحدهم وقال إنها صلبت بدل المسيح (له كل المجد)، كانت هناك بعض الإشكالات غير القابلة للحل. وسأحصر إجابتي في رأيين أحدهما رأيي أنا الشخصي والآخر رأي الإمام الرازي. وهو من أكبر وأقدر علماء أحبائنا في الإسلام.

ما الأساس الذي يُبنى عليه هذا الرأي؟

في الحقيقة هناك أساس واحد، وهو أقوى وأثبت أساس ممكن أن يوضع لهذه الحقيقة. وهو أساس الكلمة النبوية التي هي أثبت، أي كلمة الله سبحانه وتعالى (الكتاب المقدس)، والحقيقة أننا لسنا في حاجة لإثبات ما يقوله المولى تبارك اسمه. فإن القدير جلت قدرته كتب في كتابه المبين، أن المسيح يسوع (تبارك اسمه) قد صلب فدية ونيابة عن العالم أجمع. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. إذن فالمسيح قد صلب وقد مات. لكن لو أن أحداً قال: كلا، لأن كتابكم محرف، فهل حرف المسيحيون قصة الصليب. كان لابد لهم أن يغيروا هذه الحادثة التي تصور مسيحهم ونبيهم بالضعف والخنوع. وكان يجب أن يجعلوا منه بطلا استطاع أن يقهر مسلمه والقابضين عليه. ولكن ترك هذه القصة في كتاب الله، الإنجيل، لأكبر دليل على حفظه من أيدي المحرفين.

هل هناك حقائق توضح استحالة أن يكون المصلوب هو يهوذا الإسخريوطي؟

هناك الكثير. هناك بعض الأدلة المنطقية، وهي:

لماذا لم يصرخ يهوذا  الإسخريوطي صرخة مظلوم مغلوب على أمره. ويحاول أن يفهم القابضين عليه أنه ليس المسيح بل يهوذا؟ لم يكن يعلم أنه أخذ شبه المسيح لأنه لا أعتقد أنه كان معه مرآة حتى ينظر فيها، بل البديهي والمنطقي أن يهوذا يكتشف أن الناس الذين جلبهم لأجل القبض على المسيح يسوع (تبارك اسمه) ، تحولوا ضده وهو لايفهم السبب. وهذا كان يجب أن يجعله يقاومهم، وهذا لم يسمع في الكتاب.

هل قام يهوذا بتمثيل دور سيدنا المسيح، وهو يكلم الناس الذين جاءوا ليقبضوا عليه بكل هدوء أمام رؤساء الكهنة وأمام شهود الزور؟ وكان رؤساء الكهنة يطلبون منه أن يتكلم ويدافع عن نفسه وهو صامت. وهل ظل صامتاً حتى إلى الصليب. وهل مثل دور سيدنا المسيح وهو يكلم والدته القديسة العذراء مريم من فوق الصليب؟

إن كان الله قد ألقى صورة المسيح على يهوذا الإسخريوطي، فهل ألقى صورة يهوذا الإسخريوطي على المسيح لأن المشهد كان فيه شخصان اثنان فقط، واحد يقبل الآخر. واحد منهم يهوذا وواحد منهم الرب يسوع (تبارك اسمه). فهل أخذ الاثنان صورة المسيح أم تبادلا الشبه؟ شيء آخر، إن كان يهوذا الإسخريوطي هو الذي صلب، فمن الشخص الذى حاول إرجاع الفضة للكهنة؟ ومن الذي مضى وشنق نفسه؟ هل هو السيد المسيح (له كل المجد)، أم شخص ثالث ألقى الله عليه شبه يهوذا الإسخريوطي؟ شيء آخر أيضاً. أين ذهب السيد المسيح بعد حادثة الصلب لو كان يهوذا هو الذي صلب؟ وهل يهوذا هو الذي نظر إلى بطرس الرسول معاتباً عندما أنكر أنه يعرف السيد المسيح أمام إحدى الجواري؟ شيء آخر أيضاً. من الذي قام من الأموات في اليوم الثالث؟ هل كان يهوذا الإسخريوطي. وهل ظل شبه السيد المسيح مطبوعاً عليه وظل يمثل دور المسيح في ظهوراته المختلفة؟ ولو قلنا كلا، دور يهوذا انتهى عند الصليب. نسأل لماذا إذاً قام في اليوم الثالث وظهر للمريمات والرسل؟ وإن جاوب أحد، وقال: إن الذي زارهم هو سيدنا المسيح، يطرأ سؤال آخر: الكتاب يقول: إن الشخص الذي قام من بين الأموات هو الذي صلب، لأن آثار المسامير كانت ظاهرة في يديه ورجليه. ومكان الحربة في جنبه. فلو كان الرب يسوع هو الذي ظهر مرة ثانية كأنه هو الشخص المقام من بين الأموات، فمن أين جاءت الجروح في يديه ورجليه وجنبه؟

إشكالات الرازي و إلقاء الشبه

بعدما ذكرنا أنه من المستحيل أن يلقي الله (سبحانه وتعالى)، شبه المسيح (تبارك اسمه) على يهوذا الإسخريوطي دون أن يلقي شبه يهوذا على سيدنا المسيح. أو واحد ثانٍ من التلاميذ. والأمر ليس شبهاً فقط، بل كان لابد لكل واحد منهما أن يمثل دور الآخر. فيهوذا الخائن الشرير المحب للمال. لابد أن يمثل دور السيد المسيح (تبارك اسمه) بوادعته ومحبته، وهو يتكلم مع القابضين عليه وصالبيه. ولابد أن يسكت أمام جورهم وظلمهم له. بل أكثر من ذلك يتحول إلى قديس بلحظة يطلب الغفران من الله لصالبيه. بل الأكثر والأكثر غرابة أن يبشر أحد اللصين اللذين صلبا معه بالجنة. أما الغريب فهو قدرته على شفاء أذن عبد رئيس الكهنة. والقصة هذه واردة في العدد 47 من أصحاح 14 من الإنجيل بحسب القديس مرقس. وقصة شفاء هذه الأذن واردة في الإنجيل بحسب القديس لوقا. أصحاح 22 وعدد 51. فهل أعطى المولى القدير (سبحانه وتعالى) ليهوذا الخائن الشرير السلطان على شفاء الجرحى وشفاء المرضى. الذي كان لسيدنا المسيح عندما ألقى الله سبحانه صورة الرب يسوع المسيح عليه؟!

والآن ماذا عن العلامة الرازي؟

في الحقيقة الكلام عن هذا الموضوع يطول شرحه. لكن أخطر ما في هذا الموضوع ، هو إلقاء شبه الرب يسوع المسيح على واحد من تلاميذه أو غيرهم؟ حتى لو كان يهوذا الإسخريوطي المجرم الخائن فهو عمل ينطوي على إهانة كبيرة لله (سبحانه وتعالى)، وعلى اتصافه بالعجز على تخليص نبيه. وكان لا حول ولا قوة أمام شرذمة اليهود الذين جاءوا ليقبضوا على سيدنا المسيح (تبارك اسمه). كما يمكن أن نصفه والعياذ به أنه لا يعمل بالعدل والمساواة بين أنبيائه. فالله (سبحانه وتعالى) أنقذ نبيه موسى عندما قام اليهود برجمه. وعظمه في أعين معاصريه. ولم يفعل ذلك مع السيد المسيح (تبارك اسمه). وعاقب الله (سبحانه وتعالى) هارون ومريم وكانا من النبيين، إذ تكلما على موسى كليمه وضرب مريم بالبرص اللعين. لكنه بدا ضعيفاً خائفاً من اليهود معاصري السيد المسيح. فاضطر أن يلقي شبهه على غيره. والحقائق في هذا الموضوع كما قلنا كثيرة جداً لا حصر لها.

ما رأي العلامة الإمام الرازي في مسألة إلقاء شبه الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) على غيره من البشر ليصلب؟

جاء رأي فضيلته في كتاب "مفاتيح الغيب" للرازي (مجلد 6 طباعة دار الفكر ببيروت، لبنان. من صفحة 100 إلى 106). وقد وقع في عدة مشكلات أسماها إشكالات لا حل لها. إذا صدق المرء بالرأي القائل بإلقاء شبه سيدنا المسيح (له كل المجد) على غيره. قال الرازي: "فمهما كان ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات" الإشكال الأول، إنه لو جاز أن يقال إن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة. وأيضاً يفضي إلى القدح في التواتر. ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.

ما المقصود بالسفسطة والقدح في التواتر؟

كلمة السفسطة تعني: الهرطقة أو الكلام الذي لا أساس له أو غير مستند على أدلة وبراهين. والقدح في التواتر، أي: اتهام التواتر أو الذم والتشكيك في التواتر. والتواتر هو: ما يتسلمه الخلف من السلف. أو المحدثون من القدامى، أي ما تسلمناه عن أجدادنا. وهنا العلامة الرازي يقول: "إن مجرد القول إن الله يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، يفتح لنا باب الكلام الذي لا داعي له أو معنى". ويعني أيضا الذم والتشكيك في كل النبوات التي نتسلمها من الأنبياء الصادقين. الإشكال الثاني الذي وقع فيه الرازي أو صادفه أن الله أيده- والكلام هنا عن السيد المسيح له المجد، بالروح القدس جبريل. وهذا ما يؤمن به الأحباء المسلمون، أن الروح القدس هو جبريل. ويستكمل الرازي أن الله أيده بروح القدس جبريل. فهل عجز هنا عن تأييده، كان قادراً على إحياء الموتى؟ هل عجز عن حماية نفسه؟ الإشكال الثالث هو أنه تعالى كان قادراً على تخليصه برفعه إلى السماء، فما الفائدة من إلقاء شبهه على غيره؟ فهل فيه إلا إلقاء مسكين في القبض من غير فائدة إليه؟

o         هل هذا فعلاً كلام أحد العلماء الأئمة في مسألة إلقاء شبه السيد المسيح (له المجد)، على غيره من البشر؟

نعم، لذلك ذكرت المرجع الذي ذكر فيه هذا الكلام. دعونا نكمل رأي العلامة الرازي. الإشكال الرابع إلقاء الشبه على غيره إن اعتقد اليهود أن هذا الغير هو عيسى، مع أنه لم يكن عيسى. كان هذا إلقاء في الجهل والتلبس. وهذا لا يليق بحكمة الله. الإشكال الخامس: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح، وغلوهم في أمره، أخبروا أنهم شاهدوه مصلوباً مقتولاً. فلو أنكرنا ذلك، كان طعناً في ما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في محمد وعيسى وسائر الأنبياء. وأخيراً يقول العلامة الرازي في الإشكال السادس: لا يقدر المشبوه أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسى والمتواتر أنه فعل. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك، علمنا أن الأمر ليس على ما ذكرتم. إلى هنا تمت أقوال الرازي. ومرة أخرى أقول: إن هذا الكلام ورد في "مفاتيح الغيب" للرازي. (مجلد 6، طبع دار الفكر ببيروت، لبنان. من صفحة100 إلى صفحة106). ولا تعليق على هذا الكلام.

قطع أذن عبد رئيس الكهنة

47فَاسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ السَّيْفَ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ.

من هو الشخص؟ ولماذا فعل هكذا؟

الشخص كان كما يذكر الكتاب المقدس في الإنجيل بحسب القديس متى إنه بطرس مقدام الرسل، أما لماذا عمل هكذا، فواضح أن الموقف والحماس أخذه حسب طبيعته المعروفة عنه أنه كان دائم الحماس والاندفاع. ورأى أنه ليس فقط سيده في أزمة ومعركة لكن هم أيضا كتلاميذ السيد محاطون برجال يمسكون السيوف والعصي والخناجر. فرد الفعل الطبيعي الإنساني البشري، يقول: السيف هو الحل، فإن لم يحترم اليهود الدين الجديد، فلا بديل من السيف، والدخول في معارك حربية لفتح وإخضاع هذه الجماعات والمدن والأقطار، لكن منطق سيدي المسيح (تبارك اسمه) يختلف تماماً عن هذا المنطق الأرضي.

بأي منطق كان الرب يسوع (تبارك اسمه) يتعامل في ظرف مثل هذا: لأن هذا الوضع لا ينفع فيه غير القوة والسيف فعلاً؟

منطق الرب يسوع المسيح منطق روحي إلهي سماوى، منطق الحب والسلام، وهنا كما هو مذكور في الإنجيل بحسب القديس متى أصحاح 26 وعدد52 إلى 54، عمل يسوع ثلاثة أمور عظيمة كلها أعظم من بعض، أولاً: إنه قال لتلميذه بطرس قولته الشهيرة، التي مازالت كعقد يزين كل مسيحي مؤمن حقيقي، قال له: "رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون". وكأن السيد يقول له "أنا الذي علمتك وزملاءك أن تحبوا أعداءكم، وأن تباركوا لاعنيكم، وأن تحسنوا إلى مبغضيكم وتصلوا لأجل الذين يسيئون، إليكم ويطردونكم، واليوم أنت في محضري وأمام عيني تستخدم السيف؟"، فالسيف دليل الحقد والكراهية، والأمور الروحية والدفاع عن حق اللـه في الأرض وعن دينه ليس بالسيف والخنجر والرصاصة بل بالمحبة والصفح والغفران.

ما معنى: "كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون"؟

 المعني واضح، هذا قانون إلهي سماوي وضعه المولى القدير منذ أيام العهد القديم، عندما قال: "سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه"، وهنا يكرر نفس المعنى الذين يأخذون أو يردون على السيف بالسيف يهلكون، فكم وكم لو كان الإنسان يرد على محبة أخيه الإنسان بالسيف. وأود أن أقول شيئاً مهماً جداً أن كل فرد أو جماعة أو دين أو دولة تستخدم السيف والسلاح تلحق به أو بها لعنة استخدام السيف والقوة ولا يفارق السيف وتأثيره المدمر هذا الفرد أو البيت أو الجماعة أو الدين أو الدولة، فكل جماعة أو بيت بني على استخدام السيف سينقض بالسيف لأن الكتاب يقول: "كل" وعندما يقول الكتاب المقدس، "كل" فهذا يعني: كل بلا استثناء كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون.

وما الأمران الآخران؟

الأمر الثاني: إنه وضع حقيقة خطيرة أمام كل ذي عينين، وهي: إنه كان (له المجد) قادراً على تخليص نفسه بمنتهى السهولة لما قال لبطرس الرسول: "أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي، فيقدم لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة" وإن كان ملاك واحد في العهد القديم ذكر عنه الكتاب المقدس أنه أباد من جيش أعداء الله 185 ألفاً فالاثنا عشر ملاكاً ممكن أن يبيدوا كم؟ وهذه الحقيقة ترد على الإشكال أو المشكلة الثانية التي اعترضت العلامة الرازي لما تساءل أن الله أيده بروح القدس، فهل عجز هنا عن تأييده، وهو كان قادراً على إحياء الموتى؟ فهل عجز عن حماية نفسه؟. لا، لـم يعجز عن حماية نفسه وغيره، لكنه وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب؛ ليحيى المائتين تحت حمل الخطية، فلقد ذهب للصلب طوعاً واختياراً لا قهراً وإجباراً بل حباً وإصراراً لكي لا يهلك كل من يؤمن به.

أما الأمر الثالث: إنه شفى وأصلح أذن عبد رئيس الكهنة. فلم يكن سيدي الرب يسوع يتكلم أو يعلم عن المحبة فقط بل ليظهر المحبة في أحلك المواقف حتى في وقت القبض عليه ولهذا العمل دلالات خطيرة جداً، أولها: إن ربي يسوع المسيح (له كل المجد) ملئ بالمحبة تجاه كل البشر حتى من يناصبونه العداء، ولا يؤمنون به، وهو على استعداد لشفائهم وإصلاح حالهم. ثانياً: إنه حقاً كان شخصاً فذاً فريداً فمن يستطيع من البشر أن يقدم العون والشفاء لجلاده وسجانه؟! إن عملية وضع أذن عبد رئيس الكهنة وإصلاحها هي عملية خلق وليست فقط شفاء، فكيف التحمت الأذن في لحظة، وعادت صحيحة بعد أن قطعت، كيف اتصلت الشرايين بعضها ببعض الأعصاب والعضلات بمجرد لمس السيد لها؟ لذلك أنا أدعوك أن تأتي إلى هذا الشخص الحي الرائع بكل مرض تعاني منه، بكل فشل وقطع في نفسك أو جسدك أو روحك أو عائلتك أو زواجك، أو عملك، أياً كان هذا القطع وثق أنه يلمس أذنك؛ فتنفتح على كيفية إصلاح ما تهدم من حياتك.

أخيراً أقول إن من يصنع معجزة بلمسة قادر أن ينقذك وبيتك وعائلتك ومدينتك وحتى بلدك من لعنة استخدام السيف إذا جئت له معترفاً له بخطاياك وآثامك؛ فسيرحمك، ويكسر عنك اللعنة، ويمنحك بركة من لدنه.

الاتهامات الموجهه للمسيح

55وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا 56لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. 57ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً قَائِلِينَ: 58«نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هَذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ». 59وَلاَ بِهَذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ.

إن كان رؤساء الكهنة لم يجدوا شهادة ضده ليقتلوه لماذا أصروا على قتله؟

الحقيقة إن أخذهم يسوع إلى بيت رئيس الكهنة كان لا ليحاكموه، لكن لكي يقتلوه، أو يلفقوا له تهمه حتى يقتلوه. ولم تكن محاكمة بالمعنى المعروف، فالمفروض في أية محاكمة أنها تكون لإظهار الحقيقة، لإدانة المذنب، وتبرئة البريء، لكن هذه المحاكمة كانت في الحقيقة أعجب محاكمة عرفتها البشرية، وهم عملوا هكذا؛ لأن نور الرب يسوع المسيح (له المجد) كان يفضح ظلمة قلوبهم وحقدهم، ووجوده كان يهدد مراكزهم، كما قال الكتاب في موضع آخر: أن الجمع كله كان يسير وراءه ويتبعه.

قلنا إن محاكمة الرب يسوع المسيح هنا كانت أعجب محاكمة في تاريخ البشرية، فما وجه العجب أو الغرابة فيها؟

محاكمة الرب يسوع كانت أعجب محاكمة لأعجب متهم عرفته البشرية، أولاً: لأن هذه المحاكمة كان القاضي فيها هو الخصم، فكل محاكمة يكون فيها قاضٍ يحكم بين المتنازعين أو الخصم وخصمه. لكن هنا نرى أن القاضي هو الخصم، فالشيء الطبيعي أن الخصم يحاول تلفيق أكبر كمية ممكنة من التهم لخصمه، ويحاول إثباتها، ويتمنى أن يوقع على خصمه أقصى العقوبات، وهذا موقف رئيس الكهنة هنا، والذي حاول أن يعمله الرب يسوع. ومن سينصف المظلوم لو كان القاضي هو الخصم؟!

هذا بالنسبة للقاضي، ولكن ما وجه الغرابة في المتهم، الذي هو الرب يسوع المسيح (له المجد) في هذه القضية؟

بالنسبة للمتهم الذي هو الرب يسوع (تبارك اسمه) كان غريباً وعجيباً في عدة نقاط أولها: أن كل متهم لا بد أن يحاكم على خطأ أو خطية أو جريمة ارتكبها، لكن هذا هو المتهم الوحيد الذي سمعنا عنه في كل التاريخ يحاكم لأنه كان يجول يصنع خيراً، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، فهو كما قال فيه الكتاب لم يفعل شيئاً ليس في محله، لم يعرف خطية، ولم يكن في فمه غش كان لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، فكانت جريمته أنه شفى المرضى، وأقام الموتى، وسدد الاحتياجات؛ لذلك كانوا يحاولون أن يجدوا عليه شهادة حتى زوراً، فلم يجدوا.

o         أظن أن من أوجه الغرابة في الرب يسوع أنه لم يدافع عن نفسه في هذه المحكمة، فلماذا صمت أمام محاكميه؟

هذه ثاني نقطة غريبة في الرب يسوع المسيح، لأنه وقف صامتاً تماماً أمام محاكميه. كما تنبأ عنه إشعياء في أصحاح 53 عندما قال الكتاب: "وكنعجة صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه" حتى تعجب كل الواقفين، وقال له رئيس الكهنة أما تجيب بشيء، ماذا يشهد به هؤلاء عليك؟! أما لماذا كان ساكتاً؟ لأنه جاء ليصلب فداء وكفارة عن خطايا البشرية، وكان لسان حاله الكأس التي أعطاني الآب إياها ألا أشربها، فلماذا يتكلم؟! ولماذا يدافع عن نفسه؟! وأمام من سيدافع عن نفسه! فالقاضي الذي سيحكم عليه هو خصمه وغريمه كما قلنا سابقاً.

البعض يفهم أن هذا ضعف من الرب يسوع (تبارك اسمه)، إنه لا يرد على محاكميه، أو اعتراف بالتهم الموجهة إليه؛ لذلك لم  يتكلم أمام محاكميه؟

للإجابة على هذا السؤال أود أن أذكر عدة نقاط. أولاً: إن الرب يسوع كان يعرف متى يتكلم؟ ومتى يسكت؟ وما السؤال الذي يجاوب عليه؟ وما السؤال الذي يرفض الإجابة عليه؟ ثانياً: كل إنسان متهم سيحكم عليه بالإعدام مهما كان ضعيفاً أو معترفاً بجريمته، يجب أن يتكلم ويدافع عن نفسه ولو بالشيء القليل، فكم وكم الرب يسوع قوى الشخصية والإرادة الذي كان واثقاً من نفسه أنه لم يصنع شيئاً ليس في محله. الشيء الثالث: إن صمته لم يكن يعني اعترافه بجريمته؛ لأنه هو الذي سأل الجموع، وقال لهم: من منكم يبكتني على خطية أي من منكم يقدر أن يلومني على خطية ارتكبتها، فلم يقدر أحد أن يذكر له أية خطية.

o         إذاً ما الدليل على أن صمت الرب يسوع لم يكن ضعفاً منه أو اعترافاً منه بالتهم الموجهة إليه؟

الدليل على ذلك أن الرب يسوع (تبارك اسمه) تكلم ورد على رئيس الكهنة رداً قوياً قاطعاً كان سبباً في إنهاء المحاكمة وإصرار الحاضرين على صلبه، وهو كان يعلم هذا، لكنه لم يجبن أو يضعف أمام الحق. فعندما سأله رئيس الكهنة، وقال له: أنت المسيح ابن المبارك، أي: ابن الله المبارك أو كما يفهمها اليهود أنت المسيح، أي الله المبارك، فقال يسوع أنا هو. قالها بكل وضوح وبكل حزم وإصرار، وزاد عليها أيضاً، وسوف تبصرون ابن الإنسان، وهنا يتكلم عن نفسه جالساً عن يمين القوة، وآتياً في سحاب السماء. فليست هذه لهجة أو لغة إنسان ضعيف أو مجرم اعترف بخطأه.

ما معنى أن الرب يسوع رد على هذا السؤال بالذات بالرغم من صمته طول مدة المحاكمة؟

لأن السؤال يحمل في طياته عدة نقاط أولها: أن واحداً من أسباب مجيء الرب يسوع إلى الأرض هو أن يعلن أنه هو الله الظاهر في الجسد، وأنه هو المسيح ابن المبارك. وهذا هو حجر الزاوية في الإيمان المسيحي، فلو سكت، ولم يجاوب على هذا السؤال الذي هو: "أنت المسيح ابن المبارك؟"، فهذا معناه إنكار أو إخفاء لأهم حقيقة أعلنها الله للإنسان وهى لاهوت المسيح الذي جاء في الجسد. الشيء الثاني حتى يسكت أولئك الذين يدعون أن المسيح (تبارك اسمه) لم يذكر عن نفسه أبداً: إنه هو ابن الله أو الله الظاهر في الجسد. فها هو يقولها صراحة: "أنا هو" الشيء الثالث: إن الرب يسوع لم يكن يساوم أبداً على أي أمر يتعلق بالأمور الروحية، فما يحتاج إلى توضيح وتصريح كان المسيح يسوع (تبارك اسمه) يسارع بعمله.

 ما بقية أوجه الغرابة في هذه المحاكمة؟

أوجه الغرابة الحقيقية كثيرة في هذه القضية. فهناك أيضاً أن الشهود الذين جاءوا يشهدون على الرب يسوع لم يكونوا متفقين على الاتهامات، لذلك لم يجدوا شكاية عليه. وطبعاً كان من الطبيعي حتى وهم يشهدون زوراً عليه كان يجب أن يتفقوا أولاً قبل الإدلاء بالشهادة لكنهم لم يفعلوا. والقضية التي لا يتوفر بها الأدلة وعدم اتفاق شهود العيان على الشهادة  كان كفيلاً بإطلاق سراح المتهم.

o               هل كانت هذه التهمة تستحق الموت؟ وهل من حق الإنسان أن يدافع عن الله (سبحانه وتعالى) حتى إذا وصل الأمر إلى الحكم بالإعدام أو التكفير أو إهدار الدم وغيره من التعبيرات التي نسمعها حالياً؟

الحقيقة حتى ولو كانت هذه التهمة وأقصد بها أن الرب يسوع قال عن نفسه: إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأياد وهو بالمناسبة لـم يقل ذلك- وهذه القصة واردة في الإنجيل بحسب القديس يوحنا 2: 19. عندما قال الرب يسوع (تبارك اسمه) لليهود: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه"، والكتاب يقول: إنه كان يتكلم عن هيكل جسده. يعني المسيح لم يكن يتكلم عن هيكل أورشليم، لكن كان يتكلم عن جسده هو. إنه لو نقضوه يعني ببساطة أماتوه هو سيقيمه بعد ثلاثة أيام. وهذا ما حدث عند قيامة السيد المسيح من الأموات وحتى لو كان يتكلم عن هيكل أورشليم المادي أو أنه ساوى نفسه بالله (سبحانه وتعالى)، فالله عز وجل هو الذي يدافع عن نفسه وليس من حق إنسان في الأرض أن يكفره أو يحلل قتله أو يبيح إهدار دمه. فالأمر لله وحده الذي لا شريك له سبحانه، وهو لم يعطِ هذا السلطان لغيره من البشر ولا الرسل والأنبياء، فهو الذي يحيي ويميت (تبارك اسمه).

ما النقطة التي جعلت الكل يحكم على الرب يسوع أنه مستوجب الموت؟

الجميع حكموا على الرب يسوع أنه مستوجب الموت عندما صرح أنه ابن المبارك، ومعناها: ذات الله المبارك فلم يستطع رؤساء الكهنة أن يقبلوا هذا التصريح، وهذا الذي جعل رئيس الكهنة يمزق ثيابه مخالفاً بذلك الفعل للشريعة والناموس. ليس هذا فقط بل إن الرب يسوع أكد هذه الحقيقة بقولين: أولاً: بالقول: "وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً في سحاب السماء"، وهنا بالطبع يتكلم عن نفسه أنه يجلس عن يمين القوة.وهذا معناه: أنه سيجلس عن يمين الله نفسه في السماء وبالتالي كأنه يقول لهم: أنا مساوٍ لله نفسه، لأن المعروف ليس مثل الله ولا شريك له، ولا يوجد من استطاع أو يستطيع أن يجلس في مركز الصدارة في عرش الله (سبحانه وتعالى) إلا هو نفسه جل شأنه. وهذا إدعاء خطير من السيد في نظر سامعيه أما من ناحية الرب يسوع، فهذا ليس إدعاء بل هو الحق والحقيقة كاملة.

ما القول الثاني الذي أكد به الرب يسوع أنه هو الله الظاهر في الجسد؟

القول الثاني: إنهم سيبصرون ابن الإنسان آتياً في سحاب السماء، وهنا يقول لهم: إنني مساوى لله سبحانه في جوهره، لذلك سأجلس عن يمين القوة. وذكر عنه في موقع آخر أنه جالس، ومرة أخرى قائم عن يمين العظمة، لكنه سيأتي ثانية وهم سوف يبصرونه، وكأن الرب يسوع المسيح يقول لهم: أنا صاحب السلطان، وأنا ابن المبارك، وأنا جالس عن يمين القوة، وأنا سآتي ثانية، على سحاب السماء.

الحقيقية، وأستغفر الله العظيم، نحن لا نلوم رؤساء الكهنة والشيوخ في عدم تصديقهم للرب يسوع (تبارك اسمه) وفي حكمهم عليه بالموت، لأن التصريحات التي قالها الرب يسوع في هذا المقطع أي واحد يسمعها لا يستطيع أن يفعل غير ما فعلوا، فقبضوا عليه، وجروه أمام رئيس الكهنة، وهو واقف قدامهم في مركز الضعف والإهانة. ولم يفتح حتى فمه، ويدافع عن نفسه، وفجأة يصرح لهم بكل هذه التصريحات الخطيرة، ويجعل نفسه مساوياً لله. أليس هذا شيئاً غريباً؟! وألم يكن هو نفس السبب الذي جعل معظم الناس غير قادرين أن يقبلوا المسيح كالمخلص لهم، لأنهم غير قادرين أن يتخيلوا أنه هو الله الظاهر في الجسد؟

هي فعلاً شيء يجن له العقل لو تركت للتخيل الإنساني ومحاولة الاقتناع بها، لكنها مسألة بسيطة جداً إذا صدقها الإنسان وآمن بها لا لشيء إلا لأن هذا هو الذي أعلنه الرب يسوع عن نفسه. فالرب يسوع هنا هو الله، وأستغفر الله العظيم إما أنه يكذب على سامعيه، وإما مجنون ولا يدري ماذا يقول، وإما مخدوع وبه جنون العظمة، ويعتقد أنه هو فعلاً الله الظاهر في الجسد، وكان لازماً أن أحداً يفيقه حتى يرجع لعقله. وحاشا للسيد (له المجد) أن يكون واحداً من الثلاثة. وبالتالي يبقى احتمال واحد أخير وهو أن يكون فعلاً الله الظاهر في جسد إنسان.

دعونا نسترسل في الحديث، حتى ولو كان خطيراً، والله يسامحني حتى لمجرد التفكير فيه ممكن أن يكون الرب يسوع ساعتها الله، لأن غير ممكن أن يكون واحد عاقلاً في الموقف الذي كان فيه الرب، ويقول الذي قاله، ويجعل الناس تحكم عليه بالموت.

أولاً: ليس ممكناً أن يكون كذب على سامعيه، لأن أي واحد يكذب ممكن أن يكذب لحد معين. لكن عندما يجيء قدام أعدائه لو كذب يجب أن يكذب بشيء ينجيه من الموت والصلب. فالرب يسوع (تبارك اسمه) لو كان كذاباً، لكان كذب على سامعيه، وقال لهم: أنا لست ابن المبارك، أنا إنسان عادى مثل باقي البشر. لأن هذا الكلام هو الذي كانوا يبغون أن يسمعوه، ولو كان قال لهم هكذا لما حكموا عليه بالموت، وكان قد خلّص نفسه من هذا الوضع. لكن كونه أصر على ذكر هذه الحقيقة، فهذا معناه أنه لا يمكن أن يكون قد كذب، وهو المكتوب عنه أنه الصادق الأمين.

ما الاحتمال الثاني؟

الاحتمال الثاني: إنه مجنونُ، هذا أيضاً لا يمكن قبوله بالنسبة للرب يسوع؛ لأن كلماته التي كان يتكلم بها في الموقف كله تدل على ذلك. فالمجنون عندما يأتي أمام الناس ليقبضوا عليه لن يقول لهم "كأنه على لص خرجتم علىّ بسيوف وعصى لتأخذوني، كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني، لكن لكي تكمل الكتب". هذا واحد يسترجع في عقله أحداث الأيام الماضية وأقوال الكتب والنبوات عنه. المجنون لن يقف ساكتاً وصامتاً أمام محاكمة غير عادلة من أعدائه. المجنون لا يعرف متى يسكت ومتى يتكلم ولو كان مجنوناً لم يكن رئيس الكهنة ومن معه عملوا له محاكمة وإلا كانوا هم أيضاً مجانين.

o         بقى لنا الاحتمال الثالث، وهو أقرب الاحتمالات للحالة التي كان فيها الرب يسوع المسيح؟

الاحتمال الثالث: إن الرب يسوع (تبارك اسمه) كان مخدوعاً وراكبه جنون العظمة، ويعتقد أنه فعلاً الله الذي ظهر في صورة إنسان، وهذا أيضاً لا يستقيم مع الرب يسوع. ببساطة لأنه لو كان الأمر كذلك لما أيده الله بالروح القدس حتى في لحظات القبض عليه، فلما ضرب تلميذه بطرس أذن عبد رئيس الكهنة وقطعها، الكتاب يقول: إنه لمس الأذن؛ فعادت صحيحة سليمة في مكانها الطبيعي. فلو كان مخدوعاً فمن أين له بهذه المعجزة؟! وإن كان راكبه جنون العظمة، لماذا لم يحاول أن يدافع عن نفسه في هذا الموقف ومعروف أن الذين يركبهم جنون العظمة يحاولون أن يظهروا عظمتهم في كل موقف بسيط فكم وكم لو كان موقفاً مثل هذا. والذين يركبهم جنون العظمة عندما يوصلون إلى هذه النقطة، لا يستطيعون أن يمارسوا فيها جنون عظمتهم، بل يشعرون بالفشل والإخفاق وينهارون. لكن هذا لم يحدث مع الرب يسوع المسيح، وباختصار، فالمسيحية تؤمن بأن السيد المسيح (تبارك اسمه) هو رسول من الله، وروح منه، وإنه كان معصوماً من الخطأ والخطية. وهكذا يؤمن المسلمون أيضاً عن المسيح بالطبع إلى جانب أن المسيحية تؤمن أن الرب يسوع هو الله الظاهر في الجسد، فمجرد هذا الإيمان البسيط ينفي عنه (تبارك اسمه) وقوعه تحت أي احتمال من الاحتمالات السابقة.

في أي مجموعة يمكن أن يقع الرب يسوع (تبارك اسمه)؟

من الواضح أنه لم يبق لنا إلا احتمال واحد وحيد فقط ألا وهو أن الرب يسوع المسيح هو كما قال عن نفسه أنه ابن الله المبارك، أو الله المبارك نفسه، ولا يمكن أن يكون غير ذلك، فهو الصادق الأمين المعصوم من كل خطأ وخطيئة فلا بد من تصديقه فيما قاله حتى ولو لم يتناسب مع الفكر البشري المحدود، وحتى لو لم يصدقه عقل الإنسان.

كيف يقدر الإنسان أن يصدق هذه الحقيقة؟

عدم تصديق هذه الحقيقة معناه عدم التصديق بما أوحى إلى أنبياء الله موسى وسليمان وداود، ومعناه عدم تصديق المسيح نفسه (له المجد) فيما قال عن نفسه، واتهام هؤلاء الأنبياء بالكذب فسق وضلالة وكل ضلالة ومتبعيها في النار. فلو كان رؤساء الكهنة في القديم فتشوا الكتب كما أوصاهم الرب يسوع المسيح؛ لوجدوا أنها- أي الكتب- تشهد عنه، وأن كلمة المسيح بتعريف الألف واللام كما قلنا سابقاً تعنى: أنه إله قدير أب أبدي رئيس السلام، (كما جاء في سفر إشعياء 9)، وكلها أسماء من جملة أسماء الله الحسنى، ولا يصح أن تعطى لإنسان ما مهما كان عظيماً. ولو فتح الناس قلوبهم لرب العباد في هذه الأيام، وقالوا آمنا بما أنزل إلى موسى وإبراهيم وداود والمسيح؛ لأعانهم رب العباد (تبارك اسمه) على قبول هذه الحقيقة، ولتغيرت حياتهم بالكامل، وأصبحوا بنعمته من آل بيته (تبارك اسمه).

إنكار بطرس

66وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي الدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 67فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» 68فَأَنْكَرَ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!» وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى الدِّهْلِيزِ فَصَاحَ الدِّيكُ. 69فَرَأَتْهُ الْجَارِيَةُ أَيْضاً وَابْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: «إِنَّ هَذَا مِنْهُمْ!» 70فَأَنْكَرَ أَيْضاً. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ الْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: «حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ». 71فَابْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ!» 72وَصَاحَ الدِّيكُ ثَانِيَةً فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى.

ما قصة إنكار بطرس للرب يسوع المسيح (تبارك اسمه

لما أراد الرب يسوع المسيح أن يعد أتباعه وتلاميذه لحادثة الصلب قبل حدوثها بأيام حتى لا يفاجئوا بها، وأعطى لهم بعض تفاصيلها قائلاً لتلاميذه: إن كلكم ستشكون فىّ، وستتفرقون عني، ابتدأ بطرس يؤكد له أنه لا يمكن أن يفعل هكذا بل قال: لو شك فيك الجميع أنا لا أشك وزاد على ذلك أنه قال للرب يسوع ولو اضطررت أن أموت معك، فلن أنكرك. فأراد المسيح (له المجد) أن يعطى لتلميذه بطرس درساً، فقال له: "الحق أقول لك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات"، وهذا ما تم بالفعل.

ما الدرس الذي أراد يسوع أن يعلمه لبطرس؟

الحقيقة هذا ليس درساً واحداً بل عدة دروس أولها: إنه أراد أن يقول لبطرس أنك لست أفضل أو أحسن من سائر التلاميذ حتى تفصل نفسك عنهم، وتتخيل أنك أحسن منهم، وتقول: إن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك. الثاني: إنه يا بطرس أنا أقول لك: إنه مكتوب سأضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية وهذه نبوة جاءت في التوراة عن موقف أتباع المسيح (له المجد) منه في لحظة صلبه. فكان الرب يقول له: يا بطرس عندما أقول لك أنه مكتوب في كلمة الله أنك ستشك فيّ. لا تفكر أنك يمكن أن تعمل شيئاً غير هذا، فيجب أن يكون عندك خضوع لكلمة الله، وليس هذا فقط بل أنا الصادق الأمين الذي أقول لك أنكم كلكم ستشكون في،ّ فأنت ترد بما يخالف كلامي.

o         لماذا لم يكتفِ الرب يسوع بأنه أكد لبطرس التلميذ الذي قال هكذا من وقوفه مع سيده وخوفه عليه. لماذا سمح أن بطرس يعمل هذا، وينكره؟

صحيح أن الرسول بطرس كان مخلصاً في هذا الأمر، وقال هذا من شدة حبه وخوفه على الرب يسوع المسيح. لكن الحماسة والغيرة ليست كافية بل المطلوب الخضوع لكلمة الله وتحقيقها والتصديق عليها. والرب سمح لبطرس أن يجتاز في هذا الاختبار عملياً لعدة أسباب بعضها يتعلق ببطرس نفسه، وبعضها دروس مستفادة لنا نحن أيضاً في القرن العشرين.

o         ما الأسباب المتعلقة ببطرس نفسه؟

بطرس بعدما قال للمسيح (له المجد) إنه إن شك فيك الجميع أنا لا أشك، وفي موضع آخر في الإنجيل يقول: إني أضع نفسي عنك، وبعدما أكد الرب له أنه سيشك فيه، واضح أن بطرس كان واثقاً في نفسه وغير مصدق الرب ولا مصدق نفسه أنه ممكن أن يشك في الرب أو ينكر الرب أو يقول إنه لا يعرفه أمام الجواري والعبيد. لذلك سمح له الرب أن يكمل الدرس للنهاية بطريقة عملية، لأنه لو لم يقع في هذا  الدرس لما كان سيتعلم أنه ضعيف وتلميذ مثل أي تلميذ بل يمكن أن يكون أسوأ أيضاً، لأن باقي التلاميذ صحيح هربوا من هول الموقف لكن هو الذي أنكر سيده وسيد الأرض كلها.

هذا بالنسبة لبطرس في حادثة صلب السيد المسيح (له المجد)، لكن لا أحد اليوم يجتاز في هذا الظرف مرة ثانية، فما الدروس التي من الممكن أن نستفيدها نحن شخصياً؟

صحيح أن الرب يسوع لن يصلب مرة ثانية، ولا أحد فينا سيجتاز هذا الموقف عملياً، لكن هناك كما قلت لنا عدة دروس مهمة جداً للاستفادة من هذه الحادثة. أولاً: هذه الحادثة تعلن من هو الرب يسوع المسيح، هل هو مجرد إنسان كان ينتظر حكم الموت فيه أم هو علام الغيوب حتى أنه يعلم أن تلاميذه كلهم سيتفرقون عنه، وأن واحداً فيهم- وهو بطرس- سينكره.

هذه الحادثة ليس فيها علم بالغيب، فأي إنسان مكان الرب يسوع المسيح يستطيع أن يعرف أن التلاميذ سيتركونه، ويهربون، ويجوز أن واحداً فيهم ينكره أمام العبيد والجوارى، فالمسيح (له المجد) كان يعرف هول الموقف الذي سيمر فيه التلاميذ، وليس هذا فقط، بل الرب يسوع ذكر أن هذا مذكور في التوراة وأنه سيحدث، فأنا لا أرى علماً بالغيب في هذا الجزء من الحادثة

هناك فرق بين التخمين وقراءة الظروف المحيطة أو حتى الاستناد على قول مكتوب حتى لو كان في كلام المولى القدير (سبحانه وتعالى) وبين ذكر تفاصيل محددة بزمن وطريقة وأشخاص، فكما قلت كان من السهل على السيد المسيح أن يعرف أن تلاميذه سيشكون فيه، ويهربون عند محاولة القبض عليه. وخصوصاً أن هذا كان مذكوراً كنبوة في العهد القديم أو التوراة كما قلنا، لكن لم يذكر في التوراة أو أي مكان آخر نص صريح أو تلميح على أن هناك شخصاً معيناً اسمه بطرس في زمن معين، وهو قبل أن يصيح الديك مرتين بطريقة معينة، تنكرني ثلاث مرات. فهذه التفاصيل الدقيقة لا يعلمها إلا علام الغيوب (سبحانه وتعالى)، وخصوصاً أنه لم يكن فيه أي عامل أو موقف يقول إن الكلام الذي كان الرب يسوع المسيح يقوله لبطرس سيحدث، بل على العكس كل الظروف تقول عكس هذا. فبطرس يؤكد للمسيح ليس مستحيلاً أن أنكرك فقط بل أنا مستعد أن أضع نفسي عنك، أي أموت بدلك، لكن الرب يسوع المسيح علام الغيوب ترك تلميذه حتى يتعلم الدرس.

ما الدرس الثاني من الدروس المستفادة من هذه الحادثة؟

درس ثانٍ وهو لابد من تصديق كلام الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) تصديقاً أعمى حتى لو كانت كل الظروف تؤكد عكس ما يقول. فلو كان هو علام الغيوب كما قلنا؛ فيجب على الإنسان أن يصدقه، وكما ذكرنا سابقاً أن الرب يسوع أعطى وصفاً تفصيلياً لما سيحدث معه بالضبط بالخطوة الواحدة لتلاميذه. وتم كله حرفياً في الوقت والطريقة والأشخاص الذين أخبر عنهم السيد المسيح. فليس هنا مجال لتصديق بعض كلامه، وإنكار بعضه أو عدم تصديقه. فإما أن نصدق كلامه كله وإما لا نصدقه.

ما معنى هذا؟ ما الكلام الذي لابد من تصديقه كله؟

حول حادثة الصليب، قال المسيح (تبارك اسمه): إنه سيصلب ويسلم ليد اليهود وأنه سيموت، وإن تلاميذه سيتفرقون عنه، وأن بطرس سينكره. وقبلها قال: إن يهوذا سيسلمه وغيرها وغيرها، وكلها تمت بحذافيرها أمام العيون وبعدها كما ناقشنا هذه النقطة سابقاً، ونقول: لا، المسيح (له المجد) لم يصلب بل شبه لصالبيه أو عندما يعلن الرب يسوع لتلاميذه أنه سيموت فدية وكفارة عن خطايا البشر، نقول: لا، ليس هناك شيء اسمه كفارة وفدية وضحية؛ لذلك يميل الإنسان لتصديق أن المسيح لم يصلب. والمسيح فيما يتعلق بالصليب يقول: إنه هو الطريق والحق إلى النعيم الأبدي، وليس سواه، ونحن نقول: غير معقول أن يكون هناك طريق واحد للسماء، فإما أن نصدق كل ما يقوله المسيح (تبارك اسمه)، وما قاله أو لا نصدق ونترك وننسى كل ما نادى به.

من الصعب أن يصدق أحد أن بطرس يفعل هذا؟

يجب أن نصدق أن بطرس يعمل هكذا، وليس بطرس فقط بل الكتاب المقدس ينص أنه هكذا قال جميع التلاميذ مثل بطرس، وأكدوا للرب يسوع أنهم لن يتركوه. وليس بطرس وبقية التلاميذ فقط بل ونحن في هذه الأيام وكل الخليقة. كم مرة ننكر الرب يسوع بتصرفاتنا وأعمالنا وأقوالنا، فمن لا يثق أن الرب يسوع المسيح (له المجد) هو الله الظاهر في الجسد حتى ولو كان مسيحياً بالاسم، أليس هذا إنكاراً لشخص المسيح (تبارك اسمه)؟! ومن يدعي أنه مسيحي حقيقي لكن أعماله وتصرفاته لا تتطابق مع تعاليم المسيح (له المجد)، أليس هذا إنكاراً له (تبارك اسمه) ومن لا يصدق أنه هو الطريق الوحيد للسماء، ولا يأتي إليه ليقبل غفرانه، أليس هذا إنكاراً له ولغفرانه، وغيرها الكثير.

ما أهم درس في هذه الحادثة؟

في الحقيقة أهم درس نتعلمه من هذه الحادثة هو عدم الاتكال على النفس البشرية، فهي أمارة بالسوء، لكن الأهم أنه يوجد للتوبة مكان، فكما غفر السيد المسيح (تبارك اسمه) لتلميذه بطرس خطيته، ولم يمسكها عليه، فهو على استعداد أن يغفر لكل خاطئ مجدف وشكاك في شخصه (تبارك اسمه) والأمر لا يحتاج إلا إلى ما عمله بطرس أن يخرج إلى خارج من محيط الشك والخطية ويتوب إلى المولى القدير فيرحمه ويرد له اعتباره.

الجزء الثاني

المحاكمة و الصلب

مرقس15

اَلأَصْحَاحُ الْخَامِسُ عَشَرَ

1وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَاشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ.

2فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ: «أَنْتَ تَقُولُ». 3وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيراً. 4فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضاً: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!» 5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضاً بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. 6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيراً وَاحِداً مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقاً مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِماً يَفْعَلُ لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 10لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12فَسَأَلَ بِيلاَطُسُ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» 13فَصَرَخُوا أَيْضاً: «صْلِبْهُ!» 14فَسَأَلَهُمْ بِيلاَطُسُ: «وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدّاً صُرَاخاً: «صْلِبْهُ!» 15فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ وَأَسْلَمَ يَسُوعَ بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ.

16فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. 17وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُواناً وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ 18وَبْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «لسَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» 19وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. 21فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازاً كَانَ آتِياً مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ.

22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ. 24وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. 26وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً «مَلِكُ الْيَهُودِ». 27وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ». 29وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: «آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! 30خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» 31وَكَذَلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا. 32لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ». وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ.

33وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. 34وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي؟» (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: «هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً: «تْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!»

37فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 38وَنْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. 39وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هَكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ قَالَ: «حَقّاً كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ!» 40وَكَانَتْ أَيْضاً نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي وَسَالُومَةُ 41للَّوَاتِي أَيْضاً تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي الْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ اللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

42وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ إِذْ كَانَ الاِسْتِعْدَادُ - أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ - 43جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ مُشِيرٌ شَرِيفٌ وَكَانَ هُوَ أَيْضاً مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ اللَّهِ فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. 44فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» 45وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. 46فَاشْتَرَى كَتَّاناً فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ وَدَحْرَجَ حَجَراً عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. 47وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ.

 

أمام بيلاطس

1وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَاشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ.

ما شأن بيلاطس في محاكمة الرب يسوع المسيح، أليس رؤساء الكهنة وكل الشعب حكموا عليه (تبارك اسمه) بالموت؟

رؤساء الكهنة ومجلس السنهدريم كان لهم سلطة دينية فقط. كانوا يستطيعون أن يحاكموا أي شخص يهودي محكمة دينية، ويتخذ قرارات دينية، أما بيلاطس وهو المعروف ببيلاطس البنطي الذي كان على اليهودية في ذلك الوقت كان ممثلاً للسلطة القضائية للإمبراطورية الرومانية وقتئذ، ولم يكن في سلطان المجمع اليهودي قتل أو صلب المسيح إلا بعد الموافقة من الوالي على ذلك. لذلك أخذوه لبيلاطس؛ للتصديق على الحكم الذي هم سبقوا وأصدروه على شخص الرب يسوع (تبارك اسمه).

2فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ: «أَنْتَ تَقُولُ». 3وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيراً. 4فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضاً: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ!» 5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضاً بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ.

أليس هذا غريباً أن بيلاطس يسأل الرب يسوع هذا السؤال العجيب في بداية محاكمته له؟

هذا السؤال بالذات ليس غريباً على بيلاطس أن يسأله، ففي رأيي: كان هذا السؤال ينطوي على عدة أمور تتعلق ببيلاطس والرب يسوع واليهود أنفسهم. فبيلاطس كان ممثلاً كما قلنا للإمبراطورية الرومانية، ومن يجعل من نفسه ملكاً على اليهود معناها: إنه يقاوم قيصر. لذلك هذه كانت إحدى الاتهامات التي وجهها الشيوخ إلى الرب يسوع لكي يهيجوا عليه بيلاطس؛ فيحكم بصلبه، وقالوا لبيلاطس وفقاً لرواية الإنجيل بحسب القديس لوقا عن المسيح تبارك اسمه هذا يمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلاً أنه مسيح ملك، وربما جعل هذا القول بيلاطس يتذكر عندما جاء المجوس سائلين هيرودس عند مولد الرب يسوع وقولهم عنه أين هو المولود ملك اليهود. مما جعل بيلاطس يأمر بقتل كل الأطفال من سن سنتين فما دون لذلك سأله بيلاطس أنت ملك اليهود.

وما معنى هذا السؤال بالنسبة لليهود وبالنسبة للرب يسوع؟

فيما يختص باليهود كان بيلاطس يتهكم على اليهود ويهينهم، لأنه علم كما يقول أصحاحنا وفي عدد 10: "لأنه عرف أن رؤساء الكهنة أسلموه حسداً". وفيما يختص بالرب يسوع كان سؤال بيلاطس سؤالاً استنكارياً وليس استفهامياً، لأنه واضح بالطبع أن المسيح لـم يكن يبدو في ثوب أو قوة أو مكانة ملك.

هل نادى الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) طوال حياته على الأرض، بأنه هو ملك اليهود، أو حاول أن ينصب نفسه ملكاً عليهم؟

الرب يسوع لم يناد أبداً بنفسه ملكاً على اليهود ولا غيرهم من البشر طيلة أيام حياته على الأرض، بل على العكس لـم يترك مناسبة إلا وحاول أن يفهم المحيطين به أنه لم يأتِ ليكون ملكاً أرضيا.ً فقال عن نفسه: "إن ابن الإنسان لـم يأتِ ليُخدم بل ليخدم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين"، ولما عمل الرب معجزة إشباع الخمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال بخمسة أرغفة شعير وسمكتين أراد الجمع أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً (هذا الكلام وارد في عدد 15 من أصحاح 6 من الإنجيل بحسب القديس يوحنا) لكن الرب يسوع (تبارك اسمه) مكتوب عنه أنه انصرف أيضاً إلى الجبل وحده رافضاً حتى أن يعطي الفرصة للجموع أن تحاول أن تجعله ملكاً.

من أين جاء رؤساء الكهنة والشيوخ بفكرة أن المسيح قال عن نفسه إنه ملك اليهود؟

جاءوا بها من عدة أحداث ومناسبات ذكرت فيها الجموع المحيطة بالرب يسوع أنه هو الملك الآتي إلى العالـم مع أن الرب يسوع نفسه لم يوافق الناس على ذلك أبدا.ً فمثلاً: سأل عنه الحكماء الذين جاءوا ليسجدوا له، وهو في المهد صبياً قائلين: "أين هو المولود ملك اليهود؟" وهذا ما سبّب اضطراباً كبيراً في أورشليم وتسبب كما قلنا في قتل المئات من الأطفال تنفيذاً لأمر هيرودس لأنه خاف من الملك الطفل المولود. وفي الحادثة المعروفة في الكتاب المقدس بحادثة الدخول الانتصارى للرب يسوع إلى أورشليم عندما دخل راكباً على أتان وجحش ابن أتان، وهو في حياته على الأرض هتفت له الجموع قائلة، وهم يصرخون: أوصنا- أي خلصنا- مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. وفي موضع آخر ذكر أنهم يقولون: "مبارك الملك الآتي باسم الرب".

ما معنى إجابة الرب يسوع المسيح على بيلاطس عندما سأله أنت ملك اليهود؟

كانت إجابة الرب يسوع المسيح على بيلاطس واضحة وصريحة وقاطعة، فأجابه: "أنت تقول". وهذا أسلوب مهذب معناه مثلما قلت أو تقول. فالإجابة هي: نعم، أنا ملك اليهود كما تقول أنت.

إذاً كيف يجيب الرب يسوع (تبارك اسمه) هذه الإجابة، وسبق القول إن المسيح لـم يقل عن نفسه أبداً أنه ملك اليهود ولـم يناد بنفسه ملكاً بل كان يرفض ذلك. فهل المسيح يسوع (تبارك اسمه) ملك اليهود أم لا؟

الرب يسوع (تبارك اسمه) ليس ملك اليهود فقط بل هو ملك ومالك السماء والأرض، اليهود وغيرهم من البشر، فمن ضمن أسمائه الحسنى في الإنجيل أنه ملك الملوك ورب الأرباب. الأول والآخر، البداية والنهاية وكلها أسماء من أسماء المولى القدير (تبارك اسمه). ومع ذلك فهو لم يأتِ كما قلنا لهذا العالم؛ لينصب نفسه ملكاً لا على اليهود ولا غيرهم من البشر، بل جاء كما قلنا ليبذل نفسه عن البشر أجمعين لذلك لم يكن في إجابته هذه أي شئ من عدم الحقيقة. وهناك فرق أن يكون الرب يسوع ملكاً جاء إلى العالم وأن ينادي بنفسه ملكاً على العالم، وهذا ما لم يفعله كما قلنا على الإطلاق. وهذا الموضوع مشروح في الإنجيل بحسب القديس يوحنا والأصحاح 18: 36.

كيف وفق الرب يسوع في إجابته لهذا السؤال بين كونه ملكاً ولكن ليس ملك اليهود أو ملكاً أرضياً؟

هذا مشروح في الإنجيل بحسب القديس يوحنا أصحاح 18 والعدد 36، فالوحي في هذا العدد يقول: إن بيلاطس عندما سأل يسوع (تبارك اسمه) قائلاً: أنت ملك اليهود أجاب يسوع: بالتأكيد أنت تقول إني ملك، وأكمل: مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا". أي أن الرب يسوع أكد في هذه الإجابة أنه ملك وله مملكة لكن مملكته ليست من هذا العالم، فهو ملك روحي على أرواح وأجساد وأنفس كل من يملّكه عليه بالإيمان بشخصه أنه المخلص الوحيد له ولكل العالم. ولذلك أذكر الحقيقة كاملة، وأقول إن: المسيح يسوع سيأتي ثانية كملك وديان عادل؛ ليدين الأحياء والأموات، وكحكم عدل بين الناس قبل قيام الساعة. وسيتم المكتوب أنه سيقول لعبيده أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم هاتوهم واذبحوهم قدامي، وسيملك على الأرض والسماء، ولن يكون لملكه نهاية.

بعد الإجابة على هذا السؤال الكتاب يقول: إن الرب يسوع بعد هذا سكت ورفض أن يجيب بيلاطس بأي شىء آخر، حتى تعجب بيلاطس. لماذا أجاب على هذا السؤال؟ ولماذا سكت بعد ذلك؟

هذا السؤال له أهميته الكبرى لأن المسيح (له المجد) لو لم يجب عليه، لكان هذا إخفاء لحقيقته كملك. وكما قلنا إن ملكوته ملكوت روحي وليس لأي بشر الحق أن يدعي الملكوت الروحي على بني البشر إلا المولى القدير. وبالتالي لو صمت الرب يسوع (له المجد) عن الإجابة على هذا السؤال؛ لكان هذا إنكاراً للاهوته، أي: إعلانه أنه الله الظاهر في الجسد البشري. وهذا ما لا يستطيع الرب يسوع أن يعمله، أما بقية الأسئلة والاتهامات التي كانت موجهة له فلم تكن ذات قيمة، ولن تؤثر في مجرى الأمور لأنه (له المجد) كان يعلم أنه لا بد أن يصلب فداء لنا فلـم يُجب بشيء.

باراباس أم المسيح؟

6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيراً وَاحِداً مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقاً مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِماً يَفْعَلُ لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟». 10لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12فَسَأَلَ بِيلاَطُسُ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟» 13فَصَرَخُوا أَيْضاً: «صْلِبْهُ!» 14فَسَأَلَهُمْ بِيلاَطُسُ: «وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟» فَازْدَادُوا جِدّاً صُرَاخاً: «صْلِبْهُ!» 15فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ وَأَسْلَمَ يَسُوعَ بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ.

كيف تطلب الجموع أن يفرج عن رجل قاتل، ويصلب الرب يسوع؟

هذا هو الإنسان دائماً متقلب في علاقته بالمولى القدير (سبحانه وتعالى)، فالناس هؤلاء هم أنفسهم الذين كما قلنا في الحلقة الماضية يريدون أن يتوجوا يسوع ملكاً عليهم، وهو الذي رفض. وهم الذين كانوا يصرخون قدامه عند دخوله أورشليم" مبارك الآتي باسم الرب". والآن هم أنفسهم الذين يصرخون: "اصلبه اصلبه". وعندما يكون الإنسان واقعاً تحت تأثير التعصب الأعمى ومندفعاً بقوة هيجان عصبي من معلمين كذبة، وصدره وقلبه مليئان بالكراهية، يعمل أي شيء بدون تفكير. فبعضهم يصرخون اصلبه، اصلبه وبعضهم ينكرون صلبه، وبعضهم يرون أنه مجرم يستحق الصلب والموت. وبعضهم يرى أنه نبي والأنبياء معصومون من الضعف، فلا يليق بنا أن نقول: إنه صلب. لكن الحقيقة التي لا تقبل النقاش أنه (تبارك اسمه) هو الذي أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، ووجد في الهيئة كإنسان، وأطاع حتى الموت موت الصليب.

هل كان بيلاطس يعلم أن الرب يسوع برىء؟

واضح من سياق الكلام أن بيلاطس كان متأكداً من ذلك، وهذا واضح من عدة مواقف. أولاً: عدد 10 من أصحاح 15 يقول عن بيلاطس إنه عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً وبالتالي فقد حاول إطلاقه عندما سألهم: "أتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟"، ولما ازدادوا صراخا:ً اصلبه اصلبه. سأل بيلاطس اليهود: أي شر عمل؟ فلم يجيبوه بل ازدادوا صراخاً أصلبه. وفي الإنجيل بحسب القديس متى عدد 25 من أصحاح 27 يقول الإنجيل إن بيلاطس أخذ ماء، وغسل يديه قدام الجمع قائلاً: "إني برئ من دم هذا البار أبصروا أنتم". فهذا اعتراف واضح وصريح بأن بيلاطس كان يعلم أن الرب يسوع بار، وليس مذنباً.

إذاً لماذا يحكم بيلاطس عليه بالموت رغم علمه أنه بار؟

الإنجيل وضع عدة أسباب لذلك. ففي الإنجيل بحسب البشير متى يقول: إن بيلاطس رأى أنه لا ينفع شيئاً أن يحاول أن يطلق الرب يسوع حراً بل بالحرى يحدث شغب في الشعب، فخاف بالطبع أنه لو لم يأمر بصلب المسيح (تبارك اسمه) أن يحدث هذا شغباً وخصوصاً أنهم قالوا له: "إن أطلقت هذا فلست محباً لقيصر". وذكر في الإنجيل بحسب القديس مرقس 15 وعدد 14 أن بيلاطس كان يريد أن يعمل للجمع ما يرضيهم لذلك أطلق باراباس وأسلم يسوع بعدما جلده ليصلب. لكن هناك سبباً قوياً، وهو أهم الأسباب ألا وهو أن المسيح كان لا بد له أن يصلب لأنه لذلك جاء إلى العالم، فبصليبه وحده صار لنا إمكانية النجاة من خطايانا ومعاصينا ومن عقابها، وهذا واضح من إجابته (له المجد) على بيلاطس عندما قال له بيلاطس: "أما تكلمني، ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك. أجابه يسوع لم يكن لك عليّ سلطان البتة، لو لم تكن قد أعطيت من فوق". أي: إنني لا بد أن أصلب، وأنت لا تملك حتى أن تطلقني.

يتساءل البعض لماذا تصورون نبيكم المسيح عيسى ابن مريم بهذه الصورة الشنيعة من الضعف والمذلة؟ وهو الذي كان يقول للشيء كن فيكون، ولماذا تتطاولون على الله، وتقولون إنه صلب ليفدينا؟ فإن كان السيد المسيح هو الله الظاهر في جسد إنسان فهل يمكن أن يتصور إنسان عاقل أن الله يسير بين البشر فيبصقون عليه ويضربونه ويجلدونه، ثـم يسمرونه على صليب، أستغفر الله؟

الإجابة على هذا السؤال الرائع والخطير في نفس الوقت هو أننا لم نصور نبينا وسيدنا وإلهنا (تبارك اسمه) بهذه الصورة من الضعف والمذلة والمهانة، بل هو الذي قبلها سبحانه. وهذه الصورة لم تكن وليدة لحظتها، بل كانت مدونة في توراة اليهود من مئات السنين قبل مجيء المسيح (تبارك اسمه). ففي سفر إشعياء أصحاح 53 يتكلم المولى القدير عن السيد المسيح (تبارك اسمه) بأنه محتقر ومخذول من الناس، ويصفه بأنه كنعجة صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه. ويقول عنه: "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه". لذا فهذه الصورة لم نصورها نحن بل صورها المولى (تبارك اسمه)، وحققها الرب يسوع المسيح بكامل حريته واختياره بل ومسرته، لأنه أعلن أنه جاء ليموت فداء عنا نحن وغيرنا، ولا يمكن لنا أن نتطاول على المولى القدير عندما نقول: إنه صلب ليفدينا، لكن هناك شيئاً لابد أن نفهمه.

إننا لم نقل أبداً أن جوهر الله الواحد الذي لا شريك له القائم بذاته الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الذي صلب عنا ليفدينا. بل ما صلب عنا ليفدينا هو الجسد الذي اتخذه روح السيد المسيح وهو روح الله نفسه (تبارك اسمه). وحل به بيننا، ثم صلب عنا، وهذا الجسد كأي جسد يأكل ويشرب ويتعب وينام ويصلب ويموت ويقوم. أما جوهر الله الذي في المسيح، فحاشا له أن تمتد له يد البشر بالتطاول من بعيد أو قريب. لذلك نحن نستغفر الله مما قد فهمته بأننا نتطاول على المولى القدير، ونقول بصلبه. لكن إن كان السيد المسيح قد اتخذ جسداً إنسانياً تماماً كأي إنسان، يصبح في إمكان أي إنسان عاقل أن يتصور أن جسد السيد المسيح يمكن أن يجوز عليه كل ذلك.

الساعة التي صُلب فيها الرب يسوع المسيح

22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ. 24وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟

ما أهمية ذكر هذه العبارة أعطوه خمراً ممزوجة بمر ليشرب في حادثة الصلب؟

الخمر الممزوج بالمر كان مشروباً مسكناً لتخفيف آلام المحكوم عليهم بالصلب. فآلام الصلب آلام رهيبة جداً لا يمكن تحملها، فكان المتبع عن الرومان أنهم يعطون هذا المزيج للمحكوم عليهم بالصلب؛ لتخفيف الآلام، وهذا ما رفضه الرب يسوع المسيح ولم يقبله.

لماذا رفضه مادام كان هذا سيخفف آلامه ويساعده على تحملها؟

لم يكن الرب يسوع يبحث عما يخفف عنه آلام الصليب، لأن الله وعدله وقضاءه يحتم على الخاطئ الأثيم أو من ينوب عنه في الموت أن يتحمل الآلام كاملة بلا مسكنات. فكما قلت لك سابقاً إن الصليب لم يكن تمثيلية يؤديها بطل اسمه الرب يسوع بل كان الصليب آلاماً رهيبة نفسية وجسدية للرب يسوع تحملها وحده دون مسكن أو مخفف للآلام حتى يحق له أن يفدى جنسنا من نار جهنم وبئس المصير.

الساعة الثالثة

25وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. 26وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً «مَلِكُ الْيَهُودِ». 27وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ». 29وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: «آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ!

ما أهمية ذكر الساعة التي صلب فيها الرب يسوع (تبارك اسمه)؟

ذكر الساعة بالضبط يوضح دقة الوحي في تصوير الأمور، فكأنه يريد أن يقول لنا إن الرب يسوع صلب في وضح النهار وتوهج الشمس، لأن البعض يؤكدون أن الذي صلب لم يكن هو الرب يسوع قائلين: إن محاكمة الرب يسوع المسيح كانت بالليل. كما كان القبض عليه بالليل، لكن هنا أود أن أقول: إن حكم بيلاطس عليه كأن بالنهار والصلب كان الساعة الثالثة ظهراً. ويقول الدارسون: إن الساعة 3 ظهراً هي الساعة 12 ظهراً عند اليهود اليوم بتوقيت الشرق الأوسط هذه الأيام. وواضح أن الشمس كانت مشرقة؛ لأن البشير بالروح القدس يقول: "وكانت ظلمة على الأرض كلها من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة مساء". أي: من الساعة 3 إلى 6 ظهراً بتوقيت الشرق الأوسط الحالي، وكأن الطبيعة نفسها أرادت أن تشارك السماء والمخلصين من البشر في حزنهم على خالق الشمس والقمر. فاختفت الشمس ولم تستطع أن تنظر إلى خالقها معلقاً على الصليب؛ فأظلمت الدنيا.

في عدد 26 يقول: "وكان عنوان علته مكتوباً ملك اليهود". ما معنى هذه الكلمات؟

إن واحدة من التهم التي كان يحاول اليهود إلصاقها بالرب يسوع المسيح (تبارك اسمه)، والتي حاولوا أن يحفزوا بها بيلاطس؛ ليصدر أو بالحرى ليوافق على قرار صلب السيد المسيح (له المجد)، هي قولهم لبيلاطس: إن الرب يسوع يريد أن يقيم من نفسه ملكاً، لذلك كان بيلاطس يستهزئ بالرب يسوع هو وكل المحيطين به، ويقولون له: "السلام يا ملك اليهود". والعادة الرومانية في القديم كان لابد أن يعلق على صليب أي شخص يصلب التهمة الموجهة إليه أو كما ذكر الكتاب المقدس عنوان علته أي العلة التي أدت إلى صلبه، وبيلاطس لم يجد في الرب يسوع علة يكتبها على صليبه، لأنه كما صرح بيلاطس نفسه بالقول: "لم أجد فيه علة". وبعدها قال: "إني برئ من دم هذا البار"؟ لذلك وضع عنوان علة الرب يسوع المسيح هو أنه "ملك اليهود"، وهذه كانت بالطبع إهانة كبيرة لهم.

في عدد 27: "وصلبوا معه لصين واحداً عن يمينه وآخر عن يساره"، من اللصان اللذان صلبا مع يسوع؟

هذان اللصان في الحقيقة كان المفروض أن يكونا ثلاثة لصوص. لأنه كما يذكر التقليد أنهم كانوا أتباع اللص الكبير باراباس المكتوب عنهم في عدد 7 من نفس الأصحاح: "وكان المسمى باراباس موثقاً مع رفقائه في الفتنة، الذين في الفتنة فعلوا قتلاً" لكن بيلاطس لما فحص الرب يسوع المسيح (له كل المجد)، ووجد أنه بريء من كل التهم الموجهة إليه وأراد أن يطلقه حاول أن يقنع اليهود بذلك فوضع أمامهم الخيار، إما أن يطلق يسوع (له المجد)، وإما أن يطلق زعيم العصابة باراباس. فاختار الجمع باراباس، وطلبوا أن يصلب يسوع المسيح (تبارك اسمه)؛ لذلك أطلق باراباس، وصلب المسيح (تبارك اسمه). أما لماذا صلبوا مع يسوع؟ لأنه كان قد تم فيهم إصدار الحكم بالصلب في نفس الوقت الذي طلب اليهود فيه صلب السيد (تبارك اسمه). ولأن عملية الصلب لم تكن شيئاً سهلاً أو محبباً أن يحدث كثيراً كانوا يجمعون المحكوم عليهم بالصليب مرة واحدة، وليشاهدهم كل الناس معاً. أما أهم الأسباب لكي يتم المكتوب.

عدد 28 يقول: "فتم الكتاب القائل وأحصي مع أثمة" ما أهمية ذكرها؟

هذه نبوة كتبها إشعياء النبي قبل صلب المسيح بمئات السنين، وذكر فيها أن المسيح سيحصى مع أثمة- أي سيعد مع الأثمة في صلبه فكان هو ثالث المصلوبين في هذه الحادثة. والكلمات هذه واردة في عدد 12 من أصحاح 53 من نبوة إشعياء النبي. أما أهمية ذكر هذه الكلمات، فهي تؤكد أن حادثة الصليب لم تكن حادثة طارئة عادية حدثت والرب يسوع مغلوب على أمره فيها، بل هي حادثة معروفة في علم الله (سبحانه وتعالى) السابق، وقد أنزل في توراته تفاصيلها وكثير من النبوات حولها التي تؤكد أن الرب يسوع المسيح قد صلب، لا مجال للشك والإيمان بأنهم ما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم.

واضح أن الجميع كانوا يستهزئون بالرب يسوع المسيح سواء كان  كما يقول عدد 29 من أصحاحنا أن المجتازين كانوا يجدفون عليه ورؤساء الكهنة، وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة قائلين: خلص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها. ماذا كان يقصد رؤساء الكهنة والكتبة بهذه العبارة: "خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها"؟ وهل هذا الكلام صحيح؟

هذا الكلام صحيح طبعاً، فالرب يسوع المسيح خلص آخرين كثيرين من شتى الأمراض والضيقات وغيرها وكان رؤساء الكهنة والكتبة يعرفون هذا جيداً أما نفسه فلم يستطع أن يخلصها.

هل عجز الرب يسوع المسيح عن تخليص نفسه من الصليب؟

نعم، عجز الرب يسوع له كل المجد والقدرة والقوة عن تخليص نفسه، لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فالرب يسوع كان ولا زال وسيظل القادر على كل شىء لا يعتريه الضعف أو العجز إطلاقاً، لكنه هو ألزم نفسه، وأخذ على عاتقه إتمام عملية فداء البشرية جمعاء كما أكدنا في مرات عديدة. وبالتالي فكونه عجز عن تخليص نفسه فهذا عين القوة لا الضعف كما ظنه رؤساء اليهود فقوة المسيح تكمن في أنه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي، وهو القوي القادر على تخليص نفسه، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب أي هو الذي وضع نفسه بمحض اختياره في هذا الموقف من العجز عن تخليص نفسه ليس لأنه لا يستطيع بل لأنه لا يريد تخليصها بل على العكس تقديمها فداءً لنا.

في جزء: "خلص آخرين" من  هم الآخرون المقصودون هنا في هذه العبارة؟

لقد خلص الرب يسوع الأعمى والأبرص والأعرج من قيود المرض وآلامه، وخلص على سبيل المثال: زكا العشار من سيطرة المال على حياته، وخلص السامرية من الدعارة والزنا التي كانت تعيش فيها، وخلص المرأة التي أمسكت وهي تزني من أيدي اليهود القائلين برجمها، وخلص المفلوج من خطاياه إذ قال له مغفورة لك خطاياك، وخلص ابنة يايرس وابن أرملة نايين ولعازر من الموت بإقامتهم بعد موتهم وخلص المجدلية ومجنون كورة الجدريين من سيطرة الأرواح الشريرة عليهم وغيرهم الكثير. وخلصني أنا وأنت وكل من يؤمن. بأنه المخلص الوحيد من الخطية. خلصنا من خطايانا بدمه المكتوب عنه: إن دم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية". وليس ذلك فقط بل هو على استعداد أن يخلص كل من يتقدمون به إلى الله من شرورهم وخطاياهم وعذاب القبر والنار، ويشفع فيهم الآن وفي يوم القيامة أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

رؤساء الكهنة بالرغم من أنهم كانوا السبب في صلب الرب يسوع المسيح (له المجد)، هل كان عندهم حق في قولهم لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب لنرى ونؤمن به، فلو كان الرب يسوع المسيح (له المجد) فعلاً عمل هذا، وقد كان سهلاً عليه لآمن الكل به، ولم يكن هناك داعٍ لعملية الصلب هذه؟

أولاً: لم يكن هدف الرب يسوع المسيح من مجيئه إلى الأرض أن يؤمن به حفنة من اليهود ورؤساء الكهنة والكتبة، بل كان هدفه فداء الجنس البشري كله. فلو نزل الرب يسوع (تبارك اسمه) عن الصليب؛ لكانت عملية الفداء قد تعطلت، وبذلك يكون قد خسر كل ما جاء لأجله.

ثانياً: إن الرب يسوع (له المجد) لم يكن يتأثر بكلمات البشر عاطفياً؛ فيأخذ قراراً بأنه ينزل من على الصليب، بل كان هو المسيطر والمتحكم في الأمور.

ثالثاً: لو كان نزل كان اليهود آمنوا به أنه المسيح ملك إسرائيل حاولوا أن ينصبوه ملكاً كما حاولوا أكثر من مرة قبل هذا. وبالطبع حتى يقهر الرومان، ويجعل اليهود أسياد الشعوب، وهذا لم يكن في حسبان السيد (له المجد) عندما أخلى نفسه، وجاء إلى أرضنا؛ لذلك لم يكن من الممكن أن يتأثر الرب يسوع المسيح بهذه الكلمات أو يعيرها التفاتاً.

كلمات الرب يسوع على الصليب

34وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي؟» (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: «هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً: «تْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!» 37فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.

"إيلي إيلي لما شبقتني الذي تفسيره، إلهي إلهي لماذا تركتني" بأية لغة كان المسيح ينطق هذه الكلمات، ولماذا ذكرها الوحي بهذه اللغة بدون ترجمة؟

الكلمات: "ألوي ألوي لما شبقتني" هي كلمات من اللغة الآرامية التي كانت منتشرة في كل العالم وقتئذ كاللغة الإنجليزية في هذا الوقت. ولم يترجمها البشير؛ لأن نطق الرب يسوع بها أثار حولها تعليقات من المحيطين بالسيد (له المجد)، فحتى يذكر الذي حصل من تعليق حولها لابد له أن يذكر هذه العبارة كما هي في اللغة الآرامية، وبعدها عاد، فسرها عندما قال: "ألوي ألوي لما شبقتني، الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني".

لمن كان الرب يسوع المسيح (له المجد) يصلي؟

الرب يسوع (له المجد) كان يصلي لله الآب (سبحانه وتعالى) المستوي على العرش، والذي لا شبيه أو مثيل له جل شأنه.

الرب يسوع المسيح كان هو الله الظاهر في الجسد، فكيف يكلم الله الجالس على العرش، ويقول له: "إلهي إلهي"، وليس هذا فقط، بل يقول له: لماذا تركتني؟

كل إنسان على وجه هذه الأرض عاقل، وله عقل يفكر به يعرف أن الله واحد لا شريك له جل شأنه، وهو بالطبع لم يلد، ولم يولد، ولم ولن يكون له كفواً أحد. وكل إنسان عاقل يعرف أن الله العظيم جل شأنه خلق السماء والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، ومع ذلك فهو يملأ السماوات والأرض، وهو أيضاً أقرب إلى كل إنسان من حبل الوريد- وبالطبع- فهو فعال لما يريد. فهو الذي ظهر في ذلك الجسد الذي اتخذه الرب يسوع المسيح له المجد على الأرض وبالتالي كان جسد السيد (له المجد)- بالرغم من أنه يشبه أي جسد آخر، لكن بلا خطية أو إثم أو معصية. كان يحمل في داخله جوهر الله وبهاء مجده، وكل كائن حي وعنده عقل يفكر يعرف أن المولى القدير الذي لا تأخذه سنة ولا نوم لا يمكن أن يصلب أو تمتد له يد البشر. إذاً حل هذا الإشكال بسيط ووحيد أن الذي صلب هو جسد الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه)، وكإنسان في الجسد كان يصلي للمولى القدير، ويقول له: "ألوي ألوي لما شبقتني الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني".

معنى ذلك إن جوهر الله (سبحانه وتعالى) الذي في المسيح فارقه على الصليب، وكان السيد المسيح (له المجد) مجرد إنسان فقط على الصليب؟

لا هذا لم يحدث على الإطلاق، فجوهر الله في المسيح (له المجد) المكتوب عنه أنه مساو لله في الجوهر لم يفارق جسده أبداً على الإطلاق. فروح السيد المسيح هو روح المولى القدير نفسه، فلو ترك روح المولى (عز وجل) المسيح (له المجد)، لكان في عداد الموتى. لكنه كان مازال حياً عندما قال هذه الكلمات.

كيف والرب يسوع يقول لله الآب لماذا تركتني؟

كلمة تركتني هنا الواردة في هذه العبارة لا تعني فارقتني بل تعني تخليت عني، أي لم تساعدني أو تقف بجانبي في محنتي وصلبي.

وهل هذا حصل فعلاً؟

طبعاً، مادام السيد الصادق الأمين (له المجد) قال هكذا يكون حصل فعلاً، إن الله الآب قد تخلى عن الرب يسوع، ولم يساعده في تحمل آلام الصليب كما جاء في موضع آخر أن الآب حجب وجهه عنه.

لماذا حصل هذا؟ ولماذا لم يساعد الله (سبحانه وتعالى) الرب يسوع في تحمل آلام الصليب ؟

كما ذكرت سابقاً أنه لو كان الله (سبحانه وتعالى) ساعد السيد المسيح على تحمل آلام الصليب، كانت قصة الصليب تصبح تمثيلية سخيفة لا فائدة منها، ولما تم فداء الإنسان. فالفداء يعني أن يموت بار قدوس بلا خطية بدلاً من شرير أثيم، ويتحمل البار عقاب الأثيم بالكامل. وإلا لما حق فيه القول إنه أخذ عقابه وبالتالي فداه ومات عنه. وبالمناسبة هذه الكلمات وردت بروح النبوة في سفر المزامير والمزمور22 وعدد 1، والذي يريد أن يعرف تفاصيل حادثة الصلب في العهد القديم أو التوراة بالضبط يمكن أن يراجع مزمور 22 وسفر إشعياء أصحاح 53.

لماذا ظن الحاضرون حول الرب يسوع المسيح أنه يكلم إيليا، حتى قالوا اتركوه لنرى هل يأتي إيليا لينزله؟

الكلمات" ألوي ألوي" سمعها الواقفون حول السيد كما لو كان يقول: "إيليا إيليا"، وهذا له جذور في التقليد اليهودي. في أيام المسيح (له المجد) كان اليهود يعتقدون أن نبي الله يأتي لتخليص المظلوم والبرىء من أية ضيقة إذا ما استنجد. لذلك قالوا اتركوه لنرى هل يأتي إيليا لينزله، وكأنهم كانوا يريدون أن يقولوا: لنرى هل سيأتي إيليا، وينزله من الصليب.

في عدد 37: "فصرخ يسوع بصوت عظيم، وأسلم الروح"، أي روح التي يتكلم عليها هنا؟

أسلم الروح هنا يتكلم عن روح المسيح (تبارك اسمه) وهو- ولا أقول هي- فروح المسيح يسوع (تبارك اسمه) هو الروح القدس أي: روح الله نفسه، وهذا واضح حتى منذ تبشير الملاك القديسة العذراء مريم قائلاً: "الروح القدس يحل عليك... إلخ"؛ لذلك لا يذكر روح السيد المسيح بصيغة المؤنث في الكتاب المقدس أبداً بل دائماً يذكر بصيغة المذكر: هو الله الروح.

إن كان الله هو في المسيح (له المجد)، وروح الله هو روح المسيح (تبارك اسمه)، والمسيح هو الله الظاهر في الجسد، فهل مات الله عندما مات المسيح؟

لا، لم يمت الله (سبحانه وتعالى) بل مات جسد المسيح، فأنا وأنت عندما نموت تموت روحنا، وترجع إلى خالقها.

لا. طبعاً الروح لا تموت. يعني الذي يموت هو جسدنا. فإن كانت روحنا  كبشر لا تموت، فهل يموت روح الله (سبحانه وتعالى)؟ الذي مات هو جسد السيد المسيح، أما روح المولى القدير الذي هو المولى القدير نفسه كما هو يملأ السماوات والأرض، لا يموت أو يعتريه تغيير ولا ظل دوران.

انشقاق الهيكل

38وَنْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ

ما معنى هذا الكلام؟

كما هو معروف أن هيكل سليمان كان يتكون من عدة أجزاء التي جزء منها يعرف بالقدس، وهو المكان الذي يمكن أن يدخله الكهنة فقط في العهد القديم. وجزء آخر اسمه قدس الأقداس، وهذا المكان كان فيه تابوت العهد الذي يرمز لحضور الله (سبحانه وتعالى) عند اليهود في القديم، وهذا المكان كان لا يدخله إلا رئيس الكهنة واحدة فقط واحدة في السنة، وكان يفصل القدس عن قدس الأقداس حجاب من القماش، وعندما مات الرب يسوع المسيح يقول الوحي: إن هذا الحجاب انشق من فوق إلى أسفل.

ما موقع الكلام هذا في سياق الحديث؟

شق الحجاب بهذه الطريقة المعجزية يقول: إن الطريق لله (سبحانه وتعالى) الآن بعد موت المسيح (له المجد) قد أصبح مفتوحاً، ويمكن لأي إنسان مهما كانت خطاياه ومعاصيه أن يدخل إلى محضره سبحانه وتعالى مادام آمن بعمل دم السيد المسيح الذي فتح لنا الطريق، وكرسه لنا. ولم يعد هناك وساطة أو كهانة بين الله سبحانه والإنسان إلا وساطة وشفاعة دم الذبيح العظيم سيدنا يسوع المسيح (له المجد) الذي اشترى لنا هذا الدخول بموته نيابة عنا.

هل هناك دلالة معينة للقول إن حجاب الهيكل انشق من فوق إلى أسفل؟

بالطبع، فدلالته أن الله (سبحانه وتعالى) هو الذي أخذ المبادرة لفداء البشر وغفران خطاياهم، وأن العمل هو عمل إلهي سماوي نازل من فوق إلى أسفل. لذلك بدأ الشق من أعلى من السماء حتى وصل إلى أسفل الأرض، ولم يعد الله (سبحانه وتعالى) هو الإله المحتجب عن الأنظار، الذي لا يمكن أن يتعامل معه الإنسان، بل هو الآب الحنون الرحيم الذي يدعو الناس على اختلاف طوائفهم وأديانهم: "تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم".

شهادة قائد المائة

9وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هَكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ قَالَ: «حَقّاً كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللَّهِ!»

ما الذي جعل قائد المائة يقول هذه العبارة؟

هناك عدة أمور حدثت عند الصليب أكدت لقائد المئة، وهو الرجل ذو المركز الكبير، والمسئول عن مائة جندي معه، وهم جميعاً بالطبع في منتهى القسوة والوحشية، هذه الأمور أكدت لهذا الرجل أن المسيح يسوع (تبارك اسمه) هو ابن الله، أي الله الظاهر في الجسد. أذكر منها على سبيل المثال: إن الرب يسوع (له المجد) كان مختلفاً عن كل من رآهم هذا القائد معلقين على صليب من قبل، فكل محكوم عليه بالصلب لابد وأن يكون شخصاً مجرماً لا يعرف ولا يخاف الله ولا تخرج منه في لحظات إعدامه سوى كلمات الشتيمة والسب والنقمة على صالبيه. وأما سيدي (تبارك اسمه) فلم تخرج من فمه سوى كلمات النعمة، فاسمعه يقول لله (سبحانه وتعالى) عن صالبيه: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" ومن يعلق على الصليب في لحظات الإعدام لابد أن يشرب خلاً ممزوجاً بمر؛ لكي تخفف آلامه، أما سيدي يسوع المسيح (تبارك اسمه)، فرفض تخفيف آلامه؛ ليذوق الموت بنعمة الله لأجل كل واحد من البشر، ومن يموت مصلوباً لا يهتم بالآخرين بل لابد له أن يندب حظه العاثر ونهايته الأليمة. هذا حتى في حالة لو كان بريئاً، أما السيد (له المجد)، فنسى نفسه في آلام الآخرين، وقال لأحد الذين صلبوا معه: "اليوم تكون معي في الفردوس"، كما أوصى بأمه أحد تلاميذه لكي يعتني بها وهو على الصليب، وغيرها من الأمور الكثير.

إن قائد المئة وهو شخص روماني فظ وقاسٍ يتأثر كل ذلك التأثر حتى يشهد أن الرب يسوع المسيح كان حقاً ابن الله؟

من الأمور التي أدت إلى اعتراف قائد المائة أن الرب يسوع هو ابن الله ما حدث من ظلمة على وجه الأرض من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة. أي من الساعة الثالثة ظهراً إلى السادسة بعد الظهر بتوقيت الشرق الأوسط الآن، أي في وضح النهار، ثم الزلزلة التي حدثت في ذلك الوقت. ويقول القديس متى بالوحي المقدس عن الحراس لما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جداً، وقالوا: "حقاً كان هذا ابن الله"، وشىء آخر وليس أخيراً أن المحكوم عليه بالإعدام كان لابد له إما أن يجدف على الله، وإما أن يطلب منه العون، أن يتدخل ويساعده أو ينهي حياته بسرعة حتى لا يستمر في عذاب الصلب لمدة طويلة. وبالطبع لن يكلم هذا المصلوب الله (سبحانه وتعالى) على أنه أبوه، لكن الرب يسوع المسيح على الصليب كان يتحدث إلى الله الآب، فبعدما طلب العفو والصفح لصالبيه كما قلنا كلم الله الآب قائلاً: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" ثم يقول له: "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" في كل هذا لم يخطئ سيدى، ولم يكن في فمه غش، لذلك شهد عنه رئيس المئة بأنه حقاً كان ابن الله. وبالطبع لو كان الذي صلب هو أي شخص آخر غير الرب يسوع المسيح لما استطاع أن يمثل كل هذا الدور على الصليب كما ذكرت سابقاً.

دفن المسيح

42وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ إِذْ كَانَ الاِسْتِعْدَادُ - أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ

ما موضوع الاستعداد، أي ما قبل السبت؟

جرت العادة أن يترك المصلوب على الصليب عدة أيام حتى ينتن وتأكل منه طيور السماء ليكون عبرة للآخرين. ولذلك كان عادة لا يتم تنفيذ الحكم بالصلب في يوم الجمعة، لأن الشريعة اليهودية تقتضي بأن ترفع أجساد المصلوبين عن الصليب قبل حلول السبت المقدس لكي لا تحل بأرضهم المقدسة لعنة الجثث المصلوبة إذا بقيت على الصليب ليوم السبت. هكذا يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس وهو مذكور بالتوراة في سفر التثنية 3:21 ، وسفر يشوع 29:8، وخصوصاً أن هذا السبت كان عظيماً.

ماذا يعني أن هذا السبت كان عظيماً، الكتاب يقصد السبت الذي صلب قبله الرب يسوع (له المجد)، أليس كذلك؟

هذا السبت كان عظيماً أي أنه كان سبتاً مضاعفاً بمعنى أنه كان سبت ليس كأي سبت آخر. كان هذا السبت أول أيام عيد الفصح عند اليهود يومئذ، فكان له أهمية خاصة مضاعفة، وهذا الذي جعل اليهود يصرون على إنزال جثة الرب يسوع المسيح من على الصليب قبل غروب شمس يوم الجمعة. وقبل بداية الاستعداد اليهودي لاستقبال هذا السبت العظيم، وهذا مذكور في الإنجيل بحسب القديس يوحنا أصحاح 19 وعدد 31.

لماذا صلبوا الرب يسوع ومن معه يوم الجمعة بما أنه لم ينفع أن يتركوهم ليوم السبت، وخصوصاً أن هذا السبت كان عظيماً، أو كان أول أيام الفصح. لماذا لم يختاروا يوماً آخر غير يوم الجمعة؟

لم يكن في إمكانهم أن يختاروا يوماً آخر غير يوم الجمعة السابق لهذا السبت الذي هو أول أيام عيد الفصح، لأن هذا كان قضاء محتوماً من المولى القدير أن يصلب السيد المسيح في هذا الوقت بالذات. لأن هذا الوقت بالذات أي قبل غروب شمس يوم الجمعة هو الوقت الذي كان يقدم فيه حمل الفصح أو ذبيحة الفصح على المذبح في هيكل اليهود تكفيراً عن خطاياهم. وبما أن الكتاب المقدس قد شهد عن الرب يسوع أنه هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم، وبما أنه صار هو الذبيح للتكفير عن خطايا كل البشر، وأن ترتيب المولى القدير أن يقدم الرب يسوع المسيح نفسه كالذبيح، فيبطل الذبائح الحيوانية وينهيها إلى الأبد، كان لابد أن يموت الرب يسوع (تبارك اسمه) في نفس هذا التوقيت، وكان على ربك أمراً مقضياً. وهذا هو الذي جعل العهد الجديد أو الإنجيل يذكر عن الرب يسوع المسيح القول: "لأن المسيح فصحنا قد ذبح إذاً لنعيد" 1كو7:5.

لماذا يذكر الوحي عن الرجل الذي اسمه يوسف الذي من الرامة أنه تجاسر ودخل إلى بيلاطس، وطلب جسد الرب يسوع، ما الجسارة في أن يطلب جسد يسوع؟

كما قلت في إجابة السؤال السابق، فإن الرومان لم  يهتموا بشريعة اليهود وإن كانوا يؤمنون أن أرضهم تتنجس إذا تركوا المصلوب على الصليب يوم السبت، لكن كل الذي كان يهم الحاكم الروماني أن المصلوب يبقى على الصليب عدة أيام؛ ليكون عبرة لغيره. لذلك كان  ممكن بسهولة أنه يرفض هذا الطلب، وليس هذا فقط، بل اليهود أنفسهم هم الذين قدموا الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) كمتهم يستحق الصلب وأجبروا بيلاطس على صلبه. والآن واحد منهم وهو يوسف الذي من الرامة، هذا كان كما يذكر عنه أصحاحنا أنه مشير شريف، أي كانت له مكانته وسط اليهود وسمعته أيضا.ً هو الذي ذهب يطلب أن يعطى له جسد المسيح (له المجد)، فكان من الممكن أن يعرض يوسف الذي من الرامة مكانته وسمعته بين اليهود لخطر رفض طلبه والاستهزاء به ووقوف بيلاطس واليهود ضده.

بيلاطس يتعجب من سرعة موت المسيح

44فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟»

ما سبب تعجب بيلاطس، وسبب موت الرب يسوع بسرعة، هذا لو كان مات بسرعة عن الوقت المفروض أنه يموت فيه؟

أسباب تعجب بيلاطس أن الرب يسوع المسيح (له المجد) مات بسرعة عن المعدل الطبيعي الذي يموت به المصلوب كثيرة. أولها: إن الرب يسوع كان له أكثر من 16 ساعة عند ما تم القبض عليه في بستان جثسيماني. ومن لحظة القبض عليه وهو في عذاب وهزء ومحاكمة وعدم نوم وجلد وجروح وإكليل من الشوك سبب له نزيفاً من رأسه. ثانياً: وجوده 6 ساعات على الصليب بعد دق المسامير في يديه ورجليه. وعادة المصلوب يموت بهبوط تدريجي في الجسم نتيجة لفقدان الدم من الجروح، وبالتالي في لحظاته الأخيرة تكون قواه قد خارت وقوته قد ضعفت. لكن هذا لم يحدث مع السيد المسيح (تبارك اسمه) لأن إصحاحنا يقول في عدد 34: "وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً: "ألوي ألوي لما شبقتني"، وفي عدد 37 يقول: "فصرخ يسوع بصوت عظيم، وأسلم الروح". فواضح أن السيد المسيح لم يمت نتيجة لنزف الدم.

ما السبب الذي أدى إلى موت السيد المسيح (تبارك اسمه)؟

الحقيقة أننا نتفق مع الرأي القائل أن الرب يسوع مات نتيجة انفجار حصل له في جدران القلب نتيجة ضغط الآلام النفسية عليه. وهذا يتفق مع النبوة التي جاءت عنه (تبارك اسمه) في سفر المزامير 69 وعدد  20: "إن العار كسر قلبي". ويؤكد ذلك  درموند روبنسون كان حجة في الطب في زمانه، وكتب عن هذا مقاله في DAWN بتاريخ 16 يوليو 1927 يقول فيها: " من المسلم به طبياً أنه عندما تنفجر جدران القلب ينساب الدم من تجويف القلب إلى أغشيته المحيطة به، والمعروف في علم التشريح بغشاء التامور، فينتج عن هذا سكتة قلبية تنتهي بالموت العاجل. من ثم ينفصل الدم المنساب ويتجزأ إلى خثارة حمراء دموية ومصل مائي. وهذان هما العنصران اللذان خرجا من جنب السيد المسيح عندما ضربه العسكري الروماني بحربة في جنبه ليتأكد من موته قبل إنزاله من على الصليب. حيث يقول الإنجيل بحسب القديس يوحنا: "لكن واحداً من العسكر طعن جنبه (أي جنب الرب يسوع المسيح) بحربة وللوقت خرج دم وماء".

45وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. 46فَاشْتَرَى كَتَّاناً فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ وَدَحْرَجَ حَجَراً عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. 47وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ.

ما الذي عرفه بيلاطس من قائد المئة، وجعله يهب الجسد ليوسف الذي من الرامة؟

عرف بيلاطس وتأكد من قائد المئة أن الرب يسوع فعلاً قد مات، وكان لابد أن يتأكد بيلاطس منه حتى يأمر بإنزال جسد الرب يسوع المسيح والمصلوبين معه قبل ما يعطى الأمر بإنزالهم. لأنهم لو أنزلوا شخصاً حياً عن الصليب كان يعتبر إهانة كبيرة للجنود الرومان، وكان هذا معناه تقصيراً في تأدية واجبهم، وكان حكم العسكري الذي يتهاون في سجين أو مصلوب بحيث يوجد حياً بعد صلبه أو حراً أثناء مدة سجنه، كان لابد أن يحكم على العسكري المنوط بحراسته أو صلبه بالموت المحتم دون أدني تردد.

كيف تأكد قائد المئة أن الرب يسوع المسيح فعلاً قد فارق الحياة؟

لما كان اليهود مستعجلين لإنزال جسد الرب يسوع المسيح والمصلوبين معه من على الصليب وحتى يتأكد الجند أن الثلاثة قد ماتوا فعلاً جاء العسكر وكسروا ساقي اللصين اللذين صلبا مع يسوع. وطبعاً كسر سيقانهم كان حتى يسرعوا بنزيف الدم من الكسر، فيموتا سريعاً؛ لئلا يدخل عليهم يوم السبت- أي تغيب شمس يوم الجمعة وهم لا زالوا على الصليب فتتنجس الأرض. لكن عندما جاءوا ليكسروا رجلى الرب يسوع المسيح كما عملوا مع اللصين وجدوه قد مات. لكن لزيادة التأكيد أنه مات ضربه أحد العسكر الرومان في جنبه بحربه شقت جنبه شقاً يكفي لأن يدخل أحد البشر يده في جنب الرب يسوع، فنزل من جنبه الكريم دم وماء.

أين ذكرت هذه القصة؟ لأنها غير مذكورة في الإنجيل بحسب القديس مرقس؟ ولماذا لم يذكرها؟

قصة كسر سيقان المصلوبين مع الرب يسوع المسيح وطعنه (له المجد) بالحربة في جنبه مذكورة في الإصحاح 19 عدد 34 من الإنجيل بحسب القديس يوحنا. أما لماذا لم يذكرها الوحي في الإنجيل بحسب القديس مرقس، هو لأن الله (سبحانه وتعالى) كان يخاطب فئة من الناس آمنوا بهرطقة من الهرطقات أن الرب يسوع المسيح (له المجد) لم يكن له جسد حقيقي كأي إنسان بل كان كالشبح يسير؛ فلا يترك أثراً على الأرض، وبالطبع هذا ما لا تؤمن به كافة الأديان وليست المسيحية فقط. أما في الإنجيل بحسب القديس مرقس، فكان  الوحي يذكر حقائق بسيطة دون الدخول في التفاصيل الدقيقة للحدث.

هل هناك أدلة أخرى تؤكد موت المسيح على الصليب قبل أن ينزلوه منه؟

إلى جانب الأدلة التي ذكرتها أقول إن نزول دم وماء من جنب الرب يسوع يدل على حقيقة موته المؤكد قبل نزوله من على الصليب. لأن عزل الدم من الماء أو ترسيب كرات الدم الحمراء وتجمعها وانفصالها عن الماء، أو ما يعرف في الطب بالمصل المائي أو البلازما، لا يمكن أن يحدث داخل الإنسان الحي أبداً، ولا يحدث بداخل جسم الإنسان إلا إذا كان ميتاً، وهذا ما حدث مع السيد (تبارك اسمه).

لماذا يؤكد الإنجيل بكتاباته الأربعة موت الرب يسوع المسيح قبل أن ينزل منه مع أنه شىء طبيعي ومعروف أن الرومان لن يصلبوا أحداً، وينزلوه عن الصليب إلا بعد أن يتأكدوا أنه مات فعلاً؟

لم يترك الوسواس الخناس فرصة إلا وشكك البشر في عملية صلب الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه). وهذه هي حربه الأولى مع كل من يحاول الإيمان بالرب يسوع المسيح، وتفنن البشر والكتاب في محاولة لي الحقائق حتى صدرت إحدى النظريات تقول: إن الرب يسوع المسيح لم يمت على الصليب بل أغمى عليه وصاحب هذه النظرية لا يؤمن بالطبع أن المسيح مات على الصليب. وحاول تفسير الكلمات: "ما قتلوه وما صلبوه لكن شبه لهم" وإذ لم يجد مفراً من الاعتراف بأن الرب يسوع المسيح قد صلب، وهذا ما تؤكده عشرات الأدلة الأثرية والروحية والتاريخية والمنطقية وغيرها، نادى بنظرية الإغماء، وقال: إنه ليس المقصود بما قتلوه وما صلبوه أن المسيح (له المجد) لم يعلق على الصليب، بل المقصود أنه لم يمت على الصليب. فكلمة ما صلبوه هنا تعني: ما قتلوه أو ما أماتوه، وبالتأكيد فهذا لا ينفع أن تكون العبارة وما قتلوه وما قتلوه، أم وما قتلوه وما أماتوه لأنه تكرار غير منطقي. لذلك لم يستطع أن يقول إن المسيح لم يصلب. وأيضاً لم يستطع أن يقول إنه نزل عن الصليب حياً أمام كل الناس، بل قال: إن الرب يسوع المسيح أغمي عليه وأنزلوه من على الصليب مغمى عليه.

إن كان مغمى عليه أو في غيبوبة، ما الذي جعله يستيقظ؟ وكيف اكتشف المشاهدون في هذه الحادثة أنه كان مغمى عليه؟

يقول هذا الكاتب أن ضرب الرب يسوع المسيح بالحربة في جنبه هي التي جعلته يستيقظ. وهذا أمر غير قابل طبعاً للتصديق لأنه لو أن الرب يسوع المسيح أغمى عليه من كثرة التعب والإرهاق ونزف الدم، فإن كانت الحربة التي زادت من نزف دمه والتي بينت أن كرات الدم الحمراء في جسمه انفصلت عن السائل الذي تجري فيه، كيف تكون هي التي أيقظته؟ وإن كان قد استيقظ على الصليب، لماذا لم يقاوم حتى يقول للناس الذين كانوا يكفنون أنه حي، ويطلب أن لا يضعوه في القبر؟! وإن كان قد استيقظ في القبر فهل استطاع أن يدحرج الحجر الكبير الذي كان موضوعاً على باب القبر؟! وهل قدر أن يهرب ويتغلب على ال 16 عسكرياً الذين كانوا يحرسون القبر؟! وإن استطاع أن يهرب منهم بدون أن يروه، كان من الطبيعي أنه كان سيذهب للبيت الذي كانت فيه والدته القديسة العذراء مريم ويوحنا تلميذه. وإن كان ذهب لهم، ما الذي جعلهم يذهبون إلى القبر؟! وأصحاح 16 من الإنجيل بحسب القديس مرقس كما في روايات  الأناجيل الأربعة أن تلاميذه قابلوه أمام القبر بعد قيامته. فلو كان مغمى عليه واستيقظ سواء على الصليب أو في القبر كان حتماً سيختفي من مكان القبر حتى لا يكتشفه اليهود ويقتلوه. فكل هذه التحاليل المنطقية لم يفكر فيها منشئو نظرية الإغماء. لكن كل ما يطلبون هو أن يثبتوا أن المسيح لم يمت نيابة عن البشر. أما كيف عرف مؤلف نظرية الإغماء أن الرب يسوع المسيح (تبارك اسمه) كان مغمى عليه بعد 1900 سنة من صلبه، أو كيف اكتشف الناس الذين كانوا مشاهدين لحادثة الصلب أن المسيح (له المجد) كان مغمى عليه، فهذا لم يوضحه منشئ هذه النظرية.

في نهاية دراسة قصة صلب المسيح أود أن أقول لك: إن صدقت أن الرب يسوع المسيح صلب نيابة عنك ليفديك من خطاياك، ويغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، وأنه وحده (له المجد) هو الطريق الوحيد للسماء، وليس اسم آخر قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص، ربحت الحياة الدنيا والآخرة. وصرت للمولى القدير من المقربين، وصرت من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وإلا فحق عليك عذاب القبر والنار، وكنت في الآخرة من الخاسرين. فافتح قلبك لرب العباد، وقل له آمنت بما أنزل على موسى وإبراهيم وإسحق ويعقوب والمسيح، وإني له من التابعين، فارحمني يا أرحم الراحمين.

عودة الى الرئيسية