لماذا لا نؤمن بمحمد كنبي مرسل من الله ؟

(محمود حسان)

قبل الإجابة على هذا السؤال ، عن شخص الرسول العربي " محمد " ، دعنا نقول بأننا كمتنصرين لا نكن له آية مشاعر سلبية ، بل نحترمه كرجل قام بدور بارز في المجتمع البدوي الصحراوي الذي نشأ فيه ، وكون أننا لا نرى أنه نبي ، أو مرسل من قبل الله بكتاب ما ( وهو هنا القرآن ) فهذا لا يعني إنكارنا لدوره الإجتماعي الإخلاقي في بيئته التي نشأ فيها ! لكن الأمر مختلف تماماً إذا نظرنا إليه من منظور ديني ، لماذا ؟!

لأن كل الديانات تحدد سمات ، وخصائص ، لابد وأن تكون متوفرة في النبي أو الرسول الذي يمثلها ، وبخاصة إذا كان مرسل من قبل الله ـ والله هنا هو إله " اليهود ، والمسيحيين " فما هي هذه الشروط :

أولاً : لابد أن يكون إعلان هذا الرسول ، أو النبي متوافق وبإنسجام مع إعلان الله في هذه الكتب ، لذا نجد أن المسيحيين لم ينكروا على اليهود كتابهم ، وهو هنا " التوراة وكتابات الأنبياء ، والزابور ، وكتب الحكمة " بل اعتمدوها بلا زيادة أو نقصان ، واعتبروها كتباً مقدسة ، هذا مع الإختلاف البين بين كلاً من الديانتين . فالمسيحية لا تتهم اليهود بالتحريف مثلاً ، لكن تتهمهم بعدم إدراك إعلان الله الذي أُكما في شخص المسيح " الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء ، بأنواع وطرق كثيرة ، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في إبنه " .. ومن هذه الآية نرى بأن الإختلاف في الديانتين هو في طريقة التفسير ، وتباين منهجي التأويل ـ ولكن كل هذا حول نفس الكتاب ، وبدون أي إتهام بينهما للكتاب المقدس ـ فنرى اليهود لا يعترفون بيسوع ( عيسى في القرآن ) على أنه المسيح .. ترى لماذا ..؟ لأنهم يدركون بأن هذا المسيح لابد وأن تكون فيه صفات خاصة جداً ـ بل دعينا نقول : سامية جداً ! ـ ويرون أنها غير متوفرة في شخص يسوع المسيح . ولكن ألا ترين بأنه من الغرابة أن القرآن يرى في شخص يسوع أنه هو المسيح ، وهنا يترآى لنا سبب ذلك ، وهو أن الرسول العربي لا يفهم أدوات الوحي الإلهي ، بل أنه غير واعي بمفهوم الوحي وطبيعته ، ولا بسمات النبي ، مما أوقعه في الخلط بلا تمييز ! وهو ما ستجدينه بيسر إن طالعتي كل الآيات الواردة في القرآن حول شخص المسيح في القرآن ، وقارنتيها بما حوته روايات الإنجيل الشريف عن شخص السيد المسيح .

ثانياً : أن يكون هذا النبي ، إمتداد طبيعي ـ غير متعارض ـ مع منهج الكتاب المقدس في رسمه لصور الأنبياء ، والعلماء المسلمين أدركوا هذه الفجوة وحاولوا تداركها ـ وبخاصة بعد خروجهم من تقوقعهم في الجزيرة العربية إلى خارج الحدود ، وهو ما أسموه بـ " الفتح " فحاولوا أن يربطوا رسولهم بالتوراة وبالأنبياء السابقين ـ الوارد ذكرهم في الكتاب المقدس ـ وهذا واضح كل الوضوح إذا قرأتي السيرة النبوية لبن هشام ، على سبيل المثال .. حيث تجدين خرافات وأساطير كثيرة وضعها الكاتب ، أو الراوي ، كتمهيد لبعثة النبي العربي ، أي أنه حاول التغلب على المشكل بهذا الربط .. إلا أن محاولته هذه كشف عن عدم معرفته بالروايات التوراتية ، مما أوقعه في الخلط في الروايات ، ولست هنا أسعى لتشويش ذهنك بسرد الأمثلة ، وهي كثيرة ، ولكن يمكنك أن تتعرفي عليها بسهولة ، بالرجوع إلى المرجع المذكور ، ومقارنتها بالكتاب المقدس ، وهنا ستدركين الفرق بنفسك .. ولكن كل هذا يقودنا إلى أين ؟!

يقودنا إلى أن الرسول العربي هو خارج الإطار الرسولي والنبوي ، والمرسوم في الكتاب المقدس ، لذا لا يمكننا أن نعترف به ، كرسول من قبل الله . والمسلمين الأوائل أدركوا هذه المشكلة لذا بدأوا في إتهام الكتاب المقدس بالتحريف ، وهم لا يدركون أنهم بهذا ينالون من كتابهم ، والذي يعتقدون بأنه لم يسلم من الأذى ، وقليل من المراجعة التاريخية ، في كتابات المؤرخين المسلمين يكشف لنا عن دور " الحجاج بن يوسف الثقفي مثلا ، أو دور عثمان بن عفان مثلاً آخر ... والأمثلة كثير ، ولكن مراجعة منك لها ستكشف لك الكثير ، وبدون تلميح منا بشئ ! ( راجعي على سبيل المثال كتاب :" الفتنة الكبرى لـ الدكتور طه حسين " وهو من جزئين وصادر عن دار المعارف بالقاهرة )

السبب الثالث : أنه لا يمثل أي ضرورة في الوحي ، إذ أن السيد المسيح هو خاتم الوحي الإلهي ، ورسله ( بكتاباتهم ) ليست كتب تشريع ، وإلا لكان هذا يمثل نسخاً للتوراة ، وهي ما لا تعترف به المسيحية ، بل هي كتب موحى بها من قبل الله لتفسير كيفية إتمام نبؤات العهد القديم ( القسم الأول من الكتاب المقدس ) في العهد الجديد ( وهو القسم الثاني من الكتاب المقدس ، وهو الإنجيل ) ، بينما نجد أن محمد أتى لنا بقصاصات غير منظمة تحوي موضوعات غير منظمة لقصص بعضها من التوراة ، وبعضها من كتابات متداولة في زمنه بالجزيرة العربية ، وأغلبها قصص شفهية ، ( والرجوع إلى رسالة الدكتوراة المعنونة " الفن القصصي في القرآن " شرح وتزييل الشيخ خليل عبد الكريم ، والصادرة عن دار سيناء بالقاهرة " تكشف لك الكثير )

أي أن محمد لم يأتي لنا بكتاب مرتبط ـ بقريب أو من بعيد بالكتاب المقدس ـ وهذا طبعاً غريب ! ولم يأتينا بكتاب منظم يكشف لنا عن طبيعة الإله الذي أرسله ، بل فقط قدم لنا دفعات ـ وهو متناثرة بطول القرآن وعرضه ـ عن إله لم يقدم لنا صفاته ، بل كثر لنا من اسمائه . وهذا الفصام يكشف لنا عن عدم مصداقيته ، بل وعدم ترابطه مع الكتاب السابق له ، لذا لا غرابة أن يميز الغربيين بين إله القرآن وإله الكتاب المقدس !!

هذا بعض من كثير ، ولكن رغبتنا في ألا نقل عليك بالكتابة في هذا الموضوع الطويل هو ما دعانا للاختصار

الصفحة الرئيسية