الصليب في جميع الأديان

واعظ بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية يسى منصور


Table of Contents
مقدمة
الباب الأول: شهادة التوراة
الباب الثاني: شهادة الإنجيل
الباب الثالث: شهادة القرآن
الباب الرابع: شهادة التاريخ
الصليب في جميع الأديان. يسى منصور. الطبعة الأولى . . English title: The Cross in all Religions . German title: Das Kreuz im alle Religionen.

نظراً لأن الكثير من غير المسيحيين أخذوا اليوم، يكتبون عن المسيح له المجد، وقد تعرض البعض لنكران صلبه، مع أن حادثة الصلب هي حقيقة ظاهرة كالشمس في رابعة النهار.

فقد رأيت بنعمة الله، أن أتحف الذين ينشدون الحق بالأدلة القاطعة عن صلب المسيح من توراة اليهود، وإنجيل المسيحيين، وقرآن المسلمين، والتاريخ القديم، حتى يعترف كل مخلص غير مكابر بأن الصلب تم فعلاً لمجد الله وفداء البشر.

فالصليب ليس بجهالة ينادي به المسيحيون، وليس بضعف وهزيمة لحقت بالمسيح، أو هوان وعار حاق بالمسيحية، إنما الصليب هو حكمة الله في الفداء، وقوة الله للخلاص، وعرش الله في المحبة، وغنى الله في النعمة، ومجد الله في الرحمة.

وأرجو ممن يظهر له الحق أن يتسلح بالشجاعة، فيؤمن بهذا الحق في قلبه، ويعترف به بلسانه، فيختبر الخلاص من الخطية ونتائجها، وينطبع على نبل أخلاقي يجل عن الوصف.

قال بولس الرسول: «فَإِنَّ كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ ٱللّٰهِ» (1 كو 1: 18).

وإني أستودع رسالتي هذه التي أكتبها تحت دم الفادي إلى قوة الله لتطبع أثرها الفعال في ضمير وحياة القارئ الكريم.

المخلص يسى منصور

1/7/53

إننا إذا تصفحنا كتاب التوراة وهو الذي يقدسه اليهود كما نقدسه نحن المسيحيين ويعتبره المسلمون نوراً وهدى لرأيناه حافلاً من أوله إلى آخره بالنبوات العديدة الصريحة عن مجيء المسيح وصلبه ليكفر عن خطية البشر.

وهاكم أقوال طائفة من الأنبياء:

1 - موسى

في سنة 1500 ق. م كتب موسى النبي في سفر التكوين عن غواية آدم وحواء بواسطة الحية فقال إن الله قال للحية: «وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تك 3: 15).

وهذا هو أول نبأ عن المسيح وفيه إشارة لتجسده وموته ونصرته.

أما عن تجسده فيقول «نسل المرأة»

وأما عن موته فيقول «إن الحية تسحق عقبه»

وأما عن نصرته فيقول «وهو يسحق رأس الحية»

ومجمل النبأ أن غواية الشيطان للبشر تسبب عنها تجسد المسيح وموته. وموت المسيح وسحقه على الصليب تسبب عنه انهزام الشيطان وسحقه ونقض عمله وإنقاذ البشرية منه.

فالشيطان نقض جسد المسيح والمسيح نقض عمل الشيطان.

ولهذا قال بولس الرسول: «وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِٱلْمَجْدِ وَٱلْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَوْتَ لأجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ. فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ» (عب 2: 9 و14).

ولما أعلن الله هذا النبأ السار لآدم أوصاه أن يتقرب إليه تعالى بذبيحة يرى آدم في صورتها الرمزية كفارة الفادي الآتي التي بمقتضاها وحدها يتم خلاصه.

وفعلاً تقرب آدم لله في الجنة بذبيحة واكتسى بجلدها (تك 3: 21).

ومن بعده تقرب هابيل لله بذبيحة (تك 4: 4).

كذلك نوح (تك 8: 20 و21) وإبراهيم (تك 22: 13) وإسحق (تك 26: 25) ويعقوب (تك 35: 7).

وموسى نفسه أتى من الله بشرائع مفصلة بمقتضاها تقدم الأمة اليهودية القرابين والذبائح، كالتي تقدم في السبوت والأهلة وأعياد الفصح والخمسين والمظال وغيرها، وهي كلها ترمز لموت الفادي (خر 12، لا 13).

لأن هذه الذبائح ليست لها قيمة أدبية أو روحية في التقرب إلى الله إلا بمقدار مغزاها الرمزي، الذي يغذي روح مقدم الذبيحة بالرجاء والثقة في الفداء الإلهي المنتظر.

ولا يخفى أن المسيح نفسه قد صرح بأن موسى أشار لصلبه فقال: «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو 3: 14 و15).

وواضح أن بني إسرائيل لما تذمروا على الله في البرية أدبهم بالحيات السامة حينئذ استغاثوا بموسى. ولما صرخ موسى إلى الله، أمره تعالى أن يصنع حية من نحاس ويعلقها على راية وكل من ينظر إليها لا يموت بتأثير السم بل يبرأ في الحال (عد 21: 4 - 9).

فالحية النحاسية في هذه الحالة ترمز إلى المسيح من عدة وجوه:

فكما علقت الحية النحاسية على راية هكذا المسيح عُلق على الصليب.

وكما دخلت الحية النحاسية في النار وصقلت هكذا دخل المسيح في الآلام كقول يوحنا الرائي: «وَرِجْلاَهُ شِبْهُ ٱلنُّحَاسِ ٱلنَّقِيِّ، كَأَنَّهُمَا مَحْمِيَّتَانِ فِي أَتُونٍ» (رؤ 1: 15).

وكما كانت الحية النحاسية خالية من السم هكذا أخذ المسيح شبه جسد الخطية وهو بلا خطية ولم يعرف خطية مطلقاً (رو 8: 3 و2 كو 5: 21).

وكما لعنت الحية من الله في الفردوس هكذا «صَارَ (المسيح) لَعْنَةً لأجْلِنَا، لأنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ» (غل 3: 13).

وكما وضعت الحية النحاسية تحت النظام الموسوي هكذا جاء المسيح تحت الناموس (غل 4: 4 و5).

وكما كان مجرد النظر للحية النحاسية يعطي الحياة لمن هو على حافة الموت هكذا مجرد الإيمان بالمسيح يعطي الحياة الأبدية.

وكما جذبت الحية النحاسية أنظار الأمة الإسرائيلية لينالوا بواسطتها الشفاء هكذا قال المسيح «وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ» (يو 12: 32).

2 - أيوب

وقديماً، في أيام أيوب الذي أصابته الرزايا ومسه الضر، لما جاء إليه أصحابه ليعزوه، تنبأ أليهو عن الفدية الكريمة التي وجدها الله ليفدي بها نفس الإنسان فقال: «يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ ٱلْهُبُوطِ إِلَى ٱلْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. يَصِيرُ لَحْمُهُ أَنْضَرَ مِنْ لَحْمِ ٱلصَّبِيِّ وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. يُصَلِّي إِلَى ٱللّٰهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى ٱلإِنْسَانِ بِرَّهُ. يُغَنِّي بَيْنَ ٱلنَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ وَعَوَّجْتُ ٱلْمُسْتَقِيمَ وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ ٱلْعُبُورِ إِلَى ٱلْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ ٱلنُّورَ» (أي 33: 24 - 28).

وقد قال عنه: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَٱلآخِرَ عَلَى ٱلأَرْضِ يَقُومُ» (أي 19: 25).

3 - داود

وفي سنة 1000 ق م تنبأ داود النبي في سفر المزامير عن المسيح. ومصداقاً لذلك قول المسيح نفسه: «مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِيرِ» (لو 24: 44).

وقد كتب داود كثيراً عن آلام المسيح وموته مصلوباً.

ويكفي أن نتأمل في مزمور 22 فهو يأتي بنا إلى الجلجثة ويرينا مشاهد صلب المسيح كما وقعت تماماً وسجلها الإنجيل، ففي هذا المزمور نرى:

  1. صراخ المسيح على الصليب: «إِلهِي! إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي» (مز 22: 1).
  2. استهزاء المتفرجين عليه: «كلُّ ٱلَّذِينَ يَرُونَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ ٱلشِّفَاهَ وَيُنْغِضُونَ ٱلرَّأْسَ قَائِلِينَ: ٱتَّكَلَ عَلَى ٱلرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ. لِيُنْقِذْهُ لأنَّهُ سُرَّ بِهِ» (مز 22: 7 و8).
  3. تسمير يديه ورجليه: «ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ» (مز 22: 16 و17).
  4. تقسيم ثيابه بين العسكر والاقتراع عليها: «يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ» (مز 22: 18).
  5. كسر قلبه وموته: «كَٱلْمَاءِ ٱنْسَكَبْتُ. ٱنْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَٱلشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي. يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ ٱلْمَوْتِ تَضَعُنِي» (مز 22: 14 و15).
  6. قيامته من الموت وظهوره لتلاميذه: «أُخْبِرْ بِٱسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ ٱلْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ» (مز 22: 22).
  7. انتشار كنيسته وتبشيرها بالبر الذي قال فيه على الصليب: «ٱلذُّرِّيَّةُ تَتَعَبَّدُ لَهُ. يُخَبَّرُ عَنِ ٱلرَّبِّ ٱلْجِيلُ ٱلآتِي. يَأْتُونَ وَيُخْبِرُونَ بِبِرِّهِ شَعْباً سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ» (مز 22: 30 و31).

وإلى جانب هذا نجد مزمور 2 يتنبأ عن اضطهاد هيرودس وبيلاطس له ويتكلم عن الفادي على أنه المسيح والملك والابن وهذه من أخص ألقابه الكريمة (أع 4: 25 - 28).

ومزمور 16: 10 يتنبأ عن قيامته من الموت قائلاً: «لأنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً» (أع 2: 25 - 31).

ومزمور 69: 20 و21 يتنبأ عن عطشه وشربه الخل بيد أعدائه قائلاً «ٱنْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ. وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَماً، وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاًّ».

ومزمور 110: 1 و4 يتنبأ عن صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الله ليشفع فينا على أساس كهنوته الجديد باستحقاق ذبيحة نفسه قائلاً «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ».

4 - إشعياء

وفي سنة 700 ق م عاش إشعياء النبي الملقب بالنبي الإنجيلي. وقد تنبأ عن أهم الحوادث التي يتكون منها تاريخ المسيح من تجسده وولادته من عذراء ومعجزاته وآلامه وقيامته وامتداد ملكوته. وكان في نبواته كأنه شاهد عيان.

ولنذكر مثالاً لذلك أصحاح 53 وهو خاص بآلام المسيح ولنتأمله بخشوع كلمة كلمة:

«مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ.

مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.

لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً.

وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.

كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.

مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ.

أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِّزَاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ» (إش 53: 1 - 12).

وليس هناك مجال للشك في أن هذه النوبات هي عن المسيح. لأنه هو الشخص الوحيد البار الذي مات من أجل خطايا غيره.

وقد خصّص المسيح هذا الأصحاح لنفسه فقال «لأنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ ٱنْقِضَاءٌ» (لو 22: 37).

وفيلبس لما قابل وزير الحبشة وسمعه يقرأ هذا الأصحاح فتح فاه وابتدأ من هذا الكتاب يبشره بيسوع (أع 8: 35).

ومتى البشير وهو يخبر عن معجزات المسيح أشار إلى هذا الأصحاح بقوله: «لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا» (مت 8: 17).

ويوحنا البشير وهو يخبر عن جحود اليهود للمسيح أشار إلى هذا الأصحاح بقوله «لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟» (يو 12: 37 و38).

وفوق هذا فإن بطرس الرسول وبولس الرسول قد استشهدا من هذا الأصحاح عن المسيح (1 بط 2: 24 ورو 10: 16).

5 - دانيال

وفي سنة 500 ق م تنبأ دانيال النبي عن الميعاد الذي يأتي فيه المسيح ويجعل حداً للخطية فيكفر عنها، ويمنح المؤمنين به البر الأبدي، وأنه سيقطع وليس له ذنب بل يموت من أجل غيره، وأن الأمة الرومانية ستخرب أورشليم، وتدمر الهيكل، وأن المسيح سيثبت العهد الجديد، ويبطل ذبائح العهد القديم فقال:

«سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ ٱلْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ ٱلْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ ٱلْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ ٱلإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِٱلْبِرِّ ٱلأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ ٱلرُّؤْيَا وَٱلنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ ٱلْقُدُّوسِينَ.

فَٱعْلَمْ وَٱفْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ ٱلأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَٱثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ ٱلأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْقُدْسَ، وَٱنْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى ٱلنِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا.

وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ ٱلأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ ٱلذَّبِيحَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ ٱلأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ ٱلْمَقْضِيُّ عَلَى ٱلْمُخَرَّبِ» (دا 9: 24 - 27).

6 - هوشع

وهوشع النبي الذي عاش سنة 700 ق.م تنبأ عن العصر الذي يبطل فيه الذبائح الدموية من بني إسرائيل (هو 3: 4).

وتنبأ عن الفداء الذي سيعمله المسيح وبه ينتصر المؤمنون على الموت فقال «مِنْ يَدِ ٱلْهَاوِيَةِ أَفْدِيهِمْ. مِنَ ٱلْمَوْتِ أُخَلِّصُهُمْ. أَيْنَ أَوْبَاؤُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ شَوْكَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» (هو 13: 14).

وتنبأ في صراحة تامة عن موت المسيح وقيامته المجيدة في اليوم الثالث. وبين أن موته سيكون نيابة عنا ولذلك سنحسب أمواتاً معه وأحياء معه فقال: «يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ» (هو 6: 2).

وأكد أن هذا الذي يقيمنا ويحيينا هو الذي يشرق كنور العالم ويفيض كماء الحياة فقال: «لِنَعْرِفْ فَلْنَتَتَبَّعْ لِنَعْرِفَ ٱلرَّبَّ. خُرُوجُهُ يَقِينٌ كَٱلْفَجْرِ. يَأْتِي إِلَيْنَا كَٱلْمَطَرِ. كَمَطَرٍ مُتَأَخِّرٍ يَسْقِي ٱلأَرْضَ» (هو 6: 3).

وبولس الرسول أشار إلى قيامة المسيح في اليوم الثالث مستشهداً بهذه النبوة المكتوبة (1 كو 15: 4).

7 - زكريا

وزكريا النبي الذي عاش سنة 500 ق م تنبأ عن المسيح متتبعاً إياه بعين النبوة في كل أسبوع آلامه. فتنبأ عن دخوله أورشليم راكباً على جحش ابن أتان فقال: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زك 9: 9).

وتنبأ عن دم العهد الذي رسمه في ليلة تسليمه لليهود فقال: «وَأَنْتِ أَيْضاً فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ» (زك 9: 11).

ويوافق هذا ما قاله المسيح وهو يوزع كأس البركة لتلاميذه: «هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا» (مت 26: 28).

وتنبأ عن بيع يهوذا له بثلاثين من الفضة وطرحه إياها في الهيكل فقال: «فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: أَلْقِهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ، ٱلثَّمَنَ ٱلْكَرِيمَ ٱلَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ. فَأَخَذْتُ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ» (زك 11: 13).

وتنبأ عن صلبه بيد أمته فقال: «مَا هَذِهِ ٱلْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ ٱلَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي» (زك 13: 6).

وتنبأ عن طعنه بالحربة بعد موته فقال: «فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ» (زك 12: 10 ويو 19: 37).

وتنبأ عن أن الماء والدم الخارجين من جنبه المطعون سيكونان تطهيراً لخطايانا فقال: «فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ يَنْبُوعٌ مَفْتُوحاً لِبَيْتِ دَاوُدَ وَلِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ لِلْخَطِيَّةِ وَلِلْنَجَاسَةِ» (زك 13: 1).

هذا واعلم أن التوراة وهي كتاب سماوي لا يمكن أن يتفق اليهود والمسيحيون وهما على طرفي نقيض على أن يدسا فيها معاً هذه النبوات عن الصلب.

فالتوراة إذا هي التي فيها فصل الخطاب وعندها مقطع الحق. وكل مسلم مخلص ملزم أن يتخذها المرجع الأول والصحيح لكل عقيدة سليمة كقول القرآن:

«قُلْ فَأْتُوا بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ ٱفْتَرَى عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ» (سورة آل عمران 3: 93 و94).

«قُلْ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ» (سورة المائدة 5: 68).

«إِنَّا أَنْزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ» (سورة المائدة 5: 44).

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ» (سورة الأنبياء 21: 48).

«فَٱسْأَلُوا أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (سورة الأنبياء 21: 7).

إن الإنجيل الذي يدين به المسيحيون ويؤمن به المسلمون هو نسيج واحد سداه ولحمته موت المسيح وقيامته.

وسُمّي الإنجيل أي الأخبار السارة لأنه يتضمن أخبار الفداء.

ويضيق بنا المقام أن نذكر كل المواضيع الواردة في الإنجيل عن صلب المسيح لأن موضوع الصلب يسري في الإنجيل كسريان الدم في كل شرايين الجسم.

وإنما نجتزئ ببعض الملخصات:

1 - طلائع العهد الجديد

«وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ ٱلْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ» (لو 2: 38).

إن كثيرين في مستهل العهد الجديد تنبأوا عن الفداء المبارك الذي سيصنعه المسيح بموته المجيد.

فزكريا الكاهن تنبأ قائلاً: «مُبَارَكٌ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ لأنَّهُ ٱفْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ» (لو 1: 68 و69).

وسمعان الشيخ تنبأ عن مقاومة اليهود للمسيح والمسيحية وعن حزن العذراء على ابنها فقال:

«هَا إِنَّ هٰذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ» (لو 2: 34 و35).

ويوحنا المعمدان لما رأى يسوع مقبلاً إليه تنبأ عن موته الكفاري فقال: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يو 1: 29).

2 - نبوات المسيح عن موته

«وَلٰكِنْ لأجْلِ هٰذَا أَتَيْتُ» (يو 12: 27).

بما أن موت المسيح الكفاري هو عمله الرئيسي الذي جاء من السماء لأجله فلذلك كان المسيح يتحدث عن موته مقدماً للأحباء والأعداء في أزمنة متعددة وأماكن مختلفة. مما يدل على أن الصلب لم يكن مفاجأة له بل كان يسر به ويهدف إليه.

النبوة الأولى: مثال الهيكل

ففي الفصح الأول لخدمته الجهارية لما طهر الهيكل من الباعة قال له اليهود: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هٰذَا؟ أَجَابَ يَسُوعُ: ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ. فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هٰذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هٰذَا، فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ» (يو 2: 18 - 22).

النبوة الثانية: مثال الحية النحاسية

ولما كان المسيح يتحدث مع نيقوديموس في أورشليم أشار إلى آلامه على الصليب قائلاً: «كَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ. لأنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو 3: 14 - 16).

النبوة الثالثة: مثال يونان النبي

ولما كان يسوع في الجليل بعد أن شفى المجنون الأعمى الأخرس سأل اليهود أن يريهم آية من السماء فأجاب يسوع وقال لهم: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ ٱلنَّبِيِّ. لأنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هٰكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (مت 12: 39 و40).

النبوة الرابعة: مثال المن

ولما كان يسوع في كفرناحوم بعد أن أطعم الخمسة آلاف بالخمسة أرغفة في بيت صيدا حوّل أنظار اليهود من الاهتمام بالطعام البائد إلى الاهتمام بالطعام الباقي (يوحنا 6: 27).

فقال: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ مُوسَى أَعْطَاكُمُ ٱلْخُبْزَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، بَلْ أَبِي يُعْطِيكُمُ ٱلْخُبْزَ ٱلْحَقِيقِيَّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، لأنَّ خُبْزَ ٱللّٰهِ هُوَ ٱلنَّازِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ ٱلْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ. فَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَعْطِنَا فِي كُلِّ حِينٍ هٰذَا ٱلْخُبْزَ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَداً... وَٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي ٱلَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ ٱلْعَالَمِ... لأنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌّ» (يو 6: 32 - 35 و51 و55).

النبوة الخامسة: إنباؤه تلاميذه في قيصرية فيلبس

ولما جاء المسيح إلى قيصرية فيلبس وسأل تلاميذه من يقول الناس أني أنا؟ واعترف بطرس بأنه هو المسيح ابن الله الحي «مِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومَ.

فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَٱبْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلاً: حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هٰذَا! فَٱلْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: ٱذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلّٰهِ لٰكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ.

حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا» (مت 16: 21 - 25).

النبوة السادسة: مثال يوحنا المعمدان

ولما كان المسيح على جبل التجلي تغير وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور، وظهر موسى وإيليا بمجد وتحدثا معه عن صلبه العتيد أن يكون له بأورشليم، وقد شاهد هذا المجد الأسنى بطرس ويعقوب ويوحنا. وقد سمعوا صوت الآب من السماء يشهد للمسيح أنه هو الابن الحبيب «وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ ٱلْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: لاَ تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ.

وَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ: فَلِمَاذَا يَقُولُ ٱلْكَتَبَةُ إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَّوَلاً؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَّوَلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. وَلٰكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذٰلِكَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ.

حِينَئِذٍ فَهِمَ ٱلتَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ» (مت 17: 9 - 13).

النبوة السابعة: إنباؤه تلاميذه بالقرب من كفرناحوم

لما كان المسيح راجعاً من جبل التجلي إلى كفرناحوم قبل صلبه بستة شهور «قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ. فَحَزِنُوا جِدّاً» (مت 17: 22 و23).

النبوة الثامنة: مثال الراعي الصالح

لما جاء المسيح إلى أورشليم في عيد المظال بعد أن شفى المولود أعمى خاطب الفريسيين قائلاً «أَنَا هُوَ ٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ، وَٱلرَّاعِي ٱلصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْخِرَافِ... لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلآبُ، لأنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي» (يو 10: 11 و17 و18).

النبوة التاسعة: إنباؤه الفريسيين في بيرية

لما كان المسيح في بيرية قبل ذهابه الأخير إلى أورشليم «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: ٱخْرُجْ وَٱذْهَبْ مِنْ هٰهُنَا، لأنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ. فَقَالَ لَهُمُ: ٱمْضُوا وَقُولُوا لِهٰذَا ٱلثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي ٱلْيَوْمَ وَغَداً، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ أُكَمَّلُ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ أَسِيرَ ٱلْيَوْمَ وَغَداً وَمَا يَلِيهِ، لأنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَهْلِكَ نَبِيٌّ خَارِجاً عَنْ أُورُشَلِيمَ. يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا» (لو 13: 31 - 34).

النبوة العاشرة: إنباؤه الفريسيين في بيرية أيضاً

ولما كان المسيح أيضاً في بيرية، سأله الفريسيون باستهزاء متى يأتي ملكوت الله؟ فقال لهم ها ملكوت الله داخلكم. ثم تكلم عن مجده في مجيئه الثاني ثم استدرك قائلاً «وَلٰكِنْ يَنْبَغِي أَّوَلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْفَضَ مِنْ هٰذَا ٱلْجِيلِ» (لو 17: 25).

النبوة الحادية عشرة: إنباؤه تلاميذه في طريق أورشليم

ولما بارح المسيح بيرية «وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِداً إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذاً عَلَى ٱنْفِرَادٍ فِي ٱلطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى ٱلأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (مت 20: 17 - 19).

النبوة الثانية عشرة: مثال العظيم المتفاني

لما تقدم ابنا زبدي إلى المسيح، وطلبا أن يكونا الواحد عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته واغتاظ العشرة تلاميذ من أجل الأخوين «فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَٱلْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هٰكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، كَمَا أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مت 20: 25 - 28).

النبوة الثالثة عشرة: إنباؤه تلاميذه في بيت عنيا

ولما وصل المسيح إلى بيت عنيا قبل الفصح بستة أيام حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات فصنعوا له هناك عشاء «فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَناً مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَٱمْتَلأَ ٱلْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ ٱلطِّيبِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ ٱلإِسْخَرْيُوطِيُّ، ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هٰذَا ٱلطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ قَالَ هٰذَا لَيْسَ لأنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِٱلْفُقَرَاءِ، بَلْ لأنَّهُ كَانَ سَارِقاً، وَكَانَ ٱلصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ.

فَقَالَ يَسُوعُ: ٱتْرُكُوهَا. إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، لأنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ» (يو 12: 1 - 8).

النبوة الرابعة عشرة: مثال ابن صاحب الكرم

بعد أن دخل المسيح أورشليم منتصراً وكان في الهيكل في يوم الثلاثاء ضرب مثل الكرامين الذين امتنعوا عن تسليم الأثمار لصاحب الكرم وضربوا عبيده الذين أرسلهم واحداً فواحداً. ولما أرسل أخيراً ابنه قالوا هذا هو الوارث هلم نقتله ويكون لنا الميراث فأخرجوه خارج الكرم وقتلوه.

وقد علق المسيح على هذا المثل بقول المزامير «الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية».

وقد عرف اليهود أنه قال هذا المثل عليهم (مت 21: 33 - 45 ولو 20: 9 - 15).

النبوة الخامسة عشرة: مثال حبة الحنطة

ولما كان المسيح في أورشليم وقد صعد إليها أناس يونانيون ليسجدوا في العيد وتقدم هؤلاء إلى فيلبس وطلبوا أن يروا يسوع. «فَأَتَى فِيلُبُّسُ وَقَالَ لأنْدَرَاوُسَ، ثُمَّ قَالَ أَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ لِيَسُوعَ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَأَجَابَهُمَا: قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ ٱلْحِنْطَةِ فِي ٱلأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلٰكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ... وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ. قَالَ هٰذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ» (يو 12: 22 - 33).

النبوة السادسة عشرة: إنباؤه التلاميذ في أورشليم

ولما أكمل يسوع أقواله مساء الثلاثاء عن مجيئه الثاني قال لتلاميذه: «تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ ٱلْفِصْحُ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ» (مت 26: 1 و2).

النبوة السابعة عشرة: إنباؤه التلاميذ وقت الفصح

في الليلة التي أُسلم فيها قال لتلاميذه «شَهْوَةً ٱشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، لأنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ» (لو 22: 15 و16).

النبوة الثامنة عشرة: إنباؤه عن خيانة يهوذا

وفي الليلة نفسها بعد أن غسل أرجل تلاميذه قال لهم: «وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلٰكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ... . أَنَا أَعْلَمُ ٱلَّذِينَ ٱخْتَرْتُهُمْ. لٰكِنْ لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي ٱلْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ. أَقُولُ لَكُمُ ٱلآنَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، حَتَّى مَتَى كَانَ تُؤْمِنُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ»

وقد عين من يسلمه بقوله: «ٱلَّذِي أَغْمِسُ أَنَا ٱللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ. فَغَمَسَ ٱللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ ٱلإِسْخَرْيُوطِيِّ. فَبَعْدَ ٱللُّقْمَةِ دَخَلَهُ ٱلشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَٱعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ» (يو 13: 10 و18 و19 و26 و27).

النبوة التاسعة عشرة: إنباؤه بنكران بطرس

وبعد خروج يهوذا وجه المسيح الخطاب لبطرس وأنبأه أنه سينكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك. وأن التلاميذ كلهم يشكون فيه ويهربون ولكنه بعد قيامه من الأموات يسبقهم إلى الجليل (مت 26: 31 - 35).

النبوة العشرون: مثال سر الخبز والخمر

وبعد ما تعشّوا من خروف الفصح قبل رفع الطعام، رسم المسيح لتلاميذه طقساً دينياً لذكرى آلامه وموته، يمارسونه مدى الأجيال وفيه يتحدون اتحاداً روحياً مع المسيح ويقدمون الشكر لله تعالى على ما يتمتعون به من مزايا موته الكفاري.

«وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا، هٰذَا هُوَ جَسَدِي. ثُمَّ أَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ، ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ» (مر 14: 22 - 24).

النبوة الحادية والعشرون: مثال الصديق الوفي

في خطابه الوداعي بعد رسم العشاء الرباني في العلية كان يعزي تلاميذه قائلاً: «لَيْسَ لأحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يو 15: 13).

«هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ ٱلآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأنَّ ٱلآبَ مَعِي» (يو 16: 32).

«بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَرَانِي ٱلْعَالَمُ أَيْضاً، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَرَوْنَنِي. إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يو 14: 19).

النبوة الثانية والعشرون: مثال الكأس المحتوم

لما كان المسيح في بستان جثسيماني قال لتلاميذه «هُوَذَا ٱلسَّاعَةُ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلْخُطَاةِ» (مت 26: 45).

3 - أعظم قصة في العالم

قصة آلام الفادي كما سجلها البشيرون الأربعة

«يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهٰذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» (لو 24: 26).

أولاً: المسيح أمام القضاء اليهودي

أمام حنان

والذين أمسكوا يسوع (مت 26: 57) أخذوه وساقوه (لو 22: 54) «وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً، لأنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا ٱلَّذِي كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ» (يو 18: 13).

أمام قيافا

«وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقاً إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ» (يو 18: 24) «حَيْثُ ٱجْتَمَعَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ» (مت 26: 57).

«وَكَانَ قَيَافَا هُوَ ٱلَّذِي أَشَارَ عَلَى ٱلْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ» (يو 18: 14).

نكران بطرس

«وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَٱلتِّلْمِيذُ ٱلآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذٰلِكَ ٱلتِّلْمِيذُ مَعْرُوفاً عِنْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ».

«وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفاً عِنْدَ ٱلْبَابِ خَارِجاً. فَخَرَجَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلآخَرُ ٱلَّذِي كَانَ مَعْرُوفاً عِنْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ ٱلْبَّوَابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ».

«وَكَانَ ٱلْعَبِيدُ وَٱلْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْراً لأنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفاً مَعَهُمْ يَصْطَلِي».

«وَجَلَسَ بَيْنَ ٱلْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ ٱلنِّهَايَةَ».

«وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي ٱلدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ! فَأَنْكَرَ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ! وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى ٱلدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ ٱلدِّيكُ. فَرَأَتْهُ ٱلْجَارِيَةُ أَيْضاً وَٱبْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: إِنَّ هٰذَا مِنْهُمْ! فَأَنْكَرَ أَيْضاً».

«وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ ٱلْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ، لأنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ. فَٱبْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي تَقُولُونَ عَنْهُ»!

«قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ ٱلَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي ٱلْبُسْتَانِ؟ فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضاً».

«فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ ٱلرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ».

(مت 26: 58 و69 - 75، مر 14: 54 و66 - 72، لو 22: 54 - 62، يو18: 15 و25 - 27).

التحري عن تلاميذه وتعليمه

«فَسَأَلَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَنَا كَلَّمْتُ ٱلْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي ٱلْمَجْمَعِ وَفِي ٱلْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ ٱلْيَهُودُ دَائِماً. وَفِي ٱلْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ ٱلَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هٰؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا».

«وَلَمَّا قَالَ هٰذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفاً، قَائِلاً: أَهٰكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ ٱلْكَهَنَةِ؟ أَجَابَهُ يَسُوعُ: إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً فَٱشْهَدْ عَلَى ٱلرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟» (يو 18: 19 - 23).

طلب شهود

«وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا».

«لأنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً قَائِلِينَ: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ ٱلْمَصْنُوعَ بِٱلأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ. وَلاَ بِهٰذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ. فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ فِي ٱلْوَسَطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هٰؤُلاَءِ عَلَيْكَ؟».

«أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ أَيْضاً: أَأَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱلْمُبَارَكِ؟ فَقَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً فِي سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ».

«فَمَزَّقَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ قَدْ سَمِعْتُمُ ٱلتَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟ فَٱلْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ».

(مت 26: 59 - 66، مر 14: 55 - 64).

جلد وإهانة

«وَٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ كَانُوا ضَابِطِينَ يَسُوعَ كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَهُمْ يَجْلِدُونَهُ، وَغَطَّوْهُ وَكَانُوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ وَيَسْأَلُونَهُ: تَنَبَّأْ! مَنْ هُوَ ٱلَّذِي ضَرَبَكَ؟ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةً كَانُوا يَقُولُونَ عَلَيْهِ مُجَدِّفِينَ» (مت 26: 67 و68، مر 14: 64 و65، لو 22: 63 - 65).

أمام السنهدريم

«وَلَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ».

«وَأَصْعَدُوهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمسِيحَ فَقُلْ لَنَا. فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ، وَإِنْ سَأَلْتُ لاَ تُجِيبُونَنِي وَلاَ تُطْلِقُونَنِي. مُنْذُ ٱلآنَ يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ».

«فَقَالَ ٱلْجَمِيعُ: أَفَأَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟ فَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ. فَقَالُوا: مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟ لأنَّنَا نَحْنُ سَمِعْنَا مِنْ فَمِهِ» (مت 27: 1، مر 15: 1، لو 22: 66 - 71).

ثانيا: المسيح أمام القضاء الروماني

إلى بيلاطس

«حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا ٱلَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخِ قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! فَطَرَحَ ٱلْفِضَّةَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَٱنْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ».

«فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ ٱلْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي ٱلْخِزَانَةِ لأنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ. فَتَشَاوَرُوا وَٱشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ ٱلْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لِهٰذَا سُمِّيَ ذٰلِكَ ٱلْحَقْلُ «حَقْلَ ٱلدَّمِ» إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ».

«حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ: وَأَخَذُوا ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، ثَمَنَ ٱلْمُثَمَّنِ ٱلَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ ٱلْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي ٱلرَّبُّ» (مت 27: 3 - 10، أع 1: 18 و19).

أمام بيلاطس

«ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ».

«فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هٰذَا ٱلإِنْسَانِ؟».

«أَجَابُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ! فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: خُذُوهُ أَنْتُمْ وَٱحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ. فَقَالَ لَهُ ٱلْيَهُودُ: لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً. لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ. ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هٰذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟ أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى ٱلْيَهُودِ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهٰذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهٰذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لأشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي. قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: مَا هُوَ ٱلْحَقُّ؟. وَلَمَّا قَالَ هٰذَا خَرَجَ أَيْضاً إِلَى ٱلْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».

«وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيراً. فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضاً: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ! فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ ٱلْوَالِي جِدّاً».

«فَقَالَ بِيلاَطُسُ لِرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْجُمُوعِ: إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هٰذَا ٱلإِنْسَانِ. فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ قَائِلِينَ: إِنَّهُ يُهَيِّجُ ٱلشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ ٱلْجَلِيلِ إِلَى هُنَا. فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ ذِكْرَ ٱلْجَلِيلِ، سَأَلَ: هَلِ ٱلرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟» (يو 18: 28 - 38، مت 27: 1 - 14، مر 15: 2 - 4، لو 23: 2 - 6).

إلى هيرودس

«وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْكَ ٱلأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ» (لو 23: 7).

أمام هيرودس

«وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً، لأنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً».

«وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ».

«وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِٱشْتِدَادٍ، فَٱحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَٱسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاساً لاَمِعاً، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ».

«فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، لأنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا» (لو 23: 8 - 12).

أمام بيلاطس ثانية

«فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْعُظَمَاءَ وَٱلشَّعْبَ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ ٱلشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هٰذَا ٱلإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضاً، لأنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ ٱلْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ».

«وكان لهم حينئذ أسير مشهور يُدعى باراباس وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي ٱلسِّجْنِ لأجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَقَتْلٍ».

«فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟ لأنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ ٱمْرَأَتُهُ قَائِلَةً: إِيَّاكَ وَذٰلِكَ ٱلْبَارَّ، لأنِّي تَأَلَّمْتُ ٱلْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ. وَلٰكِنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخَ حَرَّضُوا ٱلْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ. فَسَأَلَ ٱلْوَالِي: مَنْ مِنَ ٱلٱثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟»

«فَصَرَخُوا أَيْضاً جَمِيعُهُمْ: لَيْسَ هٰذَا بَلْ بَارَابَاسَ»

«فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً: فَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ هٰذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ. فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ».

«فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟. لأنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً».

«فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئاً، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ ٱلْجَمْعِ قَائِلاً: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هٰذَا ٱلْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ. فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا»

«فَحَكَمَ بِيلاَطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. فَأَطْلَقَ لَهُمُ ٱلَّذِي طُرِحَ فِي ٱلسِّجْنِ لأجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْلٍ، ٱلَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ» (لو 23: 13 - 25، مت 27: 26، مر 15: 6 - 15، يو 18: 39 و40).

تحت السياط

«فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ» (مت 27: 26، يو 19: 1).

في ثياب المهانة

«فَأَخَذَ عَسْكَرُ ٱلْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ ٱلْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيّاً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: ٱلسَّلاَمُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ! وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا ٱلْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ» (مت 27: 27 - 30، مر 15: 16 - 19، يو 19: 2 و3).

إكليل الشوك

«فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضاً خَارِجاً وَقَالَ لَهُمْ: هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».

«فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجاً وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ ٱلشَّوْكِ وَثَوْبَ ٱلأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ».

«فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْخُدَّامُ صَرَخُوا: ٱصْلِبْهُ! ٱصْلِبْهُ! قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: خُذُوهُ أَنْتُمْ وَٱصْلِبُوهُ، لأنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً. أَجَابَهُ ٱلْيَهُودُ: لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ. فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هٰذَا ٱلْقَوْلَ ٱزْدَادَ خَوْفاً».

«فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَاباً. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟»

«أَجَابَ يَسُوعُ: لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ ٱلْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذٰلِكَ ٱلَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ. مِنْ هٰذَا ٱلْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلٰكِنَّ ٱلْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: إِنْ أَطْلَقْتَ هٰذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ» (يو 19: 4 - 12).

الحكم

«فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هٰذَا ٱلْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ ٱلْبَلاَطُ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ جَبَّاثَا. وَكَانَ ٱسْتِعْدَادُ ٱلْفِصْحِ وَنَحْوُ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: هُوَذَا مَلِكُكُمْ. فَصَرَخُوا: خُذْهُ! خُذْهُ ٱصْلِبْهُ! قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟ أَجَابَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ: لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرُ. فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ» (يو 19: 13 - 16).

ثالثاً: المسيح على صليب الجلجثة

في طريق الجلجثة

«وَبَعْدَ مَا ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ ٱلرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ. وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَاناً قَيْرَوَانِيّاً ٱسْمُهُ سِمْعَانُ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، فَسَخَّرُوهُ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ ٱلصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ».

«وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلشَّعْبِ، وَٱلنِّسَاءِ ٱللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضاً وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ. فَٱلْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ: يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ٱبْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ، لأنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَٱلْبُطُونِ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ وَٱلثُّدِيِّ ٱلَّتِي لَمْ تُرْضِعْ. حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: ٱسْقُطِي عَلَيْنَا وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا. لأنَّهُ إِنْ كَانُوا بِٱلْعُودِ ٱلرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هٰذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِٱلْيَابِسِ؟. وَجَاءُوا أَيْضاً بِٱثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مُذْنِبَيْنِ لِيُقْتَلاَ مَعَهُ» (مت 27: 31 و32، مر 15: 20 و21، لو 23: 26 - 32، يو 19: 16 و17).

الخل والمر

«وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ» (مت 26: 33 و34، مر 15: 22 و23).

صلبه بين لصين

«وَكَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً «مَلِكُ ٱلْيَهُودِ». وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. فَتَمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ» (مت 27: 38، مر 15: 25 - 28، لو 23: 33، يو 19: 18).

صفحه عن قاتليه

«فَقَالَ يَسُوعُ: يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو 23: 34).

اقتسام ثيابه

«ثُمَّ إِنَّ ٱلْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا ٱلْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ ٱلْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ. لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: ٱقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. هٰذَا فَعَلَهُ ٱلْعَسْكَرُ».

«ثُمَّ جَلَسُوا يَحْرُسُونَهُ هُنَاكَ» (مت 27: 35 و36، مر 15: 24، لو 23: 34، يو 19: 23 و24).

عنوان علته

«وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ بِأَحْرُفٍ يُونَانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ: هٰذَا هُوَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ»

«َقَرَأَ هٰذَا ٱلْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ، لأنَّ ٱلْمَكَانَ ٱلَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ وَٱلْيُونَانِيَّةِ وَٱللاَّتِينِيَّةِ. فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ ٱلْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ ٱلْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ ٱلْيَهُودِ. أَجَابَ بِيلاَطُسُ: مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ» (مت 27: 37، مر 15: 16، لو 23: 38، يو 19: 19 - 22).

سخرية المارة

«وَكَانَ ٱلْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُّزُونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: يَا نَاقِضَ ٱلْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱنْزِلْ عَنِ ٱلصَّلِيبِ!» (مت 27: 39 و40، مر 15: 29 و30، لو 23: 35).

تعيير الكهنة

«وَكَانَ ٱلشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ، وَٱلرُّؤَسَاءُ أَيْضاً مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ قَائِلِينَ: خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ ٱلْمَسِيحَ مُخْتَارَ ٱللّٰهِ. إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ ٱلآنَ عَنِ ٱلصَّلِيبِ فَنُؤْمِنَ بِهِ! قَدِ ٱتَّكَلَ عَلَى ٱللّٰهِ، فَلْيُنْقِذْهُ ٱلآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأنَّهُ قَالَ: أَنَا ٱبْنُ ٱللّٰهِ!» (مت 27: 41 - 43، مر 15: 31 و32، لو 23: 35).

استهزاء الجند

«وَٱلْجُنْدُ أَيْضاً ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ وَهُمْ يَأْتُونَ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاًّ، قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ» (لو 23: 36 و37).

خواطر اللصين

«وَبِذٰلِكَ أَيْضاً كَانَ ٱللِّصَّانِ ٱللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْمُذْنِبَيْنِ ٱلْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا! فَٱنْتَهَرَهُ ٱلآخَرُ قَائِلاً: أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ ٱللّٰهَ، إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هٰذَا ٱلْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ، لأنَّنَا نَنَالُ ٱسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هٰذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: ٱذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (مت 27: 44، مر 15: 32، لو 23: 39 - 42).

وعده للص بالفردوس

«فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي ٱلْفِرْدَوْسِ» (لو 23: 43).

وفاؤه لأمه

«وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَٱلتِّلْمِيذَ ٱلَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً، قَالَ لأُمِّهِ: يَا ٱمْرَأَةُ، هُوَذَا ٱبْنُكِ. ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: هُوَذَا أُمُّكَ. وَمِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ أَخَذَهَا ٱلتِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ» (يو 19: 25 - 27).

حداد الطبيعة

«وَكَانَ نَحْوُ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ، فَكَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى ٱلأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. وَأَظْلَمَتِ ٱلشَّمْسُ» (مت 27: 45، مر 15: 33، لو 23: 44 و45).

آلامه النفسية

«وَفِي ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي؟ (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا» (مت 27: 46 - 49، مر 15: 34 - 36).

آلامه الجسدية

«بَعْدَ هٰذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ ٱلْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ. وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُّواً خَلاًّ، فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ ٱلْخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ... وَسَقَاهُ وَأَمَّا ٱلْبَاقُونَ فَقَالُوا: ٱتْرُكْ. لِنَرَى هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا يُخَلِّصُهُ» (يو 19: 28 و29، مر 15: 36، مت 27: 48 و49).

نشوة انتصاره

«فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخَلَّ قَالَ: قَدْ أُكْمِلَ» (يو 19: 30).

موته

«وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. وَلَمَّا قَالَ هٰذَا أَسْلَمَ ٱلرُّوحَ» (مت 27: 50، مر 15: 37، لو 23: 46، يو 19: 30).

آيات الطبيعة

«وَٱنْشَقَّ حِجَابُ ٱلْهَيْكَلِ إِلَى ٱثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ . وَٱلأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَٱلصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَٱلْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ ٱلْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ» (مت 27: 52و53، مر 15: 38، لو 23: 47).

أسف الجموع

«وَكُلُّ ٱلْجُمُوعِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهٰذَا ٱلْمَنْظَرِ، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ، رَجَعُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ» (لو 23: 48).

معارفه ينظرون من بعيد

«وَكَانَ جَمِيعُ مَعَارِفِهِ، وَنِسَاءٌ كُنَّ قَدْ تَبِعْنَهُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ يَنْظُرُونَ ذٰلِكَ. وَبَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ ومَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ وَأُمُّ ٱبْنَيْ زَبْدِي ٱللَّوَاتِي أَيْضاً تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي ٱلْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ ٱللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ» (مت 27: 55 و56، مر 15: 40 و41، لو 23: 49).

طعنه بالحربة

«ثُمَّ إِذْ كَانَ ٱسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى ٱلأَجْسَادُ عَلَى ٱلصَّلِيبِ فِي ٱلسَّبْتِ، لأنَّ يَوْمَ ذٰلِكَ ٱلسَّبْتِ كَانَ عَظِيماً، سَأَلَ ٱلْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا».

«فَأَتَى ٱلْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ ٱلأَوَّلِ وَٱلآخَرِ ٱلْمَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ».

«لٰكِنَّ وَاحِداً مِنَ ٱلْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ».

«وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. لأنَّ هٰذَا كَانَ لِيَتِمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ. وَأَيْضاً يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: سَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلَّذِي طَعَنُوهُ» (يو 19: 31 - 37).

الترخيص بالدفن

«وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ ٱلرَّامَةِ ٱسْمُهُ يُوسُفُ - وَكَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْمِيذاً لِيَسُوعَ وَلٰكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ ٱلْخَوْفِ مِنَ ٱلْيَهُودِ، . وَكَانَ هُوَ أَيْضاً يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ وَكَانَ مُشِيراً وَرَجُلاً صَالِحاً بَارّاً - هٰذَا لَمْ يَكُنْ مُوافِقاً لِرَأْيِهِمْ وَعَمَلِهِمْ».

«فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً».

«فَدَعَا قَائِدَ ٱلْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ ٱلْمِئَةِ، وَهَبَ ٱلْجَسَدَ لِيُوسُفَ» (مت 17: 57 و58، مر 15: 42 - 46، لو 23: 50 - 52، يو 19: 38).

الكفن

«ٱشْتَرَى (يوسف) كَتَّاناً. وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ، ٱلَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ ٱلأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا» (مت 27: 59، مر 15: 46، لو 23: 53، يو 19: 39 و40).

رابعاً: المسيح في بستان الرامي

الدفن

«وَكَانَ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي ٱلْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ ٱسْتِعْدَادِ ٱلْيَهُودِ، لأنَّ ٱلْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً»

«وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ ٱلْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ».

«وَكَانَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ»

«فَرَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطاً وَأَطْيَاباً. وَفِي ٱلسَّبْتِ ٱسْتَرَحْنَ حَسَبَ ٱلْوَصِيَّةِ» (مت 27: 60 و61، مر 15: 46 و47، لو 23: 53 - 56، يو 19: 41 و42).

الحراسة

«وَفِي ٱلْغَدِ ٱلَّذِي بَعْدَ ٱلٱسْتِعْدَادِ ٱجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذٰلِكَ ٱلْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ ٱلْقَبْرِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ ٱلضَّلاَلَةُ ٱلأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ ٱلأُولَى!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَٱضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ» (مت 27: 62 - 66).

القيامة

«وَبَعْدَ ٱلسَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ ٱلأُخْرَى لِتَنْظُرَا ٱلْقَبْرَ. وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأنَّ مَلاَكَ ٱلرَّبِّ نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنِ ٱلْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَٱلْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَٱلثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ٱرْتَعَدَ ٱلْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ».

«فَقَالَ ٱلْمَلاَكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ: لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ ٱلْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا، لأنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا ٱنْظُرَا ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي كَانَ ٱلرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ. وَٱذْهَبَا سَرِيعاً قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ» (مت 28: 1 - 7، مر 16: 1 - 8، لو 24: 1 - 11، يو 20: 1 - 18).

ظهوره

وقد ظهر المسيح مراراً عديدة في مدة أربعين يوماً، لأشخاص كثيرين فرادى وجماعات، وفي أماكن شتى وأوقات مختلفة، يرونه ويجسون آثار المسامير والحربة، ويأكلون ويشربون معه. ويتحدث إليهم ويوصيهم وأخيراً صعد إلى السماء على مرأى منهم. فسجدوا له ورجعوا بفرح يبشرون بقيامته المجيدة.

(مر 16: 9، يو 20: 14، مر 16: 12 و13، لو 24،13 - 35، مر 16: 14 - 18، يو 20: 19 - 23، يو 20: 24 - 29، مت 28: 16 - 20، أع 1: 3 - 8، مر 16: 19 و20، لو 24: 50 - 53، أع 1: 9 - 12).

4 - كرازة الإنجيل

«وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ ٱلرُّسُلُ يُؤَدُّونَ ٱلشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ» (أع 4: 33).

وإن نظرة عامة لسفر أعمال الرسل الذي سجله لوقا الطبيب ترينا أن الرسل بعد صعود المسيح إلى السماء كانت كل تعاليمهم وأعمالهم مركزة في موت المسيح وقيامته. وقد أحتملوا في سبيل الشهادة لهذه الحقيقة كل أنواع الاضطهادات والميتات.

ففي دفاعهم أمام اليهود كانوا يقولون «إِلٰهُ آبَائِنَا أَقَامَ يَسُوعَ ٱلَّذِي أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ» (أع 5: 30).

وفي صلواتهم كانوا يقولون «لأنَّهُ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ ٱلْقُدُّوسِ يَسُوعَ، ٱلَّذِي مَسَحْتَهُ، هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ» (أع 4: 27 و28).

وفي هذا المقام أذكر بإيجاز بعض ما جاء في الخطابات القوية التي فاه بها بطرس واستفانوس وفيلبس وبولس أمام الجماهير من يهود ووثنيين ومسيحيين في طول البلاد وعرضها عن موت المسيح.

من خطابات بطرس

فقال بطرس في خطابه الملتهب يوم الخمسين: «هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ ٱلْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ» (أع 2: 23 و24).

وقال في خطابه في رواق سليمان: «وَأَمَّا ٱللّٰهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ ٱلْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هٰكَذَا» (أع 3: 18).

وقال في خطابه أمام مجمع السنهدريم بعد شفاء الأعرج: «فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هٰذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحاً» (أع 4: 10).

وقال في خطابه في بيت كرنيليوس: «ٱلَّذِي أَيْضاً قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ. هٰذَا أَقَامَهُ ٱللّٰهُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ» (أع 10: 39 و40).

من خطاب استفانوس

وقال استفانوس وهو يحاكم أمام اليهود: «أَيُّ ٱلأَنْبِيَاءِ لَمْ يَضْطَهِدْهُ آبَاؤُكُمْ، وَقَدْ قَتَلُوا ٱلَّذِينَ سَبَقُوا فَأَنْبَأُوا بِمَجِيءِ ٱلْبَارِّ، ٱلَّذِي أَنْتُمُ ٱلآنَ صِرْتُمْ مُسَلِّمِيهِ وَقَاتِلِيهِ» (أع 7: 52).

من حديث فيلبس

وكان حديث فيلبس المبشر مع الخصي قول إشعياء: «فِي تَوَاضُعِهِ ٱنْتَزَعَ قَضَاؤُهُ، وَجِيلُهُ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ، لأنَّ حَيَاتَهُ تُنْتَزَعُ مِنَ ٱلأَرْضِ؟» (أع 8: 33).

من خطابات بولس

وقال بولس الرسول في مجمع بيسيدية: «وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ أَنْ يُقْتَلَ. وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ، أَنْزَلُوهُ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (أع 13: 28 - 30).

وقال في محفل أريوس باغوس في أثينا: «لأنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ، بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (أع 17: 31).

وقال في خطابه لقسوس كنيسة أفسس: «لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أع 20: 28).

وقال في خطابه أمام الملك أغريباس: «وَأَنَا لاَ أَقُولُ شَيْئاً غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ ٱلأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَّوَلَ قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ، مُزْمِعاً أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ» (أع 26: 22 و23).

هذا وليعلم الأخ المسلم العزيز أن هؤلاء الرسل الحواريين إنما آمنوا بالمسيح، وشهدوا له، وكتبوا عنه ليس نتيجة لتعليم تلقوه من الناس ولكن نتيجة لوحي تلقوه من الله جل شأنه.

كقول القرآن «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي» (سورة المائدة 5: 111).

5 - رسائل فيلسوف المسيحية

«وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ ٱلْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غل 6: 14).

كان بولس الرسول معاصراً للمسيح وكان يهودياً متعصباً، فبعد صعود المسيح بثلاث سنوات ونصف اشترك في قتل استفانوس الشهيد.

ولكن لما ظهر له المسيح من السماء في طريق دمشق صار مسيحياً غيوراً وأسس كنائس كثيرة في الشرق والغرب.

ويعتبر تعليمه عن موت المسيح المحور الأساسي لكل أقواله كما نرى ذلك جلياً في رسائله الأربعة عشر.

فقد ورد في هذه الرسائل وقائع الصلب بالتفصيل. فأشار إلى الذين صلبوه قائلاً: «ٱلَّذِينَ قَتَلُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَٱضْطَهَدُونَا نَحْنُ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلّٰهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ» (1 تس 2: 15).

وأشار إلى جهلهم الذي دفعهم لصلبه قائلاً: «لأنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (1 كو 2: 8).

وأشار إلى الليلة التي أُسلم فيها قائلاً «إِنَّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي. كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي. ٱصْنَعُوا هٰذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي» (1 كو 11: 23 - 25).

وأشار إلى آلامه في جثسيماني قائلاً: «ٱلَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ» (عب 5: 7).

وأشار إلى محاكمته أمام بيلاطس البنطي قائلاً: «ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ بِٱلٱعْتِرَافِ ٱلْحَسَنِ» (1تي 6: 13).

وأشار إلى صلبه قائلاً: «إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأنْفُسِهِمُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ» (عب 6: 6).

وأشار إلى سفك دمه خارج أورشليم قائلاً: «فَإِنَّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّتِي يُدْخَلُ بِدَمِهَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ إِلَى ٱلأَقْدَاسِ بِيَدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ تُحْرَقُ أَجْسَامُهَا خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ. لِذٰلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ» (عب 13: 11 و12).

وأشار إلى موته ودفنه وقيامته قائلاً: «فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (1 كو 15: 3 و4).

وأشار إلى ظهوره مراراً بعد قيامته قائلاً: «وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلٱثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى ٱلآنَ. وَلٰكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ ٱلْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا» (1 كو 15: 5 - 8).

وأشار إلى صعوده قائلاً: «بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلأَعَالِي» (عب 1: 3).

وقد حلل موضوع الصلب تحليلاً لاهوتياً عميقاً، فبين أن الصليب هو المشهد العظيم الذي نرى فيه:

أ - محبة الله الآب

ب - طاعة الابن الوحيد

ج - قوة الروح القدس

د - صورة الكمال الأسمى

هـ - نهاية العهد القديم

و - أساس العهد الجديد

ز - لغز العالم الحاضر

أ - محبة الله الآب

أنظروا ما أعظم محبة الله! ففي محبته الفائقة سر بأن يسحق ابنه الوحيد ويبذله على عود الصليب عوضاً عنا نحن حفنة التراب الأثمة!

قال بولس الرسول: «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأجْلِنَا» (رو 5: 8).

يا للعجب! إن سيف عدالة الله قد عبر عنا نحن الخطاة وقد شبع من دم ابنه القدوس وبهذا تم الصلح بيننا وبينه تعالى وارتضى أن يعانقنا كأبناء مفديين مبررين.

قال بولس الرسول: «وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي ٱلْفِكْرِ، فِي ٱلأَعْمَالِ ٱلشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ ٱلآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِٱلْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ» (كو 1: 20 - 22).

ب - طاعة الابن الوحيد

أنظروا ما أعظم طاعة المسيح! إنه جاء ليعمل مشيئة الله في فداء البشر. فاستهان بالخزي ليقوم في ملء السرور بعملية الفداء. فتطوع وأطاع حتى النهاية.

قال بولس الرسول «وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ» (في 2: 8).

ففي طاعته المرحة لقبول الآلام ظهرت طبيعته الكاملة كابن مطيع مكمل إلى الأبد (عب 2: 10).

وفي طاعته المخلصة التي لا يشوبها عيب برهن أنه الابن القدوس الجدير بالقيامة من الاموات «وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (رو 1: 4).

وفي طاعته المملوءة بالاتضاع والخضوع برهن أنه الجدير بالرفعة والسيادة «لأنَّهُ لِهٰذَا مَاتَ ٱلْمَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ، لِكَيْ يَسُودَ عَلَى ٱلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ» (رو 14: 9).

وفي طاعته المضحية لاحتمال الآلام بالنيابة عن البشر برهن أنه هو الجدير بأن يتبوأ مركز الشفاعة في البشر «اَلْمَسِيحُ هُوَ ٱلَّذِي مَاتَ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً، ٱلَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا» (رو 8: 34).

وفي طاعته الجريئة للنزول في معمعة الخطية والموت برهن أنه البطل الجدير بإنقاذ البشر من براثن إبليس «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عب 2: 14 و15).

في طاعته العميقة تحت ثقل الخطية والموت برهن أنه الجدير باقتلاع جذور الخطية والموت إلى الأبد «وَلٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ ٱنْقِضَاءِ ٱلدُّهُورِ لِيُبْطِلَ ٱلْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عب 9: 26).

وهكذا تجلت في الصليب نعمة المسيح بكل معانيها «وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي أَبْطَلَ ٱلْمَوْتَ وَأَنَارَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ ٱلإِنْجِيلِ» (2 تي 1: 10).

ج - قوة الروح القدس

ما أقوى الروح القدس وهو يستخدم كلمة الصليب في تجديد الخاطئ!

فقصة الفداء لا تؤثر في القلب النجيس الخداع إلا بقوة الروح القدس القادر أن يصير الإنسان خليقة جديدة.

والروح القدس هو الذي يكسر كبرياء الإنسان فيعترف أنه لا بر فيه ولا خلاص له إلا بالإيمان البسيط المتواضع بكفارة الصليب.

وهو الذي يصور المسيح المصلوب أمام أذهاننا فتنسكب محبته في قلوبنا. وهذه المحبة الناشئة في قلوبنا تشيع القوة والفرح والقداسة في حياتنا.

ولا نبقى بعد تحت الناموس الذي يهددنا كعصاة بالهلاك بل نصير تحت النعمة التي تؤكد لنا الصفح والغفران.

والروح القدس يسكن في قلوبنا وهو يخبرنا دائماً بما فعله المسيح لأجلنا ويدعونا للاعتماد عليه والثبات فيه.

وهو الذي يطرد الخوف من قلوبنا ويشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. وهو الذي يقربنا إلى ابنه بجسارة ويعيننا لنناجي الله بحنين وأشواق وآنات لا يُنطق بها.

فالمسيح هو الذي عمل الكفارة على الصليب والروح القدس هو الذي يعلن الكفارة للإنسان ويجدده ويمتعه بجميع مزاياها في الحياة الحاضرة والعتيدة.

فباستحقاق الصليب نلنا التبرير والتحرير والتطهير وجميع بركات الفداء، والروح القدس هو الذي يحقق لنا هذه البركات ويجريها فينا.

والإنجيل يخبرنا عن التبرير قائلاً: «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ» (رو 3: 24 و25).

ويقول أيضاً: «ٱلَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رو 4: 25).

ويقول أيضاً: «وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ. إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2 كو 5: 18 - 21).

والروح القدس ينير ضمائرنا بهذه الكلمة الإلهية المكتوبة فنطمئن لكفارة المسيح فلا نشعر بلوم أو بتبكيت أو دينونة بل نشعر بالبر والسلام والفرح ويشهد الروح القدس مع ضمائرنا أننا قد امتلكنا البر الأبدي.

ولهذا قال بولس الرسول لأهل كورنثوس: «وَهٰكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لٰكِنِ ٱغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِلٰهِنَا» (1 كو 6: 11).

والإنجيل يخبرنا عن التحرير قائلاً: «لأنَّ نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ» (رو 8: 2).

ويقول أيضاً: «إِذاً يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضاً قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ ٱلْمَسِيحِ، لِكَيْ تَصِيرُوا لآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ لِلّٰهِ» (رو 7: 4).

فالإنسان الذي يعمل الخطية هو عبد لها، ونور الناموس لا يحرره بل يكشف له شر الخطية ويحقق له اللعنة والهلاك ويتركه في العجز والعبودية، لكن الروح القدس الذي يحيي يعلن حريتنا من الخطية ومن الناموس بكفارة المسيح ففي يسر وسهولة نسمو عن الخطية ونعمل البر.

ولهذا قال بولس الرسول «لأنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ» (رو 10: 9).

والإنجيل يخبرنا عن التطهير قائلاً: «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ» (تي 2: 14).

ويقول أيضاً: «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ» (عب 9: 14).

وأما عن الفداء عامة فيقول: «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأجْلِ ٱلْجَمِيعِ» (1 تي 2: 6).

وأيضاً: «ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا» (كو 1: 14).

وأيضاً: «لأنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هٰذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأجْلِ ٱلْجَمِيعِ. فَٱلْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا» (2 كو 5: 14).

وأيضاً: «لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَوْتَ لأجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ» (عب 2: 9).

والروح القدس الحال فينا هو العربون والختم لكل أمجاد الفداء العتيدة.

لهذا يقول بولس الرسول: «وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ ٱلَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ ٱلْفِدَاءِ» (أف 4: 30).

د - صورة الكمال الأسمى

حقاً أن الصليب هو صورة الكمال الأسمى والمثل الوحيد الأعلى لكل فضيلة وصلاح.

وما أجمل ما قاله بولس الرسول: «لأعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ» (في 3: 10).

فالمسيح المصلوب هو خير مثال يُحتذى وأسوة تُقتفى. ففي آلامه بالصليب رسم لنا طريقاً سلطانياً لنحذو حذوه وننسج على منواله.

فهو رائدنا في التضحية العالية حتى نبذل أنفسنا من أجل خير الآخرين.

كقوله: «لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضاً. فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هٰذَا ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ. لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ» (في 2: 4 - 8).

وهو رائدنا في المحبة بعضنا لبعض من قلب طاهر بشدة.

كقوله «وَٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجْلِنَا، قُرْبَاناً وَذَبِيحَةً لِلّٰهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً» (أف 5: 2).

وهو رائدنا في المحبة الدائمة المتفانية المتبادلة بين الزوج والزوجة.

كقوله: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّراً إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ» (أف 5: 25 - 27).

وهو رائدنا في الصبر واحتمال الآلام مهما اضطرم سعيرها.

كقوله: «وَلْنُحَاضِرْ بِٱلصَّبْرِ فِي ٱلْجِهَادِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِٱلْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ ٱللّٰهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي ٱلَّذِي ٱحْتَمَلَ مِنَ ٱلْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هٰذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ» (عب 12: 1 - 3).

وهو رائدنا في الثبات على الحق حتى النفي والموت.

كقوله «لِذٰلِكَ يَسُوعُ أَيْضاً، لِكَيْ يُقَدِّسَ ٱلشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ ٱلْبَابِ. فَلْنَخْرُجْ إِذاً إِلَيْهِ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ» (عب 13: 12 و13).

هـ - نهاية العهد القديم

إن في الصليب نهاية العهد القديم لأن كل فرائض العهد القديم إنما هي رموز وأشباه وأظلال للمسيح.

فلا داعٍ للفصح اليهودي بعد أن ذُبح المسيح لأجلنا «لأنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأجْلِنَا. إِذاً لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ ٱلشَّرِّ وَٱلْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ ٱلإِخْلاَصِ وَٱلْحَقِّ» (1كو 5: 7 و8).

ولا داعٍ للكهنوت الموسوي بعد أن تبوأ المسيح نفسه مركز الوساطة بين الله والناس «فَإِنَّ ٱلنَّامُوسَ يُقِيمُ أُنَاساً بِهِمْ ضُعْفٌ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱلْقَسَمِ ٱلَّتِي بَعْدَ ٱلنَّامُوسِ فَتُقِيمُ ٱبْناً مُكَمَّلاً إِلَى ٱلأَبَدِ» (عب 7: 28).

ولا داعٍ لإقامة الأقداس التي يقدم فيها الكهنة الذبائح الدموية بعد أن دخل المسيح إلى السماء عينها ليتراءى ويشفع فينا «وَأَمَّا ٱلْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ ٱلْعَتِيدَةِ، فَبِٱلْمَسْكَنِ ٱلأَعْظَمِ وَٱلأَكْمَلِ، غَيْرِ ٱلْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ ٱلَّذِي لَيْسَ مِنْ هٰذِهِ ٱلْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى ٱلأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً» (عب 9: 11 و12).

ولا داعٍ لجميع أنواع الذبائح الدموية بعد أن تمت ذبيحة المسيح الكاملة «لأنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا... نحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (عب 10: 4 - 10).

فشكراً لله لأننا لم نأت «إِلَى جَبَلٍ مَلْمُوسٍ مُضْطَرِمٍ بِٱلنَّارِ، وَإِلَى ضَبَابٍ وَظَلاَمٍ وَزَوْبَعَةٍ، وَهُتَافِ بُوقٍ وَصَوْتِ كَلِمَاتٍ، ٱسْتَعْفَى ٱلَّذِينَ سَمِعُوهُ مِنْ أَنْ تُزَادَ لَهُمْ كَلِمَةٌ» بل أتينا «إِلَى وَسِيطِ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (عب 12: 18 - 24).

و - أساس العهد الجديد

كانت العلامة بين الله وبني إسرائيل في العهد القديم هي دم الذبيحة (خر 12: 13) وأما العلامة الآن بين الله والناس في العهد الجديد فهي دم المسيح (مت 26: 28).

فالصليب هو أساس العهد الجديد.

والصليب هو سر وحدة الكنيسة الذي ربط شعوب البشر المختلفة برباط الحب الواحد فلم يبق تحت الصليب فارق بين يهودي وأممي ولا تمييز بين عبد وحر.

كقوله: «وَلٰكِنِ ٱلآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ ٱلْمَسِيحِ. لأنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلٱثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ ٱلسِّيَاجِ ٱلْمُتَوَسِّطَ أَيِ ٱلْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ ٱلْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَاناً وَاحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاَماً، وَيُصَالِحَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ ٱللّٰهِ بِٱلصَّلِيبِ، قَاتِلاً ٱلْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ ٱلْبَعِيدِينَ وَٱلْقَرِيبِين» (أف 2: 13 - 17).

والصليب هو موضوع رسالة الكنيسة وليس لديها شيء آخر غيره تقوله للعالم «لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً» (1 كو 2: 2).

والصليب هو قاعدة فرائض الكنيسة وليس بها خدمة واحدة إلا وتختص به.

فنحن نمارس المعمودية للاعتراف بموت المسيح وقيامته «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي ٱلْمَعْمُودِيَّةِ، ٱلَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (كو 2: 12).

ونمارس العشاء الرباني لنذكر موت الرب وقيامته إلى يوم مجيئه «كَأْسُ ٱلْبَرَكَةِ ٱلَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ ٱلْمَسِيحِ؟ ٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ ٱلْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي ٱلْخُبْزِ ٱلْوَاحِدِ» (1 كو 10: 16 و17).

«فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هٰذَا ٱلْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ» (1 كو 11: 26).

ز - لغز العالم الحاضر

وان بولس الرسول قد نوه في رسائله عن مدى تأثير الكرازة بالصليب على كل من اليهود والأمم والمسيحيين، فقال: «لأنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُوَّةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ. لأنَّ جَهَالَةَ ٱللّٰهِ أَحْكَمُ مِنَ ٱلنَّاسِ! وَضَعْفَ ٱللّٰهِ أَقْوَى مِنَ ٱلنَّاسِ!» (1 كو 1: 22 - 25).

والناس بالنسبة للصليب نوعان مخلصون وهالكون.

فالصليب عند الهالكين جهالة ولأنهم لا يعرفون معنى الصليب فهم يُعتبرون أعداءه ويستحقون كل إشفاق ورثاء «لأنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَاراً، وَٱلآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضاً بَاكِياً، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ ٱلْهَلاَكُ، ٱلَّذِينَ إِلٰهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي ٱلأَرْضِيَّاتِ» (في 3: 18 و19).

والصليب عند المخلصين حكمة الله وقوة الله ومن دواعي فخرهم أن ينادوا به ويشرحوا مجده لكل الناس.

قال بولس الرسول: «لأنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، لأنَّهُ قُوَّةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (رو 1: 16).

6 - مخطوطات زعيم الحورايين

«أَطْلُبُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا ٱلشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَٱلشَّاهِدَ لآلاَمِ ٱلْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ ٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ» (1 بط 5: 1).

إن بطرس الرسول لما أنبأه المسيح بموته قال له بعقليته اليهودية: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هٰذَا!» (مت 16: 22).

ولكن لما شاهد آلام سيده وفرح برؤياه بعد قيامته واستنار ذهنه بنور الروح القدس كان الشاهد الحي بلسانه وقلمه ودمه.

وبالاطلاع على رسالتيه الجامعتين نجد أنه قد كتب عن صلب المسيح فأَبرز الحقائق الآتية:

إن الصليب هو موضوع المشورات الأزلية «دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (1 بط 1: 19 و20).

وإن الصليب هو موضوع نبوات الأنبياء «بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا ٱلْوَقْتُ ٱلَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِٱلآلاَمِ ٱلَّتِي لِلْمَسِيحِ وَٱلأَمْجَادِ ٱلَّتِي بَعْدَهَا» (1 بط 1: 11).

وإن بالصليب قد تمت الذبيحة النيابية التي بها قد تقربنا إلى الله «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ، مُمَاتاً فِي ٱلْجَسَدِ وَلٰكِنْ مُحْيىً فِي ٱلرُّوحِ» (1 بط 3: 18).

وإن بالصليب ظهرت رحمة الله التي ولدتنا ثانية للميراث السماوي «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لأجْلِكُمْ» (1 بط 1: 3 و4).

وإن بالصليب طُهْرنا وقداستنا «ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1 بط 1: 1 و2).

وإن الصليب هو المثل الأعلى للتسامح «لأنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، ٱلَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ. ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ ٱلْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. ٱلَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (1 بط 2: 21 - 24).

وإنه لجميل من بطرس عندما أخذه عسكر نيرون ليُصلب خارج أسوار رومة أن يقول لست مستحقاً أن أُصلب مثل سيدي وطلب أن يُصلب منكس الرأس إلى أسفل الصليب.

7 - كتابة شاهد عيان

«وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ» (يو 19: 35).

إن يوحنا الرسول كان واقفاً مع المسيح في كل أدوار محاكمته وصلبه وموته ودفنه وقد كلمه المسيح من على الصليب أن يأخذ والدته السيدة العذراء إلى خاصته.

وهو لا ينسى أبداً ما رآه من دم وماء يجريان من جنب المسيح المطعون فكتب قائلاً: «هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (1 يو 5: 6).

وقال أيضاً: «وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1 يو 1: 7).

وإن يوحنا كتب ثلاث رسائل وسفر الرؤيا بالإضافة إلى إنجيله.

فعن الكفارة يقول: «وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلآبِ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (1 يو 2: 1 - 2).

وعن القدوة الصالحة يقول: «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأجْلِ ٱلإِخْوَةِ» (1 يو 3: 16).

وقال أيضاً: «فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ قَدْ أَحَبَّنَا هٰكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً» (1 يو 4: 10 و11).

وفي سفر الرؤيا يذكر لكنائس آسيا أن ربنا يسوع صُلب في المدينة الفاجرة كسدوم والقاسية كمصر (رؤ 11: 8).

وأنه هو الذي طعونه (رؤ 1: 7)

وهو البكر من الأموات (رؤ 1: 5)

وهو الخروف المذبوح (رؤ 5: 6 و12)

وهو الذي ذُبح واشترانا لله بدمه (رؤ 5: 9، 13: 8)

وهو الذي غسلنا من خطايانا بدمه (رؤ 1: 5)

وهو الذي كان ميتاً فعاش (رؤ 2: 8)

ونحن قد غسلنا ثيابنا وبيضناها في دم الخروف (رؤ 7: 14)

وقد غلبنا الشيطان بدم الخروف (رؤ 12: 11)

وفي كل هذا قد سجل يوحنا أن المسيح صُلب وأنه هو الذبيحة الوحيدة لعهد السلام العهد الجديد.

هذا ولا يخفى على القارئ الفطن أن كيان النهر هو من المياه التي تجري فيه. هكذا الإنجيل قوامه وملؤه هو الخبر الطيب عن الصليب كما رأيت.

فليس علينا إذاً إلا أن ننهل من تعاليمه العذبة ونحيا بها.

قال القرآن: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (سورة المائدة 5: 47).

إن المسلم النزيه الذي يطالع القرآن من أوله إلى أخره بإخلاص تام يعتقد أن المسيح هو كلمة الله وهو روح الله حل في مريم العذراء المطهرة والمصطفاة والمفضلة على نساء العالمين ووُلد منها من غير زرع بشر.

وعاش قدوساً بلا شر ولم يمسسه الشيطان ولم يخطئ قط.

وتأيد بالروح القدس وبالبينات، ولعلاقته بإذن الله علاقة سرية غير محدودة كان يعلم الغيب، ويخلق الطير، ويطهر الأبرص، ويبرئ الأكمه ويقيم الموتى، ويرزق الجياع بطعام من السماء.

وهو آية ورحمة للعالمين، وهو صاحب الإنجيل أي البُشرى الطيبة للبشر.

وقد كفر به اليهود، واعترفوا بأنفسهم أنهم صلبوه، وأنه قد مات وأنه قد بُعث حياً، وأنه رُفع إلى السماء.

وهو الوجيه والشفيع في الدار الآخرة، وسيأتي ثانية للحكم، ومجيئه علامة الساعة وانقضاء العالم واستعلان الأمجاد السماوية.

ولكن يؤسفنا جد الأسف أن البعض عن جهل تام ينكرون صلب المسيح مع أن حقيقة الصلب ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار.

وهاكم الأدلة البينة عن موت المسيح من نفس القرآن:

1 - اعترافات القرآن بموت المسيح

قال القرآن: «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ» (سورة آل عمران 3: 55).

وقال أيضاً: «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (سورة المائدة 5: 117).

:وقال أيضاً «وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» (سورة مريم 19: 33).

فهذه ثلاث آيات صريحة تقطع بأن المسيح توفي ومات، وبُعث حياً، ورُفع إلى الله.

قال البيضاوي في تفسير آل عمران 3: 55 يا عيسى أني متوفيك: «وقيل أماته الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء وإليه ذهبت النصارى... ورافعك إليّ - إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي».

قال محمد بن اسحق: «إن معنى متوفيك مميتك» (تفسير الرازي جزء 2 ص 457 - 458).

وقال وهب توفي المسيح ثلاث ساعات.

وقال ابن اسحق توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه.

وقال الربيع ابن أنس إن الله توفاه حين رفعه إلى السماء.

آية الصلب

ولكن بعض المسلمين ينكرون صلب المسيح نظراً لفهمهم خطأ قول القرأن: «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» (سورة النساء 4: 157 و158). ولكننا مع التأمل والتدقيق نعتبر هذه الآية برهاناً آخر على صلب المسيح ونظراً لما انطوت عليه من شتى المعاني الجليلة السامية وإليك بعضها:

المعنى الأول:

إن في هذه الآية اعتراف صريح من اليهود أنهم قتلوا المسيح وصلبوه وهم يرسلون القول باستهزاء وعن شماتة وتبجح. وهذه الآية تضرب بكبريائهم عرض الحائط لأنها تبين أنهم بصلبهم المسيح لم يصلوا إلى هدفهم المنشود ولم ينالوا غرضهم المطلوب إذ أقامه الله وفوت عليهم ما انتووه به من إعدام وما ظهر لهم في صلبه أنه الهزيمة الماحقة.

فشبه لهم (أمر القتل) كما أسنده البيضاوي في بعض تأويلاته. وتصوروا في مخيلتهم أنهم أحكموا الكيد له. ولكن ذهب كيدهم وطاش سهمهم إذ عاد المسيح حياً ورفعه الله إليه. فعلا ذكره وعظم شأنه وانتشرت تعاليمه. وجعل الله الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.

المعنى الثاني:

إن اليهود ما قتلوا المسيح وما صلبوه بأنفسهم لأنهم كانوا تحت الحكم الأجنبي وقد قالوا للوالي الروماني: «لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً» (يو 18: 31).

فهم أنفسهم لم يقتلوا المسيح بل الرومانيون هم الذين قتلوه بتحريض من اليهود.

وبإزاء هذا لم يكن الموت هو الضربة القاضية على المسيح بل كان المسيح بقيامته من الموت كاشفاً لعجز اليهود ولاغياً لكيدهم.

المعنى الثالث:

إن الشهداء الذين ماتوا فعلاً في ميدان الجهاد يؤكد القرآن نفي الموت عنهم لوجودهم أحياء في العالم الآخر كقوله: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (سورة آل عمران 3: 169).

فكذلك المسيح مع أنه صُلب فعلاً ولكن القرآن يؤكد نفي الموت عنه لنجاته منه بالقيامة في اليوم الثالث.

المعنى الرابع:

إن صلب المسيح وإن يكن قد تمّ بيد بشرية أثيمة ولكنه ما كان ليتم وينفذ إلا بمقتضى مشورة الله ومحبته للبشر.

فما قتله اليهود وما صلبوه ولكن الله بذله فداء ورحمة للعالمين ثم رفعه إليه.

وقد جرى هذا الاصطلاح في القرآن كقوله: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ رَمَى» (سورة الأنفال 8: 17).

المعنى الخامس:

بديهي أن اللاهوت لا يموت فنحن نؤكد عدم موت المسيح وذلك باعتبار لاهوته ولكننا نؤمن بصلبه وموته باعتبار ناسوته. مع أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.

قال البيضاوي في تفسير «وإن الذين اختلفوا فيه» - في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود إنه كان كاذباً فقتلناه حقاً... وقال قوم صلب الناسوت وصعد اللاهوت.

والقارئ المنصف يرى أن هذه المعاني هي التفسير الصحيح الذي لا مراء فيه. أما القول إن الله ألقى شبه عيسى على رجل آخر وصلبوه عوضاً عنه فهو قول هراء.

لأنه ما الداعي لإلقاء الشبه؟

وما منفعته للمسيح إن كان سيرفع؟

وما منفعته لله أن يظهر كمخادع؟

وما منفعته للقتيل وهو يظلم؟

وما منفعته لليهود إلا تمكينهم من الاستمرار في مواصلة غيهم؟

وما منفعته للناس إلا قلب الأوضاع وتغيير الحقائق؟

ألا تتزعزع ثقتنا في معارفنا الذين نعاملهم لأنهم ربما يكونون أشباه لغيرهم ولا نقدر أن نميّزهم بحجة جواز وقوع الشبه؟

تفسير الرازي

لقد أصاب الإمام الرازي كبد الحقيقة في تفسيره حيث قال:

«شبه - مسند لماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه. وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر».

وإن جاز أن يقال أن الله تعالى يلقى شبه إنسان على آخر فهذا يفتح باب السفسطة.

فإنَّا إذا رأينا زيداً فلعله ليس بزيد ولكن ألقى شبه زيد عليه. وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك موثوقاً به.

وأيضاً يقضي إلى القدح في التواتر. لأن خبر التواتر يفيد العلم بشرط انتهائه في الآخر إلى المحسوس. فإذا جوزنا حصول مثل هذه الشبهة في المحسوسات توجه الطعن في التواتر. وذلك يوجب القدم في جميع الشرائع. وليس لمجيب أن يجيب عنه (تفسير الرازي جزء 3 ص 350).

والحقيقة الظاهرة أن الإمام الرازي لم يجد جواباً قاطعاً ولا حلاً شافياً في آراء الذين يتشككون في صلب المسيح فقال بالنص «اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع وذكروا وجوهاً... وهذه الوجوه متعارضة متدافعة والله أعلم بحقائق الأمور» (تفسير الرازي جزء 3 صفحة 350).

وإن كان الله يقصد كزعم بعضهم أن يخلص المسيح من الصلب لكان بالأولى خلصه بمعجزة قاهرة ونجاه من أيدي اليهود مظهراً عدم مقدرتهم على إيصال الأذى إليه.

ولكن المعجزة التي يتوهم بعض المسلمين إتمامها لتخليص المسيح لم تفد الفائدة المطلوبة عما فيها من غش الذي لا يمكن صدوره من الله لأنها لم تظهر لليهود قدرته وعجزهم.

وإذا كان الله رأى أن الصليب مخل بشرفه الأقدس أفيعقل أنه عمل معجزة تظهر احتقاره فعلاً مع أنه رفع المسيح إليه كي ينفي ذلك الاحتقار المزعوم؟

2 - إهانة الأشرار لله

ولماذا يحاول المسلم ألا يعترف بوقوع الإهانة على المسيح؟ أليس أن الشر أمر قائم في الأرض بين الناس؟ أو ليس البشر دائماً أبداً ضد البر؟

أو ليس الله نفسه عرضة للإهانة من البشر الجهلاء؟ ألم يعترف القرآن أن الناس يتعدون على الله تعالى حتى يسخط ويغضب وينتقم؟

لقد جاء في القرآن صريحاً أن الناس:

احتقروا الله!

«وَمَا قَدَرُوا ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (سورة الزمر 39: 67).

وقال البيضاوي «ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق».

وخاصموا الله!

«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ» (سورة الحشر 59: 4).

وأهانوا الله!

«مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً» (سورة نوح 71: 13).

وقال البيضاوي: «لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانه».

ونسبوا لله الفقر!

«لَقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ» (سورة آل عمران 3: 181).

ونسبوا لله الجهل!

«يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ» (سورة البقرة 2: 9).

قال البيضاوي: «خدعتهم أنفسهم حيث حدثتهم بالأماني الفارغة وحملتهم على مخادعة من لا تخفى عليه خافية».

ونسبوا لله الضعف!

«وَذَا ٱلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ» (سورة الأنبياء 21: 87).

ونسبوا لله الهزيمة!

«وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا» (سورة الحشر 59: 2).

قال لي أحدهم يحتمل أن الله يظهر في الجسد كما ظهر في النار لموسى وهو قادر على كل شيء ولكن كيف أصدق أنه يُصلب؟

فقلت له لو قيل أن الله تجسد ولم يُصلب لكانت هذه العبارة غير معقولة.

لأننا نفهم بالعقل أنه إذا ظهر الله في الجسد واحتك بالناس فمن جهلهم وشرهم يتطاولون عليه بالاذى. وهو لسموه وعطفه يحتمل آذاهم.

ففي صلب المسيح إعلان لحقيقة طبيعة الإنسان الشريرة وحب الله الغير محدود.

3 - قتل الأنبياء

أليس أن الأنبياء نظراً لكمالهم وبسالتهم في الحق قد قتلوا وماتوا شهداء؟

فالموت لم يكن لهم هواناً بل زاد من كرامتهم وقد اعترف القرآن بذلك في مواضع كثيرة. وهاكم بعضها:

الآية الأولى

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ» (سورة البقرة 2: 87).

الآية الثانية

«ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ ٱلنَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» (سورة آل عمران 3: 112).

الآية الثالثة

«قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ ٱللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (سورة البقرة 2: 91).

الآية الرابعة

«ٱلَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (سورة آل عمران 3: 183).

الآية الخامسة

«وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ ٱلظَالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ» (سورة المائدة 5: 27 - 30).

والآية السادسة

«وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ» (سورة آل عمران 3: 181).

جاء في الحديث: «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل».

وقال البيضاوي في تفسير آية 87 من سورة البقرة «قتلوا زكريا ويحيى ومحمد سموا له الشاة».

فماذا يعتبر الأخ المسلم موت نبيه محمد مسموماً بيد امرأة يهودية؟ أكان ذلك شرفاً أم عاراً؟

إذاً لا يظن أحد أن القوة والكرامة والعظمة في دفع الأذى بالأذى ورد العدوان بالعدوان ولكن القوة الأدبية والكرامة والعظمة الحقيقية إنما في ملاقاة السيئة بالحسنة والصبر إلى النهاية في احتمال الآلام حتى تؤثر المحبة الصابرة في المسيء وتحوله عن الخطأ وتصيغ منه صديقاً مخلصاً حميماً. إن:

Table 1. 

الشجاع هو الجبان عن الأذى وأرى الجريء على الشرور جباناً        

قال القرآن «وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (سورة فصلت 41: 34 و35).

وهذا هو ما فعله المسيح، فقد تحمل أذى البشر لينقذهم من خطاياهم ويدفع قلوبهم إلى المحبة والإخلاص. وما كان ضعفه إلا سر قوته في نشر آية المحبة.

قال الرسل الحواريون «نَحْنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَّوَلاً» (1 يو 4: 19).

وقال شوقي أمير الشعراء:

Table 2. 

ولابت إلا كابن مريم مشفقاً على حدسى مستغفراً لعداتي        

وقال الشيخ علي محمود (في قصيدة نشرها بالأهرام بتاريخ 25 ديسمبر 1942) مخاطباً المسيح:

Table 3. 

أيها المبعوث لا ضنت برجعاك السماء أنظر الأرض فهل في الأرض حب وإخاء        
نسي القوم وصاياك وضلوا وأساءوا وكما باعوك يا منقذ بيع الأبرياء        
يا قوياً لم يهن يوماً عليه الضعفاء وضعيفاً واسمه يصرع منه الأقوياء        
عجب فديتك المثلى وفي القول عزاء ألهذا العالم الشرير! ضاع الفداء        

 

4 - نحر القرابين

قال القرآن: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ» (سورة المائدة 5: 30).

وقد أوضح القرآن هذه الوسيلة في قوله: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ» (سورة الكوثر 108: 1 و2).

وقال البيضاوي «إن النحر هو الذبح».

ومعلوم أن عادة التقرب إلى الله بواسطة الذبائح هي فريضة دينية أمر الله بها آدم وتعترف بهذه الفريضة جميع الأمم والملل.

قال القرآن: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ» (سورة الحج 22: 34).

وقال البيضاوي: «أي لكل أهل دين جعلنا قرباناً يتقربون به إلى الله وقوله - ليذكروا اسم الله كثيراً على ما رزقهم من بهيمة الأنعام - أي عند ذبحها وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون نعما - وقوله - بشر المخبتين أي المتواضعين».

والقرآن قص علينا قصصاً كثيرة عن الذين تقربوا إلى الله بالذبائح مما ورد ذكرهم في التوراة. وأمر المسلمين أنفسهم أن يتقربوا لله بتقديمها.

1 - ذبيحة هابيل

كان هابيل أول إنسان من أولاد آدم تقرب إلى الله بذبيحة فقبله تعالى ورضي عنه. وأما قايين أخوه فلما أراد أن يتقرب بغير ذبيحة أي حنطة رفضه الله مع تقدمته (تك 4: 3 - 5).

فكانت الذبيحة للإنسان البدائي درساً عملياً فيه يعرف أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عب 9: 22).

وإنه يجب على المذنب أن يؤمن بمجيء الفادي الإلهي الذي سيكفر عنه.

قال القرآن: «وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ» (سورة المائدة 5: 27).

2 - ذبيحة إبراهيم

وكذلك إبراهيم لما امتحنه الله أمر بأن يذبح ابنه اسحاق فأطاع وصعد به إلى جبل المريا. ولما هم لذبحه ناداه الله قائلاً لا تمد يدك إلى الغلام. فرفع عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممكساً في الغابة بقرنيه. فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عنه (تك 22: 1 - 14).

وكان هذا الكبش عنوان الفداء. قال القرآن: «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» (سورة الصافات 37: 107).

والذبح في ذاته حيوان لا عظمة فيه وإنما هو عظيم لما فيه من اعتبار الرمز لفادي البشر الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

3 - ذبيحة موسى

وكذلك موسى أمره الله أن يقدم ذبيحة ويشترط أن تكون بقرة حمراء صحيحة لا عيب فيها لم يعل عليها نير فيذبحها ويحرقها ويحفظ رمادهها.

وكل إنسان يتنجس بملامسة ميت أو قبر يأتي إلى الكاهن فيرش عليه ماء مخلوطاً ببعض رماد البقرة فيطهر (عد 19: 1 - 22).

وكان هذا رمزاً ودرساً تعليمياً في أن الإنسان الذي يتنجس ضميره بارتكاب الخطايا المميتة لا يطهر إلا بإيمانه بدم المسيح الكريم (عب 9: 13 و14).

والقرآن جاء بخبر هذه الذبيحة التي سُمّيت أول سورة بها أي سورة البقرة وقال إن الميت إذا ضرب ببعضها يحيا. والمسيح هو الذبيح الحقيقي الكامل الذي بموته أعطانا الحياة. كما قالت التوراة: «بِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إش 53: 5).

:قال القرآن «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ قَالُوا ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَٱفْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاِقعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ قَالُوا ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيهَا قَالُوا ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (سورة البقرة 2: 67 - 73).

4 - ذبيحة إيليا

وكذلك إيليا النبي لما جمع بني إسرائيل على جبل الكرمل في أيام الملك آخاب وحضهم ألا يعرجوا بين عبادة الله وعبادة البعل، أمر عبدة البعل أن يقدموا للبعل ذبيحة وهو يقدم لله ذبيحة والإله الذي يجيب بنار تلتهم الذبيحة يكون هو الإله الحقيقي.

فصرخ أنبياء البعل للبعل طالبين أن ينزل ناراً علامة لقبول ذبيحتهم فلم يكن صوت ولا مجيب.

وأما إيليا فصلى إلى الله ليؤمن الشعب فجاءت النار والتهمت الذبيحة. فسجد كل الشعب وقالوا الرب هو الله الرب هو الله.

وهذه الذبيحة تمثل المسيح الذي علق على الصليب وذاب قلبه ألماً كالشمع في وسط أحشائه.

5 - ذبيحة الأضحى

وقد أوصى القرآن المسلمين أن يقدموا الذبائح تقرباً لله وقت فريضة الحج وأن يذكروا اسم الله عليها قائلين: «الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، اللهم منك وإليك».

ويعتبر القرآن أن إقامة هذه الشعائر هي من تقوى الله وتعود بالمنافع الدينية والدنيوية على مقدمها.

قال القرآن: «وَأَتِمُّوا ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ (أي القربان والذبيحة) وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ» (سورة البقرة 2: 196).

وقال أيضاً: «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ» (سورة الحج 22: 28).

وقال أيضاً: «وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُوا ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ (قائمات قد صففن) فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا (سقطت وماتت) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا ٱللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ» (سورة الحج 22: 36 و37).

وجاء في كتاب إحياء العلوم الدين للغزالي ص 243: «روى البزار وأبو الشيخ عن أبي سعد قال: قال رسول الله (ص) يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بأول قطرة من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك».

والعقل النير يرشدنا إلى أن ألوف الذبائح لا تنفعنا قط في التقرب إلى الله وفي رفع ذنوبنا ونوالك رضوانه إلا أنها تشير إلى المسيح «حمل الله رافع خطية العالم» (يو 1: 29).

6 - ذبيحة العقيقة

في الليلة التي خرج فيها بنو إسرائيل من مصر اجتاز الملاك المهلك وقتل كل بكر في مصر من بكر فرعون الجالس على العرش إلى بكر الأسير الجالس على الرحى.

وأما بنو إسرائيل فذبحوا حسب أمر الله شاة في كل بيت ووضعوا من دمها على العتبة العليا والقائمتين ولما اجتاز الملاك المهلك رأى الدم وعبر عنهم.

وأمر الله بني إسرائيل أن يقيموا من عبور الملاك المهلك عن أولادهم عيداً سنوياً يذبحون فيه خروف الفصح أو العبور.

وأوصى الله أن يقول رب العائلة في كل عيد هذه العبارة: «وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إِطْلاَقِنَا أَنَّ ٱلرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ ٱلنَّاسِ إِلَى بِكْرِ ٱلْبَهَائِمِ. لِذٰلِكَ أَنَا أَذْبَحُ لِلرَّبِّ ٱلذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَأَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلاَدِي» (خروج 13: 15).

وما يماثل ذبيحة الفصح عند اليهود ذبيحة العقيقة عند المسلمين التي يذبحونها في اليوم السابع للمولود فدية له.

جاء في صحيح البخاري جزء 3 ص 66 «قال رسول الله (ص) مع الغلام عقيقة (أي شاة) فاهرقوا عنه دماً واميطوا عنه الأذى».

وجاء في تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب 2 247 «وأما العقيقة للمولود فهي سنة مؤكدة تذبح وقت طلوع الشمس في اليوم السابع».

وجاء في مختار الصحاح: «العقيقة أي الشعر الذي يولد عليه كل مولود من الناس والبهائم ومنه سميت الشاة التي تُذبح عن المولود يوم اسبوعه عقيقة».

ويقولون عند ذبح العقيقة: «اللهم هذه عقيقة ابني.. دمها بدمه ولحمها بلحمه وعظمها بعظمه وجلدها بجلده وشعرها بشعره. اللهم اجعلها فداء لابني من النار. إني وليت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. الله منك ولك. باسم الله والله أكبر».

وبديهي أن هذه العقيقة إن هي إلا إشارة قوية للمسيح الذي فدانا من الهلاك.

ولهذا يقول الإنجيل: «لأنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأجْلِنَا» (1 كو 5: 7).

7 - الفدية بالطعام

قال القرآن: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» (سورة البقرة 2: 183 و184).

ويقول البيضاوي: «إن الفدية هي نصف صاع من القمح وصاع من غير القمح في بلاد العراق أو في بلاد الحجاز».

ونحن نقول إن الفدية هي البدل أو العوض: فهل يفدي الله إنساناً من ذنب بالحنطة؟

أليس بالأولى أن ننظر إلى الفادي الحقيقي الذي قال: «أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَداً» (يو 6: 35).

8 - الكفارة

قال القرآن: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» (سورة المائدة 5: 45).

والكفارة هي التغطية أو الستر. ومعنى هذا أن الذنب لا بد له من تغطية أمام قداسة الله وعدله. فهل تعادل جريمتنا في حق الله عيناً تفقأ أو أذناً تُقطع أو سناً تهشم؟ وهل السن أو الأذن أو العين التي نتنازل عنها تجعل الله يتنازل عن ذنبي أنا ضده تعالى؟

إن الذنب في حق الله العظيم لا بد له من كفارة إلهية لا يقدر البشر أن يصنعوها.

قال الإنجيل: «وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ ٱلآبِ، يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ» (1 يو 2: 1 و2).

فالله وحده لا الإنسان هو الذي يصنع الكفارة. قال القرآن: «فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا» (سورة آل عمران 3: 193).

وقال أيضاً: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا» (سورة البقرة 2: 286).

5 - بيعة النصارى

قال القرآن: «وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ ٱللَّهُ» (سورة الحج 22: 40).

ويقول البيضاوي في تفسيره: «صوامع الرهبانية، وبيع النصارى وصلوات اليهود من صلوتا العبرية وعربت صلوات، ومساجد المسلمين».

ومعلوم إن كل اسم من هذه الأماكن له مدلوله الخاص. فالمساجد للسجود فيها، والصلوات للصلاة فيها. والصوامع لبيان شكل مساكن الرهبان لأنها مصمعة أي دقيقة ومحددة ورؤوسها وأعاليها. والبيع لأنها مبتاعة ومشتراة.

فإطلاق اسم البيعة على كنيسة النصارى اعتراف صريح بصلب المسيح لأن المسيح ابتاع الكنيسة واشتراها بدمه. ولهذا سميت بيعة كما جاء ذلك في الإنجيل الذي يعرفه المسيحيون كما يعرفون أولادهم.

قال بولس الرسول: «اِحْتَرِزُوا اِذاً لأنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي أَقَامَكُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال 20: 28).

وقال أيضاً: «لأنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (1 كو 6: 20).

وقال يوحنا الرسول: «لأنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤ 5: 9).

وقال بطرس الرسول: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ» (1 بط 1: 18 و19).

6 - صبغة المعمودية

قال القرآن: «صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ» (سورة البقرة 2: 138).

قال البيضاوي: «صبغة الله أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة هي حلية المصبوغ».

أو هدانا الله هدايته وأرشدنا حجته وطهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على الثوب وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ بالثوب.

أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم.

ومعلوم أن المعمودية وهي دفن الإنسان المعتمد في الماء وخروجه منه على اسم المسيح عبارة عن اعتراف الإنسان علانية بموته ودفنه مع المسيح وقيامته معه مبرأ من خطاياه ليحيا حياة جديدة.

قال الإنجيل: «مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي ٱلْمَعْمُودِيَّةِ، ٱلَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فِي ٱلْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحاً لَكُمْ بِجَمِيعِ ٱلْخَطَايَا» (كولوسي 2: 12 و13).

فإشارة القرآن إلى معمودية النصارى هو اعتراف ضمني بل اعتراف صريح بحقيقة موت المسيح وقيامته لخلاص العالم.

7 - الحواريون

قال القرآن: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ» (سورة الصف 61: 14).

قال البيضاوي في تفسيره: «والحواريون أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً من الحور وهو البياض».

قال القرآن أيضاً: «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (سورة آل عمران 3: 52).

:وقال البيضاوي في تفسيره «الحواريون حواري الرجل خالصة من الحور وهو البياض الخالص ومنه الحوريات للحضريات لخلوص ألوانهن سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم».

:وقال القرآن «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي» (سورة المائدة 5: 111).

فلماذا يسمى أتباع المسيح حواريين؟

ولماذا وصفوا بالبياض الناصع؟

ولماذا يدعون دائماً بالقديسين والأطهار؟

أليس ذلك البياض والتطهير هو الذي تم لهم بإيمانهم بدم المسيح المسفوك على الصليب كما هو مشهور عنهم في الإنجيل؟

:قال الإنجيل «وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟ فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ. فَقَالَ لِي: هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتُوا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ» (رؤيا 7: 13 و14).

أفليس في هذه التسمية المأخوذة نقلاً عن الإنجيل - حواريين - دليل ضمني بل دليل صريح على صلب المسيح وثمرته وتأثيره في سيرة وسريرة المؤمنين؟

إن التاريخ هو مرآة الحوادث. وحادثة صلب المسيح هي واقعة قد سجلها المؤرخون المعاصرون على اختلاف أجناسهم وأديانهم ولغاتهم.

وإليك في إيجاز بعضاً مما دونه التاريخ:

1 - التاريخ اليهودي

قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير الذي عاش سنة 70 م في كتابه تاريخ الأمة اليهودية المكون من عشرين مجلداً: «إن بيلاطس حكم على المسيح بالصلب بناء على إلحاح رؤساء شعبنا».

وجاء في التلمود وهو أهم الكتب الدينية بعد التوراة عند اليهود في فصل السنهدريم صفحة 43 أن يسوع قد صُلب قبل الفصح بيوم واحد.

وقال الحاخام يوحنا بن زكا تلميذ هلل الشهير في كتابه سيرة يسوع الناصري: «إن الملك وحاخامات اليهود حكموا على يسوع بالموت لأنه جدف بقوله إنه ابن الله ولما كان المسيح في طريقه إلى الموت كان اليهود يصرخون أمامه فلتهلك كل أعدائك يا رب».

2 - التاريخ الروماني

واستمع إلى تاسيتوس المؤرخ الشهير الذي وُلد سنة 25 م. وارتقى إلى منصب قاضي القضاة وكتب تاريخ الأمبراطورية الرومانية في ستة عشر مجلداً أنه يقول: «إن الناس الذين كان يعذبهم نيرون كانوا يلقبون مسيحيين نسبة إلى شخص اسمه المسيح كان بيلاطس البنطي قد حكم عليه بالقتل في عهد طيباريوس قيصر».

وبين محفوظات الفاتيكان برومة خطاب كان بيلاطس البنطي قد كتبه إلى طيباريوس قيصر نقتطف منه ما يأتي نصه:

«ألقى الأوباش الهائجون القبض على يسوع ولما آنسوا عدم الخوف من الحكومة إذ ظنوا مع زعمائهم إني جزع وفزع من ثورتهم تمادوا على الصياح اصلبه اصلبه.. ثم طلبت وغسلت يدي أمام الجمهور مشيراً بذلك إلى استهجان عملهم ولكن لم يأت ذلك بثمرة فإن نفوس هؤلاء الأشقياء ظمآنة لقتله.. فقلت له (أي ليوسف الرامي) قد أجبت طلبك وفي الحال أمرت ماتليوس أن يأخذ بعض عساكر معه ليلاحظ ويباشر دفنه لئلا يتعرض أحد له.. وبعد ذلك بأيام قليلة وجد القبر فارغاً وأذاع تلاميذ يسوع في أطراف البلاد وأكنافها أن يسوع قام من الموت كما كان قد تنبأ».

ومما يجدر بنا ذكره أن هذا الخطاب الذي كتبه بيلاطس قد أشار إليه الفيلسوف جوستينوس سنة 139 م. والعلامة ترتوليانوس سنة 196 م. في رسائلهما وأقوالهما.

3 - التاريخ اليوناني

الثابت وقت صلب المسيح أن الظلمة اكتنفت الأرض كلها وبين الذين عاينوا هذه الظاهرة ديونيسيوس الأريوباغي من علماء أثينا فلفوره قال «إما أن يكون خالق الطبيعة متألماً أو أن العالم آخذٌ في التمزق».

وإذا نظرنا إلى مؤلفي اليونان فلا بأس من أن نخص بالذكر لوسيان الذي وُلد سنة 100 م. سيما وأنه قد كان أكثرهم اطلاعأً وحرية في الرأي حتى لم يتردد في إثبات رأيه حين كتب كتابه دي مورتى بركريني إذ يقول: «إن المسيحيين لا يزالون يعبدون ذلك الرجل العظيم الذي صُلب في فلسطين».

4 - التاريخ المسيحي

للقديس أغناطيوس المعاصر ليوحنا الرسول أقوال كثيرة سجلها التاريخ وما أحسن من أن ننظر مع الإعجاب إلى قوله: «إن الذين ربوا على النظامات القديمة وحل فيهم الأمل الجديد لا يحفظون اليوم السابع بل يوم الرب لأن فيه عادت إلينا الحياة وقمنا من الموت».

ويمتد بنا التاريخ إلى القرن الثاني للميلاد وهناك اكليمندس الاسكندري فما أجمل من أن تتفهم الحكمة والسداد في قوله: «إن الإنسان يحفظ وصية الإنجيل حفظاً تاماً ويقدس يوم الرب تقديساً كاملاً إذا امتنع عن كل شر ومجد قيامة الرب فيه».

وفضلاً عما ذكر فهذا قانون الإيمان الذي وضعه المجمع المسكوني الأول المنعقد في مدينة أفسس سنة 325 م. أي قبل ظهور الإسلام بثلاثة قرون وحسبنا أن نجتزئ مما اشتمل عليه بالعبارة التالية:

«هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصُلب عنا على عهد بيلاطس البنطي وتألم وقُبر وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه».

5 - الآثار

القبر

إن القبر الذي دُفن فيه المسيح بأورشليم معروف لدى جميع الناس ومنذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا يزوره الكثيرون من مختلف الشعوب والأجناس كل عام (مت 27: 6 - 66، مر 15: 46، لو 23: 53، يو 19: 41، إش 53: 9).

الكفن

إن يوسف الرامي اشترى كتاناً نقياً. ولف به جسد المسيح. ووضع مع هذا الكفن الحنوط التي أحضرها نيقوديموس.

ولما قام المسيح من الأموات رأى بطرس ويوحنا الأكفان موضوعة في القبر والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده (يو 20: 6 و7).

وقد احتفظ بهذا الكفن في بلدة تورين بفرنسا. طوله أربعة أمتار وعشرة سنتيمترات وعرضه متر واحد وأربعين سنتيمتراً. لونه ضارب إلى الصفرة لقدم عهده.

ويرى على الكفن شبحان كشبح إنسان ميت يمثلان وجهه وظهره من رأسه إلى قدميه. وصورة الوجه تقابل صورة الظهر.

وهذه الصورة كانت تظهر بجلاء أكثر في القرن السادس عشر كما ورد وصفها في روايات المؤرخين.

وفي سنة 1898 عرض هذا الكفن في معرض أقيم في مدينة تورين بفرنسا وقد أخذت صورة شمسية لهذا الكفن دلت على أن صورة السيد المسيح كانت قد تصورت في نسيج الكفن على مثال التصوير الشمسي بمعنى أن الأقسام الناتئة في جسد المسيح كانت سوداء في الكفن والأقسام الغائرة كانت بيضاء. وصورة الكفن تبين المسامير وقد ثقبت الزندين وموضع الحربة على جنبه الأيمن.

وقد فهم العلماء أن سبب طبع الصورة على الكفن هو أن المر والطيب والحنوط التي وُضعت على جسد المسيح تأثر بها الكتان فصار بمثابة الصفيحة الفوتوغرافية المهيأة للتصوير حساساً قابلاً للآثار. فلما وُضع جسد المسيح الطاهر في هذا الكفن أخذ يرسم صورة الجثة لا بقوة النور كما تتأثر الزجاجة الحساسة ولكن بقوة الأبخرة المنبعثة من جسد المسيح.

وإننا نشكر الله الذي قدم للعالم في العصور الحديثة أثراً يؤيد الحق المعلن في الإنجيل المبارك.

الأطياب

إن الحنوط التي أحضرها نيقوديموس ووضعها هو ويوسف الرامي مع الأكفان كانت مزيجاً من مر وعودة نحو مائة مناً (يو 19: 38 - 40).

وقد احتفظ الرسل بهذه الأطياب وكانوا يتسخدمونها في مسحة من يعتمد بوضع اليد عليه (أع 8: 17 أع 19: 6، 1يو 2: 20 و27).

واعتبرت الكنيسة هذه الأطياب ذخيرة مقدسة. وكلما قاربت أن تنفد يضع عليها البطريرك كمية كبيرة من زيت الزيتون بطقس ديني خاص. ويصرف منها حسب حاجة الكنائس.

وعلى مر السنين لكي لا تنقطع هذه الذخيرة يضع عليها أي من كان من البطاركة زيتاً جديداً.

وعلى هذا المنوال بقيت هذه المسحة التي تُسمى الميرون يمسح بها كل من يعتمد إلى اليوم.

المعموديات

نشأت المسيحية على أساس المعمودية التي تشبه القبر المملوء بالماء الذي يُدفن فيه المسيحي ويقوم على مثال موت المسيح وقيامته.

وإنّا نرى المعموديات المصنوعة من الأحجار في القرون الأولى في العهد الروماني لا زالت محفوظة إلى اليوم في متاحف الآثار، ويمكن مشاهدتها في المتحف اليوناني الروماني بشارع فؤاد الأول بالإسكندرية.

6 - العادات المتواترة

التناول

إننا منذ الليلة التي أُسلم فيها المسيح للموت ورسم العشاء الرباني ونحن في كل مكان على وجه الأرض وفي كل عصر إلى هذا اليوم نتناول من الخبز ونشرب من نتاج الكرمة لنذكر موت الرب إلى أن يجيء.

وقد نوه القرآن بمزايا سر التناول في سورة المائدة حيث قال: «قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱلَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ» (سورة المائدة 5: 114).

وبعض المستفاد من تفسير البيضاوي لهذه الآية «أن هذه المائدة كان يجتمع عليها الفقراء والأغنياء والصغار والكبار ويعتبرونها غذاء روحياً لهم على أنها رحمة لمستحقيها ونقمة لغير المستحقين وأنها تكون عيداً للمتقدمين والمتأخرين».

فنحن النصارى نعيد بهذا الغذاء الروحي ونرى أن قبولنا المسيح فادياً لنا هو قوتنا ونبع حياتنا وسر نمونا أمساً واليوم وإلى الأبد.

حفظ الأحد

وإننا منذ اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات وهو يوم الأحد ونحن نقدس هذا اليوم للراحة والعبادة إلى اليوم.

صوم الأربعاء والجمعة

وإننا منذ العصر الرسولي ونحن نصوم يوم الأربعاء الذي فيه اتفق يهوذا مع اليهود لتسليم المسيح. ونصوم يوم الجمعة الذي فيه تمت عملية الصلب. ولا زلنا نصوم هذين اليومين أسبوعياً في كل أنحاء المسكونة إلى الآن.

عيد القيامة المجيد

وإنه منذ قيامة المسيح ونحن نحفظ بفرح عيد قيامته المجيدة ونظهر مباهج العيد في الفطر بعد الصوم، وإقامة قداس العيد، وإلقاء العظات المناسبة وتبادل التهاني في المنازل والمجتمعات وعلى صفحات جرائد العالم إلى يومنا هذا.

علامة المسيحية

وإنه منذ عُلق المسيح على الصليب وصار الصليب وساماً وعلامة شرف، وبه نرشم أنفسنا، ونضعه علامة على منازلنا وكنائسنا ومقابرنا ونحن نعتبر الفداء بالصليب ضرورة للحياة الروحية كضرورة الهواء للتنفس.

7 - الاختبار

ما الذي حدا بالتلاميذ الأولين في أورشليم وفي أهم عواصم العالم أن يحتملوا الاضطهادات المريرة ويموتوا شهداء؟

ما الذي جعل المسيحيين في القرن الأول أن يستعذبوا الاستشهاد الذي ذهب ضحيته الألوف على يد نيرون قيصر رومة وهم يذهبون بفرح إلى أماكن الإعدام إلا إيمانهم بالمسيح المصلوب!

وما الذي خلق من أقباط مصر ألوف الشهداء الشجعان الذين قتلوا بأمر دقلادينوس بالإسكندرية مما جعلنا نؤرخ التاريخ القبطي باسم تاريخ الشهداء؟

إن الشهداء المسيحيين في كل عصر ومصر هم شهود الصليب.

تجديد القلب

إن مشكلة قاسية تواجه كل فرد في العالم وهي كيف ينال غفران خطاياه؟ وكيف ينتصر على الخطية ويعيش عيشة القداسة؟

وهذه المشكلة وجد ألوف ألوف وملايين ملايين من البشر حلها وشعروا بسلام الله الذي يفوق كل عقل وتمتعوا بقوة غير طبيعية للانتصار على الخطية والسلوك في البر بواسطة الإيمان بالمصلوب. وهنا أعلن على رؤوس الأشهاد بأنني أحد هؤلاء الذين نالهم فضل الصليب. وهذه شهادة ينطق بها الواقع تبين مجد الصليب.

التفاني في الخدمة العامة

إذا تأملنا في جغرافية الأرض وراجعنا تاريخها في كل العصور نجد أن أَبطال الخدمات العامة والذين أدخلوا نظم السعادة بين الأمم هم المسيحيون.

فهم الذين هذبوا الوثنيين. وعمروا مجاهل القارات والجزر. وبثوا الإرساليات. وأنشأوا المدارس والجامعات. وأسّسوا المستشفيات والملاجئ وجمعيات البر والصليب الأحمر ونشروا الكتب والمطابع والجرائد. وقاموا بالمكتشفات العلمية والمخترعات الجبارة. وخدموا الناس مخلصين غير مميزين بين لون ولون أو جنس وجنس. محتملين كل تعب وأذى على مثال المسيح الذي بذل نفسه فدية من أجل الجميع.

أفليست هذه الأعمال المجيدة هي شهادة ناطقة بل ثمرة ناضجة لصليب المسيح؟

أجل أن الصليب هو النبع الفياض للخير والسلام!

أما ما نراه من حروب يندى لها جبين الإنسانية فليس من المسيح ولا من المسيحية في شيء.

وقد شهد بذلك شوقي بك أمير الشعراء حين أبرز قوة الصليب في قوله مخاطباً اللورد اللنبي:

Table 4. 

يا فاتح القدس خل السيف ناحية ًليس الصليب حديداً كان بل خشبا        

وفي قوله مندداً بالذين أشعلوا الحرب في البلقان:

Table 5. 

عيسى سبيلك رحمة ومحبة في العالمين عصمة وسلام        
ما كنت سفاك الدما ولا أمرءاً هان الضعاف عليه والأيتام        
يا حامل الآلام عن هذا الورى كثرت عليه باسمك الآلام        
أنت الذي جعل العباد جميعهم رحما وباسمك تقطع الأرحام        
خلطوا صليبك والخناجر والمدى طل أداة للأذى وحمام        

وفي قوله مشيداً بعظمة الصليب الأحمر:

Table 6. 

سر يا صليب الرفق في ساح الوغي وانشر عليها رحمة وحنانا        
وادخل على الموت الصفوف مواسياً وأعن على آلامه الإنسان        
والمس جراحات البرية شافياً ما كنت إلا للمسيح بناناً        

هذا - ولا يسعني في الختام إلا أن أتوجه إلى الفادي الحبيب مناجياً بهذه الآبيات:

Table 7. 

حاشا لغيرك يا مخلص أنظر أو أنني بسوى صليبك أفخر        
روحي وما ملكت يدي لك كيفما أحببت لي يا سيدي لا أخسر        
يا ليت قومي يعرفونك بينهم وإليك إن ناديت لن يتأخروا        
طوبى الذين تعلقت أرواحهم بك يا يسوع تمعنوا وتخيروا        
أنا ما حييت وكيف شئت فإنني في كل حال سوف باسمك أجهر        
أشرق على مصر بنورك عل لا يشكو الظلام أو الجهالة منير        
أبناء وادي النيل كم ذا ابتغي من ربقة الشيطان أن يتحرروا        

ان كان لديك أي أسئلة أو استفسارات عن هذا الكتيب، يمكنك الكتابة إلينا مباشرة عن طريق استمارة الاتصال الموجودة على الموقع.

الرجاء استخدام الاستمارة الخاصة بالموقع للاتصال بنا:

www.the-good-way.com/ar/contact

او يمكنك ارسال رسالة عادية الى:

The Good Way
P.O. BOX 66
CH-8486
Rikon
Switzerland

© 1996 - 2012 The Good Way Publishing. جميع الحقوق محفوظة لموقع دار الهداية

الفهرس