بنات الرسول من هن؟
 
 
هذه المقالة للكاتب  والمفكر الإسلامي صالح الورداني، وقد نشرت في مجلة روزاليوسف المصرية بتاريخ 23-6-1997 العدد 3602 الصفحة 97: تقول المقالة بالنص

هذا مقال هام يحتاج إلى مناقشة واسعة من علماء الدين والتاريخ، فهو يثير جدلاً حول روايات تاريخية متناقضة

ولد الرسول(ص) وعاش في كنف الوحي ورعايته وتحددت معالم شخصيته من خلال صدق الحديث وعظم الأمانة وكرم الأخلاق
وقد جذبت شخصية الرسول السيدة خديجة بنت خويلد وكانت امرأة حازمة ... وكان الزواج المبارك بأمر الله
ونحن لن نتحدث هنا عن دور خديجة في حياة الرسول وتضحياتها في سبيل الدعوة فهذا أمر مشهور. إلا إن ما يعنينا التركيز عليه هنا هو الفترة الزمنية التي ارتبط فيها الرسول بخديجة لأن تحديد هذه الفترة في شأنه أن يسهم في إلقاء الضوء على القضية المطروحة

يروي ابن هشام في سيرته: فلما بلغ رسول الله خمساً وعشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد. وقال ابن حجر العسقلاني: تزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور وماتت على الصحيح بعد البعثة بعشر سنين، وقيل بثمان، وقيل بسبع. فأقامت معه خمساً وعشرين سنة على الصحيح. وقال ابن عبد البر أربعاً وعشرين سنة وأربعة أشهر (فتح الباري شرح البخاري حـ7/134).

ويروي ابن سعد: كانت خديجة يوم تزوجها رسول الله ابنة ثمان وعشرين سنة. وفي رواية أخرى أنها كانت بنت أربعين سنة (الطبقات ح8/13) والفقهاء يؤكدون رواية الأربعين عاماً ويشككون في الروايات الأخرى

من الروايات السابقة، نخرج بما يلي

إن خديجة عاشت مع الرسول خمسة عشر عاماً قبل البعثة وعشراً بعدها. وذلك حسب الروايات التي أجمع عليها الفقهاء؛
 إن خديجة توفيت وعمرها خمسة وستون عاماً؛
إن ما نسب إليها من أبناء تم إنجابهم بعد سن الأربعين؛

وإذا كان المؤرخون قد نسبوا إلى السيدة خديجة ستة أبناء هم القاسم وبه كان يكنى الرسول وعبد الله الملقب بالطاهر أو الطيب وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. فإن هذا يعني أن إنجاب هؤلاء تم في فترة الأربعينيات من عمرها

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذا الإنجاب هو الأول في حياة خديجة؟ الجواب يرويه ابن سعد: كانت خديجة قبل أن يتزوجها أحد قد ذكرت لورقة بن نوفل فلم يقض بينهما نكاح فتزوجها أبو هالة واسمه هند بن النباش، فولدت خديجة لأبو هالة ولداً يقال له هند. ثم خلف عليها بعد أبو هالة عتيق بن عابد ولدت له جارية يقال لها هند. وكانت خديجة تدعى أم هند.

هذا ما عليه الجميع من الفقهاء والمؤرخين أن السيدة خديجة تزوجت مرتان قبل الرسول وأنجبت من هاتين المرتين. فمتى كان تاريخ هذا الزواج وهذا الإنجاب؟

هذا ما لا نجد له جواباً عند المؤرخين. إلا أن المؤكد أن خديجة تزوجت وأنجبت قبل سن الأربعين الذي تزوجت فيه الرسول

وحسبما يُروى، تعتبر زينب كبرى بنات خديجة وقد تزوجت ابن خالتها أبو العاص بن الربيع قبل النبوة وولدت له علياً وأمامة. فتوفي عل وهو صغير وبقيت أمامة فتزوجها علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة

وروى ابن سعد أن زينب أسلمت وهاجرت مع أبيها وأبى زوجها أن يسلم وفي رواية أخرى شارك في موقعة بدر مع المشركين ووقع في الأسر. ثم أطلقه النبي على أن يخلي سبيل زينب من مكة لتأتي إليه فوعده بذلك وفعل. ثم أسر من ناس في عير لقريش كانت قادمة الشام سنة ست من الهجرة فأجارته زينب وطلبت من الرسول أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه ففعل. ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه ثم أسلم ورجع إلى النبي سنة سبع من الهجرة فرد الرسول عليه زينب بالنكاح الأول. وروى ابن هشام في سيرته نفس الرواية. (ح2/أسارى بدر)
وذكر المؤرخون أن زينب توفيت سنة ثمان بالمدينة. أما عن مولد زينب فيذكر المؤرخون أنها ولدت في سنة ثلاثين من مولد النبي. وقد تزوجت قبل البعثة (الاستيعاب في معرفة الأصحاب ح4/292. ونهاية الإرب في فنون الأدب ح18/212. وأسد الغابة في معرفة الصحابة ح2/467)

 
أما إذا انتقلنا إلى تاريخ رقية ... فيذكر المؤرخون أن رقية ولدت في السنة الثالثة والثلاثين من عمر الرسول (ص) وتزوجت عتبة بن أبي لهب قبل البعثة. وفارقها حين أمره أبوه بتطليقها بعد البعثة وتزوجت بعده عثمان بن عفان وهاجرت معه إلى الحبشة وأنجبت له هناك ابناً أسماه عبد الله، ومات الغلام في سن السادسة وماتت رقية في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة بدر ... (نهاية الأرب والاستيعاب وطبقات ابن سعد

أما أم كلثوم، فكانت قد تزوجت عتيبة شقيق عتبة بن أبي لهب وطلقها بعد بعثة الرسول (ص) في نفس الوقت الذي طلق فيه شقيقه رقية، وتزوج بها عثمان بعد وفاة رقية في السنة الثالثة للهجرة ولم تنجب لعثمان وتوفيت في السنة التاسعة من الهجرة. (نهاية الأرب وطبقات ابن سعد. البداية والنهاية لابن كثير) وإذا كان المؤرخون يؤكدون أن أم كلثوم ولدت بعد رقية إلا أنهم لم يحددوا تاريخ ميلادها

وفيما يتعلق بفاطمة، يروي ابن سعد أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين أي في السنة الخامسة والثلاثين من عمر الرسول (ص) وتوفيت في السنة الحادية عشرة من الهجرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها. وذلك بعد وفاة أبيها بستة أشهر

ويُروى أن فاطمة ولدت على رأس سنة إحدى وأربعين من مولد النبي (ص) وتوفيت وهي ابنة إحدى وعشرين (مستدرك الحاكم ح3/ذكر وفاة فاطمة ونهاية الأرب وفتح الباري

إن ما نتوصل إليه مما سبق سرده من الروايات هو ما يلي: (الكلام مازال لصالح الورداني المفكر الإسلامي

أولاً: إذا كان الفقهاء والمؤرخون قد أجمعوا على أن الرسول تزوج خديجة وهي في سن الأربعين. فإن هذا يعني أن الإنجاب وقع بعد سن الأربعين كما أشرنا سابقاً. إلا أن الروايات الخاصة ببنات الرسول (ص) تشير إلى أن تاريخ ميلادهم كان قبل تلك الفترة
زينب ولدت سنة (30
ورقية ولدت سنة (33
وأم كلثوم ولدت بعدهما
وفاطمة في سنة (35
وهذا يعني أن خديجة أنجبتهن وهي على أبواب الخمسين، إذ أن الرسول (ص) تزوجها وهو في الخامسة والعشرين والإنجاب وقع في العشر سنوات الأولى من الزواج.
وهو أمر يضعنا بين أمرين

 إما أن نرفض هذه الروايات الخاصة ببنات الرسول
 وإما أن نرفض الروايات الخاصة بالسيدة خديجة
إلا أن المأزق يكمن في كون المؤرخين والفقهاء يقرون بهذه الروايات المتنافرة


ثانياً: إذا كانت السيدة خديجة قد سبق لها الإنجاب من زوجين سابقين للرسول، ففي أي من سني عمرها تحقق هذا الإنجاب؟ ولماذا اقتصر على واحد من زوج وواحدة من زوج آخر؟ وكيف تنجب ولداً واحداً من زيجتها الأولى والثانية بينما تنجب ستة في زيجتها الثالثة وبعد سن الأربعين؟

ثالثاً: إذا كانت زينب ولدت في سنة ثلاثين، فمتى تزوجت من أبي العاص؟ ومتى ولدت علياً وأمامة؟
لقد كانت سن زينب حين بعث الرسول (ص) عشر سنوات حسب الروايات التي ذكرناها، فهل تزوجت وأنجبت في هذه السن؟
ومن القوم من يؤكدون حالة التيه والتناقض بتبنيهم مثل هذه الروايات التي تحدث عن دور زينب أثناء غزوة بدر والادعاء تارة أنها هاجرت مع أبيها وأنها بقيت في مكة حتى غزوة بدر تارة أخرى. علماً بأن الإسلام قد فرق بينها وبين زوجها.

رابعاً: إذا كان علياً بن زينب توفي صغيراً، فإن إمامه –كما تؤكد الروايات- بقيت على قيد الحياة حتى تزوجها علي بعد فاطمة. وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن سن أمامة كانت كبيرة بحيث تتناقض مع تاريخ ميلاد والدتها.

خامساً: لم يذكر المؤرخون شيئاً عن مصير أمامة في فترة الهجرة، فالرويات تؤكد أن زينب هاجرت وحدها. فإذا كانت أمامة صغيرة، فهل يعقل أن تهاجر أمها وتتركها وسط المشركين؟ التفسير الوحيد لهذا الموقف هو أن أمامة كانت كبيرة السن

سادساً: إن القوم يروون أن رجالاً من قريش خرجوا في طلب زينب حين هجرتها ثم أدركوها بذي طوى وهجموا على هودجها فكانت حاملاً، فلما وقعت ألقت ما في بطنها ... (مسند أحمد كتاب مناقب الصحابة. باب زينب. وسيرة ابن هشام ح2/باب خروج زينب.

سابعاً: ما ينطبق على زينب ينطبق على رقية. بل إن حالها أكثر ريبة من حال زينب أنها ولدت بعدها بثلاث سنوات. أي أنها حين بعث النبي كان عمرها سبع سنوات. في تذكر الروايات أنه طلقت من عتبة بن أبي لهب بعد بعثة الرسول وحين نزلت سورة اللهب. فهل تزوجت وطلقت وعمرها سبع سنوات؟

ثامناً: تؤكد الروايات أن الرسول (ص) زوجها لعثمان وذلك قبل الهجرة الأولى للحبشة. فمتى زوجت عثمان؟

تاسعاً: تذكر الروايات أن رقية هاجرت مع عثمان إلى الحبشة وأنجبت ولداً مات في سن السادسة أي بعد العودة من الحبشة. بينما ماتت رقية في السنة الثانية للهجرة بالمدينة. فإذا كان ميلادها قبل البعثة بسبع سنوات، ووفاتها في السنة الثانية، فإن هذا يعني أنها توفيت وعمرها تسعة عشر عاماً على أساس أن الرسول (ص) مكث عشر سنوات في مكة وعاصرته هي في المدينة لمدة سنتين. وإذا ما استثنينا الست سنوات عمر الولد الذي أنجبته من عثمان يصبح عمرها حين تزوجته وهاجرت معه ثلاثة عشر عاماً. وإذا ما أخذنا بالرواية التي تقول إن الرسول مكث في مكة ثلاثة عشر عاماً فإننا سوف نضيف إلى عمرها ثلاث سنين فيصبح عمرها حين تزوجت عثمان ستة عشر عاماً. وهذا يتناقض بالطبع مع الروايات السابقة. إذ يؤكد أن تزوجت عثمان في السنة السادسة أو التاسعة من البعثة