القرآن بين النسخ والتحريف

يقول صالح الوردانى :"توجد الكثير من الروايات لدى السنة والشيعة تشكك فى القرآن وتتحدث عن زيادته ونقصانه وتثير الشبهات من حوله .... "

(المناظرات – ص22-مركز الحضارة العربية – الطبعة الاولى 1999-رقم الايداع 10286/9-الترقيم الدولى 5-05-5751-977)

فما صحة هذا الكلام ؟

روايات أهل السنة :

عن عمر قال: "إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإنى أخشى أن يستحر(يشتد) القتل بالقرّاء فى المواطن فيذهب كثير من القرآن،....

(صحيح البخارى- (65) كتاب تفسير القرآن- حديث 4679- ضبط وتحقيق طه عبد الرؤف سعد- مكتبة الايمان بالمنصورة )

 

وتقول د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)* تحت عنوان التقويم الإسلامي للهجرة:

استُشهد في موقعة اليمامة وحدها خمسمائة (500) أو أكثر من حفَظَة القرآن وكان محفوظاً في الصدور.                 (جريدة الأهرام – 13/7/1995م)

 

وتحت عنوان قتل أكثر القُرّاء في واقعة اليمامة، يقول إبن الخطيب:

" في واقعة اليمامة، مات من المؤمنين خلق كثير، منهم سبعمائة (700) من القُرّاء. فلما رأى عمربن الخطاب (رض) ما وقع بأكثر القراء، خشي على مَن بقي منهم"

(الفرقان لابن الخطيب– ص34–دار الباز للنشر والتوزيع– عباس أحمد الباز – مكة المكرمة – دار الكتب العلمية – بيروت لبنان)

 

عن النبى قال: "رحم الله "فلانا" لقد اذكرنى كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا وكذا "

(صحيح البخارى (66) – كتاب فضائل القرآن – حديث5042- مصدر سابق)

 

وفى رواية أخرى: "يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا آية من سورة كذا" .

(حديث 5037-المصدر السابق)

ومعلوم قول القرآن:"سنقرئك فلا تنسى" ( الأعلى:6)

والحديث السابق رواه أيضا : الإمام أحمد ، والبيهقى فى الكبرى ، وأبو داود، والقاضى عياض فى الشفا ، والزبيدى فى اتحاف السادة المتقين ، والمتقى الهندى فى كنز العمال .

(انظر جمع الجوامع الكبير للسيوطى(ج4) –ص 361- (15 مجلد) – حديث 12498- تحقيق خالد عبد الفتاح شبل – طبعة أولى 2000م – دار الكتب العلمية ببيروت)

عن عائشة قالت: "كان فيما أنزل من القرآن :عشر رضعات معلومات يحرمن .ثم نسخن :بخمس معلومات . فتوفى الرسول الله (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن".
(صحيح مسلم-(17)كتاب الرضاع- باب التحريم بخمس رضعات –حديث 1452-دار ابن الهيثم – طبعة 2001- رقم الايداع 18725/2003م- رواه ايضا الترمذى حديث 1150)

 

ومعلوم ان القرآن ليس فيه أى شئ عن الرضاعة، فأين ذهبت؟؟

 

وروى ابن أبى داود : قالت عائشة:" لقد نزلت آية الرجح ورضعات الكبير عشر وكانت ورقة تحت السرير فى بيتى، فلما أشتكى رسول الله (ص) تشاغلنا بأمره (فدخلت) ربيبه(داجن) لنا فأكلتها،تعنى الشاة .رواه ابن ماجه – حديث رقم 1510 –حديث حسن .

(كتاب الزواج واولاد الطلاق والرضاع – محمد ناصر الدين الألبانى ص 328 – الناشر مكتبة التربية العربية لدول الخليج الرياض – الطبعة الثالثة 1408هـ -أنظر ايضا نواسخ القرآن لابن الجوزى (508-597هـ) – دار الكتب العلمية – بيروت – ص.ب9424/11) .

 

وقد علق الدكتور سيد القمنى (استاذ الفلسفة الاسلامية بجامعة عين شمس ) على هذه الرواية بقوله : ان النسخ كان لابد من وقوعه فى عهد الرسول (ص ) نفسه بينما السيدة عائشة (رض) تؤكد أن الرسول قد توفى وتلك الآية مما يقرأ فى القرآن .

(الاسطورة والتراث ص 266-سينا للنشر –الطبعة الثانية 1993 رقم الايداع 9299/1991 الترقيم الدولى 8-12-5140-977)

 

عن أبى موسى الأشعرى قال :"إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها فى الطول والشدة بسورة براءة فأُنسيتها . غير أنى حفظت منها : "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا . ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب .." (رواه مسلم واخرجه الحاكم فى المستدرك عن أُبى بن كعب).

 (صحيح مسلم-كتاب الزكاة- (39) باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثا – حديث (1050) – مصدر سابق . انظر ايضا الاتقان فى علوم القرآن للسيوطى باب ناسخة ومنسوخة- ص 48-مصدر سابق)

 

وقال أيضا فى نفس الحديث: وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات. فأنسيتها (وفى لفظ :نسيناها) . غير أنى حفظت منها :

"يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة فى أعناقكم فتُسألون عنها يوم القيامة" .                           (المصدرين السابقين)

يعلق الشيخ محمد محمود ندا (مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الاوقاف) : كيف ينتقل النبى (ص) من الدنيا وهناك قرآن تتلوه الألسنة ثم ينسيه الله الناس بعد النبى (ص) ؟ ...أليس هذا مدخلا للطعن والتزوير ؟!

(النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين – ص59- مكتبة الدار العربية للكتاب- الطبعة الاولى 1996- رقم الايداع 8002/1996 )

 

وعن زر قال:  قال لى أُبى بن كعب كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ أو كأين تعدها ؟ (أى :كم آية تقرأ؟ وكم آية تعد هذه السورة؟) قال :قلت ثلاثاً وسبعين آية . فقال: قط ! لقد رأيتها وإنها لتعادل "سورة البقرة" ، ولقد قرأنا فيها:"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، نكالا من الله، والله عليم حكيم" رواه الامام أحمد والنسائى وقال ابن كثير هذا إسناد حسن .

(تفسير ابن كثير – سورة الاحزاب- المجلد السادس(8 مجلدات) – ص376- طبعة دار الشعب)

وفى رواية اخرى عن زر بن جبيش قال : قال لى أبى بن كعب (وهو واحد من أربعة قال النبى خذوا القرآن عنهم ) :"كأىّ تعد سورة الأحزاب ؟ قلت : اثنين وسبعين آية :أو ثلاثاً وسبعين آية . قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم .  

(الإتقان فى علوم القرآن – ص 48 - مصدر سابق)

 

وعن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ فى زمن النبى (ص) مائتى آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن .

(الاتقان فى علوم القرآن – ص48- مصدر سابق)

 

عن أبى أمامة بن سهل : أن خالته قالت: " لقد أقرأنا رسول الله (ص) آية الرجم"

(المصدر السابق –ص48)

وروى أبو عبيد ... عن عمر قال : كنا نقرأ :" لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم" . ثم قال لزيد بن ثابت :"أكذلك ؟ قال نعم"

(المصدر السابق. أنظر أيضا صحيح البخارى(87)-كتاب المحاربين(17) باب رجم الحبلى – حديث 6830- مصدر سابق)

وعن أنس: فى قصة بئر معونة الذين قتلوا ، وقنت يدعو على قاتليهم – قال أنس :ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع :"أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا " رواه البخارى ومسلم .

(الإتقان فى علوم القرآن – ص49- مصدر سابق.  مسلم [33] كتاب الإمارة . البخارى [56] كتاب الجهاد والسير . والحديث فى اللؤلؤ والمرجان فيما أتفق عليه الشيخان – كتاب الإمارة – ص409 – حديث 1242-دار الحديث- طبعة 2003م رقم الايداع3958/1994م)

وعن ابن عمر قال: قرأ رجلان سورة اقرأهما رسول الله (ص) فكانا يقرآن بها ، فقاما ذات ليلة يصليان ، فلم يقدرا منها على حرف ، فأصبحا عاديين على رسول الله(ص) ، فذكرا ذلك له، فقال :"إنها مما نسخ ، فالهوا عنها "أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير.

(الإتقان للسيوطى –ص49- مصدر سابق)

 

عن عمر بن الخطاب قال :"... ، فكان مما أنزل الله آية الرجم ، فقرأناها ، وعقلناها ووعيناها ... " رواة البخارى ومسلم

(اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان  –ص349- مصدر سابق)

 

وعن زيد ابن أسلم قال : أن عمر خطب الناس فقال لا تشكّو فى الرجم ، فإنه حق ، ولقد هممت أن اكتبه فى المصحف ، فسألت أُبى بن كعب ، فقال(لعمر) :أليس أتيتنى وأنا استقرئها رسول الله (ص) ، فدفعت فى صدرى وقلت :"تستقرئه آية الرجم، وهم يتسافدون تسافد الحُمُر ؟"                   (الاتقان للسيوطى – ص51- مصدر سابق)

وعبارة عمر الأخيرة كناية عن انتشار الزنى بين المؤمنين كإنتشاره بين الحمير ، لذلك لو كتبت سترجم جموع غفيرة!!

لذلك يرى الدكتور القمنى :أن المرجح أن كتابتها كانت تعنى ابتعاد الناس وهم على تلك الحال عن الاسلام ، لشدة الحكم وغلظته ، ومن ثم كان لتلك الظروف والحجج دوراً واضحاً فى عدم تدوين "الشيخ والشيخة اذا زنيا" فى أى من الرقاع والصحف ، بحيث ظلت غير مدونه حتى زمن التدوين ، حيث استبعدها (زيد بن ثابت) بدوره كما فى روايته مع ( مروان بن الحكم ، فجاء المصحف العثمانى خلواً منها ، لكن الاصرار على العمل بحكمها ، كان فيما يبدو ، مدعاة لنشؤ باب ( ما نسخ تلاوته وبقى حكمه) ، تندرج منه ، وبذلك لم يعد حكم الجلد بديلا لحكمها ، وبحيث بدأ الأمر غير منطقى فى رأى (ابن الحصار) .

(الاسطورة والتراث ص 265 – مصدر سابق)

 

اخرج النسائى : أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت : ألا تكتبها فى المصحف ؟ قال : ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان! ولقد ذكرنا ذلك ، فقال عمر : أنا أكفيكم ، فقال : يا رسول الله ، اكتب لى آية الرجم . قال : " لا تستطيع " .

(الاتقان فى علوم القرآن –ص51- مصدر سابق)

 

والسؤال: كيف يترك زيد آية الرجم لانها تخالف حكم الشابين المحصنين ؟

أخرج الحاكم عن طريق كثير بن الصلت ، قال : كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف ، فمرّا على هذه الآية ، فقال زيد : سمعت رسول الله (ص) يقول :" الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " ، فقال عمر : لما نزلت أتيت النبى (ص) فقلت : أكتبها؟ فكأنه كره ذلك ، فقال عمر : ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جُلد ، وأن الشاب إذا زنى وقد أُحصن رُجم .

فقال ابن حجر فى شرح المنهاج : فيستفاد من هذا الحديث السبب فى نسخ تلاوتها ، لكون العمل على غير الظاهر من عمومها .

قلت(السيوطى) : وخطر لى فى ذلك نكتة حسنة ، وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها فى المصحف ، وإن كان حكمها باقيا ، لأنه أثقل الأحكام وأشدها ، وأغلظ الحدود ، وفيه الإشارة إلى ندب الستر .

(الإتقان فى علوم القرآن –ص50 – مصدر سابق)

 

السؤال :كيف تحذف آية من القرآن بسبب اعتراض بعض المكلفين عليها؟

 

روى الحاكم فى المستدرك (2/330-331) عن حذيفة قال : ما تقرؤون ربعها .يعنى براءة . قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبى .     

(النسخ عند الأصوليين - للدكتور على جمعة(مفتى الجمهورية) ص 61 – نهضة مصر للنشر رقم الايداع 3519/2005 ، أنظر ايضا الاتقان فى علوم القرآن- ص49- مصدر سابق)

 

قال عمر لـ عبد الرحمن بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا :"أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة "؟فإنا لا نجدها ! قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن ." رجاله رجال الصحيحين

(أنظر النسخ عند الاصوليين ص 62 – مصدر سابق ، وانظر أيضا الإتقان ص49-المصدر السابق)

 

قال مسلمة بن مخلد الأنصارى ذات يوم :أخبرونى بآيتين فى القرآن لم يكتبا فى المصحف؟ فلم يخبروه – وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك – فقال مسلمة :"إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ... والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم..."

(الإتقان-ص49- مصدر سابق)

 

لذلك قال ابن عمر : "لا يقولن أحدكم : قد أخذت القرآن كله ، وما يدريه ما كله ؟ قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر" . رواه ابو عبيدة فى فضائل القرآن (ح699). قال الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية إسناده صحيح على شرط الشيخين (البخارى ومسلم) ، ورجاله من مشاهير الرواة .  

(النسخ عند الأصوليين - ص63 – مصدر سابق- أنظر أيضا الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى – ج2- ص48-(ناسخه ومنسوخه) – طبعة 2003م – 1424هـ- دار الكتب العلمية – بيروت)

 

ولحل هذا الاشكال قال كثير من العلماء عن هذا الكم من الآيات والسور والتى لا نراها فى قرآن عثمان الموجود بين أيدى المسلمين اليوم هو من أنواع النسخ :

النوع الأول : نسخ الحكم مع بقاء التلاوة .

النوع الثانى : نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.

النوع الثالث : نسخ الحكم والتلاوة معاً.

والنوع الاول كان لحل إشكال التعارض بين النصوص ويعلق الشيخ ندا على هذا النوع بقوله : واستشعر هؤلاء العلماء وجود معارضة على هذا القول مؤداها أن بقاء التلاوة مع نسخ الحكم يوقع المكلف فى لبس ، إذ يوهمه بقاء الحكم مع وجود التلاوة فيتورط العبد فى اعتقاد فاسد ، ومحال على الله أن يشكك عباده فى أمر ما .

(النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين –ص67 – مصدر سابق)

 

أما النوعين الآخرين فكانا لحل إشكال وجود زيادة ونقصان بالنصوص – أى تحريف!

ولكن المشكلة التى تواجه القائلين بهذين النوعين من النسخ هى :

1-كيف يقع النسخ دون بدل ، حيث يقول القرآن : لا ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها"  (البقرة:106)

2- ما الحكمة فى رفع التلاوة مع بقاء الحكم ؟ وهلا بقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها ؟

3- ان لفظ الآية ذريعة الى معرفة الحكم ،فإذا نسخت الآية دون الحكم أشعر ذلك بارتفاع الحكم ، وفى هذا تعريض للمكلف لاعتقاد الجهل ، وهو قبيح من الشارع .

4- أن نسخ التلاوة مع بقاء الحكم خال من الفائدة ، وما كان ذلك كان عبثاً يستحيل على الله تعالى ، فيكون نسخ التلاوة دون الحكم باطلاً .

5- فى آية الرجم مثلاً قدم السيوطى تفسيراً سبق ذكره . فإذا كانت العبرة من النسخ هو غلظ الحد وقسوته أفلا يكون نسخ الحكم بدوره هو الأكثر منطقية ؟

6- يقول الشيخ ندا : إذا كانت هناك أحكام لم توجد صراحة فى كتاب الله فإن ذلك لا يستدعى القول بأنها كانت موجودة ونسخ لفظها وبقى حكمها . فإن هذا القول مدعاة للقول بأنه لا حكم إلا للقرآن فما لم يأت عن طريق القرآن فلا داعى له ولا يجب العمل به ، وذلك باب من ابواب الفتنة كبير .       

(النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين ص65- مصدر سابق)

 

لذلك يقول الشيخ محمد حسين العاملى عن :

أ-نسخ التلاوة والحكم مثل (حديث الرضاعة عن عائشة) : إن هذا النوع من النسخ قول شاذ وهو يلازم القول بالتحريف فى الكتاب العزيز ...

ب- نسخ التلاوة دون الحكم (مثل آية الرجم) : إن القول بنسخ التلاوة دون الحكم لا يفارق التحريف قيد شعرة فإن الظاهرمن الرواية أن الاسقاط لم يتم بأمر من النبى (ص) وإنما تم بعد مفارقته الدنيا وهذا هو القول بالتحريف .

 

إن لفيفاً من علماء السنة التجأوا إلى تصحيح هذا النحو من النسخ ليصححوا بذلك ما ورد من الروايات حول التحريف بغية التجنب عن القول به ، فكلما أورد عليهم بما فى كتبهم فى سقوط آيات من المصحف الكريم أجابوا بأنها من قبيل النسخ فى التلاوة .

(النسخ والبداء فى الكتاب والسنة – ص12: 14-دار الهادى ص.ب. 286/25 - طبعة 1997 – غبيرى- بيروت –لبنان)

 

وعن الاختلاف بين مصاحف الصحابة :

قال أبو عبيد : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : أخبرنى ابن أبى حميد ، عن حميدة بنت أبى يونس قالت : قرأ على أبى – وهو ابن ثمانين سنة- فى مصحف عائشة: (إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ، وعلى الذين يصلون الصفوف الأوَل" . قالت: قبل أن يغير عثمان المصاحف. قال ابن جريج : وأخبرنى ابن ابى حميد عن عبد الرحمن بن هرمز وغيره مثل ذلك فى مصحف عائشة . واخرجه ابن الجوزى فى نواسخه عن طريق ابن ابى داود .

(النسخ عند الاصوليين ص 63 – مصدر سابق – انظر ايضا الاتقان فى علوم القرآن - ص48 مصدر سابق أنظر أيضا المصاحف للسجستانى – باب اختلاف مصاحف الصحابة- مصحف عائشة )

 

ويعلق الشيخ محمد محمود ندا قائلاً: وفى هذا طعن فى خليفة المسلمين عثمان ، وطعن فى القرآن أيضا ..          ( النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين –ص59- مصدر سابق)

 

عن هشام عن أبيه قال : كان مكتوباً فى مصحف عائشة (س2آ 238) "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر" اخرجه الامام مالك تحت رقم 348 والامام مسلم تحت رقم 629 ، وابو داود تحت رقم 410 .

(كتاب المصاحف للسجستانى- تحقيق واعداد د.جمال محمد أبو زيد ص 81- الناشر : مكتبة الحرية – رقم الإيداع 7622/2006 )

 

● جاء في تفسير الطبري والامام الرازي والامام السيوطي وغيرهم أن عبدالله بن مسعود   ( وهو من هو ) وعبد الله بن عباس (وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ) وأبي بن كعب     ( وهو اشهر كتاب الوحي ) كانوا يرون ان هذه الاية نزلت في المتعة , وجميعهم كان يقرأها قراءة مختلفة نصها " فما أستمتعتم به منهن إلي أجل مسمي  فآتوهن أجورهن فريضة " بإضافة ( إلي أجل مسمي ) , ويقسمون أنها هكذا نزلت , وعلي هذا تابعهم – في ذات المراجع – تابعون أجلاء مثل مجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب وغيرهم كثير .

( كتاب زواج المتعة –د. فرج فودة – تقديم د. أحمد صبحي منصور الأستاذ بالأزهر ص 109 الدار العربية للنشر الطبعة الاولي يناير 1993 رقم الايداع 2837 /93 – الترقيم الدولي 5-24-5090-977 – أنظر أيضا كتاب الفرقان لابن الخطيب تحت عنوان : قراءة بعض الصحابة (رض )- ص106 وما بعدها – دار الباز للنشر مكة المكرمة – دار الكتب العلمية بيروت – لبنان )

 

نكتفى بهذه الامثلة من الإختلاف فى مصاحف الصحابة ، ويمكن الرجوع لكتاب الاتقان للسيوطى ج1 والمصاحف للسجستانى أو كتاب الفرقان لابن الخطيب أو كتب علوم القرآن .

ويكفى قول بن أبى داود : انما قلنا مصحف فلان لما خالف مصحفنا هذا من الخط أو الزيادة أو النقصان أخذته عن أبى (ابو داود) رحمة الله هكذا فعل فى كتاب التنزيل .

(المصاحف للسجستانى- ص 53- مصدر سابق)

 

 

تعليق صالح الوردانى على الروايات السابقة:

" ومثل هذه الروايات كثيرة فى كتب السنة والفقه عند أهل السنة وهى على ما يبدو من ظاهرها توجب الكفر على من يعتقدها ، .."

(المناظرات – ص23- الهدف للنشر – مركز الحضارة العربية – رقم الايداع 10286/9 – الترقيم الدولى 5-05-5751-977 I.S.B.N)

وتحت عنوان عدد سوره وآياته جاء فى الأتقان للسيوطى :

[ وفى مصحف ابن مسعود 112 سورة (مائة واثنتا عشر سورة) لأنه لم يكتب المعوذتين . وفى مصحف أُبى ست عشرة ، لانه كتب فى آخره سورتى الحفد والخلع .

وأخرج أبو عبيد ، عن ابن سيرين ، قال : كتب أُبى بن كعب فى مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين و"اللهم إنا نستعينك" ، و" اللهم إياك نعبد" وتركهن ابن مسعود ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين.

ومن المشهور قول النبى (ص) : استقرئوا القرآن من أربعة:

"عبد الله بن مسعود ، فبدأ به ، وسالم مولى أبى حذيقة ، وأبى بن كعب ، ومعاذ بن جبل " رواه أحمد والبخارى ومسلم والترمذى .

(أحاديث الصادقة- حديث رقم 101 – ص 129- تحقيق وتوثيق محمد سيف الدين عليش-الهيئة المصرية العامة للكتاب 1995- رقم الايداع :4778/1995- الترقيم الدولى2-4381-01-977)

وعن عبد الله بن زرير الغافقى قال : قال لى عبد الملك بن مروان : لقد علمت ما حملك على حب أبى تراب (يقصد على) إلا انك أعرابى حاف، فقلت : والله لقد جمعت القرآن قبل ان يجتمع ابواك، ولقد علّمنى منه على بن أبى طالب سورتين علمهما إياه رسول الله (ص) ما علمتهما أنت ولا أبوك :"اللهم "إنا نستعينك ونستغفرك ......"   "اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد ....."

وقال ابن جريج : حكمة البسملة أنهما سورتان فى مصحف بعض الصحابة .

وقال عبد الله بن عبد الرحمن عن ابيه قال : " فى مصحف ابن عباس قراءة أُبى وأبى موسى : بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ...

                                    اللهم اياك نعبد ، ولك نصلى ونسجد، ...

وأخرج الطبرانى بسند صحيح عن أبى اسحاق قال : أمنا أُمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان ، فقرأ بهاتين السورتين: إنا نستعينك ونستغفرك ].  

(الاتقان للسيوطى ج1 – ص130، 131- مصدر سابق)

 

 روايات التحريف فى كتب الشيعة :

[ (1) أسماء الرجال : نقل العياشى رواية الامام ابى عبد الله (علية السلام) يقول فيها :"إن فى القرآن ما مضى وما هو كائن ، فيه أسماء الرجال فألقيت ، وإنما الاسم الواحد منه فى وجوه لا يحصى ، يعرف ذلك الوصاة (العياشى – كتاب التفسير- تحقيق المحلاتى – منشورات المكتبة العلمية الاسلامية طهران ج1 ص12)

 

(2) فى ولاية على : نقل الكافى رواية عن الإمام الصادق (علية السلام) فى قول الله عز وجل "من يطع الله ورسوله فى ولاية على والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً وهكذا أنزلت " (الكلينى –الكافى ج1 ص341)         

(3) كلام الحسين (علية السلام) فى عاشوراء :

رُوى أن الحسين (علية السلام) خطب فى يوم عاشوراء قائلاً :"إنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان ، وعصبة الآثام ومحرفى الكتاب" (المجلسى – بحار الأنوار- ج45 ص8)                     

(4) ومن الروايات الصحيحة السند ما رواه الكلينى فى كتاب الكافى عن "عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن الحجال ، عن أحمد بن عمر الحلبى عن أبى بصير قال: دخلت على أبى عبد الله (علية السلام) فقلت له : جعلت فداك إنى أسألك عن مسألة ... (إلى أن قال) ثم سكت [ أى الإمام الصادق(علية السلام)] ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة(عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة ؟ قال :مصحف فاطمة فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد (الكلينى –الكافى –ج1-ص239-حديث1- الصفار – بصائر الدرجات ص152 حديث 3- المجلسى – بحار الانوار ج26- ص 39- حديث 70- الفيض الكاشانى –الوافى – منشورات مكتبة الامام أمير المؤمنين – اصفهان – الطبعة الاولى 1406هـ ج2 ص579-580- المظفر – علم الامام – منشورات مطبعة الحيدرية – النجف 1384هـ ص38) ... الى آخر الرواية .

ففى السند الرواة التالية أسماؤهم :

 

1- عدة من أصحابنا ، وقد صرح الكلينى بأسماء هذه العدة وفيهم الثقة قطعاً مثل على بن إبراهيم بن هاشم (أنظر :الحر العاملى –الوسائل (الخاتمة) تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت ، قم، ج30 ص147-148) .

2- أحمد بن محمد : وهو لا يخلو من اثنين قطعاً إما أحمد بن محمد بن عيسى وإما أحمد بن محمد بن خالد البرقى ، وهما من أعلام الشيعة وثقاتها (رجال النجاشى ص204-205-ورجال الطوسى ص366)

3- عبد الله بن الحجال وهو من قال فيه النجاشى ثقة ثقة . (رجال النجاشى ج2 ، ص30).

4- أحمد بن عمر الحالبى ، وهو ممن وثقه النجاشى أيضاً (رجال النجاشىج1 ص248)

5- أبو بصير ، والمنصرف منه ثقة ، كما لا يخفى على أهل التتبع والتحقيق (أنظر المحسنى بحوث فى علوم الرجال – مطبعة سيد الشهداء ، قم ، الطبعة الثانية 1403هـ ص229، 240)

(5) ومن الروايات الصحيحة السند ما رواه الكلينى أيضا فى الكافى عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب عن ابن عبيدة قال : سأل أبا عبد الله بعض اصحابنا عن الجفر فقال هو جلد ثور مملوء علماً ، قال فالجامعة ؟ قال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً فى عرض الأديم مثل فخذ الفالج ، فيها كل ما يحتاج الناس اليه ، وليس من قضية إلا وهى فيها ، حتى أرش الخدش قال :فمصحف فاطمة (عليها السلام) ؟ قال :فسكت طويلاً ثم قال : انكم لتبحثون عما تريدون وعما لا تريدون . إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون فى ذريتها ، وكان على (علية السلام) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة " (أصول الكافى ج1 ص241 حديث5- الصفار ،بصائر الدرجات ص153-154،حديث 68- المجلسى ، بحار الانوار ج26 ص41 حديث 72 / ج22 ص545-546 حديث 63/وج43 ص79 حديث 67 /ج43 ص194-195 حديث 22 ابن شهر آشوب ، المناقب ، ج3 ص337 (أورده مختصراً).

 

وفى هذا السند الرواة التالية أسماؤهم :

1- محمد بن يحيى ولقبه العطار وهو الثقة العين كما عبر النجاشى .( رجال النجاشى ص250)

2- أحمد بن محمد وهو أحمد بن محمد بن عيسى(أنظر الكاظمى ، هداية المحدثين، تحقيق الرجائى، منشورات مكتبة المرعشى النجفى ، قم 1405 ص175) وقد تقدم أنه ثقة .

3- إبن محبوب وهو أما الحسن بن محبوب أو محمد بن على بن محبوب وكلاهما ثقة (أنظر :رجال النجاشى ج2 ص245.ورجال الطوسى ص372)

4- ابن رئاب وهو على بن رئاب الذى وثقه الشيخ فى رجاله ووصفه بأنه جليل القدر (أنظر :الطوسى ،الفهرست ص87)

5- أبو عبيدة وهو زياد بن عيسى أبو عبيدة الحذّاء (أنظر الخوئى ، معجم الرجال ج21 ص236) وهو ممن وثقة النجاشى (رجال النجاشى ج1 ص388).

ونقتصر فى بحثنا السندى على هاتين الروايتين لكفايتهما فى إثبات صحة القول بمصحف فاطمة (عليها السلام) ].

(حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة – بقلم اكرم بركات العاملى –ص128 وص69: 72- دار الصفوة بيروت – ص.ب.97/25-الطبعة الاولى 1418هـ،1997م)

 

 

 

قالوا فى التحريف:

- يقول أكرم بركات العاملى :"لم تقتصر كتب أهل السنة على ايراد الروايات الحاكية عن مصاحف محرفة ، بل ورد فيها روايات كثيرة تتحدث عن نقصان حدث فى القرآن ....... ولم تسلم كتب الشيعة من تلك الروايات ...      (حقيقة مصحف فاطمة ص 124- مصدر سابق)

 

- ويقول الشيخ محمد حسين الأصفهانى :" والأحاديث الظاهرة فى تغيير القرآن وتبديله والتقديم والتأخير والزيادة والنقيصة وغير ذلك كثيرة ، حتى نقل بعض العارفين المحدثين عن السيد نعمة الله الجزائرى أنه ذكر فى – الرسالة الصلاتية – أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفى حديث ، وذكر أنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك ، وقال : القرآن الموجود الآن ستة آلاف آية وستمائة وست وستون آية تقريباً، والمروى فى صحيحة هشام الجواليقى :"أن القرآن الذى نزل على محمد (ص) سبعة عشر ألف آية وفى رواية ثمانية عشر ألف آية ". (كما فى الكافى : ج2 ص634 باب النوادر فى فضل القرآن ح28 وأنظر هامش الصفحة المذكوره .

(آراء حول القرآن ص 89 –دار الهادى بيروت – ص.ب. 286/20 –الطبعة الأولى 1991م 1411هـ)

 

ويقول سماحة الله العظمى الإمام السيد على العلامة القانى الأصفهانى :"وأقول أن السيد نعمة الله (قده) قد استوفى الكلام فى هذا المطلب فى مؤلفاته كشرح التهذيب والاستبصار ورسالته منبع الحياة ، وأنا أنقل ما فى الرسالة لأن فيه كفاية ، قال (ره) :"إن الأخبار المستفيضه بل المتواترة قد دلت على وقوع الزيادة والنقصان والتحريف فى القرآن ، منها ما روى عن أمير المؤمنين (ع) لما سُئل عن التناسب بين الجملتين فى قوله تعالى :"وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"(النساء:3) فقال: "لقد سقط من بينهما أكثر من ثلث القرآن " كما فى الاحتجاج :ج1 ص377

 

- وقال العلامة التقى المجلسى الأول فى شرحه –الفارسى – على – من لا يحضره الفقيه- فى باب ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه ، ما تعريبه : أو كان فى قرآن القوم لأنهم لم يذكروا أكثر الآيات والعامة أيضاً معترفون فى أكثر كتبهم ، إلا أنهم يقولون بأنها منسوخة ، وروى الكلينى بسند صحيح عن الصادق (ع) :"بأن قرآناً نزله جبرائيل على سيد المرسلين كان سبعة عشر ألف.آية (كما فى الكافى :ج2 ص634 باب النوادر فى فضل القرآن ح28) ، وتواترت الأحاديث على أن علياً (ع) جمع القرآن بعد النبى (ص) وعرضه على الصحابة وقال : هذا قرآن أنزله الله على الترتيب الذى نزله ، فقال المنافقون : لا حاجة لنا إلى قرآنك نحن نجمع القرآن ، فاجتمع منهم جمع جمعوا قرائين سبعة بسبع لغات من قريش ، وأودعها عمر فى زمن خلافته الى حفصة ، ولم يلتفت الناس الى القرآن لابتلائهم بالحرب الى زمن عثمان حيث أرسل الى حفصة وأخذه منها واختار من السبعة لغة وكتب ستة أو سبعة قرائين وأرسلها إلى أطراف العالم وأمر بإحراق كل قرآن ليس بقرآنه ، وروى بأنه أحرق أربعين ألفاً من القرآن ، منها قرآن عبد الله بن مسعود حيث طلب منه فامتنع من اعطائه وقال بأنى قرأته على النبى (ص) مكرراً ، فضربوه الى أن عارضه الفتق ، فأخذوا منه القرآن وأحرقوه ، ولذا لما أحصى الصحابة مطاعنه وكتبوها ، كان من جملتها إحراقه للمصاحف ، ومنها مصحف ابن مسعود الذى نقلوا أحاديث كثيرة فى فضله فى الصحاح الستة فافتوا – بعد الاستفتاء عن حكم من أتى بهذه الجرائم –بقتله فقتلوه ، ومن جملتهم كانت عائشة وتقول :اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا، وبعد قتله ادعت أن قتله كان بأمر من أمير المؤمنين (ع) ، وصار ذلك سبباً لقتل ستة عشر ألفا من الصحابة انتهى .

وقال المحدث الجليل المولى أبو الحسن الشريف الفتوني العاملى الأصفهانى فى مقدمة تفسير – مرآة الأنوار- فى المقدمة الثانية : اعلم أن الحق الذى لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذى فى أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله (ص) شئ من التغييرات وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ما جمعه على (ع) وحفظه الى أن وصل الى ابنه الحسن (ع) وهكذا الى أن انتهى الى القائم (ع) وهو اليوم عنده صلوات الله عليه ، ولهذا ورد صريحاً فى حديث سنذكره لما أن كان الله عز وجل قد سبق فى علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين فى الدين ، وأنهم بحيث كلما اطلعوا على تصريح بما يضرهم ويزيد فى شأن على(ع) وذريته الطاهرين ، حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرفين.                               (آراء حول القرآن –ص95-97 –مصدر سابق)

 

وتحت عنوان :من القائلون بالتحريف؟ قال مؤلف كتاب "دبستان المذاهب " :"وقوع التغير والنقصان هو مذهب الشيخ الجليل على بن إبراهيم القمنى شيخ الكلينى ، فى تفسيره صرح بذلك فى أوله ، وملأ كتابه من أخباره ، مع التزامه فى أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته . ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكلينى رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة فى هذا المعنى فى كتاب الحجة ، خصوصا فى باب النكت والنتف من التنزيل ، وفى الروضة ، ومن غير تعرض لردها أو تأويلها (أنظر دراستنا لكتاب الحجة من الجزء الاول لأصول الكافى ، وكذلك دراستنا لروضة الكافى ، فى كتاب أثر الإمامة فى الفقة الجعفرى وأصوله ص296: 355) .

واستظهر المحقق السيد محسن الكاظمى فى شرح الوافية مذهبه من الباب الذى عقده فيه وسماه "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام" ، فإن الظاهر من طريقته أنه إنما يعقد الباب لما يرتضيه .قلت: وهو كما ذكره ، فإن مذهب القدماء تعلم غالباً من عناوين أبوابهم ، وبه صرح أيضا العلامة المجلسى فى مرآة العقول . وبهذا يعلم مذهب الثقة الجليل محمد بن حسن الصفار فى كتاب البصائر من الباب الذى له أيضاً فيه ، وعنوانه هكذا "باب فى الأئمة أن عندهم لجميع القرآن الذى أنزل على رسول الله (ص) " ، وهو أصرح فى الدلالة مما فى الكافى ، ومن باب "أن الأئمة محدثون" .

 

وهذا المذهب صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعمانى ، تلميذ الكينى صاحب كتاب الغيبة المشهور ، فى تفسيره الصغير الذى اقتصر فيه على ذكر الآيات وأقسامها ، وهو بمنزله الشرح لمقدمة تفسير على بن إبراهيم ، وصريح الثقة الجليل سعيد بن عبد الله القمى فى كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه كما فى المجلد التاسع عشر من البحار ، فإنه عقد فيه باباً ترجمته "باب التحريف فى الآيات التى هى خلاف ما أنزل الله عز وجل مما رواه مشايخنا رحمة الله عليهم من العلماء من آل محمد" (فصل الخطاب ص26،25).

 

واستمر المؤلف فى ذكر القائلين بالتحريف (وممن ذكرهم محمد بن مسعود العياشى صاحب أحد تفاسيرهم المشهورة ،انظر ص26) إلى أن قال :"ومن جميع ما ذكرناه ونقلناه بتتبعى القاصر ، يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين ، وانحصار المخالف فيهم بأشخاص معينين يأتى ذكرهم . قال السيد المحدث الجزائرى فى الأنوار ما معناه أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف فى القرآن كلاماً ومادة وإعراباً والتصديق بها" (محمد بن مسعود العياشى صاحب أحد تفاسيرهم المشهورة ،انظر ص30).

 

ثم قال :"ومن جميع ذلك ظهر فساد ما ذكره المحقق الكاظمى من انحصار القائل به فى على بن إبراهيم والكلينى، أو مع المفيد وبعض متأخرى المتأخرين"( محمد بن مسعود العياشى صاحب أحد تفاسيرهم المشهورة ،انظر ص31، 32) .

ثم أتهم الصحابة – خير أمة أخرجت للناس – بالكفر والعناد والجبروت والغباء ،ليصل إلى أنهم ليسوا أهلاً لجمعه كما أُنزل .

وأكثر من ذكر الروايات كرواية الكلينى عن الإمام الصادق :

"إن القرآن الذى جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد (ص) سبعة عشر ألف آية " .

وقال :"إن الأخبار الدالة على ذلك-أى التحريف – تزيد على ألفى حديث ، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقق والداماد والعلامة المجلسى وغيرهم .

ثم قال :"واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التى عليها معول أصحابنا فى إثبات الأحكام الشرعية ، والآثار النبوية ، إلا كتاب القراءات لأحمد بن محمد السيارى ، فقد ضعفه أئمة الرجال ، فالواجب علينا ذكر بعض القرائن الدالة على جواز الاستناد إلى هذا الكتاب".

وقال أحد مفسرى الجعفرية (هو محمد بن مرتضى المدعو بمحسن ،انظر كتابه الصافى ج1 ص19) :"أما أعتقاد مشايخنا رحمهم الله فى ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكلينى –طاب ثراه- أنه كان يعتقد التحريف والنقصان فى القرآن ، لأنه روى روايات فى هذا المعنى فى كتابه الكافى ، ولم يتعرض لقدح فيها ، مع أنه ذكر أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه ، وكذلك أستاذه على بن إبراهيم القمى ، فإن تفسيره مملو منه ، وله علو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبى طالب الطبرسى قدس سره ، فإنه أيضاً نسج على منوالهما فى كتاب الاحتجاج ".

 

وقال أحد كتابهم المعاصرين فى مقدمة كتبها لتفسير القمى :"هذا التفسير ، كغيره من التفاسير القديمة ، يشتمل على روايات مفادها أن المصحف الذى بين أيدينا لم يسلم من التحريف والتغيير ، وجوابه أنه لم ينفرد المصنف بذكراها ، بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين والمتأخرين عامة وخاصة ".

ثم ذكر القائمين بالتحريف فقال بأنهم :"الكلينى والبرقى ، والعياشى، والنعمانى ، وفرات بن إبراهيم ، وأحمد بن أبى طالب الطبرسى صاحب الاحتجاج ، والمجلسى ، والسيد الجزائرى ، والحر العاملى ، والعلامة الفتونى ، والسيد البحرانى ، وقد تمسكوا فى إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التى لا يمكن الإغماض عنها...

(مع الشيعة الاثنى عشرية فى الاصول والفروع –أستاذ دكتور على أحمد السالوس- أستاذ الفقه والأصول- كلية الشريعة –جامعة قطر-الجزء الثانى ص151: 154- دار التقوى للنشر – رقم الايداع 5573/1991- الطبعة الاولى 1997)

ويقول الدكتور محمد حسين على الصغير (استاذ الدراسات القرآنية – جامعة الكوفة): "تشير روايات الأئمة من اهل البيت (ع) إلى أن علياً كان له مصحف غير المصحف المتداول ، وهذا يعنى التغاير بين المصحفين ، أو فرضية الزيادة والنقصان بين النصين ، وروايات هذا الباب كثيرة ، أبرزها ، قول الإمام على (ع) :

"يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد عندى بإملاء رسول الله (ص) وخط يدى،وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد وكل حلال أو حرام ، أو حد أو حكم ، أو شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة ، فهو عندى مكتوب بإملاء رسول الله(ص) وخط يدى، حتى أرش الخدش...(ظ: الخوئى البيان: 222 وما بعدها).

ومنها ما فى احتجاجه (ع) على الزنديق من أنه :"أتى بالكتاب كملاً مشتملاً على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، لم يسقط منه ألف ولا لام ، فلم يقبلوا ذلك "    (ظ: الخوئى البيان: 222 وما بعدها) .

ومنها ما رواه جابر بن عبد الله الأنصارى قال :"سمعت أبا جعفر يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب ، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا على بن أبى طالب والأئمة من بعده عليهم السلام" (ظ: الخوئى البيان: 222 وما بعدها- الفصل الثانى نزول القرآن – الفقرة 6) .

(كتاب تأريخ القرآن –ص 165- دار المؤرخ العربى للنشر بيروت – ص.ب.124/24 – الطبعة الاولى 1999)

 

وفى موضع أخر يقول الدكتور الصغير :"وهناك بعض الروايات عن الأئمة تدل بظاهرها على التحريف منها ما رواه جابر بن عبد الله عن النبى (ص) :" يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون ، المصحف والمسجد والعترة . يقول المصحف : يارب حرفونى ومزقونى ، ويقول المسجد : يارب عطلونى وضيعونى ، وتقول العترة : يارب قتلونا وطردونا ، وشردونا " (الخوئى البيان :288)                          (المصدر السابق ص 166)

 

                                                   ..إنتهى..

----------------


 

* هي أستاذ التفسير والدراسات العليا بكليات الشريعة – جريدة الأهرام – 13/5/1986م

الصفحة الرئيسية