جهنّم في كتب المسيحية والإسلام

اسكندر جديد

المقدمة

يقول بعض من يسمون أنفسهم «أهل الفكر الحر» إن القبر هو نهاية كل نفس، وإن الاعتقاد بحياة أخرى في عالم آت لا نصيب له من الصحة. ويقول بعض آخر إن الله صالح، بمقدار أنه في الأخير لن يعاقب أياً من خلائقه، حتى الشيطان نفسه. هذه مزاعم أقل ما يقال فيها، أنها تتجنى على الناموس الذي وضعه الله لسياسة البشر. وبالتالي يشجع صغار النفوس على إطلاق العنان لشهواتهم.

والحق أنه لو صحت مزاعم هؤلاء كنا أشقى الكائنات، ولكان حري بنا «أن نأكل ونشرب، لأننا غداً نموت».

أما إن كانت الحياة الأبدية حقيقة راهنة، وإن كانت جهنم الأبدية قد أُعدت لهلاك الفجار، فحري بنا أن نعيش بحسب وصايا الله لكي ننجو من هول جهنم، ونبذل كل ما في وسعنا لإنذار أولئك المفترين لكي ينجوا هم أيضاً.

إن مسألة خلود النفس في العالم الآتي، هي من أكثر المسائل المطروحة حيوية وأهمية. وليس لنا سوى الكتاب المقدس للحصول على الجواب الصحيح لها. لأن الله إذ شاء أن يرشدنا إلى جميع الحق، وأن يبقينا في قداسة الحياة كوارثي الحياة الأبدية، ضمّن كتابه العزيز كل إعلاناته عن الحياة والخلود. فهو وحده عنده كلام الحياة الأبدية. وهو وحده يستطيع أن يبرر وأن يدين. ولسعادتنا أنه لم يتركنا نتخبط في الظلمات، بل أنار لنا السبيل وأتاح لنا امتياز الاقتراب منه على صعيد إعلاناته.

إن البحث الذي أقدمه في الفصول التي تلي هذه المقدمة فيه اقتباسات من كتاب «ماذا بعد الموت» لمؤلفه رني باش. وفي البحث بسط للتعاليم الكبرى الخاصة بالعالم الآخر، ومصير الإنسان بعد الموت، ومحكمة المسيح، والسماء، والهلاك الأبدي، الخ...

والبحث يتركز على مجموعة من آيات الله البينات الواردة في كتابه المقدس. وقد حرصت على ذلك، لأن في أيامنا يسود الناس ضرب من الالتباس في موضوع الأبدية، حتى أصبحت الآراء متضاربة والأفكار مشوشة، وخصوصاً لدى البسطاء.

وفي قسمه الثاني يحتوي البحث على اقتباسات من الإسلام ككتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وكتاب التفسير الكبير للرازي وكتاب مجمع البيان للطبري.

اسكندر جديد

القسم الأول: جهنّم في المسيحية

الموت ومكان الأموات

1 - المخطط القديم

المسلّم به لدى معظم الناس، أن ربنا هو إله المحبة والحياة. لذلك أراد من أجل البشر مصيراً مجيداً، في سعادة الشركة معه. وسفر التكوين يؤكد لنا أربع مرات، أن الله خلق الإنسان على صورته (تكوين 1: 26 و27 و5: 1 و9: 6) ومعنى هذا أنه أعده لمصير مجيد في عالم الله.

ويخبرنا سفر التكوين، أنّ الربّ الإله جبل آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حيّة (تكوين 2: 7) فالموت والهلاك لم يكونا إذن معدّين للإنسان. ولم يظهر لهما ظل في الجنة إلا في يوم السقوط. ويبدو من القرائن أن الإنسان، بعد فترة من الزمن يقضيها في الفردوس، كان سيعطى إذناً، ليمد يده ويأكل من شجرة الحياة، فيحيا إلى الأبد (تكوين 3: 22). فأخنوخ الذي سار مع الله هنا على الأرض، رُفع إلى السماء دون أن يذوق الموت، الأمر الذي يعطينا الفكر بأن الله أراد في الأصل أن ينقل البشر من الأرض إلى السماء هكذا نقرأ: «وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ ٱللّٰهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ ٱللّٰهَ أَخَذَهُ» (تكوين 5: 24). «بِٱلإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى ٱلْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ ٱللّٰهَ نَقَلَهُ - إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى ٱللّٰهَ» (عبرانيين 11: 5).

ومن جهة أخرى، يمكننا أن نلاحظ، أنه حتى بعد السقوط كانت وما زالت إرادة الله أن يخلّص الكل، كما هو مكتوب: «لأَنَّ هٰذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1 تيموثاوس 2: 3 و4) «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا»(حزقيال 33: 11).

هذه الإعلانات السماوية عن تعامل الله مع الإنسان تؤكّد لنا أنّ فاجعة جاءت لكي تقلب المخطط الذي وضعه الله في البدء من أجل الإنسان.

2 - الموت

إن كون الإنسان مخلوقاً على صورة الله، يستلزم بالبداهة أن يكون متمتعاً بالإرادة والحرية، ونعرف من الكتابات المقدسة أن الله إله حب، ويريد أن تحبه مخلوقاته بفرح وأن تخدمه باختيارها. لأنه لا يجبر الناس للتعبّد له، بل يترك لهم الحرية أن يختاروا طريقاً آخر إذا شاءوا.

ونفهم من الكتاب المقدس أن الملائكة وآدم وحواء ويسوع قد جرُّبوا، وأنّ الله لم يشأ أن تكون جنة عدن سجناً ذهبياً لا يمكن الهرب منه. ولكن الله إذ حذّر الإنسان، ومنحه المزيد من وسائل السعادة، أوجد الرجاء في أن يختار الإنسان البقاء في حدود الطاعة، مكتفياً بسعادة الشركة مع الله. ولكن بما أن آدم وحواء قد خرجا على تحذير الله بعد التشاور، فكان لا بد أن يقع عليهما عقاب الله المخيف، وفقاً لإنذاره القائل: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تكوين 2: 16 و17).

حين نتأمل في كلمة «موت» من خلال الكتاب المقدس يتّضح لنا أن هناك نوعين من الموت، الموت الجسدي والموت الروحي:

1 - الموت الجسدي

في يوم السقوط قال الله للإنسان: «بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً حَتَّى تَعُودَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا» (تكوين 3: 19). وقد عقّب الرسول بولس على هذا الحكم بقوله: «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رومية 5: 12). ومعنى هذا أنه منذ سقوط آدم صار ناموس الموت متسلطاً على البشر ولا يستطيع أحد الإفلات منه، لأن الجميع أخطأوا وصار القبر من نصيبهم، وتبعاً لذلك صار اللحد ملك المخاوف والرعب. وصارت الكلمة الأخيرة لدقات الحزن التي تعلن: وأخيراً مات فلان (تكوين 5: 5، 8، 11، 14، الخ).

فالموت إذن سيدركك ذات يوم. لذلك يجب أن يكون أهم ما يشغلك في الحياة أن تموت حسناً. لأنه «وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱلدَّيْنُونَةُ» (عبرانيين 9: 27).

تمثل برجل الله داود الذي بعد تأمله العميق في حال الإنسان قال: «إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ. إِنَّمَا كَخَيَالٍ يَتَمَشَّى ٱلإِنْسَانُ. إِنَّمَا بَاطِلاً يَضِجُّونَ. يَذْخَرُ ذَخَائِرَ وَلاَ يَدْرِي مَنْ يَضُمُّهَا. وَٱلآنَ مَاذَا ٱنْتَظَرْتُ يَا رَبُّ؟ رَجَائِي فِيكَ هُوَ» (مزمور 39: 5 - 7).

أما عاموس النبي فحين تأمل في مصير الإنسان حذّر قائلاً: «فَمِنْ أَجْلِ أَنِّي أَصْنَعُ بِكَ هَذَا فَٱسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلَهِكَ» (عاموس 4: 12).

بيد أن الموت الجسدي، لا يضع حداً للرجاء، لأن نصوص العهد القديم والجديد، تؤكد لنا أن جميع الأموات سيقومون يوماً ما من القبر. وسيكون للمؤمنين قيامة مجيدة، على صورة يسوع المسيح. أما الأشرار فسيقومون للدينونة كما هو مكتوب: «وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلٱِزْدِرَاءِ ٱلأَبَدِيِّ» (دانيال 12: 2). وكما قال المسيح: «لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هٰذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 28 و29). وكما قال الرسول بولس: «وَلِي رَجَاءٌ بِٱللّٰهِ فِي مَا هُمْ أَيْضاً يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ، ٱلأَبْرَارِ وَٱلأَثَمَةِ» (أعمال 24: 15). وقال أيضاً: «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، ٱلَّتِي مِنْهَا أَيْضاً نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (فيلبي 3: 20 و21).

2 - الموت الروحي

لم يصرع الموت الجسدي آدم وحواء في يوم خطيتهما الأولى، كما هو حاصل معنا تماماً. ولكن في اليوم الذي أخطأ فيه الأبوان الأولان ضُربا بالموت الروحي، أي بالطرد من حضرة الله، إلى الأرض التي لُعنت بسببهما (تكوين 3: 23 و24) لأن الموت الروحي الذي يصيب النفس ليس هو الفناء، بل هو الحرمان من الشركة مع الله. قال الرب يسوع في صلاته الشفاعية: «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (يوحنا 17: 3).

وتخبرنا الكتابات المقدسة، أن الخطاة منذ سقوط آدم، يوجدون ويتحركون ويتمتعون بالعيش على الأرض، ولهم ديانات ويقيمون عبادات. ومع ذلك فهم غاطسون في الموت الروحي. قال الرسول بولس للأفسسيين: «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِٱلذُّنُوبِ وَٱلْخَطَايَا، ٱلَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً... ٱذْكُرُوا أَنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلأُمَمُ قَبْلاً فِي ٱلْجَسَدِ... أَنَّكُمْ كُنْتُمْ فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ بِدُونِ مَسِيحٍ... غُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ ٱلْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلٰهٍ فِي ٱلْعَالَمِ» (أفسس 2: 1 - 12). وفي كلامه إلى تيموثاوس عن الأرامل اللواتي كان سلوكهن ملوماً، قال: «وَأَمَّا (الأرملة) ٱلْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ» (1 تيموثاوس 5: 6).

هذا هو وضع جميع الناس، وهو وضع مخيف جداً بالنسبة للذين لم يولدوا روحياً من الله. أنهم أموات، رغم أنهم أحياء. أموات في أنفسهم ولكن أجسادهم تحيا وتتحرك بانتظار القبر! هل هذه هي حالك يا قارئي العزيز؟ أتمنى أن لا يكون الأمر كذلك!

هذا الوضع «الموت الحي» كان وضع الابن الضال في الكورة البعيدة. حيث كان ينفق أمواله في فوضى الفساد الأخلاقي. ولكن حين ثاب إلى نفسه وعاد إلى البيت كان الوالد في انتظاره. «وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيداً رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ... فَقَالَ ٱلأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا ٱلْحُلَّةَ ٱلأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَٱجْعَلُوا خَاتَماً فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا ٱلْعِجْلَ ٱلْمُسَمَّنَ وَٱذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ٱبْنِي هٰذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ» (لوقا 15: 20، 22 - 24). فالموت هنا يعني أن الإنسان مع أنّه يكون حياً، إلا أنه يحسب ميتاً حين يتوغل في الشر بعيداً عن الله.

والواقع أنه لكي يخلص الإنسان من ناموس الخطية والموت يلزمه أن يولد ثانية من الله. بمعنى أن نفسه تقوم مع المسيح وتجد بالإيمان الاتصال الحيوي مع الله. لذلك قال المسيح لنيقوديموس حين زاره ليلاً: «اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ» (يوحنا 3: 6 و7). وقال أيضاً: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 5: 24). ويفهم من كلمة المسيح هذه أن نفس الخاطي التائب، بما أنها قامت بالإيمان، فلها حياة أبدية. ولن تنفصل عن الله أبداً، حتى ولو مات الجسد. وقال المسيح لمرثا أخت لعازر:«أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا 11: 25 و26).

3 - هل تموت النفس؟

في الكتاب المقدس عدة آيات تشير إلى موت الأنفس، منها: «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 4). «أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23). الله «ٱلْعَزِيزُ ٱلْوَحِيدُ، مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ، ٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْتِ» (1 تيموثاوس 6: 15 و16). فبالاستناد على هذه الآيات يتساءل البعض إن كانت النفس البشرية غير قابلة للموت؟ ثم يقولون بما أن الجسد يتفسّخ ويعود تراب الأرض فإن النفس تتلاشى بالموت، ولهذا لا يمكن أن تكون خالدة. وبعدئذ يضعون الأصبع على الآيات أعلاه ويقولون إن العقيدة بخلود النفس أبعد من أن تكون كتابية، وإنما جاءت من مصادر وثنية وخصوصاً يونانية (عن أفلاطون وأرسطو) فالوثنيون عامة، واليونانيون خاصة، كانوا يعتقدون بحياة النفس بعد الموت، ولكن بدون قيامة بالمعنى الكتابي.

أجل إن الله «وحده له عدم الموت» لأنه وحده ينبوع الحياة، وهو الحياة نفسها (يوحنا 1: 4، 14: 6). ولكن بولس لا يقول إن الله وحده له صفة الخلود: بل قال إن له عدم الموت، أي له عدم الموت كهبة يمنحها بسلطان لخلائقه. فإن الناس مدعوون لحياة بلا نهاية، أولاً لأنهم خُلقوا على صورة الله. ولكن كما رأينا آنفاً، أنه بسبب ارتكابهم الخطية، صاروا جميعاً عرضة للموت. وهنا يجب أن نعرف بالضبط ماهية هذا الموت، وأن نستطلع الكتاب المقدس معنى الحياة بالضبط لأن الكتاب العزيز يحتوي إعلانات الله وإعلانات الله تقول:

الحياة هي الوجود مع الله (يوحنا 1: 4، 17: 3).

الموت هو الوجود بدون الله (أفسس 2: 11 و12).

فالحياة إذن تستمد قيمتها وسعادتها من الله، الذي هو ينبوعها. أما الموت فهو الحرمان من الحب والفرح والسلام، وكل نعمة تصدر من الله وحده. وحين سيقف بنا البحث أمام مكان الأموات وجهنم، سنرى أن المؤمن ينال الحياة الأبدية وهو على الأرض. فالله المحبة يمكث في قلبه، وتبعاً لذلك يتذوّق نعمة السماء. بعكس غير المؤمن، الذي يُحسَب منذ الآن ميتاً (أفسس 2: 1 و2). وقد عُرف بالاختبار أن غير المؤمن وهو بعد على الأرض، يتعرّف على بعض حالات جهنّم بانتظار الموت الذي ينقله إلى حال العذاب الأبدي، الذي يتأتّى من الانفصال الأبدي عن الله.

وأخيراً نلاحظ أن عدم الموت في لغة الكتاب المقدس، وارد فقط بالنسبة للجسد المقام من الأموات في يوم الرب العظيم، فهو لا يشير إطلاقاً إلى النفس (اقرأ كورنثوس الأولى 15: 53) فالجسد الذي يفسد ويتفسّخ يحتاج إلى التحوّل من فساد إلى عدم فساد، ومن موت إلى عدم موت. أما في ما يختص بالنفس فإن كانت قد عرفت الموت الروحي، فهي لن تتوقف عن الوجود لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي. ولأجل جلاء هذه النقطة أقترح تقديم البيان التالي.

عند ولادته يحصل الإنسان لنفسه وجوداً لا نهايه له. وعند الولادة من الله يحصل لروحه حياة أبدية. وعند مجيء المسيح الثاني يحصل لجسده عدم الموت.

إن ما قيل هنا يكفي لكي نفهم أن كل إنسان، يُعِدُّ أبديته في هذه الدنيا. فإن كان خاطئاً، يستطيع أن يتوب ويؤمن. وبكلمة أخرى، أنه بالإيمان بعد التوبة يولد جديداً، ويحصل على الحياة الأبدية، التي يوصله امتدادها إلى السماء. أما الخاطئ، الذي يرفض التوبة، فليس أمامه سوى الهلاك. فهو مائت ولو كان حياً. وهذا الموت سيؤدي به إلى جهنّم.

إذن يجدر بكل واحد أن يعرف مصيره، إن كان قد انتقل من الموت إلى الحياة. هذا ما خبره يوحنا الرسول وكتبه لنا فقد قال: «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (1 يوحنا 3: 14).

4 - مصير الأموات

يتساءل كثيرون: أين ذهبت نفوس الأموات، الذي توفّوا قبل تجسّد المسيح؟ وإلى أي حال صارت بعد مجيئه الأول؟ وما هي أوضاعها بانتظار مجيئه الثاني المجيد والدينونة الأخيرة؟ هذه أسئلة مهمة، وأنا أجيب عليها بما يلي:

  1. في العهد القديم أطلق اسم «شيول» على مكان جميع الأموات السعداء المطوبين. أما الكلمة المرادفة في العهد الجديد فهي الكلمة اليونانية «هاديس» وحين دعي صموئيل النبي من العالم الآخر، قال للملك شاول بن قيس: «غَداً أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي (في شيول)» (1 صموئيل 28: 19) أما سفر الجامعة فيضيف: «أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً لِلْجَمِيعِ... وَبَعْدَ ذٰلِكَ يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ مَنْ يُسْتَثْنَى؟» (جامعة 9: 3 و4).
  2. إلا أن اليهود يميزون بين مكانين في شيول: أحدهما معد للأموات الكفرة، حيث يعذبون منذ الموت. والآخر معد للسعداء واسمه الفردوس، وحضن إبراهيم. والمسيح نفسه استعمل هاتين الكلمتين في إعلاناته، وبذلك ثبت هذا التعليم.
  3. تخبرنا كلمة الله أن الأنفس لا تتلاشى في مكان الأموات. صحيح أن في سفر الجامعة عبارات تبدو وكأنها تؤيد نظرية الفناء، إذ تقول: «لأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ يَحْدُثُ لِلْبَهِيمَةِ... يَذْهَبُ كِلاَهُمَا إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ. كَانَ كِلاَهُمَا مِنَ ٱلتُّرَابِ، وَإِلَى ٱلتُّرَابِ» (جامعة 3: 19 و20). ولكن سفر الجامعة هنا، نظر إلى ناحية الجسد في الإنسان. لأن جسد الإنسان يموت كما يموت جسد البهيمة. إلا أن الإنسان، يتميز بكونه مخلوقاً على صورة الله، والله جعل فيه نفساً ناطقة خالدة، تقدر أن تعرف الله والأمور الروحية، وتشتاق إلى الخلاص والأبدية. وفي سفر الجامعة نفسه عبارات تؤكد عدم فناء النفس البشرية، كقوله: «فَيَرْجِعُ ٱلتُّرَابُ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجِعُ ٱلرُّوحُ إِلَى ٱللّٰهِ ٱلَّذِي أَعْطَاهَا» (جامعة 12: 7) وهذا يعني أن نفس الإنسان ليس كالبهيمة، لأن النفس البشرية، لا بد من بقائها ورجوعها إلى الله بعد انحلال الجسد.

وأيضاً نصوص العهد الجديد، تؤيد فكرة خلود النفس البشرية بعد الموت، حيث تبقى في مكان الأموات. فموسى وإيليا الغائبان عن هذه الأرض منذ زمن بعيد، ظهرا مع المسيح على جبل التجلي (متّى 17: 3).

وفي حجته التي أبداها المسيح في حواره مع الفريسيين والصدوقيين، استشهد بقول الله لموسى: «أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ: أَنَا إِلٰهُ إِبْراهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ. لَيْسَ ٱللّٰهُ إِلٰهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلٰهُ أَحْيَاءٍ» (متّى 22: 31 و32).

وتعلّمنا الأسفار المقدسة، أن غير المؤمنين أيضاً لا تفنى نفوسهم، وأنهم يحتفظون بشخصياتهم من مكان الأموات. ويتخاطبون في ذلك المكان. ففي قصة لعازر والغني الرديء، أعطى الرب يسوع تفصيلاً واضحاً لما يجري بعد الموت. والمسلّم به أن القصة حدثت فعلاً وليست هي فقط مثلاً تعليمياً، كما يزعم بعض قاصري النظر، لأن المسكين كان يحمل اسماً خاصاً به، وهذا لم يسبق أن ورد في أمثال يسوع الأخرى. وعلى أي حال، فالرأي السائد حول هذه النقطة هو أن يسوع بيّن بكل وضوح:

  • أولاً: أن الاشرار يذهبون بعد الموت إلى العذاب (لوقا 16: 23 و24).
  • ثانياً: أنهم يبقون في كامل وعيهم (لوقا 16: 23 و24).
  • ثالثاً: تبقى لهم الذاكرة (لوقا 16: 25 - 27).
  • رابعاً: لا يستطيع أحد أن يخفّف العذاب عنهم (لوقا 16: 26).
  • خامساً: أنهم مسؤولون عن عدم سماعهم تحذير الكتاب المقدس في الوقت المناسب (لوقا 16: 27 - 31).

5 - نوم الموت

نقرأ في المزمور 13: 3 طلبة داود: «يَا رَبُّ إِلٰهِي. أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ ٱلْمَوْتِ». ونقرأ في الرسالة الأولى إلى التسالونيكيين 4: 13 عن رقاد الموت فما معنى هذا النوم أو هذا الرقاد؟

أعتقد بالاستناد على القرائن، أن الموت هنا خاص بالجسد فالعينان تطبقان عن نور هذا العالم، والجسد يرقد في القبر، بانتظار القيامة. هكذا قال استفانوس وهو يُرجم:«أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱقْبَلْ رُوحِي... وَإِذْ قَالَ هٰذَا رَقَدَ» (أعمال 7: 59 و60).

ونقرأ في دانيال 12: 2: «وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلٱِزْدِرَاءِ ٱلأَبَدِيِّ».

ويسمى كتبة العهد القديم مكان الأموات، أحياناً أرض النسيان (مزمور 88: 12) وأرض السكوت (مزمور 115: 17). وهكذا يمكننا ونحن على الأرض، أن نتصوّر مصير الذين يغادرون أرض الأحياء. فنقول إنهم لا يمارسون التعبد، ولا يشتركون في ممارسات الشعب. لقد كفوا إلى الأبد، عن الإسهام في نشاطات هذه الدنيا.

ولكن يجب أن لا ننسى، أن هناك نصوصاً، تقول إن الأنفس في العالم الآخر، أبعد من أن تكون في حالة رقاد. فصموئيل مثلاً، كان في كامل شعوره، حين ظهر من عالم الأموات وتكلم مع شاول (صموئيل الأول 28: 12 - 19) وموسى وإيليا جاءا من ذلك العالم وتكلّما مع يسوع عن خروجه (لوقا 9: 30) والغني الرديء تكبّد العذاب وهو في أقوى حالة من حضور الذهن. وقد سأل إبراهيم أن يرسل إليه لعازر ليبلّ اصبعه بالماء ويبرّد له لسانه. وإبراهيم كان في حال حضور الذهن، إذ أخبره أن لا صلة بين السعداء والتعساء في عالم الأموات (لوقا 16: 23 - 31).

ورسول الجهاد العظيم بولس اعتبر الموت ربحاً مما يؤكد أن الموت ليس رقاداً في القبر. وتبعاً لذلك، قال: «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً» .(فيلبي 1: 23) ومما لا ريب فيه أن علّة اشتهاء بولس للانطلاق هو علمه بأن المسيح ليس في القبر، بل في السماء. ويضيف الرسول الكريم قائلاً: «فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي ٱلْجَسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ ٱلرَّبِّ. لأَنَّنَا بِٱلإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِٱلْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِٱلأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ ٱلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ» (2 كورنثوس 5: 6 - 8).

ويوحنا رأى نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة، وهم يصرخون أمام الله، طالبين إليه أن يقضي وينتقم لدمائهم (رؤيا 6: 9 - 11). إذن المسألة ليست كما يدعي بعض المضلين، بأن نفس المؤمن ترقد في القبر مع الجسد إلى يوم القيامة.

6 - التغيير الذي يحصل بنزول المسيح إلى مكان الأموات

من المتيقن عند المؤمنين أن المسيح ابن الله، الذي هو بلا خطية، لم ينزل إلى المكان الذي فيه يتعذّب الأشرار. وتبعاً لذلك، لم يحدث أي تغيير بالنسبة لهم بدليل ما قاله الإنجيل في لوقا 16: 19 - 31. حيث أُعطي وصف مفصل لحال جميع الأموات المعذبين. وعكس ذلك فإن الإنجيل يخبرنا أن المسيح نزل إلى مكان السعداء مستصحباً اللص الذي أعلن إيمانه، فيما هو معلق على الصليب إلى يمين الفادي. ونجم عن ذلك أن المخلّص الرب قال له: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي ٱلْفِرْدَوْسِ» (لوقا 23: 43).

لقد أجمع كتبة العهد الجديد أن الله أقام يسوع من بين الأموات، ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه (أعمال 2: 24). بمعنى أن السيد الرب بقيامته في اليوم الثالث، غلب العدو الأكبر الذي هو الموت، وحطم القبر. «إِذْ صَعِدَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى ٱلنَّاسَ عَطَايَا. وَأَمَّا أَنَّهُ صَعِدَ، فَمَا هُوَ إِلاَّ إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضاً أَوَّلاً إِلَى أَقْسَامِ ٱلأَرْضِ ٱلسُّفْلَى. اَلَّذِي نَزَلَ هُوَ ٱلَّذِي صَعِدَ أَيْضاً فَوْقَ جَمِيعِ ٱلسَّمَاوَاتِ، لِكَيْ يَمْلأَ ٱلْكُلَّ» (أفسس 4: 8 - 10). منذ زمن طويل فكّر المفسرون، أن المسيح حين تمجّد حرّر الأموات المؤمنين من شيول، وأخذهم معه إلى السماء. ومنذ ذاك الوقت كل الذين ماتوا أو يموتون في الإيمان، لا ينزلون إلى مكان الأموات بل يصعدون رأساً إلى جوار الرب. وهذا ما أكده الرسول بولس بقوله: «لِيَ ٱلْحَيَاةَ هِيَ ٱلْمَسِيحُ وَٱلْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ... لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا ٱلأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ ٱللّٰهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هٰذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (فيلبي 1: 21 و2 كورنثوس 5: 1 و2).

على أي حال فالواضح أن حال الأموات المؤمنين والأشرار في العالم الآخر هي مؤقتة. فالمؤمنون هم منذ الآن في راحة وسعادة في القرب من الله، بانتظار القيامة التي ستنقلهم إلى حياة أبدية. وأما الأشرار فيقيمون في السجن الاحتياطي، بانتظار الدينونة الأخيرة، فالطرح في جهنّم حيث سيمكثون إلى الأبد.

الدينونة الأخيرة

1 - الانتقال إلى الأبدية

حين يصل زمن صبر الله إلى نهايته، يأتي يسوع ثانية من السماء، لكي يخلّص خاصته، ويؤسّس ملكوته، وينتقم من أعدائه. وهذه الحقيقة معلنة في الكتاب المقدس، وتبسط بوضوح ما سيتم عند عودة المسيح بالمجد، كاختطاف الكنيسة لملاقاة الرب في الهواء، والملكوت الذي سيقيمه السيد الرب لألف سنة.

ولكن مهما كان الحكم الألفي مجيداً، فهو لن يبقى إلى الأبد. لأنه حين يكمل الله انتقامه، ويظهر في هذه الدنيا كل ما في وسع صلاحه أن يفعل، فكل ما هو أرضي ووقتي سيزول.

هذا من جهة ومن جهة أخرى، يجب أن يتقرر مصير الأشرار نهائياً. فالمؤمنون وحدهم، ينالون نصيباً في القيامة الأولى، ليملكوا مع المسيح ألف سنة (رؤيا 20: 4 - 6). أما الأموات الآخرون فلا يبعثون إلا بعد أن تتم الألف سنة (رؤيا 20: 5). وعندئذ يقرر الرب مصير الأشرار بالدينونة الأخيرة.

2 - ما هي الدينونة الأخيرة؟

إنها بالضبط تأدية الحساب الأخير. في ذلك الوقت، يقف بقية الأموات، أي الأشرار من جميع الأزمنة. وبعد الدينونة، لا يبقى إلا الحالة الأبدية لجهنم وللسماء.

3 - من هو الديان؟

قال الرائي الملهم بالروح القدس: «ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَٱلْجَالِسَ عَلَيْهِ ٱلَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ ٱلأَرْضُ» (رؤيا 20: 11). هذا الشخص العظيم، هو يسوع المسيح، الذي أعطي له كل الدينونة. لأنه ابن الإنسان (يوحنا 5: 22 و27).

وأخيراً يأتي اليوم «ٱلَّذِي فِيهِ يَدِينُ ٱللّٰهُ سَرَائِرَ ٱلنَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» .(رومية 2: 16) «لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ، بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» .(أعمال 17: 31) «وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلْمُعَيَّنُ مِنَ ٱللّٰهِ دَيَّاناً لِلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ» .(أعمال 10: 42)«أَنَا أُنَاشِدُكَ إِذاً أَمَامَ ٱللّٰهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ ٱلأَحْيَاءَ وَٱلأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ» (2 تيموثاوس 4: 1).

4 - تدمير الأرض والسماء

قال الرائي الملهم بالروح القدس: «ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ ٱلسَّمَاءَ ٱلأُولَى وَٱلأَرْضَ ٱلأُولَى مَضَتَا، وَٱلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ» (رؤيا 21: 1). فالأرض قد رأت المزيد من الخطايا، وشربت المزيد من الدم. لذلك وجب أن تدمر. ومثلها السماء، التي تدنّست بسبب عصيان الملائكة الأشرار، وجب أن تتجدّد كلياً.

هذه الدينونة ستتمّ بالنار أسوة بالعالم السابق، الذي دمّرته مياه الطوفان. قال الرسول بطرس: «وَأَمَّا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ ٱلْكَائِنَةُ ٱلآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ ٱلْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ ٱلدِّينِ وَهَلاَكِ ٱلنَّاسِ ٱلْفُجَّارِ... وَلٰكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا. فَبِمَا أَنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ ٱلسَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. وَلٰكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا ٱلْبِرُّ» (2 بطرس 3: 7، 10 - 13). وقال المسيح: «اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ» (متى 24: 35). وقال إمام المرنمين داود مسبّحاً: «مِنْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى، وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى، كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ فَتَتَغَيَّرُ» (مزمور 102: 25 و26).

ونقرأ في إشعياء 51: 6 «اِرْفَعُوا إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَٱنْظُرُوا إِلَى ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ كَٱلدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَٱلأَرْضَ كَٱلثَّوْبِ تَبْلَى».

أو ليست الاكتشافات النووية الحديثة وسيلة، تساعدنا على فهم المعنى المتضمّن في القول الرسولي، كيف أنه في يوم ما ستنحلّ العناصر وتذوب محترقة؟

5 - القيامة الثانية

في القيامة الثانية يبعث كل الفجار من قبورهم، كما هو مكتوب: «وَأَمَّا بَقِيَّةُ ٱلأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ... وَرَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱللّٰهِ... وَسَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا» (رؤيا 20: 5 و12 و13). «وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلٱِزْدِرَاءِ ٱلأَبَدِيِّ» (دانيال 12: 2) - «لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هٰذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 28 و29).

في ذلك اليوم المشهود لا مناص من الوقوف «أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً» (2 كورنثوس 5: 10). في ذلك اليوم تقشعر الأبدان «مِنْ خَوْفٍ وَٱنْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى ٱلْمَسْكُونَةِ - وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ» (لوقا 21: 26، متى 24: 30). فيا لهول ذلك اليوم، الذي فيه سيتقرّر مصير كل واحد. إنه اليوم الذي لا تنفع فيه الشفاعات «مُخِيفٌ هُوَ ٱلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ!» (عبرانيين 10: 31). لذلك قال عاموس النبي محذراً: «ٱسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلَهِكَ» (عاموس 4: 12).

6 - يوم الحساب

«وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ، وَدِينَ ٱلأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ... وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ» (رؤيا 20: 12 و13):

أ - الله نظم محاسبة دقيقة

فهذه الأسفار التي أشار إليها الرائي الملهم، هي بدون شك صورة رمزية. لأن خاطر السيد الرب، لا يحتاج إلى سجلات مادية، لتبيان الأشياء التي يشاء تذكّرها. ولكن الذي يخشى بالنسبة للخطاة هو أن شيئاً من خطاياهم لن يُنسى في يوم الدين العظيم. هكذا نقرأ: «قَدْ أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ بِفَخْرِ يَعْقُوبَ: إِنِّي لَنْ أَنْسَى إِلَى ٱلأَبَدِ جَمِيعَ أَعْمَالِهِمْ» (عاموس 8: 7). ومما لا شك فيه أن الله يستطيع في لحظة في طرفة عين، أن يعرض أمام كل خاطئ شريطاً لحياته. وعرض كهذا يكفي، لكي تُحنى رؤوس الجميع، ولكي تقام العدالة بكل دقة.

والمخيف جداً بالنسبة للخاطئ، هو أن هذا الإنذار النبوي المدوّن في كلمة الله، سينفّذ بحذافيره، تصديقاً للقول الإلهي: «وَلٰكِنْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا هٰكَذَا فَإِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ. وَتَعْلَمُونَ خَطِيَّتَكُمُ ٱلَّتِي تُصِيبُكُمْ» (عدد 32: 23).

ب - كل الأعمال ستُدان

فالله يدين:

  1. الأعمال السرية التي يرتكبها الناس (رؤيا 2: 6).
  2. الكلام القبيح، ففي يوم الدينونة سيقدّم كل واحد حساباً عن كل كلمة باطلة تلفظ، مصداقاً لقول المسيح، «وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا ٱلنَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ ٱلدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متّى 12: 36 و37).
  3. كل عمل فجور، جاء في الكلمة الرسولية: «هُوَذَا قَدْ جَاءَ ٱلرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى ٱلْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ ٱلَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلصَّعْبَةِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ» (يهوذا 14 و15).
  4. خطايا الشباب، كما هو مكتوب: «اِفْرَحْ أَيُّهَا ٱلشَّابُّ في حَدَاثَتِكَ، وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ وَٱسْلُكْ فِي طَرِيقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ، وَٱعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هٰذِهِ ٱلأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ» (جامعة 11: 9).
  5. كل الأعمال بدون تمييز، كما هو مكتوب: «لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرّاً» (جامعة 12: 14).

ج - الغضب المذخر لغير المؤمنين

جاء في الكلمة الرسولية: «لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا... لأَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ» (غلاطية 2: 16، 3: 10). فجميع الناس يستحقون هذه اللعنة، لأنهم كسّروا وصايا الناموس ألوف المرات. وبما أن أفضل أعمالهم غير كاملة أمام الله، حكم عليهم باللعنة. وقد أشار إشعياء النبي إلى حقارة أعمال البر الذاتي إذ قال: «وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا» (إشعياء 64: 6).

وقال الرسول بولس: «وَلٰكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ ٱلتَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ ٱلْغَضَبِ وَٱسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ ٱللّٰهِ ٱلْعَادِلَةِ، ٱلَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. أَمَّا ٱلَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي ٱلْعَمَلِ ٱلصَّالِحِ يَطْلُبُونَ ٱلْمَجْدَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْبَقَاءَ، فَبِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ. وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ ٱلتَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ، شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ» (رومية 2: 5 - 9).

د - كل الأفواه ستُسدّ أمام الله

بما أن كل واحد قد حُكم عليه بحسب أعماله - بكل تدقيق، فليس في استطاعة أحد أن يتنصّل من أعماله. وبالتالي لا يستطيع أن يتخلص من مغبّتها. وبكلمة أخرى أنه يستحيل على أحد أن ينكر أعماله، أو يلقي تبعتها على آخر، أو على قدر الله. لذلك لا بدّ أن يتمّ فيه ما قيل في يوحنا 16: 8 - 11 أن الروح القدس أرسل ليقنع الخطاة بشرّ الخطية وبأن عقابها هو الموت. وأن شرّ الخطايا هو عدم الإيمان بالمسيح. وليقنع الناس أن يسوع الناصري كان هو المسيح البار، الذي صعد إلى السماء وجلس عن يمين العظمة. وليقنع الناس بقداسة المسيح المطلقة ودينونة إبليس الذي سمي رئيس هذا العالم. قال رسول الجهاد العظيم بولس: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ ٱلنَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ ٱلْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ ٱللّٰهِ... لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ... ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ... . لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية 3: 19 و10 و12 و22 و23).

7 - كيف يُدان الذين لم يسمعوا الإنجيل؟

في كثير من الأحيان، نتساءل: ما هو مصير الذين عاشوا قبل المسيح، وما هي مسؤوليتهم؟ ونتساءل أيضاً ما هو مصير الذين لم يسمعوا كلمة الحق إنجيل الخلاص؟ الكتاب المقدس لم يتركنا بدون جواب على هذه النقاط الهامة، فقد قال:

أ - «لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ فَبِدُونِ ٱلنَّامُوسِ يَهْلِكُ» (رومية 2: 12). فالذي يقوله الرسول الكريم هنا ينطبق أيضاً على الإنجيل. فالذين سمعوه هم في تقدير الله أكثر مسؤولية. بمعنى أن الجيل، الذي رفض رسالة وآيات يسوع المسيح سيُدان. لقد قال في حواره مع جماعة من اليهود: «مَلِكَةُ ٱلتَّيْمَنِ (سبا) سَتَقُومُ فِي ٱلدِّينِ مَعَ رِجَالِ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَتَدِينُهُمْ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هٰهُنَا. رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هٰهُنَا!».(لوقا 11: 31 و32) «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيماً فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ. وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكُمَا» (متّى 11: 21 و22). وأيضاً قال يسوع لتلاميذه: «وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَٱخْرُجُوا خَارِجاً مِنْ ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ، وَٱنْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ ٱلدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ» (متّى 10: 14 و15). وقال أيضاً: «وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيراً. وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي لاَ يَعْلَمُ، وَيَفْعَلُ مَا يَسْتَحِقُّ ضَرَبَاتٍ، يُضْرَبُ قَلِيلاً. فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيراً يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ» (لوقا 12: 47 و48).

ب - إن مسؤولية الوثنيين الذين لم يتلقوا الإنجيل فهي أمام الله. وتقول الكلمة الرسولية ببولس، إن الرب منح البشر ثلاثة إعلانات:

  1. منذ بدء الخليقة، كانت «مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ» (رومية 1: 19 و20).
  2. الضمير الذي طبع الله فيه مبادئ الشريعة العظمى بمعرفة الخير والشر «لأَنَّهُ ٱلأُمَمُ ٱلَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ ٱلنَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِٱلطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي ٱلنَّامُوسِ، فَهٰؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ ٱلنَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، ٱلَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ ٱلنَّامُوسِ مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً» (رومية 2: 14 و15).
  3. إن الكتب المقدسة، التي هي الذروة تظهر محبة الله وبر الله وخلاصه ودينونته العادلة. وهذه أعلنت للخطاة (رومية 2: 17 - 20).

فالوثنيون بدون استثناء يفيدون من الإعلانين الأولين. ولكن الذين عصوا على الأنوار التي تلقوها، فهم بلا عذر، ولا بد أن يُدانوا (رومية 1: 20 و21). وأيضاً جماعة اليهود، والمدعوون مسيحيين، هم بلا عذر، إن كانوا لا يضعون الإعلانات التي تلقّوها موضع التنّفيذ (رومية 2: 1).

ج - إن الله لا يترك أياً من مخلوقاته بدون إعلان

يخبرنا المسيح أن أقانيم الثالوث الأقدس، تعمل معاً لكي ينال كل البشر خلاص الله:

الآب - قال يسوع: «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ ٱلآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ ٱلْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ ٱللّٰهِ» (يوحنا 6: 44 و45).

الابن - قال يسوع: «وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ» .(يوحنا 12: 32) «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20).

الروح القدس - قال يسوع: «وَأَمَّا ٱلْمُعَزِّي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ... ويُبَكِّتُ ٱلْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ» (يوحنا 14: 26 و16: 8).

لقد تأكد بالاختبار أن الإنسان المخلَّص إن كان مخلَّصاً لا بد أن تأتيه اللحظة التي فيها يصرخ مثل سحرة مصر: هذا إصبع الله (خروج 8: 19). فبديهيات الأمور تكلّمت إليه، وضميره بكّته على الخطية. والروح القدس، طرق باب قلبه لكي يضع فيه الحنين إلى الحياة الأبدية. ولكن المؤسف في الأمر هو أن غالبية الناس حتى حين يصلون إلى هذه النقطة يتعثّرون لأنهم لم يريدوا ترك خطاياهم. هكذا قال المسيح: «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ» (يوحنا 3: 19 و20).

أما النفوس المستقيمة، فلها هذا الوعد المبارك القائل: «نُورٌ أَشْرَقَ فِي ٱلظُّلْمَةِ لِلْمُسْتَقِيمِينَ» (مزمور 112: 4). وكثيراً ما يعلن الله ذاته لبعض الناس بصورة عجيبة، أو يضع في طريقهم أحد سفرائه، كما حدث لكرنيليوس والوزير الحبشي (أعمال 10: 19 و20، 8: 26 - 29). هذه الإعلانات، تؤكّد أنه حين تدقّ الساعة لمغادرة هذا العالم يكون كل إنسان قد تلقّى كفاية من النور لكي يقبل أو يرفض الله. وعلى ضوء هذا النور، تتقرر مسؤوليته.

د - مصير الوثني الجاهل المخلص

والسؤال المطروح هو: ماذا يحدث لوثني مبكّت على خطاياه وتائب بإخلاص، ولكن لم تكن له فرصة لسماع الإنجيل؟ في اعتقادي أن الله العالم بكل شيء يعرف إن كان هذا الإنسان قد واجه الحقيقة فقبلها أو رفضها. ولكن ليس لي أن أقرر ماذا يعمل الله لأجل خاطئ كهذا لكي يتمّم له الوعود المتضمّنة في الإنجيل بحسب يوحنا 3: 36 و12: 32 - على أي حال إن غفر الله لهذا الإنسان، فلن يكون هذا لأجل مجرّد إخلاصه، بل لأجل يسوع المسيح الذي قدّم نفسه كفارة، «لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ » (1 يوحنا 2: 2).

وبصورة مماثلة، كان خطاة العهد القديم، يحصلون على الغفران، لأجل المسيا، الذي سيأتي في ملء الزمان، لكي يموت عوضاً عنهم. مثالاً على ذلك داود الزاني والقاتل، الذي أعلن له أن الله غفر له إثمه وستر خطيته (مزمور 32: 1 - 5). ولكن قد يبدو هذا الغفران، غير متّفق مع نص الشريعة. ويمكن للبعض أن يتساءل إن كان الله في غفران إثم داود لم يشجع البشر؟ بيد أن هذا التساؤل يتوقف حين نذكر أن الله بذل ابنه الوحيد على الصليب لأجل خلاصنا جميعاً. وهذا يعني أن ذبيحة المسيح أوفت عدل الله وشهدت أن الشريعة عادلة ومقدسة. وفي ذات الوقت أبطلت ذبيحة القصاص عن المؤمنين التائبين، قبل موت المسيح وبعده، كما هو مكتوب: «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ» (رومية 3: 24 و25). والواقع إن كانت ذبيحة المسيح، قد خلصت رجال العهد القديم المستنيرين قليلاً، أفليس في وسعها أن تفعل شيئاً لأجل الوثني الجاهل، الذي يطيع بكل نفسه النور الذي تلقّاه؟

ورب معترض يقول: إن كان الأمر كذلك فما فائدة الذهاب للكرازة بالإنجيل للوثنيين، لأن المخلّصين بينهم سينالون الخلاص؟ إن الذي يقول هكذا، يجهل أمرين مهمين جداً:

الأول: المعروف عن الوثنيين أنهم بسبب الظلمات المرعبة التي يعيشون فيها، يندر وجود المخلصين بينهم. لأن أجسادهم مدنسة، وضمائرهم مفسدة، وقلوبهم مسكونة بالأرواح الشريرة. فلنترأف بهم، ولنرحم عذابهم، ولنتجاوب مع حاجتهم الروحية، ولنسرع بنقل النور إليهم! إن لسان حالهم يستصرخ ضمائر المخلّصين، لكي يهبوا لإنقاذهم من ظلمات جهلهم. فهل نحجب عنهم نور الإنجيل، الذي حباه الله لنا؟ وهل نضع وقراً في آذاننا، لكي لا نسمع ذلك النداء الذي أطلقه الرسول بولس: «فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟... إِذاً ٱلإِيمَانُ بِٱلْخَبَرِ، وَٱلْخَبَرُ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ» .(رومية 10: 14 و17) «فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هٰذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ٱبْتَدَأَ ٱلرَّبُّ بِٱلتَّكَلُّمِ بِهِ» (عبرانيين 2: 3).

الثاني: أن الوثني مهما كان مخلصاً، فحياته رازحة تحت ثقل الخطية، وخالية من أي يقين سماوي، يدفعها نحو البر. فكيف يتمكن إنسان كهذا أن يتذوّق السلام والفرح الذي يتأتّى عن الخلاص المعلن في إنجيل الله؟ ونحن العالمين بآلامه وبؤسه، هل يصح أن تحتفظ أنانيتنا بهذه البركات، فلا نشعر بالرغبة الملحة في أن نشركه فيها؟ كلا! إن لا شيء يستطيع أن يحررنا من هذا الواجب العظيم، واجب الكرازة بالإنجيل، لكل نفس واقعة تحت سيطرة الشيطان، ومهدّدة بالقصاص الأبدي.

8 - سفر الحياة

حين نتأمّل في معنى الدينونة من خلال سفر الرؤيا، يطل علينا مشهد الدينونة الأخيرة هكذا: «وَرَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱللّٰهِ، وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ... وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ... مَنْ يَغْلِبُ فَذٰلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَاباً بِيضاً، وَلَنْ أَمْحُوَ ٱسْمَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ... فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ، ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ ٱلَّذِي ذُبِحَ» .(رؤيا 20: 12 و15، 3: 5، 13: 8) «وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوباً فِي ٱلسِّفْرِ» (دانيال 12: 1).

ويذكر الرسول بولس رفقائه في الجهاد لأجل الإنجيل، فيقول: «أَسْأَلُكَ أَنْتَ أَيْضاً، يَا شَرِيكِي ٱلْمُخْلِصَ، سَاعِدْ هَاتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي ٱلإِنْجِيلِ، مَعَ أَكْلِيمَنْدُسَ أَيْضاً وَبَاقِي ٱلْعَامِلِينَ مَعِي، ٱلَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ» (فيلبي 4: 3).

ونقرأ في الرسالة إلى العبرانيين: «قَدْ أَتَيْتُمْ... إِلَى مَدِينَةِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (عبرانيين 12: 22 و23).

وأخيراً نقرأ تصريح الرب يسوع لتلاميذه: «وَلٰكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهٰذَا أَنَّ ٱلأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ ٱفْرَحُوا بِٱلْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (لوقا 10: 20).

هذه الآيات تعلّمنا، أن الله يكتب في سفر الحياة، كل الذين خلصوا بالإيمان. ولكن هناك حقيقة، يجب أن نذكرها وهي أن فرصة الخلاص بالإيمان، لا تبقى قائمة في يوم الدينونة الأخيرة. وهذا يعني أن سفر الحياة يفتح، وكل من لا يوجد اسمه مكتوباً فيه فهو هالك. وهنا يجب التذكير بأن الله سبق فأنذر جميع الناس بأن من يستهين بنعمته المخلّصة، فلا بد أن يكون نصيبه العذاب الأبدي.

من المتيقن عند الجميع، أن الله يعلم كل شيء مسبقاً. وبعلمه هذا يمكنه أن يكتب في سفر الحياة كل الذين سيؤمنون بابنه يسوع المسيح، كما هو مكتوب: «كُل ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللّٰهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. لأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ» (رومية 8: 28 و29).

وبطرس حين خاطب المؤمنين الذين في الشتات قال: «إِلىَ... ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1 بطرس 1: 1 و2).

ولكن إن كان علم الله السابق بالمخلصين يبدو للبعض أنه مغاير لمفاهيم البشر المحدودة. إلا أن كلمة الله تهيب بنا أن نؤمن اليوم، وأن نقبل خلاص الله بالمسيح، إذ تقول لنا: «إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» .(2 كورنثوس 5: 19) «اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي ٱلٱرْتِدَادِ عَنِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ» (عبرانيين 3: 12). فهذه الآيات الكريمة تزفّ إلينا بشرى سارة، وهي إن سمعنا الكلمة الإلهية وقبلنا يسوع مخلّصاً، يمكننا أن نتأكّد أن أسماءنا قد كتبت في السماء وأن أفراح السماء من نصيبنا.

ما أشد جهالة أولئك الذين يرفضون هذه الوسيلة الوحيدة للتمتّع بخلاص الله، والموضوعة بكل بساطة تحت تصرّفهم!

تصوروا أن بعض رجال العصابات يقفون في اجتماع ويقولون: «عند منتصف هذا الليل سنطلق النار على جميع الرهائن المحتجزة لدينا». ولكنهم أضافوا: «إننا نضع على هذه الطاولة دفتراً خاصاً، وكل من يطلب إلينا أن نسجل اسمه في الدفتر فسينجو من الموت بالرصاص!» أفلا يهبّ جميع الرهائن، لتسجيل أسمائهم في دفتر المعفو عنهم؟ وبالمقابل، أليس من الغباء، أن يمتنع المذنبون عن قبول الخلاص المجاني من الهلاك الأبدي؟

تخبرنا الكتابة المقدسة أن الانتظار إلى يوم الدينونة الأخيرة لتسجيل الأسماء في سفر الحياة مرفوض، لأن زمن النعمة يكون قد انتهى. أما بالنسبة لمختاري الله المسجلين في سفر الحياة، فإن أحداً منهم لن يقف للدينونة. لأنه عند اختطاف الكنيسة، يكون الرب قد امتحن خدمة وشهادة كل مؤمن، لكي يقرّر ثوابه. كما هو مكتوب:«لاَ شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رومية 8: 1). وجاء في الإنجيل أن المسيح قال: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ» (يوحنا 5: 24). أما بالنسبة لغير المؤمنين فلا بد أن يقفوا أمام العرش الأبيض ليُدان كل واحد حسب أعماله.

9 - نهاية الموت ومكان الأموات

جاء في الكتاب العزيز أن الموت ومكان الأموات سيُرجعان الأموات الذين فيهما. هكذا نقرأ «وَسَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. وَطُرِحَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ. هٰذَا هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي» (رؤيا 20: 13 و14).

الموت الأول هو موت الجسد، الذي به يترك الإنسان هذا العالم، أما الموت الثاني، فهو العذاب في العالم الآخر وبحسب الكتب، إن الأموات سيذهبون حتماً إمّا إلى السماء وإمّا إلى جهنّم. وعندئذ يتم ما قاله الرسول بولس: «آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ ٱلْمَوْتُ» (1 كورنثوس 15: 26).

أما مكان الأموات المحكي عنه هنا، فهو إلى حدّ ما نوع من السجن الاحتياطي، حيث يحفظ المعاقبون إلى الدينونة الأخيرة. في ذلك الوقت سيقف كل الأموات معاً أمام الديّان العظيم. وبعدئذ يطرح الموت ومكان الأموات في بحيرة النار.

10 - القضاء

قال صاحب الإعلان: «كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ» (رؤيا 20: 15). قد يقول أحدهم: بما أن المسيح قد مات ليكفر عن خطايا العالم أجمع، فإنه لمن التناقض أن يقول الكتاب بأن فئة من الناس تهلك لسبب خطاياها. هذا خطأ لأن الإنسان لا يهلك بسبب خطاياه بل يهلك بسبب رفض نعمة الله في المسيح يسوع، مصداقاً لقول الإنجيل: «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يوحنا 3: 18). ومعنى هذا أن الناس يخلصون بالإيمان ويهلكون بسبب عدم الإيمان، الذي يمنع كتابة الأسماء في سفر الحياة. وهنا تبرز أهمية كون الإنسان مكتوباً في سفر الحياة. ولكن كثيرين أساءوا فهم هذه النقطة فخدعوا أنفسهم ظانين أن نسبتهم الاسمية للمسيح تكفي لكي يكتب اسمهم في سفر الحياة. فيبقون إلى آخر لحظة عائشين على هامش المسيحية. ولكنهم في يوم الدين، يقولون ليسوع: «يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِٱسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِٱسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِٱسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي ٱلإِثْمِ!» (متّى 7: 22 و23).

إذن بالنسبة للخائفين الذين يمكن تسميتهم بالفاترين (الذين لم يهجروا الخطية) وغير المؤمنين (الذين يجب أن يوضعوا في رأس لائحة الأشرار) «وٱلرَّجِسُونَ وَٱلْقَاتِلُونَ وَٱلزُّنَاةُ وَٱلسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ ٱلأَوْثَانِ وَجَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي» (رؤيا 21: 8).

والآن خوفاً عليك من أن تقع يوماً تحت دينونة كهذه، نتقدّم إليك «كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ» .(2 كورنثوس 5: 20) «لأَنَّهُ يَقُولُ: فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ. هُوَذَا ٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (2 كورنثوس 6: 2). إقبل النعمة اليوم، فربما في الغد يكون الوقت متأخراً...

جهنّم العذاب

1 - وصف جهنم

الكلمة جهنم مأخوذة من «وادي هنوم» الواقع إلى الجنوب والغرب من مدينة القدس. وفي هذا الوادي نفسه أجاز آحاز ومنسى أولادهما بالنار (2 ملوك 16: 3، 2 أخبار 28: 3). ثم جعل الوادي مزبلة للمدينة المقدسة وسمي مكان الضباب وأرض اللعنة. وهكذا تطور احتقار اليهود للمكان حتى أطلقوا اسمه على مكان الهلاك. ومن هنا ولدت كلمة جهنم (متى 5: 22، 10: 28، 23: 15) حيث البكاء وصرير الاسنان، وحيث النار الأبدية والعقاب الدائم للأشرار (متّى 25: 46، مرقس 9: 43 و44، 2 بطرس 2: 4). وقد أطلق على مكان العذاب عدة أسماء وأوصاف في الكتاب المقدس، أكثرها تداولاً:

  1. كومة نار وحطب مشتعلة بنفخة الرب

    «لأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضاً لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةٌ وَاسِعَةٌ، كُومَتُهَا نَارٌ وَحَطَبٌ بِكَثْرَةٍ. نَفْخَةُ ٱلرَّبِّ كَنَهْرِ كِبْرِيتٍ تُوقِدُهَا» (إشعياء 30: 33).

  2. وقائد أبدية

    «ٱرْتَعَبَ فِي صِهْيَوْنَ ٱلْخُطَاةُ. أَخَذَتِ ٱلرِّعْدَةُ ٱلْمُنَافِقِينَ. مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي نَارٍ آكِلَةٍ؟ مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي وَقَائِدَ أَبَدِيَّةٍ؟» (إشعياء 33: 14).

  3. اللهيب

    «فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ٱرْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هٰذَا ٱللَّهِيبِ» (لوقا 16: 24).

  4. حيث الدود لا يموت

    في نهاية كلامه عن مجد الملك الألفي قال إشعياء النبي: «وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ» (إشعياء 66: 24).

    وقال يسوع: «خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ ٱلنَّارِ، حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لاَ تُطْفَأُ» (مرقس 9: 47 - 48).

  5. العار في الازدراء الأبدي

    «وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلٱِزْدِرَاءِ ٱلأَبَدِيِّ» (دانيال 12: 2).

  6. النار التي لا تطفأ

    «خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لاَ تُطْفَأُ» (مرقس 9: 43).

  7. النار الأبدية

    «فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَٱقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ» (متّى 18: 8).

  8. النار التي تأكل المضادين

    «فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِٱخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ ٱلْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ ٱلْخَطَايَا، بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ ٱلْمُضَادِّينَ» (عبرانيين 10: 26 و27).

  9. جهنم النار ونار جهنم

    «وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمَ ٱلنَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ» (متّى 18: 9). «... مَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ» (متّى 5: 22).

  10. الهلاك

    «اُدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ ٱلْبَابُ وَرَحْبٌ ٱلطَّرِيقُ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ!» (متّى 7: 13).

  11. أتون النار

    «فَكَمَا يُجْمَعُ ٱلزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِٱلنَّارِ هٰكَذَا يَكُونُ فِي ٱنْقِضَاءِ هٰذَا ٱلْعَالَمِ: يُرْسِلُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ ٱلْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي ٱلإِثْمِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ ٱلنَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (متّى 13: 40 - 42).

  12. مكان البكاء وصرير الأسنان

    «حِينَئِذٍ قَالَ ٱلْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ٱرْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَٱطْرَحُوهُ فِي ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (متّى 22: 13).

  13. العذاب الأبدي

    «فَيَمْضِي هٰؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (متّى 25: 46).

  14. الظلمة الخارجية

    «وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو ٱلْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (متّى 8: 11 و12).

  15. الغضب الآتي

    وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه: «يَا أَوْلاَدَ ٱلأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي؟» (لوقا 3: 7) «... وَلٰكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ ٱلتَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ ٱلْغَضَبِ وَٱسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ ٱللّٰهِ ٱلْعَادِلَةِ... وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ ٱلتَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ، شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ» .(رومية 2: 5 و8 و9) ... «رَجَعْتُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنَ ٱلأَوْثَانِ لِتَعْبُدُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ ٱلْحَقِيقِيَّ، وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي» (1 تسالونيكي 1: 9 و10).

  16. العذاب واللهيب

    «فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ... فَنَادَى: يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ٱرْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هٰذَا ٱللَّهِيبِ» (لوقا 16: 23 و24).

  17. الهلاك الأبدي

    «مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ» (2 تسالونيكي 1: 8 و9).

  18. الانتقام

    «لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ ٱلّزِنَا، أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ، لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَٱلأُمَمِ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ. أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُنْتَقِمٌ لِهٰذِهِ كُلِّهَا كَمَا قُلْنَا لَكُمْ قَبْلاً وَشَهِدْنَا. لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَدْعُنَا لِلنَّجَاسَةِ بَلْ فِي ٱلْقَدَاسَةِ» (1 تسالونيكي 4: 3 - 7).

  19. الويل

    قال يسوع: «إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ» (متّى 26: 24) «... وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ ٱلدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ!» (متّى 23: 13).

  20. النار والكبريت

    «ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالِثٌ قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ، فَهُوَ أَيْضاً سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ ٱللّٰهِ ٱلْمَصْبُوبِ صِرْفاً فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ. وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 14: 9 - 11).

  21. بحيرة النار المتقدة بالكبريت

    «فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي بِهَا أَضَلَّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ ٱلٱثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِٱلْكِبْرِيتِ» (رؤيا 19: 20).

  22. بحيرة النار

    «وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ» (رؤيا 20: 15).

الموت الثاني

«وَأَمَّا ٱلْخَائِفُونَ وَغَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلرَّجِسُونَ وَٱلْقَاتِلُونَ وَٱلزُّنَاةُ وَٱلسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ ٱلأَوْثَانِ وَجَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي» (رؤيا 21: 8).

إيضاح: الموت الأول هو الوفاة التي بها يغادر الإنسان هذه الأرض. والموت الثاني، هو الذي يصيب المعاقبين بعد الدينونة الأخيرة. وهو في لغة الكتاب المقدس مرادف لجهنّم. والمعلوم أن الموت الأول يفضي إلى تفسّخ الجسد، ولكن الموت الثاني لا يفضي إلى ملاشاة النفس المعاقبة. هذه الحقيقة معلنة في سفر الرؤيا إذ يقول:«وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 14: 11) «... وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10)...

2 - ما هي جهنّم

أ - حقيقة جهنّم

يتبين من النصوص أعلاه، أن جهنّم حقيقة مخيفة، إلى حدّ أن بعض الأشخاص يسخطون عند ذكر صور دينونات جهنّم القاسية، التي ضرب بها الإنسان في العهد القديم، وخصوصاً الطوفان في زمن نوح، وحرق مدينتي سدوم وعمورة. ويقولون إنه بسبب هذه الكوارث، لا يجدون في الله إله الحب، الذي أعلن عنه في العهد الجديد. لكأنهم ينسون أن الدينونات المعلنة في العهد الجديد، أشد هولاً من تلك التي ذكرها العهد القديم مثالاً على ذلك: «مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ. فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ... مُخِيفٌ هُوَ ٱلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ!» (عبرانيين 10: 28 - 31).

إن دينونات العهد القديم التي تعرضت للنقد، كانت جسدية وأرضية وبالتالي زمنية. وكانت تترك للخاطي إمكانية التوبة عند الموت، وهكذا تنجو النفس. أما العذابات التي يشير إليها العهد الجديد ويشدد عليها فهي روحية وقاسية وأبدية.

ب - الصور التي تمثل جهنّم

النار، ففي الاثنتين والعشرين صورة لجهنّم التي وردت أعلاه ثلاث عشرة تقترن بالنار: نار حطب مشتعلة، وقائد أبدية، نار آكلة، اللهيب، النار التي لا تطفأ، النار الأبدية، النار التي تأكل المضادين، جهنّم النار، نار جهنّم، أتون النار، النار والكبريت، بحيرة النار المتقدة بالكبريت، بحيرة النار. وصور أخرى مخيفة منها:

الدود الآكل

العار الأبدي

العذاب الأبدي

الويل

البكاء وصرير الأسنان

الظلمة

الازدراء الأبدي

الغضب الآتي

الهلاك الأبدي

الانتقام، الخ...

من المتفق عليه أن الكتابة المقدسة كانت مضطرّة على استعمال الاصطلاحات اللغوية البشرية، لكي تعطينا الفكرة عن العالم الآتي. ولكن التعابير التي استعملت لوصف ما هناك، هي محض روحية. وتختلف كل الاختلاف عن المشاهد المشخّصة التي تخيّلها فنّانو القرون الوسطى. ففي الكتاب المقدس، لم ترد أية صورة لجهنّم في شكل مرجل مضحك هائل الحجم، تسلق فيه أجساد الملاعين، وحولهم مجموعة من الشياطين ذوي القرون، والمسلحين بقضبان حديد مسننة، يطعنون بها تلك الأجساد. ولعل الناس تخيلوا هذه الصور، وهم يقرأون التعابير الكتابية عن النار الآكلة، والدود القارض، والظلمات الخارجية، وبحيرة النار، الخ... ولكن هذه التعابير أقرب إلى المعنى الروحي منها إلى المعنى المادي. وهي لا تحمل في عمقها إلاّ فكر العذاب الشديد الحاصل عن التبكيت، والشقاء في الظلام، والانفصال عن الله.

ج - ماذا تعني جهنّم إذن؟

إن أفضل وصف لجهنّم هو ما جاء في الرسالة الثانية إلى التسالونيكيين 1: 7 - 9، حيث نقرأ: «... عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ ٱلرَّبِّ» ومعنى هذا أن الأشرار سيكونون في حال انفصال أبدي عن الله. بمعنى أن حقيقة ذلك الهلاك، يقوم بالفصل عن الله، وبالنفي الأبدي من حضرته التي هي منشأ كل سعادة. وهذا ما صرّح به المسيح حين قال:«اذهبوا عني يا ملاعين...».

والواضح من تعليم الكتب المقدّسة، ان السّعادة الأبدية تقوم بالوجود في حضرة الله. وقد أشار بولس الرسول إلى هذه الحقيقة، حين قال: «وهكذا نكون كل حين مع الرب». وبالمقابل نرى في الكلمة الإلهية أن الهلاك الأبدي المعبّر عنه بالموت الثاني هو الانفصال نهائياً عن الله.

3 - عذاب جهنّم

أ - أقوال الكتاب المقدس

«لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ» .(إشعياء 57: 21). الأشرار يستيقظون من تراب الأرض... إلى العار للازدراء الأبدي (دانيال 12: 2) «دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لاَ تُطْفَأُ» .(مرقس 9: 48) « هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (متى 22: 13) «فَيَمْضِي هٰؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ» .(متّى 25: 46) «يَا أَبِي إِبْرَاهِيمُ ٱرْحَمْنِي... لأَنِّي مُعَذَّبٌ» .(لوقا 16: 24) «وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ ٱلتَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ» (رومية 2: 8).

ب - مِمَّ يتألف العذاب؟

ما جاء في قصة لعازر والغني الرديء في لوقا 16 يعطينا فكرة واضحة عن العذاب الأبدي. فالهالك، يكون في حال انفصال عن مكان السعادة بهاوية سحيقة لا يمكن اجتيازها. ويكون في حالة كاملة من يقظة الضمير وحضور الذاكرة. ويكون ملماً تماماً بالخلاص الذي أضاعه، الأمر الذي يضاعف ندمه. وبالتالي عذابه، ويحمله على اليأس. وإذ كان جواب إبراهيم على توسلاته سلبياً، ازداد يأسه، فقد قال له إبراهيم إن بيننا وبينكم هوّة عظيمة قد أُثبتت، حتى أن الذين يريدون العبور من ههنا إليكم لا يقدرون (لوقا 16: 26). وهذا يعني أنه يستحيل على النفس المعذّبة أن تغادر المكان لكي تصعد إلى أعلى.

يقول بعض الناس: كيف يمكن أن إله الحب والرحمة يسرّ في أن يعذب إلى الأبد المخلوقات، حتى ولو كانت متمرّدة؟ لم يذكر الكتاب إطلاقاً بأن الله يريد عذاب الأشرار، كما أن لا دخل له في إلقائهم في جهنّم العذاب. لكن الأشرار هم الذين انفصلوا باختيارهم عن الله وعن نعمته المخلصة. لقد رفضوه وتبعاً لذلك جلبوا الشقاء على أنفسهم. وعذابهم يتضمن في حرمانهم من السعادة والفرح بالغفران، وبالسلام الذي يستطيع الله وحده أن يهبه.

في كلامه عن العبرانيين الذين نجسوا الأرض بآثامهم قال الله بفم موسى: «كَعَدَدِ ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا ٱلأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ. تَحْمِلُونَ ذُنُوبَكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَتَعْرِفُونَ ٱبْتِعَادِي. أَنَا ٱلرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمْتُ. لأَفْعَلَنَّ هٰذَا بِكُلِّ هٰذِهِ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلشِّرِّيرَةِ ٱلْمُتَّفِقَةِ عَلَيَّ. فِي هٰذَا ٱلْقَفْرِ يَفْنُونَ وَفِيهِ يَمُوتُونَ» (عدد 14: 34 و35) .في اعتقادي أنه لا يوجد تعبير لعذاب جهنم أوضح من هذا، أن يحرم أحد من محضر الله لقد عمل الله كل شيء من أجل خلاص الإنسان. «بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16). وكلّم الناس بإعلان مثلّث، اي بالطبيعة، والضمير والكتب المقدسة (رومية 1: 20 و21، 2: 14 - 16). وبكّتهم بروحه القدوس وسألهم برأفته أن يسلموه ذواتهم. فإن كانوا بعد هذا، يبتعدون عنه باختيارهم، فالمعنى أنهم هم الذين انفصلوا عنه وتبعاً لذلك حرموا من السعادة الأبدية، فصار نصيبهم الشقاء الأبدي. هذه هي جهنّم.

حين أطلق يسوع صرخته الداوية على الصليب: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟» كان يعرِّف جهنّم لأنه كان يعاني من عذابها بالنيابة عنا.

فكم سيكون شديداً رعب وعذاب أولئك، الذين سيقول لهم الرب: «ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (متّى 25: 41).

4 - مدة الإقامة في جهنّم

(1) إن ما قيل آنفاً مخيف حقاً! ولكن الأشدّ رهبة هو انعدام الرجاء بالخلاص منه. لأن الكتاب المقدس يجزم تماماً بأن عذاب جهنّم لا يتوقف إلى الأبد. والنصوص الكتابية، التي تؤيد ذلك عديدة منها:

  1. قول إشعياء عن وقائد أبدية (إشعياء 33: 14)، وعن نار لا تطفأ (إشعياء 66: 24).
  2. قول دانيال عن العار في الازدراء الأبدي (دانيال 12: 2)
  3. قول يوحنا والمسيح عن النار التي لا تطفأ أبداً (متّى 13: 12، مرقس 9: 43).
  4. قول المسيح: «يَمْضِي هٰؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (متّى 25: 46).
  5. «وَلٰكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً» .(مرقس 3: 29) «مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ وَلاَ فِي ٱلآتِي» (متّى 12: 32).

    تدلنا القرائن على أن الخطية ضد الروح القدس، هي التصدي المصمم، على عمله بالتبكيت على الخطية والحض على تجديد الحياة بقبول يسوع المسيح مخلصاً.

    ويقيناً أننا حين نتأمّل بعمق في ما كتب في الأسفار المقدّسة عن الروح القدس، ندرك أن عمله يتناول الإنسان بأنه خاطئ، وبأن المسيح هو المخلّص. فإذا رفض الإنسان هذه الحقيقة، يكون قد ارتكب الخطية التي لا تغفر. فالذاهبون إلى العذاب إذن، هم الذين رفضوا المخلّص على وفق قوله: «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يوحنا 3: 18).

  6. أن الدينونة الأبدية، هي من الأشياء الأكثر بداهة وحقاً. فقد قال الرسول: «لِذٰلِكَ وَنَحْنُ تَارِكُونَ كَلاَمَ بَدَاءَةِ ٱلْمَسِيحِ لِنَتَقَدَّمْ إِلَى ٱلْكَمَالِ، غَيْرَ وَاضِعِينَ أَيْضاً أَسَاسَ ٱلتَّوْبَةِ مِنَ ٱلأَعْمَالِ ٱلْمَيِّتَةِ، وَٱلإِيمَانِ بِٱللّٰهِ، تَعْلِيمَ ٱلْمَعْمُودِيَّاتِ، وَوَضْعَ ٱلأَيَادِي، قِيَامَةَ ٱلأَمْوَاتِ، وَٱلدَّيْنُونَةَ ٱلأَبَدِيَّةَ» (عبرانيين 6: 1 و2).
  7. نقرأ في رسالة يهوذا: «إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، أَهْلَكَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا. وَٱلْمَلاَئِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ ٱلظَّلاَمِ. كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ... هٰؤُلاَءِ... نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ ٱلظَّلاَمِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يهوذا 5 - 13).

ونقرأ في سفر الرؤيا: «وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ... . وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 14: 11، 19: 3، 20: 10).

إن من يقرأ هذه الفقرات، لا بد أن يستخرج المؤثرات الفاجعة، التي تؤكد أن عذاب جهنّم ليس له نهاية. بيد أن هذه الفكرة مهما كانت مرعبة بالنسبة للنفس البشرية، فقد لاقت معارضات كثيرة، كان هدفها زعزعة هذا اليقين.

(2) الاعتراضات على عقيدة العذاب الأبدي

أ - يقول النقاد إن الاصطلاحات اللغوية في العهد القديم يمكن أن تفيد أن الكلمات: موت، أبد، أبدي، أبدية، لا تحمل بالضرورة معنى الأبد المطلق. مثلاً على ذلك القول:«لأَنَّكُمْ قَدْ أَضْرَمْتُمْ نَاراً بِغَضَبِي تَتَّقِدُ إِلَى ٱلأَبَدِ» .(إرميا 17: 4) «لأَنَّ شَعْبِي قَدْ نَسِيَنِي... وَقَدْ أَعْثَرُوهُمْ فِي طُرُقِهِمْ فِي ٱلسُّبُلِ ٱلْقَدِيمَةِ لِيَسْلُكُوا فِي شُعَبٍ، فِي طَرِيقٍ غَيْرِ مُسَهَّلٍ لِتُجْعَلْ أَرْضُهُمْ خَرَاباً وَصَفِيراً أَبَدِيّاً» .(إرميا 18: 15 و16) «وَيَكُونُ عِنْدَ تَمَامِ ٱلسَّبْعِينَ سَنَةً أَنِّي أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَتِلْكَ ٱلأُمَّةَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ عَلَى إِثْمِهِمْ وَأَرْضَ ٱلْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَجْعَلُهَا خِرَباً أَبَدِيَّةً» (إرميا 25: 12).

إن الاستشهاد بهذه العبارات لا يمكنه غمط الحقيقة المعلنة من الله عن أبديته، وعن الحياة الأبدية، وعن العذاب الأبدي. فهذه الإعلانات لها معنى الإطلاق. مثلاً على ذلك قول الكتاب: «كُرْسِيُّكَ يَا اَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ» .(مزمور 45: 6) «مُنْذُ ٱلأَزَلِ إِلَى ٱلأَبَدِ أَنْتَ ٱللّٰهُ» .(مزمور 90: 2) «أَنَا هُوَ ٱلْخُبْزُ ٱلْحَيُّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هٰذَا ٱلْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى ٱلأَبَدِ» .(يوحنا 6: 51) «أَمَّا قِدِّيسُو ٱلْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ ٱلْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ ٱلْمَمْلَكَةَ إِلَى ٱلأَبَدِ وَإِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» .(دانيال 7: 18) «وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10). فتعاقب الكلمات دهر الدهور، وأبد الآبدين، وإلى الأبد، له دلالته على أن المعنى به هو الأبد المطلق.

ب - يزعم البعض أن الكلمة «أبدي» الواردة في العهد الجديد في اليونانية تعني فقط مدة طويلة بالمقارنة مع الدهر الآتي. ويقولون إنه يمكن ترجمتها بكلمة عصر. فليكن التشابه بين الكلمتين «أبدي» والدهر الآتي. فليس من أحد يشك في ذلك. ولكن العهد الجديد كان له اهتمام خاص، لكي لا يتركنا في الجهل من جهة استعمال هذه التعبير الذي ورد 71 مرة في أسفار العهد الجديد. منها 64 تقرر الحقائق الإلهية والسعيدة في العالم الآتي: الإله الأبدي، قدرته السرمدية، الروح الأبدي، المجد الأبدي، التعزية الأبدية، الخيمة الأبدية، الأزمنة الأزلية، الأشياء غير المنظورة الأبدية. فهذه الحالات جميعها، بلا شك تعني مدة غير محدودة. وبالمقابل توجد سبع حالات تتناول فيها الهلاك الأبدي (متّى 18: 8، 25: 41، يهوذا 7). والنار الأبدية (متّى 25: 46). والعذاب الأبدي (مرقس 3: 29). والدينونة الأبدية (2 تسالونيكي 1: 9). والانتقام الأبدي (عبرانيين 6: 2).

ج - أيضاً زعم المعترضون أن التعبير القائل: إلى أبد الآبدين يعني عدداً من الأزمنة وليس الأبدية المطلقة. ورداً على هذا الادعاء لننظر المعنى الذي أُعطي لهذا التعبير في سفر الرؤيا، الذي يستعمله غالباً. قال يسوع: «أَنَا هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ، وَٱلْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 1: 17 و18). ويقدم لنا سفر الرؤيا مشهداً لعبادة أهل السماء إذ يقول: «وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 4: 10). ونقرأ في السفر المجيد تسبيحة أهل السماء في المحضر الإلهي القائلة: «لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 5: 13). ونقرأ أيضاً تسبيحة المفديين وملائكة السماء القائلة: «آمِينَ! ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْحِكْمَةُ وَٱلشُّكْرُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلْقُوَّةُ لإِلٰهِنَا إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» .(رؤيا 7: 12) ويذكر هذا السفر المجيد أن المختارين سيملكون مع المسيح إلى أبد الآبدين (رؤيا 22: 5).

إلى هنا أرى أن التعبير إلى أبد الآبدين يعني زماناً لا نهاية له. واستطراداً لا يسعني إلا أن أتساءل: لماذا يحاول البعض تحميله معنى المحدودية بالنسبة لجهنّم؟ ولكن ألم يقل صاحب الإعلان «وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ»؟ (رؤيا 14: 11).

أخيراً يقول المتضلّعون في اللغة اليونانية أن العبارة «إلى أبد الآبدين» وردت 12 مرة في سفر الرؤيا بمعنى الأبدية المطلقة.

د - يمكننا أن نقول الشيء نفسه بالنسبة لكلمتي الأبدية وإلى الأبد، لأن العهد الجديد يستعملها بمعنى الأبدية المطلقة. مثلاً على ذلك القول الرسولي: «وأَمَّا هٰذَا فَلأَنَّهُ يَبْقَى إِلَى ٱلأَبَدِ، لَهُ كَهَنُوتٌ لاَ يَزُولُ... يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين 7: 24، 13: 8). «... لأَجْلِ هٰذَا ٱفْتَرَقَ عَنْكَ إِلَى سَاعَةٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (فيلمون 15).

هنا لا بد للمتأمل في هذا الموضوع أن يتساءل: لماذا هذه الكلمات نفسها يجب أن تتغير فجأة، حين يكون الكلام عن جهنّم؟ انظر ما قاله الرسول في أبدية جهنّم: «أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ ٱلظَّلاَمِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يهوذا 13).

هـ - يقول المعترضون: إن الدود الذي لا يموت والنار التي لا تطفأ، ليست سوى كلمات مجازية، لأن الدود حين يقضم كل شيء يموت، وحين تحرق النار كل شيء تنطفئ. ففي وادي هنوم (جهنّم) كانت النفايات تذهب طعماً للنيران. والنار كانت تبقى مشتعلة، طالما تلقى فيها النفايات. هذا التحليل يبدو صحيحاً من جهة النار والوقود الأرضي. ولكن هذا لا ينطبق إطلاقاً على ما يقوله الكتاب عن العالم الآتي. والواقع، إن كانت الأنفس تبقى في العذاب، فلماذا تكون جهنّم وقتية؟ وإلا ما معنى قول صاحب الإعلان:«وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 20: 10) فالبحيرة المتقدة إذن تبقى إلى ما لا نهاية له.

في معرض التكلّم عن أبدية جهنّم، أرى لزاماً عليّ أن أعود للتكلّم في مسألة الفناء. صحيح أن قبول حقيقة جهنّم الأبدية يواجه صعوبة لدى كثيرين: ولكن بما أن النصوص الكتابية الخاصة بهذا الموضوع في متناول أيدي الجميع فلا مندوحة لنا من إحناء الرأس والتسليم بكل ما جاء في الكلمة الإلهية. وكم هوجدير بنا أن نتصرّف كما تصرّف الواعظ الكبير أدولف مونود حين استنار ذهنه وعرف الحقيقة، فقال:

«لقد بذلت كل ما في طاقتي من جهود، لكي أجد في كلمة الله ما ينفي وجود العذابات الأبدية، ولكنني لم أنجح في محاولاتي. فحين قرأت ما أعلنه يسوع: «يمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي ويمضي الأبرار إلى حياة أبدية» تبيّن لي أن عذاب الأشرار أبدي، كما أن سعادة الأبرار أبدية. وعندئذ لم يكن في وسعي إلا التسليم وإحناء الرأس، ثم وضعت يدي على فمي، وآمنت بالعذابات الأبدية» (مجموعة المواعظ الأولى صفحة 374 و375 التي نُشرت في باريس سنة 1860).

5 - بعض الأسئلة الخاصة بجهنّم

أ - هل جهنّم الأبدية متفقة مع محبة الله؟

ذكرت في ما تقدم بعض الآراء القائلة إن الله أكثر صلاحاً من أن يعذّب الخطاة إلى الأبد. هذه حجّة ليست واهية وحسب، بل أيضاً تنطوي على خطأ بالغ الخطورة. صحيح أن الله صالح، وإن إلى الأبد رحمته. ولكنه عز وجل ليس ضعيفاً متساهلاً، يمضي وقته في غفران الذنوب، دون قصاص على الإطلاق. فيقيناً أن إلهاً كهذا يحسب صنماً، وليس إلهاً صالحاً كامل القداسة. وفي لغة أخرى إنه إله زائف، لا وجود له إلا في مخيّلة أولئك الذين يدارون خطاياهم، ولا يعرفون إله الكتاب المقدس، الذي أعلن أن الله هو في ذات الوقت إله المحبة وإله القداسة. ففي حبه كآب «لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ» (رومية 8: 32). وفي قداسته جعل ابنه «ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2 كورنثوس 5: 21).

جاء في الكلمة الرسولية، أن من يحتقر ابن الله ويزدري بروح النعمة، رافضاً حب الله، لا بد أن يعاقب بدون شفقة، كما هو مكتوب: «مُخِيفٌ هُوَ ٱلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ!»(عبرانيين 10: 26 - 31).

ويبيّن التاريخ البشري بوضوح أن دينونات الله رهيبة. فالذي ضرب جيل الطوفان، وسدوم وعمورة، ومصر، والقدس، وأشور، وبابل. والذي في أيامنا الأخيرة سمح بموت الملايين من مستكبري مدينتنا بنار الحروب، أليس هو الإله الصالح نفسه؟

على أي حال، فإلهنا الصالح بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، لكي يخلصنا مع أن الغالبية من جنسنا لم تشأ فهم معنى تصرفه حيال البشر. ولهذا لا بد أن ينفذ إنذاراته بالقصاص الأبدي ذات يوم. وإنه لمما يُؤسف له أن يكون معظم الناس قد سخروا طويلاً من نعمته المخلصة، ولهذا سيكون عقابه شديداً. وهنا يمكن القول إن جهنّم العذاب ليست سوى امتداد لما يعانيه الناس على الأرض من آلام، ولكن بصورة أشد. إن أوضح برهان على أن دينونة جهنّم ليست ضداً لحب الله المقدس، هو في أن المسيح نفسه سيكون الديان. والمسيح المحبّ إياه سيقول للذين عن يساره: «ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (متّى 25: 41) هذه الأمور تبيّن لنا حبّ الله وعدله في آن واحد. وقد تثير هذه الحقيقة دمدمة لدى بعض الناس، ولكن لا الدمدمة ولا المعارضة، تستطيع أن تغير المصائر مهما تذمّر الناس.

ب - هل يتلاشى المعذبون

يحاول بعض اللاهوتيين العصريين التصدّي للاعتقاد بالعذاب الأبدي بقصد التمويه. ويحاولون إيجاد حجّة في قول إن الله وحده له عدم الموت (1تيموثاوس 6: 16). ولكن هذا الآية لا تحمل أي نفي للعذاب الأبدي. وليس في كلماتها ما يبطل قول الإنجيل: «ٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِٱلٱبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (يوحنا 3: 36).

ويقول هؤلاء اللاهوتيون، إن الاعتقاد بخلود النفس لا جذور له في الكتاب المقدس، وإنما اقتبسها المسيحيون من الوثنية، وقد أخذوها من أفلاطون. لأن الكتاب العزيز يقول:«اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 4). ومعنى هذا أن نفس الخاطي ستتلاشى في العالم الآخر، كما تفسخ جسده في هذه الدنيا. ولكن الكتاب المقدس في مفهومه الصحيح، يدحض كل واحدة من هذه الحجج.

  1. كل مؤمن يقرّ بأن الله وحده له الحياة الحقيقية، وأنه لا يعطي هذه الحياة إلا للمؤمنين. لأن الحياة الأبدية هي في أن يعرف المؤمن الآب والابن (يوحنا 17: 3). وهذا يعني أن عدم معرفة الله هو الغطس في الموت الروحي. ولكن الأشرار يصابون أيضاً بالموت الثاني، الذي هو الهلاك وليس الفناء. وهم كما تقدم يعذبون إلى أبد الآبدين.
  2. من المسلّم به أن فكرة خلود النفس عالمية وموجودة في كل الديانات. ولكن الكتاب المقدس، أول من علم أنه بالقيامة تتابع الشخصية البشرية وجودها في العالم الآخر جسداً ونفساً. يؤكد الكتاب أيضاً أن القيامة ستحدث للأشرار كما للأبرار (يوحنا 5: 29 دانيال 13: 2).
  3. حين يتكلم الكتاب عن تدمير وهلاك وخراب الأشرار، يجب أن يفهم المعنى الحقيقي لهذه التعابير: فسفر الرؤيا يتكلم عن هلاك «ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ» (رؤيا 11: 18). وواضح أن الأشرار لا يفنون الأرض بل يهلكونها إذ ينشرون الشقاء فيها. وهذا ما سيفعله الرب بهم عقاباً لهم. ويعبّر بولس عن الحكم عليهم بالقول، إنهم سينالون عذاباً هو الهلاك الأبدي، بعيداً عن وجه الرب (2 تسالونيكي 1: 9) والكلمة «هلاك» كما وردت في لغة العهد الجديد الأصلية لا تعني الفناء. (انظر كورنثوس الأولى 5: 5، تسالونيكي الأولى 5: 3، تيموثاوس الأولى 6: 9). وتفيد القرائن أن حال الشقاء هذه تبقى إلى الأبد. وأيضاً هلاك الجسد المذكور في كورنثوس الأولى 5: 5 لا يحول مطلقاً دون قيامة أجساد الأشرار والأبرار.

    ومما يجب ذكره في هذا الصدد، هو التعبير الوارد في قول المسيح: «وَلاَ تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلٰكِنَّ ٱلنَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (متّى 10: 28). فالكلمة يهلك في لغة العهد الجديد الأصلية هي الكلمة عينها التي قيلت عن خراف بيت إسرائيل الضالة (متّى 10: 6)، وعن الخروف الضال (لوقا 15: 6)، وعن الدرهم الضائع (لوقا 15: 9)، وعن الابن الضال (لوقا 15: 24). والمسيح نفسه، حين حدد طبيعة رسالته قال: «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (متّى 18: 11).

    ويخبرنا المسيح أن الابن الضال فيما كان بعيداً عن أبيه، كان هالكاً وشقياً وبائساً. هكذا سيكون الأمر بالنسبة للخطاة في جهنّم.

  4. لنحلّل أخيراً كلمة «هلاك» كما هي مستعملة في آيات الكتاب والتي اعتبرها اللاهوتيون العصريون «ملاشاة» ولنبدأ بالعهد القديم:

    1 - صموئيل الأول 2: 9 «وَٱلأَشْرَارُ فِي ٱلظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ»، وقد ترجمها لويس سيلوند «يتلاشون» والكلمة عينها جاءت في إرميا 8: 14 بمعنى صمت أيضاً. وفي المزمور 31: 17 عبر عنها بالسكوت إذ قيل: «لِيَخْزَ ٱلأَشْرَارُ. لِيَسْكُتُوا فِي ٱلْهَاوِيَةِ». وفي المزمور 92: 9 عبر عنها بالإبادة، إذ يقول: «هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ». وفي مزمور 94: 23 عبر عنها بالفناء إذ يقول: «وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ. يُفْنِيهِمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا». وفي المزمور 101: 5 عبر عنها بالقطع إذ يقول: «ٱلَّذِي يَغْتَابُ صَاحِبَهُ سِرّاً هٰذَا أَقْطَعُهُ». ولكن أيّاً من هذه التعابير الكتابية لا يعني الفناء أو الصيرورة إلى العدم.

    نقرأ في فيلبي 2: 7 أن المسيح أخلى نفسه، وفي ترجمة لويس سكوند: جرد نفسه، وفي ترجمة داربي: لاشى نفسه. ولكن المتضلعين باللغة اليونانية يقولون إن الكلمة الأصلية تعني أفرغ نفسه، لكي يكمل فداءنا المجيد.

    نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ»(عبرانيين 2: 14). فهذه الإبادة ليست صيرورة إلى العدم. لأن إبليس الذي وقع عليه هذا النوع من الإبادة لم يكف عن الوجود والنشاط في العالم.

    ونلاحظ أن الرسول بولس استعمل كلمة إبطال في معرض كلامه عن عمل المسيح في حياة المؤمن، إذ قال: «وَنَقَضَ حَائِطَ ٱلسِّيَاجِ ٱلْمُتَوَسِّطَ أَيِ ٱلْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ ٱلْوَصَايَا» (أفسس 2: 14 و15). وفي كلامه عن النبوات قال الرسول: «وَأَمَّا ٱلنُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَٱلأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَٱلْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ» (1 كورنثوس 13: 8).

    ففي كل هذه التعابير، نرى أن المعنى سواء كان في الإبادة أو الإبطال، هو صيرورة الشيء غير عامل أو غير ذي جدوى.

  5. بسبب عدم مطالعة الأسفار المقدسة، اختلف أصحاب هذه العقيدة حول وقت الملاشاة. فبعضهم يقول إن الأشرار يصيرون إلى العالم حالما يغادرون هذه الدنيا. وهذا كل ما يشتهيه الكفرة الملحدون الذين شعارهم: لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت. ولكن قصة لعازر والغني الرديء تضع حداً لتخرصاتهم (لوقا 16: 19 - 31). أما البعض الآخر فيزعم أن الملاشاة، تحدث عند الدينونة الأخيرة حالما يطرح الأشرار في بحيرة النار والكبريت. هذا الرأي تبين خلطه في ما تقدم. والواقع أنه ليس من العدل في شيء أن يبقى قايين آلاف السنين في مكان العذاب منتظراً الدينونة الأخيرة، بينما الأحياء المتمردون في نهاية الحكم الألفي والشيطان نفسه يتلاشون حالما يطرحون في جهنّم.

ج - هل يصدر عفو عن المعذّبين؟

يزعم أصحاب العقيدة المسماة بالعالمية أنه بعد أن يُعذَّب الأشرار الوقت الذي تتطلبه خطيتهم يصدر الله عفواً عنهم، وهكذا يخلص الجميع في النهاية، لأن السيد الرب أطيب من أن يترك مخلوقاته تتعذب إلى الأبد في جهنّم النار، لأنها أخطأت لوقت قصير على الأرض. وأصحاب هذا الرأي يستشهدون بما قيل في الكتاب: «لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ هٰكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ... كَيْ يَكُونَ ٱللّٰهُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ» (1 كورنثوس 15: 22، 28). ثم يتمسكون بالنصوص التالية: «لأَنَّ ٱللّٰهَ أَغْلَقَ عَلَى ٱلْجَمِيعِ مَعاً فِي ٱلْعِصْيَانِ لِكَيْ يَرْحَمَ ٱلْجَمِيعَ» (رومية 11: 32) وأن الله في المسيح «يُصَالِحَ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (كولوسي 1: 20).

وإذ ظنوا بأن هذه الآيات تسند عقيدتهم فقالوا إنه في يوم ما وفي جهنّم سيلتفت كل مخلوق نحو المخلّص، وينال منه العفو، بما في ذلك الشيطان والأبالسة. ثم يضيفون: لأن انتصار المسيح لن يكون كاملاً، وأن الله لن يكون قادراً على كل شيء، إن بقيت في جهنّم خليقة واحدة لم يضمها الله إليه حتى الأكثرها قساوة.

ويدَّعون أيضاً بأنه ليس من العدل في شيء أن تُعاقَب إلى الأبد النفوس التي لم تخطئ إلا لزمن يسير. ولكن ليعلم هؤلاء أن الخطية لها مفعول لانهائي، لأنها تهين شخصاً لانهائياً هو الله. هذا من جهة، ومن جهة أخرى تظهر فظاعة الخطية في كون مرتكبها هو الإنسان المخلوق على صورة الله، والذي يشمله مخطط الله الموضوع للأبدية...

تأمل في سقوط آدم وصلب المسيح، هذان الحادثان القصيران جداً بالنسبة للزمن، أما ترتّبت عليهما نتائج أبدية؟ يقول الرسول: «لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ ٱلْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ بِٱلْوَاحِدِ (آدم)، فَبِٱلأَوْلَى كَثِيراً ٱلَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ ٱلنِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ ٱلْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي ٱلْحَيَاةِ بِٱلْوَاحِدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ ٱلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هٰكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ ٱلْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، لِتَبْرِيرِ ٱلْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلْوَاحِدِ جُعِلَ ٱلْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هٰكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ ٱلْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ ٱلْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً» (رومية 5: 17 - 19).

بعد كل هذه البيانات، ألا يحقّ لنا أن نجزم بأن العقيدة العالمية، تخالف تماماً النصوص الكتابية، الموحى بها عن العذاب الأبدي؟ بيد أنه من السهل جداً على المؤمن أن يفنّدها على ضوء آيات الله البيّنات.

أ - يحاول أصحاب العقيدة العالمية سند رأيهم بالنص الكتابي القائل: «لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ ٱلْجَمِيعُ هٰكَذَا فِي ٱلْمَسِيحِ سَيُحْيَا ٱلْجَمِيعُ» (1 كورنثوس 15: 22). ولكن هذه الآية لا يمكن تفسيرها في معزل عن قرائنها التي تقول: «وَلٰكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ. ٱلْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ ٱلَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ... فَأَقُولُ هٰذَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ، وَلاَ يَرِثُ ٱلْفَسَادُ عَدَمَ ٱلْفَسَادِ» (1 كورنثوس 15: 23 و50). فهاتان الآيتان تؤكدان أن قيامة الحياة هي فقط من نصيب الذين في المسيح، وأن ورثة ملكوت الله هم المؤمنون الذين تجددوا بكلمة الله وبروح إلهنا. وبكلمة أخرى أن الميت في الذنوب والخطايا، يستحيل أن ينال عفواً بعد الموت ومكوثه مدة في جهنّم.

ب - كذلك يحاول العالميون الاستشهاد بالكلمة الرسولية القائلة: «... لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» .(فيلبي 2: 10 و11). ولكن هذه الفقرة لا تعني أن الجميع سيؤمنون. ففي مجيء المسيح الأول، كانت الشياطين أول من أعلن شخصيته وخضعوا له (مرقس 1: 24 - 27). ولكنهم لم يتحولوا إلى ملائكة. وأيضاً عند مجيئه الثاني سيجبر أعداؤه على الاعتراف به، مرتعدين أمام سلطانه. وأنهم سيجثون مقهورين، أمام جلاله الأقدس. ولكن كل هذا سيكون متأخراً جداً.

ج - توجد آيات أخرى كثيرة تؤكد أن الله يريد أن يخلص جميع الناس بذبيحة المسيح على الصليب منها: تيموثاوس الأولى 2: 4، يوحنا الأولى 2: 1 و2، متّى 18: 14، بطرس الثانية 3: 9 الخ... ولكن بالرغم من هذه الرغبة الإلهية الملحة، فإنه تعالى لا يقسر أحداً على الإيمان به من الذين يحجمون عن قبول الخلاص. ولنا الدليل الجازم على ذلك في نداء المسيح القائل: «يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا» (متّى 23: 37).

والحق إن كانت النفوس تذهب إلى جهنّم، فذاك بمحض إرادتها. ومعلوم أن الرب يحترم ويقدر إرادة البشر، حتى العصاة منهم. وليس عنده خلاص آخر ليمنحه لهم (اقرأ الرسالة إلى العبرانيين 10: 26 - 31). والمؤكد تماماً في الإنجيل، أن الخلاص يُنال بالإيمان (رومية 1: 17، 3: 22 و28). وهذا غير معمول به في العالم الآتي، لأن العيان يكون قد خلف الإيمان.

د - بحسب تعليم المسيح في لوقا 16: 26، توجد هوة عميقة جداً وواسعة جداً بين مكان العذاب ومكان الراحة. وهذه الهوة تمنع كل عبور من المكان الأول إلى الثاني. والسؤال الذي يردده العقل، هو كيف يمكن لمرفوض من السماء أن يذهب إلى السماء؟

مهما بدت العقيدة العالمية جذابة، فلا بد من التصريح بأنها غير مقبولة، لأن لا سند لها في الكتب المقدسة، وكل من يتتبّع جذورها ير أنها نبتت من الوثنية. وهنا أقول: لو كانت هناك إمكانية للخلاص بعد الموت، لا يمكنها أن تأتي إلا هكذا: إما أن يكون الناس قد قبلوا المسيح كرهاً وفي هذه الحال لا بد من التساؤل أين ذهبت حريتهم؟ وأية قيمة أخلاقية لقرارهم؟ أو أن يكون الأمر وفقاً لما يجري في هذا العالم، فتكون إمكانية للرفض، وعندئذ لا بد من السؤال ما الفائدة من تكرار المحاولة؟

كلا فكل نصوص الكتاب العزيز، تقول لنا إن القرار يجب أن يتَّخذ اليوم وليس غداً، لأن غداً يكون الوقت متأخّراً جداً، والواقع أن هناك ما يؤكد وجود ملاحظة ما يأتي:

تحذيرات الأنبياء

دموع يسوع المسيح

نداء الرسل

حجج بولس

صور سفر الرؤيا المخيفة

كل هذه تصرخ في آذاننا: اليوم!

اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم.

وإلى أطول وقت يجب أن يقال: اليوم! «اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي ٱلٱرْتِدَادِ عَنِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ ٱلْوَقْتُ يُدْعَى ٱلْيَوْمَ، لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ ٱلْخَطِيَّةِ» .(عبرانيين 3: 12 و13) «فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هٰذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ٱبْتَدَأَ ٱلرَّبُّ بِٱلتَّكَلُّمِ بِهِ» (عبرانيين 2: 3).

«نَطْلُبُ أَنْ لاَ تَقْبَلُوا نِعْمَةَ ٱللّٰهِ بَاطِلاً. لأَنَّهُ يَقُولُ: فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ. هُوَذَا ٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (2 كورنثوس 6: 1 و2).

«فَٱخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ ٱلْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ» (يشوع 24: 15).

«اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ» (إشعياء 55: 6).

«فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ ٱلْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ ٱلْبَابَ، وَٱبْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجاً وَتَقْرَعُونَ ٱلْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ لَنَا، يُجِيبُكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!... هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (لوقا 13: 24 - 28، متّى 25: 10 - 12).

من يقرأ هذه الإعلانات الصريحة ويتجاسر على إرجاء إيمانه بالله متمسكاً بنظريات خاطئة تزعم أن هناك إمكانية للخلاص بعد الموت إلا الضالون؟! الكتاب المقدس يعلمنا صريحاً أن التوبة بعد الموت غير مقبولة، بدليل قوله: «فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِٱخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ ٱلْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ ٱلْخَطَايَا، بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ ٱلْمُضَادِّينَ... مُلاَحِظِينَ لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ. لِئَلاَّ يَطْلُعَ أَصْلُ مَرَارَةٍ وَيَصْنَعَ ٱنْزِعَاجاً، فَيَتَنَجَّسَ بِهِ كَثِيرُونَ. لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِياً أَوْ مُسْتَبِيحاً كَعِيسُو، ٱلَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ. فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضاً بَعْدَ ذٰلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ ٱلْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَاناً، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ» (عبرانيين 10: 26 و27، 12: 15 - 17).

إن التوبة في جهنّم والبكاء وصرير الأسنان، لا يمكنها أن تحدث أي أثر لتغيير مصير الخاطي. لذلك ونحن في هذه الدنيا وفي الوقت المقبول، يجب أن نمسك بنعمة الله المخلصة.

المخلَّصون والمرفوضون

يظن بعض الناس أن سعادتهم في السماء لن تكتمل إن لم يلتقوا هناك بأحبائهم الذين عرفوهم على الأرض. إنهم يتساءلون: كيف يمكننا أن نكون سعداء في السماء، ونحن نفكر في المرفوضين المعذّبين في جهنّم؟ الجواب موجود في كلمة الله القائلة:

1 - قال صاحب الإعلان: «وَيَمْسَحُ ٱللّٰهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ» (رؤيا 7: 17) وهذا يعني أن كل عذاب، وكل شعور بالحزن سينتفي من قلب المؤمن.

2 - يؤكد الإنجيل أنه لن يكون أي اتصال بين المختارين السعداء والمعذبين الأشقياء. وقد جاء في الإعلان أن المؤمنين المولودين ثانية بالروح القدس، يصبحون وهم على الأرض شركاء في الطبيعة الإلهية (2 بطرس 1: 4). وأنهم عند القيامة من الأموات يتغيرون إلى صورة الرب يسوع (1 يوحنا 3: 1 - 3، فيلبي 3: 2 - 21). أما الأشرار فبسبب استمرارهم في الخطية، يصيرون أبناء إبليس وسيكونون على صورة إبليس أبيهم (1 يوحنا 3: 8).

في كلامه عن يهوذا، لم يقل يسوع إن في نفسه شيطان بل قال إنه شيطان (يوحنا 6: 70). وفي كلامه عن الفرق بين الأبرار والاشرار شبَّه هؤلاء بالخراف وأولئك بالجداء. أي أنه شبههم بحيوانات ليست من جنس واحد. وقال إن الأشرار يذهبون إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته (متى 25: 32 و41) وبهذا التشبيه ضم الأشرار إلى جماعة الأبالسة. أليس هذا مخيفاً؟

وفي هذا الموضوع صرّح بولس بأنه هنا على الأرض، لا توجد خلطة للبر مع الإثم، ولا شركة للنور مع الظلمة، ولا اتفاق للمسيح مع بليعال، ولا نصيب للمؤمن مع غير المؤمن. وكانت الوصية الإلهية للمؤمنين: «ٱخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهِمْ وَٱعْتَزِلُوا» (2 كورنثوس 6: 14 - 17). فإن كان الشأن هكذا في هذا العالم، فكم بالحري في العالم الآتي، حيث يتحول البعض إلى صورة الله، والبعض الآخر إلى صورة الشيطان؟! في العالم الآخر تنحل كلّ الروابط الأرضية، وتنتفي كل علاقة بين الأبرار والاشرار.

3 - قال أحد الأتقياء: إن كنا في السماء نحب الله الحب الفائق الكامل الذي نصّت عليه الوصية، فكيف يمكن أن نبقى مرتبطين مع أولئك الذين شاءوا البقاء كأعداء له إلى النهاية؟ لنعد إلى كلام الرب يسوع القائل: «مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ٱبْناً أَوِ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي... إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً. وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً» (متّى 10: 37، لوقا 14: 26).

4 - خلاصة ما تقدم: حين نقوم بدراسة ولو عاجلة لنصوص الكتاب الخاصة بجهنّم لا بد أن تحملنا الدراسة إلى التسليم بالحقائق الواردة فيها عن هذا الموضوع. وبكلمة أخرى إن مجموع هذه النصوص يقودنا إلى التحقق من أن العذاب الأبدي في جهنّم حقيقة مرهبة. ولكن ليس لنا أن نزعم أننا نستطيع حلّ كل المسائل الخطيرة، التي تطرحها هذه الحقيقة المريعة ولكن دراسة الموضوع بعمق يمكنها أن تضيف ما يلي:

أ - إن الله سيحيطنا علماً بكل ما يقلقنا من أمر الدينونة

نعرف بالاختبار أنه ليس في وسعنا ونحن في هذا الجسد أن نعرف كل شيء عن الله، المعرفة الكاملة. والرب نفسه قال: «لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ عَنِ ٱلأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ» (إشعياء 55: 9). فليس في مقدوري أن أدرك الله الخالق! إن أعماله عجيبة ولا نهائية، وعيناي بالكاد تستطيع أن تلما بها، ولكن لا أستطيع أن أشرح أسرارها. كما أنني لا أعرف إلى التمام الله المخلّص في حبه اللامدروك، ورحمته الفائقة نحوي! إذن كيف يمكنني معرفة أفكار هذا الديّان العظيم والقاضي الأزلي؟ قال رسول الجهاد العظيم بولس: «يَا لَعُمْقِ غِنَى ٱللّٰهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلٱسْتِقْصَاءِ!» (رومية 11: 33). ولكن سيأتي وقت فيه نعرف كما عرفنا (1 كورنثوس 13: 12). وحينئذ سيتضح لنا كل ما بدا لنا مزعجاً في مخطط الله الخاص بنا. وإن كل ما صنعه وما سيصنعه الله، هو مطابق لقداسته، ومتفق مع عدله، ومنسجم مع حبه الفائق. «لأَنَّهُ إِلَى ٱلْعَدْلِ يَرْجِعُ ٱلْقَضَاءُ وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي ٱلْقُلُوبِ» (مزمور 94: 15).

صحيح أن تصرف الله مع البشر قد يثير الدّهشة في نفوسنا وهنا يجدر بنا أن نعود إلى الكلمة الرسولية القائلة: «فَمَاذَا، إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، ٱحْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ - وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ» (رومية 9: 22 و23).

ملاحظة: ليس في كلمة الرسول ما يشير إلى أن الله في تصرّفه مع البشر على هذا النحو، قد حكم بمحاباة فحتم مسبقاً الهلاك على الخطاة. العكس هو الصحيح، فقد جاء في الكتاب العزيز هذا القول الصريح: «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11). أما من جهة الذين أعدهم للمجد، فإن إعدادهم يتمّ بالتقديس الذي يؤهل النفس لشركة ميراث القديسين في النور (كولوسي 1: 12). هذا هو عمل الله. فنحن نستطيع أن نهلك أنفسنا، لكننا لا نستطيع أن نخلّصها. وبكلمة أخرى إن الخطاة يؤهلون أنفسهم لجهنّم وكل الذين قبلوا خلاص الله، يؤهلهم الله للسماء.

ب - ليس لنا أن نهتمّ لأجل أمواتنا

من المؤكد أن المؤمن الحقيقي، معروف من إخوته لأن حياته وأقواله تشهد لإيمانه. لذلك فإن ذهابه وإن آلم نفوسهم، فإن تعزيات الله الحلوة سرعان ما تهدهد آلامهم، لأنهم يعلمون بأن عزيزهم قد انطلق إلى عند الرب. ولكن في بعض الأحيان، تخدعنا المظاهر. ولعلّنا في السماء سنفاجأ بغياب فلان الذي سبق أن رجحنا أن مكانه في فردوس الله. وبالعكس سنرى هناك من سبق أن رجحنا ذهابه إلى جهنّم! ولعلنا نسينا أن برهة وجيزة تكفي لإنسان أن يؤمن فينال براً من إله خلاصه. والحق أننا لا نعلم ماذا يحدث في الفترة الأخيرة من العمر بين النفس وبين الله.

قيل عن بحار ظافر إنه حين غرقت سفينته استطاع وهو متشبّث بقطعة من الحطام، أن يسلّم حياته للرب. وحين أُنقذ أخبر بأنه آمن بالرب حقيقة. فلو أن هذا الرجل مات غرقاً لقال معارفه إنه ذهب إلى جهنّم. إذن لنحذر من محاولة كشف الحجب عن الذين ذهبوا. فالله يحبهم، أكثر مما نحبهم نحن. وهو يعرف أين هم، لأنه يعرف الذين هم له (2 تيموثاوس 2: 19). فلنثق في رحمته وعدله، بانتظار اليوم العظيم الذي فيه سيماط اللثام عن كل شيء. بهذه الثقة نجد راحة لنفوسنا، عالمين أن الكلام عن الأموات والاهتمام بهم لا يغيّران شيئاً بالنسبة لمصيرهم. ولنحذر من التحمس في أثناء الكلام عن ماضيهم كما فعلت إحدى سيدات المجتمع، إذ قالت: إن زوجي قد مات كافراً بالله. فإن لم يكن قد ذهب إلى السماء، فإنني أرفض الذهاب إليها! إن قولاً كهذا، يعتبر تهجّماً على الله، وتفضيل المخلوق على جلال خالقه. ولا ريب أن فيه تعريض عزته الإلهية للتحقير الشديد. وماذا سيكون موقف هذه السيدة، لو أن زوجها آمن بالله دون علمها، وذهبت هي وحدها إلى جهنّم؟!

أنا لا أقصد بهذه الأقوال أن ينتظر أحدنا اللحظات الأخيرة من العمر، لكي يؤمن ويخلص. لأن الموت يمكن أن يأتينا بغتة، قبل أن نفكر في الرجوع إلى الله. والكتاب العزيز في إنذاراته لم يهمل هذه الحقيقة. فقد تكلم عن أناس تقسّت قلوبهم بمقدار أنهم لم يستطيعوا أن يؤمنوا (اقرأ متّى 13: 15، يوحنا 12: 39 - 41) إذن لنحرص جيداً على أن لا ندع يوم الخلاص يفلت منا.

ج - لو دخل الأشرار السماء فهل سيكونون تعساء؟

تعلمنا الأسفار المقدسة أن الإنسان المعاقب على شروره يرتعب أمام الله، لأنه منذ أن رفض الرب المخلّص لا يرى في الله إلا ذلك الديّان الجالس على العرش الأبيض. خذ مثلاً آدم وحواء، فبعد سقوطهما، لم يبق الفردوس بالنسبة لهما فردوساً. ويخبرنا سفر التكوين أنهما حين سمعا صوت الإله ماشياً في الجنة، استولى عليهما الخوف الشديد، فاختبئا من وجهه (تكوين 3: 10).

فلو وُضع للخطاة أن يدخلوا السماء ليمثلوا في حضرة الله فلن تكون لهم سوى رغبة واحدة، هي الهرب إلى أبعد ما يمكن من وجه ذاك الذي لم يشاءوا أن يحبوه، لأنه يعلمون جيداً «أنه مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي». هذا هو الانفصال عن الله، وهو كما قلت في فصل سابق عذابهم الأساسي المستمر إلى ما لا نهاية.

د - نفي العذاب في جهنّم هو الخطوة الأولى في الكفر

بالرغم من كثافة تأكيدات الكتب المقدسة يبقى عدد كبير من المدعوين مسيحيين غير مؤمنين بوجود جهنّم. وهم في هذا الموقف يمالئون الشيطان. لأن حجته الأولى في كل زمن هي عدم الاعتراف بجهنّم. ولهذا حذر الله آدم وحواء من مغبة العصيان التي هي الهلاك في جهنّم. ولكن الحية القديمة (إبليس) سوَّل للأبوين الأولين وأدخل في نفسهما الشك في صدق الله، إذ قال لهما: «لَنْ تَمُوتَا! بَلِ ٱللّٰهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَٱللّٰهِ» (تكوين 3: 4 و5). واليوم كما في كل زمن يتقدم للناس بالحجة نفسها لكي يضل الأجيال عن حق الله. والمؤسف له جداً أن أبناء عصرنا يجدون أنه من الأنسب لهم أن لا يؤمنوا بما جاء في الكتب عن جهنّم. وأسخف ما في موقفهم هو الزعم بأن الأشرار إما أن يتلاشوا وإما أن يشملهم خلاص الله.

هذه هي الخطوة الأولى، في ليبرالية الدين. ثم يضيفون إلى فكرتهم هذه: بما أن جهنّم الأبدية لا وجود لها، فليس لنا من حاجة إلى مخلّص إلهي لكي ينقذنا من عذابها. أما يسوع بن يوسف، فهو مجرد إنسان جاءنا بتعاليم تضع الإنسان في الطريق الصالحة، التي تؤهله لخلاص نفسه. ومن جهة أخرى، ما حاجتنا إلى الخلاص طالما لا يوجد هلاك؟ أما الكتاب المقدس الذي يقول بهذه الأشياء (التي بطلت) فلماذا نأخذه بحرفيته؟ إن ضمير الإنسان العصري المتحرر لأفضل منه لمعرفة ما سيحدث في العالم الآخر. وانطلاقاً من هذه الآراء راح منكرو العذاب الأبدي يفتشون في الكتب المقدسة وخارجها عن حجج مبنية على العقل والحس ليسندوا بها الفكرة القائلة، بأن الله إله حب ولا يمكن أن يعذب.. إن مجده سيكون أعظم بالغفران لكل مذنب... إن الخطية نفسها، ليست خطيرة بهذا المقدار حتى تستوجب سخطاً أبدياً... إن زمن الاختبار على الأرض زهيد بإزاء أبدية العذاب، لذلك جهنّم لا يمكن أن تكون موجودة. يجب أن تكون لدى الله إمكانية أخرى للخلاص بعد الموت.

في الواقع إن قبول العقيدة القائلة بالهلاك الأبدي كما جاءت في الكتب المقدسة، لأمر جدير بالاهتمام، لأنه أحد حجارة الصدمة والعثرة في التعليم المسيحي. فلو انتفت هذه العقيدة لتزعزعت كل العقائد الأخرى وبالتالي تنهار صروح كثيرة من صروح الدين، وخصوصاً الاعتقاد ببر الله وعدله.

هـ - حقيقة الهلاك الأبدي هي سبب حرصنا على البشارة

لو كان الهلاك غير موجود، وإن كان الله سيخلص ذات يوم جميع المحكوم عليهم بالهلاك، بما في ذلك الشيطان، فلماذا نحتمل كل هذا العناء لكي نقنع الناس بالتوبة قبل فوات الأوان؟ وإن كانت كل الأنفس ستخلص في النهاية، فلماذا مات المسيح على الصليب لكي يكفر عن الخطايا؟

ولكن إن كانت جهنّم الأبدية تهدد غير التائبين، فيجب أن لا نعطي راحة لأنفسنا، قبل أن يعم إنجيل الخلاص كل المسكونة. يجب أن نتمثل بفادينا الرب، الذي مع أنه يعرف الهاوية، إلا أنه نزل إلى حضيضها، لكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت... ويفدي من الحفرة حياتنا لننطلق حاملين بشارة الخلاص، ولنكرز بها في وقت مناسب وغير مناسب لنتوسّل إلى الخطاة لكي يتوبوا ويؤمنوا بالإنجيل ولنصل ليلاً ونهاراً ضارعين إلى الله، لكي يخلص النفوس الهالكة، ولنصل من أجل هذا العدد العديد من المدعوين مسيحيين، العائشين في السلبية، حتى الرب الإله يمنحهم الحب والرؤى لأجل الهالكين. لنقتد ببولس الذي حين أدرك ما هو معدّ للهالكين قال: «لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ ٱلضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (1 كورنثوس 9: 16). لننطلق في إثر أولئك العاملين العظام كهدسن تايلر، وشارلي ستد، ووليم كاري، وغيرهم من رجال الله، الذين لبّوا الدعوة، وذهبوا إلى أقاصي الأرض لنقل إعلان الخلاص لألوف الهالكين.

و - هل أنت متأكد من نجاتك من جهنّم؟

الإنسان كائن محكوم عليه بالهلاك. محكوم عليه من شريعة الله القائلة: «النفس التي تخطئ هي تموت» فلكي يهلك، يكفي أن يبقى كما هو. ليهلك حتى لو لم يسرق أو يقتل. لأنه يواجه أحكام الشريعة الإلهية القائلة:

«مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ» (غلاطية 3: 10).

«لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي ٱلْكُلِّ» (يعقوب 2: 10).

«لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ... ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية 3: 10 و23).

«اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱلٱبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِٱلٱبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (يوحنا 3: 36).

لكن لسعادة الإنسان، أن الله «يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون» وأنه تعالى بدافع حبه العظيم «بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16). فالإنسان إذن لا يهلك بسبب خطاياه، بل بسبب رفضه نعمة الله المخلّصة، أي عدم إيمانه بيسوع المسيح. ولهذا نرى في رأس لائحة الذاهبين إلى جهنّم أسماء الخائفين وغير المؤمنين (رؤيا 21: 8). الخائفون هم الذين لم تكن لهم الشجاعة لقبول المسيح وحمل عاره. وغير المؤمنين هم الذين رفضوا خلاص المسيح. هذه هي الخطية، التي لا تُغفر.

فيا أخي أياً كان وضعك، اذكر أنه من السهل أن ينجو المرء من الهلاك. لأن المسيح أكمل كل متطلبات العدل الإلهي، بموته على الصليب. وهو يسأل كل واحد برأفة الله أن يقبل خلاصه، وفقاً لقوله: «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي ٱلْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ ٱلْحَيَاةِ مَجَّاناً... مَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: تَعَالَ. وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّاناً» (رؤيا 21: 6، 22: 17).

قال أحد الأتقياء في تعليقه على هذا الموضوع: هوذا أربع خطوات تقودنا إلى الخلاص:

العطش إلى الغفران

المجيء إلى المسيح

الرغبة في الخلاص والتصديق عليه كفعل إرادة

تناول عطية الله المجانية

هل خطوت هذه الخطوات الأربع؟ إن كنت لم تفعل فالآن وقت مقبول للخلاص. تعال إلى يسوع ولا تخف، لأنه قال: «من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً» لا تتردد ولا تؤجل لأن الكتاب المقدس يعلن حقيقة مهمة جداً هي:

يذهب إلى جهنّم كل الراغبين فيها

ويذهب إلى السماء كل الراغبين فيها

وهذا يعني أنك المسؤول الوحيد عن هلاك نفسك. وليكن معلوماً عندك أن لا خلاص في العالم الآخر. لذلك تمسك بالنعمة، واستول على الخلاص بفعل إيمان. «لأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلإِيمَانِ، وَذٰلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ» (أفسس 2: 8).

تناول عطية الله واشكره، لأنه خلصك الآن وإلى الأبد. لأن «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ... مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 3: 18، 5: 24).

ثم حالما تحصل على التأكيد الإيماني المجيد بأنك خلصت اعلم بأنك مكلف بمهمة خطيرة جداً، وهي إنذار الآخرين وبذل الجهود لأجل خلاصهم. والله يقول لك «وَأَنْتَ يَا ٱبْنَ آدَمَ فَقَدْ جَعَلْتُكَ رَقِيباً... فَتَسْمَعُ ٱلْكَلاَمَ مِنْ فَمِي وَتُحَذِّرُهُمْ مِنْ قِبَلِي. إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: يَا شِرِّيرُ مَوْتاً تَمُوتُ! فَإِنْ لَمْ تَتَكَلَّمْ لِتُحَذِّرَ ٱلشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ، فَذَلِكَ ٱلشِّرِّيرُ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ. وَإِنْ حَذَّرْتَ ٱلشِّرِّيرَ مِنْ طَرِيقِهِ لِيَرْجِعَ عَنْهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَرِيقِهِ، فَهُوَ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ خَلَّصْتَ نَفْسَكَ» (حزقيال 33: 7 - 9).

القسم الثاني: جهنّم في الإسلام

1 - حقيقة الموت

قال حجّة الإسلام الإمام الغزالي: ظنّ بعضهم أن الموت هو العدم وأنه لا حشر ولا نشر، ولا عاقبة للخير والشر، وأن موت الإنسان كموت الحيوانات وجفاف النباتات. وظن قوم أن الإنسان ينعدم بالموت، ولا يتألّم بعقاب، ولا يتنعم بثواب ما دام في القبر إلى أن يصار في وقت الحشر. وقال آخرون إن الروح باقية لا تنعدم بالموت. وإنما المثاب والمعاقب، هي الأرواح دون الأجساد، وإن الأجساد لا تبعث ولا تحشر أصلاً.

كل هذه ظنون فاسدة ومائلة عن الحق، بل الذي شهد له طرق الاعتبار، وتنطق به الآيات والأخبار أن الموت معناه تغير حال فقط. وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إمّا معذبة وإمّا منعّمة. ومعنى مفارقتها للجسد، انقطاع تصرّفها عن الجسد، بخروج الجسد عن طاعتها. فإن الأعضاء آلات للروح تستعملها، حتى أنها لتبطش باليد، وتسمع بالأذن، وتبصر بالعين، وتعلم حقيقة الأشياء بالقلب. والقلب ههنا عبارة عن الروح، والروح تعلم الأشياء بنفسها من غير آلة، ولذلك قد يتألّم الإنسان بنفسه بأنواع الحزن والغم والكمد، ويتنعّم بأنواع الفرح والسرور. وكل ذلك لا يتعلق بالأعضاء. فكل ما هو وصف للروح بنفسها، فيبقى معها بعد مفارقة الجسد. وما هو لها بواسطة الأعضاء يتعطّل بموت الجسد، إلى أن تعاد الروح إلى الجسد (إحياء علوم الدين المجلد 4 الصفحة 612 - 613).

ويدل على أن الموت ليس هو انعدام الروح وانعدام إدراكها عدة آيات في القرآن، أبرزها قوله: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ» (سورة آل عمران 3: 169).

قال الفخر الرازي: «إن القوم ثبطوا الراغبين في الجهاد بأن قالوا: إن الجهاد يفضي إلى القتل، والقتل شيء مكروه، فوجب الحذر من الجهاد... ولكن الله تعالى بيّن أن القتل إنما يحصل بقضاء الله وقدره، كما أن الموت يحصل بقضاء الله وقدره. فمن قدر الله له القتل، لا يمكنه الاحتراز عنه. ومن لم يقدر له القتل فلا خوف عليه من القتل... وكيف يقال ذلك والمقتول في سبيل الله أحياه الله بعد القتل، وخصّه بدرجات القربة والكرامة، وأعطاه أفضل أنواع الرزق، وأوصله إلى أجل مراتب الفرح والسرور» (التفسير الكبير جزء 9 صفحة 89).

وجاء في الحديث عن عمر بن الخطاب: «لما قتل صناديد قريش يوم بدر ناداهم رسول الله فقال: يا فلان، يا فلان، يا فلان، قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فقيل: يا رسول الله أتناديهم وهم أموات، فقال: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا ينطقون».

وروى عن ابن عباس أنه قال، إن رسول الله قال في صفة الشهداء، إن أرواحهم في أجواف طير خُضر، وإنها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها. وتسرح حيث شاءت، وتأوى إلى قناديل من ذهب تحت العرش. فلما رأوا طيب مسكنهم ومطعمهم ومشربهم قالوا: «يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا، كي يرغبوا في الجهاد». فقال الله: «أنا مخبر عنكم ومبلغ إخوانكم، ففرحوا واستبشروا».

وقال ابن اسحق إن راعياً أسود أتى إلى رسول الله وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم كان فيها أجيراً لرجل من اليهود، فقال: «يا رسول الله اعرض عليَّ الإسلام»، فعرضه عليه فأسلم. فلما أسلم قال: «يا رسول الله إني كنت أجير صاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟» فقال: «اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى صاحبها». فقام الأسود فأخذ حفنة من الحصى فرمى بها في وجوهها، وقال ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك أبداً. فخرجت مجتمعة كأن سائقها يسوقها، حتى دخلت الحصن. ثم تقدم إلى ذلك الحصن، ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة. فأُتي به رسول الله فوُضع خلفه، وسجى بشملة كانت عليه. فالتفت إليه رسول الله ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض عنه. فقالوا: «يا رسول الله لِمَ أعرضت عنه؟» قال: «إن معه الآن زوجته من الحور العين» (السيرة النبوية صفحة 809).

نفهم مما تقدم، أن الموت زمانة (عاهة) مطلقة في الأعضاء كلها. أما حقيقة الإنسان وروحه، فهي باقية. وإن تغيّر حال الإنسان يكون من جهتين، إحداهما أنه سلب منه عينه وأذنه وجميع أعضائه. والثانية أنه سلب منه أهله وولده وأقاربه وسائر معارفه، وسلبت منه داره وسائر أملاكه. ولا فرق في أن تسلب هذه الأشياء من الإنسان، وبين أن يسلب الإنسان منها.

2 - ماذا بعد الموت؟

اهتم القرآن بما بعد الموت اهتماماً عظيماً. ففي آيات كثيرة منه يذكر مصير الإنسان بعد الوفاة ويقرر أمره على نحو ما. وقد عني القرآن بعقيدة خلود النفس، واعتبرها أصلاً من أصول الصلاح والإصلاح في العالم. ويعتبر الإسلام أنه لو استقرت هذه العقيدة في نفوس الناس، وآمنوا بها إيماناً لا يخامره شك، لاستقامت أمورهم، وكثر فيهم الخير والإحسان، وقل بينهم الشر والفساد.

وقد عالج القرآن الشكوك التي تقوم في ذهن الناس حول هذا الموضوع بعدة آيات منها:

«أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ» (سورة المؤمنون 23: 115 و116).

قال صاحب الكشاف في تفسير الآية، إن الرجوع إلى الله تعالى فالمراد به إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه، وليس الرجوع من مكان إلى مكان لاستحالة ذلك على الله. ثم أنه تعالى نزه نفسه عن العبث بقوله: «فتعالى الله الملك الحق» الذي لا يبيد ولا يزول ملكه وقدرته (التفسير الكبير جزء 23 صفحة 128).

«وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» (سورة يس 36: 78 و79).

جاء في الحديث عن سعيد بن جبير أنه قال: «جاء العاص بن وائل السهمي إلى رسول الله بعظم حائل ففته بين يديه فقال: يا محمد أيبعث الله هذا حياً، بعد ما ارم؟» قال:«نعم يبعث الله هذا، ثم يميتك ثم يحييك، ثم يدخلك نار جهنّم» (جامع البيان جزء 23 صفحة 31).

«يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَاءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي ٱلْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي ٱلْقُبُورِ» (سورة الحج 22: 5 - 7).

قال القفال: «إن الذي يصح منه إيجاد هذه الأشياء لا بد وأن يكون واجب الاتصاف بذاته بالقدرة، ومن كان كذلك كان قادراً على جميع الممكنات. ومن كان كذلك فلا بد وأن يكون قادراً على الإعادة.. وأنه تعالى لما أقام الدلائل على أن الإعادة في نفسها ممكنة وأنه تعالى قادر على كل الممكنات، وجب القطع بكونه قادراً على الإعادة في نفسها» (التفسير الكبير جزء 24: 10).

وقال أبو جعفر الطبري: «إن فاعل ذلك على كل ما أراد وشاء من شيء قادر لا يمتنع عليه شيء أراده «ولتوقفوا بذلك أن الساعة التي وعدتكم أن أبعث فيها الموتى من قبورهم جائية لا محالة». وأن الله «يبعث من في القبور» حينئذ من فيها من الأموات أحياء إلى موقف الحساب، فلا تشكوا في ذلك، ولا تمتروا فيه».

وقال البراء بن عازب: «خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار. فجلس الرسول على قبره منكساً رأسه، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاثاً. ثم قال إن المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة، يبعث الله ملائكة كأن وجوههم الشمس مع حنوطه وكفنه، فيجلسون مد بصره. فإذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء. وفتحت باب السماء فليس منها باب إلا أن يحب أن يدخل بروحه منه. فإذا صعد روحه قيل: أي رب، هوذا عبدك فلان». فيقول: «ارجعوه فأروه ما أعددت له من الكرامة فإني وعدته: «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. وأنه ليسمع خفق نعالهم، إذا ولوا مدبرين..» حتى يقال: «يا هذا من ربك وما دينك ومن نبيك؟» فيقول: ربي الله، وديني الإسلام ونبيي محمد» . فينتهرونه انتهاراً شديداً وهي آخر فتنة تعرض على الميت. فإذا قال ذلك نادى مناد إن قد صدقت، وهي معنى قوله تعالى: «يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ» (سورة إبراهيم 14: 27). ثم يأتيه آت حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول: «أبشر برحمة ربك وجنات فيها نعيم مقيم» فيقول: «وأنت فبشرك الله بخير، من أنت؟». فيقول: «أنا عملك الصالح والله ما علمت إن كنت لسريعاً إلى طاعة الله بطيئاً عن معصية الله فجزاك الله خيراً». ثم ينادي مناد أن افرشوا له من فرش الجنة. وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيفرش ويفتح له باب الجنة فيقول: «اللهم عجّل قيام الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي».

وأما الكافر فإنه إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزلت إليه ملائكة غلاظ شداد معهم ثياب من نار وسرابيل من قطران، فيتحوشونه. فإذا خرجت نفسه، لعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء. وغلقت أبواب السماء، فليس منها باب إلا يكره أن يدخل بروحه منه. فإذا صعد بروحه نبذ، وقيل: أي رب عبدك فلان لم تقبله سماء ولا أرض. فيقول الله عز وجل أرجعوه وأروه ما أعددت له من الشر إني وعدته: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى» (سورة طه 20: 55). وأنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين، حتى يقال له: يا هذا من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دريت! ثم يأتيه آت قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب، فيقول: أبشر بسخط من الله وبعذاب أليم مقيم. فيقول: من أنت؟ فيقول: عملك الخبيث. والله إن كنت لسريعاً في معصية الله بطيئاً في طاعة الله، فجزاك الله شراً. ثم يقيض له أصم أعمى أبكم معه مرزبة من حديد، لو اجتمع عليها الثقلان على أن يقلوها لم يستطيعوا. ولو ضرب بها جبل، صار تراباً. فيضربه بها ضربة بين عينيه ضربة يسمعها من على الأرضين، ليس الثقلين. ثم ينادي مناد أن افرشوا له لوحين من نار، وافتحوا له باباً إلى النار (أخرجه أبو داود ورواه النسائي وابن ماجة).

وقال أبو هريرة، قال رسول الله: «إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر الريحان. فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين»، ويقال: أيتها النفس المطمئنة اخرجي راضية مرضياً عنك إلى روح الله وكرامته. فإذا اخرجت روحه، وبعث بها على عليين. وأن الكافر إذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة، فتنزع روحه انتزاعاً شديداً. ويقال: أيتها النفس الخبيثة اخرجي ساخطة ومسخوط عليك، إلى هوان الله وعذابه. فإذا أخرجت روحه وضعت على تلك الجمرة، وأن لها نشيشاً، ويطوى عليها المسيح ويذهب بها إلى سجين (أخرجه ابن أبي الدنيا والبزاز).

عذاب القبر

روى عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله: «هل تدرون بمن نزلت الآية «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» .(سورة طه 20: 123). قالوا: «الله ورسوله أعلم». قال: «عذاب الكافر في قبره، يسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً. هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس، يخدشونه ويلحسونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون» (رواه ابن حيان).

وقال عبد الله بن مسعود وأبو سعد الخدرجي وعبد الله بن عباس، إن رسول الله قال: «إن عذاب القبر للكافر، والذي نفسي بيده أنه ليسلط عليه في قبره تسعة وتسعون تنيناً» (التفسير الكبير جزء 2 صفحة 131).

وعن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «إذا مات العبد أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما منكر والآخر نكير». فيقولان له: «ما كنت تقول في النبي؟» فإن كان مؤمناً قال:«هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. فيقولان: إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك». ثم يفسح له في قبره بسبعين ذراعاً في سبعين ذراعاً، وينور له في قبره فيقول: «دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم». فيقال له: نم فينام كنومة العروس، الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإذا كان منافقاً قال: «لا أدري. كنت أسمع الناس يقولون شيئاً وكنت أقوله». فيقولان: «إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك». ثم يقال للأرض التئمي عليه حتى تختلط فيها أضلاعه. فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله.

وعن أنس بن مالك أنه قال: «توفيت زينب بنت رسول الله، وكانت امرأة مسقامة. فتبعها رسول الله، فساءنا حاله. فلما انتهينا إلى القبر فدخله، امتقع وجهه صفرة. فلما خرج، اسفر وجهه فقلنا: يا رسول الله، رأينا منك شأناً فمم ذلك؟ فقال: ذكرت ضغطة ابنتي وشدة عذاب القبر، فأتيت فأخبرت أن الله قد خفف عنها، وقد ضغطت ضغطة، سمع صوتها ما بين الخافقين» (أخرجه ابن أبي الدنيا ورواه سليمان الأعمش).

وفي القرآن عدة آيات تشير إلى عذاب القبر منها قوله:

«وَلَوْ تَرَى إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ» (سورة الأنعام 6: 93).

قال ابن عباس: «ملائكة العذاب باسطو أيديهم يضربونهم ويعذبونهم، كما يقال بسط إليه يده بالمكروه» (التفسير الكبير جزء 13 صفحة 85).

«سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ» (سورة التوبة 9: 101).

روى عن السدي عن أنس بن مالك أن رسول الله قام خطيباً يوم الجمعة، فقال: «اخرج يا فلان فإنك منافق». فأخرج من المسجد أناساً وفضحهم. فهذا هو العذاب الأول، والثاني عذاب القبر.

وفي حديث عن عائشة أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت: «أعاذك الله من عذاب القبر». فسألت عائشة رسول الله عن عذاب القبر، فقال نعم عذاب القبر حق. وقالت عائشة فما رأيت رسول الله بعد أن صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر (صحيح البخاري جزء 2 صفحة 122).

وفي حديث عن عبد الأعلى، عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: حدثنا رسول الله أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وأنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: «ما كنت تقول في محمد؟» فأما المؤمن فيقول: «أشهد أنه عبد الله ورسوله». فيقال له: «انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله مقعداً من الجنة». وأما المنافق والكافر فيقال له: «ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟» فيقول: «لا أدري كنت أقول ما يقول الناس». فيقال له: «لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة فيسمعها من يليه غير الثقلين» (صحيح البخاري جزء 2 صفحة 123).

وفي حديث عن محمد بن المثنى، عن أبي أيوب، قال: خرج النبي وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال: «يهود تعذب في قبورها» (صحيح البخاري جزء 2 صفحة 124).

وعن أبي هريرة أنه قال: كان رسول الله يدعو: «اللهم أني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» (صحيح البخاري جزء 2 صفحة 124).

اليوم الآخر

نقلت لك في ما سبق ماذا يعلّم الإسلام عن أحوال الميت وهو يعاني سكرات الموت، ثم خبر منكر ونكير وعذاب القبر بالنسبة لمن كان مغضوباً عليه. ولكن أشد المشاهد هولاً هو المشاهد التي تتوالى بعد نفخ الصور والبعث والنشور، ثم جواز الصراط مع دقته وحدته وأخيراً انتظار النداء عند فصل القضاء. فهذه أحوال شدد عليها الإسلام ودعا للإيمان بها على سبيل الجزم والتصديق.

جاء في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي مجلد 4، صفحة 635، أن أكثر الناس لم يدخل الإيمان باليوم الآخر صميم قلوبهم، ولم يتمكن من سويداء أفئدتهم، ويدل على ذلك شدة تشمرهم واستعدادهم لحر الصيف وبرد الشتاء، وتهاونهم بحر جهنّم وزمهريرها، مع ما تكتنفه من المصاعب والأهوال. بل إذا سئلوا عن اليوم الآخر نطقت به ألسنتهم، ثم غفلت عنه قلوبهم.

ولإثبات عقيدة البعث استشهد بالآية القائلة: «أَيَحْسَبُ ٱلإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنْثَى»(سورة القيامة 75: 36 - 39). ثم قال: إن في خلق الآدمي مع كثرة عجائبه واختلاف تركيب أعضائه أعاجيب تزيد على الأعاجيب في بعثه وإعادته. فكيف ينكر ذلك من قدرة الله وحكمته من يشاهد ذلك في صنعته وقدرته؟ فإن كان في إيمانك ضعف، فقوِّ الإيمان بالنظر في النشأة الأولى، فإن الثانية مثلها وأسهل منها. وإن كنت قوي الإيمان بها. فاشعر قلبك تلك المخاوف، وأكثر فيها التفكر والاعتبار... وتفكر أولاً فيما يقرع سمع سكان القبور من شدة نفخ الصور، فإنها صيحة واحدة تنفرج بها القبور عن رؤوس الموتى. فيخرجون دفعة واحدة. وهناك عدة آيات قرآنية تشير إلى اليوم الآخر، منها:

«وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ» (سورة الزمر 39: 68).

«فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» (سورة المدثر 74: 8 - 10).

قال الحليمي في كتاب المنهاج: «إنه تعالى سمّى الصور باسمين أحدهما الصور والآخر الناقور... ثم لا شك أن الصور وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان معاً فإن نفخة الإصعاق تخالف نفخة الإحياء. وجاء في الأخبار أن في الصور ثقباً بعدد الأرواح كلها وأنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية. فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه، فيعود الجسد حياً بإذن الله تعالى. فيحتمل أن يكون الصور محتوياً على آلتين ينقر في إحداهما وينفخ في الأخرى. فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر والنفخ. لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها لا تنقيرها من أجسادها، وهو نظير صوت الرعد. فإنه إذا اشتد فربما مات سامعه» (تم كلام الحليمي (التفسير الكبير جزء 30 صفحة 196).

«وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا ٱلْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمَانُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ» (سورة يس 36: 48 - 53).

قال الإمام الغزالي في تعليقه على هذا الموضوع: «فلو لم يكن بين يدي الموتى إلا هول تلك النفخة، لكان ذلك جديراً بأن يتقى. فإنها نفخة وصيحة يصعق بها من السموات والأرض، أي يموتون بها إلا من شاء الله».

قال مقاتل: «إن الصور هو القرن، وذلك أن إسرافيل عليه السلام واضع فاه على القرن كهيئة البوق، ودائرة رأس القرن كعرض السموات والأرض. وهو شاخص ببصره نحو العرش، ينتظر متى يؤمر فينفخ النفخة الأولى. فإذا نفخ صعق من في السموات والأرض، أي مات كل حي من شدة الفزع، إلا من شاء الله، وهو جبريل وميكائل وإسرافيل وملك الموت. ثم يأمر ملك الموت أن يقبض روح جبريل ثم روح ميكائيل ثم روح إسرافيل. ثم يأمر ملك الموت، فيموت. ثم يلبث الخلق بعد النفخة الأولى في البرزخ أربعين سنة. ثم يحيي الله إسرافيل فيأمره أن ينفخ الثانية فذلك معنى قوله تعالى: «ثم نفخ فيه أخرى». وعند ذلك تقبل الوحوش من البراري...حشرتهم شدة الصعقة وهي النفخة» . وذلك تصديقاً لقوله: «وَإِذَا ٱلْوُحوُشُ حُشِرَتْ» (سورة التكوير 81: 5).

ثم تقبل الشياطين المردة بعد تمردها وتذعن خاضعة من هيبة العرض على الله تعالى، تصديقاً لقوله: «فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جَثِيّاً»(سورة مريم 19: 68).

الحشر

جاء في القرآن عدد عديد من الآيات التي تتكلم عن البعث والحشر منها:

«وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلاَ أَمْتاً يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً» (سورة طه 20: 105 - 108).

قال المفسرون إن الناس بعد البعث والنشور، يأتون إلى أرض المحشر حفاة عراة غرلاً. وهي أرض بيضاء، لا ترى عليها ربوة يختفي الإنسان وراءها. ولا وهدة ينخفض عن الأعين فيها. بل هو صعيد بسيط، لا تفاوت فيه، يساقون إليه زمراً. فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض. إذ ساقهم بالراجفة، تتبعها الرادفة. والراجفة هي النفخة الأولى، والرادفة هي النفخة الثانية. وحقيق لتلك القلوب أن تكون يومئذ واجفة ولتلك الأبصار أن تكون خاشعة. وفي حديث عن رسول الله أنه قال:«يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كفرص النقي ليس فيها معلم لأحد» (العفراء بياض ليس بالناصع - والنقي هو النقي عن القشر والنخالة - ومعلم يرد البصر) رواه ابن سعد ولا تظنن أن تلك الأرض مثل أرض الدنيا، بل لا تساويها إلا بالاسم (إحياء علوم الدين مجلد 4 صفحة 637).

«يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ» (سورة إبراهيم 14: 48).

قال ابن عباس: «يزاد فيها وينقص وتذهب أشجارها وجبالها وأوديتها وما فيها، وتمد مد الأديم العكاظي، أرض بيضاء مثل الفضة، لم يسفك عليها دم، ولم يعمل خطية. والسموات تذهب شمسها وقمرها ونجومها... فإنه إذا اجتمع الخلائق على هذا الصعيد، تناثرت فوقهم نجوم السماء وطمس الشمس والقمر، وأظلمت الأرض لخمود سراجها. فبيناهم كذلك، إذ دارت السماء من فوق رؤوسهم، وانشقت مع غلظتها وشدتها خمسماية عام. والملائكة قيام على حافاتها وأرجائها. فيا هول انشقاقها في سمعك! ويا هيبة ليوم تنشق فيه السماء مع صلابتها وشدتها! ثم تنهار وتسيل كالفضة المذابة، تخالطها صفرة. فصارت وردة كالدهان، وصارت السماء كالمهل، وصارت الجبال كالعهن. واشتبك الناس كالفراش المبثوث وهم حفاة عراة مشاة» (إحياء علوم الدين مجلد 4، صفحة 637).

وفي حديث عن رسول الله أنه قال: «يبعث الناس حفاة عراة غرلاً قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان - قالت سودة زوجة النبي، راوية الحديث: يا رسول الله واسوأتاه! أينظر بعضنا إلى بعض؟». فقال: «شغل الناس عن ذلك بهم لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه فبعضهم يمشون على بطونهم ووجوههم فلا قدرة لهم على الالتفات إلى غيرهم» (أخرجه الثعلبي).

وقال أبو هريرة، قال رسول الله: «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: ركباناً ومشاة على وجوههم». فقال رجل: «يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟» قال:«الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» (رواه الترمذي).

أهوال يوم القيامة

عُني القرآن بتصوير الهول الذي يحدث يوم القيامة ويسيطر على النفس الإنسانية ويهزها من الفزع إذ يقول:

«إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنْكَدَرَتْ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ وَإِذَا ٱلْوُحوُشُ حُشِرَتْ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ وَإِذَا ٱلْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ وَإِذَا ٱلسَّمَاءُ كُشِطَتْ وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ» (سورة التكوير 81: 1 - 14).

ففي هذه الآيات، يقدم القرآن صورة مروعة للانقلاب الذي يحدث يوم القيامة. فالشمس تزال، ويتوقف ضوؤها. والنجوم المنتظمة المنيرة تتناثر ويخبو نورها. والجبال الثابتة تقلع، وتتطاير في الهواء. والنوق الحبلى ترسل وتهمل، ولا يُعنى بشأنها لاشتداد المصاب. والوحوش يهولها الرعب، فتجتمع ويختلط بعضها ببعض، والبحار تفيض وتصير بحراً واحداً. والأرواح المنفصلة عن أجسادها، تعود إليها. والبنت التي وئدت تبعث لتسأل وتناقض في ذنبها الذي قتلت بسببه. والصحف المطوية التي دفنت أعمال البشر فيها تنشر للحساب. والسماء تزال، فلا يبقى لها نظام ثابت. والجحيم تمد بالوقود، وتتأجج بالنيران. والجنة تهيأ، وتعد للمتقين. والنفوس البشرية تحاط علماً بما أحضرت من أعمال، سواء كان خيراً فتصير به إلى الجنة، أو شراً فتصير به إلى النار.

«إِذَا ٱلسَّمَاءُ ٱنْفَطَرَتْ وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنْتَثَرَتْ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ» (سورة الانفطار 82: 1 - 5).

قال أهل التأويل إذا وقعت هذه الأشياء، التي هي أشراط الساعة، فهناك يحصل الحشر والنشر (التفسير الكبير جزء 31 صفحة 76).

ومن أهوال يوم الحشر العرق الأكبر. فقد قال أبو هريرة: «قال رسول الله: يعرق الناس يوم القيامة، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعاً، ويلجمهم ويبلغ أذقنهم»(رواه البخاري ومسلم).

وقال عقبة بن عامر، قال رسول الله: «تدنو الشمس من الأرض يوم القيامة فيعرق الناس. فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبته، ومنهم من يبلغ فخذه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ فاه، ومنهم من يغطيه العرق» (رواه ابن لهيقة).

وقال الإمام الغزالي في وصف العرق: ازدحم على الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع، من ملك وجن وإنس وشيطان ووحش وسبع وطير فأشرقت عليهم الشمس، وقد تضاعف حرها، وتبدلت عليهم عما كانت عليه من خفة أمرها. ثم أدنيت من رؤوس العالمين... فلم يبق على الأرض ، إلا ظل رب العالمين. ولم يمكن من الاستظلال به إلا المقربون. فمن بين مستظل بالعرش، وبين مضح لحر الشمس، قد صهرته بحرها. واشتد ركبه وغمه من وهجها. ثم تدافعت الخلائق، ودفع بعضهم بعضاً لشدة الزحام. واختلاف الأقدام. وانضاف إليه شدة الخجلة والحياء من الافتضاح والاختزاء عند العرض على جبار السماء. فاجتمع وهج الشمس وحر الأنفاس واحتراق القلوب بنار الحياء والخوف، ففاض العرق من أصل كل شعرة، حتى سال على صعيد القيامة، ثم ارتفع على أبدانهم على قدر منازلهم عند الله. فبعضهم بلغ العرق ركبتيه، وبعضهم حقويه، وبعضهم إلى شحمة أذنيه، وبعضهم كاد يغيب فيه... وفيهم من ينادي فيقول: «يا رب ارحمني من هذا الكرب والانتظار حتى ولو إلى النار» (إحياء علوم الدين، مجلد 4 صفحة 638).

طول يوم القيامة

قال كعب وقتادة: «إنه يوم تقف فيه الخلائق شاخصة أبصارهم، منفطرة قلوبهم يقفون فيه ثلثماية عام. لا يأكلون فيه أكلة، ولا يشربون فيه شربة، ولا يجدون فيه روح نسيما».

وقال عبد الله بن عمرو: تلا رسول الله الآية: «يوم يقوم الناس لرب العالمين» ثم قال: كيف بكم إذا جمعكم الله، كما تجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة ولا ينظر إليكم (رواه الطبراني).

وقال الحسن: «ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لا يأكلون فيها أكلة، ولا يشربون فيها شربة. حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، انصرف بهم إلى النار: فسقوا من عين آنية قد آن حرها، واشتد لفحها. فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به، كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم. فلم يتعلقوا بنبي، إلا دفعهم وقال: دعوني! نفسي نفسي! شغلني أمري عن أمر غيري». واعتذر كل واحد بشدة غضب الله تعالى، وقال: قد غضب اليوم ربنا غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، حتى يشفع نبينا لمن يؤذن له فيه «يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً» (سورة طه 20: 109).

الحساب

في القرآن آيات كثيرة تقرر أن الإنسان سيحاسب على أعماله ونياته بألوان شتى. وبعض هذه الآيات عنيت بتصوير مشاهد الحساب، منها:

«فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ يَقُولُ ٱلإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ كَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ» (سورة القيامة 75: 7 - 15).

ففي يوم الحساب يتحير البصر وتأخذه الدهشة، فلا يبصر من شدة الخوف حين يرى القمر ينخسف والشمس تقترن بالقمر، وينفرط نظام الكون. وفي وسط الذعر الشديد، يتساءل الإنسان المرعوب: أين المفر؟ فلا ملجأ يأوي إليه. فالمرجع إلى الله حيث يحاسب الإنسان عما قدم وأخذَر من أعمال، فلا تقبل منه الأعذار لأنه على نفسه بصير.

«إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ ٱلإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ» (سورة الزلزلة 99: 1 - 8).

قال أهل التأويل إن الأرض تهتز وترتجف يوم القيامة، وتخرج ما في جوفها من الأموات. وهذا المشهد، الذي لم يألفه الإنسان يردعه. فيتساءل: ماذا حل بالأرض حتى تضطرب، وتخرج ما فيها من دفائن؟ فيأتيه الجواب من الأرض بأن الأمر الإلهي صدر إليها، بأن تكون خراباً. وقال أبو مسلم: يومئذ يتبين لكل أحد جزاء علمه، فكأنها حدثت بذلك. كقولك أن الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة. فكذا انتفاض الأرض بسبب الزلزلة، تحدث أن الدنيا قد انقضت وأن الآخرة قد أقبلت. ويومئذ ينصرف الناس متفرقين ليوم الحساب، يبعثرهم الهول، ليقفوا للحساب وليروا أعمالهم. فالخير يجازون عليه خيراً، مهما صغر حجمه. والشر يجازون عليه شراً، مهما قل.

وفي حديث عن رسول الله أنه قال: إن الأرض لتخبر يوم القيامة بكل عمل عليها، ثم تلا هذه الآية (رواه الفخر الرازي).

«حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِي مَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ» (سورة المؤمنون 23: 99 - 103).

تبدأ هذه الآيات بشرح موقف الإنسان منذ ساعة احتضاره. فما أن تحضره الوفاة حتى يسأل الله أن يعيده إلى الحياة فيتوب ويعمل صالحاً. فإذا بالسماء تقول له وللأحياء بأن متلمسه لا معنى له ولا يجاب له، لأن الدنيا بالنسبة للأموات لا يمكن العودة إليها. فمن أمامهم حاجز عن الرجوع وهذا الحاجز هو الموت. وهذه الحالة يمكثون فيها إلى يوم البعث الذي يعلنه الله بالنفخ في البوق. وعندئذ يهب الموتى من قبورهم، ويعرض ميزان الحسنات والسيئات ويجري الحساب. فالذي ثقلت أعماله الحسنة ينجو، والذي ثقلت سيئاته يهلك.

«يَا أَيُّهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً وَيَصْلَى سَعِيراً» (سورة الانشقاق 84: 6 - 12).

عن عائشة أنها قالت: «سمعت رسول الله يقول: اللهم حاسبني حساباً يسيراً»، قلت وما الحساب اليسير؟ قال: «ينظر في كتابه ويتجاوز عن سيئاته. وأما من نوقش في الحساب فقد هلك» (التفسير الكبير جزء 31 صفحة 106).

«وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» (سورة الإسراء 17: 13 - 14).

قال أهل التأويل: إنه تعالى لما قال: «وكل شيء فصلناه تفصيلاً» كان معناه أن كل ما يحتاج إليه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد فقد صار مذكوراً. وكل ما يحتاج إليه، من شرح أحوال الوعد والوعيد والترغيب والترهيب، فقد صار مذكوراً. وإذا كان الأمر كذلك فقد أزيحت الأعذار وأزيلت العلل، فلا جرم كل من ورد عرضه القيامة فقد ألزمناه طائره في عنقه ونقول له «اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً».

وقال بكر ابن عبد الله: «يؤتى بالمؤمن يوم القيامة بصحيفته وهو يقرؤها، وحسناته في ظهرها يغبطه الناس عليها. وسيئاته في جوف صحيفته، وهو يقرؤها حتى إذا ظن أنها قد أوبقته، قال الله تعالى اذهب فقد غفرتها لك فيما بيني وبينك».

الصراط

جاء في القرآن: «يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَانِ وَفْداً وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً» .(سورة مريم 19: 85 و86) «فَٱهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» (سورة الصافات 37: 23 و24).

قال المفسرون: الصراط جسر ممدود على متن النار، أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة. فمن استقام في هذا العالم على الصراط المستقيم خفّ على صراط الآخرة ونجا. ومن عدل عن الاستقامة في الدنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى، تعثر في أول قدم من الصراط وتردى.

وجاء في الحديث أن رسول الله قال: «يضرب الصراط بين ظهراني جنهم، لأكون أول من يجيز بأمته من الرسل. ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم، اللهم سلم! وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السعدان.. غير أنه لا يعلم قدر عظمتها إلا الله تعالى، تختطف الناس بأعمالهم. فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل ثم ينجو» (رواه أبو هريرة).

وقال أبو سعيد الخدري، قال رسول الله (صلعم) «يمر الناس على جسر جهنّم وعليه حسك وكلاليب وخطاطيف، تختطف الناس يميناً وشمالاً. وعلى جنبتيه ملائكة يقولون: اللهم سلم، اللهم سلم. فمن الناس من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس المجري، ومنهم من يسعى سعياً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من يزحف زحفاً. فأما أهل النار الذين هم أهلها، فلا يموتون ولا يحيون. وأما أناس فيؤخذون بذنوب وخطايا، فيحترقون فيكونون فحماً، ثم يؤذن بالشفاعة» (رواه الغزالي).

وقال ابن مسعود، قال رسول الله: «يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، قياماً أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرن فصل القضاء... ثم يقول للمؤمنين ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم. فمنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلاً يعطى نوره على إبهام قدمه. فيضيء مرة ويخبو مرة، فإذا أضاء قدم قدمه فمشى، وإذا اظلم قام. أما مرورهم على الصراط، فعلى قدر نورهم. فمنهم من يمر كطرف العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكواكب، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرجل. حتى يمر الذي أعطي نوره على إبهام قدمه، يحبو على وجهه ويديه. تجر يدٌ وتعلق رِجلٌ وتجر أخرى، وتصيب جوانبه النار. فلا يزال كذلك، حتى يخلص. فإذا خلص وقف عليها ثم قال: الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً، إذ نجاني منها بعد أن رأيتها. فينطلق إلى غدير عذابات الجنة، فيغتسل» (رواه ابن عدى).

وقال انس بن مالك: «سمعت رسول الله يقول: الصراط كحد السيف، أو كحد الشعرة. وأن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات. وأن جبريل عليه السلام لأخذ بحجزتي، وإني لأقول: يا رب سلم، فالزالون والزالات يومئذ كثير» (أخرجه البيهقي).

العذاب في جهنّم

1 - أسماء جهنّم

جاء في القرآن عدة أسماء لمكان العذاب أبرزها التالية:

  1. جهنّم: وقد ورد هذا الاسم في ما يزيد على ست وثمانين آية، وأولاها في سورة البقرة 2: 206، ومعناها الجب البعيد الغور (تفسر الجلالين).
  2. سقر: سورة القمر 54: 48، ومعناها النار المحرقة (تفسير الجلالين).
  3. الهاوية: سورة القارعة 101: 9، ومعناها النار العميقة، يهوي أهل النار فيها (تفسير قتادة).
  4. الحطمة: سورة الهمزة 104: 4، وقد فسرها المبرد بأنها النار التي تحطم كل من وقع فيها. وقال مقاتل: هي تحطم العظام، وتأكل اللحوم. وروى عن النبي أنه قال:«إن الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه كما توضع الخشبة على الركبة فتكسر، ثم يرمى في النار» (التفسير الكبير جزء 32، صفحة 94).
  5. السعير: سورة الحج 22: 4، وقد فسرها مجاهد: أن الشيطان يسوق من اتبعه إلى عذاب جهنّم الموقدة (جامع البيان جزء 17، صفحة 116).
  6. سجين: سورة المطففين 83: 7، فسرها الجلالان بمكان أسفل الأرض السابعة، وهو محل إبليس وجنوده (جلالان 789)، وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: «سجين جب في جهنّم» (التفسير الكبير، جزء 31 صفحة 92).
  7. النار: سورة البقرة 2: 24، فسرها الطبري، فقال: التي «وقودها الناس والحجارة»، والحجارة قرنت بالناس لأن الحجارة المشار إليها هي حجارة من كبريت (جامع البيان، جزء 1 صفحة 168).
  8. الجحيم: سورة البقرة 2: 119، فسرها الطبري بالقول: الجحيم هي النار، وأهل الجحيم هم أهل النار الذين يخلدون فيها، ولا يخرجون منها أبداً (جامع البيان، الجزء 5، الصفحة 142).

2 - أهوال جهنّم

لقد أفرز القرآن عشرات الآيات، لوصف عذابات جهنّم ووقودها ونيرانها المتأججة وطعامها وشرابها، مما يدخل الرعب إلى النفوس منها هذه الآيات:

«يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ» (سورة التحريم 66: 6).

«فَٱلَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ» (سورة الحج 22: 19 - 22).

«وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هَوُ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ» (سورة إبراهيم 14: 15 - 17).

«إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً» (سورة النساء 4: 56).

«وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَ تَدْعُوا ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً» (سورة الفرقان 25: 11 - 14).

وقد وصف حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي أهوال جهنّم هكذا: «أيها الغافل عن نفسه المغرور بما هو فيه من مشاغل هذه الدنيا، المشرفة على الانقضاء والزوال... اصرف الفكر إلى موردك، فإنك أخبرت بأن النار مورد للجميع، إذ قيل: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا وَنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً» (مريم 19: 71 و72). فأنت من الورود على يقين، ومن النجاة في شك. فاستشعر في قلبك ذلك المورد، فعساك تستعد للنجاة منه. وتأمل في حال الخلائق، وقد قاسوا من دواهي القيامة ما قاسوا. فبينا هم في كربها وأهوالها وقوفاً ينتظرون حقيقة أنبائها وتشفيع شفعائها، إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات ذات شعب، وأطلت عليهم نار لهب. وسمعوا لها زفيراً وجرجرة، تفصح عن شدة الغضب... وخرج المنادي من الزبانية قائلاً: أين فلان بن فلان، المسوف نفسه في الدنيا بطول الأمل، المضيع عمره في سوء العمل؟ فيبادرونه بمقامع من حديد، ويسوقونه إلى العذاب الشديد. وينكسونه في قعر الجحيم ويقولون له «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ» (سورة الدخان 44: 49) فاسكنوا داراً ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك.. شرابهم فيها الحميم، ومستقرهم الجحيم... ينادون من أكنافها: يا مالك قد حق علينا الوعيد. يا مالك قد أثقلنا الحديد، يا مالك قد نضجت منا الجلود، يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعند. فتقول الزانية هيهات! لا خروج لك من دار الهوان. عندئذ يقطنون وعلى ما فرطوا في جنب الله يأسفون. ولا ينجيهم الندم، ولا يفنيهم الأسف. بل يكبون على وجوههم مغلولين. النار من فوقهم، والنار من تحتهم، والنار من أيمانهم، والنار عن شمائلهم. فهم غرقى في النار، طعامهم نار وشرابهم نار، ولباسهم نار، ومهادهم نار. تغلى بهم النار كغلي القدور... ومهما نادوا بالقبور، هب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد، تهشم بها جباههم. فيتفجر الصديد من أفواههم، وتنقطع من العطش أكبادهم... ويسقط من الوجنات لحومها، ويتمعط عن الأطراف جلودها. وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها. وقد عريت من اللحم عظامهم، فبقيت الأرواح منوطة بالعروق وعلائق العصب وهي تنش في لفح تلك النيران... وهم يشمون على النار بوجوههم، ويطأون حسك الحديد بأحداقهم. فلهيب النار سار في بواطن أحزانهم. وحيات الهاوية وعقاربها متشبثة بظواهر أعضائهم» (إحياء علوم الدين، مجلد 4، صفحة 658 - 659).

جاء في الحديث أن رسول الله قال: «إن في النار لحيات مثل أعناق البخت يلسعن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفاً. وأن فيها العقارب كالبغال الموكفة يلسعن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفاً. وهذه الحيات والعقارب إنما تسلط على من سلط عليه في الدنيا البخل وسوء الخلق وإيذاء الناس» (أخرجه أحمد عن عبد الله بن الحارث).

وجاء في الحديث أيضاً أن رسول الله قال: «إن أدنى أهل النار عذاباً يوم القيامة، ينتعل نعلين من نار، يغلي دماغه من حرارة نعليه» (أخرجه النعمان بن بشير).

وفي حديث آخر، أن رسول الله قال: «أمر الله أن يوقد على النار ألف عام، حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عام، حتى اسوّدت فهي سوداء مظلمة» (إحياء علوم الدين).

ثم يأتي بعد ذلك نتن الصديد الذي يسيل من أبدان المعذبين، يغرقون فيه وهو الغساق. قال أبو سعد الخدري: «قال رسول الله: لو أن دلوا من غساق جهنّم ألقي في الدنيا لأنتن أهل الأرض» (أخرجه الترمزي).

3 - طعام المعذبين وشرابهم

في القرآن عدة آيات تصف طعام وشراب المعذبين في جهنّم، منها:

«ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ» (سورة الواقعة 56: 51 - 55).

«إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ» (سورة الصافات 37: 64 - 66).

جاء في تفسير الرازي، أن الزقوم في الطعم مر وفي اللمس حار، وفي الرائحة منتن، وفي المنظر أسود، لا يكاد أكله يسيغه فيكره على ابتلاعه. وإذا شبع المعذبون منه، يشتد عطشهم ويحتاجون إلى الشراب. فعندئذ وصف الله شرابهم فقال: «أن لهم عليها لشوباً من حميم».

قال الزجاج: «الشوب اسم عام في كل ما خلط بغيره، والحميم الماء الحار المتناهي في الحرارة. والمعنى أنه إذا غلبهم ذلك العطش الشديد، سقوا من ذلك الحميم. فحينئذ يشوب الزقوم بالحميم... واليهم هي الجمال. فيكون المعنى أن الشاربين لزيادة عذابهم يؤمرون أن يشربوا ماء حاراً منتناً مثلما تشرب الجمال» (التفسير الكبير جزء 26، صفحة 172).

قال ابن عباس، قال رسول الله: «لو أن قطرة من الزقوم، قطرت في بحار الدنيا، أفسدت على أهل الدنيا معايشهم» (أخرجه الترمزي).

وقال أبو الدرداء، قال رسول الله: «يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، ويستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة. فيذكرون أنهم كما يجيزون الغصص في الدنيا بشراب، فيستغيثون بشراب. فيرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد، فإذا دنت من وجوههم، شوت وجوههم. فإذا دخل الشراب بطونهم، قطع ما في بطونهم: فيدعون خزنة جهنّم «ٱدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ ٱلْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَٱدْعُوا وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ» (سورة غافر 40: 49 و50). قال فيقولون ادعوا مالكاً فيدعون فيقولون: يا مالك ليقض علينا ربك، فيجيبهم أنكم ماكثون» (أخرجه الترمزي).

وقال الأعمش: «أنبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام. قال فيقولون ادعوا ربكم. فلا أحد خير من ربكم. فيقولون: «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ» (سورة المؤمنون 23: 106 و107). قال: فيجيبهم «قَالَ ٱخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ» (سورة المؤمنون 23: 108). قال: «فعند ذلك أخذوا في الزفير والحسرة والويل».

وقال أبو أمامة: «قال رسول الله في قوله تعالى: «وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ» (سورة إبراهيم 14: 16 و17) قال: يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوى وجهه، فوقعت فروة رأسه. فإذا شربه قطع أمعاءه، حتى يخرج من دبره. قال: «سُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ» (سورة محمد 47: 15) وقال: «وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوُجُوهَ» (سورة الكهف 18: 29). فهذا طعامهم وشرابهم عند رجوعهم وعطشهم» (أخرجه الترمذي).

هل تخلد النفس في العذاب؟

يعلّم القرآن أن الخلود في النار موقوف على مشيئة الله، وأنه ليس ضرورياً أن كل من يدخل جهنّم يخلد فيها، بدليل قوله:

«... ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ» (سورة الأنعام 6: 128).

قال ابن عباس: «استثنى الله تعالى قوماً، سبق في علمه أنهم يسلمون ويصدقون النبي (صلعم). وعلى هذا القول يجب أن تكون ما بمعنى من» (التفسير الكبير جزء 13 صفحة 192).

«فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُوا فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ» (سورة هود 11: 106 و107).

قال الفخر الرازي في تفسير الآية: أن الاستدلال بها من وجهين:

الأول: أنه تعالى قال «ما دامت السموات والأرض» دل هذا النص على أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السموات والأرض، ثم توافقنا على أن مدة بقاء السموات والأرض متناهية. فلزم أن تكون مدة عقاب الكفار منقطعة.

الثاني: أن قوله «إلا ما شاء ربك» استثناء من مدة عقابهم. وذلك يدل على زوال ذلك العذاب في وقت هذا الاستثناء (التفسير الكبير، جزء 17 صفحة 62).

وللشفاعة شأن في هذا الموضوع، إذ تجد في القرآن والأخبار شواهد كثيرة على ذلك. قال الإمام الغزالي: اعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف من المؤمنين فإن الله تعالى بفضله يقبل فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصالحين، وكل من له عند الله جاه وحسن معاملة فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه (إحياء علوم الدين، مجلد 4 صفحة 653).

روى عمر بن العاص أن رسول الله تلا قول إبراهيم عليه السلام: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ ٱلنَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .(سورة إبراهيم 14: 36) وقول عيسى عليه السلام: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ» (سورة المائدة 5: 118). ثم رفع الرسول يديه وقال: أمتي أمتي، ثم بكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوء بك (رواه مسلم).

وقال أنس ابن مالك، قال رسول الله: أعطيت خمساً لم يعطهم أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي. وجعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً. فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل. وأعطيت الشفاعة. وكل نبي بعث إلى قوم خاصة، وبعثت إلى الناس عامة (أخرجه الترمذي).

وقال أبو هريرة حدثني رسول الله: إذا كان يوم القيامة، كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، ولا فخر. أنا سيد ولد آدم، ولا فخر. وأنا أول من تنشق الأرض عنه. وأنا أول شافع، وأول مشفع. بيدي لواء الحمد، تحته آدم (أخرجه الترمذي).

وقال ابن عباس: حدثني رسول الله: ينصب للأنبياء منابر من ذهب فيجلسون عليها، ويبقى منبري لا أجلس عليه، قائماً بين يدي ربي منتصباً، مخافة أن يبعث بي إلى الجنة، وتبقى أمتي بعد. فأقول يا رب أمتي. فيقول الله عز وجل: يا محمد ما تريد أن أصنع بأمتك؟ فأقول يا رب عجل حسابهم. فما أزال أشفع حتى صككا برجال قد بعث بهم إلى النار. وحتى أن مالكاً خازن النار يقول: يا محمد ما تركت النار لغضب ربك في أمتك من بقية (أخرجه الطبراني).

وقال أبو هريرة... قال رسول الله: «أنا سيد المرسلين يوم القيامة. هل تدرون مم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد. يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنوا الشمس. فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، ولا يحتملون. فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنتظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم. فيأتون آدم فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. وأنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته. نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً، فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبداً شكوراً. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. وأنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي. نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضباً، لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله. وإني قد كذبت ثلاث كذبات. نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى، فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضلك برسالته وبكلامه على الناس. اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول إن ربي غضب اليوم غضباً، لم يغضب مثله، ولا يغضب بعده مثله. وإني قتلت نفساً، لم أؤمر بقتلها. نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى، فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها على مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى إن ربي غضب اليوم غضباً شديداً، ولم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر لي ذنباً، نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد. فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم النبيين، وغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي. ثم يفتح لي الله من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي. ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعط واشفع تشفع. فأرفع رأسي فأقول: أمتي أمتي! فيقال: يا محمد أَدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس في ما سوى ذلك من الأبواب. ثم قال: والذي نفسي بيده إن بين المصراعين من مصاريع الجنة، كما بين مكة وخيبر، أو كما بين مكة وبصرى» (أخرجه مسلم).

وعن أنس بن مالك أن رسول الله قال: إن رجلاً من أهل الجنة، يشرف يوم القيامة على أهل النار. فيقول له أحدهم: يا فلان هل تعرفني؟ فيقول لا والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة ماء فسقيتك. قال قد عرفت. قال اشفع لي عند ربك! فيسأل الله تعالى ذكره... فيشفعه الله فيه، فيؤمر فيخرج من النار (أخرجه أبو منصور الديلمي).

ان كان لديك أي أسئلة أو استفسارات عن هذا الكتاب، يمكنك الكتابة إلينا مباشرة عن طريق استمارة الاتصال الموجودة على الموقع.

الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:

www.the-good-way.com/ar/contact

او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:

The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland

الصفحة الرئيسية